حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسين عليه السلام4%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 304168 / تحميل: 5827
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
العربية

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

تقديم

(١)

وصنع الامام الحسين (ع) يوم الطف الكرامة الانسانية التي يسمو بها كل انسان. وحسبه أنه وحده في تأريخ هذه الدنيا قد قدم أنبل التضحيات في سبيل ما يرتئيه ضميره من اشاعة الحق والعدل بين الناس.

لقد كانت صور الفداء التي بذلها الامام لاقامة الحياة الكريمة في الاسلام مذهلة ومدهشة فقد اهتز من هولها الضمير العالمي ، وتركت أثرا عميقا للحزن في دخائل القلوب ، وأثرت حتى في نفوس أقل الناس احساسا.

والشيء المهم الذي تميزت به قضية الحسين هو الصمود الرائع أمام الأحداث المفزعة فقد تسلح الامام بصبر لا حد لابعاده ، فكان فيما يقول المؤرخون يستقبل المحن الشاقة التي تواكبت عليه بالرضا والتسليم لأمر اللّه من دون أن تبدو عليه أي بادرة من بوادر الضعف والانهيار ، فكان كلما رزىء بكارثة تعصف بالصبر تنفرج شفتاه بكلمة الايمان العميق الذي صار من ابرز ذاتياته قائلا :

«هوّن ما نزل بى أنه بعين اللّه ..»

لقد كان هذا الايمان هو سر الاعجاز وسر الخلود في قضية الحسين وستبقى بمثلها مدرسة للاجيال تضيء لها الطريق ، وتوفر لها العطاء وهي ندية تنفجر بينابيع الخير والاصلاح حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها

لقد كان يوم الطف ـ حقا ـ مسرحا للقيم الكريمة التي تميزت بالوفاء والاخلاص ونكران الذات ، وهو ليس مما يخص المسلمين أو طائفة منهم وانما هو لجميع أمم العالم وشعوب الأرض يمدها بالالهام والوعي ،

٥

والتحرر من ربقة العبودية والاستغلال.

لقد انتصرت رسالة الحسين ، وعاد مع أصحابه في عرف المجتمع الانساني الرواد الأوائل للحق والعدل بين الناس ، وليس هناك أسمى من هذا الانتصار ولا أروع منه.

(٢)

ولم ينته يوم الطف باشجانه واحزانه حتى أقبل الناس بلهفة على التعرف على شئون هذه الحادثة التي سجلت فخرا للاسلام وعزا للمسلمين وقد عنى بها العلماء والكتاب من مختلف الطوائف ، واحتلت الصدارة في الأحداث العالمية التي غيرت مجرى التأريخ ، وقد حفل بها القدامى بصورة موضوعية فدونوا جميع شئونها ودقائقها ، وكان من بينهم المؤرخ الاسلامي الكبير أبو مخنف لوط بن يحيى بن مخنف بن سليمان الأزدي(١) فقد الف كتابا باسم (مقتل الحسين) وإليه يستند الطبري فيما اثبته في تأريخه من أحداث كربلا الا أن النسخة المطبوعة المنسوبة له لم تتفق مع روايات

__________________

(١) ابو مخنف راوية عالم بالسير والأخبار امامي من أهل الكوفة وإليه يرجع الفضل في تدوين اكثر الأحداث التي جرت في عصره ، واثنى عليه المستشرقون يقول موسين : «لو أن أبا مخنف لم يكتب لخسر التأريخ خسارة كبيرة» ويقول فلهوزن : «والطبري قد حفظ لنا قطعا كبيرة جدا من روايات أبى مخنف الرواية المحقق فحفظ لنا بذلك أقدم وأحسن ما كتبه ناثر عربي نعرفه» ويقول المستشرق «پل» في دائرة المعارف الاسلامية البريطانية ١ / ٣٩٩ صنف أبو مخنف ٣٢ رسالة في التأريخ عن حوادث مختلفة وقعت في ابان القرن الأول للهجرة وقد حفظ لنا الطبري معظها» توجد ترجمته مفصلة في معجم الأدباء ١٧ / ٤١ ، تاج العروس ٦ / ١٠٥ ، فوات الوفيات ٢ / ٢٨٨ ، النجاشي (ص ٢٢٤) فهرست الطوسي (ص ١٢٩) الذريعة ١ / ٣٤٨ ، الاعلام ١ / ٣٤٨.

٦

الطبرى التي نقلها عنه ، واكبر الظن ان هذا الكتاب إلى غيره ممن الف في مقتل الحسين ونسب إليه.

