حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسين عليه السلام16%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 471

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 471 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260585 / تحميل: 5237
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

أخيك قد سبّت آلهتنا، وعاب ديننا، وسفَّه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإمّا أن تكفّه عنّا، وإمّا أن تخلّي بيننا وبينه إلخ.(١)

وكأنَّه ليس أحد المجتمعين بدار النّدوة الذين تفرَّقوا على رأي أبي جهل من أن يُؤخذ من كلِّ قبيلة شابٌّ فتى جليد نسيب وسط ثمَّ يُعطى كلٌّ منهم سيفاً صارماً فيعمدوا إلى رسول الله فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه(٢) .

وكأنَّه غير من أنفق على المشركين يوم اُحد أربعين أوقية وكلُّ اوقية اثنان و أربعون مثقالاً.

وكأنَّه غير مَن استأجر ألفين من الأحابيش من بني كنانة ليقاتل بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى من استجاش من العرب(٣) .

وكأنّه غير مَن لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم اُحد في صلاة الصبح بعد الركعة الثانية. بقوله: ألّلهم العن أبا سفيان. وصفوان بن اميّة. والحارث بن هشام(٤) .

وكأنّه غير مَن لعنه رسول الله في سبعة مواطن لا يتأتّى لأيّ أحد ردّها أوّلها: يوم لقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجاً من مكّة إلى الطائف يدعو ثقيفاً إلى الدين فوقع به و سبّه وشتمه وكذَّبه وتوعّده وهمّ أن يبطش به فلعنه الله ورسوله وصرف عنه.

الثانية: يوم العير إذ عرض لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي جائية من الشام فطردها أبو سفيان وساحل بها فلم يطف المسلمون بها ولعنه رسول الله ودعا عليه، فكانت وقعة بدر لأجلها.

الثالثة: يوم اُحد حيث وقف تحت الجبل ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أعلاه وهو ينادي: أعلِ هُبل. مراراً، فلعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر مرّات ولعنه المسلمون.

الرابعة: يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود فلعنه رسول الله وابتهل.

____________________

١ - سيرة ابن هشام ١: ٢٧٧، ج ٢: ٢٦.

٢ - سيرة ابن هشام ٢: ٩٤، نصب الراية للزيلعى ٢: ١٢٩، وأخرجه البخارى فى المغازى ٢: ٥٨٢، وفى التفسير بلفظ فلانا وفلانا ً ولم يسم أحداً تحفظاً على كرامة أبى سفيان وشاكلته.

٣ - تفسير الطبرى ٩: ١٥٩، ١٦٠، الكشاف ٢: ١٣، تفسير الرازى ٤: ٣٩٧، تفسير الخازن ٢: ١٩٢، تفسير الالوسى ٩: ٢٠٤.

٤ - تفسير الطبرى ٤: ٥٨، وأخرجه الترمذى فى جامعه كما فى نيل الاوطار للشوكانى ٢: ٣٩٨.

٨١

الخامسة: يوم جاء ابو سفيان في قريش فصدّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المسجد الحرام والهدي معكوفاً أن يبلغ محلّه، ذلك يوم الحديبيَّة فلعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا سفيان و لعن القادة والأتباع وقال: ملعونون كلّهم، وليس فيهم من يؤمن، فقيل: يا رسول الله؟ أفما يرجى الإسلام لأحد منهم فكيف باللعنة؟ فقال لا تصيب اللعنة احداً من الأتباع و أمّا القادة فلا يفلح منهم أحد.

السادسة يوم الجمل الأحمر.

السابعة يوم وقفوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثنى عشر رجلاً منهم أبو سفيان(١)

هذه المواطن السبعة عدَّها الإمام الحسن السبط سلام الله عليه.

وكأنّه غير مَن عدا على دور المهاجرين من بني جحش بن رئاب بعد ما هاجروا. وباعها من عمرو بن علقمة وقيل فيه:

أبلغ أبا سفيان عن

أمر عواقبه ندامه

دار ابن عمِّك بعتَها

تقضي بها عنك الغرامه

وحليفكم بالله ر

بّ الناس مجتهد القسامه

إذهب بها اذهب بها

طوّقتها طوق الحمامه(٢)

وكأنّه غير صاحب البائيّة يوم اُحد يقول فيها:

اُقاتلهم وادّعي يالَ غالبٍ

وأدفعهُم عنّي بركن صليبِ

فبكّي ولا ترعى مقالة عادلٍ

ولا تسأمي من عبرة ونحيبِ

أباك وإخواناً له قد تتابعوا

وحُقّ لهم من عبرةٍ بنصيبِ

وسلّي الذي قد كان في النفس إنَّني

قتلتُ من النجار كلّ نجيبِ

ومن هاشم قرماً كريماً ومُصعباً(٣)

وكان لدى الهيجاء غير هيوبِ

ولو أنّني لم أشف نفسيَ منهُم

لكانت شجاً في القلب ذات ندوبِ

____________________

١ - شرح ابن ابى الحديد ٢، ١٠٢، ١٠٣.

٢ - سيرة ابن هشام ٢، ١١٧.

٣ - عنى به سيدنا حمزة بن عبد المطلب.

٨٢

فآبوا وقد أودى الجلابيب(١) منهُم

بهم خدَبٌ من مُعبط وكئيبِ

أصابهمُ من لم يكن لدمائهم

كفاءً ولا في خُطّةٍ بضريبِ(٢)

وكأنّه غير مَن كان يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب بزجّ الرمح قائلاً: ذُق عقق(٣) سيرة ابن هشام ٣: ٤٤.

وكأنّه غير مَن داس قبر حمزة برجله وقال: يا أبا عمارة انّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به. شرح ابن ابي الحديد ٤: ٥١.

وكأنّه غير مَن قال لمـّا رأى الناس يطؤن عقب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحسده: لو عاودت الجمع لهذا الرجل. فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدره ثمَّ قال: إذاً يخزيك الله. الإصابة ٢: ١٧٩.

وكأنّه غير مَن قال لعثمان يوم تسنّم عرش الخلافة: صارت إليك بعد تيم وعدي فادرها كالكرة، واجعل أوتادها بني اميّة، فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جنّة ولا نار. راجع ج ٨: ٢٨٥.

وكأنّه غير مَن دخل على عثمان بعد ما عمى وقال: هاهنا أحد؟ فقالوا: لا. فقال: اللهمَّ اجعل الأمر أمر جاهليّة، والملك ملك غاصبيّة، واجعل أوتاد الأرض لبني اُميّة [تاريخ ابن عساكر ٦: ٤٠٧].

وكأنَّه غير مَن عرَّفه أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب له إلى معاوية بقوله: منّا النبيُّ، ومنكم المكذِّب، قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٤٥٢: يعني أبا سفيان بن حرب كان عدوّ رسول الله، والمكذِّب له، والمجلب عليه.

وكأنّه غير مَن جاء فيه قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب له إلى محمّد بن أبي بكر: قد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية.

وكأنّه غير مَن ذكره أمير المؤمنين بقوله في كتاب له إلى إبنه معاوية: يا بن صخر يا ابن اللّعين. والإمام الطاهرعليه‌السلام في لعنه الرجل إقتفى أثر النبيِّ الأعظم، وقد سمع

____________________

١ - الجلابيب جمع جلباب: الازار الخشن. كان الكفار من أهل مكة يسمون من أسلم مع النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ والجلابيب.

٢ - الخطة: الخصلة الرفيعة الضريب: الشبيه. راجع سيرة ابن هشام ٣: ٢٢.

٣ - عقق، أى يا عقق، يريد يا عاق.

٨٣

منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يلعنه في مواطن شتّى.

وكأنّه غير مَن قال فيه عمر بن الخطاب: أبو سفيان عدوّ الله، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني يا رسول الله! أضرب عنقه. تاريخ ابن عساكر ٦: ٣٩٩.

وكأنَّه غير مَن قال فيه عمر أيضاً: إنَّ أبا سفيان لقديم الظلم. الإصابة ٢: ١٨٠

وكأنَّه غير مَن أسلفنا ترجمته في الجزء الثالث ص ٢٢١ - ٢٢٤ وفي الثّامن ص ٢٨٤ - ٢٨٦.

هذا مجمل حال الرجل في العهدين الجاهليّ والإسلاميّ، أفبمثله اُيّد الدين قبل إسلامه وبعد إسلامه؟ أو مثله يتولّى سقاية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم المحشر إذا أقبل من عند ذي العرش؟ وهل مستوى العرش معبّأ لمثل أبي سفيان هذا ونظرائه؟ إذا فعلى العرش ومَن بفنائه السَّلام.

ثمَّ اقرأ المجازفة في حساب عثمان الذي حاز في مزعمة ملفِّق هذه الرّواية ثواب عبادة الملائكة اوّلهم وآخرهم اولئك الملائكة المعصومين، وجنّة لا يقدر على وصفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مَن قرأت صحيفة حياته في الجزء التاسع وقبله، ووقفت على عقائد الصحابة العدول فيه وفي أحداثه، وإجماعهم على إهدار دمه، فلماذا ذلك الثواب ولِماذا تلكم الجنّة؟ ولِماذا هذه العظمة في أبناء الشجرة المنعوتة في القرآن؟ أعوذ بالله من السَرف في القول والغلوّ في الفضائل.

١٢ - أخرج ابن عساكر وابن مندة والخلعي والطبراني والعقيلي عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك عن أبيه عن جدّه قال: لمـّا رجع النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن حجّة الوداع إلى المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: يا أيّها الناس! إنّ أبا بكر لم يسؤني قطّ فاعرفوا ذلك له، يا أيّها النّاس! انِّي راضِ عن أبي بكر وعمر وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرَّحمن بن عوف، والمهاجرين الأوّلين فاعرفوا ذلك لهم. أيّها النّاس إنَّ الله قد غفر لأهل بدر والحديبيّة. أيّها الناس؟ احفظوني في أصحابي وأصهاري وفي أختاني لا يطلبنَّكم الله بمظلمة أحد منهم فإنّها ممّا لا توهب أيّها النّاس! ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحدٌ من المسلمين

٨٤

فقولوا فيه خيرا(١) .

قال الأميني: قال ابن عبد البرّ في الإستيعاب ٢: ٥٧٣: حديثه [يعني حديث سهل بن مالك] يدور على خالد بن عمرو القرشي الأموي وهو منكر الحديث، متروك الحديث، قال بعد ذكر الحديث: حديثٌ منكرٌ موضوعٌ، يقال فيه: انّه من الأنصار ولا يصحُّ، وفي إسناد حديثه مجهولون ضعفاء معروفون يدور على سهل بن يوسف بن مالك بن سهل عن أبيه عن جدّه وكلّهم لا يُعرف.

وقال ابن مندة: غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه. وقال العقيلي: إسناده مجهول لا يتابع عليه. والعجب من الحافظين وحكمهما بغرابة الحديث والجهل وقد أخرجاه من طريق خالد بن عمرو، ومرَّ في الجزء الثامن ص ٤٨، ٤٩ عن أئمَّة الجرح والتعديل انّه كان كذّاباً وضّاعاً يتفرَّد عن الثقات بالموضوعات لا يجوز الإحتجاج بخبره، أحاديثه موضوعةٌ باطلةٌ. وجزم الدارقطني في الأفراد بانَّ خالد بن عمرو تفرَّد بهذا الحديث.

وأخرجه سيف بن عمر، وقد أسلفنا في الجزء الثامن ص ٨٦ و ٣٥٥ أقوال الحفاظ فيه وانّه وضّاعٌ، متروكٌ، ساقطٌ، متَّهمٌ بالزندقة، عامّة أحاديثه منكرةٌ لم يتابع عليها.

