حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسين عليه السلام8%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 308315 / تحميل: 5982
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

«تقدم يا أخي حتى اراك قتيلا واحتسبك»(١)

واستجابت الفتية الى نداء الحق ، فتقدموا الى الجهاد بعزم واخلاص

قول رخيص :

وان من أرخص الأقوال واهزلها ما ذكره ابن الأثير ان العباس (ع) قال لاخوته : «تقدموا حتى ارثكم فانه لا ولد لكم»(٢) لقد قالوا بذلك : ليقللوا من أهمية هذا العملاق العظيم الذي هو في طليعة رجال الاسلام بذلا وتضحية في سبيل اللّه ، وهل من الممكن أن يفكر العباس عليه السلام في الناحية المادية في تلك الساعة الرهيبة التي كان الموت المحتم منه كقاب قوسين أو ادنى ، مضافا الى المحن الشاقة التي احاطت به ، فهو يرى الكواكب من ابناء اخوته وعمومته صرعى على الأرض ، ويسمع ضجيج حرائر النبوة وكرائم الوحي ، ويسمع صراخ الأطفال وهم ينادون العطش العطش ، ويرى اخاه قد احيط به وهو يستغيث فلا يغاث ، فقد استوعبت هذه الرزايا التي تذهل الالباب جميع مشاعره وعواطفه ولم يكن يفكر الا بسرعة الرحيل عن هذه الدنيا ، ومضافا لذلك كله فان أم البنين أم العباس كانت حية فهي التي تحوز ميراث ابنائها لأنها من الطبقة الأولى ، ولعل الوارد حتى أثأركم أي اطلب بثأركم فحرف ذلك.

مصرع عبد اللّه بن امير المؤمنين :

وبرز عبد اللّه بن امير المؤمنين وأمه أمّ البنين الى ساحة الجهاد والتحم مع الأعداء وهو يرتجز :

__________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ٨٢)

(٢) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٩٤

٢٦١

شيخي علي ذو الفخار الأطول

من هاشم الخير الكريم المفضل

هذا حسين بن النبي المرسل

عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخ مبجل

يا رب فامنحني ثواب المنزل(١)

لقد اعتز بهذا الرجز بأبيه الامام امير المؤمنين باب مدينة علم النبي (ص) ووصيه كما اعتز بأخيه الامام الحسين ريحانة رسول اللّه (ص) وانه انما ينافح عنه لا بدافع الأخوة والرحم ، وانما يبغي بذلك وجه اللّه والدار الآخرة.

ولم يزل الفتى يقاتل اعنف القتال حتى شد عليه الباغي الأثيم هاني ابن ثبيت الحضرمي فقتله(٢) .

مصرع جعفر :

وبرز جعفر بن أمير المؤمنين (ع) وأمه أم البنين وكان له من العمر تسع عشرة سنة ، فجعل يقاتل قتال الأبطال فشد عليه هانئ بن ثبيت فقتله(٣) .

مصرع عثمان :

وبرز عثمان بن أمير المؤمنين وأمه أمّ البنين وهو ابن إحدى وعشرين

__________________

(١) الفتوح ٥ / ٢٠٥

(٢) الإرشاد (ص ٢٦٩) وفي الفتوح ٥ / ٢٠٥ ان الذي قتله زحر بن بدر النخعي.

(٣) مقاتل الطالبيين (ص ٨٣)

٢٦٢

سنة فرماه خولى بسهم فاضعفه ، وشدّ عليه رجل من بني دارم فقتله وأخذ رأسه(١) ليتقرب به إلى سيده ابن مرجانة.

مصرع العباس :

وليس في تأريخ الانسانية قديما ولا حديثا أخوة اصدق ولا أنبل ولا أوفى من أخوة أبي الفضل لأخيه الامام الحسين فقد حفلت بجميع القيم الانسانية والمثل الكريمة.

وكان البارز من مثل تلك الأخوة النادرة الإيثار والمواساة والفداء فقد آثر ابو الفضل أخاه وفداه بروحه ، وواساه في أقسى المحن والخطوب وقد أشاد الامام زين العابدين (ع) بهذه المواساة النادرة من عمه يقول (ع) :

«رحم اللّه عمي العباس فلقد آثر وابلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله اللّه عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب وان للعباس عند اللّه تعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة»(٢) .

وقد أثارت هذه الأخوة الصادقة الاكبار والاعجاب عند جميع الناس ، وصارت مضرب المثل في جميع الأحقاب والآباد ، وقد اعتز بها حفيده الفضل بن محمد(٣) يقول :

__________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ٨٣)

(٢) البحار ٩ / ١٤٧

(٣) الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس جاء ذلك في عيون الأخبار وفنون الآثار (ص ١٠١).

٢٦٣

أحق الناس أن يبكى عليه

فتى ابكى الحسين بكربلاء

أخوه وابن والده علي

ابو الفضل المضرج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء

وجاد له على عطش بماء(١)

ويقول الكميت :

وابو الفضل إن ذكرهم الحلو

شفاء النفوس من اسقام

قتل الادعياء إذ قتلوه

اكرم الشاربين صوب الغمام(٢)

لقد كان ابو الفضل يملك طاقات هائلة من التقوى والدين ، وكانت اسارير النور بادية على وجهه الكريم حتى لقب بقمر بني هاشم ، كما كان من الأبطال البارزين في الاسلام ، وكان اذا ركب الفرس المطهم(٣) تخطان رجلاه في الأرض(٤) وقد ورث صفات أبيه من الشجاعة والنضال.

واسند إليه الامام (ع) يوم الطف قيادة جيشه ودفع إليه رايته فرفعها عالية خفاقة ، وقد قاتل اعنف القتال واشده ، ولما رأى وحدة أخيه وقتل أصحابه وأهل بيته الذين باعوا نفوسهم للّه انبرى إليه يطلب منه الرخصة ليلاقي مصيره المشرق ، فلم يسمح له الامام وقال له بصوت خافت حزين النبرات.

«أنت صاحب لوائي»

لقد كان الامام يشعر بالقوة والمنعة ما دام أبو الفضل حيا ، فهو كجيش إلى جانبه يحميه ويذب عنه ، وألح عليه ابو الفضل قائلا :

«لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين ، واريد أن آخذ ثأري منهم».

__________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ٨٤)

(٢) مقاتل الطالبيين (ص ٨٤)

(٣) المطهم : الفرس السمين الفاحش السمن

(٤) مقاتل الطالبيين (ص ٨٤)

٢٦٤

لقد ضاق صدره وسئم من الحياة حينما رأى الكواكب المشرقة من اخوته وابناء اخوته وعمومته صرعى مجزر بن على رمال كربلا فتحرق شوقا للالتحاق بهم والأخذ بثأرهم ، وطلب منه الامام أن يسعى لتحصيل الماء الى الاطفال الذين صرعهم العطش فاندفع الشهم النبيل نحو اولئك الممسوخين فجعل يعظهم ويحذرهم غضب اللّه ونقمته ، وخاطب ابن سعد قائلا :

«يا ابن سعد هذا الحسين بن بنت رسول اللّه (ص) قد قتلتم أصحابه وأهل بيته ، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء ، قد احرق الظمأ قلوبهم ، وهو مع ذلك يقول : دعوني اذهب إلى الروم أو الهند وأخلي لكم الحجاز والعراق».

وزلزلت الأرض تحت اقدامهم وودوا أن تخيس بهم ، وبكى بعضهم وساد عليهم صمت رهيب فانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن فرد عليه قائلا :

«يا ابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة الا أن تدخلوا في بيعة يزيد».

