حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسين عليه السلام16%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 471

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 471 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260584 / تحميل: 5237
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

أخيك قد سبّت آلهتنا، وعاب ديننا، وسفَّه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإمّا أن تكفّه عنّا، وإمّا أن تخلّي بيننا وبينه إلخ.(١)

وكأنَّه ليس أحد المجتمعين بدار النّدوة الذين تفرَّقوا على رأي أبي جهل من أن يُؤخذ من كلِّ قبيلة شابٌّ فتى جليد نسيب وسط ثمَّ يُعطى كلٌّ منهم سيفاً صارماً فيعمدوا إلى رسول الله فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه(٢) .

وكأنَّه غير من أنفق على المشركين يوم اُحد أربعين أوقية وكلُّ اوقية اثنان و أربعون مثقالاً.

وكأنَّه غير مَن استأجر ألفين من الأحابيش من بني كنانة ليقاتل بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى من استجاش من العرب(٣) .

وكأنّه غير مَن لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم اُحد في صلاة الصبح بعد الركعة الثانية. بقوله: ألّلهم العن أبا سفيان. وصفوان بن اميّة. والحارث بن هشام(٤) .

وكأنّه غير مَن لعنه رسول الله في سبعة مواطن لا يتأتّى لأيّ أحد ردّها أوّلها: يوم لقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجاً من مكّة إلى الطائف يدعو ثقيفاً إلى الدين فوقع به و سبّه وشتمه وكذَّبه وتوعّده وهمّ أن يبطش به فلعنه الله ورسوله وصرف عنه.

الثانية: يوم العير إذ عرض لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي جائية من الشام فطردها أبو سفيان وساحل بها فلم يطف المسلمون بها ولعنه رسول الله ودعا عليه، فكانت وقعة بدر لأجلها.

الثالثة: يوم اُحد حيث وقف تحت الجبل ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أعلاه وهو ينادي: أعلِ هُبل. مراراً، فلعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر مرّات ولعنه المسلمون.

الرابعة: يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود فلعنه رسول الله وابتهل.

____________________

١ - سيرة ابن هشام ١: ٢٧٧، ج ٢: ٢٦.

٢ - سيرة ابن هشام ٢: ٩٤، نصب الراية للزيلعى ٢: ١٢٩، وأخرجه البخارى فى المغازى ٢: ٥٨٢، وفى التفسير بلفظ فلانا وفلانا ً ولم يسم أحداً تحفظاً على كرامة أبى سفيان وشاكلته.

٣ - تفسير الطبرى ٩: ١٥٩، ١٦٠، الكشاف ٢: ١٣، تفسير الرازى ٤: ٣٩٧، تفسير الخازن ٢: ١٩٢، تفسير الالوسى ٩: ٢٠٤.

٤ - تفسير الطبرى ٤: ٥٨، وأخرجه الترمذى فى جامعه كما فى نيل الاوطار للشوكانى ٢: ٣٩٨.

٨١

الخامسة: يوم جاء ابو سفيان في قريش فصدّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المسجد الحرام والهدي معكوفاً أن يبلغ محلّه، ذلك يوم الحديبيَّة فلعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا سفيان و لعن القادة والأتباع وقال: ملعونون كلّهم، وليس فيهم من يؤمن، فقيل: يا رسول الله؟ أفما يرجى الإسلام لأحد منهم فكيف باللعنة؟ فقال لا تصيب اللعنة احداً من الأتباع و أمّا القادة فلا يفلح منهم أحد.

السادسة يوم الجمل الأحمر.

السابعة يوم وقفوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثنى عشر رجلاً منهم أبو سفيان(١)

هذه المواطن السبعة عدَّها الإمام الحسن السبط سلام الله عليه.

وكأنّه غير مَن عدا على دور المهاجرين من بني جحش بن رئاب بعد ما هاجروا. وباعها من عمرو بن علقمة وقيل فيه:

أبلغ أبا سفيان عن

أمر عواقبه ندامه

دار ابن عمِّك بعتَها

تقضي بها عنك الغرامه

وحليفكم بالله ر

بّ الناس مجتهد القسامه

إذهب بها اذهب بها

طوّقتها طوق الحمامه(٢)

وكأنّه غير صاحب البائيّة يوم اُحد يقول فيها:

اُقاتلهم وادّعي يالَ غالبٍ

وأدفعهُم عنّي بركن صليبِ

فبكّي ولا ترعى مقالة عادلٍ

ولا تسأمي من عبرة ونحيبِ

أباك وإخواناً له قد تتابعوا

وحُقّ لهم من عبرةٍ بنصيبِ

وسلّي الذي قد كان في النفس إنَّني

قتلتُ من النجار كلّ نجيبِ

ومن هاشم قرماً كريماً ومُصعباً(٣)

وكان لدى الهيجاء غير هيوبِ

ولو أنّني لم أشف نفسيَ منهُم

لكانت شجاً في القلب ذات ندوبِ

____________________

١ - شرح ابن ابى الحديد ٢، ١٠٢، ١٠٣.

٢ - سيرة ابن هشام ٢، ١١٧.

٣ - عنى به سيدنا حمزة بن عبد المطلب.

٨٢

فآبوا وقد أودى الجلابيب(١) منهُم

بهم خدَبٌ من مُعبط وكئيبِ

أصابهمُ من لم يكن لدمائهم

كفاءً ولا في خُطّةٍ بضريبِ(٢)

وكأنّه غير مَن كان يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب بزجّ الرمح قائلاً: ذُق عقق(٣) سيرة ابن هشام ٣: ٤٤.

وكأنّه غير مَن داس قبر حمزة برجله وقال: يا أبا عمارة انّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به. شرح ابن ابي الحديد ٤: ٥١.

وكأنّه غير مَن قال لمـّا رأى الناس يطؤن عقب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحسده: لو عاودت الجمع لهذا الرجل. فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدره ثمَّ قال: إذاً يخزيك الله. الإصابة ٢: ١٧٩.

وكأنّه غير مَن قال لعثمان يوم تسنّم عرش الخلافة: صارت إليك بعد تيم وعدي فادرها كالكرة، واجعل أوتادها بني اميّة، فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جنّة ولا نار. راجع ج ٨: ٢٨٥.

وكأنّه غير مَن دخل على عثمان بعد ما عمى وقال: هاهنا أحد؟ فقالوا: لا. فقال: اللهمَّ اجعل الأمر أمر جاهليّة، والملك ملك غاصبيّة، واجعل أوتاد الأرض لبني اُميّة [تاريخ ابن عساكر ٦: ٤٠٧].

وكأنَّه غير مَن عرَّفه أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب له إلى معاوية بقوله: منّا النبيُّ، ومنكم المكذِّب، قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٤٥٢: يعني أبا سفيان بن حرب كان عدوّ رسول الله، والمكذِّب له، والمجلب عليه.

وكأنّه غير مَن جاء فيه قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب له إلى محمّد بن أبي بكر: قد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية.

وكأنّه غير مَن ذكره أمير المؤمنين بقوله في كتاب له إلى إبنه معاوية: يا بن صخر يا ابن اللّعين. والإمام الطاهرعليه‌السلام في لعنه الرجل إقتفى أثر النبيِّ الأعظم، وقد سمع

____________________

١ - الجلابيب جمع جلباب: الازار الخشن. كان الكفار من أهل مكة يسمون من أسلم مع النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ والجلابيب.

٢ - الخطة: الخصلة الرفيعة الضريب: الشبيه. راجع سيرة ابن هشام ٣: ٢٢.

٣ - عقق، أى يا عقق، يريد يا عاق.

٨٣

منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يلعنه في مواطن شتّى.

وكأنّه غير مَن قال فيه عمر بن الخطاب: أبو سفيان عدوّ الله، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني يا رسول الله! أضرب عنقه. تاريخ ابن عساكر ٦: ٣٩٩.

وكأنَّه غير مَن قال فيه عمر أيضاً: إنَّ أبا سفيان لقديم الظلم. الإصابة ٢: ١٨٠

وكأنَّه غير مَن أسلفنا ترجمته في الجزء الثالث ص ٢٢١ - ٢٢٤ وفي الثّامن ص ٢٨٤ - ٢٨٦.

هذا مجمل حال الرجل في العهدين الجاهليّ والإسلاميّ، أفبمثله اُيّد الدين قبل إسلامه وبعد إسلامه؟ أو مثله يتولّى سقاية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم المحشر إذا أقبل من عند ذي العرش؟ وهل مستوى العرش معبّأ لمثل أبي سفيان هذا ونظرائه؟ إذا فعلى العرش ومَن بفنائه السَّلام.

ثمَّ اقرأ المجازفة في حساب عثمان الذي حاز في مزعمة ملفِّق هذه الرّواية ثواب عبادة الملائكة اوّلهم وآخرهم اولئك الملائكة المعصومين، وجنّة لا يقدر على وصفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مَن قرأت صحيفة حياته في الجزء التاسع وقبله، ووقفت على عقائد الصحابة العدول فيه وفي أحداثه، وإجماعهم على إهدار دمه، فلماذا ذلك الثواب ولِماذا تلكم الجنّة؟ ولِماذا هذه العظمة في أبناء الشجرة المنعوتة في القرآن؟ أعوذ بالله من السَرف في القول والغلوّ في الفضائل.

١٢ - أخرج ابن عساكر وابن مندة والخلعي والطبراني والعقيلي عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك عن أبيه عن جدّه قال: لمـّا رجع النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن حجّة الوداع إلى المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: يا أيّها الناس! إنّ أبا بكر لم يسؤني قطّ فاعرفوا ذلك له، يا أيّها النّاس! انِّي راضِ عن أبي بكر وعمر وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرَّحمن بن عوف، والمهاجرين الأوّلين فاعرفوا ذلك لهم. أيّها النّاس إنَّ الله قد غفر لأهل بدر والحديبيّة. أيّها الناس؟ احفظوني في أصحابي وأصهاري وفي أختاني لا يطلبنَّكم الله بمظلمة أحد منهم فإنّها ممّا لا توهب أيّها النّاس! ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحدٌ من المسلمين

٨٤

فقولوا فيه خيرا(١) .

قال الأميني: قال ابن عبد البرّ في الإستيعاب ٢: ٥٧٣: حديثه [يعني حديث سهل بن مالك] يدور على خالد بن عمرو القرشي الأموي وهو منكر الحديث، متروك الحديث، قال بعد ذكر الحديث: حديثٌ منكرٌ موضوعٌ، يقال فيه: انّه من الأنصار ولا يصحُّ، وفي إسناد حديثه مجهولون ضعفاء معروفون يدور على سهل بن يوسف بن مالك بن سهل عن أبيه عن جدّه وكلّهم لا يُعرف.

وقال ابن مندة: غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه. وقال العقيلي: إسناده مجهول لا يتابع عليه. والعجب من الحافظين وحكمهما بغرابة الحديث والجهل وقد أخرجاه من طريق خالد بن عمرو، ومرَّ في الجزء الثامن ص ٤٨، ٤٩ عن أئمَّة الجرح والتعديل انّه كان كذّاباً وضّاعاً يتفرَّد عن الثقات بالموضوعات لا يجوز الإحتجاج بخبره، أحاديثه موضوعةٌ باطلةٌ. وجزم الدارقطني في الأفراد بانَّ خالد بن عمرو تفرَّد بهذا الحديث.

