حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسين عليه السلام12%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 471

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 471 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260508 / تحميل: 5234
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

العصر وقوموا لله قانتين قالت عائشة : سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن أُمّ حميد بنت عبد الرحمان أنّها سألت عائشة عن الصّلاة الوسطى ، فقالت : كنّا نقرؤها في الحرف الأوّل على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين )(١) .

وروى ابن حجر في (فتح الباري ) :

( روى مسلم وأحمد من طريق أبي يونس عن عائشة أنّها أمرته أن يكتب لها مصحفاً ، فلمّا بلغتُ :

( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى)

قال : فأملَتْ عليّ : وصلاة العصر

قالت : سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى مالك عن عمرو بن رافع قال : كتبت مصحفاً لحفصة ، فقالت : إذا أتيت هذه الآية فآذنّي ، فأملَتْ عليّ : حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر .

أخرجه ابن جرير ـ من وجه آخر حسن ـ عن عمرو بن رافع .

وروى ابن المنذر من طريق عبيد الله بن رافع : أمرتني أُم سلمة أن أكتبَ لها مصحفاً ، نحوه .

ومن طريق نافع : إنّ حفصة أمرت مولىً لها أن يكتب لها مصحفاً ، فذكر مثله وزاد : كما سمعت من رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يقولها )(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ١ : ٧٢١ ـ ٧٢٢ وفيه : في عملنا ونواضحنا ، بدل : في عملنا لو أصبحنا .

(٢) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري ٨ : ١٥٨ ـ ١٥٩ .

١٢١

وفي (الموطّأ ) :

( مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن حكيم بن أبي يونس مولى عائشة أمّ المؤمنين أنّه قال : أمرتني عائشة أن أكتبَ لها مصحفاً ، ثمّ قالت : إذا بلغتَ هذه الآية فآذنّي :

( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى‏ وَقُومُوا للّهِ‏ِ قَانِتِينَ)

فلمّا بلغتها آذنتُها ، فأملت عليّ : حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ، ثمّ قالت : سمعتها من رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ )(١) .

وفيه :

( مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن نافع أنّه قال : كنتُ أكتبُ مصحفاً لحفصة أُمّ المؤمنين ، فقالت : إذا بلغتَ هذه الآية فآذنّي :

( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى‏ وَقُومُوا للّهِ‏ِ قَانِتِين)

فلمّا بلغتها آذنتها ، فأملت عليّ : حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين )(٢) .

آية صلاة الجمعة

وفيه :

( مالك ، إنّه سأل ابن شهاب عن قول الله تبارك وتعالى :( إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى‏ ذِكْرِ اللّهِ ) (٣)

فقال ابن شهاب : كان عمر بن الخطّاب يقرؤها : إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله )(٤) .

ـــــــــــــــــ

(١) الموطّأ ١ : ١٣٨ ـ ١٣٩ .

(٢) الموطّأ ١ : ١٣٩ .

(٣) سورة الجمعة ٦٢ : ٩ .

(٤) الموطّأ : ١٢٩ .

١٢٢

وقال في (الدر المنثور ) :

( أخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن خَرَشَة بن الحُررضي‌الله‌عنه قال : رأى معي عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه لوحاً مكتوباً فيه :

( إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى‏ ذِكْرِ اللّهِ ) (١)

فقال : من أملى عليك هذا ؟

قلت : أُبيّ بن كعب

قال : إنّ أُبيّاً أقرؤنا للمنسوخ ، اقرأها : فامضوا إلى ذكر الله .

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيمرضي‌الله‌عنه قال : قيل لعمررضي‌الله‌عنه : إنّ أُبيّاً يقرأ فاسعوا إلى ذكر الله قال عمررضي‌الله‌عنه : أُبيّ أعلمني بالمنسوخ وكان يقرؤها : فامضوا إلى ذكر الله .

وأخرج الشافعي في الأُمّ وعبد الرزاق والفِريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال : ما سمعت عمر يقرأ قطّ إلاّ : فامضوا إلى ذكر الله .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عمررضي‌الله‌عنه قال : لقد توفي عمررضي‌الله‌عنه وما يقرأ هذه الآية التي في سورة الجمعة إلاّ : فامضوا إلى ذكر الله .

وأخرج عبد الرزاق والفِريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري والطبراني من طرقٍ عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه أنّه كان يقرأ : فامضوا إلى ذكر الله قال : ولو كان

ـــــــــــــــــ

(١) سورة الجمعة ٦٢ : ٩ .

١٢٣

فاسعوا لَسَعَيْتُ حتّى يسقط ردائي )(١) .

آية أُخرى

وفي (صحيح الترمذي ) :

( حدّثنا عبد بن حميد ، نا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمان بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود قال : أقرأني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي أنا الرزّاق ذو القوّة المتين ؛ هذا حديث حسن صحيح )(٢) .

وفي (مسند ) أحمد بن حنبل :

( حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا يحيى بن آدم ويحيى بن أبي بكر قالا : حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمان بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود قال : أقرأني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي أنا الرزّاق ذو القوّة المتين )(٣) .

آية الطلاق

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج مالك والشافعي وعبد الرزّاق في المصنَّف وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في سننه ، عن ابن عمررضي‌الله‌عنه أنّه : طلّق امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمررضي‌الله‌عنه لرسول الله ، فتغيّظ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال : ليراجعها ثمّ يمسكها حتّى

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ١ : ١٦١ .

(٢) صحيح الترمذي ٥ : ١٩١/٢٩٤٠ .

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٦٥١/٣٧٣٣ .

١٢٤

تطهر ثمّ تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلّقها فليطلّقها طاهراً قبل أن يمسكها ، فتلك العدّة التي أمر الله تعالى أن يطلّق بها النساء ، وقرأصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النساء فطلّقوهنّ في قبل عدّتهنّ.

وأخرج عبد الرزّاق في المصنَّف وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن عمررضي‌الله‌عنه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ : فطلّقوهنّ في قبل عدّتهنّ .

وأخرج عبد الرزّاق وأبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه أنّه كان يقرأ : وطلّقوهنّ لقبل عدّتهنّ .

وأخرج ابن الأنباري عن ابن عمررضي‌الله‌عنه أنّه قرأ : فطلّقوهنّ لقبل عدّتهنّ .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن مجاهدرضي‌الله‌عنه أنّه كان يقرأ : فطلّقوهنّ لقبل عدّتهنّ )(١) .

آية التبليغ

وفيه : ( أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيّها الرّسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك أنّ عليّاً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس )(٢) .

وقال محمّد بن معتمد خان البدخشاني :

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٨ : ١٨٩ ـ ١٩٠ مع اختلاف .

(٢) الدر المنثور ٣ : ١١٧ .

١٢٥

 ( وأخرج ـ أي ابن مردويه ـ عن زرّ عن عبد الله قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيّها الرّسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك أنّ عليّاً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس )(١) .

آية : كفى الله المؤمنين

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود أنّه كان يقرأ هذا الحرف : وكفى الله المؤمنين القتال بعليّ بن أبي طالب )(٢) .

وفي (مفتاح النجا ) :

( وأخرج ـ أي ابن مردويه ـ عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه أنّه كان يقرأ هذا الحرف : وكفى الله المؤمنين القتال بعليّ بن أبي طالب وكان الله قويّاً عزيزاً )(٣) .

وفي (تفسير الثعلبي ) :

( أخبرني أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عبد الله القايني ، نا أبو الحسين محمّد بن عثمان بن الحسين النصيبي ، نا أبوبكر محمّد بن الحسين بن صالح السبيعي ، نا أحمد بن محمّد بن سعيد ، نا أحمد بن ميثم بن أبي نعيم ، نا أبو جنادة السلولي ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : قرأت في مصحف عبد الله ابن مسعود : إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمّد

ـــــــــــــــــ

(١) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط .

(٢) الدر المنثور ٦ : ٥٩٠ .

(٣) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط .

١٢٦

على العالمين )(١) .

عثمان : إنّ في القرآن لحناً !

وقال ابن قتيبة :

( إنّ عثمان قال في قوله تعالى :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) إنّ في القرآن لحناً فقال رجل : صحّح ذلك الغلط

فقال : دعوه فإنّه لا يُحلّل حراماً ولا يُحرِّم حلالاً )(٢) .

وفي بعض الروايات :

( قال عثمان : إنّ في المصحف لحناً وسيقيمه العرب بألسنتهم ، فقيل له : ألا تغيّره ؟

فقال : دعوه ، فلا يحلّل حراماً ولا يحرّم حلالاً ) فقد جاء في (معالم التنزيل ) للبغوي بتفسير الآية :

( لكِنِ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصّلاَةَ ) ما نصّه :

( واختلفوا في وجه انتصابه فحكي عن عائشة وأبان بن عثمان أنّه غلط من الكاتب ينبغي أن يصلح ويكتب : والمقيمون الصلاة، وكذلك قوله في سورة المائدة :( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ )

وقوله :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ )

قالوا : ذلك خطأ من الكُتّاب ، وقال عثمانرضي‌الله‌عنه : إنّ في المصحف لحناً وسيقيمه العرب بألسنتها ، فقيل له : ألا تُغيّره ؟

فقال : دعوه فإنّه لا يحلّ حراماً ولا يحرّم حلالاً )(٣) .

وقد ذكر ابن تيمية في (منهاجه ) تفسير البغوي ، فقال بالنسبة إلى

ــــــــــــــ

(١) تفسير الثعلبي ٣ : ٥٣ .

(٢) تأويل مشكل القرآن : ٥٠ ـ ٥١ .

(٣) تفسير البغوي معالم التنزيل ٢ : ١٨٧ ـ ١٨٨ .

١٢٧

الأحاديث المروية فيه :

( وأمّا الأحاديث ، فلم يذكر في تفسيره شيئاً من الموضوعات التي رواها الثعلبي ، بل يذكر منها الصحيح ولم يذكر الأحاديث التي يظهر لعلماء الحديث أنّها موضوعة كما يفعله غيره من المفسّرين كالواحدي )(١) .

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن أبي داود ، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي قال : لمّا فرغ من المصحف أُتي به عثمان فنظر فيه فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها قال ابن أبي داود : وهذا عندي يعني بلغتها فينا ، وإلاّ فلو كان فيه لحن لا يجوز في كلام العرب جميعاً ؛ لما استجاز أن يبعث إلى قوم يقرؤونه .

وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة قال : لمّا أُتي عثمان بالمصحف رأى فيه شيئاً من لحن ، فقال : لو كان المملي من هُذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا .

وأخرج ابن أبي داود عن قتادة : إنّ عثمان لمّا رفع إليه المصحف فقال : إنّ فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها .

وأخرج ابن أبي داود عن يحيى بن يَعمر قال : قال عثمان : إنّ في القرآن لحناً وستقيمه العرب بألسنتها )(٢) .

وفي (الإتقان ) :

( حدّثنا حجّاج ، عن هارون بن موسى ، أخبرني الزبير بن الخِرّيت ، عن

ـــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٤ : ٣٩ .

(٢) الدر المنثور ٢ : ٧٤٥ .

١٢٨

عكرمة قال : لمّا كُتبت المصاحف عُرضَت على عثمان ، فوجد فيها حروفاً من اللحن ، فقال : لا تغيّروها فإنّ العرب ستغيّرها ـ أو قال : ستعربها ـ بألسنتها ، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف أخرجه من هذه الطريق ابن الأنباري في كتاب الردّ على من خالف مصحف عثمان ، وابن أشتة في كتاب المصاحف.

ثمّ أخرج ابن الأنباري نحوه من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر وابن أشتة نحوه من طريق يحيى بن يعمر )(١) .

وفي (تفسير ) أبي الليث :

( قال ـ أي أبو عبيد ـ : وروي عن عثمانرضي‌الله‌عنه أنّه عُرِض عليه المصحف فوجد فيه حروفاً من اللحن ، فقال : لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف )(٢) .

وقال ابن روزبهان بجواب العلاّمة الحلّي :

( وأمّا عدم تصحيح لفظ القرآن ؛ لأنّه كان يجب عليه متابعة صورة الخط ، وهكذا كان مكتوباً في المصاحف ، ولم يكن التغيير له جائزاً فتركه ؛ لأنّه لغة بعض العرب ) .

ولنعم ما أفاده العلاّمة التستري في جوابه حيث قال :

( وأمّا ما ذكره في إصلاح إطلاق عثمان اللّحن على القرآن فلا يصدر إلاّ عن محجوج مبهوت ، فإنّ المصنّف اعترض على عثمان بأنّه أطلق على القرآن اشتماله على اللحن المذموم المخلّ بالفصاحة ، وهذا النّاصب يغمض العين

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٠ .

(٢) تفسير أبي الليث السمرقندي ١ : ٤٠٤ و ٤٥٠ و ٢ : ٣٤٧ ـ ٣٤٨ .

١٢٩

عن جواب هذا الذي هو محطّ الطعن ، ويتعرّض بوجه ترك عثمان لتغييره وإصلاحه بقوله : دعوه .

وما أشبه جوابه هذا بما أجاب به أهل خراسان عمداً عن سؤال أهل ماوراء النهر ، بأنّ النبّال إذا أراد استعلام استقامة النبل واعوجاجه لِمَ يغمض أحد عينيه ؟

وبأنّ الطير المسمّى باللقلق إذا قام لِمَ يرفع إحدى رجليه ؟

فأجاب أهل خراسان بأنّ النبّال إنّما يغمض إحدى عينيه ؛ لأنّه لو أغمض العين الأُخرى لا يرى شيئاً ، والطّير المذكور إنّما يرفع إحدى رجليه ؛ لأنّه لو رفع الرجل الآخر لسقط على الأرض ، فليضحك أولياؤه كثيراً .