وقفل أبو الفضل راجعا إلى أخيه فاخبره بعتو القوم وطغيانهم ، وسمع الأبي الشهم صراخ الأطفال وهم يستغيثون وينادون :

العطش العطش

الماء الماء

فرآهم ابو الفضل العباس ـ ويا لهول ما رأى ـ قد ذبلت شفاههم وتغيرت الوانهم وأشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ ، فالتاع كأشد ما يكون الالتياع ، وسرى الألم العاصف في محياه ، واندفع ببسالة لإغاثتهم فركب

٢٦٥

جواده وأخذ معه القربة ، فاقتحم الفرات وقد استطاع بقوة بأسه أن يفك الحصار الذي فرض على الماء وقد انهزم الجيش من بين يديه فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطم فلول الشرك ، وقد انتهى الى الماء وكان قلبه الشريف قد تفتت من العطش ، واغترف من الماء غرفة ليشرب منه الا انه تذكر عطش أخيه ومن معه من النساء والأطفال فرمى الماء من يده وامتنع أن يروي غليله وهو يقول :

يا نفس من بعد الحسين هوني

وبعده لا كنت أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون

وتشربين بارد المعين

تالله ما هذا فعال ديني(١)

ان الانسانية بكل اجلال واكبار لتحيي هذه الروح العظيمة التي تألفت في دنيا الفضيلة والاسلام ، وهي تلقي على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة الانسانية والمثل العليا.

لقد كان هذا الايثار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان من ابرز الذاتيات في خلق أبي الفضل ، فلم تمكنه عواطفه المترعة بالولاء والحنان لأخيه أن يشرب من الماء قبله ، فأي ايثار أنبل أو اصدق من هذا الايثار لقد امتزجت نفسه بنفس أخيه ، وتفاعلت روحه مع روحه ، فلم يعد هناك أي تعدد في الوجود بينهما واتجه فخر هاشم مزهوا نحو المخيم بعد ما ملأ القربة وهي عنده اغلى واثمن من الحياة ، والتحم مع الأعداء التحاما رهيبا فقد أحاطوا به ليمنعوه من ايصال الماء إلى عطاشى أهل البيت ، وأشاع فيهم البطل القتل فأخذ يحصد الرءوس ويجندل الأبطال وهو يرتجز :

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٢٢٦)

٢٦٦

لا أرهب الموت اذا الموت زقا

حتى اوارى في المصاليت لقى

نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا

إني أنا العباس اغدو بالسقا

ولا اخاف الشر يوم الملتقى(١)

لقد اعلن لهم عن شجاعته النادرة وبطولاته العظيمة ، فهو لا يرهب الموت ، وانما يستقبله بثغر باسم دفاعا عن الحق ، ودفاعا عن أخيه رائد العدالة الاجتماعية في الأرض وانه لفخور اذ يغدو بالسقاء مملوءا من الماء ليروي به عطاشى أهل البيت.

وانهزمت جيوش الباطل بطاردها الرعب والفزع ، فقد أبدى أبو الفضل من البطولات ما يفوق حد الوصف وقد أيقنوا أنهم عاجزون عن مقاومته ، الا ان الوضر الجبان زيد بن الرقاد الجهني قد كمن له من وراء نخلة ، ولم يستقبله بوجهه ، فضربه على يمينه فبراها لقد قطع تلك اليد التي كانت تفيض سماحا وبرا على الناس ودفاعا عن حقوق المظلومين والمضطهدين.

ولم يعن ابو الفضل بيمينه ، وانما راح يرتجز :

واللّه ان قطعتم يميني

اني أحامي أبدا عن ديني

وعن امام صادق يقيني

نجل النبي الطاهر الأمين(٢)

ودلل بهذا الرجز على الأهداف العظيمة التي يناضل من اجلها ، فهو انما يناضل دفاعا عن الدين ، ودفاعا عن امام المسلمين.

ولم يبعد العباس قليلا حتى كمن له من وراء نخلة رجس من ارجاس البشرية وهو الحكيم بن الطفيل الطائي فضربه على يساره فبراها ، وتنص

__________________

(١) مناقب ابن شهر اشوب ٤ / ١٠٨

(٢) المناقب ٤ / ١٠٨

٢٦٧

بعض المقاتل انه حمل القربة باسنانه وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت ، غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء وألم الجروح وشدة الظمأ لقد كان ذلك منتهى ما وصلت إليه الانسانية في جميع ادوارها من الوفاء والرحمة والحنان.

وبينما هو يركض وهو بتلك الحالة اذ أصاب القربة سهم غادر فاريق ماؤها ، ووقف البطل الشهم حزينا ، فقد كان اراقة الماء عنده أشد عليه من ضرب السيوف وطعن الرماح ، وشد عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته ، وهوى الى الأرض وهو يؤدي تحيته ووداعه الأخير إلى أخيه قائلا.

«عليك مني السلام أبا عبد اللّه»(١)

وحمل الأثير كلماته إلى أخيه فخرقت قلبه ومزقت احشاءه ، وانطلق وهو خائر القوى منهد الركن فاقتحم بجواده جيوش الأعداء ، ووقف على الجثمان المقدس وهو يعاني آلام الاحتضار والقى بنفسه عليه فجعل يشمه ويضمخه بدموع عينيه وهو يلفظ شظايا قلبه الذي مزقته الكوارث قائلا :

«الآن انكسر ظهري ، وقلت حيلتي»

وجعل الامام يطيل النظر إلى جثمان أخيه وهو يذكر اخوته الصادقة ووفاءه النادر وشهامته الفذة وتبددت جميع آماله ، وكان مما يهون عليه اهوال هذه الكارثة سرعة اللحاق به ، وعدم بقائه بعده الا لحاظات ، ولكنها كانت عنده كالسنين فقد ودّ أن المنية قد وافته قبله.

وقام الثاكل الحزين وقد انهارت قواه ، وهو لا يتمكن ان يقل قدميه ، وقد بان عليه الانكسار والحزن ، واتجه صوب المخيم وهو يكفكف دموعه ، فاستقبلته سكينة قائلة :

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٢٢٦)

٢٦٨

«أين عمي؟»

فأخبرها بشهادته وهو غارق بالبكاء والشجون ، وذعرت حفيدة الرسول (ص) زينب واستولى عليها الفزع حينما سمعت بمقتل أخيها ، ووضعت يدها على قلبها المذاب وهي تصيح :

«وا أخاه ، وا عباساه ، وا ضيعتنا بعدك»

وشارك الامام شقيقته في النياحة على أخيه البار ، واندفع رافعا عقيرته وهو الصبور :

«وا ضيعتنا بعدك يا أبا الفضل»(١)

لقد شعر بالوحدة والضيعة بعد فقده لأخيه الذي لم يترك لونا من الوان البر والمواساة الا قدمها لأخيه.

فسلام على سيرتك وذكراك يا أبا الفضل ، فلقد مضيت الى مصيرك العظيم وأنت من أعظم الشهداء اشراقا وتضحية.

وداعا يا قمر بني هاشم

وداعا يا بطل كربلا

وسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا

محمد الأصغر :

وممن استشهد من أخوة الحسين لأبيه محمد الأصغر وأمه أمّ ولد(٢) وقد قاتل قتالا عنيفا فشد عليه رجل من تميم فقتله(٣) .

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٢٢٨)

(٢) مقاتل الطالبيين (ص ٨٥) وفي تأريخ خليفة خياط ١ / ٢٢٥ ان أمه لبانة بنت عبيد اللّه بن العباس.

(٣) مقاتل الطالبيين (ص ٨٦)

٢٦٩

ابو بكر :

وهو أخو الامام لأبيه ، وأمه ليلى بنت مسعود لم يعرف اسمه(١) ويقول الخوارزمي : ان اسمه عبد اللّه(٢) وقد برز للحرب فقتله رجل من همدان ، وقيل لا يدرى من قتله(٣) ويذهب الطبرى الى انه مشكوك في قتله.

