حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسين عليه السلام8%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 308104 / تحميل: 5974
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والسلام»(١) وهذه أوجز رسالة تكتب في مثل هذه المحن الشاقة التي تعصف بالصبر.

مع هرثمة بن سلمى :

والتحق هرثمة بن سلمى بمعسكر ابن زياد ، ولما انتهى الى كربلا تذكر حديثا مضت عليه حفنة من السنين فنساه فقد كان مع الامام امير المؤمنين في غزوة له ، وقد مر على كربلا فنزل إلى شجرة ، وصلى تحت ظلالها ، فلما فرغ من صلاته أخذ قبضة من تلك الأرض وشمها وأخذ يقول :

«واها لك من تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب!!» ومضى هرثمة إلى الحسين مسرعا فحدثه بما سمعه من أبيه ، فقال (ع) له :

«معنا أو علينا؟»

«لا معك ولا عليك ، تركت عيالا»

وساق له الامام نصيحته فأمره بمغادرة كربلا لئلا يشهد واعية أهل البيت قائلا له :

«ول في الأرض فو الذي نفس حسين بيده لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلا دخل جهنم».

وانهزم هرثمة من كربلا حتى وافته الأنباء بمقتل الامام(٢) وقد حرم من الشهادة بين يدي ريحانة رسول اللّه (ص).

__________________

(١) كامل الزيارات (ص ٧٥)

(٢) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٧ ، وسيلة المال في عد مناقب الآل (ص ١٧٩).

١٠١

التحاق انس بن الحرث بالامام :

والتحق الصحابي الجليل انس بن الحرث بالامام ، وقد حدث الامام بما سمعه من رسول اللّه (ص) انه قال : «ان ابني هذا ـ يعني الحسين يقتل بأرض يقال لها كربلا ، فمن شهده منكم فلينصره» وظل انس ملازما للامام حتى رزق الشهادة بين يديه(١)

رسالة ابن زياد للحسين :

ولما علم ابن مرجانة أن الحر قد حاصر الحسين في كربلا ، بعث إليه رسالة دلت على مدى طيشه وغروره ، وهذا نصها :

«أما بعد : يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء ، وقد كتب إلي امير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير(٢) ولا اشبع من الخمير أو الحقك باللطيف الخبير او تنزل على حكمي وحكم يزيد ..».

أنت يا ابن مرجانة وسيدك يزيد خليقان بأن لا تشبعا من الخمر وخليقان بأن تقترفا كل منكر في الاسلام»

ولما قرأ الامام رسالة ابن مرجانة رماها من يده استهانة به واحتقارا لهذا الانسان الممسوخ وراح يقول :

«لا افلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق»

وطالبه الرسول بجواب يرجع به الى ابن زياد فقال (ع) :

«ماله عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب»

وقفل الرسول راجعا فاخبر ابن مرجانة ، بمقالة الامام فاستشاط غضبا وأخذ يتهيأ للحرب ويزج بجميع ما لديه من القوى العسكرية لحرب ريحانة رسول اللّه (ص).

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٧

(٢) الوثير : الفراش اللين

١٠٢

زحف الكوفة للحرب

١٠٣
١٠٤

وحينما اذيع النبأ باستيلاء جيش ابن زياد على الامام الحسين ، وفرض الحصار عليه في كربلاء سادت موجات رهيبة من الذعر والخوف في جميع أوساط الكوفة ، وتخدرت الجماهير تحت ضغط هائل من قوة السيوف والرماح فقد اشاع ابن زياد الارهاب ، واعلن الاحكام العرفية في جميع أنحاء الكوفة ، فكان يحكم بالموت والاعدام لمجرد الظنة والتهمة ، وصار الناس لا يملكون من أمرهم شيئا.

لقد تمت بوارق ابن مرجانة ، وتحققت احلامه حينما ظفر بابن فاتح مكة ومحطم أوثان قريش ليتقرب بقتله إلى حفيد أبي سفيان زعيم الأحزاب المناوئة للاسلام ، ويتخذ من ذلك وسيلة لاقرار نسبه اللصيق ببني أمية الذي شهد به ابو مريم الخمار(١) .

وانفق ابن مرجانة جميع وقته لتهيئة الحرب ، واتخاذ جميع الوسائل الاحتياطية للتغلب على مجريات الأحداث ، وقد احتف به الوجوه والاشراف من الذين باعوا ضمائرهم عليه لوضع المخططات الرهيبة في عمليات الحرب.

انتخاب ابن سعد قائدا عاما :

وانتخب ابن مرجانة عمر بن سعد قائدا عاما لقواته المسلحة التي زج بها لحرب ريحانة رسول اللّه (ص) ، وقبل أن نعرض أسباب انتخابه نقدم عرضا لبعض شئونه.

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٣١٠.

١٠٥

اخبار النبي بسوء عاقبته :

واجتاز ابن سعد على النبي (ص) فلما رآه نفر منه ، وأخبر (ص) عن سوء عاقبته وقال : «يكون مع قوم يأكلون الدنيا بألسنتهم كما تلحس الأرض البقرة بلسانها»(١) .

وقد اخبر امير المؤمنين (ع) بسوء مصيره يقول الرواة انه نظر إليه وحدثه فرأى فيه طيشا واستهانة بالحق وجرأة على ارتكاب الباطل فقال له :

«ويحك يا ابن سعد!! كيف بك اذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار»(٢) .

كراهية سعد له :

وكان سعد ناقما على ولده عمر لما سمعه من رسول اللّه (ص) فيه ويقول الرواة : انه عهد الى ورثته أن لا يعطوه أي شيء من مواريثه(٣) .

لعن الرشيد له :

ولعن هارون الرشيد عمر بن سعد وحكم عليه بالالحاد والمروق من الدين ، وذلك في قصة طريفة لا تخلو من متعة نسوقها إلى القراء يقول الرواة انه جيء باسحاق بن ابراهيم مخفورا إلى الرشيد بتهمة انه كان من

__________________

(١) مختصر البلدان (ص ٢٧١) لابن الفقيه

(٢) اعيان الشيعة ٤ / ٤٣٧

(٣) الف باء للبلوي

١٠٦

الملحدين ، فقال له اسحاق.

«يا امير المؤمنين إني مؤمن باللّه وبجميع رسله وأنبيائه ، وليس هذا ذنبي ، ولكن لي ذنبا آخر؟»

فبهر الرشيد وقال له :

ـ ما هو؟

ـ الولاء لكم أهل البيت ، فهل من يدين بحبكم ويراه فرضا عليه يحكم عليه بالالحاد؟

وتبسم الرشيد ، وأمر بأن يرفع عنه النطع والسيف ، واندفع اسحاق فقال له :

يا أمير المؤمنين ، ما رأيك في عمر بن سعد قاتل الحسين الذي يقول :

يقولون : إن اللّه خالق جنة ونار وتعذيب وغل يدين

فاطرق الرشيد برأسه ، وتأمل كثيرا ثم قال :

«لعن اللّه عمر بن سعد كان لا يثبت صانعا ، ولا يقول ببعثة ولا نبوة يا اسحاق أتدري من أين اخذ قوله هذا؟».

(نعم يا امير المؤمنين اخذه من شعر يزيد بن معاوية ..)