وفي طرق الحديث مجاهيل منهم: محمّد بن يوسف المسمعي. قال الذهبي: لا يُدرى مَن هو. وقال العقيلي: لا يُتابع على حديثه. ومنهم: عليّ بن محمّد بن يوسف. قال الضياء: لم أجد له ولا لشيخه. ومنهم: حبّان بن أبي تراب(٢) أو: منان بن أبي ثواب(٣) أو: قنان ابن أبي أيّوب(٤) أو: قنار بن أبي أيوب(٥) من رجل الغيب لا يعرف اسمه واسم أبيه فضلاً عن عرفان شخصيَّتهما.

ومن الوهم الغريب للطبراني إخراجه الرواية من طريق عليّ بن محمّد بن يوسف المسمعي عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك، وتبعه في ذلك الضياء في المختارة، وقد أخرجها العقيلي من طريق محمّد بن يوسف المسمعي والد علي المذكور في إسناد الطبراني

____________________

١ - تاريخ ابن عساكر ٦: ١٢٧، الاستيعاب ٢: ٥٧٢:

٢ - كذا فى لسان الميزان ٥: ٤٣٥.

٣ - كذا فى لسان الميزان ٣: ١٢٣.

٤ - كذا فى الاصابة ٢: ٩٠.

٥ - كذا فى لسان الميزان ٤: ٤٧٥.

٨٥

عن حبان، رقبان، رقنار، رمنان، عن خالد بن عمرو الأموي عن سهل، فطبقة عليّ تستدعي سقط ثلاثة من رجال إسناد الطبراني.

راجع ميزان الاعتدال ١، ٣، الاصابة ٢، ٩٠، لسان الميزان ٣: ١٢٣، ج ٤: ٢٦١، ج ٥: ٤٣٥.

١٣ - عن عبادة بن الصامت قال: خلوت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: أيّ أصحابك أحبُّ إليك حتى اُحبَّ من تحبُّ كما تحبّ؟ فقال: اكتم عليَّ يا عبادة! حياتي فقلت: نعم، فقال: أبو بكر، ثمَّ عمر، ثمَّ عليُّ. ثمّ سكت، فقلت: ثمَّ مَن يا نبيَّ الله؟ فقال: مَن عسى أن يكون بعد هؤلاء إلّا الزبير وطلحة وسعد وأبو عبيدة ومعاذ وأبو طلحة وأبو أيّوب وأنت يا عبادة! واُبّي بن كعب وأبو الدرداء وأبو مسعود وابن عوف وابن عفّان، ثمَّ هؤلاء الرهط من الموالي سلمان وصهيب وبلال وسالم مولى أبي حذيفة، هؤلاء خاصّتي وكلُّ أصحابي عليَّ كريمٌ حبيب إليَّ وإن كان عبداً حبشيّاً. قال أبو عبد الله الصنابحي: قلت لعبادة: لم يذكر حمزة ولا جعفراً، فقال عبادة: إنّهما كانا اُصيبا يوم سألت عن هذا إنَّما كان هذا بآخرة أو كما قال. تاريخ ابن عساكر ٥: ٣٨، و ج ٧: ٢١٠.

قال الأميني: ألا تعجب من نبيِّ العظمة أن يتحاشى عن بيان ما يهمّ الاُمَّة عرفانه ويعهد إلى السائل بأن يكتمه عليه في حياته وهو في اُخرياتها؟ أليس هو القائل لعائشة فيما أخرجه الخجندي: إنَّ عليّاً أحبّ الرجل إليَّ وأكرمهم عليَّ.والقائل: أحبُّ النّاس إليَّ من الرجال عليّ. والقائل: عليُّ أحبّهم إليَّ وأحبّهم إلى الله؟

هلّا كانت الصحابة يعرفون أحبّ الناس إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تلكم الآيات والنصوص النبويّة الواردة في مولانا عليّ أمير المؤمنين؟ أما صحَّ عن عائشة قولها: والله ما رأيت أحداً أحبّ إلى رسول الله من عليّ، ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إليه من امرأته.

وهلّا صحَّح الحفاظ قول بريدة واُبيّ بن كعب: أحبّ النّاس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الناس فاطمة ومن الرجال عليّ(١) .

ثمّ ما الذي أنسى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعاظم صحابته الذين نزل فيهم القرآن وأثنىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم بما لا يزيد عليه كعمّه العبّاس وأبي ذر وعمّار والمقداد وابن مسعود إلى

____________________

١ - راجع ما أسلفناه فى الجزء الثالث ص ٢١ - ٢٤ طبع ٢.

٨٦

آخرين من أمثالهم؟ وما الذي بخس حظّهم من حبّ نبيِّهم الأقدس إيّاهم مع تلكم الفضائل والفواضل الجمَّة ولا يدانيهم فيها غيرهم حتّى جُلُّ المذكورين إن لم نقل كلّهم غير سيِّد العترة؟

أفي وسع الباحث أن يرى أبا عبيدة حفَّار القبور مثلاً أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبي ذرّ الصدّيق شبيه عيسى في اُمَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هدياً وبرّاً ونسكاً وزهداً وصدقاً وجدّاً وخَلقاً وخُلقاً؟ من أبي ذر الذي كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدنيه دون أصحابه إذا حضر ويتفقَّده إذا غاب(١) .

أو من عمّار جلدة ما بين عيني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنفه. الطيّب المطيّب الذي ملئ إيماناً إلى مشاشه، الذي خلط الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، خلط الايمان بلحمه ودمه، الذي كان مع الحقِّ والحقُّ معه يدور مع الحقِّ أينما دار(٢) .

أعوذ بالله من التقوُّل والتحدّث بالزعمات بلا تعقّل.

١٤ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٦: ١٧٣ من طريق سعيد بن مسلمة بن اميَّة ابن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو دخل المسجد وهو آخذٌ بيد أبي بكر وعمر، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ثمَّ قال: هكذا نبعث يوم القيامة. ورواه الترمذي.

قال الأميني: حذف بدران مهذِّب تاريخ ابن عساكر إسناد هذه الرواية ستراً على ما فيه من العلل ذاهلاً عن أنَّ في ذكر سعيد بن مسلمة غنى وكفاية، وإسناده كما في « الميزان » عن سعيد عن إسماعيل بن اُميَّة عن نافع عن إبن عمر. قال البخارى في تاريخه: سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن اميّة فيه نظر، يروي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه مناكير. وقال أيضاً: منكر الحديث. وقال مرَّة: ضعيفٌ. وقال يحيى ابن معين: ليس بشيىء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكره. وقال الدارقطني: هو ضعيف الحديث يعتبر به. وقال ابن حبان: فاحش الخطأ، منكر الحديث جدّاً(٣) .

____________________

١ - راجع الجزء الثامن ص ٣١٥ - ٣٢٦ ط ١، و ٣٠٨ - ٣١٩ ط ٢.

٢ - راجع الجزء التاسع ص ٢٠ - ٢٧ ط ١، ٢.

٣ - تاريخ ابن عساكر ٦: ١٧٤، ميزان الاعتدال ١: ٣٩١، تهذيب التهذيب ٤: ٨٣.

٨٧

وأخرجه الدارقطني من طريق الحارث بن عبد الله المديني مولى بني سليم عن اسحاق بن محمّد الفروي الأموي مولى عثمان عن مالك عن نافع عن ابن عمر. فقال: لا يصحّ والحارث هذا ضعيفٌ. أقول: واسحاق الأموي وهّاه أبو داود جدّاً وقال: لو جاء بذلك الحديث عن مالك يحيي بن سعيد لم يحتمل له. وقال النسائي: متروك وقال أيضاً: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ضعيف وقد روى عنه البخاري ويوِّبخونه في هذا. وقال الدارقطني أيضاً: لا يترك. وقال الساجي: فيه لين. روى عن مالك أحاديث تفرَّد بها. وقال العقيلي: جاء عن مالك بأحاديث كثيرة لا يتابع عليها. وقال الحاكم: عيب على محمّد - يعني البخاري - اخراج حديثه وقد غمزوه(١) .

١٥ - أخرج ابن عساكر من طريق سليمان بن بلال بن أبي الدرداء عزيز(٢) بن زيد الأنصاري عن أبيه انّه رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا بكر عن يمينه وعمر عن يساره فقال: هكذا نكون، ثمَّ هكذا نموت، ثمّ هكذا نبعث، ثمّ هكذا ندخل الجنّة. تاريخ ابن عساكر ٦: ٢٤٦.

قال الأميني: هذا الإسناد فيه وهمٌ واختلاطٌ من ناحية سليمان أوّلاً فإنّ بلال بن أبي الدرداء لم يذكر له ولد يروي عنه، ولا يوجد له قطُّ اسمٌ في المعاجم، والصحيح: سليمان عن بلال عن أبيه، وفي تلك الطبقة غير واحد كلّهم يسمّون سليمان بين كذّاب وضّاع، وبين ضعيف ساقط متروك، وبين مجهول منكر لا يُعرف.

وفي الإسناد وهمٌ من ناحية بلال ثانيا فانَّه لم يدرك النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرو عنه قال أبو زرعة: في الطبقة التي تلي الصحابة بلال بن أبي الدرداء توفي سنة ٩٢ - ٩٣ وكان قاضياً على دمشق في ولاية يزيد وبعده حتّى عزله عبد الملك. ولعلّك تهتدي بذلك إلى مبلغه من الثقة والدين.

وبقيَّة رجال السند المحذوفة أسمائهم لا نعرف أحداً منهم حتى نعطي النظر حقَّه، وبمثلها من رواية لا يثبت حقُّ، ولا تعتبر فضيلةٌ.

١٦ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٤: ٢٢٤ من طريق الحسن بن محمّد بن الحسن

____________________

١ - ميزان الاعتدال ١: ٩٣، تهذيب التهذيب ١: ٢٤٨، لسان الميزان ٢: ١٥٤.

٢ - كذا فى النسخ والصحيح المتسالم عليه: عويمر. هو ابو الدرداء المعروف.

٨٨

أبي علي الأبهري المالكي نزيل دمشق إلى شدّاد بن أوس مرفوعاً: أبو بكر أرأف امّتي وأرحمها. وعمر بن الخطاب خير امَّتي وأعدلها. وعثمان أحيا اُمَّتي وأكرمها وأصدقها. وأبو الدرداء أعبد امّتي وأتقاها. ومعاوية أحكم امَّتي وأجودها.

وفي لفظ العقيلي من طريق بشير بن زاذان عن عمر بن صبح عن ركن عن شدّاد بن أوس مرفوعاً: أبو بكر أوزن امَّتي، و ( عمر ) خير امَّتي، وعثمان أحيى أمَّتي، و معاوية أحكم امَّتي. ( لسان الميزان ٢: ٣٧ )

وفي لفظ السيوطي نقلاً عن العقيلي ايضاً: أبو بكر أوزن امَّتي وأرحمها. وعمر خير امّتي وأكملها، وعثمان أحيى امّتي وأعدلها، وعليٌّ أوفى امَّتي وأوسمها، وعبد الله بن مسعود أمين امّتي وأوصلها، وأبوذر أزهد امّتي وأرقّها، وأبو الدرداء أعدل امَّتي وأرحمها، ومعاوية أحلم امَّتي وأجودها. ( اللئالي ١: ٤٢٨ )

قال الاميني: قال الحافظ ابن عساكر: هذا الحديث ضعيفٌ. ونحن على يقين من انَّ الباحث بعد ما أوقفناه على ترجمة رجال الإسناد يحكم بالوضع لا بالضعف كما حكم به الحافظ وإليك الرجال:

١ - بشير بن زاذان. ضعَّفه الدارقطني وغيره، واتَّهمه ابن الجوزي، وقال ابن معين: ليس بشيء، وذكره الساجي وابن الجارود والعقيلي في الضعفاء، وقال ابن عدي: أحاديثه ليس لها نورٌ، وهو ضعيفٌ غير ثقة، يحدِّث عن جماعة ضعفاء وهو بيّن الضعف.