العباس الأصغر :

وهو اخو الامام لأبيه وأمه لبابة بنت عبيد اللّه بن العباس استشهد يوم الطف(٤) ويقول القاسم بن اصبغ المجاشعي لما أتى بالرؤوس إلى الكوفة رأيت فارسا علق في ساق فرسه رأس غلام أمرد كأنه القمر ليلة البدر فاذا طأطأ الفرس رأسه لحق رأس الغلام بالأرض فسألت عن الفارس فقيل هو حرملة بن كاهل وسألت عن الرأس فقيل هو رأس العباس بن علي(٥) وهذا مما يؤكد وجود العباس الأصغر لأن العباس الأكبر كان عمره يوم قتل اثنين وثلاثين سنة وليس غلاما امردا.

الى هنا ينتهي بنا الحديث عن شهداء أهل البيت (ع) وقد انتهكت بقتلهم حرمة الرسول (ص) فلم يرع الجيش الأموي قرابتهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم التي هي أولى بالرعاية والعطف من كل شيء.

__________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ٨٦)

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي

(٣) مقاتل الطالبيين (ص ٨٦)

(٤) تأريخ خليفة خياط ١ / ٢٢٥

(٥) مرآة الزمان في تواريخ الزمان (ص ٩٥) الحدائق الوردية ١ / ١٣٢ ، الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٩٢).

٢٧٠

مصرع الامام العظيم

٢٧١
٢٧٢

وتتابعت الرزايا والخطوب يتتبع بعضها بعضا على ريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فهو لم يكد ينتهي من كارثة قاصمة حتى تتواكب عليه أشد الكوارث هولا واعظمها محنة.

لقد عانى الامام في تلك اللحظات الرهيبة من المحن الشاقة ما لم يعانه أي مصلح كان ، ومن بينها :

أولا ـ انه كان ينظر الى مخدرات الرسالة وعقائل الوحي وهن بحالة من الذعر لا يعلمها الا اللّه ففي كل لحظة يستقبلن عزيزا من نجوم العترة الطاهرة مضمخا بدمائه الزكية لا يلبث أن يلفظ نفسه الأخير أمامهن ومما زاد في وجلهن ان الجفاة من الأعداء الذين محيت الرحمة من نفوسهم قد أحاطوا بهن ، ولا يعلمن ما ذا سيجري عليهن من المحن بعد فقد الأهل والحماة ، وكان الامام ينظر إلى ما ألم بهن من الخوف فيذوب قلبه أسى وحسرات فكان يأمرهن بالتجلد والخلود الى الصبر ، وأن لا يبدين من الجزع ما ينقص قدرهن ، واعلمهن أن اللّه يحفظهن وينجيهن من شر الأعداء.

ثانيا ـ ان الأطفال قد تعالى صراخهم من ألم الظمأ القاتل ، وهو لا يجد مجالا لاغاثتهم ، وقد ذاب قلبه الكبير حنانا ورحمة على أطفاله وعياله الذين يعانون ما لا طاقة لهم به.

ثالثا تعدي السفكة المجرمين بعد قتل أصحابه وأهل بيته الى قتل الأطفال الابرياء من أبناء اخوته وعمومته.

رابعا ـ مقاساته العطش الأليم ، فقد ورد عن شدة ظمأه أنه كان لا يبصر السماء إلا كالدخان وان كبده الشريف قد تفتت من شدة العطش ، يقول الشيخ التستري : «ان عطش الحسين قد أثر في أربعة أعضاء فالشفة ذابلة من حر الظمأ ، والكبد مفتت لعدم الماء ـ كما قال (ع) ـ وقد

٢٧٣

أخبر بذلك حينما يئس من الحياة ، وقد علموا أنه لا يعيش بعد ذلك فقال لهم : اسقوني قطرة من الماء فقد تفتت كبدي ، واللسان مجروح من شدة اللوك ـ كما في الحديث ـ والعين مظلمة من العطش»(١)

خامسا ـ فقده للأحبة ، من أهل بيته وأصحابه ، فكان ينظر إلى خيمهم فيراها خالية فجعل يصعد آهاته واحزانه ، ويندبهم بأقسى ندبة.

ان النفس لتذوب حسرات من هذه الخطوب التي ألمت بابن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، يقول صفي الدين : «وقد لاقى الحسين من المحن والبلايا ما لا يستطيع مسلم أن يسمعه إلا ويذوب فؤاده»(٢) .

استغاثة الامام :

والقى الامام الممتحن نظرة مشفوعة بالأسى والحسرات على أهل بيته وأصحابه فرآهم مجزرين كالاضاحي على رمال كربلا تصهرهم الشمس ، وسمع عياله وقد ارتفعت اصواتهن بالبكاء فأخذ يستغيث ويطلب الناصر والمعين ليحامي عن حرم رسول اللّه (ص) قائلا :

«هل من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه (ص)؟ هل من موحد يخاف اللّه فينا؟ هل من مغيث يرجو اللّه في اغاثتنا؟»(٣) .

ولم تنفذ هذه الاستغاثة إلى تلك القلوب التي ران عليها الباطل وغرقت في الآثام ولما سمع زين العابدين استغاثة أبيه وثب من فراشه ،

__________________

(١) خصائص الحسين (ص ٦٠)

(٢) وسيلة المال في مناقب الآل

(٣) درر الافكار في وصف الصفوة الأخبار (ص ٣٨) لأبي الفتح ابن صدقة.

٢٧٤

وجعل يتوكأ على عصا لشدة مرضه ، فبصر به الحسين فصاح بأخته السيدة أم كلثوم! احبسيه لئلا تخلو الارض من نسل آل محمد ، وبادرت إليه فارجعته إلى فراشه(١) .

مصرع الرضيع :

أي صبر كان صبر أبي عبد اللّه؟!! كيف استطاع أن يتحمل هذه الكوارث انه صبر تعجز عنه الكائنات ، وتميد من هوله الجبال ، وكان من افجع وأقسى ما نكب به رزيته بولده عبد اللّه الرضيع فقد كان كالبدر في بهائه ، فأخذه وجعل يوسعه تقبيلا ويودعه الوداع الأخير ، وقد رآه مغمى عليه ، وقد غارت عيناه وذبلت شفتاه من شدة الظمأ فحمله إلى القوم ليستدر عواطفهم لعلهم يسقوه جرعة من الماء ، وعرضه عليهم وهو يظلل له بردائه من حرارة الشمس ، وطلب منهم أن يسعفوه بقليل من الماء ، فلم ترق قلوب اولئك الممسوخين ، وانبرى الباغي اللئيم حرملة ابن كاهل فسدد له سهما ، وجعل يضحك ضحكة الدناة وهو يقول مفتخرا أمام اللئام من أصحابه :

«خذ هذا فاسقه»

واخترق السهم ـ باللّه ـ رقبة الطفل ، ولما أحس بحرارة السهم أخرج يديه من القماط ، وجعل يرفرف على صدر أبيه كالطير المذبوح ، وانحنى الطفل رافعا رأسه الى السماء فمات على ذراع أبيه إنه منظر تتصدع من هوله القلوب ، وتلجم الالسن ورفع الامام يديه وكانتا مملوءتين من ذلك الدم الطاهر فرمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة

__________________

(١) مناقب ابن شهر اشوب ٤ / ٢٢٢

٢٧٥

واحدة الى الارض ـ حسبما يقول الامام الباقر عليه السلام ـ ، وأخذ يناجي ربه قائلا :

«هون ما نزل بي أنه بعين اللّه تعالى اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ، الهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه ، وانتقم لنا من الظالمين ، واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة في الآجل ، اللهم : أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد (ص)».

ونزل الامام عن جواده وحفر لطفله بجفن سيفه حفرة ودفنه مرملا بدمائه الزكية ، وقيل انه القاه مع القتلى من أهل بيته(١) لك اللّه يا أبا عبد اللّه على هذه الكوارث التي لم يمتحن ببعضها أي نبي من أنبياء اللّه ، ولم تجر على أي مصلح في الارض.