وأخرجه سيف بن عمر، وقد أسلفنا في الجزء الثامن ص ٨٦ و ٣٥٥ أقوال الحفاظ فيه وانّه وضّاعٌ، متروكٌ، ساقطٌ، متَّهمٌ بالزندقة، عامّة أحاديثه منكرةٌ لم يتابع عليها.

وفي طرق الحديث مجاهيل منهم: محمّد بن يوسف المسمعي. قال الذهبي: لا يُدرى مَن هو. وقال العقيلي: لا يُتابع على حديثه. ومنهم: عليّ بن محمّد بن يوسف. قال الضياء: لم أجد له ولا لشيخه. ومنهم: حبّان بن أبي تراب(٢) أو: منان بن أبي ثواب(٣) أو: قنان ابن أبي أيّوب(٤) أو: قنار بن أبي أيوب(٥) من رجل الغيب لا يعرف اسمه واسم أبيه فضلاً عن عرفان شخصيَّتهما.

ومن الوهم الغريب للطبراني إخراجه الرواية من طريق عليّ بن محمّد بن يوسف المسمعي عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك، وتبعه في ذلك الضياء في المختارة، وقد أخرجها العقيلي من طريق محمّد بن يوسف المسمعي والد علي المذكور في إسناد الطبراني

____________________

١ - تاريخ ابن عساكر ٦: ١٢٧، الاستيعاب ٢: ٥٧٢:

٢ - كذا فى لسان الميزان ٥: ٤٣٥.

٣ - كذا فى لسان الميزان ٣: ١٢٣.

٤ - كذا فى الاصابة ٢: ٩٠.

٥ - كذا فى لسان الميزان ٤: ٤٧٥.

٨٥

عن حبان، رقبان، رقنار، رمنان، عن خالد بن عمرو الأموي عن سهل، فطبقة عليّ تستدعي سقط ثلاثة من رجال إسناد الطبراني.

راجع ميزان الاعتدال ١، ٣، الاصابة ٢، ٩٠، لسان الميزان ٣: ١٢٣، ج ٤: ٢٦١، ج ٥: ٤٣٥.

١٣ - عن عبادة بن الصامت قال: خلوت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: أيّ أصحابك أحبُّ إليك حتى اُحبَّ من تحبُّ كما تحبّ؟ فقال: اكتم عليَّ يا عبادة! حياتي فقلت: نعم، فقال: أبو بكر، ثمَّ عمر، ثمَّ عليُّ. ثمّ سكت، فقلت: ثمَّ مَن يا نبيَّ الله؟ فقال: مَن عسى أن يكون بعد هؤلاء إلّا الزبير وطلحة وسعد وأبو عبيدة ومعاذ وأبو طلحة وأبو أيّوب وأنت يا عبادة! واُبّي بن كعب وأبو الدرداء وأبو مسعود وابن عوف وابن عفّان، ثمَّ هؤلاء الرهط من الموالي سلمان وصهيب وبلال وسالم مولى أبي حذيفة، هؤلاء خاصّتي وكلُّ أصحابي عليَّ كريمٌ حبيب إليَّ وإن كان عبداً حبشيّاً. قال أبو عبد الله الصنابحي: قلت لعبادة: لم يذكر حمزة ولا جعفراً، فقال عبادة: إنّهما كانا اُصيبا يوم سألت عن هذا إنَّما كان هذا بآخرة أو كما قال. تاريخ ابن عساكر ٥: ٣٨، و ج ٧: ٢١٠.

قال الأميني: ألا تعجب من نبيِّ العظمة أن يتحاشى عن بيان ما يهمّ الاُمَّة عرفانه ويعهد إلى السائل بأن يكتمه عليه في حياته وهو في اُخرياتها؟ أليس هو القائل لعائشة فيما أخرجه الخجندي: إنَّ عليّاً أحبّ الرجل إليَّ وأكرمهم عليَّ.والقائل: أحبُّ النّاس إليَّ من الرجال عليّ. والقائل: عليُّ أحبّهم إليَّ وأحبّهم إلى الله؟

هلّا كانت الصحابة يعرفون أحبّ الناس إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تلكم الآيات والنصوص النبويّة الواردة في مولانا عليّ أمير المؤمنين؟ أما صحَّ عن عائشة قولها: والله ما رأيت أحداً أحبّ إلى رسول الله من عليّ، ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إليه من امرأته.

وهلّا صحَّح الحفاظ قول بريدة واُبيّ بن كعب: أحبّ النّاس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الناس فاطمة ومن الرجال عليّ(١) .

ثمّ ما الذي أنسى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعاظم صحابته الذين نزل فيهم القرآن وأثنىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم بما لا يزيد عليه كعمّه العبّاس وأبي ذر وعمّار والمقداد وابن مسعود إلى

____________________

١ - راجع ما أسلفناه فى الجزء الثالث ص ٢١ - ٢٤ طبع ٢.

٨٦

آخرين من أمثالهم؟ وما الذي بخس حظّهم من حبّ نبيِّهم الأقدس إيّاهم مع تلكم الفضائل والفواضل الجمَّة ولا يدانيهم فيها غيرهم حتّى جُلُّ المذكورين إن لم نقل كلّهم غير سيِّد العترة؟

أفي وسع الباحث أن يرى أبا عبيدة حفَّار القبور مثلاً أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبي ذرّ الصدّيق شبيه عيسى في اُمَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هدياً وبرّاً ونسكاً وزهداً وصدقاً وجدّاً وخَلقاً وخُلقاً؟ من أبي ذر الذي كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدنيه دون أصحابه إذا حضر ويتفقَّده إذا غاب(١) .

أو من عمّار جلدة ما بين عيني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنفه. الطيّب المطيّب الذي ملئ إيماناً إلى مشاشه، الذي خلط الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، خلط الايمان بلحمه ودمه، الذي كان مع الحقِّ والحقُّ معه يدور مع الحقِّ أينما دار(٢) .

أعوذ بالله من التقوُّل والتحدّث بالزعمات بلا تعقّل.

١٤ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٦: ١٧٣ من طريق سعيد بن مسلمة بن اميَّة ابن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو دخل المسجد وهو آخذٌ بيد أبي بكر وعمر، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ثمَّ قال: هكذا نبعث يوم القيامة. ورواه الترمذي.

قال الأميني: حذف بدران مهذِّب تاريخ ابن عساكر إسناد هذه الرواية ستراً على ما فيه من العلل ذاهلاً عن أنَّ في ذكر سعيد بن مسلمة غنى وكفاية، وإسناده كما في « الميزان » عن سعيد عن إسماعيل بن اُميَّة عن نافع عن إبن عمر. قال البخارى في تاريخه: سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن اميّة فيه نظر، يروي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه مناكير. وقال أيضاً: منكر الحديث. وقال مرَّة: ضعيفٌ. وقال يحيى ابن معين: ليس بشيىء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكره. وقال الدارقطني: هو ضعيف الحديث يعتبر به. وقال ابن حبان: فاحش الخطأ، منكر الحديث جدّاً(٣) .

____________________

١ - راجع الجزء الثامن ص ٣١٥ - ٣٢٦ ط ١، و ٣٠٨ - ٣١٩ ط ٢.

٢ - راجع الجزء التاسع ص ٢٠ - ٢٧ ط ١، ٢.

٣ - تاريخ ابن عساكر ٦: ١٧٤، ميزان الاعتدال ١: ٣٩١، تهذيب التهذيب ٤: ٨٣.

٨٧

وأخرجه الدارقطني من طريق الحارث بن عبد الله المديني مولى بني سليم عن اسحاق بن محمّد الفروي الأموي مولى عثمان عن مالك عن نافع عن ابن عمر. فقال: لا يصحّ والحارث هذا ضعيفٌ. أقول: واسحاق الأموي وهّاه أبو داود جدّاً وقال: لو جاء بذلك الحديث عن مالك يحيي بن سعيد لم يحتمل له. وقال النسائي: متروك وقال أيضاً: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ضعيف وقد روى عنه البخاري ويوِّبخونه في هذا. وقال الدارقطني أيضاً: لا يترك. وقال الساجي: فيه لين. روى عن مالك أحاديث تفرَّد بها. وقال العقيلي: جاء عن مالك بأحاديث كثيرة لا يتابع عليها. وقال الحاكم: عيب على محمّد - يعني البخاري - اخراج حديثه وقد غمزوه(١) .

١٥ - أخرج ابن عساكر من طريق سليمان بن بلال بن أبي الدرداء عزيز(٢) بن زيد الأنصاري عن أبيه انّه رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا بكر عن يمينه وعمر عن يساره فقال: هكذا نكون، ثمَّ هكذا نموت، ثمّ هكذا نبعث، ثمّ هكذا ندخل الجنّة. تاريخ ابن عساكر ٦: ٢٤٦.

قال الأميني: هذا الإسناد فيه وهمٌ واختلاطٌ من ناحية سليمان أوّلاً فإنّ بلال بن أبي الدرداء لم يذكر له ولد يروي عنه، ولا يوجد له قطُّ اسمٌ في المعاجم، والصحيح: سليمان عن بلال عن أبيه، وفي تلك الطبقة غير واحد كلّهم يسمّون سليمان بين كذّاب وضّاع، وبين ضعيف ساقط متروك، وبين مجهول منكر لا يُعرف.

وفي الإسناد وهمٌ من ناحية بلال ثانيا فانَّه لم يدرك النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرو عنه قال أبو زرعة: في الطبقة التي تلي الصحابة بلال بن أبي الدرداء توفي سنة ٩٢ - ٩٣ وكان قاضياً على دمشق في ولاية يزيد وبعده حتّى عزله عبد الملك. ولعلّك تهتدي بذلك إلى مبلغه من الثقة والدين.

وبقيَّة رجال السند المحذوفة أسمائهم لا نعرف أحداً منهم حتى نعطي النظر حقَّه، وبمثلها من رواية لا يثبت حقُّ، ولا تعتبر فضيلةٌ.

١٦ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٤: ٢٢٤ من طريق الحسن بن محمّد بن الحسن

____________________

١ - ميزان الاعتدال ١: ٩٣، تهذيب التهذيب ١: ٢٤٨، لسان الميزان ٢: ١٥٤.

٢ - كذا فى النسخ والصحيح المتسالم عليه: عويمر. هو ابو الدرداء المعروف.

٨٨

أبي علي الأبهري المالكي نزيل دمشق إلى شدّاد بن أوس مرفوعاً: أبو بكر أرأف امّتي وأرحمها. وعمر بن الخطاب خير امَّتي وأعدلها. وعثمان أحيا اُمَّتي وأكرمها وأصدقها. وأبو الدرداء أعبد امّتي وأتقاها. ومعاوية أحكم امَّتي وأجودها.

وفي لفظ العقيلي من طريق بشير بن زاذان عن عمر بن صبح عن ركن عن شدّاد بن أوس مرفوعاً: أبو بكر أوزن امَّتي، و ( عمر ) خير امَّتي، وعثمان أحيى أمَّتي، و معاوية أحكم امَّتي. ( لسان الميزان ٢: ٣٧ )

وفي لفظ السيوطي نقلاً عن العقيلي ايضاً: أبو بكر أوزن امَّتي وأرحمها. وعمر خير امّتي وأكملها، وعثمان أحيى امّتي وأعدلها، وعليٌّ أوفى امَّتي وأوسمها، وعبد الله بن مسعود أمين امّتي وأوصلها، وأبوذر أزهد امّتي وأرقّها، وأبو الدرداء أعدل امَّتي وأرحمها، ومعاوية أحلم امَّتي وأجودها. ( اللئالي ١: ٤٢٨ )

قال الاميني: قال الحافظ ابن عساكر: هذا الحديث ضعيفٌ. ونحن على يقين من انَّ الباحث بعد ما أوقفناه على ترجمة رجال الإسناد يحكم بالوضع لا بالضعف كما حكم به الحافظ وإليك الرجال:

١ - بشير بن زاذان. ضعَّفه الدارقطني وغيره، واتَّهمه ابن الجوزي، وقال ابن معين: ليس بشيء، وذكره الساجي وابن الجارود والعقيلي في الضعفاء، وقال ابن عدي: أحاديثه ليس لها نورٌ، وهو ضعيفٌ غير ثقة، يحدِّث عن جماعة ضعفاء وهو بيّن الضعف.