ومن العجب : أنّ عثمان صرّح بأنّ تلك العبارة من القرآن لا تقبل الإصلاح ، وأنّه لا حاجة إلى إصلاحه ، لعدم تحليله حراماً وتحريمه حلالاً ، وهذا الناصب المرواني ـ الذي غلب عليه هوى عثمان ـ لمّا علم أنّ ما قاله عثمان طعن لا مدفع له ، عَدَل عن دفعه عنه وقال : تركه لأنّه كان لغة بعض العرب ، فإنّ كونه لغة بعض العرب هو الوجه الذي ذكره العلماء لدفع وهم عثمان لا لدفع الطعن عنه ، وأنّى يندفع الطعن عنه بذلك ، ولو كان عثمان عالماً بموافقة ذلك للغة بعض العرب ، كيف صحّ له ـ مع كثرة حياءه عند القوم ـ أن لا يستحيي من الله ويطلق على بعض كلماته التامّات أنّه لحن وخطأ في القول ؟

مع ظهور أنّ بعض ألفاظ القرآن واردٌ على لغة قريش ، وبعضها على لغة بني تميم ، وبعضها على لغة غيرهم ) .

نقد القول بوقوع اللحن في القرآن

هذا ، وقد قال صاحب (الكشّاف ) : ( لا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه

١٣٠

لحناً في [ خطّ ] المصحف )(١) .

ونصّ النيسابوري صاحب (التفسير ) على ركاكة القول المذكور حيث قال : ( ولا يخفى ركاكة هذا القول ؛ لأنّ هذا المصحف منقول بالنّقل المتواتر )(٢) .

وهكذا الفخر الرازي فإنّه بعد حكاية القول بذلك عن عثمان وعائشة قال : ( واعلم أنّ هذا بعيد )(٣) .

ولا استبعاد في استبعاده ، بل في كفر قائله بإجماع أهل العلم على ما في (الشفاء ) للقاضي عياض(٤) .

والسيوطي تحيَّر بعد نقل تلك الآثار في حلّها ، فإنّه قال :

( وهذه الآثار مشكلة جدّاً ، وكيف يظنّ بالصّحابة :

أوّلاً : إنّهم يلحنون في الكلام فضلاً عن القرآن وهم الفصحاء اللّد ، ثمّ كيف يظنّ بهم.

ثانياً : في القرآن الذي تلقّوه من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أُنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه ، ثمّ كيف يظنّ بهم .

ثالثاً : اجتماعهم كلّهم على الخطأ وكتابته ، ثمّ كيف يظنّ بهم .

رابعاً : عدم تنبّههم ورجوعهم عنه

ثمّ كيف يظنّ بعثمان إنّه ينهى عن تغييره ؟

ثمّ كيف يظنّ أنّ القرآن استمرّ على مقتضى ذلك الخطأ ، وهو مرويّ بالتّواتر خلفاً عن سلف ، هذا ممّا يستحيل شرعاً وعقلاً وعادةً )(٥) .

ثمّ إنّ السيوطي حاول الإجابة عن الإشكالات فقال :

( وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أوجه :

ـــــــــــــــــ

(١) الكشّاف في تفسير القرآن ١ : ٥٨٢ .

(٢) تفسير النيسابوري غرائب القرآن ٦ : ٥٢٩ .

(٣) تفسير الفخر الرازي ١١ : ١٠٦ .

(٤) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ : ٦٤٦ ـ ٦٤٧ .

(٥) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢١ .

١٣١

أحدها : أنّ ذلك لا يصحّ عن عثمان ، فإنّ إسناده ضعيف مضطرب منقطع ، ولأنّ عثمان جعل للنّاس إماماً يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحناً ، ويتركه ليقيمه العرب بألسنتها ؟

فإذا كان الذين تولّوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار، فكيف يقيمه غيرهم ؟

وأيضاً ، فإنّه لم يكتب مصحفاً واحداً ، بل كتب عدّة مصاحف ، فإن قيل : إنّ اللحن وقع في جميعها ، فبعيد اتّفاقها على ذلك أو في بعضها فهو اعتراف بصحّة البعض ، ولم يذكر أحد من النّاس أنّ اللّحن كان في مصحفٍ دون مصحف ، ولم تأت المصاحف قطّ مختلفة إلاّ فيما هو من وجوه القراءة وليس ذلك بلحن .

الوجه الثاني : على تقدير صحّة الرواية ، إنّ ذلك مأوّل على الرّمز والإشارة ومواضع الحذف نحو الكتب والصابرين وما أشبه ذلك .

الثّالث : إنّه مأوّل على أشياء خالف لفظها رسمها كما كتبوا (لأوضعوا ) و (لأذبحنّه ) بألف بعد لا (لا اوضعوا ) و (لا اذبحنّه ) و (جزاؤ الظالمين ) بواو وألف ، و (بأيد ) بيائين ، فلو قرئ ذلك بظاهر الخط لكان لحناً

وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشتة في كتاب المصاحف )(١) .

هذا ، ولا يجدي شيء من هذه الوجوه نفعاً ، فالروايات تلقّاها العلماء بالقبول ونسبوها إلى قائليها عن جزم ، كما في (معالم التنزيل ) : ( قال عثمان : إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها )(٢) .

وأمّا الجواب بالحمل على التأويل ، فواضح ما فيه ، وقد ذكره السيوطي فقال :

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ وفيه اختلاف .

(٢) تفسير البغوي معالم التنزيل ٢ : ١٨٨ .

١٣٢

 ( ومن زعم أنّ عثمان أراد بقوله : أرى فيه لحناً : أرى في خطّه لحناً إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرّف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب ، فقد أبطل ولم يصب ؛ لأنّ الخط منبئ عن النطق ؛ فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه ، ولم يكن عثمان ليؤخّر فساداً في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق ، ومعلوم أنّه كان مواصلاً لدرس القرآن ، متقناً لألفاظه ، موافقاً على ما رُسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي )(١) .

وقال :

( أخرج ـ أي ابن أشتة ـ عن إبراهيم النخعي أنّه قال : آية و (إنّ هذين ساحران ) سواء ، لعلّهم كتبوا الألف مكان الياء ، والواو في قوله : (والصابئون ) و (الرّاسخون ) مكان الياء

قال ابن أشتة : يعني إنّه من إبدال حرف في الكتابة بحرف ، مثل الصّلاة والزّكاة والحياة .

وأقول :

هذا الجواب إنّما يحسن لو كانت القراءة بالياء فيها والكتابة بخلافها ، وأمّا والقراءة على مقتضى الرسم فلا )(٢) .

ثمّ ذكر السيوطي جواباً آخر جعله أقوى ما يجاب به ، قال :

( ثمّ قال ابن أشتة : أنبأنا محمّد بن يعقوب ، حدّثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، ثنا حميد بن مسعدة ، ثنا إسماعيل أخبرني الحارث بن عبد الرحمن ، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال : لمّا فرغ من هذا المصحف أُتي به عثمان فنظر فيه ، فقال : أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئاً سنقيمه بألسنتنا .

فهذا الأثر لا إشكال فيه وبه يتّضح معنى ما تقدّم ، فكأنّه عرض عليه

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٢ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ .

١٣٣

عقب الفراغ من كتابته ، فرأى فيه شيئاً كتب على غير لسان قريش ، كما وقع لهم في التابوت والتابوة ، فوعد بأنّه سيقيمه على لسان قريش ، ثمّ وفى بذلك عند العرض والتقويم ولم يترك شيئاً .

ولعلّ من روى الآثار السابقة عنه حرّفها ولم يتقن اللّفظ الذي صدر من عثمان ، فلزم منه ما لزم من الإشكال ، فهذا أقوى ما يجاب به عن ذلك ، ولله الحمد )(١) .

وأمّا أبو القاسم الراغب الأصفهاني ، فلم يرتض شيئاً من هذه الوجوه ، فقال:

( كأن القوم الذين كتبوا المصحف لم يكونوا قد حذقوا الكتابة ، فلذلك وضعت أحرف على غير ما يجب أن تكون عليه

وقيل : لمّا كتبت المصاحف وعرضت على عثمان فوجد فيها حروفاً من اللّحن في الكتابة قال : لا تغيّروها ، فإنّ العرب ستغيّرها ـ أو ستعربها ـ بألسنتها ولو كان الكاتب من ثقيف والممل من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف )(٢) .

عائشة : أخطأوا في الكتب !

وقال السيوطي في (الإتقان ) :

( قال أبو عبيد في فضائل القرآن : ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن جدّه قال : سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) وعن قوله :( وَالْمُقِيمِينَ الصّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزّكَاةَ ) وعن قوله :( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ وَالنّصَارَى ) قالت : يا ابن أخي هذا عمل

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ .

(٢) محاضرات الأُدباء ٢ : ٤٣٤ .

١٣٤

الكتّاب أخطأوا في الكتاب هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين )(١) .

وقال في (الدر المنثور ) :

( أخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي داود وابن المنذر عن عروة قال : سألت عائشة عن لحن القرآن :( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ ) ( وَالْمُقِيمِينَ الصّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزّكَاةَ ) و ( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) فقالت : يا ابن اُختي ! هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتاب )(٢) .

وقال أبو عمرو الداني في (المقنع ) :

( نا الخاقاني قال : نا أحمد بن محمّد قال : نا علي بن عبد العزيز قال : نا أبو عبيد قال : نا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال : سألت عائشة ( رضي الله عنها ) عن لحن القرآن عن قول الله عزّ وجلّ :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) وعن قوله :

( وَالْمُقِيمِينَ الصّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزّكَاةَ)

وعن قوله تعالى :( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ )

فقالت : يا ابن اُختي ! هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتاب )(٣) .

والحقُّ : أن الحديث الصحيح المتقدّم ونحوه لا يمكن الجواب عنه بما ذكروه ، وهذا ما اعترف به الحافظ السيوطي بالتالي ؛ حيث قال بعد ذكر الأجوبة التي تقدّمت وما استحسنه من جوابه :

( وبعد ؛ فهذه الأجوبة لا يصح شيء منها عن حديث عائشة ؛ أمّا الجواب

ــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٠ .

(٢) الدر المنثور ٢ : ٧٤٤ ـ ٧٤٥ .

(٣) المقنع لأبي عمرو الداني : ١١٩ .

١٣٥

بالتضعيف ؛ فلأنّ إسناده صحيح كما ترى ، وأمّا الجواب بالرمز وما بعده ؛ فلأنّ سؤال عروة عن الأحرف المذكورة لا يطابقه )(١) .

ولقد أنصفالقاضي ثناء الله الهندي ـ وهو أكبر تلامذة شاه ولي الله ـ إذ خطّأ عائشة وجعل قولها خرقاً للإجماع ، حيث قال في (تفسيره ) في تفسير قوله تعالى :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) :

( واختلفوا في توجيهه ، فروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنّه خطأ من الكاتب وهذا القول خطأ خارق للإجماع ) .

وكذا ابن السمين في تفسيره (الدر المصون ) حيث قال :

( ذهب جماعة ـ منهم عائشة ( رضي الله عنها ) وأبو عمرو ـ إلى أنّ هذا ممّا لحن فيه الكاتب وأُقيم بالصواب ، يعنون أنّه كان من حقّه أن يكتب بالياء ، فلم يفعل ولم يقرأه النّاس إلاّ بالياء على الصواب )(٢) .

وقال السيوطي في (الإتقان ) :

( تذنيب : يقرب ممّا تقدّم عن عائشة ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن أشتة في المصاحف ، من طريق إسماعيل المكّي عن أبي خلف مولى بني جمح : أنّه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة ، فقال : جئت أسألك عن آية من كتاب الله كيف كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرؤها

قالت : أيّة آيةٍ ؟

قال : الذين يؤتون ما آتوا أو الذين يأتون ما آتوا

فقالت : أيّهما أحبّ إليك ؟

قلت : والذي نفسي بيده لإحداهما أحبّ إليّ من الدنيا جميعاً

قالت : أيّهما ؟

قلت : الذين يأتون ما آتوا

فقالت : أشهد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٤ .

(٢) الدر المصون تفسير ابن السمين ٥ : ٣٤ ـ ٣٥ .

١٣٦

كذلك كان يقرؤها وكذلك أُنزلت ولكن الهجاء حُرّف )(١) .

وقال في (الدر المنثور ) :

( أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه ، وابن المنذر وابن أبي شيبة وابن الأنباري معاً في المصاحف ، والدّار قطني في الإفراد ، والحاكم وصحّحه وابن مردويه عن عبيد بن عميررضي‌الله‌عنه : أنّه سأل عائشة ( رضي الله عنها ) : كيف كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ هذه الآية : والذين يؤتون ما آتوا والذين يأتون ما آتوا ، فقالت : أيّتهما أحبّ إليك ؟

قلت : والذي نفسي بيده لإحداهما أحبّ إليّ من الدنيا جميعاً

قالت : أيّهما ؟

قلت : الذين يأتون ما آتوا

فقالت : أشهد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك كان يقرؤها ، وكذلك أُنزلت ولكن الهجاء حرّف )(٢) .

ابن عبّاس : أخطأ الكاتب

وقال في (الإتقان ) عاطفاً على ما تقدم :

( وما أخرجه ابن جرير وسعيد بن منصور في سننه من طريق سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس في قوله :

( حَتّى‏ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّمُوا)

قال : إنّما هي خطأ من الكاتب : حتّى تستأذنوا وتسلّموا ؛ أخرجه ابن أبي حاتم بلفظٍ هو فيما أحسب ممّا أخطأ به الكتّاب )(٣) .

وأخرج الحاكم :

(عن مجاهد عن ابن عبّاس في قوله : ( لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى‏ تَسْتَأْنِسُوا)

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٧ .

(٢) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٦ : ١٠٦ وفيه : ابن اشته بدل ابن أبي شيبة .

(٣) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٧ .

١٣٧

قال : أخطأ الكاتب ، تستأذنوا )

ثمّ قال : ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين )(١) .

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف ، وابن مندة في غرائب شعبة والحاكم وصحّحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، والضياء في المختارة من طرق عن ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) في قوله تعالى :( حَتّى‏ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّمُوا عَلَى‏ أَهْلِهَا )

قال : أخطأ الكاتب ، إنّما هي : حتّى تستأذنوا )(٢) .

والعجب : أن الحكيم الترمذي يجعل هذا الحديث وأمثاله ـ ممّا أخرجه كبار الأئمّة كما عرفت وصحّحوه ـ من مكائد الزنادقة ، وفي ذلك فضيحة لثقات المحدثين ، بل لأعلام الصحابة وغيرهم من أركان الدين إنّه يقول :

( والعجب من هؤلاء الرواة ، أحدهم يروي عن ابن عبّاس أنّه قال في قوله :( حَتّى‏ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّمُوا ) هو خطأ من الكاتب ، إنّما هو : تستأذنوا وتسلّموا ، وما أرى مثل هذه الروايات إلاّ من كيد الزنادقة في هذه الأحاديث ، إنّما يريدون أن يكيدوا الإسلام بمثل هذه الروايات ، فيا سبحان الله ، كان كتاب الله بين ظهرانيّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مَضِيعةٍ حتّى كتب الكتّاب فيها ما شاؤوا وزادوا ونقصوا !!