«ما قال يزيد؟»

«انه قال :»

علية هاتي ناوليني واعلني

حديثك اني لا أحب التناجيا

حديث أبي سفيان لما سجا به

الى أحد حتى أقام البواكيا

فرام به عمرو عليا ففاته

وادركه الشيخ اللعين معاويا

فان مت يا أم الأحيمر فانكحي

ولا تأملي بعد الممات تلاقيا

فان الذي حدثت في يوم بعثنا

احاديث زور تترك القلب ساهيا

ولو لا فضول الناس زرت محمدا

بمشمولة صرف تروي عضاميا

١٠٧

ولا خلف بين الناس ان محمدا

تبوأ قبرا بالمدينة ثاويا

فقد ينبت المرعى على دمن الثرى

له غصن من تحته السر باديا

ونفنى ولا نبقى على الأرض دمنة

وتبقى حزازات النفوس كما هيا

وتأثر الرشيد فاندفع يقول :

«لعن اللّه يزيد ما كان يثبت صانعا ، ولا يقول ببعثة ولا نبوة ، أتدري يا اسحاق من أين اخذه؟».

«نعم يا امير المؤمنين أخذه من شعر أبيه معاوية».

«ما قال معاوية؟»

«إنه قال :

سائلوا الدير من بصرى صبابات

فلا تلمني فلا تغنى الملامات

قم نجل في الظلماء شمس ضحى

نجومها الزهر طاسات وكاسات

لعلنا إن يدع داع الفراق بنا

نمضي وانفسنا منها رويات

خذ ما تعجل واترك ما وعدت به

فعل اللبيب فللتأخير آفات

قبل ارتجاع الليالي كل عارية

فانما خلع الدنيا استعارات

فلعن الرشيد معاوية ، وقال فيه ما قاله في يزيد(١) .

توثيق العجلي لابن سعد :

ووثق العجلي عمر بن سعد ، فقال : كان يروي عن أبيه أحاديث ،

__________________

(١) الثاقب في المناقب للشيخ المفيد من مخطوطات مكتبة الامام امير المؤمنين.

١٠٨

وروى الناس عنه ، وهو تابعي ثقة ، وهو الذي قتل الحسين(١) ولم نعلم كيف كان ابن سعد ثقة مع قتله الريحانة رسول اللّه (ص) وابادته للعترة الطاهرة التي اوجب اللّه مودتها على عموم المسلمين لقد كان العجلي منحرفا عن الحق ، فكان ميزان التعديل عنده للرواة هو النصب لأهل البيت وبغضهم ، كما ان مقياس الجرح عنده هو الولاء والمودة لهم.

وقد انكر الاخبار والمتحرجون في دينهم على من يروي عن ابن سعد فقد روى عنه العيزار بن حريث فأنكر عليه رجل في مجلسه وقال له :

أما تخاف اللّه؟ تروي عن عمر بن سعد فبكى العيزار وقال : لا اعود لذلك(٢) ومن الغريب ان ابن حجر ترجمه في تهذيب التهذيب الذي لا يترجم فيه إلا الثقات من الرواة عنده.

نزعات ابن سعد :

ولم يحمل ابن سعد في دخائل نفسه أي نزعة شريفة ، فليس في ضميره المتحجر أي بصيص من الكرامة والشرف والنبل ، وهذه بعض مظاهر ذاتياته.

أ ـ الخنوع للسلطة

وكان الخنوع للسلطة هو الظاهرة البارزة من ذاتيات ابن سعد ، فكان ـ فيما اجمع عليه المؤرخون ـ يذوب أمام الولاة ، ويفقد توازنه ، طمعا بالحصول على المنصب والامارة ، وقد جاهد نفسه ، وحملها من أمره

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٧ / ٤٥١ ، ميزان الاعتدال ٣ / ١٩٨.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ / ١٩٨

١٠٩

رهقا على الظفر بثقة ابن مرجانة به ، وقد قال له : بعد قتله للحسين ـ

«اما واللّه لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد ابن ابي وقاص لكنت قد اديت حقه»(١) انه لم تكن له شخصية مستقلة ولا ارادة كريمة ، وانما كان ذنبا للسلطة يسعى لكسب عواطفها بأي وسيلة يملكها.

ب ـ التهالك على السلطة :

وظاهرة أخرى من نزعات ابن سعد هي التهالك على السلطة والسعي وراء المناصب ، ويقول المؤرخون إنه كان يحث اباه على الحضور في التحكيم لعلهم يعدلون عن علي ومعاوية ويولونه الا ان أباه امتنع من ذلك وقنع بما هو فيه(٢) ولما ولاه ابن زياد ولاية الري ، وهدده بعزله عنها ان لم يخرج لحرب الحسين سمعه أهله يقول :

أأترك ملك الري والري بغيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين

لقد رأى أنه اذا حصل على ولاية الري فسوف يظفر بالعيش الوفير والثراء الفاحش ، فاقدم على اخطر جريمة في الاسلام.

ج ـ خسة الطبع

ومن ذاتيات ابن سعد خسة الطبع ، فقد انمحت عن نفسه جميع افانين الشرف والكرامة فقد طلب منه مسلم بن عقيل حينما وقع اسيرا

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٦٨

(٢) البداية والنهاية ٧ / ٢٨٣

١١٠

بيد ابن زياد أن يعهد بوصيته إليه فامتنع من اجابته تقربا لسيده ابن مرجانة ولم يستجب له حتى سمح له بذلك ولما عهد إليه مسلم بوصيته سرا انبرى مسرعا الى ابن زياد فاخبره بما أوصى به مسلم فأنكر عليه ابن زياد ذلك وقال : «لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن»

ومن خسة طبعه أنه لما قتل الحسين (ع) عمد إلى سلب درعه فلبسها ولو كانت عنده صبابة من الشرف والنبل لما قدم على سلب ريحانة رسول اللّه (ص) فقد فتح بذلك باب النهب للجفاة من جيشه فعمدوا إلى سلب حرائر النبوة حتى لم يتركوا عليهن ملحفة ولا ازارا إلا سلبوه.

د ـ الجبن :

ولم تكن عند ابن سعد أية مسكة من البسالة والشجاعة ، وانما كان جبانا خائر العزيمة ضعيف النفس ، ولما ظهر أمر التوابين داخله خوف شديد فكان لا ينام في داره ، وانما ينام في قصر الامارة لتحرسه جنود القصر ، وهو وجل القلب ينفق الليل ساهرا من شدة الوجل والرعب ، ولما هجمت عليه شرطة المختار قام مرعوبا من فراشه ، ولكثرة ما داخله من الفزع عثر قبل أن يأخذ لامة حربه فقتلته الشرطة وهو على فراشه وقد استجيبت بذلك دعوة الامام الحسين ان يذبحه اللّه على فراشه. ، ومن الغريب ان خير الدين الزركلي وصفه بأنه من القادة الشجعان(١) ولو كان شجاعا ـ كما يقول الزركلي ـ لما ترك أهله ولجأ إلى قصر الامارة يطارد الرعب والفزع.

__________________

(١) الاعلام ٥ / ٢٠٥

١١١

ه‍ ـ الشك في البعث والنشور :

ولم يكن ابن سعد يؤمن بالبعث والنشور ، فقد كان شاكا فيهما كما جاء في شعره حينما ندب لحرب الحسين (ع) حيث يقول :

يقولون : إن اللّه خالق جنة

ونار وتعذيب وغل يدين

فهو لا يؤمن بحساب ولا جنة ولا نار كما يقول هارون الرشيد ...

هذه بعض نزعات ابن سعد ، وهي تكشف عن انسان ممسوخ متمرس في الجريمة والاثم.