وقال ابن حجر في ترجمته بعد ذكر الحديث: ولا يتابع بشير بن زاذان على هذا ولا يُعرف إلّا به ولمـّا ذكر له ابن الجوزي حديثاً في فضل الصّحابة قال: هو المتَّهم به عندي فإمّا أن يكون من فعله، أو من تدليسه من الضعفاء. وقال ابن حبّان: غلب الوهم على حديثه حتّى بطل الإحتجاج(١) .

٢ - عمر بن صبح أبو نعيم الخراساني، قال ابن راهويه: أخرجتْ خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظيرٌ في البدعة والكذب: جهم بن صفوان. عمر بن صبح. مقاتل بن سليمان. وقال البخاري في التاريخ الأوسط: حدّثني يحيي اليشكري عن عليِّ بن جرير سمعت عمر بن صبح يقول: أنا وضعت خطبة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال أبو حاتم وابن

____________________

١ - ميزان الاعتدال ١: ١٥٢، لسان الميزان ٢: ٣٧.

٨٩

عدي: منكر الحديث. وقال ابن حبّان: يضعّ الحديث على الثقات لا يحلّ كتب حديثه إلّا على وجه التعجّب. وقال الأزدي: كذّابٌ. وقال الدارقطني: متروكٌ. وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه غير محفوظ لا متناً ولا اسناداً. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال - العقيلي: ليس حديثه بالقائم وليس بالمعروف بالنقل. وقال أبو نعيم: روى عن قتادة و مقاتل الموضوعات. ميزان الاعتدال ٢: ٢٦٢، تهذيب التهذيب ٧: ٤٦٣.

٣ - ركن الشامي، وهّاه ابن المبارك، وقال يحيي: ليس بشيء. وقال النسائي والدارقطني: متروكٌ. وقال أبو أحمد الحاكم: يروي عن مكحول أحاديث موضوعة. وقال ابن الجارود: ليس بثقة. وعن ابن حماد: انّه متروك الحديث. وقال عبد الله بن المبارك. لإن أقطع الطريق أحبّ إليَّ من أن أروي عن عبد القدّوس الشامي، وعبد القدّوس خيرٌ من مائة مثل ركن. تاريخ ابن عساكر ٥: ٣٢٧، تاريخ الخطيب ٨: ٤٣٦، ميزان الإعتدال ١: ٣٤٠، لسان الميزان ٢: ٤٦٢.

هذا شأن إسناد الرواية ونكل النظرة إليها متناً إلى سعة باع الباحث ثقةً بوقوفه على ما فصّلناه في أجزاء كتابنا هذا ممّا تُعرف به جليّة الحال.

لفظ آخر باسناد آخر:

عن عليِّ بن عبد الله عن عليِّ بن أحمد عن خلف بن عمرو العكبري عن محمد بن إبراهيم عن يزيد الخلّال عن أحمد بن القاسم بن مهران عن محمّد بن بشير بن زاذان عن عكرمة عن ابن عبّاس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر خير اُمّتي وأتقاها، وعمر اُعزّها وأعدلها، وعثمان أكرمها وأحياها، وعليُّ ألبُّها وأوسمها، وابن مسعود آمنها وأعدلها، وأبو ذر أزهدها وأصدقها، وأبو الدرداء أعبدها، ومعاوية أحلمها وأجودها.

قال السيوطي في اللئالي المصنوعة ١: ٤٢٨: في هذا الطريق ايضاً مجروحون، و قد خلط بشير بن زاذان في إسناده.

ونحن نقول: لو لم يكن في الإسناد من المجروحين إلّا يزيد الخلّال لكفاه علّة، قال يحيى بن معين: كذّابٌ، وقال أبو سعيد: قد أدركت يزيد هذا وهو ضعيفٌ قريب ممّا قال يحيى(١) . وقال أبو داود: ضعيفٌ، وقال الدارقطني: ضعيفٌ جِدّاً، وقال

____________________

١ - تاريخ الخطيب ١٤: ٣٤٨: ميزان الاعتدال ٣: ٣١٨.

٩٠

ابن عدي: ليس بذاك المعروف(١) .

١٧ - عن أنس بن مالك قال: بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاّ من أصحابه يقال له سفينة بكتاب إلى معاذ إلى اليمن فلمّا صار في الطريق إذا بالسبع رابض في وسط الطريق فخاف أن يجوز فيقوم إليه فقال: أيُّها السبع إنِّي رسول رسول الله إلى معاذ، وهذا كتاب رسول الله. فقام السبع فهرول قدّامه غلوة ثمَّ همهم ثمَّ صرخ وتنحّي عن الطريق، فمضى بكتاب رسول الله إلى معاذ، ثمَّ رجع بالجواب فإذا هو بالسبع فخاف أن يجوز فقال: ايُّها السبع إنّي رسول رسول الله من عند معاذ، وهذا جواب كتاب رسول الله من معاذ. فقام السبع فصرخ ثمَّ همهم ثمَّ تنحّى عن الطريق، فلمّا قدم أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فقال: أوَ تدرون ما قال اوَّل مرَّة؟ قال: كيف رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ؟ وأمّا الثاني: فقال: إقرأ رسول الله وأبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وسلمان وصهيباً وبلالاً منّي السّلام.

( تاريخ ابن عساكر ٣: ٣١٤ ).

قال الأميني: مثل هذه الرواية التي فيها أعلام النبوّة، وكرامة الخلفاء، وفضل جمع من الصحابة لا بدَّ من أن تلوكه الأشداق، وتتداوله الألسن، وتكثر روايته في المجامع والأندية، ولا تخصّ بحافظ الشام بين أئمة الحديث وحفّاظه، وقد تفرَّد به ابن عساكر، وقال ابن بدران في غير موضع: كلَ ما تفرّد به ابن عساكر فهو ضعيفٌ راجع تاريخه ج ٤: ٢٣٦، و ج ٥: ١٨٣، ١٨٤، وعلى الرواية نفسها من ملامح الإفتعال ما لا يخفي.

وما أعرف هذا السبع بالخلفاء حتى ذكرهم مرَّتين، وأهدى إليهم السَّلام على ترتيب خلافتهم، فكأنَّ علم الغيب اُلقي إلى السباع شطره فعرفوا خلفاء النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يُستخلفوا، وعرفت من الصحابة اناساً ليسوا هم في الغارب والسنام، كما انّها جهلت بأناس هم في الذروة العالية من جلالة الصحبة وعظمتها، فحذفت عمّن سلّم عليهم أسمائهم وبلغ تزلّفها إلى الطبقة الواطئة من الموالي، أو هكذا تكون رشحات عالم الغيب؟ أم هكذا تخبط السِّباع خبط عشواء؟ أم هذه كلّها جناية الغلوّ في الفضائل؟.

____________________

١ - لسان الميزان ٦: ٢٩٣.

٩١

١٨ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٢: ٨٥ من طريق أحمد بن محمّد الأنصاري الجبيلي(١) عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: انّ من له عند الله حقٌ فليأت، قلنا: يا رسول الله؟ ومن له على الله حقُّ؟ قال: من أحبَّ أبابكر وعمر وعثمان، ومَن لم يُفضِّل عليهم أحداً.

قال الأميني: قال ابن عساكر: هذا الحديث غريبٌ جدّاً والعهدة فيه على أحمد ابن محمّد الجبيلي.

والأنصاري ترجمه الذهبي في ميزان الإعتدال ١: ٧٣ فقال: ليس بثقة نزل الجزيرة، وهّاه ابن حبّان وغير واحد. وقال ابن حجر في لسان الميزان ١: ٣٠٢: حديثٌ منكر.

ومتن الحديث كما ترى أقوى شاهد على بطلانه، وانَّما هو رأي ابن عمر فحسب يشذّ عن الكتاب والسّنة كما فصّلنا القول حوله في الحديث الرابع، فليضرب به عرض الحائط.

١٩ - أخرج ابن عساكر من طريق إبراهيم بن محمَّد بن أحمد القرميسيني عن أنس بن مالك مرفوعاً: من أحبَّ أن ينظر إلى إبراهيمعليه‌السلام في خلّته فلينظر إلى أبي بكر في سماحته، ومن أحبَّ أن ينظر إلى نوح في شدَّته فلينظر إلى عمر بن الخطاب في شجاعته ومن أحبَّ أن ينظر إلى إدريس في رفعته فلينظر إلى عثمان في رحمته، ومن أحبَّ أن ينظر إلى يحيي بن زكريّا في جهادته فلينظر إلى عليَّ بن ابي طالب في طهارته. ( تاريخ الشام ٢: ٢٥١ )

قال ابن عساكر: هذا الحديث شاذُّ بالمرَّة، وفي إسناده جماعةٌ ممَّن أمرهم مجهولٌ لا يُعرف حالهم فلا يوثق بهم وهو إلى الوضع أقرب منه إلى الضعف.ا ه.

قال الأميني: حذف ابن بدران مهذّب التاريخ سند الرواية وهو كما في لسان الميزان ٤: ٣١٧، القرميسيني عن عمر بن عليِّ بن سعيد عن يونس عن محمّد بن القاسم عن أبي يعلى عن محمّد بن بكار عن ابن أبي ثابت البناني عن أنس.

وقال: قال عقبة: هذا إسناد عمر، وفي إسناده غير واحد مجهول. وقال الذهبي في الميزان ٢: ٢٦٦: إسنادٌ مظلمٌ بخبر لم يصحّ.

____________________

١ - فى لسان الميزان الحنبلى.

٩٢

٢٠ - عن عمر بن عبد المجيد الميانشي ثنا مسلمة ثنا أبو سعد محمّد بن سعيد الريحاني وعاش عشرين ومائة سنة قال: حدَّثنا: أبو سالم عبد الله بن سالم وعاش مائة وثلاثين سنة، حدّثني أبو الدنيا محمّد(١) بن الأشج حدَّثني عليّ بن أبي طالب رفعه: ما كان رُفع ألعرش إلّا بحبِّ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ. الحديث.

قال ابن السمعاني في حديث رواه بالطريق المذكور: هذا حديثٌ باطلٌ ورجاله مجاهيل. لسان الميزان ٣: ١٥٥.

وقال الذهبي: أبو الدنيا الأشج كذّاب طرقيُّ. وقال: حدّث بقلّة حياء بعد الثلاث مائة عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فافتضح بذلك وكذّبه النقَّادون، قال الخطيب: علماء النقل لا يثبتون قوله، مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وللحفّاظ فيه وفي بطلان حديثه كلمات ضافيةٌ راجع لسان الميزان ٤: ١٣٤ - ١٤٠.

٢١ - أخرج العقيلي في الضعفاء من طريق المقري عن عمر بن عبيد البصري أبي حفص الخزّاز عن سهيل بن ذكوان المدني عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: أفضل هذه الامَّة بعد نبيِّها أبو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عثمان.