صمود الامام :

ووقف الامام وحيدا في الميدان أمام أعدائه ، وقد زادته الفجائع المذهلة ايمانا ويقينا في بشر وطلاقة وثقة بما يصير إليه من منازل الفردوس الأعلى.

لقد وقف ثابت الجنان لم يوهن عزيمته مصارع اولاده وأهل بيته وأصحابه ولا ما كان يعانيه من ألم العطش ونزيف الدماء ، انه صمود الأنبياء وأولي العزم الذين ميزهم اللّه على بقية عباده ، وقد روى ولده علي بن الحسين زين العابدين (ع) الصور المذهلة عن صبر أبيه وصموده قال : كان كلما يشتد الأمر يشرق لونه ، وتطمئن جوارحه ، فقال بعضهم :

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٣٣)

٢٧٦

انظروا كيف لا يبالي بالموت(١) ويقول عبد اللّه بن عمار : رأيت الحسين حين اجتمعوا عليه يحمل على من على يمينه حتى اندغروا عنه(٢) فو اللّه ما رأيت مكثورا قد قتل أولاده وأصحابه اربط جأشا منه ، ولا أمضى جنانا منه ، وو اللّه ما رأيت قبله ولا بعده مثله(٣) وكان يتمثل بقول ابن الخطاب الفهري :

مهلا بني عمنا ظلامتنا

إن بنا سورة من القلق

لمثلكم تحمل السيوف ولا

تغمز احسابنا من الرفق

إني لأنمى اذا انتميت

إلى عز عزيز ومعشر صدق

بيض سباط كأن أعينهم

تكحل يوم الهياج بالعلق(٤)

وحمل على اعداء اللّه فجعل يقاتلهم أشد قتال رآه الناس ، وقد حمل على الميمنة وهو يرتجز :

الموت أولى من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

وحمل على الميسرة وهو يرتجز :

__________________

(١) خصائص الحسين للتستري (ص ٣٩)

(٢) اندغروا : أي ولوا منهزمين فزعين

(٣) تأريخ ابن كثير ٨ / ١٨٨

(٤) ريحانة الرسول (ص ٦٤) وجاء فيه (أن من الغريب أن كل من تمثل بهذه الأبيات قتل ، فقد تمثل بها الحسين يوم الطف وزيد بن علي يوم السبخة ، ويحيى بن زيد يوم الجوزجان ، ولما تمثل بها ابراهيم ابن عبد اللّه بن الحسن في خروجه على المنصور تطير له أصحابه ، ولم يلبث أن أتاه سهم غادر فقتله.

٢٧٧

أنا الحسين بن علي

آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي(١)

أجل أنت الحسين وأنت ملء فم الدنيا شرفا ومجدا ، وأنت الوحيد في هذه الدنيا لم تنثن عن عزيمتك وارادتك ، فلم تضرع ولم تهن ومضيت في طريق الكفاح تدك حصون الظالمين والماردين.

لقد مضيت على دين جدك الرسول (ص) فأنت الباعث المجدد لهذا الدين ولولاك لكان شبحا مبهما لا ظل له على واقع الحياة ...

وروى ابن حجر ان الامام كان يقاتل وينشد هذه الأبيات :

أنا ابن علي الحر من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدي رسول اللّه اكرم من مشى

ونحن سراج اللّه في الناس يزهر

وفاطمة أمي سلالة أحمد

وعمي يدعى ذو الجناحين جعفر

وفينا كتاب اللّه أنزل صادقا

وفينا الهدى والوحي والخير يذكر(٢)

موقف المكرهين :

وانبرى بعض الأوغاد من المكرهين في جيش ابن سعد فأخذوا بالدعاء للامام بالنصر والتغلب على أعدائه يقول سعد بن عبيدة : إن اشياخنا من أهل الكوفة كانوا واقفين على تل وهم يبكون ويقولون : اللهم انزل

__________________

(١) مناقب ابن شهر اشوب ٤ / ٢٢٣

(٢) الصواعق المحرقة (ص ١١٧ ـ ١١٨) جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام (ص ١١٩).

٢٧٨

عليه ـ أي على الحسين ـ نصرك ، فأنكر عليهم سعد وقال : يا أعداء اللّه الا تنزلون فتنصرونه(١) .

فزع ابن سعد :

وذعر ابن سعد من كثرة الخسائر التي مني بها جيشه ، فراح الخبيث الدنس يثير النعرات ويؤلب الجيش على حرب ريحانة رسول اللّه (ص) قائلا :

«هذا ابن الانزع البطين ، هذا ابن قتال العرب احملوا عليه من كل جانب».

لقد أثار ابن سعد الاحقاد الجاهلية على الامام فذكرهم بقتل امير المؤمنين للعرب ، وعليهم أن يثأروا لدمائهم وهو منطق من لا علاقة له بالاسلام فان الامام امير المؤمنين لم يقتل العرب وانما قتل القوى الباغية على الاسلام والمنحرفة عن الدين.

ووجه ابن سعد الرماة نحو الامام فكان ـ فيما يقول المؤرخون ـ قد سددت نحوه أربعة آلاف نبلة فصار جسده الشريف هدفا لنبال اولئك البغاة(٢) والتحم معهم التحاما رهيبا ، وقد أيدى من البسالة ما لم يشاهد له نظير في جميع فترات التأريخ.

__________________

(١) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٢) مناقب ابن شهر اشوب ٤ / ٢٢٣

٢٧٩

استيلاء الامام على الماء :

وألح العطش علي الامام ، وأضر به إلى حد بعيد ، فحمل على الفرات ، وكان الموكلون بحراسته فيما يقول بعض المؤرخين أربعة آلاف فانهزموا من بين يديه ، واستولى على الماء فغرف منه غرفة ليروي ظمأه القاتل فناداه خبيث من القوم :

«أتلتذ بالماء؟!! وقد هتكت حرمك»

ورمى أبي الضيم الماء من يده ، وآثر كرامة عائلته على عطشه واسرع الى الخيمة فاذا بها سالمة فعلم أنها مكيدة(١) يقول ابن حجر : ولو لا ما كادوه به من أنهم حالوا بينه وبين الماء لم يقدروا عليه إذ هو الشجاع القرم الذي لا يزول ولا يتحول(٢) .

الهجوم على خيم الحسين :

وتوسط أبي الضيم معسكر الأعداء وجعل يقاتلهم أشد القتال واعنفه وقد هجموا على خيمه ليسلبوا الحريم والأطفال فصاح بهم :

«يا شيعة آل أبي سفيان ، ان لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى احسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون ..»(٣) .

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠ / ٢٠٤

(٢) الصواعق المحرقة (ص ١١٨)

(٣) اللهوف (ص ٤٧) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٩٤ درر الابكار في وصف الصفوة الأخيار (ص ٣٨).

٢٨٠

لقد جردهم الامام بهذه الكلمات من الاطار الاسلامي ، واضافهم إلى آل أبي سفيان العدو الأول للاسلام وتزعم من بعده أبناؤه القوى الباغية عليه ، وما كارثة كربلا الا امتداد لاحقادهم واضغانهم على نبي الاسلام وقد دعاهم (ع) الى الاحتفاظ بالتقاليد العربية التي كانت سائدة في أيام الجاهلية من عدم التعرض للنساء والأطفال بأي أذى أو مكروه.

وانبرى الوغد الخبيث شمر بن ذي الجوشن فقال للامام :

«ما تقول يا ابن فاطمة؟»

وحسب الرجس أنه قد انتقص الامام بنسبته الى أمه سيدة النساء ، ولم يعلم أنه نسبه إلى معدن الطهر والنبوة ، وحسب الحسين فخرا ومجدا أن تكون أمه سيدة نساء العالمين حسبما يقول الرسول (ص)(1) .

فقال له الامام

«أنا الذي أقاتلكم ، والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا».