دوافع انتخابه :

وانما انتخبه ابن مرجانة لحرب الامام الحسين (ع) ليغري به سواد الناس وجها لهم ، ويزج بهم لحرب ريحانة رسول اللّه (ص) فانه ابن فاتح العراق واحد المرشحين الستة من قبل عمر بن الخطاب لزعامة الخلافة الاسلامية ، وانه قرشي وممن يمت للامام بصلة ، ومضافا إلى ذلك فانه قد وقف على اتجاهاته الفكرية ، وعرف نقاط الضعف التي عنده ، فرأى أنه لا يقوم أحد باقتراف هذه الجريمة سواه.

١١٢

حيرة ابن سعد :

وكان ابن زياد قد كتب لابن سعد بولاية الري(١) وثغر دستبي والديلم(٢) فطلب منه أن يسير لحرب الحسين فاستعفى ابن سعد فهدده باسترجاع ولاية الري منه ، وطلب منه ليلته لينظر في الأمر ، فأمهله ، ومضى إلى داره ، وقد انفق ليله ساهرا يطيل التفكير في الأمر هل يقدم على حرب ريحانة رسول اللّه (ص) وفى قتله العذاب الدائم والخزي الخالد أو يستقيل من ذلك فتفوته امارة الري التي تضمن له العيش الوفير ، وسمعه أهله يقول.

أأترك ملك الري والري بغيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين(٣)

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجاب وملك الري قرة عيني

__________________

(١) الري : مدينة مشهورة من امهات البلاد ، كثيرة الخيرات والفواكه تقع في فارس ، قال الاصطخري هي مدينة ليس بعد بغداد في المشرق اعمر منها ، وقال الاصمعي : هي عروس الدنيا إليها يتجر الناس جاء ذلك في معجم البلدان ٤ / ٣٥٥ ـ ٣٥٨.

(٢) الأخبار الطوال (ص ٢٥١)

(٣) مرآة الجنان ١ / ١٣٢ ويقول اليافعي ولو قال :

أأترك ملك الري بل هو بغيتي

وان عدت مأثوما بقتل حسين

لكان هذا الانشاد أدل على المراد

١١٣

العاذلون له :

ويقول المؤرخون : انه بادر إليه جماعة من المشفقين عليه فاشاروا عليه باعتزال الحرب ، وكان ممن أشار عليه ابن اخته حمزة بن المغيرة بن شعبة فقال له : يا خال إن سرت الى الحسين اثمت بربك ، وقطعت رحمك فو اللّه لئن تخرج من دنياك ومالك خير لك من أن تلقى اللّه بدم الحسين(١) ومنحه النصيحة قوم آخرون فقالوا له : انق اللّه ولا تفعل(٢) وقد حاول أن يجاهد نفسه على اعتزال الحرب الا انه لم يطق صبرا عن ولاية الري ، فقد سال لها لعابه ، وضعفت نفسه عن مقاومة رغباته فلم يسفر الصبح حتى استقر رأيه على حرب ابن رسول اللّه (ص) فاسرع إلى ابن مرجانة يخبره باستجابته ، وقد فرح ابن زياد برضا ابن سعد لأنه قد وجد فيه حجة تسند اباطيله ان لامه الناس على حرب ابن رسول اللّه (ص) ولو استجاب أحد غيره لما كان له مثل هذا السرور والرضا.

وسار ابن سعد ومعه جيشه البالغ اربعة آلاف ، وهو يعلم اتجاهه وانه خرج ليقاتل ذرية رسول اللّه (ص) الذين هم خيرة من في الأرض وانتهى الى كربلا فانضم إلى الجيش الرابض هناك بقيادة الحر بن يزيد الرياحي.

الاستعراض العسكري :

واستعرض ابن مرجانة جميع الكتائب التي بعثها لحرب الحسين ليرى قدرتها على القتال ومدى استعدادها للخوض في المعركة ، ويقول الطرماح :

__________________

(١) أنساب الأشراف ق ١ ج ١

(٢) الفتوح ٥ / ١٥٢

١١٤

رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم على ظهر الكوفة ، وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد جمعا اكثر منه فسألت عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحوا الى حرب الحسين(١) وقد زج بجميع ثقله العسكري في الحرب خوفا من الطوارئ وتقلب الأوضاع.

خطبة ابن مرجانة :

وأمر الطاغية بجمع الناس في رحاب المسجد الأعظم فهرعوا كالأغنام خوفا من الطاغية ورهبة منه وقد امتلأ الجامع منهم فقام فيهم خطيبا فقال :

«أيها الناس : إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون وهذا امير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا إلى الرعية ، يعطي العطاء في حقه ، وقد امنت السبل على عهده ، وكذلك كان ابوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد يكرم العباد ويغنيهم بالأموال وقد زادكم في ارزاقكم مائة مائة ، وامرني أن اوفرها عليكم ، واخرجكم إلى حرب عدوه الحسين فاسمعوا له وأطيعوا»(٢) لقد خاطبهم باللغة التي يخضعون لها ، فمناهم بالأموال ، وزجهم لاقتراف افظع جريمة في تأريخ الانسانية.

وأوعز إلى كل من الحصين بن نمير التميمي وحجار بن ابجر وشمر ابن ذي الجوشن بالخروج إلى حرب الامام بعد أن اسند لكل واحد منهم القيادة على بعض الوحدات العسكرية فزحفوا بمن معهم الى كربلا لمساعدة ابن سعد.

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٣٠

(٢) الأخبار الطوال (ص ٢٥٣)

١١٥

تحريض سمرة لحرب الامام :

ولعب سمرة بن جندب الصحابي الكذاب دورا مهما في حث الناس على حرب ابن رسول اللّه (ص) فقد كان على شرطة عبيد اللّه بن زياد واخذ يدفع الناس إلى قتال ريحانة رسول اللّه(١) .

تمارض شبث بن ربعي :

وكان المنافق شبث بن ربعي كارها للخروج إلى حرب الحسين فاظهر المرض تصنعا ولم يكن يخفى على ابن زياد ذلك فأرسل إليه ان رسولي يخبرني بتمارضك ، وأخاف أن تكون من الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم انما نحن مستهزءون فان كنت في طاعتنا فاقبل إلينا مسرعا ، وأقبل إليه شبث مسرعا بعد العشاء لئلا ينظر إلى وجهه فلا يجد عليه أثر العلة ، وقد اجابه إلى ما أراد فخرج لحرب الحسين ، وتولى قيادة بعض الفرق.