قال الأميني: عمر بن عبيد ضعّفه أبو حاتم كان بيّاع الخمر كما ذكره ابن حبّان والذهبي(٢) وفيه سهيل قال الدوري عن ابن معين: سهيل والعلاء بن عبد الرَّحمن حديثهما قريبٌ من السَّواء وليس حديثهما بحجّة، وقال: لم يزل أصحاب الحديث يثقون حديثه وقال: ضعيفٌ، وسُئل مرَّة فقال: ليس بذاك، وقال غيره: إنّما أخذ عنه مالك قبل التغير. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ. وذكر العقيلي عن يحيى انّه قال: هو صويلح وفيه لينٌ.

ميزان الإعتدال ١: ٤٣٢، تهذيب التهذيب ٤: ٢٦٤.

٢٢ - ذكر القاضي أبو يوسف في الآثار ص ٢٠٧ عن أبي حنيفة: إنَّ رجلاً أتى عليّاً رضي الله عنه فقال: ما رأيت أحداً خيراً منك فقال له: هل رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: لا. قال: فهل رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما؟ قال: لا. قال: لو أخبرتني: انَّك

____________________

١ - اسمه عثمان، ومحمد تصحيف.

٢ - راجع ميزان الاعتدال ٢: ٢٦٥، لسان الميزان ٤: ٣١٦.

٩٣

رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضربت عنقك، ولو أخبرتني: انّك رأيت أبا بكر وعمر لأوجعنَّك عقوبة.

قال الأميني: إنَّك لو أمعنت النظر فيما ذكرناه في ترجمة أبي يوسف في ج ٨ ص ٣٠، ٣١ طبع ١، لأغناك عن مؤنة البرهنة على تفنيد هذه الرواية وما يجري مجراها.

على انَّها مضادَّةٌ لما ثبت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنَّ عليّاً خير البشر وما جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تأويل قوله سبحانه: اولئك هم خير البريَّة. بعليّعليه‌السلام وشيعته(١)

فالرواية مخالفةٌ للكتاب والسنَّة فأحر بِها أن تُضرب عرض الجدار. وانّها على طرف نقيض مع نظريَّة أمير المؤمنينعليه‌السلام في نفسه عند مقايستها مع القوم، فهو الذي يقول: متى وقع الشكّ فيَّ مع الأوَّل حتى صرت اُقرن بهذه النظائر. ويقول: لقد تقمَّصها ابن أبي قحافة وهو يعلم انَّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى. إلى كثير ممّا يشبه بعضه بعضاً من نظائر هذا القول. راجع غير واحد من أجزاء هذا الكتاب.

٢٣ - أخرج ابن عدي عن محمّد بن نوح، ثنا جعفر بن محمّد الناقد، ثنا عمّار بن هارون المستملي البصري، نا قزعة بن سويد البصري، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاس رفعه: ما نفعني مالٌ ما نفعني مال أبي بكر. وفيه: وأبو بكر وعمر منِّي بمنزلة هارون من موسى.

وأخرجه من طريق ابن جرير الطبري عن بشير بن دحية عن قزعة بن سويد(٢) أقول: في الإسناد عمّار المستملي الدلال، قال أبو الضريس: سألت ابن المديني عنه فلم يرضه، وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه غير محفوظ. وقال ايضاً: يسرق الحديث. وقال العقيليّ: قال لي موسى بن هارون: عمّار أبو ياسر متروك الحديث. وقال الخطيب: سمع منه أبو حاتم ولم يرو عنه وقال: متروك الحديث وقال ابن حبّان: ربما أخطأ.

[ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٥، تهذيب التهذيب ٧: ٤٠٧]

وفيه قزعة أبو محمَّد البصري، قال أحمد: مضطرب الحديث وقال أيضاً: شبه المتروك. وقال أبو حاتم: ليس بذاك القويِّ محلّه الصِّدق وليس بالمتين يكتب حديثه ولا يحتجُّ به،

____________________

١ - راجع ما مر فى ج ٢: ٥٧ ط ٢، و ج ٣: ٢٢ ط ٢.

٢ - ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٥، لسان الميزان ٢: ٢٣.

٩٤

وقال البخاري: ليس بذاك القويّ. وقال الآجري: سألت أبا داود عن قزعة فقال: ضعيفٌ كتبت إلى العبّاس العنبري أسأله عنه فكتب إليَّ أنَّه ضعيفٌ، وقال النسائي: ضعيفٌ وقال ابن حبّان: كان كثير الخطأ فاحش الوهم، فلمّا كثر ذلك في روايته سقط الإحتجاج بأخباره، وقال البزّار: لم يكن بالقويِّ. وقال العجلي: فيه ضعيفٌ(١)

وفي إسناد الطبري بشر بن دحية، ضعّفه الذهبي وقال بعد رواية هذا الحديث عنه: هذا كذبٌ ومَن بشر؟ وقال: قزعة ليس بشيء(٢) .

٢٤ - أخرج الحافظ العاصمي في زين الفتى شرح سورة هل أتى من طريق الحاكم أبي أحمد عن أبي ميمون أحمد بن محمّد بن ميمون بن كوثر بن حكيم الهمداني بحلب عن إسحاق بن إبراهيم بن الأخيل العبسي عن ميسر(٣) بن اسماعيل، عن الكوثر بن حكيم الهمداني عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: إنَّ أرأف امَّتي لها أبو بكر، وإنَّ أجلّها في أمر الله لعمر، وانَّ أشدّها حياءً عثمان، وإنَّ أقضاها لعليّ، وانَّ اقرأها لاُبيّ، وانَّ أفرضها زيد بن ثابت، وانّ أصدقها لهجة أبو ذر، وانّ أعلمها بالحلال والحرام لمعاذ بن جبل، وانَّ حبر هذه الاُمّة عبد الله بن عبّاس، ولكلِّ امّة أمين وأمين هذه الاُمَّة أبو عبيدة الجراح.

قال الأميني: في الإسناد مجاهيل يروي واحد عن آخر عن كوثر وهو كما قال أبو زرعة: ضعيفٌ. وقال يحيى بن معين: ليس بشيىء. وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه بواطيل ليس بشيىء. وقال الدارقطني وغيره مجهولٌ، وقال: ضعيفٌ منكر الحديث، وقال الجوزجاني: لا يحلّ كتابة حديثه عندي لأنّه متروك، وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه غير محفوظ، وقال ابن ابي حاتم؟ سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث، قلت: هو متروك؟ قال: لا، ولا أعلم له حديثاً مستقيماً وهو ليس بشيء، وقال الساجي: ضعيفٌ. وقال - البرقاني والدارقطني: متروك الحديث، وقال الحاكم وأبو نعيم: روى أحاديث مناكير

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٢: ٣٤٧.

٢ - ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٥، لسان الميزان ٢: ٢٣.

٣ - كذا والصحيح بشر بن اسماعيل. ولا يهمنا عرفان الصحيح من السقيم فى المقام إذ بشر ايضاً كميسر مجهول منكر لا يعرف كما فى لسان الميزان.

٩٥

وذكره العقيلي والدولابي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء، وقال أبو الفتح: ضعيفٌ(١) .

٢٥ - أخرج الحافظ العاصمي في زين الفتى عن سلسلة مجاهيل تنتهي إلى عليّ بن يزيد عن أبي سعد البقّال عن أبي محجن قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ أرأف الناس بهذه الاُمّة ابو بكر الصدِّيق، وأقواها بأمر الله عمر، وأشدَّها حياء عثمان، وأعلمها بفصل قضاء عليّ بن أبي طالب، وأعلمها بحساب الفرائض زيد بن ثابت، وأعلمها بناسخ من منسوخ معاذ بن جبل، وأقرأها اُبيّ بن كعب، ولكلّ اُمّة أمين وأمين هذه الاُمّة أبو عبيدة بن الجرّاح.

قال الأميني: من رجال الإسناد بعد المجاهيل عليّ بن يزيد وهو أبو الحسن الكوفي الأكفاني نظراً إلى طبقته، قال أبو حاتم: ليس بقويّ منكر الحديث عن الثقات، وقال ابن عدي: أحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات وعامّة ما يرويه لا يتابع عليه(٢) .

عن أبي سعد البقّال الكوفي سعيد بن المرزبان الأعور قال ابن معين: ليس بشيء لا يكتب حديثه، وقال عمرو بن علي: ضعيف الحديث، متروك الحديث، وقال أبو زرعة: ليّن الحديث مدلّس، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتجّ بحديثه، وقال النسائي: ضعيفٌ، وقال ايضاً، ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الدارقطني: متروكٌ. وقال الساجي: صدوقٌ فيه ضعفٌ، وقال العجلي: ضعيفٌ، وقال ابن حبّان: كثير الوهم فاحش الخطأ(٣) وقال ابن حجر في الإصابة ٤: ١٧٤: أبو سعيد ضعيفٌ ولم يدرك أبا محجن.عن

أبي محجن الثقفي وما أدراك ما الثقفي: كان يُدمن الخمر، منهمكاً في الشراب، حدَّه عمر في سبع مرّات ونفاه إلى جزيرة في البحر، وبعث معه رجلاً فهرب منه، وهو صاحب الشعر الدائر السائر:

إذا متُّ فادفنِّي إلى جنب كرمة

تروّي عظامي بعد موتي عروقها

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٢: ٣٥٩، لسان الميزان ٤: ٤٩١.

٢ - تهذيب التهذيب ٧: ٣٩٥.

٣ - تهذيب التهذيب ٤: ٧٩.

_٦_

٩٦

ولا تدفننِّي بالفلاة فانَّني

أخاف إذا ما متُّ أن لا أذوقها

هذا أبو محجن فانظر ماذا ترى، وأنت بين أمرين إمّا أن تأخذ بكتاب الله وفيه قوله تعالى: إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا(١) وإمّا أن تجنح إلى ما جاء به القوم من خرافة: الصحابة كلّهم عدول. لا يستوي الحسنة ولا السيِّئة، لا يستوي أصحاب النار و أصحاب الجنّة، لا يستوي الخبيث والطيّب، أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون.

٢٦ - أخرج الحافظ العاصمي في زين الفتى باسناده عن أبي علي الهروي عن المأمون عن أحمد بن سعد العبادي عن يزيد بن هارون عن عبد الأعلى بن مسافر عن الشعبي عن المصطلقي رجلٌ من بني المصطلق قال: بعثني قومي بنو المصطلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسألون إلى مَن يدفعون صدقاتهم بعد وفاته فلقيني عليُّ بن ابي طالب فسألني فقلت: اُرسلني قومي بنو المصطلق إلى رسول الله فسألونه إلى مَن يدفعون صدقاتهم بعده فقال عليٌّ: إذا سألته فأخبرني ما قال لك فأتى رسول الله فأخبره أنّ قومه أرسلوه يسألونه إلى مَن يدفعون صدقاتهم بعدك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إدفعوها إلى أبي بكر فرجع المصطلقي إلى عليّ فأخبره فقال له عليّ: ارجع إليه فسائله إن كان أبو بكر يموت إلى مَن يدفعونها؟ فأتاه فسأله فقال: ادفعوها إلى عمر. فرجع إلى عليّ فأخبره فقال له عليٌّ: ارجع فقل له: إن كان عمر يموت إلى مَن يدفعونها؟ فقال: ادفعوها إلى عثمان. فرجع إلى عليّ فأخبره فقال له عليٌّ: ارجع فسائله إلى مَن يدفعونها بعد عثمان، فقال له - الرجل: انِّي لأستحي أن أرجع بعد هذا.