وممن الف في مقتل الحسين نصر بن مزاحم بن سبار التميمي الكوفي(١) ولا وجود لهذا الكتاب في المكتبات التي راجعناها ، والف الواقدي ، ومحمد بن زكريا وجابر بن يزيد وغيرهم من أعلام تلك العصور مما يربو على ستين مؤلفا كلها بعنوان «مقتل الحسين»(٢) الا انا لم نعثر على واحد منها بالرغم من شدة التتبع والفحص في المكتبات ، ولعل بعضها توجد في المكتبات في الخارج الحافلة بكثير من المخطوطات العربية.

(٣)

وبهذا الجزء تنتهي دراستنا عن حياة الامام الحسين (ع) وقد عانيت جاهدا شاقا وعسيرا في مراجعة المخطوطات العربية والافلام المصورة التي جلبت من الخارج ، وقد حفلت بها مكتبة الامام أمير المؤمنين ومكتبة الامام الحكيم ، ومكتبة الامام كاشف الغطاء ، ويجد القارئ في هامش

__________________

(١) نصر بن مزاحم من مؤرخي الشيعة القدامى من كتبه «الجمل» و «أخبار المختار الثقفي» و «وقعة صفين» و «النهروان» وغيرها وقد اتهمه بعض المترجمين له أنه من غلاة الشيعة ، وقالوا : «انه كان زائغا عن الحق مائلا» ذكر ذلك الخطيب البغدادي في تأريخه ١٣ / ٢٨٣ وقال ابن أبي الحديد فيه : «هو ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى» توجد ترجمته في ميزان الاعتدال ٣ / ٢٣٢ ، لسان الميزان ٦ / ١٥٧ ، الذريعة ١ / ١٤٧ ، الاعلام ٨ / ٣٥٠ ، روضات الجنات.

(٢) فهرست ابن النديم ، وفهرست الطوسي والنجاشي.

٧

الكتاب اسماء تلك الكتاب التي راجعتها ومع هذا التتبع المرهق لا ادعي أني الممت بالموضوع أو احطت به فاني ـ فيما اعتقد ـ لم اعط في دراستي عن الامام الحسين (ع) الا اضواء خافتة عن شخصيته الكريمة التي هي أثرى شخصية عرفها التأريخ في معطياتها الفكرية والاجتماعية للناس ، فان الالمام بها أو ما يقرب من ذلك يحتاج إلى المزيد من المراجعات في المخطوطات العربية الموجودة في الخارج.

وعلى أي حال فان هذا الكتاب ما هو إلا صفحة من حياة الامام الحسين ، ومثل موجز عن حياته الطيبة التي يعتز بها كل انسان.

وقبل أن انهي هذا التقديم اكرر شكري الجزيل إلى سيادة المحسن الكبير الحاج رشاد عجينة على ما أبداه من الاحسان لي في تأليف هذا الكتاب والانفاق على طبعه من مبرات والده المغفور له الحاج محمد جواد عجينة سائلا من اللّه تعالى أن يثيبه على ذلك أجزل الثواب ، كما أن من الحق علي أن اذكر بالخير ما أسداه علي من الطاف سماحة الحجة العلامة أخي الشيخ هادي القرشي من مراجعات كثير من المصادر التي تخص الموضوع ، وملاحظاته القيامة في كثير من البحوث ، واللّه هو الذي يتولى جزاءه عن ذلك انه ولي التوفيق.

النجف الأشرف

١٦ / صفر / ١٣٩٦ هـ

باقر شريف القرشي

٨

اختيار الهجرة الى العراق

٩
١٠

واختار الامام الحسين (ع) الهجرة إلى العراق دون غيره من اقاليم العالم الاسلامي ، وهو على علم بما مني به أهل العراق من التذبذب والاضطراب في سلوكهم ، ولعل سبب اختياره له دون غيره يعود لما يلي.

أولا ـ ان العراق في ذلك العصر كان قلب الدولة الاسلامية وموطن المال والرجال ، وقد انشأت فيه الكوفة حامية الجيوش الاسلامية وقد لعبت دورا خطيرا في حركة الفتح الاسلامي ، فقد شاركت في فتح رامهرمز والسوس وتستر ونهاوند ، وكان عمر بن الخطاب يستنجد بها ، فقد كتب إلى وإليه سعد بن أبي وقاص : «ان ابعث إلى الأهواز بعثا كثيفا مع النعمان بن مقرن» وكثيرا ما تمر في أخبار الفتوح الاسلامية هذه العبارة «وأمدهم عمر بأهل الكوفة» وكان عمر يثني عليهم ويقول :

«جزى اللّه أهل الكوفة خيرا يكفون حوزتهم ، ويمدون أهل الامصار» وقال فيهم رجل من أهل الشام : «انكم كنز الاسلام ان استمدكم أهل البصرة أمددتموهم ، وان استمدكم اهل الشام امددتموهم»(١) .