وروي عنه أيضاً أنّه قال : خطأ من الكتّاب قوله :( أَفَلَمْ يَيَأْسِ الّذِينَ آمَنوا أَن لَوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَي النّاسَ جَمِيعاً )

ـــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٣٩٦ .

(٢) الدر المنثور : ٦ : ١٧١ .

١٣٨

إنّما هو : أفلم يتبيّن ، فهذه اللُّغات إنّما يتغيّر معانيها بزيادة حرفٍ ونقصان حرف ، أفيحسب ذو عقلٍ أنّ أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهملوا أمر دينهم ، حتّى فوّضوا عهد ربّهم إلى كاتبٍ يخطئ فيه ، ثمّ يقرّه أبوبكر وعمر وأُبيّ بن كعب ( رضي الله عنهم أجمعين ) ، حيث جمعوه في خلافة أبي بكر ثمّ من بعده مرّةً أُخرى في زمن عثمان ـ رضي الله عنه ـ ) .

وقد أشار الحكيم إلى ما رواه السيوطي في (الإتقان ) إذ قال :

( وما أخرجه ابن الأنباري من طريق عكرمة عن ابن عبّاس أنّه قرأ : أفلم يتبيّن الذين آمنوا أن لو يشاء اله لهدى الناس جميعاً ، فقيل له : إنّها في المصحف : أفلم ييأس الذين آمنوا ، قال : أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس )(١) .

وهو في (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) أنّه قرأ : أفلم يتبيّن الذين آمنوا ، فقيل له : إنّها في المصحف : أفلم ييأس الذين آمنوا ، فقال : أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس )(٢) .

ونصّ الحافظ ابن حجر على صحّته في (فتح الباري ) :

( روى الطبري وعبد بن حميد بإسنادٍ صحيح ، كلّهم من رجال البخاري ، عن ابن عبّاس أنّه كان يقرؤها : أفلم يتبيّن ، ويقول : كتبها الكاتب وهو ناعس )(٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٧ .

(٢) الدر المنثور ٤ : ٦٥٣ .

(٣) فتح الباري في شرح البخاري ٨ : ٣٠٠ .

١٣٩

ثمّ تعرّض ابن حجر لإنكار من أنكر هذه الأحاديث وردّ عليهم بشدّة فقال :

( وأمّا ما أسنده الطبري عن ابن عبّاس ، فقد اشتدّ إنكار جماعة ممّن لا علم له بالرجال صحّته ، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته ـ إلى أن قال ـ وهي والله فِرية بلا مرية ، وتبعه جماعة بعده والله المستعان

وقد جاء عن ابن عبّاس نحو ذلك في قوله تعالى :( وَقَضَى‏ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ) أخرجه سعيد بن منصور بإسنادٍ جيّدٍ عنه

وهذه الأشياء وإن كان غيرها المعتمد ، لكنّ تكذيب المنقول بعد صحّته ليس من دأب أهل التحصيل ، فلينظر في تأويله بما يليق [ به ] )(١) .

وقد روى السيوطي ما ذكره ابن حجر :

( أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف ، من طريق سعيد بن جُبير عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه في قوله :( وَقَضَى‏ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ) قال : التزقت الواو بالصاد وأنتم تقرؤونها : وقضى ربّك .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحّاك عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه مثله .

وأخرج أبو عبيد وابن منيع وابن المنذر وابن مردويه من طريق ميمون ابن مهران عن ابن عبّاس قال : أنزل الله هذا الحرف على لسان نبيّكم : ووصّى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه ، فلصقت إحدى الواوين بالصاد فقرأ النّاس : وقضى

ـــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح البخاري ٨ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ مع بعض الاختلاف .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

كما كان ضخماً ذا سمنة كثير الشعر(١) . وأمّا صفاته النفسية : فقد ورث صفات جدّه أبي سفيان وأبيه معاوية مِن الغدر والنفاق والطيش والاستهتار. يقول السيد مير علي الهندي :

وكان يزيد قاسياً غداراً كأبيه ، ولكنّه ليس داهية مثله ؛ كانت تنقصه القدرة على تغليف تصرفاته القاسية بستار مِن اللباقة الدبلوماسية الناعمة ، وكانت طبيعته المنحلّة وخلقه المنحطّ لا تتسرب إليهما شفقة ولا عدل.

كان يقتل ويعذّب نشداناً للمتعة واللذة التي يشعر بها وهو ينظر إلى آلام الآخرين ، وكان بؤرة لأبشع الرذائل ، وها هم ندماؤه مِن الجنسين خير شاهد على ذلك ؛ لقد كانوا مِن حُثالة المجتمع(٢) .

لقد كان جافي الخُلُق مستهتراً ، بعيداً عن جميع القيم الإنسانية ، ومِن أبرز ذاتياته ميله إلى إراقة الدماء ، والإساءة إلى الناس.

ففي السّنة الأولى مِن حكمه القصير أباد عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وفي السّنة الثانية أباح المدينة ثلاثة أيّام ، وقتل سبعمئة رجل مِن المهاجرين والأنصار وعشرة آلاف مِن الموالي والعرب والتابعين.

ولَعه بالصيد :

ومِن مظاهر صفات يزيد : ولعه بالصيد فكان يقضي أغلب أوقاته فيه.

ويقول المؤرخون : كان يزيد بن معاوية كلفاً بالصيد لاهياً به ، وكان يُلبس كلاب

__________________

(١) تاريخ الإسلام للذهبي ١ / ٢٦٧.

(٢) روح الإسلام / ٢٩٦.

١٨١

الصيد الأساور مِن الذهب والجِلال المنسوجة منه ، ويُهب لكلّ كلب عبداً يخدمه(١) .

شغفه بالقرود :

وكان يزيد ـ فيما أجمع عليه المؤرخون ـ ولِعاً بالقرود ، فكان له قرد يجعله بين يديه ويكنيه بأبي قيس ويسقيه فضل كأسه ، ويقول : هذا شيخ مِن بني إسرائيل أصابته خطيئة فمُسخ ، وكان يحمله على أتان وحشية ويرسله مع الخيل في حلَبَة السّباق ، فحمله يوماً فسبق الخيل فسرّ بذلك ، وجعل يقول :

تمسّك أبا قيس بفضل زمامها

فليس عليها إنْ سقطت ضمان

فقد سبقت خيل الجماعة كلّها

وخيل أمير المؤمنين أتان

وأرسله مرّة في حلَبَةِ السباق فطرحته الريح فمات فحزن عليه حزناً شديداً وأمر بتكفينه ودفنه ، كما أمر أهل الشام أنْ يعزّوه بمصابه الأليم ، وأنشأ راثياً له :

كم مِن كرامٍ وقومٍ ذوو محافظه

جاؤوا لنا ليعزّوا في أبي قيسِ

شيخِ العشيرة أمضاها وأجملها

على الرؤوس وفي الأعناق والريسِ

لا يبعد الله قبراً أنت ساكنه

فيه جمال وفيه لحية التيس(٢)

وذاع بين الناس هيامه وشغفه بالقرود حتى لقّبوه بها. ويقول رجل مِن تنوخ هاجياً له :

__________________

(١) الفخري / ٤٥.

(٢) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب / ١٤٣ ، مِِن مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم.

١٨٢

يزيد صديق القرد ملّ جوارنا

فحنّ إلى أرض القرود يزيد

فتبّاً لِمَ أمسى علينا خليفةً

صحابته الأدنون منه قرود(١)

إدمانه على الخمر :

والظاهرة البارزة مِن صفات يزيد إدمانه على الخمر ، وقد أسرف في ذلك إلى حدٍّ كبيرٍ ، فلمْ يُرَ في وقت إلاّ وهو ثمِلٌ لا يعي مِن السكر.

ومِنْ شعره في الخمر :

أقولُ لصحبٍ ضمّتِ الكاسُ شملَهم

وداعي صباباتِ الهوى يترنمُ

خذُوا بنصيبٍ مِنْ نعيمٍ ولذّةٍ

فكلٌّ وإنْ طالَ المدى يتصرّمُ(٢)

وجلس يوماً على الشراب وعن يمينه ابن زياد بعد قتل الحُسين ، فقال :

اسقني شربةً تروّيَ شاشي

ثمّ مِلْ فاسقِ مثلها ابن زيادِ

صاحبَ السرّ والأمانةِ عندي

ولتسديدِ مغنمي وجهادي(٣)

وفي عهده طرّاً تحوّل كبير على شكل المجتمع الإسلامي ؛ فقد ضعف ارتباط المجتمع بالدين ، وانغمس الكثيرون مِن المسلمين في الدعارة والمجون ، ولمْ يكن ذلك التغيير إقليميّاً ، وإنّما شمل جميع الأقاليم الإسلامية ، فقد سادت فيها الشهوات والمتعة والشراب ، وقد تغيّرت الاتجاهات الفكرية التي ينشدها الإسلام عند أغلب المسلمين.

وقد اندفع الأحرار مِنْ شعراء المسلمين في أغلب عصورهم إلى هجاء

__________________

(١) انساب الاشراف ٢ / ٢.

(٢) تاريخ المظفري.

(٣) مروج الذهب ٢ / ٧٤.

١٨٣

يزيد لإدمانه على الخمر. يقول الشاعر بن عرادة :

أبَني أُميّة إنّ آخر ملككم

جسدٌ بحوارين ثمّ مقيمُ

طرقَتْ منيته وعند وساده

كوبٌ وزِقٌ راعفٌ مرثومُ

ومرنةٌ تبكي على نشوانه

بالصنجِ تقعدُ تارةً وتقومُ(١)

ويقول فيه أنور الجندي :

خُلقت نفسه الأثيمة بالمكر

وهامت عيناه بالفحشاءِ

فهو والكاس في عناقٍ طويل

وهو والعار والخناء في خباءِ

ويقول فيه بولس سلامة :

وترفّق بصاحبِ العرشِ مشغو

لا عن اللهِ بالقيانِ الملاحِ

ألف (الله أكبر) لا تساوي

بين كفَي يزيد نهلةَ راحِ

تتلظّى في الدن بكراً فلمْ

تدنّس بلثمٍ ولا بماءِ قراحِ(٢)

لقد عاقر يزيد الخمر وأسرف في الإدمان حتّى أنّ بعض المصادر تعزو سبب وفاته إلى أنّه شرب كمية كبيرة مِنه فأصابه انفجار فهلك منه(٣) .

ندماؤه :

واصطفى يزيد جماعة مِن الخُلعاء والماجنين فكان يقضي معهم لياليه الحمراء بين الشراب والغناء ، وفي طليعة ندمائه الأخطل الشاعر المسيحي الخليع

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧ / ٤٣.

(٢) ملحمة الغدير / ٢٢٧.

(٣) تاريخ المظفري مِن مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم ، وجاء في أنساب الأشراف ٤ / ق ٢ / ٢ أنّ سبب وفاة يزيد أنّه حمل قرده على أتان ، وهو سكران فركض خلفها فاندقّت عنقه ، فانقطع شيء في جوفه فمات.

١٨٤

فكانا يشربان ويسمعان الغناء وإذا أراد السفر صحبه معه(١) ، ولمّا هلك يزيد وآلَ أمر الخلافة إلى عبد الملك بن مروان قرّبه فكان يدخل عليه بغير استئذان ، وعليه جبّة خزّ وفي عُنقه سلسلةٌ مِنْ ذهب والخمر يقطر مِنْ لحيته(٢) .

نصيحة معاوية ليزيد :

ولمّا شاع استهتار يزيد واقترافه لجميع ألوان المنكر والفساد ، استدعاه معاوية فأوصاه بالتكتّم في نيل الشهوات ؛ لئلاّ تسقط مكانته الاجتماعية ، قائلاً : يا بُني ، ما أقدرك على أنْ تصير إلى حاجتك مِنْ غير تهتّك يذهب بمرؤتك وقدرك ، ثمّ أنشده :

انصب نهاراً في طلاب العلا

واصبر على هجر الحبيب القريبِ

حتى إذا الليل أتى بالدجا

واكتحلت بالغمض عين الرقيبِ

فباشر الليل بما تشتهي

فإنّما الليل نهار الأريبِ

كم فاسق تحسبه ناسكاً

قد باشر الليل بأمرٍ عجيبِ(٣)

دفاع محمّد عزّة دروزة :

مِن الكتّاب الذين يحملون النزعة الأمويّة في هذا العصر محمّد عزّة دروزة ؛ فقد جهد نفسه ـ مع الأسف ـ على الدفاع عن منكرات الأمويين

__________________

(١) الأغاني ٧ / ١٧٠.

(٢) الأغاني ٧ / ١٧٠.

(٣) البداية والنهاية ٨ / ٢٢٨.

١٨٥

وتبرير ما أُثر عنهم مِن الظلم والجور والفساد ، وقد دافع عن معاوية ونزّهه عمّا اقترفه مِن الموبقات التي هي لطخة عارٍ في تاريخ الإنسانية. وقد علّق على هذه البادرة بقوله : نحن ننزّه معاوية صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكاتب وحيه ، والذي أثرت عنه مخافةَ الله وتقواه ، وحرصه عن أنْ يرضى مِن ابنه الشذوذ عن هذه الحدود ، بل التشجيع ، بل نستبعد هذا عن يزيد(١) . وهذا ممّا يدعو إلى السّخرية والتفكّه ؛ فقد تنكّر دروزة للواضحات التي لا يشكّ فيها أي إنسان يملك عقله واختياره ، وقديماً قد قيل :

وليس يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليلِ

إنّ ما أُثر عن معاوية مِن الأحداث الجِسام كقتله حِجْر بن عَدِيّ ورشيد الهجري ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ونظرائهم مِن المؤمنين ، وسبّه للعترة الطاهرة ونكايته بالأُمّة بفرض يزيد خليفة عليها ، وغير ذلك مِن الجرائم التي ألمعنا إلى بعضها في البحوث السّابقة ، وهي ممّا تدلّ على تشويه إسلامه وانحرافه عن الطريق القويم ، ولكنّ دروزة وأمثاله لا ينظرون إلى الواقع إلاّ بمنظار أسود ، فراحوا يقدّسون الأمويين الذين أثبتوا بتصرفاتهم السّياسية والإدارية أنّهم خصوم الإسلام وأعداؤه.