قال الأميني: هلمَّ معي نقرأ صحيفة ممّا جاء في رجال إسناد هذه الرواية التي تُبنى عليها وعلى أمثالها الخلافة الإسلاميّة عند بعض رجالات القوم.

١ - أبو عليّ الهروي هو أحمد بن عبد الله الجويباري(٢) قال ابن عدي: كان يضع الحديث لابن كرام على ما يريده، فكان ابن كرام يخرجها في كتبه عنه. وقال ابن حبّان: دجّالٌ من الدجاجلة، روى عن الأئمَّة اُلوف حديث ما حدَّثوا بشيء عنها. وقال النسائي: كذّابٌ. وقال الذهبي: ممّن يُضرب المثل بكذبه، وقال البيهقي: إنِّي أعرفه

____________________

١ - الحجرات: ٤٩.

٢ - الجويبار من اعمال الهراة ويعرف بستوق.

٩٧

حقَّ المعرفة بوضع الأحاديث على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد وضع عليه أكثر من ألف حديث وسمعت الحاكم يقول: هو كذّابٌ خبيث ووضع كثيراً في فضائل الأعمال لا تحلُّ رواية حديثه من وجه، وقال الخليلي: كذّابٌ يروي عن الأئمّة أحاديث موضوعة، وكان يضع لابن كرام أحاديث مصنوعة، وكان ابن كرام يسمعها وكان مغفّلاً. وقال أبو سعيد النقاش: لا نعرف أحداً أكثر وضعاً منه. إلى كلمات اُخرى لِدة هذه.

ميزان الاعتدال ١: ٥٠، لسان الميزان ١: ١٩٣، اللئالي المصنوعة ١: ٢١، الغدير ٥: ٢١٤ ط ٢.

٢ - المأمون بن أحمد السلمي الهروي يروي عنه الجويباري، قال ابن حبّان: دجّالٌ. وقال ابن حبّان ايضاً: سألته متى دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومأتين، قلت: فإنَّ هشاماً الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين، فقال: هذا هشام بن عمّار آخر. وممّا وضع على الثقات ( فذكر حديثاً ) ثمَّ قال: وانّما ذكرته ليعرف كذبه لأنَّ الأحداث كتبوا عنه بخراسان. وقال أبو نعيم: خبيثٌ وضّاعٌ يأتي عن الثقات مثل هشام ودحيم بالموضوعات، ومثله يستحقُّ من الله تعالى ومن الرسول ومن المسلمين اللعنة. و قال الحاكم في المدخل بعد ذكر حديث عنه: ومثل هذه الأحاديث يشهد من رزقه الله أدنى معرفة بانَّها موضوعةٌ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو كما قال. وقال الذهبي: أتى بطامّات وفضائح. ميزان الإعتدال ٣: ٤، لسان الميزان ٥: ٧.

٣ - أحمد بن سعد العبادي، لا أعرفه ولم أجد له ذكراً في الكتب والمعاجم.

٤ - عبد الأعلى بن مسافر ( الصحيح: ابن أبي المساور ) الزهري أبو مسعود الجرّار الكوفي نزيل المدائن. قال ابن معين: ليس بشيء. زاد ابراهيم: كذابٌّ، وعن ابن معين ايضاً ليست بثقة. وعن عليِّ بن المديني: ضعيفٌ ليس بشيء. وقال ابن عمّار الموصلي: ضعيفٌ ليس بحجّة. وقال أبو زرعة: ضعيفٌ جدّاً، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث يشبه - المتروك، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا مأمون. وقال ابن نمير: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيفٌ: وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقويِّ عندهم. وقال الساجي: منكر الحديث. وقال أبو نعيم الإصبهاني: ضعيفٌ جِدّاً ليس بشيء.

٩٨

تهذيب التهذيب ٦: ٤٨.

٢٧ - أخرج البخاري في تاريخه الكبير ٤ ق ٢: ٤٤٢ عن إسحاق بن ابراهيم عن عمرو بن الحارث الزبيدي عن ابن سالم عن الزبيدي قال حميد بن عبد الله عن عبد - الرَّحمن بن أبي عوف، عن ابن عبد ربّه عن عاصم بن حميد قال: كان أبو ذر يقول: إلتمست النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض حوائط المدينة فإذا هو قاعدٌ تحت نخلة فسلّم عليَّ النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ما جاء بك؟ فقال: جئت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمره أن يجلس وقال: ليأتينا رجلٌ صالح فسلّم أبو بكر، ثمَّ قال: ليأتينا رجلٌ صالحٌ فجاء عمر فسلّم، وقال: ليأتينا رجلٌ صالح فأقبل عثمان بن عفان، ثمَّ جاء عليٌّ فسلّم فردَّ عليه مثله، ومع النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصيات فسبَّحن في يده فناولهنَّ أبا بكر فسبَّحن في يده، ثمَّ عمر فسبَّحن في يده، ثمَّ عثمان فسبَّحن في يده.

رجال الإسناد:

١ - إسحق بن إبراهيم الحمصي المعروف بابن زبريق، قال النسائي: ليس بثقة وقال محمّد بن عون: ما أشكّ أنَّ إسحاق بن زبريق يكذب(١) .

٢ - عمرو بن الحارث الحمصي، قال الذهبي: لا تُعرف عدالته(٢) .

٣ - عبد الله بن سالم الشامي الحمصي. كان يذمُّه أبو داود لقوله: أعان عليُّ على قتل أبي بكر وعمر(٣) فالرجل ناصبيٌّ لا يُصغى إلى قيله وأحسب انّه آفة الرواية وهي كما ترى يطفح النصب من جوانبها.

٤ - حميد بن عبد الله أو حميد بن عبد الرحمن، مجهولٌ لا يعرف.

٥ - ابن عبد ربّه، إن كان هو محمّد المروزي فهو ضعيفٌ كما في لسان الميزان ٥: ٢٤٤، وإن كان غيره فهو مجهولٌ، ونفس البخاري الذي ذكره لا يعرف منه إلّا أنَّه [ابن عبد ربّه] ولا يسمِّيه ولا يذكر له غير روايته هذه.

٦ - عاصم بن حميد الحمصي الشامي، قال البزار: لم يكن له من الحديث ما نعتبر

____________________

١ - تهذيب التهذيب ١: ٢١٦.

٢ - تهذيب التهذيب ٨: ١٤.

٣ - تهذيب التهذيب ٥: ٢٢٨.

٩٩

به حديثه، وقال ابن القطّان: لا نعرف انَّه ثقةٌ(١)

٧ - أبو ذر الغفاري، أنا لا أدري انَّ أبا ذر هذا هل هو الذي يقول فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر؟ أو الذي يقول فيه عثمان: انَّه شيخٌ كذّابٌ، ورآه أهلاً لأن يهلك في المنفى؟ ولست أدري من الحَكم هيهنا هل الذي يخضع لقول النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ أو الذي يبرِّر موقف عثمان ويبرءه عن كلِّ شِيَة، وعلى كلّ ففي مَن قَبَله من رواة السوء كفاية في تفنيد الحديث.

ولعلّ الباحث بعد قرائة ما سردناه من حديث أبي ذر ومواقفه ونقمته على عثمان وما جرى بينهما لا يذعن قطُّ بهذه الأفيكة ولا يصدِّق أن يكون أبو ذر الصّادق المصدَّق هو صاحب هذه الرواية المختلقة.

وهذا الإسناد الملفّق من رجال حمص(٢) يذكّرني قول ياقوت الحموي في معجم البلدان ٣: ٣٤١ قال: ومن عجيب ما تأمّلته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتّى يضرب بحماقتهم المثل، انَّ أشدَّ النّاس على عليّ رضي الله عنه بصفين مع معاوية كان أهل حمص، وأكثرهم تحريضاً عليه وجِدّاً في حربه، فلمّا انقضت تلك الحروب ومضى ذلك الزمان صاروا من غلاة الشيعة، حتى أنَّ في أهلها كثيراً ممّن رأى مذهب النُصيريّة، وأصلهم الإماميَّة الذين يسبّون السلف، فقد التزموا الضّلال أوّلاً وأخيراً، فليس لهم زمانٌ كانوا فيه على الصواب.

لفظ آخر باسناد آخر:

أخرج البيهقي عن أبي الحسن عليّ بن أحمد بن عبدان عن أحمد بن عبيد الصفّار عن محمّد بن يونس الكديمي عن قريش بن أنس عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن رجل يقال له: سويد بن يزيد السلمي [أو: الوليد بن سويد] قال: سمعت أبا ذر يقول: لا أذكر عثمان إلَّا بخير بعد شيء رأيته، كنت رجلا أتّبع خلوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرأيته يوماً جالساً وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتّى جلست إليه فجاء أبو بكر فسلّم عليه ثمَّ جلس عن يمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ جاء عمر فسلّم وجلس عن يمين أبي بكر،

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٥: ٤٠.

٢ - بالكسر ثم السكون والصاد المهملة بلد كبير بين الشام وحلب فى نصف الطريق يذكر ويؤنث.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وهدمت هذه السياسة قواعد العدل والمساواة التي جاء بها الإسلام ؛ فإنّه لمْ يفرّق بين المسلمين ، وجعلهم سواسية كأسنان المشط.

سياسةُ الخداع :

وأقام معاوية دولته على المخاتلة والخداع ، فلا ظل للواقع في أي تحرّك مِن تحركاته السياسية ، فما كان مثل ذلك الضمير المتحجّر أنْ يعي الواقع أو يفقه الحقّ ، وقد حفل التاريخ بصور كثيرة مِن خداعه ، وهذه بعضها :

١ ـ لمّا دسّ معاوية السمّ إلى الزعيم الكبير مالك الأشتر أقبل على أهل الشام فقال لهم : إنّ علياً وجّه الأشتر إلى مصر فادعوا الله أنْ يكفيكموه. فكان أهل الشام يدعون عليه في كلّ صلاة ، ولمّا أُخبر بموته أنبأ أهل الشام بأنّ موته نتج عن دعائهم ؛ لأنّهم حزب الله ، ثمّ همس في أُذن ابن العاص قائلاً له : إنّ لله جنوداً مِن عسل(١) .

٢ ـ ومِن خداع معاوية وأضاليله أنّ جرير البجلي لمّا أوفده الإمام (عليه السّلام) إلى معاوية يدعوه إلى بيعته ، طلب معاوية حضور شرحبيل الكندي ، وهو مِن أبرز الشخصيات في الشام ، وقد عهد إلى جماعة مِن أصحابه أنْ ينفرد كلّ واحد منهم به ، ويلقي في روعه أنّ علياً هو الذي قتل عثمان بن عفان.

ولمّا قدم عليه شرحبيل أخبره معاوية بوفادة جرير وأنّه يدعوه إلى بيعة الإمام ، وقد حبس نفسه في البيعة حتّى يأخذ رأيه ؛ لأنّ الإمام قد قتل عثمان. وطلب منه شرحبيل أنْ يمهله لينظر في الأمر ، فلمّا خرج التقى به القوم كلّ على انفراده ، وأخبروه أنّ الإمام هو المسؤول

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٣.

١٤١

عن إراقة دم عثمان ، فلم يشك الرجل في صدقهم ، فانبرى إلى معاوية وهو يقول له :

يا معاوية ، أين الناس؟ ألا إنّ علياً قتل عثمان. والله إنْ بايعت لنخرجنّك مِن شامنا ولنقتلنّك. فقال معاوية مخادعاً له :

ما كنت لاُخالف عليكم ، ما أنا إلاّ رجل من أهل الشام(١) .