ومضافا إلى ان العراق كان قاعدة حربية فانه قد اشتهر منذ القدم بتراثه «فهو قلب الأرض ، وخزانة الملك الأعظم ، وما قد خص اللّه جل وعلا به أهل الكوفة من عمل الوشي والخز ، وغير ذلك من انواع الفواكه والتمور»(٢) وكان الأمويون قد اتخذوه موردا مهما لبيت المال في دمشق(٣) وقد بلغت جباية معاوية للكوفة وسوادها خمسين الف الف درهم(٤)

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٦ / ٨٥

(٢) مختصر كتاب البلدان (ص ٥٢) للهمداني

(٣) فتوح البلدان (ص ٢٩٣)

(٤) اليعقوبي ٢ / ٢٥٨

١١

وبلغ خراج البطائح(١) خمسة آلاف الف درهم(٢) .

لقد كان العراق قلب الدولة الاسلامية النابض وقد بز سائر الامصار في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع ، وقد تهافت عليه جميع الثائرين(٣) ليتخذوه منطلقا لاهدافهم السياسية ان الكوفة كانت البلد الوحيد في الأقطار الاسلامية التي تفقه قيم الاحداث ومغزى التيارات السياسية فقد ساد فيها الوعي الاجتماعي إلى حد كبير وقد كان الكوفيون يفرضون آرائهم على حكامهم ، وإذا لم يحققوا رغباتهم سلوا في وجوههم السيوف وثاروا عليهم.

وعلى أي حال فقد اختار الامام الهجرة إلى الكوفة باعتبارها مركز القوة في العالم الاسلامي ، يقول عبد المتعال الصعيدي :

«ولم يخطئ الامام الحسين حينما ازمع على الهجرة إلى العراق لأنه المركز الصالح لقيام حكم عام يجمع أمر المسلمين ، ولهذا اختاره من قبله وقد حققت الأيام للعراق هذا الحكم فقامت به الدولة العباسية التي حكمت المسلمين نحو خمسمائة سنة»(٤) .

ثانيا ـ ان الكوفة كانت مهدا للشيعة وموطنا من مواطن العلويين وقد اعلنت اخلاصها لأهل البيت في كثير من المواقف ، فقد اندفعت جموع الثائرين تحت قيادة مالك الاشتر النخعي أحد اعلام الشيعة ، إلى

__________________

(١) البطائح : أرض واسعة تقع ما بين واسط والبصرة ، كانت قرى متصلة وارضا واسعة معجم البلدان ١ / ٦٦٦.

(٢) الخراج وصنعة الكتابة (ص ٢٤٠) لقدامة بن جعفر

(٣) العراق في ظل الحكم الأموي (ص ٩)

(٤) مجلة الغري السنة التاسعة العدد ١١ ـ ١٤ ص ١٠٨

١٢

يثرب فحاصروا عثمان واجهزوا عليه ، وقاموا بترشيح الامام للخلافة ، وقد غرست بذرة التشيع في الكوفة منذ خلافة عمر ، فقد كان من ولاتها عمار بن ياسر وعبد اللّه بن مسعود ، فأخذا يشيعان في اوساطها مآثر الامام وفضائله ، وما أثر عن النبي (ص) في حقه حتى تغدوا على حبه والولاء له ، وقد خاض الكوفيون حرب الجمل وصفين مع الامام وكانوا يقولون له : سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت فنحن حزبك وانصارك نعادي من عاداك «ونشايع من أناب إليك واطاعك»(١) وكان الامام أمير المؤمنين يثني عليهم ثناء عاطرا فيرى أنهم أنصاره وأعوانه المخلصون له يقول لهم : «يا أهل الكوفة أنتم اخواني وأنصاري وأعواني على الحق ومجيبي إلى جهاد المحلين ، بكم أضرب المدبر ، وارجو اتمام طاعة المقبل»(٢) ويقول (ع) : «الكوفة كنز الايمان ، وجمجمة الاسلام ، وسيف اللّه ورمحه يضعه حيث يشاء»(٣) .