وقال ابن حجر في ترجمته بعد ذكر الحديث: ولا يتابع بشير بن زاذان على هذا ولا يُعرف إلّا به ولمـّا ذكر له ابن الجوزي حديثاً في فضل الصّحابة قال: هو المتَّهم به عندي فإمّا أن يكون من فعله، أو من تدليسه من الضعفاء. وقال ابن حبّان: غلب الوهم على حديثه حتّى بطل الإحتجاج(١) .

٢ - عمر بن صبح أبو نعيم الخراساني، قال ابن راهويه: أخرجتْ خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظيرٌ في البدعة والكذب: جهم بن صفوان. عمر بن صبح. مقاتل بن سليمان. وقال البخاري في التاريخ الأوسط: حدّثني يحيي اليشكري عن عليِّ بن جرير سمعت عمر بن صبح يقول: أنا وضعت خطبة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال أبو حاتم وابن

____________________

١ - ميزان الاعتدال ١: ١٥٢، لسان الميزان ٢: ٣٧.

٨٩

عدي: منكر الحديث. وقال ابن حبّان: يضعّ الحديث على الثقات لا يحلّ كتب حديثه إلّا على وجه التعجّب. وقال الأزدي: كذّابٌ. وقال الدارقطني: متروكٌ. وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه غير محفوظ لا متناً ولا اسناداً. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال - العقيلي: ليس حديثه بالقائم وليس بالمعروف بالنقل. وقال أبو نعيم: روى عن قتادة و مقاتل الموضوعات. ميزان الاعتدال ٢: ٢٦٢، تهذيب التهذيب ٧: ٤٦٣.

٣ - ركن الشامي، وهّاه ابن المبارك، وقال يحيي: ليس بشيء. وقال النسائي والدارقطني: متروكٌ. وقال أبو أحمد الحاكم: يروي عن مكحول أحاديث موضوعة. وقال ابن الجارود: ليس بثقة. وعن ابن حماد: انّه متروك الحديث. وقال عبد الله بن المبارك. لإن أقطع الطريق أحبّ إليَّ من أن أروي عن عبد القدّوس الشامي، وعبد القدّوس خيرٌ من مائة مثل ركن. تاريخ ابن عساكر ٥: ٣٢٧، تاريخ الخطيب ٨: ٤٣٦، ميزان الإعتدال ١: ٣٤٠، لسان الميزان ٢: ٤٦٢.

هذا شأن إسناد الرواية ونكل النظرة إليها متناً إلى سعة باع الباحث ثقةً بوقوفه على ما فصّلناه في أجزاء كتابنا هذا ممّا تُعرف به جليّة الحال.

لفظ آخر باسناد آخر:

عن عليِّ بن عبد الله عن عليِّ بن أحمد عن خلف بن عمرو العكبري عن محمد بن إبراهيم عن يزيد الخلّال عن أحمد بن القاسم بن مهران عن محمّد بن بشير بن زاذان عن عكرمة عن ابن عبّاس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر خير اُمّتي وأتقاها، وعمر اُعزّها وأعدلها، وعثمان أكرمها وأحياها، وعليُّ ألبُّها وأوسمها، وابن مسعود آمنها وأعدلها، وأبو ذر أزهدها وأصدقها، وأبو الدرداء أعبدها، ومعاوية أحلمها وأجودها.

قال السيوطي في اللئالي المصنوعة ١: ٤٢٨: في هذا الطريق ايضاً مجروحون، و قد خلط بشير بن زاذان في إسناده.

ونحن نقول: لو لم يكن في الإسناد من المجروحين إلّا يزيد الخلّال لكفاه علّة، قال يحيى بن معين: كذّابٌ، وقال أبو سعيد: قد أدركت يزيد هذا وهو ضعيفٌ قريب ممّا قال يحيى(١) . وقال أبو داود: ضعيفٌ، وقال الدارقطني: ضعيفٌ جِدّاً، وقال

____________________

١ - تاريخ الخطيب ١٤: ٣٤٨: ميزان الاعتدال ٣: ٣١٨.

٩٠

ابن عدي: ليس بذاك المعروف(١) .

١٧ - عن أنس بن مالك قال: بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاّ من أصحابه يقال له سفينة بكتاب إلى معاذ إلى اليمن فلمّا صار في الطريق إذا بالسبع رابض في وسط الطريق فخاف أن يجوز فيقوم إليه فقال: أيُّها السبع إنِّي رسول رسول الله إلى معاذ، وهذا كتاب رسول الله. فقام السبع فهرول قدّامه غلوة ثمَّ همهم ثمَّ صرخ وتنحّي عن الطريق، فمضى بكتاب رسول الله إلى معاذ، ثمَّ رجع بالجواب فإذا هو بالسبع فخاف أن يجوز فقال: ايُّها السبع إنّي رسول رسول الله من عند معاذ، وهذا جواب كتاب رسول الله من معاذ. فقام السبع فصرخ ثمَّ همهم ثمَّ تنحّى عن الطريق، فلمّا قدم أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فقال: أوَ تدرون ما قال اوَّل مرَّة؟ قال: كيف رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ؟ وأمّا الثاني: فقال: إقرأ رسول الله وأبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وسلمان وصهيباً وبلالاً منّي السّلام.

( تاريخ ابن عساكر ٣: ٣١٤ ).

قال الأميني: مثل هذه الرواية التي فيها أعلام النبوّة، وكرامة الخلفاء، وفضل جمع من الصحابة لا بدَّ من أن تلوكه الأشداق، وتتداوله الألسن، وتكثر روايته في المجامع والأندية، ولا تخصّ بحافظ الشام بين أئمة الحديث وحفّاظه، وقد تفرَّد به ابن عساكر، وقال ابن بدران في غير موضع: كلَ ما تفرّد به ابن عساكر فهو ضعيفٌ راجع تاريخه ج ٤: ٢٣٦، و ج ٥: ١٨٣، ١٨٤، وعلى الرواية نفسها من ملامح الإفتعال ما لا يخفي.

وما أعرف هذا السبع بالخلفاء حتى ذكرهم مرَّتين، وأهدى إليهم السَّلام على ترتيب خلافتهم، فكأنَّ علم الغيب اُلقي إلى السباع شطره فعرفوا خلفاء النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يُستخلفوا، وعرفت من الصحابة اناساً ليسوا هم في الغارب والسنام، كما انّها جهلت بأناس هم في الذروة العالية من جلالة الصحبة وعظمتها، فحذفت عمّن سلّم عليهم أسمائهم وبلغ تزلّفها إلى الطبقة الواطئة من الموالي، أو هكذا تكون رشحات عالم الغيب؟ أم هكذا تخبط السِّباع خبط عشواء؟ أم هذه كلّها جناية الغلوّ في الفضائل؟.

____________________

١ - لسان الميزان ٦: ٢٩٣.

٩١

١٨ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٢: ٨٥ من طريق أحمد بن محمّد الأنصاري الجبيلي(١) عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: انّ من له عند الله حقٌ فليأت، قلنا: يا رسول الله؟ ومن له على الله حقُّ؟ قال: من أحبَّ أبابكر وعمر وعثمان، ومَن لم يُفضِّل عليهم أحداً.

قال الأميني: قال ابن عساكر: هذا الحديث غريبٌ جدّاً والعهدة فيه على أحمد ابن محمّد الجبيلي.

والأنصاري ترجمه الذهبي في ميزان الإعتدال ١: ٧٣ فقال: ليس بثقة نزل الجزيرة، وهّاه ابن حبّان وغير واحد. وقال ابن حجر في لسان الميزان ١: ٣٠٢: حديثٌ منكر.

ومتن الحديث كما ترى أقوى شاهد على بطلانه، وانَّما هو رأي ابن عمر فحسب يشذّ عن الكتاب والسّنة كما فصّلنا القول حوله في الحديث الرابع، فليضرب به عرض الحائط.

١٩ - أخرج ابن عساكر من طريق إبراهيم بن محمَّد بن أحمد القرميسيني عن أنس بن مالك مرفوعاً: من أحبَّ أن ينظر إلى إبراهيمعليه‌السلام في خلّته فلينظر إلى أبي بكر في سماحته، ومن أحبَّ أن ينظر إلى نوح في شدَّته فلينظر إلى عمر بن الخطاب في شجاعته ومن أحبَّ أن ينظر إلى إدريس في رفعته فلينظر إلى عثمان في رحمته، ومن أحبَّ أن ينظر إلى يحيي بن زكريّا في جهادته فلينظر إلى عليَّ بن ابي طالب في طهارته. ( تاريخ الشام ٢: ٢٥١ )

قال ابن عساكر: هذا الحديث شاذُّ بالمرَّة، وفي إسناده جماعةٌ ممَّن أمرهم مجهولٌ لا يُعرف حالهم فلا يوثق بهم وهو إلى الوضع أقرب منه إلى الضعف.ا ه.

قال الأميني: حذف ابن بدران مهذّب التاريخ سند الرواية وهو كما في لسان الميزان ٤: ٣١٧، القرميسيني عن عمر بن عليِّ بن سعيد عن يونس عن محمّد بن القاسم عن أبي يعلى عن محمّد بن بكار عن ابن أبي ثابت البناني عن أنس.

وقال: قال عقبة: هذا إسناد عمر، وفي إسناده غير واحد مجهول. وقال الذهبي في الميزان ٢: ٢٦٦: إسنادٌ مظلمٌ بخبر لم يصحّ.

____________________

١ - فى لسان الميزان الحنبلى.

٩٢

٢٠ - عن عمر بن عبد المجيد الميانشي ثنا مسلمة ثنا أبو سعد محمّد بن سعيد الريحاني وعاش عشرين ومائة سنة قال: حدَّثنا: أبو سالم عبد الله بن سالم وعاش مائة وثلاثين سنة، حدّثني أبو الدنيا محمّد(١) بن الأشج حدَّثني عليّ بن أبي طالب رفعه: ما كان رُفع ألعرش إلّا بحبِّ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ. الحديث.

قال ابن السمعاني في حديث رواه بالطريق المذكور: هذا حديثٌ باطلٌ ورجاله مجاهيل. لسان الميزان ٣: ١٥٥.

وقال الذهبي: أبو الدنيا الأشج كذّاب طرقيُّ. وقال: حدّث بقلّة حياء بعد الثلاث مائة عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فافتضح بذلك وكذّبه النقَّادون، قال الخطيب: علماء النقل لا يثبتون قوله، مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وللحفّاظ فيه وفي بطلان حديثه كلمات ضافيةٌ راجع لسان الميزان ٤: ١٣٤ - ١٤٠.

٢١ - أخرج العقيلي في الضعفاء من طريق المقري عن عمر بن عبيد البصري أبي حفص الخزّاز عن سهيل بن ذكوان المدني عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: أفضل هذه الامَّة بعد نبيِّها أبو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عثمان.

قال الأميني: عمر بن عبيد ضعّفه أبو حاتم كان بيّاع الخمر كما ذكره ابن حبّان والذهبي(٢) وفيه سهيل قال الدوري عن ابن معين: سهيل والعلاء بن عبد الرَّحمن حديثهما قريبٌ من السَّواء وليس حديثهما بحجّة، وقال: لم يزل أصحاب الحديث يثقون حديثه وقال: ضعيفٌ، وسُئل مرَّة فقال: ليس بذاك، وقال غيره: إنّما أخذ عنه مالك قبل التغير. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ. وذكر العقيلي عن يحيى انّه قال: هو صويلح وفيه لينٌ.

ميزان الإعتدال ١: ٤٣٢، تهذيب التهذيب ٤: ٢٦٤.