النفير العام :

وأصدر ابن زياد أوامره المشددة بحمل اهل الكوفة في الحرب ، وارغامهم على الخوض في قتال الامام ، وقد اصدر موسوما ـ قبل أن يعسكر في النخيلة ـ جاء فيه «فلا يبقى رجل من العرفاء والمناكب(٢)

__________________

(١) شرح النهج ٤ / ٧٩

(٢) المناكب : جمع منكب عريف القوم أو عونهم

١١٦

والتجار والسكان إلا خرج فعسكر معي ، وايما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن المعسكر إلا برئت الذمة منه»(١) وامر باذاعة ذلك بين الناس ، وقد اوعز إلى كل من كثير بن شهاب الحارثي ، ومحمد بن الأشعث ، والقعقاع بن سويد بن عبد الرحمن المنقري ، وأسماء بن خارجة الفزاري ، أن يطوفوا في الناس يحثونهم على الطاعة ، ويحذرونهم من المعصية ، ويخوفونهم عواقب الأمور ، وقد طافوا بالكوفة واذاعوا ما أمروا به ، ثم لحقوا به في النخيلة إلا كثير بن شهاب فانه ظل مقيما بالكوفة يخذل الناس عن نصرة الامام ويشيع الارهاب والخوف على المتخلفين عن الحرب(٢) وقد القت الشرطة القبض على رجل من همدان قدم الكوفة يطلب ميراثا له ، فأتي به إلى ابن زياد فأمر بقتله ، ولما رأى الناس ذلك هرعوا إلى الحرب حتى لم يبق في الكوفة محتلم إلا خرج إلى المعسكر في النخيلة(٣) لقد حققت هذه السياسة ما توخاه ابن زياد من حمل الناس على حرب الامام ، وقد سيطر سيطرة تامة على الموقف ، فلم يدع لأي أحد حريته ولا اختياره.

الرقابة الدقيقة على الكوفة :

وفرض ابن زياد الرقابة الصارمة على الكوفة مخافة أن يخرج منها أحد لنصرة الامام (ع) فقد بث الجواسيس والعيون ، وفرض نوعا من الأحكام العرفية كانت في منتهى القسوة ، فاذا أتهم احد بالعمل ضد سياسة الدولة القي عليه القبض وسيق بلا هوادة ولا رحمة إلى الاعدام أو السجون

__________________

(١) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٢) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٣) انساب الأشراف ق ١ ج ١

١١٧

وقد كان عبد اللّه بن يسار يحفز الناس إلى نصرة الامام» وخذلان بني أمية فعلم به ابن زياد فأمر بالقاء القبض عليه ، فاخفى نفسه وأخذت الشرطة تبحث عنه ، فظفر به عبيد اللّه بن الحر فأتى به إلى السبخة فقتله(١) وهو غير عبيد اللّه بن الحر الجعفي.

وقد وضع ابن زياد المناظر ، ورتب المسالح حول الكوفة ، وجعل على الحرس زجر بن قيس الجعفي ، ورتب بينه وبين عسكر ابن سعد خيلا مضمرة مقدحة(٢) فكانت كل بادرة تحدث تأتيه في الوقت(٣) .

هرب الجنود :

وهربت الأكثرية الساحقة من جيش ابن زياد من وحداتها العسكرية وقد لاذ الكثيرون منهم بالانهزام فرارا من حرب سبط رسول اللّه (ص) ويقول البلاذري : ان القائد يكون على الف مقاتل لا يصل الى كربلا الا ومعه ثلاث مائة أو اربع مائة أو اقل من ذلك ، فقد كانوا يفرون كراهة منهم لهذا الوجه(٤) لقد كانوا على يقين لا يخامره أدنى شك بضلال هذه الحرب وانهم انما يحاربون اللّه ورسوله ، ويقاتلون من أمروا بمودته وطاعته.

__________________

(١) أنساب الأشراف ق ١ ج ١

(٢) المضمرة المقدحة : هي الخيل التي يسار بها للجهاد

(٣) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٤) أنساب الأشراف ق ١ ج ١

١١٨

الطاغية في النخيلة :

ونزح الطاغية إلى النخيلة(١) فعسكر بها ومعه قطعات كبيرة من الجيش ، وقد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث ، وقد بلغه أن الرجل والرجلين والثلاثة يتسللون إلى معسكر الامام عن طريق الفرات ، فأمر بضبط الجسر وحراسته فلم يترك أحدا يجوزه(٢) .

محاولة لاغتيال ابن زياد :

وحاول البطل الشهم عمار بن أبي سلامة الدالابي أن يغتال ابن زياد في النخيلة إلا انه لم يتمكن من ذلك نظرا للرقابة الشديدة والحرس المكثف الذي يحرسه ، ولما فشل في مهمته لطف حتى لحق بالحسين واستشهد بين يديه(٣) .

عدد الجيش الأموي :

واختلف المؤرخون في عدد الجيش الذي نزح لحرب الامام (ع) وفيما يلي بعض ما ذكروه.

__________________

(١) النخيلة : قريبة من (ذي الكفل) وتعرف اليوم بالعباسيات ذكر ذلك المقرم في مقتل الحسين (ص ٢٣٧).

(٢) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان مخطوط

(٣) انساب الأشراف ق ١ ج ١

١١٩

١ ـ ثمانون الف فارس(١)

٢ ـ خمسون الف فارس(٢)

٣ ـ خمسة وثلاثون الف فارس(٣)

٤ ـ ثلاثون الفا(٤)

٥ ـ اثنان وعشرون الفا(٥)

٦ ـ عشرون الفا(٦)

٧ ـ ستة عشر الف فارس(٧)

٨ ـ اثنا عشر الفا(٨)

٩ ـ ثمانية آلاف(٩)

١٠ ـ ستة آلاف(١٠)

__________________

(١) بغية النبلاء الجزء الثاني نقلا عن مقتل ابي مخنف

(٢) شرح شافية أبي فراس ١ / ٩٣ من مصورات مكتبة الامام الحكيم.

(٣) المناقب ٤ / ٩٨

(٤) مطالب السئول ، عمدة الطالب (ص ١٨١)

(٥) مرآة الجنان ١ / ١٣٢ ، شذرات الذهب ١ / ٦٧ ، مطالب السئول (ص ٧٥).

(٦) الصواعق المحرقة (ص ١١٧) الفصول المهمة لابن الصباغ (ص ١٧٨) اللهوف.

(٧) الدر النظيم في مناقب الأئمة (ص ١٦٨)

(٨) الدر النظيم في مناقب الأئمة (ص ١٦٨)

(٩) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص ٩٢)

(١٠) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٨٧)

١٢٠

11 ـ أربعة آلاف(1)

هذه بعض الأقوال التي ذكرها المؤرخون ، وهناك أقوال أخرى لا تخلو من المبالغة.

التحقيق في الموضوع :

ولا بد لنا من وقفة قصيرة للتحقيق في هذه الأقوال المختلفة التي حددت عدد الجيش الذي تدفق إلى كربلا واشترك في عمليات الحرب ، لنختار منها ما تساعد عليه الأدلة ونلقي ـ قبل كل شيء ـ نظرة خاطفة على عدد الجيش في الكوفة التي كانت أعظم حامية عسكرية في ذلك الوقت ، فقد كان عدد الجيش في أواسط القرن الأول أربعين الفا يغزو كل عام منهم عشرة آلاف(2) وقد ازداد هذا العدد منذ اتخذها الامام عاصمة له ، فقد كثرت الهجرة إليها ، فقد زحف معه لحرب صفين سبعة وخمسون الفا ، وثمانية آلاف من مواليهم(3) وهناك بعض التصريحات التي أدلى بها بعض الشخصيات تدل على أن احصاء الجيش في ذلك العصر بلغ مائة الف ، فقد انكر سليمان بن صرد الخزاعي على الامام الحسن (ع) أمر الصلح وقال له : «لا ينقضي تعجبي من بيعتك معاوية ومعك مائة الف مقاتل من أهل العراق» وجاء في بعض رسائل اهل الكوفة الى الامام الحسين «انا معك مائة الف» وفيما احسب ان هذا العدد لا يخلو من المبالغة ، وان العد اقل من ذلك بكثير اما سكان الكوفة فانا لم نقف

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 169

(2) صلح الحسن (ص 101)

(3) الامامة والسياسة 1 / 151

١٢١

لهم على احصاء الا ان من المؤكد انهم كانوا اضعاف عدد الجيش فان الكثيرين من ذوي المهن والحرف والتجار وغيرهم ممن لم ينضموا إلى المنظمة العسكرية ونقف ـ بعد هذا العرض الموجز لعدد جيش الكوفة وسكانها ـ امام تلك الأقوال بين أمرين :

الأول : الاذعان والتصديق لكل ما قيل في عدد الجيش من الكثرة لأن ابن زياد قد اعلن النفير العام في الكوفة فلم يبق بها محتلم الا خرج لحرب الحسين ، ومن تخلف كان مصيره الاعدام أو السجن ، حتى لم تبق في الكوفة واسطة من وسائط النقل الا استعملت لنقل الناس للحرب ، واذا قيل ان عدد الجيش مائة الف او يزيد فليس في ذلك أية مبالغة.