إقرار معاوية لاستهتار يزيد :

وهام معاوية بحبّ ولده يزيد فأقرّه على فسقه وفجوره ولمْ يردعه عنه. ويقول المؤرخون : إنّه نُقِلَ له أنّ ولده على الشراب فأتاه يتجسّس عليه فسمعه ينشد :

__________________

(١) تاريخ الجنس العربي ٨ / ٨٦.

١٨٦

أقولُ لصحبٍ ضمّتِ الكاسُ شملهم

وداعي صبابات الهوى يترنمُ

خذوا بنصيبٍ مِن نعيمٍ ولذّةٍ

فكلّ وإنْ طالَ المدى يتصرّمُ

ولا تتركوا يومَ السّرورِ إلى غدٍ

فإنّ غداً يأتي بما ليس يُعلمُ

ألا إنّ أهنأ العيشِ ما سمحَتْ بهِ

صروفُ الليالي والحوادثُ نُوّمُ

فعاد معاوية إلى مكانه ولمْ يعلمه بنفسه ، وراح يقول :

والله لا كنت عليه ، ولا نغّصت عليه عيشه(١) .

حقد يزيد على النبي :

وأترعت نفس يزيد بالحقد على النّبي (صلّى الله عليه وآله) والبغض له ؛ لأنّه وتِره بأُسرته يوم بدر ، ولمّا أباد العترة الطاهرة جلس على أريكة المُلْك جذلانَ مسروراً يهز أعطافه ، فقد استوفى ثأره مِن النّبي (صلّى الله عليه وآله) وتمنّى حضور أشياخه لِيَرَوا كيف أخذ بثأرهم ، وجعل يترنم بأبيات ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرجِ مِن وقع الأسل

لأهلوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيدَ لا تُشل

قد قتلنا القرمَ مِن أشياخهم

وعدلناه ببدرٍ فاعتدل

لعبت هاشم بالمُلْك فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل

لستُ مِنْ خندفَ إنْ لمْ أنتقم

مِنْ بني أحمدَ ما كان فعل(٢)

__________________

(١) تاريخ المظفري مِن مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم.

(٢) البداية والنهاية ٨ / ١٩٢.

١٨٧

بغضه للأنصار :

وكان يزيد يبغض الأنصار بغضاً عارماً ؛ لأنّهم ناصروا النّبي (صلّى الله عليه وآله) وقاتلوا قريش ، وحصدوا رؤوسَ أعلامهم ، كما كانوا يبغضون بني أُميّة ، فقد قُتِلَ عثمان بين ظهرانيهم ولم يدافعوا عنه ، ثمّ بايعوا علياً وذهبوا معه إلى صفين لحرب معاوية ، ولمّا استشهد الإمام كانوا مِنْ أهم العناصر المعادية لمعاوية ، وكان يزيد يتميّز مِنْ الغيظ عليهم وطلب مِنْ كعب بن جعيل التغلبي أن يهجوهم فامتنع ، وقال له : أردتني إلى الإشراك بعد الإيمان ، لا أهجو قوماً نصروا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولكنْ أدلّك على غلامٍ منّا نصراني كان لسانه لسان ثور ـ يعني الأخطل ـ.

فدعا يزيد الأخطلَ وطلب منه هجاء الأنصار فأجابه إلى ذلك ، وهجاهم بهذه الأبيات المقذعة :

لعن الإلهُ مِن اليهودِ عصابةً

ما بين صليصلٍ وبين صرارِ(١)

قومٌ إذا هدرَ القصيرُ رأيتَهم

حمراً عيونهم مِن المسطارِ(٢)

خلّوا المكارمَ لستمُ مِن أهلها

وخذوا مساحيكم بني النجّارِ

إنّ الفوارسَ يعلمون ظهوركم

أولادَ كلّ مقبّحٍ أكّازِ(٣)

ذهبت قريشٌ بالمكارمِ كلّها

واللؤم تحت عمائمِ الأنصارِ(٤)

__________________

(١) صليصل وصرار : مِن الأماكن القريبة للمدينة.

(٢) المسطار : الخمر الصارعة لشاربها.

(٣) أكّاز : الحراث.

(٤) طبقات الشعراء / ٣٩٢.

١٨٨

لقد ابتدأ الأخطل هجاءه للأنصار بذمِ اليهود وقرن بينهم وبين الأنصار ، لأنّهم يساكنونهم في يثرب ، وقد عاب على الأنصار بأنّهم أهل زرع وفلاحة وأنّهم ليسوا أهل مجدٍ ولا مكارم ، واتهمهم بالجبن عند اللقاء ونسب الشرف والمجد إلى القرشيين واللؤم كلّه تحت عمائم الأنصار.

وقد أثار هذا الهجاء المرّ حفيظة النعمان بن بشير الذي هو أحد عملاء الأمويين ، فانبرى غضباناً إلى معاوية ، فلمّا مَثُلَ عنده حسر عمامته عن رأسه وقال : يا معاوية ، أترى لؤماً؟.

لا ، بل أرى خيراً وكرماً ، فما ذاك؟!

زعم الأخطل أنّ اللؤم تحت عمائمنا!

واندفع النعمان يستجلب عطف معاوية قائلاً :

معاوي ألا تعطنا الحقّ تعترف

لحقّ الأزد مسدولاَ عليها العمائمُ

أيشتمُنا عبدُ الأراقم ضلّةً

فماذا الذي تجدي عليك الأراقمُ

فما ليَ ثأرٌ دون قطعِ لسانهِ

فدونكَ مَنْ ترضيه عنه الدراهمُ(١)

قال معاوية : ما حاجتك؟

ـ لسانه.

ـ ذلك لك.

وبلغ الخبرُ الأخطلَ فأسرع إلى يزيد مستجيراً به ، وقال له : هذا الذي كنت أخافه! فطمأنه يزيد وذهب إلى أبيه فأخبره بأنّه قد أجاره ، فقال معاوية : لا سبيل إلى ذمّة أبي خالد ـ يعني يزيداً ـ فعفى عنه.

وجعل الأخطل يفخر برعاية يزيد له ، ويشمت بالنعمان بقوله :

__________________

(١) العقد الفريد ٥ / ٣٢١ ـ ٣٢٢.

١٨٩

أبا خالدٍ دافعتَ عنّي عظيمةً

وأدركتَ لحمي قبل أنْ يتبددا

وأطفأت عنّي نارَ نعمان بعدما

أغذّ لأمرٍ عاجزٍ وتجردا

ولمّا رأى النعمان دوني ابن حرّة

طوى الكشح إذ لمْ يستطعني وعرّدا(١)

هذه بعض نزعات يزيد واتجاهاته ، وقد كشفت عن مسخه وتمرّسه في الجريمة ، وتجرّده مِنْ كلّ خُلُقٍ قويم. وإنّ مِنْ مهازل الزمن وعثرات الأيّام أنْ يكون هذا الخليعُ حاكماً على المسلمين ، وإماماً لهم.

دعوةُ المغيرة لبيعة يزيد :

وأوّل مَنْ تصدى لهذه البيعة المشؤومة أعورُ ثقيف المغيرة بن شعبة ، صاحب الأحداث والموبقات في الإسلام(٢) ، وقد وصفه (بروكلمان) بأنّه رجلٌ انتهازي ، لا ذمة له ولا ذمام(٣) ، وهو أحد دهاة العرب الخمسة(٤) ، وقد قضى حياته في التآمر على الأُمّة ، والسعي وراء مصالحه الخاصة.

أمّا السبب في دعوته لبيعة يزيد ـ فيما يرويه المؤرّخون ـ فهو أنّ معاوية أراد عزله مِن الكوفة ليولّي عليها سعيد بن العاص(٥) ، فلمّا بلغه ذلك سافر إلى دمشق ليقدّم استقالته مِن منصبه حتّى لا تكون حزازة عليه في عزله ، وأطال التفكير في أمره ، فرأى أنّ خير وسيلة لإقراره في منصبه

__________________

(١) ديوان الأخطل / ٨٩.

(٢) مِن موبقات المغيرة أنّه أوّل مَنْ رُشِيَ في الإسلام كما يروي البيهقي ، كما أنّه كان الوسيط في استلحاق زياد بمعاوية.

(٣) تاريخ الشعوب الإسلامية ١ / ١٤٥.

(٤) تاريخ الطبري.

(٥) الإمامة والسياسة ٢ / ٢٦٢.

١٩٠

أنْ يجتمع بيزيد فيحبّذ له الخلافة حتّى يتوسّط في شأنه إلى أبيه. والتقى الماكر بيزيد فأبدى له الإكبار ، وأظهر له الحبّ ، وقال له :

قد ذهب أعيان محمّد وكبراء قريش وذوو أسنانهم ، وإنّما بقى أبناؤهم وأنت مِنْ أفضلهم وأحسنهم رأياً ، وأعلمهم بالسُنّة والسياسة ، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أنْ يعقد لك البيعة؟!

وغزت هذه الكلمات قلبَ يزيد ، فشكره وأثنى على عواطفه ، وقال له : أترى ذلك يتمّ؟

ـ نعم.

وانطلق يزيد مسرعاً إلى أبيه فأخبره بمقالة المغيرة ، فسرّ معاوية بذلك وأرسل خلفه ، فلمّا مَثُلَ عنده أخذ يحفّزه على المبادرة في أخذ البيعة ليزيد قائلاً : يا أمير المؤمنين ، قد رأيت ما كان مِنْ سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان ، وفي يزيد منك خَلَفٌ فاعقد له ؛ فإنْ حدثَ بك حدثٌ كان كهفاً للناس ، وخَلَفاً منك ، ولا تُسفكُ دماءٌ ، ولا تكون فتنةٌ.

وأصابت هذه الكلمات الوتر الحساس في قلب معاوية ، فراح يخادعه مستشيراً في الأمر قائلاً : مَنْ لي بهذا؟

ـ أكفيك أهل الكوفة ، ويكفيك زياد أهل البصرة ، وليس بعد هذين المصرين أحد يُخالف.

واستحسن معاوية رأيه فشكره عليه ، وأقرّه على منصبه ، وأمره بالمبادرة إلى الكوفة لتحقيق غايته. ولمّا خرج مِنْ عند معاوية قال لحاشيته : لقد وضعت رِجْلَ معاوية في غرزٍ بعيد الغاية على أُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ،

١٩١

وفتقت عليه فتقاً لا يُرتق. ثم تمثّل بقول الشاعر :

بمثلي شاهد النّجوى وغالى

بي الأعداء والخصم الغِضابا

ففي سبيل المغنم فتق المغيرة على أُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) فتقاً لا يُرتق ، وأخلد لها الكوارث والخطوب.

وسار المغيرة إلى الكوفة وهو يحمل الشرّ والدمار لأهلها ولعموم المسلمين ، وفور وصوله عقد اجتماعاً ضم عُملاء الاُمويِّين ، فعرض عليهم بيعة يزيد فأجابوه إلى ذلك ، وأوفد جماعة منهم إلى دمشق وجعل عليهم ولده أبا موسى ، فلمّا انتهوا إلى معاوية حفّزوه على عقد البيعة ليزيد ، فشكرهم على ذلك وأوصاهم بالكتمان ، والتفت إلى ابن المغيرة ، فقال له : بكم اشترى أبوك مِنْ هؤلاء دينهم؟

ـ بثلاثين ألف درهم.

فضحك معاوية ، وقال ساخراً : لقد هانَ عليهم دينُهم. ثمّ أوصلهم بثلاثين ألف درهمٍ(١) .

لقد استجاب لهذه البيعة ورضي بها كلّ مَنْ يحمل ضميراً قلِقاً عرضه للبيع والشراء.

تبريرُ معاوية :

ودافع جماعة مِن المؤلّفين والكتاب عن معاوية ، وبرّروا بيعته ليزيد التي كانت مِنْ أفجع النكبات التي مُنِيَ بها العالم الإسلامي ، وفيما يلي بعضهم :

١ ـ أحمد دحلان :

ومِنْ أصلب المدافعين عن معاوية أحمد دحلان ، قال : فلمّا نظر

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٤٩.

١٩٢

معاوية إلى قوّة شوكتهم ـ يعني الاُمويِّين ـ واستحكام عصبيتهم ، حتّى إنّهم لو خرجت الخلافة عنهم بعده يُحدِثون فتنةً ، ويقع افتراق للأُمّة ، فأراد اجتماع الكلمة بجعل الأمر فيهم. ثمّ إنّه نظر فيمَنْ كان منهم أقوى شوكة فرآه ابنه يزيد ؛ لأنّه كان كبيراً ، وباشر إمارة الجيوش في حياة أبيه ، وصارت له هيبةٌ عند الأُمراء ، وله تمكّن ونفاذ كلمةٍ ، فلو جعل الأمر لغيره منهم كان ذلك سبباً لمنازعته ، لا سيما وله تمكّن واقتدار على الاستيلاء على ما في بيت المال مِن الأموال ، فيقع الافتراق والاختلاف. فرأى أنّ جعل الأمر له بهذا الاجتهاد يكون سبباً للأُلفة وعدم الافتراق ، وهذا هو السبب في جعله وليّ عهده ، ولمْ يعلم ما يبديه الله بعد ذلك(١) .

حفنة من التراب على أمثال هؤلاء الذين دفعتهم العصبية الآثمة إلى تبرير المنكر وتوجيه الباطل ، فهل إنّ أمر الخلافة التي هي ظلّ الله في الأرض يعود إلى الاُمويِّين حتّى يرعى معاوية عواطفهم ورغباتهم ؛ وهم الذين ناهضوا نبي الإسلام وناجزوه الحرب ، وعذّبوا كلّ مَنْ دخل في دين الإسلام ، فكيف يكون أمر الخلافة بأيديهم؟! ولو كان هناك منطق ووعي ديني لكانوا في ذيل القافلة ، ولا يُحسب لهم أي حساب.

٢ ـ الدكتور عبد المنعم :

ومن المبررين لمعاوية في بيعته ليزيد الدكتور عبد المنعم ماجد قال : ويبدو أنّ معاوية قصد مِنْ وراء توريث يزيد الخلافة القضاء على افتراق كلمة الأُمّة الإسلامية ووقوع الفتنة ، مثلما حدث بعد عثمان.