بمثل هذا الخداع والبهتان أقام دعائم سلطانه ، وبنى عليه عرش دولته.

٣ ـ ومن ألوان خداعه لأهل الشام أنّه لمّا راسل الزعيم قيس بن سعد يستميله ويمنيه بسلطان العراقيين وبسلطان الحجاز لِمَنْ أحبّ مِن أهل بيته إنْ صار معه ، فردّ عليه قيس بأعنف القول ، فأظهر معاوية لأهل الشام أنّه قد بايع ، وأمرهم بالدعاء له ، واختلق كتاباً نسبه إليه وقد قرأه عليهم ، وهذا نصّه : أمّا بعد ، إنّ قتل عثمان كان حدثاً في الإسلام عظيماً ، وقد نظرت لنفسي وديني فلمْ أرَ بوسعي مظاهرة قومٍ قتلوا إمامهم ، مسلماً محرماً ، براً تقيّاً ، فنستغفر الله لذنوبنا. ألا وإنّي قد ألقيت لكم بالسّلام ، وأحببت قتال قتلة إمام الهدى المظلوم ، فاطلب منّي ما أحببت مِن الأموال والرجال أعجّله إليك(٢) .

وبهذه الأساليب المنكرة خدع أهل الشام ، وزج بهم لحرب وصيِّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه.

٤ ـ لقد كان الخداع من ذاتيّات معاوية ، ومن العناصر المقوّمة لسياسته ، وقد بهر ولده يزيد حينما بويع ، وكان الناس يمدحونه ، فقال لأبيه :

__________________

(١) شرج نهج البلاغة ١ / ١٢٩.

(٢) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٣.

١٤٢

يا أمير المؤمنين ، ما ندري ، أنخدع الناس أم يخدعوننا؟! فأجابه معاوية : كلّ مَنْ أردت خديعته فتخادع له حتّى تبلغ منه حاجتك ، فقد خدعته(١) .

لقد جرّ معاوية ذيله على الخداع ، وغذّى به أهل مملكته حتّى نشأ جيل كانت هذه الظاهرة مِن أبرز ما عرف منه.

إشاعةُ الانتهازيّة :

وعملت حكومة معاوية على إشاعة الانتهازية والوصولية بين الناس ، ولم يعد ماثلاً عند الكثيرين منهم ما جاء به الإسلام مِن إيثار الحقّ ونكران الذات. ومِن مظاهر ذلك التذبذب ما رواه المؤرّخون : أنّ يزيد بن شجرة الرهاوي قد وفد على معاوية ، وبينما هو مقبلٌ على سماع حديثه إذ أصابه حجَرٌ عاثر فأدماه ، فأظهر تصنعاً عدم الاعتناء به ، فقال له معاوية : لله أنت! ما نزل بك؟

ـ ما ذاك يا أمير المؤمنين؟

ـ هذا دم وجهك يسيل.

ـ إنّ حديث أمير المؤمنين ألهاني حتّى غمز فكري ، فما شعرت بشيء حتّى نبّهني أمير المؤمنين.

فبُهر معاوية وراح يقول : لقد ظلمك مَنْ جعلك في ألف مِن العطاء ، وأخرجك مِن عطاء أبناء المهاجرين وكماة أهل صفين. وأمر له بخمسمئة ألف درهم ،

__________________

(١) الكامل للمبرد ١ / ٣٠٥.

١٤٣

وزاد في عطائه ألف درهم(١) .

وكانت هذه الظاهرة سائدة في جميع أدوار الحكم الاُموي ، فقد ذكر المؤرّخون : أنّ إسماعيل بن يسار كان زبيري الهوى ، فلمّا ظفر آلُ مروان بآل الزبير انقلب إسماعيل عن رأيه وأصبح مروانياً ، وقد استأذن على الوليد فأخّره ساعة ، فلمّا أذن له دخل وهو يبكي ، فسأله الوليد عن سبب بكائه ، فقال : أخّرتني وأنت تعلم مروانيتي ومروانية أبي! وأخذ الوليد يعتذر منه ، وهو لا يزداد إلاّ إغراقاً في البكاء ، فهّون عليه الوليد وأحسن صلته. فلمّا خرج تبعه شخص ممّن يعرفه ، فسأله عن مروانيته التي ادّعاها متى كانت ، فقال له : بغضنا لآل مروان ، وهي التي حملت أباه يسار في حال موته أنْ يتقرّب إلى الله بلعن مروان بن الحكم ، وهي التي دعت أُمّه أنْ تلعن آلَ مروان مكان ما تتقرّب به إلى الله مِن التسبيح(٢) .

ونقل المؤرّخون بوادر كثيرة مِن ألوان هذا الخداع الذي ساد في تلك العصور ، وهو مِن دون شكّ مِن مُخلّفات سياسة معاوية الذي ربّى جيله على التذبذب والانحراف عن الحقّ.

الخلاعةُ والمجون :

وعُرِفَ معاوية بالخلاعة والمجون. يقول ابن أبي الحديد : كان معاوية أيّام عثمان شديد التهتك ، موسوماً بكلّ قبيح ، وكان في أيّام عمر يستر نفسه قليلاً خوفاً منه ، إلاّ إنّه كان يلبس الحرير والديباج ، ويشرب في

__________________

(١) التاج في أخلاق الملوك / ٥٥.

(٢) الأغاني ٤ / ١٢٠.

١٤٤

آنية الذهب والفضة ، ويركب البغلات ذوات السروج المحلات بها ـ أي بالذهب ـ وعليها جلال الديباج والوشي ، وكان حينئذ شاباً وعند نزق الصبا ، وآثر الشبيبة وسكر السلطان والإمرة. ونقل الناس عنه في كتب السيرة أنّه كان يشرب الخمر في أيّام عثمان في الشام.

ولا خلاف في أنّه سمع الغناء وطرب عليه ، ووصل عليه أيضاً. وتأثر به ولده يزيد فكان مدمناً خليعاً مستهتراً ، وتأثر بهذا السلوك جميع خلفاء بني أُميّة. يقول الجاحظ : وكان يزيد ـ يعني ابن معاوية ـ لا يمسي إلاّ سكراناً ، ولا يصبح إلاّ مخموراً ، وكان عبد الملك بن مروان يسكر في كلّ شهر مرّة حتّى لا يعقل في السماء هو أو في الماء ، وكان الوليد بن عبد الملك يشرب يوماً ويدع يوماً ، وكان سليمان بن عبد الملك يشرب في كلّ ثلاث ليال ليلة ، وكان هشام يشرب في كلّ جمعة ، وكان يزيد بن الوليد والوليد بن يزيد يدمنان اللهو والشراب ؛ فأمّا يزيد بن الوليد فكان دهره بين حالتي سكر وخمار ، ولا يوجد أبداً إلاّ ومعه إحدى هاتين ، وكان مروان بن محمّد يشرب ليلة الثلاثاء وليلة السبت(١) .

وولّى هشام بن عبد الملك الوليد على الحجّ سنة (١١٩ هـ) ، فحمل معه كلاباً في صناديق فسقط منها صندوق وفيه كلب ، وحمل معه قبّة عملها على قدر الكعبة ليضعها عليها ، وحمل معه خمراً ، وأراد أن ينصب القبّة على الكعبة ويجلس فيها ، فخوّفه أصحابه وقالوا له : لا نأمن الناس عليك وعلينا ، فترك(٢) .

ووفد علي بن عباس على الوليد بن يزيد في خلافته ، وقد اُتي بابن شراعة مِن الكوفة ، فبادره قائلاً :

والله ، ما بعثت إليك لأسألك عن كتاب الله وسنّة رسوله.

__________________

(١) التاج في أخلاق الملوك / ١٥١.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٨.

١٤٥

فضحك ابن شراعة وقال : إنّك لو سألتني عنهما لوجدتني حماراً.

ـ أنا أرسلت إليك لأسالك عن القهوة ـ أي الخمر ـ ، أخبرني عن الشراب؟

ـ يسأل أمير المؤمنين عمّا بدا له.

ـ ما تقول في الماء؟

ـ لا بدّ منه والحمار شريكي فيه.

وأخذ يسأله عن المشروبات حتّى انتهى إلى الخمر فقال له : ما تقول في الخمر؟

ـ أوآه تلك صديق روحي.

ـ أنت والله صديق روحي(١) .

وأرسل الوليد إلى عامله على الكوفة يطلب منه أنْ يبعث إليه الخُلعاء والشعراء الماجنين ليستمع ما يلهو به مِن الفسق والمجون ، وقد سخّر جميع أجهزة دولته للذاته وشهواته ، وكتب إلى واليه على خراسان أنْ يبعث إليه ببرابط وطنابير ، وقال أحد شعراء عصره ساخراً منه :

أبشر يا أمين الله

أبشر بتباشيرِ

بإبل يُحمل المالُ

عليها كالأنابير(٢)

بغالٌ تحمل الخمرَ

حقائبْها طنابيرُ

فهذا لك في الدنيا

وفي الجنّة تحبيرُ(٣)

وسادت اللذة واللهو في المجتمع العربي ، وتهالك الناس على الفسق

__________________

(١) نهاية الإرب ٤ / ٩٣ ، العقد الفريد ٣ / ١٨٤.

(٢) الأنابير : أكداس من الطعام.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٢٩٨.

١٤٦

والفجور. ومِن طريف ما ينقل في هذا الموضوع : أنّه اُوتي بشيخ إلى هشام بن عبد الملك وكان معه قيان وخمر وبربط ، فقال : اكسروا الطنبور على رأسه. فبكى الشيخ ، فقال له أحد الجالسين : عليك بالصبر. فقال له الشيخ : أتراني أبكي للضرب؟ إنّما أبكي لاحتقاره البربط إذ سمّاه طنبوراً!(١) .

لقد كانت سيرة الاُمويِّين في جميع أدوارهم امتداداً لسيرة معاوية الذي أشاع حياة اللهو والخلاعة في البلاد ؛ للقضاء على أصالة الأُمّة ، وسلب وعيها الديني والاجتماعي.

إشاعةُ المجون في الحرمين :

وعمد معاوية إلى إشاعة الدعارة والمجون في الحرمين ؛ للقضاء على قدسيتهما ، وإسقاط مكانتهما الاجتماعية في نفوس المسلمين. يقول العلائلي : وشجّع الاُمويّون حياة المجون في مكّة والمدينة إلى حدّ الإباحة ؛ فقد استأجر طوائف مِن الشعراء والمخنّثين مِن بينهم عمر بن أبي ربيعة لأجل أنْ يمسحوا عاصمتي مكّة والمدينة بمسحة لا تليق ، ولا تجعلهما صالحتين للزعامة الدينية.

وقد قال الأصمعي : دخلت المدينة فما وجدت إلاّ المخنثين ، ورجلاً يضع الأخبار والطرف(٢) ، وقد شاعت في يثرب مجالس الغناء ، وكان الوالي يحضرها ويشارك فيها(٣) ، وانحسرت بذلك روح الأخلاق ، وانصرف الناس عن المُثل العليا التي جاء بها الإسلام.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٥.

(٢) سمو المعنى في سمو الذات / ٣٠.

(٣) العقد الفريد ٣ / ٢٤١.