٢٢ - ذكر القاضي أبو يوسف في الآثار ص ٢٠٧ عن أبي حنيفة: إنَّ رجلاً أتى عليّاً رضي الله عنه فقال: ما رأيت أحداً خيراً منك فقال له: هل رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: لا. قال: فهل رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما؟ قال: لا. قال: لو أخبرتني: انَّك

____________________

١ - اسمه عثمان، ومحمد تصحيف.

٢ - راجع ميزان الاعتدال ٢: ٢٦٥، لسان الميزان ٤: ٣١٦.

٩٣

رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضربت عنقك، ولو أخبرتني: انّك رأيت أبا بكر وعمر لأوجعنَّك عقوبة.

قال الأميني: إنَّك لو أمعنت النظر فيما ذكرناه في ترجمة أبي يوسف في ج ٨ ص ٣٠، ٣١ طبع ١، لأغناك عن مؤنة البرهنة على تفنيد هذه الرواية وما يجري مجراها.

على انَّها مضادَّةٌ لما ثبت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنَّ عليّاً خير البشر وما جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تأويل قوله سبحانه: اولئك هم خير البريَّة. بعليّعليه‌السلام وشيعته(١)

فالرواية مخالفةٌ للكتاب والسنَّة فأحر بِها أن تُضرب عرض الجدار. وانّها على طرف نقيض مع نظريَّة أمير المؤمنينعليه‌السلام في نفسه عند مقايستها مع القوم، فهو الذي يقول: متى وقع الشكّ فيَّ مع الأوَّل حتى صرت اُقرن بهذه النظائر. ويقول: لقد تقمَّصها ابن أبي قحافة وهو يعلم انَّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى. إلى كثير ممّا يشبه بعضه بعضاً من نظائر هذا القول. راجع غير واحد من أجزاء هذا الكتاب.

٢٣ - أخرج ابن عدي عن محمّد بن نوح، ثنا جعفر بن محمّد الناقد، ثنا عمّار بن هارون المستملي البصري، نا قزعة بن سويد البصري، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاس رفعه: ما نفعني مالٌ ما نفعني مال أبي بكر. وفيه: وأبو بكر وعمر منِّي بمنزلة هارون من موسى.

وأخرجه من طريق ابن جرير الطبري عن بشير بن دحية عن قزعة بن سويد(٢) أقول: في الإسناد عمّار المستملي الدلال، قال أبو الضريس: سألت ابن المديني عنه فلم يرضه، وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه غير محفوظ. وقال ايضاً: يسرق الحديث. وقال العقيليّ: قال لي موسى بن هارون: عمّار أبو ياسر متروك الحديث. وقال الخطيب: سمع منه أبو حاتم ولم يرو عنه وقال: متروك الحديث وقال ابن حبّان: ربما أخطأ.

[ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٥، تهذيب التهذيب ٧: ٤٠٧]

وفيه قزعة أبو محمَّد البصري، قال أحمد: مضطرب الحديث وقال أيضاً: شبه المتروك. وقال أبو حاتم: ليس بذاك القويِّ محلّه الصِّدق وليس بالمتين يكتب حديثه ولا يحتجُّ به،

____________________

١ - راجع ما مر فى ج ٢: ٥٧ ط ٢، و ج ٣: ٢٢ ط ٢.

٢ - ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٥، لسان الميزان ٢: ٢٣.

٩٤

وقال البخاري: ليس بذاك القويّ. وقال الآجري: سألت أبا داود عن قزعة فقال: ضعيفٌ كتبت إلى العبّاس العنبري أسأله عنه فكتب إليَّ أنَّه ضعيفٌ، وقال النسائي: ضعيفٌ وقال ابن حبّان: كان كثير الخطأ فاحش الوهم، فلمّا كثر ذلك في روايته سقط الإحتجاج بأخباره، وقال البزّار: لم يكن بالقويِّ. وقال العجلي: فيه ضعيفٌ(١)

وفي إسناد الطبري بشر بن دحية، ضعّفه الذهبي وقال بعد رواية هذا الحديث عنه: هذا كذبٌ ومَن بشر؟ وقال: قزعة ليس بشيء(٢) .

٢٤ - أخرج الحافظ العاصمي في زين الفتى شرح سورة هل أتى من طريق الحاكم أبي أحمد عن أبي ميمون أحمد بن محمّد بن ميمون بن كوثر بن حكيم الهمداني بحلب عن إسحاق بن إبراهيم بن الأخيل العبسي عن ميسر(٣) بن اسماعيل، عن الكوثر بن حكيم الهمداني عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: إنَّ أرأف امَّتي لها أبو بكر، وإنَّ أجلّها في أمر الله لعمر، وانَّ أشدّها حياءً عثمان، وإنَّ أقضاها لعليّ، وانَّ اقرأها لاُبيّ، وانَّ أفرضها زيد بن ثابت، وانّ أصدقها لهجة أبو ذر، وانّ أعلمها بالحلال والحرام لمعاذ بن جبل، وانَّ حبر هذه الاُمّة عبد الله بن عبّاس، ولكلِّ امّة أمين وأمين هذه الاُمَّة أبو عبيدة الجراح.

قال الأميني: في الإسناد مجاهيل يروي واحد عن آخر عن كوثر وهو كما قال أبو زرعة: ضعيفٌ. وقال يحيى بن معين: ليس بشيىء. وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه بواطيل ليس بشيىء. وقال الدارقطني وغيره مجهولٌ، وقال: ضعيفٌ منكر الحديث، وقال الجوزجاني: لا يحلّ كتابة حديثه عندي لأنّه متروك، وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه غير محفوظ، وقال ابن ابي حاتم؟ سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث، قلت: هو متروك؟ قال: لا، ولا أعلم له حديثاً مستقيماً وهو ليس بشيء، وقال الساجي: ضعيفٌ. وقال - البرقاني والدارقطني: متروك الحديث، وقال الحاكم وأبو نعيم: روى أحاديث مناكير

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٢: ٣٤٧.

٢ - ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٥، لسان الميزان ٢: ٢٣.

٣ - كذا والصحيح بشر بن اسماعيل. ولا يهمنا عرفان الصحيح من السقيم فى المقام إذ بشر ايضاً كميسر مجهول منكر لا يعرف كما فى لسان الميزان.

٩٥

وذكره العقيلي والدولابي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء، وقال أبو الفتح: ضعيفٌ(١) .

٢٥ - أخرج الحافظ العاصمي في زين الفتى عن سلسلة مجاهيل تنتهي إلى عليّ بن يزيد عن أبي سعد البقّال عن أبي محجن قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ أرأف الناس بهذه الاُمّة ابو بكر الصدِّيق، وأقواها بأمر الله عمر، وأشدَّها حياء عثمان، وأعلمها بفصل قضاء عليّ بن أبي طالب، وأعلمها بحساب الفرائض زيد بن ثابت، وأعلمها بناسخ من منسوخ معاذ بن جبل، وأقرأها اُبيّ بن كعب، ولكلّ اُمّة أمين وأمين هذه الاُمّة أبو عبيدة بن الجرّاح.

قال الأميني: من رجال الإسناد بعد المجاهيل عليّ بن يزيد وهو أبو الحسن الكوفي الأكفاني نظراً إلى طبقته، قال أبو حاتم: ليس بقويّ منكر الحديث عن الثقات، وقال ابن عدي: أحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات وعامّة ما يرويه لا يتابع عليه(٢) .

عن أبي سعد البقّال الكوفي سعيد بن المرزبان الأعور قال ابن معين: ليس بشيء لا يكتب حديثه، وقال عمرو بن علي: ضعيف الحديث، متروك الحديث، وقال أبو زرعة: ليّن الحديث مدلّس، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتجّ بحديثه، وقال النسائي: ضعيفٌ، وقال ايضاً، ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الدارقطني: متروكٌ. وقال الساجي: صدوقٌ فيه ضعفٌ، وقال العجلي: ضعيفٌ، وقال ابن حبّان: كثير الوهم فاحش الخطأ(٣) وقال ابن حجر في الإصابة ٤: ١٧٤: أبو سعيد ضعيفٌ ولم يدرك أبا محجن.عن

أبي محجن الثقفي وما أدراك ما الثقفي: كان يُدمن الخمر، منهمكاً في الشراب، حدَّه عمر في سبع مرّات ونفاه إلى جزيرة في البحر، وبعث معه رجلاً فهرب منه، وهو صاحب الشعر الدائر السائر:

إذا متُّ فادفنِّي إلى جنب كرمة

تروّي عظامي بعد موتي عروقها

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٢: ٣٥٩، لسان الميزان ٤: ٤٩١.

٢ - تهذيب التهذيب ٧: ٣٩٥.

٣ - تهذيب التهذيب ٤: ٧٩.

_٦_

٩٦

ولا تدفننِّي بالفلاة فانَّني

أخاف إذا ما متُّ أن لا أذوقها

هذا أبو محجن فانظر ماذا ترى، وأنت بين أمرين إمّا أن تأخذ بكتاب الله وفيه قوله تعالى: إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا(١) وإمّا أن تجنح إلى ما جاء به القوم من خرافة: الصحابة كلّهم عدول. لا يستوي الحسنة ولا السيِّئة، لا يستوي أصحاب النار و أصحاب الجنّة، لا يستوي الخبيث والطيّب، أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون.

٢٦ - أخرج الحافظ العاصمي في زين الفتى باسناده عن أبي علي الهروي عن المأمون عن أحمد بن سعد العبادي عن يزيد بن هارون عن عبد الأعلى بن مسافر عن الشعبي عن المصطلقي رجلٌ من بني المصطلق قال: بعثني قومي بنو المصطلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسألون إلى مَن يدفعون صدقاتهم بعد وفاته فلقيني عليُّ بن ابي طالب فسألني فقلت: اُرسلني قومي بنو المصطلق إلى رسول الله فسألونه إلى مَن يدفعون صدقاتهم بعده فقال عليٌّ: إذا سألته فأخبرني ما قال لك فأتى رسول الله فأخبره أنّ قومه أرسلوه يسألونه إلى مَن يدفعون صدقاتهم بعدك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إدفعوها إلى أبي بكر فرجع المصطلقي إلى عليّ فأخبره فقال له عليّ: ارجع إليه فسائله إن كان أبو بكر يموت إلى مَن يدفعونها؟ فأتاه فسأله فقال: ادفعوها إلى عمر. فرجع إلى عليّ فأخبره فقال له عليٌّ: ارجع فقل له: إن كان عمر يموت إلى مَن يدفعونها؟ فقال: ادفعوها إلى عثمان. فرجع إلى عليّ فأخبره فقال له عليٌّ: ارجع فسائله إلى مَن يدفعونها بعد عثمان، فقال له - الرجل: انِّي لأستحي أن أرجع بعد هذا.

قال الأميني: هلمَّ معي نقرأ صحيفة ممّا جاء في رجال إسناد هذه الرواية التي تُبنى عليها وعلى أمثالها الخلافة الإسلاميّة عند بعض رجالات القوم.

١ - أبو عليّ الهروي هو أحمد بن عبد الله الجويباري(٢) قال ابن عدي: كان يضع الحديث لابن كرام على ما يريده، فكان ابن كرام يخرجها في كتبه عنه. وقال ابن حبّان: دجّالٌ من الدجاجلة، روى عن الأئمَّة اُلوف حديث ما حدَّثوا بشيء عنها. وقال النسائي: كذّابٌ. وقال الذهبي: ممّن يُضرب المثل بكذبه، وقال البيهقي: إنِّي أعرفه

____________________

١ - الحجرات: ٤٩.

٢ - الجويبار من اعمال الهراة ويعرف بستوق.