ولعلّه أيضاً أراد أنْ يوجد حلاً للمسألة التي تركها النّبي (صلّى الله عليه وآله) دون حلّ ؛ وهي إيجاد سلطة دائمة للإسلام ، ومِن المحقّق أنّ معاوية لمْ يكن له مندوحة مِنْ أنْ يفعل

__________________

(١) تاريخ دول الإسلامية / ٢٨.

١٩٣

ذلك ؛ خوفاً مِنْ غضب بني أُميّة الذين لمْ يكونوا يرضون بتسليم الأمر إلى سواهم(١) . وهذا الرأي لا يحمل أي طابعٍ مِن التوازن ؛ فإنّ معاوية في بيعته ليزيد لمْ يجمع كلمة المسلمين ، وإنّما فرّقها وأخلد لهم الشرّ والخطوب ؛ فقد عانت الأُمّة في عهد يزيد مِن ضروب البلاء والمحن ما لا يوصف ؛ لفضاعته ومرارته ، فقد جهد حفيد أبي سفيان على تدمير الإسلام وسحق جميع مقدّساته وقيمه ؛ فأباد العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم حسب النصوص النّبوية المتواترة ، وأنزل بأهل المدينة في واقعة الحرّة مِن الجرائم ما يندى له جبين الإنسانية ، فهل جمع بذلك معاوية كلمة المسلمين ووحّد صفوفهم؟! وممّا يدعو إلى السّخرية ما ذهب إليه مِن أنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) ترك مسألة الخلافة بغير حلّ ، فجاء معاوية فحلّ هذه العقدة ببيعته ليزيد!! إنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) لمْ يترك أي شأنٍ مِن شؤون أُمّته بغير حلّ ، وإنّما وضع لها الحلول الحاسمة ، وكان أهم ما عنى به شأن الخلافة ، فقد عَهِدَ بها إلى أفضل أُمّته ، وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وقد بايعه كبار الصحابة وعموم مَنْ كان معه في يوم الغدير ، ولكنّ القوم كرهوا اجتماع النّبوة والخلافة في ببت واحد ، فزووا الخلافة عن أهل بيت نبيهم (صلّى الله عليه وآله) ، فأدّى ذلك إلى أنْ يلي أمر المسلمين يزيد وأمثاله مِن المنحرفين الذين أثبتوا في تصرفاتهم أنّهم لا علاقة لهم بالإسلام ، ولا عَهْدَ لهم بالدين.

٣ ـ حسين محمّد يوسف :

ومِن المدافعين بحرارة عن معاوية في ولايته ليزيد حسين محمّد يوسف ، وقد أطال الكلام بغير حجّة في ذلك ، قال في آخر حديثه : وخلاصة القول في موقف معاوية أنّه كان مجتهداً في رأيه ، وأنّه حين دعا

__________________

(١) التاريخ السياسي للدولة العربية ٢ / ٦٢.

١٩٤

الأُمّة إلى بيعة يزيد كان حسن الظن به ؛ لأنّه لمْ يثبت عنده أي نقص فيه ، بل كان يزيد يدسّ على أبيه مَنْ يحسّن له حاله حتّى اعتقد أنّه أولى مِنْ أبناء بقية الصحابة كلّهم ؛ فإنْ كان معاوية قد أصاب في اختياره فله أجران ، وإنْ كان قد أخطأ فله أجر واحد ، وليس لأحدٍ بعد ذلك أنْ يخوض فيما وراء ذلك ؛ فإنّما الأعمال بالنّيات ، ولكلِّ امرئ ما نوى(١) .

إنّ مِن المؤسف حقّاً أنْ ينبري هؤلاء لتبرير معاوية في اقترافه لهذه الجريمة النكراء التي أغرقت العالم الإسلامي بالفتن والخطوب! ومتّى اجتهد معاوية في فرض ابنه خليفة على المسلمين؟! فقد سلك في سبيل ذلك جميع المنعطفات والطريق الملتوية ، فأرغم عليها المسلمين ، وفرضها عليهم تحت غطاءٍ مكثّفٍ من قوة الحديد. إنّ معاوية لمْ يجتهد في ذلك وإنّما استجاب لعواطفه المترعة بالحنان والولاء لولده ، مِن دون أنْ يرعى أي مصلحةٍ للأُمّة في ذلك.

هؤلاء بعض المؤيدين لمعاوية في عقده البيعة ليزيد ، وهم مدفوعون بدافعٍ غريبٍ على الإسلام ، وبعيد كلّ البعد عن منطق الحقّ.

كلمةُ الحسن البصري :

وشجب الحسن البصري بيعة يزيد وجعلها مِنْ جملة موبقات معاوية ، قال : أربع خصال كُنَّ في معاوية ، لو لمْ يكن فيه منهنَّ إلاّ واحدة لكانت موبقة : ابتزاؤه على هذه الأُمّة بالسّفهاء حتّى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلاف ابنه بعده سكّيراً خمّيراً ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادّعاؤه زياد وقد

__________________

(١) سيد شباب أهل الجنّة الحسين بن علي (عليه السّلام) / ٢٠٨.

١٩٥

قال رسول (صلّى الله عليه وآله) : «الولد للفراش وللعاهر الحَجَر». وقتله حِجْراً وأصحابه ، ويلٌ له مِنْ حِجْر وأصحابه(١) !

كلمةُ ابن رشد :

ويرى الفيلسوف الكبير ابن رشد أنّ بيعة معاوية ليزيد قد غيّرت مجرى الحياة الإسلامية ، وهدمت الحكم الصالح في الإسلام ، قال : إنّ أحوال العرب في عهد الخلفاء الراشدين كانت على غاية مِن الصلاح ، فكأنّما وصف أفلاطون حكومتهم في (جمهوريته) الحكومة الجمهورية الصحيحة التي يجب أنْ تكون مِثالاً لجميع الحكومات ، ولكنّ معاوية هدم ذلك البناء الجليل القديم ، وأقام مكانه دولة بني أُميّة وسلطانها الشديد ؛ ففتح بذلك باباً للفتن التي لا تزال إلى الآن قائمة حتّى في بلادنا هذه(٢) ـ يعني الأندلس ـ.

لقد نَقِمَ على معاوية في بيعة يزيد جميعُ أعلام الفكر وقادة الرأي في الأُمّة الإسلامية ، منذ عهد معاوية حتّى يوم الناس هذا ، ووصفوها بأنّها اعتداء صارخ على الأُمّة ، وخروج على إرادتها.

دوافعُ معاوية :

أمّا الدوافع التي دعت معاوية لفرض ابنه السكّير خليفة على المسلمين ، فكان مِنْ أبرزها الحبّ العارم لولده ؛ فقد هام بحبّه ، وقد أدلى بذلك

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٧ وغيره.

(٢) ابن رشد وفلسفته ـ فرج انطون / ٦٠.

١٩٦

في حديثه مع سعيد بن عثمان حينما طلب مِنه أنْ يرشّحه للخلافة ويدع ابنه يزيد ، فسخِرَ مِنه معاوية وقال له : والله ، لو ملأتَ لي الغوطة رجالاً مثلك لكان يزيد أحبّ إليّ مِنكم كلّكم(١) .

لقد أعمّاه حبّه لولده ، وأضله عن الحقّ ، وقد قال : لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي(٢) . وكان يؤمن بأنّ استخلافه ليزيد مِن أعظم ما اقترفه مِن الذنوب ، وقد صارح ولده بذلك فقال له : ما ألقى الله بشيء أعظم في نفسي مِن استخلافي إيّاك(٣) .

لقد اقترف معاوية وزراً عظيماً فيما جناه على الأُمّة بتحويل الخلافة إلى مُلْكٍ عضوضٍ لا يُعنى فيه بإرادة الأٌمّة واختيارها.

الوسائل الدبلوماسية في أخذ البيعة :

أمّا الوسائل الدبلوماسية التي اعتمد عليها معاوية في فرض خليعه على المسلمين فهي :

١ ـ استخدام الشعراء :

أمّا الشعراء فكانوا في ذلك العصر مِنْ أقوى أجهزة الإعلام ،

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ٨٠.

(٢) المناقب والمثالب ـ القاضي نعمان المصري / ٦٨.

(٣) تاريخ الخلفاء ـ لمؤلّف مجهول قامت بنشره أكاديمية العلوم للاتحاد السوفيتي.

١٩٧

وقد أجزل لهم معاوية العطاء ، وأغدق عليهم الأموال ، فانطلقت ألسنتهم بالمديح والثناء على يزيد ، فأضافوا إليه الصفات الرفيعة ، وخلعوا عليه النعوت الحسنة ، وفيما يلي بعضهم :

أ ـ العجّاج :

ومدحه العجّاج مدحاً عاطراً ، فقال فيه :

إذ زُلزِلَ الأقوامُ لمْ تزلزلِ

عن دينِ موسى والرسولِ المُرسلِ

وكنتَ سيف الله لمْ يفلّلِ

يفرع(١) أحياناً وحيناً يختلي(٢)

ومعنى هذا الشعر أنّ يزيد يقتفي أثر الرسول موسى والنّبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، وأنّه سيف الله البتّار ، إلاّ أنّه كان مشهوراً على أولياء الله وأحبّائه.

الأحوس :

ومدحه الشاعر الأحوس بقصيدة جاء فيها :

ملِكٌ تدينُ له الملوكُ مباركٌ

كادت لهيبته الجبالُ تزولُ

يُجبى له بلخٌ ودجلةُ كلّها

وله الفراتُ وما سفى والنيلُ

لقد جاءته تلك الهيبة التي تخضع لها الجباه ، وتزول منها الجبال مِن إدمانه على الخمر ، ومزاملته للقرود ، ولعبه بالكلاب ، واقترافه للجرائم والموبقات!

مسكين الدارمي :

ومِن الشعراء المرتزقة مسكين الدارمي ، وقد أوعز إليه معاوية أنْ يحثّه على بيعة يزيد أمام مَنْ كان عنده مِنْ بني أُميّة ، وأشراف أهل الشام ،

__________________

(١) يفرع : يعلو رؤوس الناس.

(٢) شعراء النصرانية بعد الإسلام / ٢٣٤.

١٩٨

فدخل مسكين على معاوية ، فلمّا رأى مجلسه حاشداً بالناس رفع عقيرته :

إنْ ادُعَ مسكيناً فإنّي ابنُ معشرٍ

مِن الناس أحمي عنهم وأذودُ

ألا ليت شعري ما يقول ابنُ عامرٍ

ومروانُ أمْ ماذا يقول سعيدُ

بني خلفاء اللهِ مهلاً فإنّما

يبوِّئها الرحمنُ حيث يريدُ

إذا المنبر الغربي خلاّه ربّهُ

فإنّ أميرَ المؤمنين يزيدُ

على الطائر الميمون والجدّ ساعدٌ

لكلّ اُناس طائرٌ وجدودُ

فلا زلتَ أعلى الناس كعباً ولمْ تزلْ

وفودٌ تساميها إليك وفودُ

ولا زال بيتُ المُلْك فوقك عالياً

تُشيَّد أطنابٌ له وعمود(١)

هؤلاء بعض الشعراء الذين مدحوا يزيد ، وافتعلوا له المآثر لتغطية ما ذيع عنه مِن الدعارة والمجون.

بذلُ الأموال للوجوه :

وأنفق معاوية الأموال الطائلة بسخاءٍ للوجوه والأشراف ؛ ليقرّوه على فرض ولده السكّير خليفة على المسلمين. ويقول المؤرّخون : إنّه أعطى عبد الله بن عمر مئة ألف درهم فقبلها منه(٢) ، وكان ابن عمر مِنْ أصلب المدافعين عن بيعة يزيد ، وقد نَقِمَ على الإمام الحسين (عليه السّلام) خروجه عليه ، وسنذكر ذلك بمزيد مِن التفصيل في البحوث الآتية.

__________________

(١) الأغاني ٨ / ٧١.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٥٠.

١٩٩

مراسلةُ الولاة :

وراسل معاوية جميع عمّاله وولاته في الأقاليم الإسلاميّة بعزمه على عقد البيعة ليزيد ، وأمرهم بتنفيذ ما يلي :

١ ـ إذاعة ذلك بين الجماهير الشعبية ، وإعلامها بما صمّمت عليه حكومة دمشق مِنْ عقد الخلافة ليزيد.

٢ ـ الإيعاز للخطباء وسائر أجهزة الإعلام بالثناء على يزيد ، وافتعال المآثر له.

٣ ـ إرسال الوفود إليه مِن الشخصيات الإسلاميّة حتّى يتعرّف على رأيها في البيعة ليزيد(١) . وقام الولاة بتنفيذ ما عهد إليهم ، فأذاعوا ما صمّم عليه معاوية مِن عقد البيعة ليزيد ، كما أوعزوا للخطباء وغيرهم بالثناء على يزيد.

وفودُ الأقطار الإسلاميّة :

واتّصلت الحكومات المحلّية في الأقطار الإسلاميّة بقادة الفكر ، فعرضت عليهم ما عزم عليه معاوية مِنْ تولية ولده للخلافة ، وطلبوا منهم السّفر فوراً إلى دمشق لعرض آرائهم على معاوية. وسافرت الوفود إلى دمشق وكان في طليعتهم :

١ ـ الوفد العراقي بقيادة زعيم العراق الأحنف بن قيس.

٢ ـ الوفد المدني بقيادة محمّد بن عمرو بن حزم(٢) .

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٥٠.

(٢) المصدر نفسه.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والمؤمنون الفرع من طين لازب كذلك لا يفرق اللهعزوجل بينهم وبين شيعتهم، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠ ـ في نهج البلاغة ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها تربة سنها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت(١) .

١١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ ) قال: الذين ظلموا آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حقهم «وأزواجهم» قال: أشباههم.

١٢ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام ( فَاهْدُوهُمْ إلى صِراطِ الْجَحِيمِ ) يقول: أدعوهم إلى طريق الجحيم.

١٣ ـ وقال علي بن إبراهيم في قولهعزوجل :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) قال: عن ولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

١٤ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى أنس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم لم يجز عليه إلّا من معه جواز فيه ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وذلك قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) يعنى عن ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

١٥ ـ في اعتقادات الامامية للصدوقرحمه‌الله قال زرارة للصادقعليه‌السلام : ما تقول يا سيدي في القضاء والقدر؟ قالعليه‌السلام : أقول إنّ الله تبارك وتعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سئلهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم.