الثاني : التشكيك في تلك الكثرة لأن اكثر الجنود قد استعظموا حرب الامام ففروا منهزمين في البيداء ، بالاضافة الى أن طائفة كبيرة من الجيش كانت في معسكر النخيلة مع ابن زياد ، وعلى هذا فالجيش الذي تدفق الى كربلا لحرب الامام ليس بذلك العدد الضخم الذي يذهب إليه بعض المؤرخين.

واكبر الظن ان الرواية التي أثرت عن الامام الصادق (ع) انه أزدلف ثلاثون الف لحرب الامام هي أقرب ما قيل في عدد الجيش فان هذا العدد وما يزيد عليه قد اشترك في حرب ريحانة رسول اللّه (ص).

القادة العسكريين :

وامدنا المؤرخون بأسماء بعض قادة الجيش الذين اشتركوا في كارثة كربلا وهم :

١٢٢

1 ـ الحر بن يزيد الرياحي ، وكان على الف فارس ، وهو الذي حاصر الحسين في كربلا.

2 ـ عمر بن سعد ، وقد اسند إليه ابن زياد القيادة العامة لجميع قواته المسلحة ، وكان اميرا على أربعة آلاف.

3 ـ شبث بن ربعي جعله أميرا على الف فارس(1)

4 ـ مضائر بن رهينة المازني امير على ثلاثة آلاف(2)

5 ـ نصر بن حرشة امير على الفين(3)

6 ـ كعب بن طلحة امير على ثلاثة آلاف(4)

7 ـ حجار بن ابجر أمير على الف(5)

8 ـ الحصين بن نمير على أربعة آلاف(6)

9 ـ شمر بن ذي الجوشن امير على أربعة آلاف(7)

10 ـ يزيد بن الركاب على الفين(8)

11 ـ يزيد بن الحرث بن رويم امير على الف(9)

وهؤلاء بعض قادة الجيش وقد انضم تحت ألويتهم خمس وعشرون الف مقاتل ، ويقول ابن الجوزي :

انه كان على ربع الكوفة عبد اللّه بن زهرة بن سليم الأزدي ، وعلى

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) المناقب 4 / 98

(3) المناقب 4 / 98

(4) مقتل الحسين للمقرم (ص 239)

(5) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(6) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(7) المناقب 4 / 98

(8) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(9) انساب الأشراف ق 1 ج 1

١٢٣

ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث وعلى ربع مذحج وأسد عبد اللّه بن سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وهمدان الحر بن يزيد الرياحي(1) .

أدوات الحرب :

وتسلح جيش ابن زياد بجميع أدوات الحرب السائدة في تلك العصور فقد كان استعداده لحرب الامام استعدادا هائلا ويحدثنا المؤرخون عن ضخامة ذلك الاستعداد ، فقالوا!! إن الحدادين ، وصانعي أدوات الحرب في الكوفة كانوا يعملون ليلا ونهارا في بري النبال وصقل السيوف في مدة كانت تربو على عشرة أيام لقد دفع ابن زياد لحرب الحسين بقوة عسكرية مدججة بالسلاح بحيث كانت لها القدرة على فتح قطر من الأقطار.

1 ـ الرماة :

وهم الذين كانوا يسددون النبال والسهام ، وقد لعبوا دورا خطيرا في الحرب ، وهم أول من فتح باب الحرب على الامام ، فسددوا سهامهم نحو معسكره فلم يبق أحد منهم إلا اصابه سهم ، حتى اصيبت بعض النساء فدهشن وارعبن ، وقد قتل بعض ابناء الأسرة النبوية بتلك السهام الغادرة كعبد اللّه بن مسلم ، وعبد اللّه بن الحسن ، وعبد اللّه الرضيع وغيرهم.

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 92)

١٢٤

2 ـ الجوالة :

وهي كتائب من الجيش كانت ترمي بالحجارة ، وسلاحها المقاليع ،

3 ـ المجففة :

وهم الذين كانوا يلبسون الجنود الآلات التي تقيهم في الحرب ، كما كانوا يضعون على الخيل الآلات التي تقيها من النبال والرماح ،

عدد أصحاب الحسين :

أما أصحاب الامام الحسين فكانوا فئة قليلة ، وقد اختلف المؤرخون في عددهم ، وهذه بعض الاقوال :

1 ـ ما ذهب إليه المسعودي انهم خمسمائة فارس ونحو من مائة راجل(1) وانفرد المسعودي بهذا القول ولم يذهب إليه أحد غيره.

2 ـ ما رواه عمار الدهني عن أبي جعفر انهم كانوا خمسا وأربعين فارسا ومائة راجل(2) .

3 ـ ما ذكره ابن شهرآشوب انهم اثنان وثمانون رجلا الفرسان منهم اثنان وثلاثون(3) .

__________________

(1) مروج الذهب 3 / 10

(2) البداية والنهاية 8 / 197 ، تذهيب التهذيب 1 / 151 ، الحدائق الوردية 1 / 119 ، الصراط السوي (ص 86).

(3) المناقب 4 / 98

١٢٥

4 ـ ما قاله سعد بن عبده : اني لأنظر إليهم وهم قريبون من مائة رجل فيهم من صلب علي خمسة أو سبعة وعشرة من بني هاشم ، ورجل من كنانة وآخر من سليم(1) .

5 ـ ما ذكره ابن كثير والفاخوري انهم اثنان وثلاثون فارسا واربعون راجلا(2)

والذي نراه انهم ثمانون رجلا بما فيهم من ابناء الأسرة النبوية والذي يدعم ذلك أن الرءوس التي احتزت وبعث بها إلى ابن مرجانة ويزيد بن معاوية كانت (79) رأسا لا غير.

وعلى أي حال فان هؤلاء الأبطال على قلتهم كانوا كفؤا لذلك الجيش وقد الحقوا به افدح الخسائر وقد مثلوا بمواقفهم البطولية شرف العقيدة وسمو المبدأ.

رسول ابن سعد مع الامام :

وكان ابن سعد كارها لقتال الامام فاراد التخلص من ذلك ، فدعا عزرة بن قيس أن يلتقي بالامام ويسأله عما جاء به؟ فامتنع عزرة لأنه كان ممن كاتب الامام بالقدوم الى الكوفة ، فندب لمقابلته كثير بن عبد اللّه الشعبي وكان فاتكا جريئا فقال :

«أنا له وإن شئت أن افتك به لفعلت»

فلم يرض ابن سعد بذلك ، وانما طلب منه أن يمضي إليه ويسأله

__________________

(1) تذهيب التهذيب 1 / 156

(2) البداية والنهاية 8 / 187 ، تحفة الأنام في مختصر تأريخ الاسلام للفاخوري (ص 83).