٩٧

حقَّ المعرفة بوضع الأحاديث على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد وضع عليه أكثر من ألف حديث وسمعت الحاكم يقول: هو كذّابٌ خبيث ووضع كثيراً في فضائل الأعمال لا تحلُّ رواية حديثه من وجه، وقال الخليلي: كذّابٌ يروي عن الأئمّة أحاديث موضوعة، وكان يضع لابن كرام أحاديث مصنوعة، وكان ابن كرام يسمعها وكان مغفّلاً. وقال أبو سعيد النقاش: لا نعرف أحداً أكثر وضعاً منه. إلى كلمات اُخرى لِدة هذه.

ميزان الاعتدال ١: ٥٠، لسان الميزان ١: ١٩٣، اللئالي المصنوعة ١: ٢١، الغدير ٥: ٢١٤ ط ٢.

٢ - المأمون بن أحمد السلمي الهروي يروي عنه الجويباري، قال ابن حبّان: دجّالٌ. وقال ابن حبّان ايضاً: سألته متى دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومأتين، قلت: فإنَّ هشاماً الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين، فقال: هذا هشام بن عمّار آخر. وممّا وضع على الثقات ( فذكر حديثاً ) ثمَّ قال: وانّما ذكرته ليعرف كذبه لأنَّ الأحداث كتبوا عنه بخراسان. وقال أبو نعيم: خبيثٌ وضّاعٌ يأتي عن الثقات مثل هشام ودحيم بالموضوعات، ومثله يستحقُّ من الله تعالى ومن الرسول ومن المسلمين اللعنة. و قال الحاكم في المدخل بعد ذكر حديث عنه: ومثل هذه الأحاديث يشهد من رزقه الله أدنى معرفة بانَّها موضوعةٌ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو كما قال. وقال الذهبي: أتى بطامّات وفضائح. ميزان الإعتدال ٣: ٤، لسان الميزان ٥: ٧.

٣ - أحمد بن سعد العبادي، لا أعرفه ولم أجد له ذكراً في الكتب والمعاجم.

٤ - عبد الأعلى بن مسافر ( الصحيح: ابن أبي المساور ) الزهري أبو مسعود الجرّار الكوفي نزيل المدائن. قال ابن معين: ليس بشيء. زاد ابراهيم: كذابٌّ، وعن ابن معين ايضاً ليست بثقة. وعن عليِّ بن المديني: ضعيفٌ ليس بشيء. وقال ابن عمّار الموصلي: ضعيفٌ ليس بحجّة. وقال أبو زرعة: ضعيفٌ جدّاً، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث يشبه - المتروك، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا مأمون. وقال ابن نمير: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيفٌ: وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقويِّ عندهم. وقال الساجي: منكر الحديث. وقال أبو نعيم الإصبهاني: ضعيفٌ جِدّاً ليس بشيء.

٩٨

تهذيب التهذيب ٦: ٤٨.

٢٧ - أخرج البخاري في تاريخه الكبير ٤ ق ٢: ٤٤٢ عن إسحاق بن ابراهيم عن عمرو بن الحارث الزبيدي عن ابن سالم عن الزبيدي قال حميد بن عبد الله عن عبد - الرَّحمن بن أبي عوف، عن ابن عبد ربّه عن عاصم بن حميد قال: كان أبو ذر يقول: إلتمست النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض حوائط المدينة فإذا هو قاعدٌ تحت نخلة فسلّم عليَّ النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ما جاء بك؟ فقال: جئت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمره أن يجلس وقال: ليأتينا رجلٌ صالح فسلّم أبو بكر، ثمَّ قال: ليأتينا رجلٌ صالحٌ فجاء عمر فسلّم، وقال: ليأتينا رجلٌ صالح فأقبل عثمان بن عفان، ثمَّ جاء عليٌّ فسلّم فردَّ عليه مثله، ومع النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصيات فسبَّحن في يده فناولهنَّ أبا بكر فسبَّحن في يده، ثمَّ عمر فسبَّحن في يده، ثمَّ عثمان فسبَّحن في يده.

رجال الإسناد:

١ - إسحق بن إبراهيم الحمصي المعروف بابن زبريق، قال النسائي: ليس بثقة وقال محمّد بن عون: ما أشكّ أنَّ إسحاق بن زبريق يكذب(١) .

٢ - عمرو بن الحارث الحمصي، قال الذهبي: لا تُعرف عدالته(٢) .

٣ - عبد الله بن سالم الشامي الحمصي. كان يذمُّه أبو داود لقوله: أعان عليُّ على قتل أبي بكر وعمر(٣) فالرجل ناصبيٌّ لا يُصغى إلى قيله وأحسب انّه آفة الرواية وهي كما ترى يطفح النصب من جوانبها.

٤ - حميد بن عبد الله أو حميد بن عبد الرحمن، مجهولٌ لا يعرف.

٥ - ابن عبد ربّه، إن كان هو محمّد المروزي فهو ضعيفٌ كما في لسان الميزان ٥: ٢٤٤، وإن كان غيره فهو مجهولٌ، ونفس البخاري الذي ذكره لا يعرف منه إلّا أنَّه [ابن عبد ربّه] ولا يسمِّيه ولا يذكر له غير روايته هذه.

٦ - عاصم بن حميد الحمصي الشامي، قال البزار: لم يكن له من الحديث ما نعتبر

____________________

١ - تهذيب التهذيب ١: ٢١٦.

٢ - تهذيب التهذيب ٨: ١٤.

٣ - تهذيب التهذيب ٥: ٢٢٨.

٩٩

به حديثه، وقال ابن القطّان: لا نعرف انَّه ثقةٌ(١)

٧ - أبو ذر الغفاري، أنا لا أدري انَّ أبا ذر هذا هل هو الذي يقول فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر؟ أو الذي يقول فيه عثمان: انَّه شيخٌ كذّابٌ، ورآه أهلاً لأن يهلك في المنفى؟ ولست أدري من الحَكم هيهنا هل الذي يخضع لقول النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ أو الذي يبرِّر موقف عثمان ويبرءه عن كلِّ شِيَة، وعلى كلّ ففي مَن قَبَله من رواة السوء كفاية في تفنيد الحديث.

ولعلّ الباحث بعد قرائة ما سردناه من حديث أبي ذر ومواقفه ونقمته على عثمان وما جرى بينهما لا يذعن قطُّ بهذه الأفيكة ولا يصدِّق أن يكون أبو ذر الصّادق المصدَّق هو صاحب هذه الرواية المختلقة.

وهذا الإسناد الملفّق من رجال حمص(٢) يذكّرني قول ياقوت الحموي في معجم البلدان ٣: ٣٤١ قال: ومن عجيب ما تأمّلته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتّى يضرب بحماقتهم المثل، انَّ أشدَّ النّاس على عليّ رضي الله عنه بصفين مع معاوية كان أهل حمص، وأكثرهم تحريضاً عليه وجِدّاً في حربه، فلمّا انقضت تلك الحروب ومضى ذلك الزمان صاروا من غلاة الشيعة، حتى أنَّ في أهلها كثيراً ممّن رأى مذهب النُصيريّة، وأصلهم الإماميَّة الذين يسبّون السلف، فقد التزموا الضّلال أوّلاً وأخيراً، فليس لهم زمانٌ كانوا فيه على الصواب.

لفظ آخر باسناد آخر:

أخرج البيهقي عن أبي الحسن عليّ بن أحمد بن عبدان عن أحمد بن عبيد الصفّار عن محمّد بن يونس الكديمي عن قريش بن أنس عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن رجل يقال له: سويد بن يزيد السلمي [أو: الوليد بن سويد] قال: سمعت أبا ذر يقول: لا أذكر عثمان إلَّا بخير بعد شيء رأيته، كنت رجلا أتّبع خلوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرأيته يوماً جالساً وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتّى جلست إليه فجاء أبو بكر فسلّم عليه ثمَّ جلس عن يمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ جاء عمر فسلّم وجلس عن يمين أبي بكر،

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٥: ٤٠.

٢ - بالكسر ثم السكون والصاد المهملة بلد كبير بين الشام وحلب فى نصف الطريق يذكر ويؤنث.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

واستقبل المسلمون حكومة معاوية بعد الصلح بكثير مِن الذعر والفزع والخوف ، فقد عرفوا واقع معاوية ووقفوا على اتّجاهاته الفكرية والعقائدية ، فخافوه على دينهم وعلى نفوسهم وأموالهم ، وقد وقع ما خافوه ؛ فإنّه لمْ يكد يستولي على رقاع الدولة الإسلاميّة حتّى أشاع الظلم والجور والفساد في الأرض.

ويقول المؤرّخون : إنّه ساس المسلمين سياسة لمْ يألفوها مِن قبل ، فكانت سياسته تحمل شارات الموت والدمار ، كما كانت تحمل معول الهدم على جميع القيم الأخلاقية والإنسانية ، وقد انتعشت في عهده الوثنية بجميع مساوئها التي نفر منها الناس.

يقول السيّد مير علي الهندي : ومع ارتقاء معاوية الخلافة في الشام عاد حكم التوليغارشية الوثنية السابقة ، فاحتلّ موقع ديمقراطية الإسلام ، وانتعشت الوثنية بكلّ ما يرافقها مِن خلاعات وكأنّها بُعثت مِن جديد ، كما وجدت الرذيلة والتبذّل الخلقي لنفسها مُتّسعاً في كلّ مكان ارتادته رايات حكّام الاُمويِّين مِن قادة جند الشام(١) .

والشيء المؤكّد أنّ حكومة معاوية لمْ تستند إلى رضى الأُمّة أو مشورتها ، وإنّما فُرضت عليها بقوّة السّلاح ، وقد اعترف معاوية بذلك اعترافاً رسمياً بتصريح أدلى به أمام جمهور غفير مِن الناس ، فقال : والله ، ما ولّيتها ـ أي الخلافة ـ بمحبّة علمتها منكم ، ولا مسرّة بولايتي ، ولكنْ جالدتكم بسيفي هذا مجالدة ، فإنْ لمْ تجدوني أقوم مجتمعكم كلّه فاقبلوا منّي بعضه.

ولمّا وقعت الأُمّة فريسة تحت أنيابه بعد الصلح خطب في (النخيلة) خطاباً قاسياً ، أعلن فيه عن جبروته وطغيانه على الأُمّة ، واستهانته بحقوقها ، فقد جاء فيه : والله ، إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ، ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا ؛ إنّكم لتفعلون ذلك ، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم ،

__________________

(١) روح الإسلام / ٢٩٦.

١٢١

وقد أعطاني الله ذلك وانتم له كارهون(١) .

ومثّل هذا الخطاب الاتجاهات الشريرة التي يحملها معاوية ، فمِن أجل الإمرة والسيطرة على العباد أراق دماء المسلمين ، وأشاع في بيوتهم الثكل والحزن والحداد.

ولا بدّ لنا مِن دراسةٍ موجزة للمخططات السياسية التي تبنتها حكومة معاوية وما رافقها مِن الأحداث الجسام ؛ فإنّها ـ فيما نعتقد ـ مِن ألمع الأسباب في ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) ، فقد رأى ما مُنِيَ به المسلمون في هذا العهد مِن الحرمان والاضطهاد ، وما أُصيبوا به مِن الانحراف والتذبذب مِن جراء النقائص الاجتماعية التي أوجدها الحكم الاُموي ، فهبّ سلام الله عليه ـ بعد هلاك معاوية ـ إلى تفجير ثورته الكبرى التي أدت إلى إيقاظ الوعي الاجتماعي الذي اكتسح الحكم الاُموي ، وأزال جميع معالمه وآثاره وهذه بعض معالم سياسة معاوية.

سياسته الاقتصادية :

ولمْ تكن لمعاوية أيّة سياسة اقتصادية في المال حسب المعنى المصطلح لهذه الكلمة ، وإنّما كان تصرّفه في جباية الأموال وإنفاقها خاضعاً لرغباته وأهوائه ؛ فهو يهب الثراء العريض للقوى المؤيدة له ، ويحرم العطاء للمعارضين له ، ويأخذ الأموال ويفرض الضرائب ، كلّ ذلك بغير حقّ.