١٦ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المتفرقة حديث طويل وفي آخره ثم قالعليه‌السلام ـ وقد ذكر علياعليه‌السلام ـ حاكيا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وعزة ربي إنّ جميع أمتى لموقوفون يوم القيامة ومسئولون عن ولايته، وذلك قول اللهعزوجل ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) .

١٧ ـ وفيه أيضا في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المجموعة وباسناده

__________________

(١) الحزن: ما غلظ من الأرض. وسبخها: ما ملح منها. وسنها بالماء أي ملسها. ولاطها من قولهم لطت الحوض بالطين ملطته وطينته به. والبلة من البلل. ولزبت أي التصقت.

٤٠١

قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) قال: عن ولاية علىعليه‌السلام .

١٨ ـ وفي هذا الباب أيضا باسناده عن عليٍّعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أول ما يسأل الله عنه العبد عن حبنا أهل البيت.

١٩ ـ في كتاب الخصال عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزل قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت.

٢٠ ـ في كتاب علل الشرائع قد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في تفسير قولهعزوجل :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) انه لا يجاوز قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعمره فيما أفناه، وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت.

٢١ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يحيى بن عقبة الأزدي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان فيما وعظ به لقمان ابنه: واعلم انك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي اللهعزوجل عن أربع: شبابك فيما أبليته، وعمرك فيما أفنيته، وما لك مما اكتسبته وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٢ ـ أبو عليّ الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن أبي نجران عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معاشر قراء القرآن اتقوا اللهعزوجل فيما حملكم من كتابه، فانى مسئول وإنكم مسئولون، إنى مسئول عن تبليغ الرسالة، وأما أنتم فتسألون عما حملتم من كتاب الله وسنتي.

٢٣ ـ في نهج البلاغة اتقوا الله في عباده وبلاده فانكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم.

٢٤ ـ في مجمع البيان( إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) روى أنس بن مالك مرفوعا أنهم مسئولون عما دعوا إليه من البدع.

٤٠٢

٢٥ ـ وقيل: عن ولاية علي بن أبي طالب عن أبي سعيد الخدري.

٢٦ ـ في تهذيب الأحكام في الدعاء بعد صلوة الغدير المسند إلى الصادقعليه‌السلام أللّهمّ فكما كان من شأنك يا صادق الوعد يا من لا يخلف الميعاد، يا من هو كل يوم في شأن ان أنعمت علينا بموالاة أوليائك المسئول عنها عبادك، فانك قلت وقولك الحق:( ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) وقلت:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) .

٢٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ ) يعنى فلانا وفلانا( قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) .

٢٨ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن محمد بن إسحاق المدني عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونقل عنه حديثا طويلا يقول فيه حاكيا حال أهل الجنة وأما قوله:( أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ) قال: يعلمه الخدام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه أما قولهعزوجل :( فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ) قال: فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلّا أكرموا به.

٢٩ ـ في جوامع الجامع: انا لمدينون أي لمجزيون من الدين الذي هو الجزاء أو ممسوسون مربوبون من ذاته إذا ساسه وفي الحديث: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.

٣٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام ( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ ) يقول في وسط الجحيم.

٣١ ـ قال علي بن إبراهيمرحمه‌الله ثم يقولون في الجنة:( أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .

قال: فحدثني أبي عن علي بن مهزيار والحسن بن محبوب عن النضر بن سويد عن درست عن أبي بصير عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جيء بالموت فيذبح كالكبش بين الجنة والنار، ثم يقال: خلود فلا موت أبدا، فيقول أهل الجنة:( أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ) .

٤٠٣

٣٢ ـ في مجمع البيان( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ) الآية روى ان قريشا لما سمعت هذه الآية، قالت: ما نعرف هذه الشجرة، قال ابن الزبعرى: الزقوم بكلام البربر التمر والزبد، وفي رواية بلغة اليمن، فقال أبو جهل لجاريته: يا جارية زقمينا(١) فاتته الجارية بتمر وزبد، فقال لأصحابه: تزقموا بهذا الذي يخوفكم به محمد فيزعم أن النار تنبت الشجر، والنار تحرق الشجر، فأنزل الله سبحانه( إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ) .

٣٣ ـ وقد روى ان الله تعالى يجوعهم حتى ينسوا عذاب النار من شدة الجوع فيصرخون إلى مالك فيحملهم إلى تلك الشجرة وفيهم أبو جهل فيأكلون منها فتغلى بطونهم كغلى الحميم، فيستسقون فيسقون شربة من الماء الحار الذي بلغ نهايته في الحرارة، فاذا قربوها من وجوههم شوت وجوههم، فذلك قوله: «يشوى الوجوه» فاذا وصل إلى بطونهم صهر ما في بطونهم(٢) كما قال سبحانه:( يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) وذلك طعامهم وشرابهم.

٣٤ ـ وفيه عند قوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) وروى أيضا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال هو الطعن في الحق والاستهزاء به، وما كان أبو جهل وأصحابه يجيئون به إذ قال يا معشر قريش: ألآ أطعمكم من الزقوم الذي يخوفكم به صاحبكم ثمّ أرسل إلى زبد وتمر، فقال: هذا هو الزقوم الذي يخوفكم به.

٣٥ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد وعلى بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن ضريس الكناسي، قال قال أبو جعفرعليه‌السلام : إنّ لله تعالى نارا في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفار ويأكلون من زقومها ويشربون من حميمها ليلهم فاذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن يقال له برهوت أشد حرا من نيران الدنيا، كان فيه (فيهما خ ل) يتلاقون ويتعارفون، فاذا كان المساء عادوا إلى النار فهم كذلك إلى يوم القيامة.

__________________

(١) أي أطعمينا الزقوم.

(٢) صهر الشيء: أذابه.

٤٠٤

٣٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ ) يقول: الحق والنبوة والكتاب والايمان في عقبه وليس كل من في الأرض من بنى آدم من ولد نوحعليه‌السلام ، قال اللهعزوجل في كتابه: «و( احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) منهم و( مَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) وقال اللهعزوجل أيضا:( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ) .

٣٧ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : وبشرهم نوح يهود وأمرهم باتباعه وان يقيموا الوصية كل عام فينظروا فيها، ويكون عيدا لهم كما أمرهم آدمعليه‌السلام ، فظهرت الجبرية من ولد حام ويافث فاستخفي ولد سام بما عندهم من العلم، وجرت على سام بعد نوح الدولة لحام ويافث وهو قول اللهعزوجل :( وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي ـ الْآخِرِينَ ) يقول: تركت على نوح دولة الجبارين، ويعز الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك قال: وولد لحام السند والهند والحبش. وولد لسام العرب والعجم، وجرت عليهم الدولة وكانوا يتوارثون الوصية عالم بعد عالم، حتى بعث اللهعزوجل هوداعليه‌السلام .

٣٨ ـ في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه: من خاف منكم العقرب فليقرأ هذه الآيات:( سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) .

٣٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا أبو العباس قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى عن النضر بن سويد عن سماعة عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال ليهنئكم الاسم، قلت: وما هو جعلت فداك قال:( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) وقولهعزوجل :( فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) فليهنئكم الاسم.

٤٠ ـ في مجمع البيان روى أبو بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ليهنئكم الاسم، قلت: وما هو؟ قال: الشيعة، قلت: إنّ الناس يعيروننا بذلك! قال: اما تسمع قول الله سبحانه:( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) وقوله:( فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ )

٤٠٥

٤١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقال علي بن إبراهيم في قولهعزوجل :( إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) قال: القلب السليم من الشك، وقد كتبنا خبره في سورة الشعراء.

قال مؤلف هذا الكتاب عفي الله عنه: لم يذكررحمه‌الله في الشعراء عند قوله( إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) سوى قوله: قال القلب السليم الذي يلقى اللهعزوجل وليس فيه أحد سواه وهو أعلم بما قال.

٤٢ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى صالح بن سعيد عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له قوله تعالى: انى سقيم فقال: ما كان إبراهيم سقيما وما كذب انما عنى سقيما في دينه مرتادا.

٤٣ ـ وقد روى أنه عنى بقوله:( إِنِّي سَقِيمٌ ) أي سأسقم وكل ميت سقيم وقد قال اللهعزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انك ميت أي ستموت.

٤٤ ـ في أصول الكافي علي بن محمد رفعه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله اللهعزوج :( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) قال: حسب فرأى ما يحل بالحسينعليه‌السلام ، فقال: إنى سقيم لما يحل بالحسينعليه‌السلام .

٤٥ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : التقية من دين الله قلت: من دين الله؟ قال: أي والله من دين الله، ولقد قال يوسف:( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) والله ما كانوا سرقوا شيئا، ولقد قال إبراهيم:( إِنِّي سَقِيمٌ ) والله ما كان سقيما.

٤٦ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن حجر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : عاب آلهتهم( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) قال أبو جعفرعليه‌السلام : والله ما كان سقيما وما كذب.

٤٧ ـ الحسين بن محمد الأشعري عن معلى بن محمد عن الوشا عن أبان بن عثمان

٤٠٦

عن أبي بصير قال: قيل لأبى جعفرعليه‌السلام وأنا عنده: ان سالم بن أبي حفصة وأصحابه يروون عنك انك تكلم على سبعين وجها لك منها المخرج؟ فقال: ما يريد سالم منى أيريد أن أجيء بالملائكة، والله ما جاءت بهذا النبيون، ولقد قال إبراهيمعليه‌السلام :( إِنِّي سَقِيمٌ ) وما كان سقيما وما كذب.

٤٨ ـ في تفسير العياشي عن محمد بن عرامة الصير في عمن أخبره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى خلق روح القدس فلم يخلق خلقا أقرب إليه منها، وليست بأكرم خلقه عليه، فاذا أراد أمرا ألقاه إليها فألقاه إلى النجوم فجرت [به].

٤٩ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى عن عبد الملك بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : انى قد ابتليت بهذا العلم فأريد الحاجة فاذا نظرت إلى الطالع ورأيت طالع الشر جلست ولم أذهب فيها، وإذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة؟ فقال لي: تقضى؟ قلت: نعم، قال: أحرق كتبك.

٥٠ ـ في كتاب جعفر بن محمد الدوريستي باسناده إلى ابن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: إذا ذكر القدر فأمسكوا، وأذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا.

٥١ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال له السائل: فما تقول في علم النجوم؟ قال: هو علم قلّت منافعه وكثرت مضاره، لأنّه لا يدفع به المقدور ولا يتقى به المحذور، إنّ خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء، وإنْ خبر هو بخير لم يستطع تعجيله، وان حدث به سوء لم يمكنه صرفه، والمنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه.

٥٢ ـ عن سعيد بن جبير قال: استقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام دهقان من دهاقين الفرس فقال له بعد التهنية: يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطالعات، وتناحست السعود بالنحوس، وإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء، ويومك هذا يوم صعب قد انقلب فيه كوكبان، وانقدح من برجك النيران، وليس الحرب لك بمكان، قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ويحك يا دهقان المنبئ بالآثار، المحذر

٤٠٧

من الأقدار، ما قصة صاحب الميزان وقصة صاحب السرطان؟ وكم المطالع من الأسد والساعات في المحركات، وكم بين السراري والذراري؟ قال: سأنظر أومى بيده إلى كمه وأخرج منه أسطرلابا ينظر فيه فتبسم صلوات الله عليه وقال: أتدري ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصين، وانفرج برج ماجين وسقط سور سرنديب، وانهزم بطريق الروم بأرمنية، وفقد ديان اليهود بابلة، وهاج النمل بوادي النمل وهلك ملك افريقية أكنت عالما بهذا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فقال: البارحة سعد سبعون ألف عالم، وولد في كل عالم سبعون ألف عالم، والليلة يموت مثلهم وهذا منهم ـ وأومى بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي لعنه الله وكان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ فظن الملعون أنه يقول خذوها فأخذ بنفسه فمات، فخر الدهقان ساجدا، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ألم أروك من عين التوفيق؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، فقال: أنا وصاحبي لا شرقيون ولا غربيون، نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك، اما قولك انقدح من برجك النيران، فكان الواجب ان تحكم به لي لا عليّ اما نوره وضياؤه فعندي، واما حريقه ولهبه فذاهب عنى، وهذه مسئلة عميقة احسبها ان كنت حاسبا.

٥٣ ـ وروى أنهعليه‌السلام لما أراد المسير إلى الخوارج قال له بعض أصحابه: ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم؟ فقالعليه‌السلام : أتزعم أنك تهدى إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر، فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه، وينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه، لأنك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن الضر، أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلّا ما يهتدى به في بر أو بحر، فانها تدعوا إلى الكهانة، المنجم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار، سيروا على اسم الله وعونه.

٥٤ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلّا ما يهتدى

٤٠٨

به في بر أو بحر، فانها تدعو إلى الكهانة والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار.

٥٥ ـ في الكافي علي بن محمد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن غير واحد عن علي بن أسباط إلى قوله وبهذا الاسناد عن علي بن أسباط عمن رواه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان بيني وبين رجل قسمة أرض وكان الرجل صاحب نجوم فكان يتوخى ساعة السعود فيخرج فيها وأخرج أنا في ساعة النحوس فاقتسمنا فخرج لي خير القسمين، فضرب الرجل يده اليمنى على اليسرى ثم قال: ما رأيت كاليوم قط، قلت: ويل الاخر ما ذاك؟ قال: إنّي صاحب نجوم أخرجتك في ساعة النحوس وخرجت أنا في ساعة السعود، ثم قسمنا فخرج لك خير القسمين؟ فقلت: ألآ أحدّثك بحديث حدّثني به أبي قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن يدفع عنه نحس يومه فليفتتح يومه بصدقة يذهب الله بها عنه نحس يومه ومن أحبّ أن يذهب الله عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة تدفع عنه نحس ليلته، فقلت: وإنّى افتتحت خروجي بصدقة فهذا خير لك من علم النجوم.