١٢٦

عما جاء به؟ وأقبل كثير يشتد نحو الامام ، ولما بصر به ابو ثمامة الصائدي ارتاب منه ، فقام في وجهه ، وطلب منه أن ينزع سيفه حتى يقابل الامام فأبى أن يسمح له بالدخول فولى منصرفا غضبانا(1) واخبر ابن سعد بذلك فطلب من قرة بن قيس الحنظلي ملاقاة الامام فأجابه ، فلما اقبل قال الامام لأصحابه :

«هل تعرفونه؟»

فأجابه حبيب بن مظاهر : نعم انه من بني تميم ، وقد كنت اعرفه بحسن الرأي ، وما ظننت أنه يشهد هذا المشهد!!

وتقدم قرة نحو الامام فسلم عليه ، وسأله عما جاء به؟ فقال (ع).

«إني لم أرد إلى هاهنا حتى كتب إلي أهل مصركم أن يبايعونني ، ولا يخذلوني ، وينصرونني ، فان كرهوني انصرف عنهم من حيث جئت».

وانبرى إليه حبيب فأسدى له النصيحة قائلا :

«يا قرة عهدي بك ، وأنت حسن الرأي في أهل البيت فما الذي غيّرك؟ فاقم عندنا وانصر هذا الرجل».

فقال قرة : لقد قلت الحق ولكن ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته وانظر في ذلك ، وقفل قرة الى ابن سعد فعرض عليه كلام الامام(2) وسر ابن سعد بذلك ورأى انه بالامكان التوصل لحل سلمي يجنبه من الخوض في معركة تطوق عنقه بالآثام والاوزار.

__________________

(1) الطبري 6 / 232

(2) أنساب الأشراف ق 1 ج 1 ، الفتوح 5 / 155 ـ 156

١٢٧

ابن سعد مع الامام :

وأراد ابن سعد التأكد من ذلك فطلب من الامام الاجتماع به فاجابه الى ذلك ، ولما مثل عنده قال له :

ـ ما جاء بك؟

ـ أهل الكوفة

ـ أما عرفت ما فعلوا معكم؟

ـ من خادعنا في اللّه انخدعنا له

ـ قد وقعت الآن فما ترى؟

ـ أرجع فأقيم بمكة أو بالمدينة ، أو أقيم ببعض الثغور

وفرح ابن سعد من موقف الامام ورأى فيه بادرة لاحلال السلام والتجنب من الحرب(1) .

رسالة ابن سعد لابن زياد :

وبادر ابن سعد فكتب رسالة الى أميره ابن مرجانة جاء فيها :

«أما بعد : فان اللّه اطفأ النائرة ، وجمع الكلمة ، وأصلح أمر الأمة. هذا حسين اعطاني عهدا أن يرجع الى المكان الذي منه أتى أو أن يسير الى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له مالهم ، وعليه ما عليهم أو ان يأتي امير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده ، فيرى فيما بينه وبينه رأيه وفي هذا رضا لك ، وللأمة صلاح».

__________________

(1) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 87)

١٢٨

افتراء ابن سعد :

ومما لا شبهة فيه أن ابن سعد قد افترى على الامام الحسين في تلك الرسالة ، فان اكثر بنودها مما لم يفه به الامام (ع) وقد تحدث عن افتعالها عاقبة بن سمعان الذي صاحب الامام من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق وظل ملازما له حتى قتل ، يقول :

«صحبت الحسين من المدينة إلى مكة ، ومنها إلى العراق ، ولم افارقه حتى قتل ، وقد سمعت جميع كلامه ، فما سمعت منه ما يتذاكر فيه الناس من أن يضع يده في يد يزيد ، لا أن يسير الى ثغر من الثغور لا في المدينة ولا في مكة ولا في العراق ولا في عسكره الى حين قتل ، نعم سمعته يقول : دعوني أذهب إلى هذه الأرض العريضة حتى انظر ما يصير إليه الناس»(1) .

ونفى الشيخ محمد الخضري صحة هذه الرسالة فقال : «وليس بصحيح الاعراض عليهم أن يضع يده في يد يزيد ، وانما عرض عليهم أن يدعوه أن يرجع إلى المكان الذي خرج منه»(2) .

لقد افتعل ابن سعد هذه الرسالة ليتخلص من اثم المعركة ، ويكون بمنجى من قتل ريحانة رسول اللّه (ص) واو ان الامام قال ذلك لا نفض جيش ابن زياد وانتهى كل شيء لقد رفض الإمام منذ بداية الأمر الخضوع لعصابة الاجرام ، وصمد في وجه الاعاصير. ودلل في جميع مواقفه الخالدة على آبائه وعزة نفسه ، وصلابة ارادته.

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 20).

(2) تأريخ الأمة الاسلامية 1 / 515

١٢٩

افساد الشمر لمهمة السلام :

ولما وردت رسالة ابن سعد إلى ابن مرجانة استصوب رأيه ، ورأى فيه حلا للمشكلة وجمعا للكلمة ، وانه قد جنبه الحرب ، فطفق يقول باعجاب :

«هذا كتاب ناصح مشفق»

وكان شمر بن ذي الجوشن الى جانبه فضاق ذرعا بالأمر فقد عرف الخبيث بوضاعة النسب والحقد على ذوي الاحساب العريفة ، وكان قد حسد ابن سعد على امرته للجيش فاندفع باضرام نار الحرب ، فقال لابن مرجانة :

«أتقبل هذا منه؟ بعد ان نزل بأرضك ، واللّه لئن رحل من بلادك ، ولم يضع يده في يدك ، ليكونن أولى بالقوة ، وتكون أولى بالضعف والوهن».

والهبت هذه الكلمات الموقف ، ونسفت كل امل في الصلح والوئام فقد تفطن ابن زياد إلى أمر خطير قد خفي عليه ، وهو ان الامام اذا خلص منه ، ولم يبايع ليزيد ، والتحق بقطر من الأقطار ، فسوف يتبلور الموقف وتهب الأمة لحمايته من العصابة المجرمة ، وسيكون الطاغية أولى بالوهن والضعف والحسين أولى بالمنعة والقوة لأنه ابن رسول اللّه (ص) وريحانته ، وغابت هذه النقاط الحساسة عن ابن مرجانة ، فرأى في كلمات الشمر الاخلاص والنصيحة».

ولما رأى الشمر أنه قد سيطر على الموقف ، وافسد مهمة ابن سعد اندفع ليوهن مكانته عنده لعله ان يتخذ من ذلك وسيلة لاقصائه عن منصبه ويكون بمحله ، فقال له :

١٣٠

«واللّه لقد بلغني أن حسينا وابن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل»(1) .

ومعنى هذا أن شمرا قد جعل له استخبارات خاصة على ابن سعد لعله أن يقصر في اداء مهمته فينقل ذلك إلى السلطة لتقصيه عن منصبه ويتولى هو قيادة الجيش.

رفض ابن زياد الحلول السلمية :

ورفض ابن مرجانة جميع الحلول السلمية التي كتب بها ابن سعد ، وسد جميع نوافذ السلم والوئام ، وقد كتب إليه :

«أما بعد : فاني لم ابعثك للحسين لتكف عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنيه السلامة ، ولا لتكون له عندي شفيعا.