وقد خاض العراق أعنف المعارك وأشدها ضراوة من أجل أهل البيت فانتقم من قتلتهم وأخذ بثأرهم على يد الثائر العظيم المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، لقد كان اختيار للامام للهجرة إلى الكوفة ناشئا عما عرف به أهل هذه المدينة من الولاء العميق لأهل البيت.

ثالثا ـ ان الكوفة كانت المقر الرئيسي لمعارضة الحكم الأموي ، فقد كان الكوفيون طوال فترة حكم الأمويين لم يكفوا عن معارضتهم ، ويتمنون زوال دولتهم ، ويعزو فلهوزن سبب بغض الكوفيون للأمويين إلى أن الخلافة قد انتقلت من الكوفة إلى دمشق ، وانهم ـ بعد أن كانوا

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ / ٢٣١

(٢) الامامة والسياسة ١ / ٢٣٠

(٣) مختصر البلدان لابن الفقيه (ص ١٦٣)

١٣

أصحاب الدولة ـ أصبحت مدينتهم مجرد ولاية في الدولة الجديدة وان دخلهم من خراج الأرض التي فتحوها قد فقدوه ، ولم يعد أمامهم إلا أن يقنعوا بالفتات الذي يتساقط عليهم من موائد سادتهم الأمويين ، ولكنهم ـ مع الأسف ـ لم يشعروا بهذه المرارة إلا بعد فوات الأوان ، ومن هنا لم يكن من الغريب أن يروا في حكم أهل الشام نيرا ثقيلا على رقابهم يتربصون به الفرصة الملائمة ليتخلصوا منه ، ويلقوه بعيدا عنهم».

ومما زاد في نقمة الكوفيين على الأمويين أن معاوية ولى عليهم شذاذ الآفاق كالمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه فأشاعوا فيهم الظلم والجور ، واخرجوهم من الدعة والاستقرار ، وبالغوا في حرمانهم الاقتصادي ، واتبعوا فيهم سياسة التجويع والحرمان وظلت الكوفة مركزا للمؤامرات على حكم الأمويين ، ولم يثنهم عن ذلك ما عانوه من التعذيب والقتل والبطش على أيدي الولاة.

لقد كانت هجرة الامام إلى الكوفة واختيارها مقرا للثورة باعتبارها البلد الوحيد المعادي للأمويين ، وقد وصل الحماس فيها ضد الأمويين ذروته بعد هلاك معاوية.

رابعا ـ ان الامام الحسين انما اختار الهجرة للعراق للدعوات الملحة والاصرار البالغ من الأغلبية الساحقة من أهل الكوفة للقدوم حتى في زمن معاوية ، فقد توافدت عليه كتبهم ، وهي تحثه على المسير إليهم ، وتحمله المسئولية أمام اللّه والأمة إن تأخر عن اجابتهم لا سيما بعد أن كتب إليه سفيره مسلم بن عقيل يخبره باجتماع الناس على بيعته وتطلعهم إلى قدومه ويحثه على السفر إليهم فلم ير (ع) بدا من اجابتهم يقول الدكتور محمد حلمي : «انه لم يخرج الحسين من الحجاز في اتجاه الكوفة استجابة للدعوات التي وصلته من أهلها طالبة إليه القدوم عليهم ليتزعم ثورتهم على

١٤

خلافة يزيد لم يخرج الحسين إلا بعد أن اختبر استعداد الكوفيين للقيام بهذه الثورة وذلك بارسال ممثل له ، ليتعرف على مدى هذا الاستعداد وذهب مسلم بن عقيل بن أبي طالب في هذه المهمة ، ونجح في فترة قصيرة في قيادة اثني عشر الفا في ثورة عارمة بايعت الحسين ، ونزعت بيعة يزيد ، وكتب مسلم بهذا إلى الحسين الذي قرر الخروج لقيادة الحركة بنفسه ، وبهذا لم يكن الحسين متسرعا في خروجه ، ولا مندفعا ، فقد أتته الكتاب ، وأراد أن يطمئن على مدى جديتها ، فاطمأن بخروج هؤلاء الآلاف في الفترة القصيرة التي نشط فيها ممثله»(١) .