١٤٧

الاستخفافُ بالقيم الدينيّة :

واستخفّ معاوية بكافة القيم الدينية ، ولمْ يعن بجميع ما جاء به الإسلام مِن الأحكام ، فاستعمل أواني الذهب والفضة ، وأباح الربا ، وتطيّب في الإحرام ، وعطّل الحدود(١) ، وقد أُلغيت معظم الأحكام الإسلاميّة في أغلب أدوار الحكم الاُموي ، وفي ذلك يقول شاعر الإسلام الكميت :

وعُطِلَتِ الأحكام حتّى كأنّنا

على ملّةٍ غير التّي نتنحّلُ

أأهلُ كتابٍ نحنُ فيه وأنتمُ

على الحقّ نقضي بالكتابِ ونعدلُ

كأنّ كتابَ الله يعني بأمرِه

وبالنهي فيه الكوذني المركّلُ(٢)

فتلك ملوكُ السُوء قد طال ملكُهمْ

فحتّامَ حتّامَ العناءُ المطوّلُ

وما ضَرَبَ الأَمثَالَ في الجَورِ قَبلَنا

لأَجوَرَ من حُكَّامِنا المُتَمَثِّلُ(٣)

واستخف معاوية بالمقدّسات الإسلاميّة واحتقرها. يقول الرواة : إنّه لمّا تغلّب قيل له : لو سكنت المدينة ؛ فهي دار الهجرة ، وبها قبر النّبي (صلّى الله عليه وآله). فقال : (قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ)(٤) .

واقتدى به في ذلك جميع بني أُميّة ، فقد انبرى يحيى بن الحكم إلى عبد الله بن جعفر فقال له : كيف تركت الخبيثة؟ ـ يعني مدينة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ فأنكر عليه ابن جعفر وصاح به :

__________________

(١) ذكرنا مصادر هذه الأحداث في الجزء الثاني مِن كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

(٢) الكوذني : البليد.

(٣) الهاشميات / ١١١.

(٤) المناقب والمثالب ـ القاضي نعمان المصري / ٧٠.

١٤٨

سمّاها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) طيبة وتسمّيها خبيثة! قد اختلفتما في الدنيا ، وستختلفان في الآخرة.

قال يحيى : والله ، لأنْ أموت وأُدفن بأرض الشام المقدّسة أحبّ إليّ مِن أنْ أُدفن بها. فقال له : اخترت مجاورة اليهود والنصارى على مجاورة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمهاجرين!(١) .

استلحاقُ زياد :

ومِنْ مظاهر استخفاف معاوية بالقيم الإسلاميّة استلحاقه زياد بن عبيد الرومي وإلصاقه بنسبه مِن دون بيّنة شرعية ، وإنّما اعتمد على شهادة أبي مريم الخمّار ، وهو ممّا لا يثبت به نسب شرعي ، وقد خالف بذلك قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». لقد قام بذلك انطلاقاً وراء أهدافه السياسية ، وتدعيماً لحكمه وسلطانه.

ومِن طريف ما يُنقل في الموضوع : أنّ نصر بن حجّاج خاصم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد عند معاوية في عبد الله مولى خالد بن الوليد ، فأمر معاوية حاجبه أنْ يؤخّرهما حتّى يحتفل مجلسه ، فلمّا اكتمل مجلسه ، أمر بحَجَرٍ فأُدني منه وألقى عليه طرفاً مِن ثيابه ، ثمّ أذن لهما ، فترافعا عنده في شأن عبد الله ، فقال له نصر : إنّ أخي وابن أبي عهد إليّ أنّه ـ يعني عبد الله ـ منه. وقال عبد الرحمن : مولاي وابن عبد أبي وأمته ولد على فراشه.

__________________

(١) أنساب الأشراف ١ / ق ١.

١٤٩

وأصدر معاوية الحكم في المسألة ، فقال : يا حرسي ، خُذ هذا الحَجرَ فادفعه إلى نصر بن حجّاج ، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «الولد للفراش وللعاهر الحَجَر».

وانبرى نصر فقال : أفلا أجريت هذا الحكم في زياد؟! فقال معاوية : ذلك حكم معاوية ، وهذا حكم رسول الله(١) .

إنكارُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :

وأنكر الإمام الحُسين (عليه السّلام) على معاوية هذا الاستلحاق الذي خالف به قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فكتب إليه مذكّرة تضمّنت الأحداث الجسام التي اقترفها معاوية ، وقد جاء فيها : «أوَلستَ المدّعي زياد بن سُميّة المولود على فراش عبيد ثقيف ، فزعمت أنّه ابن أبيك وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : الولد للفراش وللعاهر الحجر. فتركت سُنّة رسول الله تعمّداً ، واتّبعت هواك بغير هدىً مِن الله؟!».

لقد أثار استلحاق معاوية لزياد موجةً مِن الغضب والاستياء عند الأخيار والمتحرّجين في دينهم ، وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

الحقدُ على النّبي (صلّى الله عليه وآله) :

وحقدَ معاوية على النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقد مكث في أيّام خلافته أربعين

__________________

(١) تاريخ الطبري ١٠ / ٤٨٠ ، العقد الفريد ٦ / ١٣٣.

١٥٠

جمعة لا يصلّي عليه ، وسأله بعض أصحابه عن ذلك ، فقال : لا يمنعني عن ذكره إلاّ أنْ تشمخ رجال بآنافها(١) .

وسمع المؤذن يقول : أشهد أنْ لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، فلم يملك إهابه واندفع يقول : لله أبوك يا ابن عبد الله! لقد كنت عالي الهمّة ، ما رضيت لنفسك إلاّ أنْ يُقرنَ اسمك باسم ربِّ العالمين!(٢) .

ومِن مظاهر حقده على الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ما رواه مطرف بن المغيرة قال : وفدت مع أبي على معاوية ، فكان أبي يتحدّث عنده ثمّ ينصرف إليّ وهو يذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه. وأقبل ذات ليلة وهو غضبان ، فأمسك عن العشاء ، فانتظرته ساعة وقد ظننت أنّه لشيء حدث فينا أو في عملنا ، فقلت له : مالي أراك مغتماً منذ الليلة؟

ـ يا بُني ، جئتك مِن أخبث الناس.

ـ ما ذاك؟!

ـ خلوت بمعاوية فقلت له : إنّك قد بلغت مُناك يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً ؛ فإنّك قد كبُرت ، ولو نظرت إلى إخوتك مِن بني هاشم فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه.

فثار معاوية واندفع يقول : هيهات هيهات! مَلَكَ أخو تيم فعدل ، وفعل ما فعل ، فوالله ما عدا أنْ هلكَ فهلكَ ذكره ، إلاّ أنْ يقول قائل : أبو بكر. ثمّ مَلَكَ أخو عديّ فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فوالله ما عدا أنْ هلكَ فهلكَ ذكره إلاّ أنْ يقولَ قائل : عمر. ثمّ مَلَكَ أخونا عثمان فمَلَكَ رجلٌ لمْ يكن أحدٌ في مثل نسبه ،

__________________

(١) النصائح الكافية / ٩٧.

(٢) نهج البلاغة ١٠ / ١٠١.

١٥١

فعُمل به ما عُمل ، فوالله ما عدا أنْ هلكَ فهلكَ ذكره. وإنّ أخا هاشم يُصرخ به في كلّ يوم خمس مرات : أشهد أنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأيّ عمل يبقى بعد هذا ـ لا أُمّ لك ـ إلاّ دفناً دفناً؟!(١) .

ودلّت هذه البادرة على مدى زعزعة العقيدة الدينية في نفس معاوية ، وإنّها لمْ تكن إلاّ رداءً رقيقاً يشف عمّا تحته مِن حبّ الجاهلية والتأثر بها إلى حدٍّ بعيد. وكانت النزعة الإلحادية ماثلة عند أغلب ملوك الاُمويِّين.

يقول الوليد في بعض خمرياته منكراً للبعث والنشور :

أدِر الكأس يميناً

لا تدِرها ليسارِ

اسقِ هذا ثمّ هذا

صاحبَ العود النضارِ

مِن كميتٍ عتّقوها

منذُ دهرٍ في جرارِ

ختموها بالأماويـ

ـه(٢) وكافور وقارِ

فلقد أيقنت أنّي

غيرُ مبعوثٍ لنارِ

سأروض الناس حتّى

يركبوا دين الحمارِ

وذروا مَنْ يطلب الـ

جنّة يسعى لتبارِ(٣)

وتأثّر الكثيرون مِن ولاتهم بهذه النزعة الإلحادية ، فكان الحجّاج يخاطب الله أمام الجماهير الحاشدة قائلاً : أرسولك أفضل أمْ خليفتك؟ يعني أنّ عبد الملك أفضل مِن النّبي العظيم (صلّى الله عليه وآله)(٤) . وكان ينقم على الذين يزورون قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول : تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعواد

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩٧.

(٢) الأماويه : مِن أنواع الطيب.

(٣) رسالة الغفران / ١٤٥.

(٤) النزاع والتخاصم للمقريزي / ٢٧ ، رسائل الجاحظ / ٢٩٧ ، العقد الفريد ٣ / ٣٥٥.

١٥٢

ورمّة بالية ، هلاّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير مِن رسوله؟!(١) .

وهكذا كان جهاز الحكم الاُموي في كثيرٍ مِن أدواره ، فقد تنكّر للرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وازدرى برسالته.

تغييرُ الواقع الإسلامي :

وعمد معاوية إلى تغيير الواقع الإسلامي المشرق الذي تبنّى الحركات النضالية والقضايا المصيرية لجميع الشعوب ، فأهاب بالمسلمين أنْ لا يقرّوا على كظّةِ ظالم ، ولا سغب مظلوم. وقد تبنّى هذا الشعار المقدّس الصحابي العظيم أبو ذر الغفاري الذي فهم الإسلام عن واقعه ، فرفع راية الكفاح في وجه الحكم الاُموي ، وطالب عثمان ومعاوية بإنصاف المظلومين والمضطهدين ، وتوزيع ثروات الأُمّة على الفقراء والمحرومين.

لقد أراد معاوية إقبار هذا الوعي الديني ، وإماتة الشعور بالمسؤولية ، فأوعز إلى لجان الوضع التي ابتدعها أنْ تفتعل الأحاديث على لسان المحرّر العظيم الرسول (صلّى الله عليه وآله) في إلزام الأُمّة بالخضوع للظلم ، والخنوع للجور ، والتسليم لما يقترفه سلطانها مِن الجور والاستبداد. وهذه بعض الأحاديث :

١ ـ روى البخاري بسنده عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال لأصحابه : (إنّكم سترون بعدي إثرةً واُموراً تنكرونها). قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال : (أدّوا إليهم حقّهم ، واسألوا الله حقّكم)(٢) .

٢ ـ روى البخاري بسنده عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : (مَنْ

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢٤٢.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٨٧.

١٥٣

رأى مِن أميره شيئاً يكره فليصبر عليه ؛ فإنّه مَنْ فارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهليّة)(١) .

٣ ـ روى البخاري بسنده عن مسلمة بن زيد الجعفي أنّه سأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقال له : يا نبي الله ، أرأيت إنْ قامت علينا أُمراء يسألونا حقّهم ويمنعونا حقّنا ، فما ترى؟ فأعرض (صلّى الله عليه وآله) عنه ، فسأله ثانياً وثالثاً والرسول معرضٌ ، فجذبه الأشعث بن قيس ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (اسمعوا وأطيعوا ، فإنّ عليهم ما حُمّلوا وعليكم ما حُمّلتم)(٢) .

٤ ـ روى البخاري بسنده عن عجرفة قال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : (إنّه ستكون هِنات وهِنات ، فمَنْ أراد أنْ يفرّق أمر هذه الأُمّة وهي جمع فاضربوه بالسّيف كائناً ما كان)(٣) . إلى غير ذلك مِن الموضوعات التي خدّرت الأُمّة ، وشلّت حركتها الثورية ، وجعلتها قابعة ذليلة تحت وطأة الاستبداد الاُموي وجوره.