فأجابه الشمر الى ذلك ، وأحاط به القتلة المجرمون وهم يوسعونه ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح ، فجعلت جراحاته تتفجر دما.

__________________

(1) الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة (ص 83) للحافظ السيوطي من مصورات مكتبة الامام امير المؤمنين ، وجاء فيه روى عمران ابن حصين أن النبي (ص) عاد فاطمة وهي مريضة فقال لها : كيف أنت؟ قالت : اني وجعة واني ليزيدني ألما مالي طعام أكله ، قال يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ، قالت : فاين مريم؟ قال : تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك.

٢٨١

خطابه الأخير :

ووجه الامام (ع) وهو بتلك الحالة خطابا لأعدائه حذرهم فيه من غرور الدنيا وفتنتها ، ويقول المؤرخون : انه لم يلبث بعده الا قليلا حتى استشهد ، وهذا نصه :

«عباد اللّه ، اتقوا اللّه ، وكونوا من الدنيا على حذر فان الدنيا لو بقيت لأحد ، وبقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء ، وأولى بالرضا ، وارضى بالقضاء ، غير أن اللّه تعالى خلق الدنيا للبلاء ، وخلق أهلها للفناء فجديدها بال ، ونعيمها مضمحل ، وسرورها مكفهر ، والمنزل بلغة ، والدار قلعة فتزودوا فان خير الزاد التقوى ، واتقوا اللّه لعلكم تفلحون»(1) .

الامام يطلب ثوبا خلقا :

وطلب الامام من أهل بيته ان يأتوه بثوب خلق لا يرغب فيه احد ليجعله تحت ثيابه لئلا يسلب منه ، فأتوه بتبان(2) فلم يرغب فيه وقال ذلك لباس من ضربت عليه الذلة ، وأخذ ثوبا فخرقه ، وجعله تحت ثيابه فلما قتل جردوه منه(3) .

__________________

(1) زهر الآداب 1 / 162 ، كفاية الطالب.

(2) التبان : سراويل صغيرة

(3) معجم الطبراني الكبير 1 / 140

٢٨٢

وداعه لعياله :

وقفل الامام راجعا الى عياله ليودعهم الوداع الأخير ، وجراحاته تتفجر دما وقد أوصى حرم الرسالة وعقائل الوحي بلبس الأزر والاستعداد للبلاء ، وأمرهن بالخلود الى الصبر والتسليم لقضاء اللّه قائلا :

«استعدوا للبلاء ، واعلموا ان اللّه تعالى حاميكم وحافظكم ، وسينجيكم من شر الأعداء ، ويجعل عاقبة امركم الى خير ، ويعذب عدوكم بأنواع العذاب ، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم»(1) .

تزول الدول ، وتذهب الممالك ، وتفنى الحضارات ، وهذا الايمان الذي لا حد له أحق بالبقاء واجدر بالخلود من كل كائن في هذه الحياة أي نفس تطيق مثل هذه الكوارث ، وتستقبلها برباطة جأش ورضا وتسليم لأمر اللّه ، انه ليس هناك غير الحسين أمل الرسول الأعظم (ص) وريحانته والصورة الكاملة التي تحكيه.

وذابت أسى ارواح بنات الرسول (ص) حينما رأين الامام بتلك الحالة يتعلقن به يودعنه ، وقد وجلت منهن القلوب ، واختطف الرعب الوانهن ، والتاع الامام حينما نظر إليهن وقد سرت الرعدة بأوصالهن يقول الامام كاشف الغطاء :

«من ذا الذي يقتدر أن يصور لك الحسين (ع) وقد تلاطمت امواج البلاء حوله ، وصبت عليه المصائب من كل جانب ، وفي تلك الحال عزم على توديع العيال ومن بقي من الأطفال فاقترب من السرادق المضروب على حرائر النبوة وبنات علي والزهراء (ع) فخرجت المخدرات

__________________

(1) مقتل الحسين للمقرم (ص 337)

٢٨٣

كسرب القطا المذعورة فاحطن به وهو سابح بدمائه ، فهل تستطيع أن تتصور حالهن وحال الحسين في ذلك الموقف الرهيب ولا يتفطر قلبك ، ولا يطيش لبك ، ولا تجري دمعتك»(1) .

لقد كانت محنة الامام في توديعه لعياله من أقسى وأشق ما عاناه من المحن والخطوب ، فقد لطمن بنات رسول اللّه (ص) وجوههن ، وارتفعت اصواتهن بالبكاء والعويل ، وهن يندبن جدهن الرسول (ص) والقين بأنفسهن عليه لوداعه ، وقد اثر ذلك المنظر المريع في نفس الامام بما لا يعلم بمداه الا اللّه.

ونادى الرجز الخبيث عمر بن سعد بقواته المسلحة يحرضها على الهجوم على الامام قائلا :

«اهجموا عليه ما دام مشغولا بنفسه وحرمه ، فو اللّه ان فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم».

وحمل عليه الأخباث فجعلوا يرمونه بالسهام ، وتخالفت السهام بين اطناب المخيم ، وأصاب بعضها ازر بعض النساء فذعرن ودخلن الخيمة وخرج بقية اللّه في الأرض كالليث الغضبان على اولئك الممسوخين فجعل يحصد رءوسهم الخبيثة بسيفه ، وكانت السهام تأخذه يمينا وشمالا ، وهو يتقيها بصدره ونحره ، ومن بين تلك السهام التي فتكت به.

1 ـ سهم اصاب فمه الطاهر ، فتفجر دمه الشريف فوضع يده تحت الجرح فلما امتلأت دما رفعه إلى السماء وجعل يخاطب اللّه تعالى قائلا :

«اللهم ان هذا فيك قليل»(2)

__________________

(1) جنة المأوى (ص 115)

(2) الدر النظيم (ص 168)

٢٨٤

2 ـ سهم أصاب جبهته الشريفة المشرقة بنور النبوة والامامة رماه به ابو الحتوف الجعفي فانتزعه ، وقد تفجر دمه الشريف ، فرفع يديه بالدعاء على السفكة المجرمين قائلا :

«اللهم انك ترى ما أنا فيه من عبادك العصاة ، اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا ، ولا تغفر لهم أبدا» وصاح بالجيش :

«يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته ، أما انكم لا تقتلون رجلا بعدي فتهابون قتله بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم اياي ، وأيم اللّه اني لأرجو أن يكرمني اللّه بالشهادة ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون ...»(1) .

لقد كان جزاء الرسول (ص) الذي انقذهم من حياة البؤس والشقاء أن عدوا على ذريته فسفكوا دماءهم ، واقترفوا منهم ما تقشعر منه الجلود وتندى له الوجوه وقد استجاب اللّه دعاء الامام فأنتقم له من اعدائه المجرمين ، فلم يلبثوا قليلا حتى اجتاحتهم الفتن والعواصف ، فقد هب الثائر العظيم المختار طالبا بدم الامام فأخذ يطاردهم ويلاحقهم ، وقد هربوا في البيداء وشرطة المختار تطاردهم حتى أباد الكثيرين منهم ، يقول الزهري لم يبق من قتلة الحسين أحد الا عوقب اما بالقتل أو العمى أو سواد الوجه ، او زوال الملك في مدة يسيرة(2) .

3 ـ وهو من أعظم السهام التي فتكت بالامام. يقول المؤرخون :

ان الامام وقف ليستريح بعد ما اعياه نزيف الدماء ، فرماه وغد بحجر أصاب جبهته الشريفة فسالت الدماء على وجهه فأخذ الثوب ليمسح الدم

__________________

(1) مقتل الحسين للمقرم (ص 339)

(2) عيون الأخبار لابن قتيبة 1 / 103 ـ 104

٢٨٥

عن عينيه ، فرماه رجس بسهم محدد له ثلاث شعب فوقع على قلبه الشريف الذي يحمل العطف والحنان لجميع الناس ، فعند ذلك أيقن بدنو الأجل المحتوم منه فشخص ببصره نحو السماء وهو يقول :

«بسم اللّه وباللّه وعلى ملة رسول اللّه (ص) الهي انك تعلم انهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري».