إنّ مِن المقطوع به أنّه لمْ يعد في حكومة معاوية أي ظل للاقتصاد الإسلامي الذي عالج القضايا الاقتصادية بأروع الوسائل وأعمقها ، فقد عنى بزيادة الدخل الفردي ، ومكافحة البطالة ، وإذابة الفقر ، واعتبر مال

__________________

(١) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ٢٥٤.

١٢٢

الدولة ملكا للشعب يُصرف على تطوير وسائل حياته وازدهار رخائه ، ولكنّ معاوية قد أشاع الفقر والحاجة عند الأكثرية الساحقة مِن الشعب ، وأوجد الرأسمالية عند فئة قليلة راحت تتحكّم في مصير الناس وشؤونهم.

وهذه بعض الخطوط الرئيسة في سياسته الاقتصادية :

الحرمان الاقتصادي :

وأشاع معاوية الحرمان الاقتصادي في بعض الأقطار التي كانت تضمّ الجبهة المعارضة له ، فنشر فيها البؤس والحاجة حتّى لا تتمكن مِن القيام بأيّة معارضة له ، وهذه بعض المناطق التي قابلها بالاضطهاد والحرمان :

١ ـ يثرب :

وسعى معاوية لإضعاف يثرب فلمْ ينفق على المدنيين أي شيء مِن المال ، وجهد على فقرهم وحرمانهم ؛ لأنّهم مِن معاقل المعارضة لحكمه ، وفيهم كثير مِن الشخصيات الحاقدة على الاُسرة الاُمويّة الطامعة في الحكم.

ويقول المؤرّخون : إنّه أجبرهم على بيع أملاكهم فاشتراها بأبخس الأثمان ، وقد أرسل القيّم على أملاكه لتحصيل وارداتها فمنعوه عنها ، وقابلوا حاكمهم عثمان بن محمّد وقالوا له : إنّ هذه الأموال لنا كلّها ، وإنّ معاوية آثر علينا في عطائنا ولمْ يعطنا درهماً فما فوقه حتّى مضّنا الزمان ، ونالتنا المجاعة ، فاشتراها بجزء مِن مئة مِن ثمنها. فردّ عليهم حاكم المدينة بأقسى القول وأمرّه.

ووفد على معاوية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري فلمْ يأذن له ؛ تحقيراً وتوهيناً به ، فانصرف عنه ، فوجّه له معاوية بستمئة درهم فردّها جابر ، وكتب إليه :

وإنّي لأختار القنوعَ على الغِنى

إذا اجتمعا والماءُ بالباردِ المحضِ

١٢٣

وأقضي على نفسي إذا الأمر نابني

وفي الناس مَنْ يُقضى عليهِ ولا يقضي

وألبسُ أثوابَ الحياءِ وقد أرى

مكانَ الغنى ألاّ أهينُ له عرضي

وقال لرسول معاوية : قل له : والله يا بن آكلة الأكباد ، لا تجد في صحيفتك حسنة أنا سببها أبداً.

وانتشر الفقر في بيوت الأنصار وخيّم عليهم البؤس ، حتّى لمْ يتمكن الرجل منهم على شراء راحلة يستعين بها على شؤونه ، ولمّا حجّ معاوية واجتاز على يثرب استقبله الناس ومنهم الأنصار ، وكان أكثرهم مشاة ، فقال لهم : ما منعكم مِن تلقيِّ كما يتلقّاني الناس؟ فقال له سعيد بن عبادة : منعنا مِن ذلك قلّة الظهر ، وخفّة ذات اليد ، وإلحاح الزمان علينا ، وإيثارك بمعروفك غيرنا.

فقال له معاوية باستهزاء وسخرية : أين أنتم عن نواضح المدينة؟ فسدّد له سعيد سهماً مِن منطقه الفياض قائلاً : نحرناها يوم بدر ، يوم قتلنا حنظلة بن أبي سفيان(١) .

لقد قضت سياسة معاوية بنشر المجاعة في يثرب ، وحرمان أهلها مِن الصّلة والعطاء. يقول عبد الله بن الزبير في رسالته إلى يزيد : فلعمري ، ما تؤتينا ممّا في يدك مِن حقّنا إلاّ القليل ، وإنّك لتحبس عنّا منه العريض.

وقد أوعز معاوية إلى الحكومة المركزية في يثرب برفع أسعار المواد الغذائية فيها حتّى تعمّ فيها المجاعة ، وقد ألمع إلى ذلك يزيد في رسالته التي بعثها للمدينين ، ووعدهم فيها بالإحسان إنْ خضعوا لسلطانه ، وقد جاء فيها :

ولهم عليّ عهد أنْ أجعل الحنطة كسعر الحنطة عندنا ، والعطاء

__________________

(١) أنساب الأشراف ١ ق ٢ / ٧٣.

١٢٤

الذي يذكرون أنّه احتبس عنهم في زمان معاوية فهو عليّ لهم وفراً كاملاً(١) .

وقد جعل معاوية الولاة على الحجاز تارة مروان بن الحكم ، وأُخرى سعيد بن العاص ، وكان يعزل الأول ويولّي الثاني ، وقد جهدا في إذلال أهل المدينة وفقرهم.

٢ ـ العراق :

أمّا العراق فقد قابله معاوية بالمزيد مِن العقوبات الاقتصادية باعتباره المركز الرئيس للمعارضة ، والقطر الوحيد الساخط على حكومته ، وكان واليه المغيرة بن شعبة يحبس العطاء والأرزاق عن أهل الكوفة. وقد سار حكّام الاُمويِّين مِن بعد معاوية على هذه السيرة في اضطهاد العراق وحرمان أهله ، فإنّ عمر بن عبد العزيز أعدلهم لمْ يساوِ بين العراقيين والشاميين في العطاء ، فقد زاد في عطاء الشاميين عشرة دنانير ولمْ يزد في عطاء أهل العراق(٢) .

لقد عانى العراق في عهد الحكم الاُموي أشد ألوان الضيق ؛ ممّا جعل العراقيين يقومون بثورات متّصلة ضد حكمهم.

٣ ـ مصر :

ونالت مصر المزيد مِن الاضطهاد الاقتصادي ، فقد كتب معاوية إلى عامله : أنْ زد على كلّ امرئ مِن القبط قيراطاً. فأنكر عليه عامله وكتب إليه : كيف أزد عليهم وفي عهدهم أنْ لا يزاد عليهم!(٣) وشمل الضيق الاقتصادي سائر الأقطار الإسلاميّة ؛ ليشغلها عن معارضة حكمه.

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ١٥١.

(٢) العقد الفريد ٤ / ٢٥٩.

(٣) حياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام) ١ / ٣٠٢.

١٢٥

الرفاه على الشام :

وبينما كانت البلاد الإسلاميّة تعاني الجهد والحرمان نجد الشام في رخاء شامل ، وأسعار موادها الغذائية منخفضة جداً ؛ لأنّها أخلصت للبيت الاُموي ، وعملت على تدعيم حكمه ، فكان الرفاه يعدّ فيها شائعاً ، أمّا ما يؤيد ذلك فهي رسالة يزيد التي ذكرناها قبل قليل.

وقد حملوا أهل الشام على رقاب الناس كما ألمع إلى ذلك مالك بن هُبيرة في حديثه مع الحصين بن نمير ، يقول له : هلمّ فلنبايع لهذا الغلام ـ أي خالد بن يزيد ـ الذي نحن ولدنا أباه ، وهو ابن اختنا ، فقد عرفت منزلتنا مِن أبيه ، فإنّه كان يحملنا على رقاب العرب(١) .

استخدام المال في تدعيم ملكه :

واستخدم معاوية الخزينة المركزية لتدعيم ملكه وسلطانه ، واتّخذ المال سلاحاً يمكّنه مِن قيادة الأُمّة ورئاسة الدولة. يقول السيد مير علي الهندي : وكانت الثروات التي جمعها معاوية مِن عمالته على الشام يبذّرها هو وبطانته على جنوده المرتزقة ، الذين ساعدوه بدورهم على إخفات كلّ همسة ضدهم(٢) .

وكانت هذه السياسة غريبة على المسلمين ، لمْ يفكّر فيها أحد مِن الخلفاء السابقين ، وقد سار عليها مَنْ جاء بعده مِن خلفاء الاُمويِّين ؛ فاتّخذوا المال

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧ / ٣٨.

(٢) روح الإسلام / ٢٩٦.

١٢٦

وسيلة لدعم سلطانهم. يقول الدكتور محمّد مصطفى : وكان مِن عناصر سياسة الاُمويِّين استخدام المال سلاحاً للإرهاب ، وأداة للتقرّيب ، فحرموا منه فئةً مِن الناس ، وأغدقوه أضعافاً مضاعفة لطائفة أُخرى ؛ ثمناً لضمائرهم ، وضماناً لصمتهم(١) .

وجعل شكري فيصل المال أحد العاملين الأساسيين اللذين خضع لهما المجتمع الإسلامي خضوعاً عجيباً ، وكان مِن جملة الأسباب في فتن السياسة ، وسيطرة الطبقة الحاكمة مِن قريش ، كما إنّه أحد الأسباب في وقوع الخلاف ما بين العرب والعجم ، بل وما بين العرب أنفسهم(٢) .

المنحُ الهائلة لأسرته :

ومنح معاوية الأموال الهائلة لاُسرته ، فوهبهم الثراء العريض(٣) ؛ وذلك لتقوية مركزهم ، وبسط نفوذهم على العالم الإسلامي ، في حين أشاع البؤس والحرمان عند أغلب فئات الشعب.

منح خراج مصر لعمرو :

ووهبَ معاوية خراج مصر لابن العاص وجعله طعمة له ما دام حياً ؛ وذلك لتعاونه معه على مناجزة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، رائد الحقّ والعدالة في الأرض ، وقد ألمعنا إلى تفصيل ذلك في البحوث السّابقة.

__________________

(١) اتجاهات الشعر العربي / ٢٧.

(٢) المجتمعات الإسلاميّة في القرن الأول ـ شكري فيصل / ٥٠.

(٣) الفخري / ١٤٥.

١٢٧

هباتُ الأموال للمؤيّدين :

وأغدق معاوية الأموال الهائلة على المؤيدين له والمنحرفين عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وقد أسرف في ذلك إلى حدّ بعيد ، ويقول الرواة : إنّ يزيد بن منبه قدم عليه من البصرة يشكو له ديناً قد لزمه ، فقال معاوية لخازن بيت المال : أعطه ثلاثين ألفاً. ولمّا ولّى قال : وليوم الجمل ثلاثين ألفاً أُخرى(١) .

لقد وهب له هذه الأموال الضخمة جزاءً لمواقفه ، ومواقف أخيه الذي أمدّ المتمردين في حرب الجمل بالأموال التي نهبها مِن بيت مال المسلمين ، وقد حفل التاريخ ببوادر كثيرة مِن هبات معاوية للقوى المنحرفة عن الإمام (عليه السّلام) ، والمؤيدة له.

شراءُ الأديان :

وفتح معاوية باباً جديداً في سياسته الاقتصادية وهي شراء الأديان وخيانة الذمم ؛ فقد وفد عليه جماعة مِن أشراف العرب فأعطى كلّ واحد منهم مئة ألف ، وأعطى الحتات عمّ الفرزدق سبعين ألفاً ، فلمّا علم الحتات بذلك رجع مغضباً إلى معاوية فقال له : فضحتني في بني تميم ؛ أمّا حسبي فصحيح ، أوَلست ذا سنّ؟ ألست مطاعاً في عشيرتي؟

ـ بلى.