انظر فان نزل حسين وأصحابه على حكمي فابعث بهم إلي سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فانهم لذلك مستحقون.

فان قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره وظهره ، ولست أرى انه يضر بعد الموت ، ولكن على قول قلته لو قتلته لفعلت هذا به ، فان أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بذلك»(2) .

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 175

(2) تأريخ ابن الأثير 3 / وقريب منه جاء في انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، وجاء في تذهيب التهذيب 1 / 151 ان ابن زياد كتب لابن سعد «لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي» فقال الحسين : لا يكون ذلك أبدا».

١٣١

وكانت هذه الرسالة صارمة لا رحمة فيها ، ومحتوياتها ما يلي :

1 ـ انها قصرت صلاحية ابن سعد على عمليات الحرب والقتال ، ولم تمنحه أي صلاحية لاجراء الصلح او المفاوضة مع الامام.

2 ـ وعرضت ان الامام اذا استجاب للصلح فعليه أن ينزل ضارعا لحكم ابن مرجانة لينال نصيبه منه فان شاء عفا عنه وان شاء قتله ، وقد اراد أن يمثل الامام عنده كأسير او مذنب ليسترحمه.

3 ـ ان الامام إذا لم يستجب للنزول على حكمه فعلى ابن سعد أن يسارع الى قتله والتمثيل به.

4 ـ انه هدده بالعزل عن منصبه إذا تردد في تنفيذ ما عهد إليه وعليه أن يسلم جميع مهام الجيش إلى شمر بن ذي الجوشن ليقوم بتنفيذ ما عهد إليه.

ويقول المؤرخون : ان ابن زياد جعل يقول : «الآن وقد علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص» وأسرع الشمر وهو جذلان مسرور ، وجعل يجذ في السير ليصل لابن سعد لعله لا يستجيب لأوامر ابن مرجانة فيكون هو الأمير على الجيش ، ووصل الشمر إلى كربلا وكان ابن سعد مستنقعا في الفرات ، فبادر إليه رجل فقال له :

«قد بعث إليك جويرة بن بدر التميمي وأمره إن أنت لم تقاتل ان يضرب عنقك.

ووثب ابن سعد الى ثيابه فلبسها(1) والتفت الى شمر بن ذي الجوشن وقد عرف انها من مكيدته فقال له :

«ويلك لا قرب اللّه دارك ، وقبح اللّه ما جئت به ، واني لأظن

__________________

(1) تأريخ الاسلام للذهبي 2 / 348

١٣٢

أنك الذي نهيته ، وأفسدت علينا أمرا رجونا أن يصلح واللّه لا يستسلم حسين فان نفس أبيه بين جنبيه».

فأجابه الشمر

«اخبرني ما أنت صانع أتمضي لأمر أميرك؟ والا فخل بيني وبين العسكر ..».

واستسلم ابن سعد لهواه واطماعه فرضى أن يبقى قائدا لجيش ظلوم فقال له :

«لا ولا كرامة ، ولكن أتولى الأمر»(1)

وظل الشمر رقيبا على ابن سعد لعله أن يقصر في أوامر سيده ابن مرجانة ليتولى هو قيادة الجيش ، وبعث ابن سعد بجواب ابن زياد إلى الامام ، فقال (ع) :

«لا واللّه ما وضعت يدي في يد ابن مرجانة»(2) .

الامام مع ابن سعد :

وطلب الامام من ابن سعد الاجتماع به ، فاجابه ـ على كره ـ فالتقى معه ليلا ، وعقد معه اجتماعا مغلقا لم يحضره الا العباس وعلي الأكبر من جانب الحسين ومع ابن سعد حفص وغلام لابن سعد ، فقال الامام له :

«يا ابن سعد أتقاتلني؟ أما تتقي اللّه الذي إليه معادك ، فاني ابن من قد علمت ، ألا تكون معي وتدع هؤلاء فانه اقرب الى اللّه تعالى».

والقى ابن سعد معاذيره الواهية قائلا :

__________________

(1) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 87)

١٣٣

ـ أخاف ان تهدم داري

ـ أنا ابنيها

ـ أخاف ان تؤخذ ضيعتي

ـ أنا اخلف عليك خيرا منها في الحجاز

ـ ان لي بالكوفة عيالا وأخاف عليهم من ابن زياد القتل

ولم يجد منه الامام أي تجاوب ، وانما رأى منه اصرارا على الغي والعدوان فاندفع يدعو عليه :

«مالك ذبحك اللّه على فراشك عاجلا ، ولا غفر لك يوم حشرك ، فو اللّه اني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق الا يسيرا».

وولى ابن سعد ، وهو يقول للامام بسخرية : ان في الشعير كفاية(1)

أمان الشمر لأخوة العباس :

وظن الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن ان يقنع أخوة الحسين بالعدول عن نصرة أخيهم فحمل لهم امانا من عبيد اللّه بن زياد ، وجاء يشتد حتى وقف أمامهم ، وهتف مناديا

«اين بنو اختنا العباس واخوته؟»

وهبت إليه الفتية كالأسود ، فقالوا له :

«ما تريد يا ابن ذي الجوشن؟»

«لكم الأمان»

وصاحوا به وهم يتميزون من الغيظ قائلين :

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 175

١٣٤

«لعنك اللّه ولعن أمانك ، أتؤمننا ، وابن بنت رسول اللّه (ص) لا أمان له»(1) .

وولى الأثيم خائبا ، وقد ظن أن اخوة الامام من طراز أصحابه الممسوخين ، ولم يعلم انهم من افذاذ الدنيا الذين صاغوا الكرامة الانسانية وصنعوا الفخر والمجد للانسان.

منع الامدادات :

وفرض ابن سعد الحصار على الامام الحسين (ع) فأحاط بجميع الطرق مخافة أن يصل إليه أي امداد من الخارج ، وقد احكم هذه الجهة حتى صار من غير الممكن أن يلتحق أي أحد بمعسكر الامام أو يوصلهم بأي امداد.

احتلال الفرات :

وأخطر عملية قام بها ابن سعد احتلاله لنهر الفرات فقد صدرت إليه الأوامر المشددة من ابن مرجانة بمنع الماء عن الامام الحسين وأهل بيته وأصحابه فلا يذوقوا منه قطرة واحدة ، كما صنع بعثمان بن عفان ، وارسل قوة عسكرية تتألف من خمسمائة فارس ، وقيل أربعة آلاف فارس بقيادة عمرو بن الحجاج فاحتلوا جميع الشرائع والأنهار المتفرعة من نهر الفرات ، وأوصدوا على الحسين وأصحابه باب الورود إلى الماء ، وفيما احسب أنه انما اتخذ هذا الاجراء القاسي الرهيب لما يلي :

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

١٣٥

أولا : الاضرار بمعسكر الامام حتى لا تكون عندهم أية قدرة أو مقاومة على الحرب ، فلا تصاب قواته بالخسائر.

ثانيا : سد الطريق امام من يحاول الالتحاق بالحسين عن طريق الماء

ثالثا : المبالغة في التشفي والانتقام من الأسرة النبوية لما فعله المسلمون بعثمان يوم الدار حينما حوصر ، ومنعوا عنه الماء ، ولكن الحسين فيما اجمع عليه المؤرخون قد حمل الماء إليه حينما حوصر وقد تنكر الأمويون لهذه اليد التي اسداها الامام عليهم.