وأخرج السهم من قفاه فانبعث الدم كالميزاب فأخذ يتلقاه بيديه فلما امتلأنا رمى به نحو السماء وهو يقول :

«هون ما نزل بي أنه بعين اللّه»

وأخذ الامام من دمه الشريف فلطخ به وجهه ولحيته ، وهو بتلك الهيبة التي تحكى هيبة الأنبياء واندفع يقول :

«هكذا اكون حتى القى اللّه وجدي رسول اللّه (ص) وأنا مخصب بدمي ..»(1) .

4 ـ رماه الحصين بن نمير بسهم أصاب فمه الشريف فتفجر دما فجعل يتلقى الدم بيده ويرمي به نحو السماء وهو يدعو على الجناة المجرمين قائلا :

«اللهم احصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تذر على الأرض منهم أحدا»(2) .

وتكاثرت عليه السهام حتى صار جسده الشريف قطعة منها وقد أجهده نزيف الدماء واعياه العطش ، فجلس على الأرض ، وهو ينأ برقبته من شدة الآلام فحمل عليه وهو بتلك الحالة الرجس الخبيث مالك

__________________

(1) مقتل الخوارزمي 2 / 34

(2) انساب الأشراف ق 1 ج 1

٢٨٦

ابن النسر فشتمه وعلاه بالسيف ، وكان عليه برنس(1) فامتلأ دما ، فرمقه الامام بطرفه ، ودعا عليه قائلا :

«لا اكلت بيمينك ولا شربت وحشرك اللّه مع الظالمين»

والقى البرنس واعتم على القلنسوة(2) فأسرع الباغي الى البرنس فأخذه وقد شلت يداه(3) .

الامام مع ابن رباح :

وكان مسلم بن رباح هو آخر من بقي من أصحاب الامام ، وكان معه ، وقد أصاب الامام سهم في وجهه الشريف فجلس على الأرض وانتزعه ، وقد تفجر دمه ، ولم تكن به طاقة فقال لابن رباح :

«ادن يديك من هذا الدم»

فوضع ابن رباح يديه تحت الجرح فلما امتلأنا دما قال له :

«اسكبه في يدي»

فسكبه في يديه ، فرفعهما نحو السماء وجعل يخاطب اللّه تعالى قائلا :

«اللهم اطلب بدم ابن بنت نبيك»

ورمى بدمه الشريف نحو السماء فلم تقع منه قطرة واحدة الى الأرض فيما يقول ابن رباح(4) .

__________________

(1) البرنس : قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر الاسلام

(2) مقتل الخوارزمي 2 / 34

(3) انساب الاشراف ق 1 ج 1

(4) تأريخ ابن عساكر 13 / 77 ، كفاية الطالب في مناقب علي ابن أبي طالب من مخطوطات مكتبة كاشف الغطاء العامة.

٢٨٧

مناجاته مع اللّه :

واتجه الامام (ع) في تلك اللحظات الأخيرة الى اللّه فأخذ يناجيه ويتضرع إليه بقلب منيب ويشكو إليه ما ألم به من الكوارث والخطوب قائلا :

«صبرا على قضائك لا إله سواك ، يا غياث المستغيثين ، مالي رب سواك ولا معبود غيرك. صبرا على حكمك ، يا غياث من لا غياث له ، يا دائما لا نفاد له يا محيى الموتى ، يا قائما على كل نفس احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين»(1) .

انه الايمان الذي تفاعل مع جميع ذاتياته فكان من أهم عناصره ..

لقد تعلق باللّه وصبر على قضائه وفوض إليه جميع ما نزل به وعاناه من من الكوارث والخطوب ، وقد أنساه هذا الايمان العميق جميع ما حل به يقول الدكتور الشيخ احمد الوائلي في رائعته :

يا أبا الطف وازدهى بالضحايا

من أديم الطفوف روض خيل

نخبة من صحابة وشقيق

ورضيع مطوق وشبول

والشباب الفينان جف ففاضت

طلعة حلوة ووجه جميل

وتوغلت تستبين الضحايا

وزواكي الدماء منها تسيل

ومشت في شفاهك الغر نجوى

نم عنها التحميد والتهليل

لك عتبى يا رب إن كان يرضيك

فهذا الى رضاك قليل

__________________

(1) مقتل المقرم (ص 345)

٢٨٨

الهجوم عليه :

وهجمت على ريحانة رسول اللّه (ص) تلك العصابة المجرمة التي تحمل رجس الأرض وخبث اللئام فحملوا عليه ـ يا للّه ـ من كل جانب وهم يوسعونه ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح فضربه زرعة بن شريك التميمي على كفه اليسرى ، وضربه وغد آخر على عاتقه ، وكان من احقد أعدائه عليه الخبيث سنان بن انس ، فقد أخذ يضربه تارة بالسيف واخرى يطعنه بالرمح ، وكان يفخر بذلك ، وقد حكى للحجاج ما صنعه به باعتزاز قائلا :

«دعمته بالرمح ، وهبرته بالسيف هبرا»(1)

فالتاع الحجاج على قسوته وصاح به : اما انكما لن تجتمعا في دار(2) .

وأحاط به اعداء اللّه من كل جانب ، وسيوفهم تقطر من دمه الزكي يقول بعض المؤرخين إنه لم يضرب أحد في الاسلام كما ضرب الحسين فقد وجد به مائة وعشرون جراحة ما بين ضربة سيف وطعنة رمح ورمية سهم(3) .

ومكث الامام مدة من الوقت على وجه الأرض ، وقد هابه الجميع ونكصوا من الاجهاز عليه يقول السيد حيدر :

فما اجلت الحرب عن مثله

صريعا يجبن شجعانها

__________________

(1) هبرته : قطعته

(2) مجمع الزوائد 9 / 194

(3) الحدائق الوردية 1 / 126

٢٨٩

وكانت هيبته تأخذ بمجامع القلوب حتى قال بعض أعدائه : «لقد شغلنا جمال وجهه ونور بهجته عن الفكرة في قتله» وما انتهى إليه رجل الا انصرف كراهية أن يتولى قتله(1) .

خروج العقيلة :

وخرجت حفيدة الرسول (ص) زينب من خبائها وهي فزعة تندب شقيقها وبقية أهلها وتقول بذوب روحها :

«ليت السماء وقعت على الأرض»

وأقبل ابن سعد فصاحت به : يا عمر أرضيت أن يقتل ابو عبد اللّه وأنت تنظر إليه؟ فأشاح الخبيث بوجهه عنها ودموعه تسيل على لحيته المشومة(2) ولم تعد العقيلة تقوى على النظر الى أخيها وهو بتلك الحالة التي تميد بالصبر ، فانصرفت إلى خبائها لترعى المذاعير من النساء والأطفال.

الفاجعة الكبرى :

ومكث الامام طويلا من النهار ، وقد أجهدته الجروح واعياه نزيف الدماء ، فصاح بالقتلة المجرمين :

«أعلى قتلي تجتمعون؟ اما واللّه لا تقتلون بعدي عبدا من عباد اللّه وأيم اللّه إني لأرجو ان يكرمني اللّه بهوانكم ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون ..».

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن أبي طالب (ص 139)

٢٩٠

وكان الشقي الأثيم سنان بن أنس قد شهر سيفه فلم يدع أحدا يدنو من الامام مخافة أن يغلبه على أخذ رأسه فيخسر الجائزة من سيده ابن مرجانة ، والتفت الخبيث عمر بن سعد إلى شبث بن ربعي فقال له :

«انزل فجئني برأسه»

فانكر عليه شبث وقال له :

«انا بايعته ثم غدرت به ، ثم انزل فاحتز رأسه لا واللّه لا أفعل ذلك ..».