ـ فما بالك خست بي دون القوم ، وأعطيت مَنْ كان عليك أكثر ممّن

__________________

(١) العقد الفريد ١ / ١٩٤.

١٢٨

كان لك؟!

فقال معاوية بلا حياء ولا خجل : إنّي اشتريت مِن القوم دينهم ووكلتك إلى دينك.

ـ أنا اشتري منّي ديني. فأمر له بإتمام الجائزة(١) .

لقد خسرت هذه الصفقة التي كشفت عن مسخ الضمائر ، وتحوّلها إلى سلعة تباع وتشرى.

عجز الخزينة المركزيّة :

ومُنيت الخزينة المركزية بعجزٍ مالي خطير نتيجة الإسراف في الهبات لشراء الذمم والأديان ، ولمْ تتمكن الدولة مِن تسديد رواتب الموظفين ؛ ممّا اضطر معاوية إلى أنْ يكتب لابن العاص راجياً منه أنْ يسعفه بشيء مِن خراج مصر الذي جعله طعمة له ، فقد جاء في رسالته : أمّا بعد ، فإنّ سؤال أهل الحجاز وزوّار أهل العراق قد كثروا عليّ ، وليس عندي فضل مِن إعطيات الجنود ، فأعنّي بخراج مصر هذه السنة.

ولم يستجب له ابن العاص وراح ينكر عليه ، ويذكّره بأياديه التي أسداها عليه ، وقد أجابه بهذه الآبيات :

معاويَ إنْ تدركْك نفسٌ شحيحةٌ

فما ورثتني مصر اُمّي ولا أبي

وما نلتُها عفواً ولكن شرطتُها

وقد دارت الحربُ العوانُ على قطبِ

ولولا دفاعي الأشعري وصحبهُ

لألفيتها ترغو كراغيةِ السغبِ

ولمّا قرأ معاوية الأبيات تأثر منه ، ولمْ يعاوده بشيء مِن أمر مصر(٢) .

__________________

(١) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٥٣.

(٢) الأخبار الطوال / ٢٠٤.

١٢٩

مصادرةُ أموال المواطنين :

واضطر معاوية بعد إسرافه وتبذيره إلى مصادرة أموال المواطنين ؛ ليسد العجز المالي الذي مُنيت به خزينة الدولة ، وقد صادر مواريث الحتات عمّ الفرزدق ، فأنكر عليه الفرزدق وقال يهجوه :

أبوك وعمّي يا معاويَ أورثا

تراثاً فيختار التراثَ أقاربُهْ

فما بالُ ميراثِ الحُتاتِ أخذته

وميراثُ صخرٍ جامدٌ لك ذائبُهْ

فلو كان هذا الأمرُ في جاهليةٍ

علمتَ مَن المرء القليل حلائبُهْ

ولو كان في دينٍ سوى ذا شنئتمُ

لنا حقّنا أو غصّ بالماء شاربُهْ

ألستُ أعزّ الناس قوماً واُسرةً

وأمنعهم جاراً إذا ضيم جانبُهْ

وما ولدت بعد النّبيِّ وآلهِ

كَمثلي حَصَانٌ في الرجال يقاربُهْ

وبيتي إلى جنب الثريا فِناؤهُ

ومِن دونهِ البدرُ المُضيء كواكبُهْ

أنا ابنُ الجبال الشمِّ في عدد الحصى

وعرقُ الثرى عرقي فمَنْ ذا يحاسبُهْ

وكم مِن أبٍ لي يا معاويَ لمْ يزلْ

أغرَّ يباري الريح ما ازورّ جانبُهْ

نمته فروعُ المالكَينِ ولمْ يكنْ

أبوك الذي مِن عبد شمس يقاربُهْ(١)

ومعنى هذه الأبيات أنّ الأموال التي خلّفها صخر جد معاوية قد انتقلت إلى ورّاثه ، في حين إنّ ميراث عمّ الفرزدق قد صادره معاوية ، ولو كان ذلك في الجاهلية لكان معاوية أقصر باعاً مِن أن تمتد يده إليه ؛ فإنّ الفرزدق ينتمي إلى اُسرة هي مِن أعزّ الاُسر العربية وأمنعها.

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٣٢ ، ديوان الفرزدق / ٢٤٦.

١٣٠

ضريبةُ النيروز :

وفرض معاوية على المسلمين ضريبة النيروز ليسدّ بها نفقاته ، وقد بالغ في إرهاق الناس واضطهادهم على أدائها ، وقد بلغت فيما يقول المؤرّخون عشرة ملايين درهم(١) ، وهي مِن الضرائب التي لمْ يألفها المسلمون ، وقد اتّخذها الخلفاء مِن بعده سُنّة فأرغموا المسلمين على أدائها.

نهب الولاة والعمال :

وأصبحت الولاية في عهد معاوية مصدراً مِن مصادر النّهب والسرقة ، ومصدراً للثراء وجمع الأموال. يقول أنس بن أبي إياس لحارثة الغذاني صاحب زياد بن أبيه حينما وليَ على (سرق) ، وهي إحدى كور الأهواز :

أحارُ بنَ بدر قد وليتَ إمارةً

فكن جُرذاً فيها تخونُ وتسرقُ

وباه تميماً بالغنى إنّ للغنى

لساناً به المرءُ الهيوبة ينطقُ

ولا تحقرنْ يا حارُ شيئاً أصبتهُ

فحظّك مِن مُلْك العراقيين سُرّقُ(٢)

ويصف عقبة بن هبيرة الأسدي ظلم الولاة واستقصائهم أموال الرعية بقوله :

معاوي إنّنا بشرٌ فأسجحْ

فلسنا بالجبال ولا الحديدِ(٣)

أكلتم أرضنا فجردتموها

فهل مِن قائم أو مِن حصيدِ

__________________

(١) الحركات الفكرية في الإسلام / ٤٢ ، تاريخ التمدن الإسلامي ٢ / ٢٢.

(٢) الشعر والشعراء / ٤٦٢.

(٣) السجح : السهولة والين.

١٣١

فهبنا أُمّةً ذهبت ضياعا

يزيدُ أميرُها وأبو يزيدِ

أتطمع في الخلافةِ إذ هلكنا

وليس لنا ولا لك مِن خلودِ

ذروا خول الخلافةِ واستقيموا

وتأميرَ الأراذل والعبيدِ

وأعطونا السويّة لا تزركُمْ

جنودٌ مردفاتٌ بالجنودِ(١)

وقد عانى المسلمون ضروباً شاقةً وعسيرةً مِن جور الولاة وظلم الجباة ، فقد تمرّسوا بالسّلب والنّهب ، ولمْ يتركوا عند أحدٍ مِن الناس فضلاً مِن المال إلاّ صادروه.

جبايةُ الخراج :

أمّا جباية الخراج فكانت خاضعة لرغبات الجُباة وأهوائهم ، وقد سأل صاحب أخنا عمرو بن العاص عن مقدار ما عليه مِن الجزية ، فنهره ابن العاص وقال له : لو أعطيتني مِن الأرض إلى السّقف ما أخبرتك ، ما عليك! إنّما أنتم خزانة لنا ، إنْ كثر علينا كثرنا عليكم ، وإنْ خُفّف عنّا خفّفنا عنكم(٢) .

وهدمت هذه الإجراءات الظالمة جميع قواعد العدل والمساواة التي جاء بها الإسلام.

اصطفاء الذهب والفضة :

وأوعز معاوية إلى زياد بن أبيه أنْ يصطفي له الذهب والفضة ، فقام

__________________

(١) خزانة الأدب ٢ / ٢٢٥.

(٢) تاريخ التمدن الإسلامي ٢ / ٧٩ ـ ٨٠.

١٣٢

زياد مع عمّاله بإجبار المواطنين على مصادرة ما عندهم مِن ذلك وإرساله إلى دمشق(١) ، وقد ضيّق بذلك على الناس وترك الفقر آخذاً بخناقهم.

شلّ الحركة الاقتصادية :

وشلّت الحركة الاقتصادية في جميع أنحاء البلاد ، فخربت الزراعة والتجارة ، وأُصيب الاقتصاد العام بنكسةٍ شاملة نتيجة تبذير معاوية وإسرافه ، وقد أعلن ذلك عبد الله بن همّام السّلولي ، فقد كتب شعراً في رقاع وألقاها في المسجد الجامع يشكو فيها الجور الهائل ، والمظالم الفظيعة التي صبّها معاوية وعمّاله على الناس ، وهذه هي الأبيات :

ألا أبلغ معاويةَ بن صخرٍ

فقد خرب السوادُ فلا سوادا

أرى العمّالَ أقساءً علينا

بعاجل نفعِهمْ ظلموا العبادا

فهل لك أنْ تدارك بالدنيّا

وتدفع عن رعيّتك الفسادا

وتعزل تابعاً أبداً هواهُ

يخرّب مِن بلادتهِ البلادا

إذا ما قلتَ أقصر عن هواهُ

تمادى في ضلالته وزادا(٢)

وقد صوّر السلولي بهذه الأبيات سوء الحالة الاقتصادية ، وتسلّط الولاة على ظلم الرعية ، ودعا السلطة إلى عزلهم وإقصائهم عن وظائفهم ؛ فقد جهدوا في خراب السواد ، وامتصّوا الدماء ، واتّبعوا الهوى ، وظلّوا عن الطريق القويم.

__________________

(١) حياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام) ١ / ٣٠١.

(٢) الإسلام والحضارة العربية ٢ / ١٤٩ ـ ١٥٠.

١٣٣

حجّة معاوية :

ويرى معاوية أنّ أموال الأُمّة وخزينتها المركزية مُلْكٌ له يتصرف فيها حيث ما شاء ، يقول : الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما أُخذ مِن مال الله فهو لي ، وما تركته كان جائزاً إليّ(١) .

وهذا المنطق بعيد عن روح الإسلام ، وبعيد عن اتجاهاته ، فقد قنّن أُسسه الاقتصادية على أساس أنّ المال مال الشعب ، وأنّ الدولة ملزمة بتنميته وتطويره ، وليس لرئيس الدولة وغيره أنْ يتلاعب باقتصاد الأُمّة وينفقه على رغباته وأهوائه ؛ فإنّ ذلك يؤدي إلى إذاعة الحاجة ونشر البطالة ، ويعرّض البلاد للأزمات الاقتصادية.

لقد اعتبر الإسلام الفقر كارثةً اجتماعية ، ووباءً شاملاً يجب مكافحته بكلّ الطرق والوسائل ، وليس لرئيس الدولة أنْ يصطفي مِن مال الأُمّة أي شيء ، هذا هو رأي الإسلام ، ولكنّ معاوية ـ بصورة لا تقبل الجدل ـ لمْ يعِ ذلك ، فتصرّف بأموال المسلمين حسب رغباته وأهوائه.

هذه بعض معالم سياسة معاوية الاقتصادية التي فقدت روح التوازن ، وأشاعت البؤس والحرمان في البلاد.

سياسةُ التفريق :

وبنى معاوية سياسته على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم ، وبثّ روح التفرقة والبغضاء بينهم ؛ إيماناً منه بأنّ الحكم لا يمكن أنْ يستقر له إلاّ في

__________________

(١) حياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام) ١ / ٣٠١.

١٣٤

تفلّل وحدة الأُمّة ، وإشاعة العداء بين أبنائها. يقول العقاد : وكانت له ـ أي لمعاوية ـ حيلته التي كرّرها وأتقنها وبرع فيها ، واستخدمها مع خصومه في الدولة مِن المسلمين وغير المسلمين ، وكان قوام تلك الحيلة العمل الدائب على التفرقة ، والتخذيل بين خصومه بإلقاء الشبهات بينهم ، وإثارة الإحن فيهم ، ومنهم مَنْ كانوا مِن أهل بيته وذوي قرباه. كان لا يطيق أنْ يرى رجلين ذوي خطر على وفاق ، وكان التنافس الفطري بين ذوي الأخطار ممّا يعينه على الإيقاع بهم(١) .