وقد هبّ الإمام الحُسين (عليه السّلام) الثائر الأوّل في الإسلام إلى إعلان الجهاد المقدّس ؛ ليوقظ الأُمّة مِن سُباتها ، ويُعيد للإسلام نضارته وروحه النضالية التي انحسرت في عهد الحكم الاُموي.

مع أهل البيت (عليهم السّلام) :

وسخّر معاوية جميع أجهزته للحطّ مِن قيمة أهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين هم وديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، والعصب الحسّاس في هذه الأُمّة ، وقد

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ / ٨٧.

(٢) صحيح البخاري ٢ / ١١٩.

(٣) صحيح البخاري ٢ / ١٢١.

١٥٤

استخدم أخطر الوسائل في محاربتهم وإقصائهم عن واقع الحياة الإسلاميّة ، وكان مِن بين ما استخدمه في ذلك ما يلي :

١ ـ تسخير الوعّاظ :

وسخّر معاوية الوعّاظ في جميع أنحاء البلاد ليحوّلوا القلوب عن أهل البيت (عليهم السّلام)(١) ، ويذيعوا الأضاليل في انتقاصهم ؛ تدعيماً للحكم الاُموي.

٢ ـ استخدامُ معاهد التعليم :

واستخدم معاوية معاهد التعليم وأجهزة الكتاتيب لتغدية النشء ببغض أهل البيت (عليهم السّلام) ، وخَلْقِ جيلٍ مُعادٍ لهم(٢) ، وقد قامت تلك الأجهزة بدور خطير في بثّ روح الكراهية في نفوس النشء لعترة النّبي (صلّى الله عليه وآله).

٣ ـ افتعال الأخبار.

وأقام معاوية شبكةً لوضع الأخبار تعدّ مِن أخطر الشبكات التخريبية في الإسلام ، فعهد إليها بوضع الأحاديث على لسان النّبي (صلّى الله عليه وآله) ؛ للحطّ مِن قيمة أهل البيت (عليهم السّلام) ، أمّا الأعضاء البارزون في هذه اللجنة فهم :

١ ـ أبو هريرة الدوسي.

٢ ـ سمرة بن جندب.

٣ ـ عمرو بن العاص.

٤ ـ المغيرة بن شعبة.

وقد افتعلوا آلاف الأحاديث على لسان النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، وكانت عدّة طوائف مختلفة حسب التخطيط السياسي للدولة وهي :

الطائفة الأولى : وضع الأخبار في فضل الصحابة لجعلهم قبال أهل البيت (عليهم السّلام) ، وقد عدّ الإمام الباقر (عليه السّلام) أكثر مِن مئة حديث ، منها :

__________________

(١) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٦١ الطبعة الثانية.

(٢) المصدر نفسه.

١٥٥

أ ـ أنّ عمر مُحدّث ـ بصيغة المفعول ـ أي تحدّثه الملائكة.

ب ـ أنّ السكينة تنطق على لسان عمر.

ج ـ أنّ عمر يلقّنه المَلَك.

د ـ أنّ الملائكة لتستحي مِن عثمان(١) .

إلى كثير مِن أمثال هذه الأخبار التي وُضعت في فضل الصحابة.

يقول المحدّث ابن عرفة المعروف بنفطويه : إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتُعِلَتْ في أيّام بني أُميّة ؛ تقرّباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون بها اُنوف بني هاشم(٢) . كما وضعوا في فضل الصحابة الأحاديث المماثلة للأحاديث النّبويّة في فضل العترة الطاهرة ، كوضعهم : (إنّ سيّدَي كهول أهل الجنّة أبو بكر وعمر) ، وقد عارضوا بذلك الأحاديث المتواترة : «الحسنُ والحسين سيدا شباب أهل الجنّة»(٣) .

الطائفة الثانية : وضع الأخبار في ذمّ العترة الطاهرة والحطّ مِن شأنها ، فقد أعطى معاوية سمرة بن جندب أربعمئة ألف على أنْ يخطب في أهل الشام ، ويروي لهم أنّ الآية الكريمة نزلت في علي ، وهي قوله تعالى :( وَمِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى‏ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلّى‏ سَعَى‏ فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الْفَسَادَ ) (٤) . فروى لهم سمرة ذلك ، وأخذ العوض الضخم مِن بيت مال المسلمين(٥) . وممّا رووا أنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) قال في آل

__________________

(١) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٦٢ الطبعة الثانية.

(٢) النصائح الكافية / ٧٤.

(٣) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٦٢.

(٤) سورة البقرة / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٥) النصائح الكافية / ٢٥٣.

١٥٦

أبي طالب : إنّ آل أبي طالب ليسوا بأولياء لي ، إنّما وليّ الله وصالح المؤمنين(١) . وروى الأعمش : أنّه لمّا قدِم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة سنة (٤١ هـ) جاء إلى مسجد الكوفة ، فلمّا رأى كثرة مَنْ استقبله مِن الناس جثا على ركبتيه ، ثمّ ضرب صلعته مراراً وقال : يا أهل العراق ، أتزعمون أنّي أكذب(٢) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأحرقُ نفسي بالنار؟! لقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «إنّ لكلّ نبي حرماً ، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور ، فمَنْ أحدث فيهما حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» ، وأشهد بالله أنّ علياً أحدث فيها. فلمّا بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه ، وولاّه إمارة المدينة(٣) .

إلى كثير مِن أمثال هذه الموضوعات التي تقدح في العترة الطاهرة ، التي هي مصدر الوعي والإحساس في العالم الإسلامي.

الطائفة الثالثة : افتعال الأخبار في فضل معاوية لمحو العار الذي لحقه ولحق أباه وأُسرته في مناهضتهم للإسلام ، وإخفاء ما أُثر عن النّبي (صلّى الله عليه وآله) في ذمّهم.

وهذه بعض الأخبار المفتعلة :

١ ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : معاوية بن أبي سفيان أحلم أُمّتي وأجودها(٤) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٣ / ١٥.

(٢) علّق على ذلك العلاّمة فقيد الإسلام الشيخ محمود أبو رية في كتابه (أبو هريرة / ٢٣٦) ، بقوله : يدلّ هذا القول على أنّ كذب أبي هريرة على النّبي (صلّى الله عليه وآله) كان قد اشتهر حتّى عمّ الآفاق ، وأصبح الناس يتحدّثون به في كل مكان.

(٣) شرح نهج البلاغة ١ / ٣٥٩.

(٤) البداية والنهاية ٨ / ١٢١ ، تطهير الجنان المطبوع على هامش الصواعق المحرقة / ٢٦.

١٥٧

٢ ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : صاحب سرّي معاوية بن أبي سفيان(١) .

٣ ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : اللهمّ علّمه ـ يعني معاوية ـ الكتاب ، وقِه العذاب ، وأدخله الجنة(٢) .

٤ ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه(٣) ؛ فإنّه أمين هذه الاُمّة(٤) .

إلى غير ذلك مِن الأحاديث الموضوعة التي تعكس الصراع الفكري ضد الإسلام عند معاوية ، وإنّه حاول جاهداً محو هذا الدين والقضاء عليه.

حديثُ مفتعل على الحُسين (عليه السّلام) :

مِن الأحاديث الموضوعة على الإمام الحُسين (عليه السّلام) ما روي : أنّه وفد على معاوية زائراً في يوم الجمعة ، وكان قائماً على المنبر خطيباً ، فقال له رجل مِن القوم : ائذن للحُسين يصعد المنبر. فقال له معاوية : ويلك! دعني افتخر. ثمّ حمد الله وأنثى عليه ، ووجّه خطابه للحُسين (عليه السّلام) قائلاً له : سألكتك يا أبا عبد الله ، أليس أنا ابن بطحاء مكة؟

ـ إي والذي بعث جدّي بشيراً.

ـ سألتك يا أبا عبد الله ، أليس أنا خال المؤمنين؟

ـ إي والذي بعث جدّي نبيّاً.

__________________

(١) تطهير الجنان / ٢٦.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) وضع هذه الأحاديث لمعارضة الحديث الصحيح المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) : «إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاضربوا عنقه».

(٤) تاريخ بغداد.

١٥٨

ـ سألتك يا أبا عبد الله أليس أنا كاتب الوحي؟

ـ أي والذي بعتث جدي نذيراً.

ثم نزل معاوية عن المنبر ، فصعد الحسين فحمد الله بمحامد لم يحمده الأولون والآخرون بمثلها ثم قال : حدثني أبي عن جدي عن جبرائيل عن الله تعالى أن تحت قائمة كرسي العرش ورقة آس من خضراء مكتوب عليها : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، يا شيعة آل محمد لا يأتي أحدكم يوم القيامة إلا أدخله الله الجنة.

فقال له معاوية : سألتك يا أبا عبد الله من شيعة آل محمد؟

فقال (عليه السلام) : الذين لا يشتمون الشيخين أبا بكر وعمر ، ولا يشتمون عثمان ولا يشتمونك يا معاوية.

وعلّق الحافظ ابن عساكر على هذا الحديث بقوله : هذا حديث منكر ولا أرى سنده متصلاً إلى الحسين(١) .

وقد امتحن المسلمون امتحاناً عسيراً بهذا الموضوعات التي دونت في كتب السنة ، وظن الكثيرون من المسلمين أنها حق ، فأضفوا على معاوية ثوب القداسة ، وألحقوه بالرعيل الأول من الصحابة المتحرجين في دينهم وهم من دون شك لو علموا واقعها لتبرؤا منها كما قال المدايني(٢) .

ولم تقتصر الموضوعات على تقديس معاوية والحط من شأن أهل البيت (عليهم السلام) وإنما تدخلت في شؤون الشريعة فألصقت بها المتناقضات والمستحيلات مما شوهت الواقع الإسلامي وأفسدت عقائد المسلمين.

__________________

(١) تأريخ ابن عساكر ٤ / ٣١٣.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ٣ / ١٦.

١٥٩

سب الإمام أمير المؤمنين :

وتمادى معاوية في عدائه للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فأعلن سبّه ولعنه في نواديه العامّة والخاصّة وأوعز إلى جميع عمّاله وولاته أن يذيعوا سبّه بين الناس ، وسرى سبّ الإمام في جميع أنحاء العالم الإسلامي ، وقد خطب معاوية في أهل الشام فقال لهم : أيها الناس ، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي : إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدّسة ـ يعني الشام ـ فإن فيها الأبدال ، وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب.

وعجّ أهل الشام بسب الإمام(١) وخطب في أولئك الوحوش فقال لهم : ما ظنكم برجل ـ يعني علياً ـ لا يصلح لأخيه ـ يعني عقيلاً ـ يا أهل الشام ، إنّ أبا لهب المذموم في القرآن هو عم علي بن أبي طالب(٢) .

ويقول المؤرخون : إنّه كان إذا خطب ختم خطابه بقوله : اللهم إنّ أبا تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلاً ، وعذّبه عذاباً إليماً.

وكان يشاد بهذه الكلمات على المنابر(٣) ولما ولي معاوية المغيرة بن شعبة إمارة الكوفة كان أهم ما عهد إليه أن لا يتسامح في شتم الإمام (عليه السلام) والترحّم على عثمان ، والعيب لأصحاب علي وإقصاءهم ، وأقام المغيرة

__________________

(١) النصائح الكافية / ٧٢.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ٣ / ٣٦١.

(٣) النصائح الكافية.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471