والتاع ابن سعد فراح يهدده :

«اذا اكتب الى ابن زياد»

«اكتب له»(1)

وصاح شمر بالأوغاد المجرمين من أصحابه : ويحكم ما ذا تنتظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم امهاتكم فاندفع خولى بن يزيد الى الاجهاز عليه الا انه ضعف وأرعد فقد اخذته هيبة الامام فأنكر عليه الرجس سنان بن أنس وصاح به : فتّ اللّه في عضدك وأبان يدك ، واشتد كالكلب على الامام فاحتز رأسه الشريف فيما يقول بعض المؤرخين(2) ، وسنذكر الأقوال في ذلك.

واحتز رأس الامام (ع) وكانت على شفتيه ابتسامة الرضا والاطمئنان والنصر الذي احرزه الى الأبد.

لقد قدم الامام روحه ثمنا للقرآن الكريم ، وثمنا لكل ما تسمو به الانسانية من شرف وعز واباء وقد كان الثمن الذي بذله غاليا وعظيما فقد قتل مظلوما مهضوما غريبا بعد أن رزىء بابنائه وأهل بيته وأصحابه

__________________

(1) الدر النظيم في مناقب الأئمة (ص 168)

(2) مناقب الخوارزمي 2 / 36

٢٩١

وذبح هو عطشانا أمام عائلته ، فأي ثمن اغلى من هذا الثمن الذي قدمه الامام قربانا خالصا لوجه اللّه؟

لقد تاجر الامام مع اللّه بما قدمه من عظيم التضحية والفداء ، فكانت تجارته هي التجارة الرابحة قال اللّه تعالى :

( إِنَّ اَللّٰهَ اِشْتَرىٰ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي اَلتَّوْرٰاةِ واَلْإِنْجِيلِ واَلْقُرْآنِ ومَنْ أَوْفىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اَللّٰهِ ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ اَلَّذِي بٰايَعْتُمْ بِهِ وذٰلِكَ هُوَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ ) (1) .

والشيء المحقق ان الامام قد ربح بتجارته وفاز بالفخر الذي لم يفز به أحد غيره ، فليس في اسرة شهداء الحق من نال الشرف والمجد والخلود مثل ما ناله الامام فها هي الدنيا تعج بذكراه ، وها هو حرمه المقدس اصبح اعز حرم وامنعه في الأرض.

لقد رفع الامام العظيم راية الاسلام عالية خفاقة وهي ملطخة بدمه ودماء الشهداء من أهل بيته وأصحابه : وهي تضيء في رحاب هذا الكون وتفتح الآفاق الكريمة لشعوب العالم وأمم الأرض لحربتهم وكرامتهم.

لقد استشهد الامام من اجل أن يقيم في ربوع هذا الكون دولة الحق ، وينقذ المجتمع من حكم الأمويين الذين كفروا بحقوق الانسان ، وحولوا البلاد الى مزرعة لهم يصيبون منها حيث ما شاءوا.

القاتل الأثيم :

واختلف المؤرخون في المجرم الأثيم الذي اجهز على ريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وهذه بعض الأقوال :

__________________

(1) سورة التوبة : آية 110

٢٩٢

1 ـ سنان بن أنس

وذهب الكثيرون من المؤرخين الى ان الشقي الأثيم سنان بن أنس هو الذي احتز رأس الامام (ع)(1) وفيه يقول الشاعر :

وأي رزية عدلت حسينا غداة تبيره كفا سنان(2)

2 ـ شمر بن ذي الجوشن

وصرحت بعض المصادر ان الأبرص شمر بن ذي الجوشن هو الذي قتل الامام(3) فقد كان هذا الخبيث من أحقد الناس على الامام يقول المستشرق رينهارت دوزى : ولم يتردد الشمر لحظة بقتل حفيد الرسول (ص) حين احجم غيره عن هذا الجرم الشنيع. وان كانوا مثله في الكفر(4) .

3 ـ عمر بن سعد

وذكر المقريزي وغيره ان عمر بن سعد هو الذي قتل الامام بعد أن احجم غيره من السفكة المجرمين من قتله(5) .

__________________

(1) تأريخ ابن الأثير 3 / 295 ، مقاتل الطالبيين (ص 118) البداية والنهاية 8 / 188 ، أنساب الأشراف ق 1 ج 1 ، تأريخ القضاعي

(2) الاستيعاب 1 / 379

(3) مقتل الخوارزمي 2 / 36 ، مقتل الحسين للمقرم (ص 347)

(4) مسلمي اسبانيا

(5) خطط المقريزي 2 / 286 ، مناقب ابن شهر اشوب 5 / 119 من مصورات مكتبة الامام امير المؤمنين.

٢٩٣

4 ـ خولى بن يزيد الاصبحي

وتعزو بعض المصادر ان خولى بن يزيد الأصبحي هو الذي قتل الامام واحتز رأسه(1)

5 ـ شبل بن يزيد الأصبحي

ونص بعض المؤرخين على ان خولى بن يزيد الأصبحي نزل عن فرسه ليحتز رأس الامام فارتعدت يداه فنزل إليه اخوه شبل فاحتز رأسه ودفعه إليه(2) .

6 ـ الحصين بن نمر

نص على ذلك بعض المؤرخين(3)

7 ـ رجل من مذحج

ذكر ذلك ابن حجر(4) وانفرد هو بنقله.

__________________

(1) درر الابكار في وصف الصفوة الاخيار (ص 38) وجاء فيه ان عمر بن سعد قال لأصحابه : انزلوا فحزوا رأسه فنزل إليه نصر بن حرشة الضبابي فجعل يضرب بسيفه في مذبح الحسين فغضب ابن سعد ، وقال لرجل عن يمينه : ويحك انزل الى الحسين فارحه فنزل إليه خولى فاحتز رأسه.

(2) تأريخ الخميس 2 / 333

(3) المعجم الكبير للطبراني ، الافادة في تأريخ الأئمة السادة

(4) تهذيب التهذيب 2 / 353

٢٩٤

8 ـ المهاجر بن أوس

نص على ذلك السبط ابن الجوزي(1) ولم يذكره غيره

هذه بعض الأقوال ، والذي نراه ان شمر بن ذي الجوشن ممن تولى قتل الامام ، واشترك مع سنان في حز رأسه ، كما ذهب لذلك بعض المؤرخين(2) .

وعلى أي حال فالويل لذلك الشقي الذي قدم على اقتراف هذه الجريمة التي هي أبشع ما اقترفت من يوم خلق اللّه هذه الأرض حتى يرثها وقد أثر عن النبي (ص) عما يلاقيه قاتل الحسين في الدار الآخرة من العذاب الأليم قال (ص) : «ان قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل النار ، وقد شدت يداه ورجلاه بسلاسل من نار ، منكس في النار حتى يقع في نار جهنم وله ريح يتعوذ أهل النار الى ربهم من شدة ريح نتنه ، وهو فيها خالد ذائق العذاب العظيم ، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها حتى يذوقوا العذاب الأليم ، لا يفتر عنهم ساعة ، وسقوا من حميم جهنم ، ويل لهم من عذاب اللّه عز وجل»(3) .

بأي وجه يلقى رسول اللّه (ص) وقد اثكله بريحانته ، وسبطه ، يقول منصور النمري :

ويلك يا قاتل الحسين لقد

نؤت بحمل ينوء بالحامل

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان

(2) الافادة في تأريخ الأئمة السادة

(3) مناقب ابن المغازلي : رقم الحديث (ص 390) بخط المحقق الاميني في مكتبة الامام امير المؤمنين.