٥٦ ـ في روضة الكافي أحمد بن محمد وعلي بن محمد جميعا عن علي بن الحسن التيمي عن محمد بن الخطاب الواسطي عن يونس بن عبد الرحمان عن أحمد بن عمر الحلبي عن حماد الأزدي عن هشام الخفاف قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : كيف بصرك بالنجوم؟ قال: قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم منى فقال: كيف دوران الفلك عندكم؟ قال: فأخذت قلنسوتي عن رأسى فأدرتها قال: فقال: فان كان الأمر على ما تقول فيما بال بنات نعش والجدي والفرقدين لا يرون يدورون يوما من الدهر في القبلة؟ قال: قلت: والله هذا شيء لا أعرفه ولا سمعته أحدا من أهل الحساب يذكره، فقال لي: كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوئها؟ قال: قلت: هذا والله نجم ما سمعت به ولا سمعت أحدا من الناس يذكره، فقال: سبحان الله فأسقطتم نجما بأسره فعلى ما تحسبون؟ ثمّ قال: فكم الزهرة من القمر جزءا في ضوءه؟ قال: فقلت: هذا شيء لا يعلمه إلّا اللهعزوجل ، قال: فكم القمر جزءا من الشمس في ضوئها؟ قال: قلت: ما أعرف هذا، قال: صدقت، ثمّ قال: ما بال العسكرين

٤٠٩

يلتقيان في هذا حاسب وفي هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ثمّ يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر، فأين كانت النحوس؟(١) قال: فقلت: لا والله ما أعلم ذلك قال: فقال: صدقت إنّ أصل الحساب حقّ ولكن لا يعلم ذلك إلّا من علم مواليد الخلق كلهم.

٥٧ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن ابن فضال عن الحسن بن أسباط عن عبد الله بن سيابة قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت لك الفداء الناس يقولون: إنّ النجوم لا يحل النظر فيها وهي تعجبني؟ فان كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضر بديني، وان كانت لا تضر بديني فو الله انى لأشتهيها وقد أشتهى النظر فيها؟ فقال: ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ثم قال: انكم تنظرون في شيء منها كثيره لا يدرك وقليله لا ينتفع به، تحسبون على طالع القمر ثم قال: أتدري كم بين المشترى والزهرة من دقيقة؟ قلت: لا والله، قال: أفتدري كم بين الزهرة وبين القمر من دقيقة؟ قلت: لا قال: أفتدري كم بين الشمس وبين السنبلة من دقيقة؟ قلت: لا والله ما سمعته من المنجمين قط، قال: قال: أفتدري كم بين السكينة(٢) وبين اللوح المحفوظ من دقيقة؟ قلت: لا والله ما سمعته من منجم قط قال: ما بين كل واحد منها(٣) إلى صاحبه ستون أو تسعون دقيقة شك عبد الرحمان ثم قال: يا عبد الرحمان هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه عرف عدد القصبة التي وسط الاجمة، وعدد ما عن يمينها وعدد ما عن يسارها وعدد ما خلفها وعدد ما امامها حتى لا يخفي عليه من قصب الاجمة واحدة.

٥٨ ـ محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب وعدة من أصحابنا عن سهل بن زياد

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر لكن في بعض النسخ «فأين كانت النجوم.» ثم إنّ المجلسي (ره) قال: هذا بيان لخطأ المنجمين فان كل منجم يحكم لمن يريد ظفره بالظفر، ويزعم ان السعد الذي رآه يتعلق به وهذا العدم احاطتهم بارتباط النجوم بالاشخاص.

(٢) وفي بعض النسخ «السنبلة» بدل «السكينة» لكن المختار هو الأنسب بقوله «ما سمعته من منعجم قط» كما قال المجلسي (ره)

(٣) وفي بعض النسخ كما في المصدر «منهما» فيرجع على الأخيرتين فقط.

٤١٠

جميعا عن علي بن حسان عن علي بن عطية الزيات عن معلى بن خنيس قال: سألت أبا ـ عبد اللهعليه‌السلام عن النجوم أهى حق؟ فقال: نعم، إنّ اللهعزوجل بعث المشترى إلى الأرض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلمه النجوم حتى ظن أنه قد بلغ ثم قال له انظر اين المشترى؟ فقال: ما أراه في الفلك وما أدرى أين هو، قال: فنحاه فأخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ، وقال: انظر المشترى أين هو؟ فقال: اين حسابي ليدل على انك أنت المشترى فقال: فشهق شهقة فمات وورث علمه أهله فالعلم هناك.

٥٩ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عمن أخبره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سئل عن النجوم؟ فقال: ما يعلمها إلّا أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند.

٦٠ ـ في كتاب الاهليلجة المنقول عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في الرد على من كان منكرا للصانع جل جلاله زعما منه أنّ الأشياء كلها تدرك بالحواس الخمس ولو كان موجودا لأدرك بها قالعليه‌السلام .

قلت: أخبرنى هل يعلم أهل بلادك علم النجوم؟ قال: انك لغافل من علم أهل بلادي بالنجوم، فليس أحد أعلم بذلك منهم، قال: قلت: أخبرنى كيف وقع علمهم بالنجوم وهي مما لا يدرك بالحواس ولا بالفكر؟ قال: حساب وضعه الحكماء وتوارثته الناس فاذا سألت العالم عن شيء قاس الشمس ونظر في حالها وحال القمر وما الطالع من النحوس في البروج وما الباطن من السعود منها فيحسب فلا يخطى بالمولود، فيخبر بكل علامة فيه بغير معاينة، قلت: وكيف دخل الحساب في مواليد الناس؟ قال: لان جميع الناس انما يولدون بهذه النجوم فمن ثم لا يخطئ الحساب، إذا علمت الساعة واليوم والشهر والسنة التي يولد فيها المولود، قلت: [لقد توصف علما عجيبا ليس في علم الدنيا أدقّ منه ولا أعظم إنْ كان حقّا كما ذكرت يعرف به المولود الصبى وما فيه من العلامات ومنتهى أجله وما يصيبه في حياته، أو ليس هذا حسابا تولد به جميع أهل الدنيا من كان من الناس؟ قال: لا شكّ فيه قلت :](١) فتعال ننظر بعقولنا

__________________

(١) ما بين المعقفتين انما هو في نسخة البحار دون النسخ الموجودة عندي من الكتاب.

٤١١

هل يستقيم أنْ يكون يعلم الناس(١) هذا من بعض الناس إذا كان الناس يولدون بهذه النجوم، وإنْ قلت: إنّ الحكماء من الناس هم الذين وضعوا هذا الحساب وعلم مجاري هذه النجوم وعرفت نحوسها من سعودها ودنوها من بعدها وبطيئها من سريعها ومواقعها من السماء ومواضعها من تحت الأرض، فانّ منها ستة طالعة في السماء وستة باطنة تحت الأرض، وكذلك النجوم السبعة تجري على حساب تلك النجوم، وما يقبل القلب ولا يدل العقل أنّ مخلوقا من الأرض قدر على الشمس حتى يعلم في أيّ البروج هي، وأيّ بروج القمر وأيّ بروج هذه النحوس والسعود، ومتى الطالع ومتى الباطن، وهي معلقة في السماء وهي تحت الأرض، ولا يراها إذا توارت بضوء الشمس إلّا أنْ يزعم أنّ هذا الحكيم رقى إلى السماء حتى علم هذا.

ثمّ قلت: وهبه رقى إلى السماء هل له بدٌّ من أن يخرج(٢) مع كل برج من البروج ونجم من هذه النجوم من حيث يغرب إلى حيث يطلع ثمّ يعود إلى الاخر يفعل ذلك كلها، ومنها ما يقطع السماء في ثلاثين سنة ومنها ما يقطعها في أقل من ذلك، وهل كان له بد أن يجول في أقطارها حتى يعرف مطالع السعود والنحوس منها وتيقنه، وهبه قدر على ذلك حتى فرغ منه كيف كان يستقيم له ما في السماء حتى يحكم حساب ما في الأرض وتيقنه ويعرفه ويعاينه كما قد عاينه في السماء، فقد علمت أنّ مجاريها تحت الأرض على حساب مجاريها في السماء وأنه لا يعرف حسابها ودقايقها إلّا بمعرفة ما غاب منها، لأنه ينبغي أن يعرف أيّ ساعة من الليل يطلع طالعها، وأيّ ساعة من الليل يغيب غائبها، وأنه لا يصلح للمتعلم أنْ يكون واحدا حتى يصح الحساب وكيف يمكنه ذلك وهي تحت الأرض وهو على ظهرها، لا يرى ما تحتها إلّا أنْ يزعم أنّ ذلك الحكيم دخل في ظلمات الأرضين والبحر فسار مع النجوم والشمس والقمر في مجاريها على حساب ما سار في السماء، حتى عاين ما تحت الأرض منها كما عاين منها ما في السماء.

قال: وهل قلت لك: أنّ أحدا رقى إلى السماء وقدر على ذلك حتى أقول أنه

__________________

(١) وفي البحار «وهل يستقيم ان يكون لبعض الناس إذا كان اه».

(٢) وفي البحار «يجرى» بدل «يخرج».

٤١٢

دخل الأرض والظلمات وحتى نظر النجوم ومجاريها؟ قلت: فكيف وقع هذا العلم الذي زعمت أنّ الحكماء من الناس وضعوه، وانّ الناس كلهم مولدون به؟ وكيف عرفوا ذلك الحساب وهو أقدم منهم؟ قال: ما أجده يستقيم أنْ أقول إنّ أحدا من الناس يعلم علم هذه النجوم المعلقة في السماء بتعليم أحد من الناس، قلت: لا بد لك أنْ تقول: انما علمه حكيم عليم بأمر السماء والأرض ومدبرها قال: إنْ قلت هذا فقد أقررت بإلهك الذي تزعم، غير أنى أعلم أنه لا بد لهذا الحساب من معلم وإنْ قلت: إنّ أحدا من أهل الأرض علم ذلك من غير معلم من أهل الأرض لقد أبطلت، إلّا أنّ علم الأرض لا يكون عندنا إلّا بالحواس ولا يقع علم الحواس في علم النجوم وهي معلقة تغيب مرة وتطلع أخرى، تجري تحت الأرض كما تجري في السماء وما زادت الحواس على أكثر من النظر إلى طالعها إذا طلع وإلى غائبها إذا غاب: فأمّا حسابها ودقايقها وسعودها ونحوسها وسريعها وبطيئها فلا يقدر عليه الحواس، قلت: فأخبرنى لو كنت متعلما مستوصفا لهذا الحساب من أهل الأرض أحب إليك أن تستوصفه وتتعلمه أم من أهل السماء، قال: من أهل السماء إذا كانت النجوم معلقة فيها، حيث لا يعلمها أهل الأرض قلت: فافهم ألطف النظر ولا يغلبنك الهوى أليس تعلم أنه إذا كان أهل الدنيا يولدون بهذه النجوم، أنَّ النجوم قبل الناس، فاذا أقررت بذلك انكسر عليك أن تعلم علمها من عالم منهم إذا كان العالم وهم انما ولدوا بها بعدها، وانها قبلهم خلقت؟ قال: بلى، قلت: وكذلك الأرض كانت قبلهم أيضا؟ قال: نعم، قلت: لأنه لو لم يكن الأرض خلقت لما استقام أنْ يكون الناس ولا غيرهم من الخلق عليها إلّا أنْ يكون لها أجنحة، إذ لم يكن لها مستقر تأوى إليه ولا ملسعة ترجع إليها، وكذلك الفلك قبل النجوم والشمس والقمر لأنه لولا الفلك لم تدر البروج ولم تستقل مرة وتهبط أخرى.

قال: نعم هو كما قلت فقد أقررت بانّ خالق النجوم التي يتولد الناس بها هو خالق السماء والأرض، لأنه لو لم يكن سماء ولا ارض لم يكن دوران الفلك، إذ ليس(١) ينبغي لك أنْ يدلك عقلك على أنّ الذي خلق السماء هو الذي خلق الأرض والفلك والدوران

__________________

(١) كذا في النسخ ولعله سقط من الموضع شيء وكأن الصحيح «قلت: أفليس ينبغي لك اه».

٤١٣

والشمس والقمر والنجوم؟ قال: أشهد أنّ الخالق واحد، ولكن لست أدرى كيف سقطوا على هذا الحساب حتى عرفوه وعلى هذا الدور والصواب ولو أعرف من الحساب ما عرفت لأخبرت بالجهل، وكان أهون عليّ غير أنى أريد أن تزيدني شرحا.

قلت: أنبئك من قبل إهليلجتك هذه التي في يدك وما تدعى من الطب الذي هو صناعتك وصناعة آبائك إلى قولهعليه‌السلام قال: فأنا أشهد أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وانه خالق السمايم القاتلة والهوام العادية وجميع النبت والأشجار ووارثها ومنبتها وبارئ الأجساد وسائق الرياح ومسخر السحاب، وأنه خالق الأدواء التي يهيج بالإنسان كالسمائم القاتلة التي تجري في أعضائه وعظامه مستقر الأدواء، وما يصلحها من الدواء العارف بتسكين الروح ومجرى الدم وأقسامه في العروق واتصاله بالعصب والأعضاء والعقب والجسد، وانه عارف بما يصلح من الحر والبرد عالم بكل عضو وما فيه، وانه هو الذي وضع هذا النجوم وحسابها والعالم بها، والدال على نحوستها وسعودها، وما يكون من المواليد، وأنّ التدبير واحد لم يختلف متصل فيما بين السماء والأرض وما فيهما(١) .

٦١ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد عن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن حجر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خالف إبراهيمعليه‌السلام قومه وعاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمهم، فقال إبراهيم:( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) وقال أبو جعفرعليه‌السلام : عاب آلهتهم( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) قال أبو جعفرعليه‌السلام والله ما كان سقيما وما كذب فلما تولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم دخل إبراهيمعليه‌السلام إلى آلهتهم بقدوم

__________________

(١) أقول: بين ما ذكره المؤلف (ره) عنا من حديث الاهليلجة وبين ما هو مذكور في كتاب بحار الأنوار اختلاف كثير في الألفاظ والعبائر وكذا في التقديم والتأخير، وذكر المجلسي (ره) بعض ما يتعلق بها فراجع ان شئت. ج ٣ ص ١٧١ ـ ١٨٠ من الطبعة الحديثة.