خامسا ـ ان الامام الحسين لو نزح إلى قطر آخر غير الكوفة فان الجيش الأموي لا بد أن يلاحقه ، ولا بد أن يستشهد فيتجه له اللوم والتقريع ويقال له : لما ذا لم تتجه إلى العراق البلد الذي يضم أنصارك وشيعتك ، وقد بعث إليك أهله آلاف الرسائل تحثك على القدوم إليهم ، فما ذا يكون حينئذ جوابه لو سار إلى قطر آخر ولاحقته جيوش الأمويين؟

هذه بعض الأسباب التي حفزت الامام إلى الاختيار الهجرة إلى الكوفة ليجعلها مقرا لثورته.

الاعراض عن الحجاز :

بقي هنا شيء وهو ان الامام لما ذا لم يبق بالحجاز ويتخذه منطلقا للثورة ، ولعل السبب في رفضه لذلك يعود إلى ما يلي :

أ ـ ان البيئة الحجازية كانت تتصف بقلة الموارد الاقتصادية فقد اشاع معاوية فيها الفقر والبؤس ، ومن الطبيعي أن الثورة تحتاج إلى دعم مالي

__________________

(١) الخلافة والدولة في العصر الأموي (ص ١١٥ ـ ١١٦)

١٥

كبير ، ومع انعدام المال في الحجاز كيف يفجر الامام ثورته فيه.

ب ـ انعدام الوعي السياسي في الحجاز فقد انصرفت الأكثرية الساحقة فيه عن الشؤون السياسية في حين أن العراق كان مشعل الوعي السياسي في البلاد العربية.

ج ـ ان الحجاز كان لا يصلح لأن يكون مركزا للثورة فقد أصبح مهددا بالغزو من الجيوش الأموية ، فقد بعث يزيد بجيش مكثف لقتال ابن الزبير بقيادة أخيه عمرو بن الزبير.

د ـ ان الحجاز لم تكن فيه حامية عسكرية حتى يلجأ إليها الامام لتقوم بالذب والدفاع عنه.

٥ ـ ان الأغلبية الساحقة في الحجاز كانت تحقد على أهل البيت عليهم السلام ، وكانت ميولها مع بني أمية ، يقول أبو جعفر الاسكافي.

«أما أهل مكة فكلهم كانوا يبغضون عليا ، وكانت قريش كلها على خلافه ، وكان الجمهور مع بني أمية»(١) ويقول الامام علي بن الحسين (ع) : «ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبنا»(٢) ومع شيوع الكراهية في الحجاز لأهل البيت (ع) كيف يتخذه الامام مقرا له؟ لقد نزح الامام من الحجاز بمرأى ومسمع من جميع الحجازيين فلم يخفوا معه ، ولم يتبعه أحد منهم سوى أهل بيته ، للقيام بنصرته والذب عنه.

__________________

(١) شرح النهج ٤ / ١٠٣

(٢) شرح النهج ٤ / ١٠٤

١٦

الاعراض عن مصر :

وأعرض الامام عن مصر ، ولم يراسل أحدا منهم ، وذلك لأن أهلها كانوا طيلة عهد الخلفاء وطيلة الحكم الأموي ميالين إلى الدعة والسلام ، والبعد عن التيارات السياسية على أنه لم ترد منهم أية رسالة للامام يدعونه فيها للقدوم إليهم ، فكيف يهاجر إليهم الامام ، ومضافا إلى ذلك فان في مصر نزعة عثمانية ، وقد كان وإليه عمرو بن العاص ، فأشاع فيها البغض والكراهية لأهل البيت (ع) وغرس فيها الولاء لبني أمية ، فكيف يقصدها الامام.

الاعراض عن اليمن :

وأشار ابن الحنفية وغيره على الامام أن يهاجر إلى اليمن لأن فيها شيعة له ولأبيه ، ولم يستجب الامام إلى هذا الرأي ، وفيما نحسب أن أسباب اعراضه عنه تعود إلى ما يلي :

١ ـ انه لم تكن في اليمن حامية عسكرية حتى تتمكن على حمايته والذب عنه إذا داهمته جيوش بني أمية ، فقد كان اليمانيون عزلا من السلاح والعتاد ، ولا قابلية لهم على الخوض في عمليات الحروب.

٢ ـ ان جماهير اليمن لم تقم بحماية بلادهم حينما دهمتهم جيوش معاوية بقيادة الباغي بسر بن أبي ارطاة فاشاع فيهم القتل ، وسبى نساءهم وباعها في الاسواق فمن كانت أعظم ساقا يبعث بثمن أكثر ، ولم يثأروا للدفاع عن اعراضهم ، وانما استسلموا للعدوان الأموي الذي أصاب من دمائهم وأموالهم حسب ما شاء ومع هذا الحال كيف يهاجر الامام إليها؟

١٧

٣ ـ ان اليمن قد منيت بالفقر والبؤس فكانت الحياة الاقتصادية فيها مشلولة ، ولا قدرة لأهلها على مد الثورة بما تحتاج إليه من المال والسلاح ، وقد نزح الكثيرون منها إلى الكوفة طلبا للرزق والرفاهية.