٢٩٥

أي حباء حبوت أحمد في

حفرته من حرارة الثاكل

بأي وجه تلقى النبي وقد

دخلت في قتله مع القاتل(1)

عمر الامام وسنة شهادته :

أما عمر الامام (ع) حين شهادته فقد اختلف فيه المؤرخون ، وهذه بعض الأقوال :

1 ـ (58) سنة : وإليه ذهب معظم المؤرخين(2)

2 ـ (56) سنة : وإليه ذهب اليعقوبي وقال : لأنه ولد سنة(4) من الهجرة(3) .

3 ـ (57) سنة :(4)

4 ـ (65) سنة :(5)

أما السنة التي استشهد فيها فهي سنة (61 هـ) حسبما ذكره أغلب المؤرخين(6)

__________________

(1) زهر الآداب 3 / 669 ، الأغاني 12 / 21 ، أمالي السيد المرتضى

(2) تهذيب التهذيب 2 / 356 ، الاستيعاب 1 / 381 ، الارشاد (ص 283) البداية والنهاية 8 / 198 ، المعجم الكبير للطبراني ، الافادة في تأريخ الأئمة السادة ، مجمع الزوائد 9 / 198

(3) تأريخ اليعقوبي 2 / 218

(4) الاستيعاب 1 / 381 المطبوع على هامش الاصابة

(5) مرآة الجنان 1 / 131

(6) اسد الغابة 2 / 20 ، الاصابة 1 / 334 ، الاستيعاب 1 / 381 مجمع الزوائد 9 / 197 ، تأريخ اليعقوبي 2 / 218.

٢٩٦

وهي تصادف سنة (680 م) في (10) اكتوبر تشرين الأول(1) وما ذكره الحجة الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء رحمه اللّه انه في «(10) تموز»(2) فانه لا واقع له يقول المؤرخون إنه وكانت بين وفاة النبي (ص) واليوم الذي قتل فيه الحسين خمسون سنة(3) ولم يرع المسلمون أنه ريحانة نبيهم وسبطه الذي خلفه في أمته.

امتداد الحمرة في السماء :

ومادت الأرض واسودت آفاق الكون(4) وامتدت حمرة رهيبة في السماء(5) كانت نذيرا من اللّه لأولئك السفكة المجرمين الذي انتهكوا جميع حرمات اللّه ، وفي هذا الافق الملتهب بالحمرة والنار يقول ابو العلاء المعري :

وعلى الأفق من دماء الشهيد

بن علي ونجله شاهدان

فهما في اواخر الليل فجرا

ن وفي اولياته شفقان

ثبتا في قميصه ليجيء الحشر

مستعد يا الى الرحمن

__________________

(1) تأريخ الدول العربية (ص 144) الجدول الملحق بفجر الاسلام (ص 305) الجدول الملحق بتأريخ الدول لابن العبري ، وهو يتفق مع ما ذكره اليعقوبي في تحديد الشهر.

(2) مجلة الغري السنة الأولى (عدد 23 و 24)

(3) تأريخ الخميس 2 / 334

(4) مرآة الجنان 1 / 134 ، خطط المقريزي 2 / 285 ، تهذيب التهذيب 2 / 355

(5) مجمع الزوائد 9 / 197 ، الاتحاف بحب الاشراف (ص 24)

٢٩٧

وقد انكشفت الشمس ، وكانت قد مالت الى الغروب ، وقد شاركت العالم البائس احزانه واشجانه.

فرس الحسين :

وصبغ فرس الحسين ناصيته بدم الامام الشهيد واقبل يركض وهو مذعور نحو خيمة الحسين ليعلم العيال بقتله ، ولما نظرت إليه النساء علمن بمقتله(1) وفي زيارة الناحية «فلما نظرن النساء الى الجواد مخزيا ، والسرج عليه ملويا خرجن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات والى مصرع الحسين مبادرات».

ونادت عقيلة الوحي :

«وا محمداه ، وا أبتاه وا علياه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، هذا حسين بالعراء ، صريع بكربلاء ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل»(2) .

وذهل الجيش ، وود أن تخيس به الأرض ، وجرت دموع أولئك الجفاة من هول مصيبة بنات الرسالة.

حرق الخيام :

وعمد الأخباث اللئام الى حرق خيام الامام غير حافلين بما تضم من

__________________

(1) التأريخ المظفري (ص 230) من مصورات مكتبة الامام الحكيم

(2) مقتل الحسين للمقرم (ص 346)

٢٩٨

بنات الرسالة وعقائل الوحي ، وقد حملوا أقبسة من النار(1) ومناديهم ينادي.

«احرقوا بيوت الظالمين»

يا للّه!! لقد كان بيت الامام ـ حسب ما يزعمون ـ بيت الظلم ، وبيت ابن مرجانة بيت العدل ، وقد اغرق هو وابوه الناس في الظلم والجور.

وحينما التهبت النار في الخيم فررن بنات الرسالة وعقائل الوحي من خباء والنار تلاحقهن ، أما اليتامى فقد علا صراخهم فبين من تعلق باذيال عمته الحوراء لتحميه من النار ، وتصد عنه اعتداء الجفاة وبين من هام على وجهه في البيداء ، وبين من يستغيث بأولئك الممسوخين الذين خلت قلوبهم من الرحمة والعطف ، لقد كان ذلك المنظر مما تتصدع له الجبال ولم يغب عن ذهن الامام زين العابدين طيلة المدة التي عاشها بعد أبيه ، فكان دوما يذكره مشفوعا بالأسى والعبرات وهو يقول :

«واللّه ما نظرت الى عماتي واخواتي الا وخنقتني العبرة وتذكرت فرارهن يوم الطف من خيمة الى خيمة ومن خباء إلى خباء ، ومنادي القوم ينادي احرقوا بيوت الظالمين».

سلب جثة الامام :

واقترف جيش ابن سعد اسوأ الماثم وافظع الجرائم فقد هرعوا بجشع وجثة الامام العظيم فجعلوا ينهبون ما عليها ما عليها من لامة حرب أو ثياب فأخذ رجل من بني نهشل سيفه(2) وهو سيف النبي (ص) المسمى

__________________

(1) التأريخ المظفري (ص 228)

(2) انساب الأشراف ق 1 ج 1

٢٩٩

بذي الفقار(1) واخذ قيس بن الأشعث احد قادة ذلك الجيش قطيفة الامام وكانت من خز ، فعيب عليه وسمي قيس القطيفة وسلب قميصه اسحاق بن حوية ، واخذ الأخنس بن مرشد عمامته(2) واخذ بحير سراويله فلبسها فصار زمنا مقعدا(3) ولم يتركوا على جثمان الامام الا السراويل التي عمد الامام على تمزيقها حتى يتركوها على جسده.

وجاء احط البشرية واقذرها بجدل ففتش عن مغنم يجده على جسم الامام فلم يجد شيئا وفتش مليا فرأى خاتم الامام في يده وقد بنت عليه الدماء فعمد الى قطع اصبعه وأخذه(4) وترك البغاة جثمان الامام عاريا تصهره الشمس.

سلب حرائر النبوة :

وعمد ارذال أهل الكوفة وعبيد ابن مرجانة الى سلب حرائر النبوة وعقائل الرسالة فسلبوا ما عليهن من حلي وحلل ، ومال وغد من ارغادهم

__________________

(1) التأريخ السياسي للدول العربية 2 / 75 وجاء في هامشه أن هذا السيف غنمه النبي (ص) يوم بدر (ابن هذيل حلية الفرسان وشعار الشجعان ص 15) ، وسمي بذي الفقار لأنه كان يشبه في شكله فقرات الظهر (كنوز الفاطميين ص 54) وقد انتقل هذا السيف الى حيازة العباسيين ومن بعدهم إلى الفاطميين (المجالس مخطوط).

(2) مقتل الحسين للمقرم (ص 347)

(3) تأريخ المظفري (ص 230)

(4) شرح شافية ابي فراس 2 / 2

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496