٤١٤

فكسرها إلّا كبيرا لهم ووضع القدوم(١) في عنقه فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها فقالوا: لا والله ما اجترى عليها ولا كسرها إلّا الفتى الذي كان يعيبها ويبرأ منها فلم يجدوا له قتلة أعظم من النار فجمع له الحطب واستجادوه حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه برز له نمرود وجنوده وقد بنى له بناء لينظر إليه كيف تأخذه النار، ووضع إبراهيمعليه‌السلام في منجنيق وقالت الأرض: يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره يحرق بالنار؟ قال الرب: ان دعاني كفيته فذكر أبان عن محمد بن مروان عمن رواه عن أبي جعفرعليه‌السلام ان دعاء إبراهيم يومئذ كان: يا أحد يا أحد يا صمد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم قال: توكلت على الله، فقال الرب تبارك وتعالى: كفيت فقال للنار:( كُونِي بَرْداً ) قال: فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتى قال اللهعزوجل ( وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) وانحط جبرئيلعليه‌السلام فاذا هو يجالس مع إبراهيمعليه‌السلام يحدثه في النار قال نمرود: من اتخذ إلها فليتخذ مثل اله إبراهيم، قال: فقال عظيم من عظمائهم: انى عزمت على النار ان لا تحرقه، فأخذ عنق من النار نحوه حتى أحرقه، قال: فآمن من له لوط، فخرج مهاجرا إلى الشام هو وسارة ولوط.

٦٢ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ آزر أبا إبراهيم صلى الله عليه(٢) كان منجما لنمرود، وذكرعليه‌السلام حديثا طويلا يذكر فيه ولادة إبراهيمعليه‌السلام ، و

__________________

(١) القدوم: آلة للنحت والنجر.

(٢) أقول: الاخبار الدالة على إسلام آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق الشيعة مستفيضة بل متواترة، وكذا في خصوص والد إبراهيم قد وردت بعض الاخبار وقال الزجاج كما في مجمع البيان انه لا خلاف بين النسابين ان اسم والد إبراهيمعليه‌السلام تارخ وقال الشيخ الطبرسي (ره) بعد نقل كلامه: وهذا الذي قاله الزجاج يقوى ما قاله أصحابنا ان آزر كان جد إبراهيم لامه أو كان عمه من حيث صح عندهم ان آباء النبي صلوات الله عليهم إلى آدم كلهم كانوا موحدين وأجمعت الطائفة على ذلك «انتهى» فالأخبار الدالة على انه كان أباه حقيقة محمولة على التقية كما قاله المجلسي (ره) وغيره.

٤١٥

فيه يقولعليه‌السلام : فبينما اخوته يعملون يوما من الأيام الأصنام إذ أخذ إبراهيم القدوم وأخذ خشبة فنجر منها صنما لم يروا قط مثله، فقال آزر لامه: انى لأرجو أن نصيب خيرا ببركة ابنك هذا، قال: فبينما هم كذلك إذا أخذ إبراهيمعليه‌السلام القدوم فكسر الصنم الذي عمله، ففزع أبوه من ذلك فزعا شديدا فقال له أي شيء عملت فقال له إبراهيمعليه‌السلام : وما تصنعون به؟ فقال آزر: نعبده، فقال له إبراهيمعليه‌السلام : أتعبدون ما تنحتون فقال آزر: هذا الذي يكون ذهاب ملكنا على يديه.

٦٣ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه وعدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن الحسن ابن محبوب عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ إبراهيم كان مولده بكوثى ربا(١) وكان أبوه من أهلها وكانت أمه وأم لوط(٢) صلى الله عليهما سارة وورقة ـ وفي نسخة رقيقة ـ أختين وهما ابنتان للاحج وكان اللاحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا، وكان إبراهيمصلى‌الله‌عليه‌وآله في شبيبته(٣) على الفطرة التي فطر اللهعزوجل الخلق عليها حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه، وانه تزوج سارة ابنة لاحج(٤) وهي ابنة خالته، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة، وكانت قد ملكت إبراهيمعليه‌السلام جميع ما كانت تملكه، فقام فيه وأصلحه و

__________________

(١) قال الجزري: كوثى: سرة السواد وبهاد ولد إبراهيمعليه‌السلام وقال الفيروزآبادي :كوثى ـ كطوبى ـ: موضع بالعراق. وقال الحموي كوثى بالعراق موضعان: كوثى الطريق وكوثى ربا وبها مشهد إبراهيم الخليل عليه‌السلام وهما قريتان وبينهما تلول من رماد يقال انها رماد النار التي أو قدها نمرود لاحراقه.

(٢) قال في حاشية الكافي: كذا في أكثر النسخ وفي بعض النسخ «امرأة إبراهيم وامرأة لوط» وهو الصواب وفي كامل التواريخ ان لوطا كان ابن أخى إبراهيمعليه‌السلام .

(٣) أي في حداثته.

(٤) قال المجلسي (ره): الظاهر انه كان ابنة ابنة لا حج فتوهم النساخ التكرار فأسقطوا إحداهما وعلى ما في النسخ المراد ابنة الابنة مجازا «انتهى» ثم إنّ سارة ولا حج هنا غير المتقدمين وانما الاشتراك في الاسم واما على نسخة «الامرأة» فلا يحتاج إلى التكلف.

٤١٦

كثرت الماشية والزرع حتى لم يكن بأرض كوثى ربا رجل أحسن حالا منه، وان إبراهيمعليه‌السلام لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق وعمل له حيرا و(١) جمع له فيه الحطب وألهب فيه النار، ثم قذف إبراهيمعليه‌السلام في النار لتحرقه ثم اعتزلوها حتى خمدت النار، ثم أشرفوا على الحير فاذا هم بإبراهيمعليه‌السلام سليما مطلقا من وثاقه فأخبر نمرود خبره فأمرهم ان ينفوا إبراهيم من بلاده وان يمنعوه من الخروج بماشيته وماله فحاجهم إبراهيمعليه‌السلام عند ذلك فقال ان أخذتم ماشيتي ومالي فان حقي عليكم ان تردوا على ما ذهب من عمرى في بلادكم، واختصموا إلى قاضى نمرود فقضى على إبراهيم ان يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم وقضى على أصحاب نمرود ان يردوا إلى إبراهيمعليه‌السلام ما ذهب من عمره في بلادهم. فأخبر ذلك نمرود فأمرهم ان يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله وأن يخرجوه، وقال: انه ان بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم فأخرجوا إبراهيم ولوطا معهعليهما‌السلام من بلادهم إلى الشام، فخرج إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة وقال لهم:( إِنِّي ذاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) يعنى بيت المقدس فتحمل إبراهيمعليه‌السلام بماشيته وماله وعمل تابوتا وجعل فيه سارة وشد عليها الاغلاق غيرة منه عليها، ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط يقال له عرارة فمر بعاشر(٢) له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه، فلما انتهى إلى العاشر ومعه التابوت قال العاشر لإبراهيم: افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه، فقال له إبراهيم قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطى عشرة ولا تفتحه، قال: فأبى العاشر إلّا فتحه قال: وغضب إبراهيم على فتحه، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال قال له العاشر: ما هذه المرأة منك؟ قال إبراهيم: هي حرمتي وابنة خالتي فقال له العاشر فما دعاك إلى أنْ خبيتها في هذا التابوت؟ فقال إبراهيمعليه‌السلام : الغيرة عليها ان يراها أحد، فقال له العاشر: لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك، قال: فبعث رسولا إلى الملك فأعلمه، فبعث الملك رسولا من قبله

__________________

(١) الحير: شبه الحظيرة.

(٢) أي ملتزم أخذ العشر.

٤١٧

ليأتوه بالتابوت، فأتوا ليذهبوا به فقال لهم إبراهيمعليه‌السلام : انى لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي، فأخبروا الملك بذلك فأرسلوا الملك ان احملوه والتابوت معه، فحملوا إبراهيم والتابوت وجميع ما كان معه حتى أدخل على الملك، فقال له الملك: افتح التابوت فقال له إبراهيم: أيها الملك إنّ فيه حرمتي وبنت خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع ما معى، قال: فغضب الملك إبراهيم على فتحه فما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه ان مد يده إليها، فأعرض إبراهيمعليه‌السلام بوجهه عنها وعن الملك غيرة منه وقال: أللّهمّ احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي فلم تصل يده إليها ولم ترجع اليه، فقال له الملك: إنّ إلهلك هو الذي فعل بي هذا؟ فقال له: نعم إنّ إلهى غيور يكره الحرام، وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام، فقال له الملك: فادع إلهك يرد عليَّ يدي فان أجابك فلم أعرض لها، فقال إبراهيمعليه‌السلام : إليه رد عليه يده ليكف عن حرمتي قال فرد اللهعزوجل عليه يده، فأقبل الملك نحوها ببصره ثم عاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم عنه بوجهه غيرة منه وقال: أللّهمّ احبس يده عنها، قال: فيبست يده ولم تصل إليها فقال الملك لإبراهيم: إنّ إلهك لغيور و إنّك لغيور: فادع إلهك يرد عليَّ يدي فانه ان فعل لم أعد، فقال له إبراهيمعليه‌السلام : أسأله ذلك على أنك ان عدت لم تسألنى أن أسأله؟ فقال له الملك: نعم، فقال إبراهيم: أللّهمّ ان كان صادقا فرد عليه يده، فرجعت إليه يده فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ورأى الآية في يده عظم إبراهيمعليه‌السلام وهابه وأكرمه واتقاه، وقال له: قد أمنت من أن أعرض لها أو لشيء مما معك فانطلق حيث شئت ولكن لك إليك حاجة، فقال له إبراهيمعليه‌السلام : ما هي؟ فقال له: أحب أن تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما، قال: فأذن له إبراهيم فدعا بها فوهبها لسارة وهي هاجر أم اسمعيلعليه‌السلام ، فسار إبراهيمعليه‌السلام بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشى خلف إبراهيم إعظاما لإبراهيم وهيبة له.

فأوحى اللهعزوجل إلى إبراهيم: أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشى هو خلفك، ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه فانه مسلط ولا بد من إمرة في الأرض برة أو فاجرة، فوقف إبراهيمعليه‌السلام وقال للملك: امض فان الهى أوحى إلى

٤١٨

الساعة أن أعظمك وأهابك وان أقدمك امامى وأمشى خلفك إجلالا لك، فقال له الملك أوحى إليك بهذا؟ فقال له إبراهيم: نعم، قال له الملك: أشهد أنَّ إلهك لرفيق حليم كريم وانك ترغبني في دينك، وودعه الملك فسار إبراهيم حتى نزل بأعلى الشامات وخلفك لوطا في ادنى الشامات ثم إنّ إبراهيمعليه‌السلام لما أبطى عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتيني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا، فابتاع إبراهيمعليه‌السلام هاجر من سارة فولدت اسمعيلعليه‌السلام .

٦٤ ـ في كتاب التوحيد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: وقد أعلمتك أنْ ربَّ شيء من كتاب اللهعزوجل تأويله غير تنزيله، ولا يشبه كلام البشر وسأنبئك بطرف منه فتكتفي إنشاء الله، من ذلك قول إبراهيمعليه‌السلام :( إِنِّي ذاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) فذهابه إلى ربه بوجهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى اللهعزوجل ، ألآ ترى أنّ تأويله غير تنزيله؟.

٦٥ ـ في مجمع البيان وروى العياشي باسناده عن يزيد بن معاوية العجلي قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : كم كان بين بشارة إبراهيم بإسماعيلعليه‌السلام وبين بشارته بإسحاق؟ قال: كان بين البشارتين خمس سنين(١) قال الله سبحانه:( فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ) يعنى إسمعيل وهي أول بشارة بشر الله بها إبراهيم في الولد، الحديث وستقف عليه بتمامه إنشاء الله.

٦٦ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى محمد بن القاسم وغيره عن أبي ـ عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ سارة قالت لإبراهيم يا إبراهيم قد كبرت فلو دعوت الله أن يرزقك ولدا تقر عيننا به فان الله قد اتخذك خليلا وهو مجيب لدعوتك ان شاء؟ قال: فسئل إبراهيم ربه أن يرزقه غلاما عليما، فأوحى اللهعزوجل اليه: انى واهب لك غلاما حليما ثمّ أبلوك بالطاعة لي، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ثم جاءته البشرى من اللهعزوجل ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٧ ـ في عيون الأخبار حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال: أخبرنا أحمد بن

__________________

(١) كذا في الأصل ويوافقه المصدر أيضا لكن في نسخة «خمسون» بدل «خمس».

٤١٩

محمد بن سعيد الكوفي قال: حدّثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام عن معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : انا ابن الذبيحين؟ قال: يعنى إسماعيل بن إبراهيم الخليلعليهما‌السلام وعبد الله بن عبد المطلب، أمّا إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشّر الله تعالى به إبراهيمعليه‌السلام فلمّا بلغ معه السعي وهو لـمّا عمل مثل عمله( قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ ) ولم يقل يا أبت افعل ما رأيت ستجدني إنشاء الله من الصابرين الحديث وستقف على تمامه إنشاء الله تعالى.

٦٨ ـ وفيه في باب ذكر ما كتب به الرضاعليه‌السلام إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل والعلة التي من أجلها سميت منى منى أنّ جبرئيلعليه‌السلام قال هناك لإبراهيمعليه‌السلام : تمن على ربك ما شئت، فتمنى إبراهيمعليه‌السلام في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له، فأعطى مناه.

٦٩ ـ في كتاب الخصال عن الحسن بن عليعليه‌السلام قال: كان علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فسأله عن مسائل، فكان فيما سأله أخبرنى عن ستة لم يركضوا في رحم، فقال: آدم وحواه وكبش اسمعيل الحديث.

٧٠ ـ وفيه عن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام حديث طويل مع ملك الروم وفيه أن ملك الروم سأله عن سبعة أشياء خلقها اللهعزوجل لم تخرج من رحم فقال: آدم وحوا وكبش إسماعيل وناقة صالح وحية الجنة والغراب الذي بعثه اللهعزوجل يبحث في ـ الأرض وإبليس لعنه الله.

٧١ ـ في كتاب التوحيد وقد روى من طريق أبي الحسين الأسدي (ره) في ذلك شيء غريب، وو هو أنه روى ان الصادقعليه‌السلام قال: ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل إذ أمر أباه بذبحه ثم فداه بذبح عظيم.

٧٢ ـ وباسناده إلى فتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسنعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : يا فتح إنّ لله إرادتين ومشيتين، ارادة حتم، وارادة عزم، ينهى وهو يشاء ذلك ويأمر وهو لا يشاء، أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471