رابعا : ان ابن زياد كان يأمل بهذا الاجراء ان يستسلم الامام ويخضع لأوامره هذه بعض الأسباب التي دعت ابن مرجانة لاصدار اوامره باحتلال الفرات ، ومنع الماء عن الحسين وأصحابه.

ويقول المؤرخون : انه حيل بين الحسين وبين الماء قبل قتله بثلاثة أيام(1) ، وكان اعظم ما عاناه الامام من المحن الشاقة مشاهدة اطفاله وحرائر الرسالة ، وهم يعجون من ألم الظمأ القاتل ، فقد كان الاطفال ينادون : الماء الماء

ولم يستطع الأطفال مقاومة العطش ، وكانوا ينظرون إلى الفرات وهو فياض بمائه ، فيزداد صراخهم ، وذاب قلب الامام رحمة وحنانا لذلك المشهد الرهيب ، فقد ذبلت شفاه اطفاله ، وذوى عودهم ، وجف لبن المراضع. بينما ينعم اولئك الجفاة بالماء ، يقول أنور الجندي :

وذئاب الشرور تنعم بالماء

وأهل النبي من غير ماء

يا لظلم الأقدار يظمأ قلب الليث

والليث موثق الأعضاء

وصغار الحسين يبكون في الصحراء

يا رب اين غوث القضاء

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 89) أنساب الأشراف ق 1 ج 1.

١٣٦

ان جميع الشرائع والمذاهب لا تبيح منع الماء عن الأطفال والنساء ، وخصوصا الشريعة الاسلامية ، فقد جعلت الناس جميعا شركاء في الماء والكلاء ، وسوغت الشرب من الانهار المملوكة حتى لو لم يأذن أربابها وكرهت أشد الكراهة ذبح الحيوان الأعجم عطشانا ، لكن الجيش الأموي لم يحفل بذلك ، واستباح جميع ما حرمته الشرائع والأديان.

لقد تنكر اولئك الجفاة لليد البيضاء التي أسداها الامام على مقدمة جيوشهم التي كانت تتألف من الف فارس بقيادة الحر لالقاء القبض على الامام والحصار عليه في البيداء ، وكان قد بلغ بهم العطش كل مبلغ حتى أشرفوا على الهلاك ، وكان باستطاعته أن يبيدهم عطشا فأبت مروءته ورحمته أن يعاملهم بالقسوة فأمر فتيانه وهو معهم فسقاهم عن آخرهم كما أمر بسقي خيولهم وترشيفها على أنه كان في حاجة إلى الماء لأنه في وسط الصحراء اللاهبة ، ولم يقدر اولئك الاجلاف هذه النجدة فحرموه من الماء وحرموا من كان في كنفه من سيدات أهل البيت واحفاد النبي (ص).

الطباع اللئيمة :

وأخذ اولئك الممسوخون يتباهون ويتفاخرون باستيلائهم على ماء الفرات وحرمان ريحانة رسول اللّه (ص) منه ، ومن بينهم :

1 ـ المهاجر بن أوس

وانبرى المهاجر بن أوس التميمي صوب الامام رافعا صوته :

«يا حسين ألا ترى الى الماء يلوح كأنه بطون الحيات ، واللّه لا تذوقه او تموت» فرد عليه الامام :

«إني لأرجو ان يوردنيه اللّه ويحلئكم عنه»(1)

__________________

(1) أنساب الاشراف ق 1 ج 2

١٣٧

2 ـ عمرو بن الحجاج

واقبل عمرو بن الحجاج ، وكان ممن كاتب الحسنين بالقدوم إلى الكوفة حتى قرب من معسكر الحسين فرفع صوته :

«يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب ، وتشرب فيه الحمير والخنازير ، واللّه لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم»(1)

3 ـ عبد اللّه بن حصين

وأقبل عبد اللّه بن حصين الأزدي يشتد كأنه الكلب نحو الامام فنادى :

«يا حسين الا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء ، واللّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا».

فرفع الامام يديه بالدعاء عليه وقال :

«اللهم اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا»(2)

لقد فخر اولئك الأجلاف باحتلالهم لماء الفرات ، تقربا لسيدهم ابن مرجانة وارضاء لعواطفه لينالوا جوائزه وهباته.

الانكار على ابن سعد :

وأنكر جماعة من أصحاب الامام الحسين وغيرهم على ابن سعد منعه الماء عن ريحانة رسول اللّه (ص) فقد كان ذلك احط اسلوب في الانتقام فقد اشرف اطفال الحسين على الهلاك وهم يرون الماء امامهم ، وليس هناك من سبب يدعو إلى هذا الانتقام الا الخسة والوحشية المتأصلة في نفوس ذلك الجيش ، ومن بين المنكرين عليه.

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) انساب الأشراف ق 1 ج 1 الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 86).

١٣٨

1 ـ يزيد بن حصين

وخرج يزيد بن الحصين فقال لابن سعد : «هذا الفرات تشرب منه الكلاب ، وهذا الحسين بن بنت رسول اللّه (ص) وأهل بيته عطاشى وأنت تزعم انك تعرف اللّه ورسوله؟!».

واطرق ابن سعد بوجهه الخبيث إلى الأرض ، ولم يتكلم بشيء(1)

2 ـ برير بن خضير

وانطلق برير بن خضير الهمداني نحو ابن سعد فرفع صوته قائلا :

«يا عمر أتترك بيت النبوة يموتون عطشا» وحلت بينهم وبين الفرات أن يشربوا منه ، وتزعم انك تعرف اللّه ورسوله».

فأجابه ابن سعد

«اني واللّه اعلم يا برير ان قاتلهم إلى النار ، ولكن تشير علي أن اترك ولاية الري فتصير إلى غيري ، ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبدا»(2) .

3 ـ الحر

وحينما التحق الحر بمعسكر الامام وتاب على يده خرج الى جيش ابن سعد فرفع صوته قائلا :

«يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر اذ دعوتموه ، وأخذتم بكظمه

__________________

(1) أخبار الدول للقرماني (ص 108) وسيلة المال في عد مناقب الآل (ص 290) مطالب السئول (ص 76).

(2) الفتوح 5 / 172

١٣٩

واحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه الى بلاد اللّه العريضة حتى يأمن وأهل بيته ، واصبح كالأسير في ايديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وملأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي تشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم اللّه يوم الظمأ»(1) .

ولم يجد معهم هذا الانكار ، واصروا على بغيهم وعنادهم فحرموا أبناء النبي (ص) من الماء حتى صرعهم العطش.

العثور على عين ماء :

واضر العطش بأهل البيت فتصارخت الاطفال ، والعيال ، وقام الامام (ع) فأخذ فأسا وحفر حول خيمة النساء فنبعت عين ماء عذب فشربوا منها إلا انها لم تلبث الا قليلا حتى غارت ونقلت الاستخبارات لابن زياد ذلك فتميز غيظا فأرسل الى ابن سعد رسالة جاء فيها :

«بلغني أن الحسين يحفر الآبار ، ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه فانظر اذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت ، وضيق عليهم غاية التضييق».

وفرض ابن سعد الرقابة الشديدة على حفر الآبار ، كما أحاط نهر الفرات بمزيد من الحرس والجنود مخافة أن يأتي أحد منهم فيشرب منه الماء(2) .

__________________

(1) تأريخ ابن الأثير 3 / 289

(2) مقتل الخوارزمي 1 / 244 ، الفتوح 5 / 162 ، بغية النبلاء.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496