٤ ـ ان الامام لو ذهب إلى اليمن لما تركه يزيد وأرسل إليه جيوشه لمناجزته وتسفك بذلك الدماء ، ويتهم الامام باثارة الفتنة وشق عصا الطاعة وتضيع بذلك عدالة قضيته حسب ما يقول الدكتور أحمد محمود صبحي(١) وبما ذكرناه من هذا التحقيق يتضح وهن ما ذهب إليه الدكتور على حسين الخربوطلي من تخطأة الامام على عدم ذهابه لليمن وتخليه عن الحجاز لأن بهما أنصاره الحقيقيين وشيعة أبيه المخلصين ، وان اليمن كانت تمتاز ببعدها عن مركز الخلافة ، ومناعة حصونها وكثرة شعابها(٢) وهذا الرأي لا يحمل أي طابع من التحقيق فان الامام لم يكن عنده أنصار حقيقيون في الحجاز ، ولو كانوا لخفوا معه حينما أعلن الذهاب إلى العراق ، وما تركوه وحده فريسة بيد الطاغية ابن مرجانة ، وأما اليمن فقد ذكرنا أنها غير صالحة استراتيجيا لأن يتخذها الامام مقرا لثورته.

الاعراض عن فارس :

وأعرض الامام عن فارس لأنه لم يكن له فيها أي رصيد ، ولم تتبلور فيها الدعوة لأهل البيت (ع) وانما كانت مركزا لدعوة العلويين بعد ردح من الزمن حينما نزحت إليها المجموعة الكبيرة من الشيعة التي نفاها

__________________

(١) نظرية الامامة لدى الشيعة الاثنى عشرية (ص ٣٤٣)

(٢) تأريخ العراق في ظل الحكم الأموي (ص ١٢١) وذهب لذلك الصولي في كتابه الدولة الأموية في الشام (ص ٥٣).

١٨

زياد إليها فقد أخذت تعمل على نشر التشيع هناك ، وقد استغل دعاة بني العباس تلك الثمرة التي أوجدتها دعاة الشيعة في فارس فاتخذوها مقرا لهم ، ومنها انطلقت الثورة على بني أمية فأطاحت بعرشهم ، وسلطانهم.

الاعراض عن البصرة :

وأعرض الامام عن البصرة لأنها كانت عثمانية الهوى ، وكان الكثيرون من أبنائها شيعة للزبير وطلحة ، يقول أبو جعفر الاسكافي : «كان أهل البصرة كلهم يبغضون عليا»(١) وسبب ذلك حرب الجمل التي حصدت رءوس الكثيرين من أبنائها فاترعت نفوسهم بالكراهية للامام وأبنائه نعم فيها بعض الشيعة وقد كاتبهم الامام عند ما أراد التوجه إلى الكوفة.

وعلى أي حال فان الكوفة كانت أصلح مركز لاعلان الثورة على الأمويين فقد تزعمت هذه المدينة الثائرة الحركة المعارضة لبني أمية ، كما كانت أهم موقع استراتيجي في العالم الاسلامي ، وقد تهيأت تهيأ تاما بعد هلاك معاوية لدعوة الامام كما كانت الوطن الأم لشيعته ، فقد كانت قلوب أهلها تفيض بالحب والولاء له.

لقد كان اختيار الامام (ع) الهجرة إلى الكوفة دون غيرها مبنيا على دراسته الوثيقة لواقع الأقطار الاسلامية واحاطته باتجاهات المواطنين فيها سواء في الميادين السياسية أو العقائدية ، ومدى قدرتهم الاقتصادية

__________________

(١) شرح النهج ٤ / ١٠٣

١٩

والعسكرية ، فقد خبر الامام كل ذلك ووقف عليه ، فلم ير هناك قطرا تتوفر فيه الاستراتيجية الكاملة لحماية الثورة وضمان نجاحها سوى الكوفة التي كانت تضم القوى المؤيدة له ، والمنحرفة عن الحكم الأموي ، فكان الاتجاه إليها ضرورة ملحة لا غنى له عنها.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496