لقد شتّت كلمة المسلمين ، وفصم عُرى الأُخوّة الإسلاميّة التي عقد أواصرها الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) وبنى عليها مجتمعه.

اضطهادُ الموالي :

وبالغ معاوية في اضطهاد الموالي وإذلالهم ، وقد رام أْن يبيدهم إبادة شاملة. يقول المؤرّخون : إنّه دعا الأحنف بن قيس ، وسمرة بن جندب ، وقال لهما : إنّي رأيت هذه الحمراء قد كثرت ، وأراها قد قطعت على السلف ، وكأنّي أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان ، فقد رأيت أنْ أقتل شطراً منهم ، وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق.

ولمْ يرتضِ الأحنف وسمرة هذا الإجراء الخطير ، فأخذا يلطفان به حتّى عدل عن رأيه(٢) .

لقد سنّ معاوية اضطهاد الموالي ، وأخذت الحكومات التي تلت مِن بعده تشيع فيهم الجور والحرمان بالرغم مِن اشتراكهم في الميادين العسكرية

__________________

(١) معاوية في الميزان / ٦٤.

(٢) العقد الفريد ٢ / ٢٦٠.

١٣٥

وغيرها مِن أعمال الدولة. يقول شاعر الموالي شاكياً ممّا ألمّ بهم مِن الظلم :

أبلغ أُميّة عنّي إنْ عرضت لها

وابنَ الزبير وأبلغ ذلك العَرَبا

إنّ المواليَ أضحتْ وهي عاتبةٌ

على الخليفة تشكوا الجوع والحَرَبا

وانبرى أحد الخراسانيين إلى عمر بن عبد العزيز يطالبه بالعدل فيهم قائلاً له : يا أمير المؤمنين ، عشرون ألفاً مِن الموالي يغزون بلا عطاء ولا رزق ، ومثلهم قد أسلموا مِن أهل الذمّة يؤدّون الخراج!(١)

وكان الشعبي قاضي عمر بن عبد العزيز قد بغض المسجد حتّى صار أبغض إليه مِن كناسة داره ـ حسب ما يقول ـ ؛ لأنّ الموالي كانت تصلّي فيه(٢) ، وقد اضطر الموالي إلى تأسيس مسجدٍ خاصٍ لهم أسموه (مسجد الموالي) ، كانوا يقيمون الصلاة فيه(٣) .

ويميل (خودا بخش) إلى الظنّ أنّهم إنّما اضطروا إلى تأدية صلاتهم فيه بعدما رؤوا تعصّب العرب ضدهم ، وأنّهم لمْ يكونوا يسمحون لهم بالعبادة معهم في مسجد واحد(٤) .

وكان الموالي يلطفون بالردّ على العرب ويدعونهم إلى الهدى قائلين : إنّنا لا ننكر تباين الناس ، ولا تفاضلهم ، ولا السيّد منهم والمسود ، والشريف والمشروف ، ولكنّنا نزعم أنّ تفاضل الناس فيما بينهم هو ليس بآبائهم ولا بأحسابهم ، ولكنّه بأفعالهم وأخلاقهم ، وشرف أنفسهم ، وبُعد همّهم ، فمَنْ كان دنيء الهمّة ، ساقط المروءة لمْ يشرف وإنْ كان مِن بني هاشم في ذؤابتها ؛ إنّما الكريم مَنْ كرمت أفعاله ، والشريف مَنْ

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ١٣٤ ، الكامل في التاريخ ٥ / ١٩.

(٢) طبقات ابن سعد ٦ / ١٧٥.

(٣) الطبري في أحداث سنة ٢٤٥.

(٤) الحضارة الإسلاميّة ١ / ٤٣.

١٣٦

شرفت همّته(١) .

ولمْ يعِ الاُمويّون ومَنْ سار في ركابهم هذا المنطق المشتق مِن واقع الإسلام وهديه ، الذي أمر ببسط المساواة والعدل بين جميع الناس من دون فرق بين قوميّاتهم.

وعلى أيّ حالٍ ، فقد أدّت هذه السياسة العنصرية إلى إشاعة الأحقاد بين المسلمين واختلاف كلمتهم ، كما أدّت إلى تجنيد الموالي لكلّ حركة ثورية تقوم ضد الحكم الاُموي ، وكانوا بالأخير هم القوة الفعّالة التي أطاحت بالاُمويِّين ، وطوت معالمهم وآثارهم.

العصبيّة القبلية :

وتبعاً لسياسة التحزّب والتفريق التي سار عليها الاُمويّون فقد أحيوا العصبيات القبلية ، وقد ظهرت في الشعر العربي صوراً مريعةً ومؤلمة مِن ألوان ذلك الصراع الذي كانت تخلقه السلطة الاُمويّة ؛ لإشغال الناس بالصراع القبلي عن التدخل في الشؤون السياسية ، وإبعادهم عمّا يقننه معاوية مِن الظلم والجور.

ويقول المؤرّخون : إنّه عمد إلى إثارة الأحقاد القديمة ما بين الأوس والخزرج ، محاولاً بذلك التقليل مِن أهميتهم وإسقاط مكانتهم أمام العالم العربي والإسلامي ، كما تعصّب لليمنيين على المصريين ، وأشعل نار الفتنة فيما بينهم حتّى لا تتحد لهم كلمة تضر بمصالح دولته.

وسار عمّال معاوية على وفق منهج سياسته التخريبية ، فكان زياد بن أبيه يضرب القبائل بعضها ببعض ، ويؤجج نار الفتنة فيما بينها حتّى تكون تحت مناطق نفوذه يقول ولهاوزن : وعرف زياد كيف يُخضع القبائل

__________________

(١) العقد الفريد ٢ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

١٣٧

بأنْ يضرب إحداها بالأُخرى ، وكيف يجعلها تعمل مِن أجله ، وأفلح في ذلك(١) .

وحفلت مصادر التاريخ ببوادر كثيرة مِن ألوان التناحر القبلي الذي أثاره معاوية وعمّاله ؛ ممّا أدى إلى انتشار الضغائن بين المسلمين ، وقد عانى الإسلام مِن جراء ذلك أشدّ ألوان المحن ؛ فقد أوقف كلّ نشاط مثمر له ، وخولف ما كان يدعو له النّبي (صلّى الله عليه وآله) مِن التآخي والتعاطف بين المسلمين.

سياسة البطش والجبروت :

وساس معاوية الأُمّة سياسةَ بطشٍ وجبروت ، فاستهان بمقدّراتها وكرامتها ، وقد أعلن ـ بعد الصلح ـ أنّه إنّما قاتل المسلمين وسفك دماءهم ليتأمّر عليهم ، وأنّ جميع ما أعطاه للإمام الحسن (عليه السّلام) مِن شروط فهي تحت قدميه لا يفي بشيء منها ، وقد أدلى بتصريح عبّر فيه عن كبريائه وجبروته فقال : نحن الزمان ، مَنْ رفعناه ارتفع ، ومَنْ وضعناه اتّضع(٢) .

وسار عمّاله وولاته على هذه الخطة الغادرة ، فقد خطب عتبة بن أبي سفيان بمصر فقال : يا حاملي آلام اُنوفٍ رُكّبت بين أعين ، إنّي قلّمت أظفاري عنكم ليلين مسيئكم ، وسألتكم إصلاحكم إذا كان فسادكم باقياً عليكم ، فأمّا إذا أبيتم إلاّ الطعن على السلطان والنقض للسلف ، فوالله لأقطعن بطون السياط على ظهوركم ، فإنْ حسمتُ أدواءكم وإلاّ فإنّ السيف مِن ورائكم. فكم حكمة منّا لمْ تعِها قلوبكم ، ومِن موعظة منّا صمّت عنها آذانكم ، ولست أبخل

__________________

(١) الدولة العربية / ٢٠٧.

(٢) نهاية الإرب ٦ / ٧.

١٣٨

بالعقوبة إذا جدتم بالمعصية(١) .

وخاطب المصريين في خطاب آخر له فقال : يا أهل مصر ، إيّاكم أنْ تكونوا للسيف حصيداً ؛ فإنّ لله ذبيحاً لعثمان. لا تصيروا إلى وحشة الباطل بعد أُنس الحقّ بإحياء الفتنة وإماتة السنن ؛ فأطأكم والله وطأةً لا رمق معها حتّى تنكروا ما كنتم تعرفون(٢) .

ومثّلت هذه القطع مِن خطابه مدى أحقاده على الأُمّة وتنكّره لجميع قيمها وأهدافها. ومِن اُولئك الولاة الذين كفروا بالحقّ والعدل خالد القسري ؛ فقد خطب في مكة وهو يهدّد المجتمع بالدمار والفناء ، فقد جاء في خطابه : أيّها الناس ، عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة ، وإيّاكم والشبهات ؛ فإنّي والله ما اُوتي لي بأحدٍ يطعن على إمامه إلاّ صلبته في الحرم(٣) .

وكانت هذه الظاهرة ماثلة عند جميع حكام الاُمويِّين وولاتهم ، يقول الوليد بن يزيد :

فدعْ عنكَ إدكارك آل سعدى

فنحن الأكثرون حصىً ومالا

ونحنُ المالكون الناس قسراً

نسومُهُمُ المذلّةَ والنّكالا

ونوردهُمْ حياضَ الخسف ذلاً

وما نألوهمُ إلاّ خبالا(٤)

وصوّرت هذه الأبيات مدى استهانته بالأُمّة ، فإنّه مع بقية الحكّام مِن أُسرته قد ملكوا الناس بالغلبة والقوّة ، وإنّهم يسومونهم الذلّ ويوردونهم حياض الخسف. ومِنْ اُولئك الملوك عبد الملك بن مروان ،

__________________

(١) تهذيب الكامل للمبرد ١ / ١٧.

(٢) العقد الفريد ٢ / ١٥٩.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٨٠.

(٤) حياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام) ١ / ٣٨٧.

١٣٩

فقد خطب في يثرب أمام أبناء المهاجرين والأنصار فقال :

ألا وإنّي لا اُداوي أمر هذه الأُمّة إلاّ بالسيف حتّى تستقيم قناتكم ، وإنّكم تحفظون أعمال المهاجرين الأوّلين ، ولا تعملون مثل عملهم ، وإنّكم تأمروننا بتقوى الله وتنسون أنفسكم. والله ، لا يأمرني أحدٌ بتقوى الله بعد مقامي هذا إلاّ ضربت عنقه(١) .

وحفل هذا الخطاب بالطغيان الفاجر على الأُمّة ، فهو لا يرى حلاً لأزماتها إلاّ بسفك الدماء وإشاعة الجور والإرهاب ، أمّا بسط العدل ونشر الدعة والرفاهية بين الناس فلمْ يفكّر به ، ولا دار بخلده ، ولا في خلد واحد مِن حكّام الاُمويِّين.

احتقارُ الفقراء :

وتبنّى الحكم الاُموي في جميع أدواره اضطهاد الفقراء واحتقار الضعفاء. يقول المؤرّخون : إنّ بني أُميّة كانوا لا يسمحون للفقراء بالدخول إلى دوائرهم الرسمية إلاّ في آخر الناس.

يقول زياد بن أبيه لعجلان حاجبه : كيف تأذن للناس؟

ـ على البيوتات ، ثمّ على الأسنان ، ثمّ على الأدب.

ـ مَنْ تؤخر؟

ـ الذين لا يعبأ الله بهم.

ـ مَنْ هم؟

ـ الذين يلبسون كسوة الشتاء في الصيف ، وكسوة الصيف في الشتاء(٢) .

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٤ / ٣٣.

(٢) نهاية الإرب ٦ / ٨٦.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471