حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسين عليه السلام8%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 307880 / تحميل: 5964
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

بخسة ووحشية إلى السيدة أم كلثوم فسلب قرطبها(١) واسرع وضر خبيث نحو السيدة فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها ، وهو يجهش بالبكاء ، وبهرت منه ابنة الحسين فقالت له :

«مالك تبكي؟!!»

«كيف لا ابكي وأنا اسلب ابنة رسول اللّه (ص)»

ولما رأت تعاطفه قالت له :

«دعني»

وراح الدنيء يبدي جشعه قائلا :

«أخاف ان يأخذه غيري»(٢)

وعمدوا إلى نهب ما في الخيام من ثقل ومتاع ، وهجم الشمر على ثفل الحسين لنهبه فوجد ذهبا فأخذه ودفع بعضه إلى ابنته لتصوغه حليا لها فجاءت به الى الصائغ فلما أدخله النار صار هباء(٣) .

وبصرت امرأة من آل بكر بن وائل ما جرى على بنات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، من النهب والسلب والترويع ، فاندفعت وهي مذهولة فجعلت تحفز اسرتها على انقاذ ودائع النبوة من أيدي أولئك الجفاة قائلة «يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه!! لا حكم إلا للّه ، يا لثارات رسول اللّه».

وبادر إليها زوجها فردها الى رحله(٤) وتجرد ذلك الجيش من كل نزعة انسانية ، وخلا من كل رأفة ورحمة ، فقد جعلوا يوسعون بنات

__________________

(١) التأريخ المظفري (ص ٢٣٠)

(٢) سير اعلام النبلاء ٣ / ٢٠٤

(٣) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٩٠)

(٤) اللهوف (ص ٧٤)

٣٠١

رسول اللّه (ص) ضربا بكعوب رماحهم وهن يلذن من الرعب بعضهن ببعض ، وقد سقطت فاطمة بنت الحسين مغشيا عليها من شدة الضرب فلما أفاقت رأت عمتها السيدة أمّ كلثوم تبكي عند رأسها(١) ان مأساة عائلة الرسالة تبكي الجماد وتستثير عطف الصخور.

الهجوم على زين العابدين :

وهجم الفجرة الجفاة على زين العابدين وكان مريضا قد انهكته العلة ، ومزق الأسى قلبه ، فاراد الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن ان يقتله فنهره حميد بن مسلم قائلا له :

«سبحان اللّه!! أتقتل الصبيان؟ انما هو مريض»

فلم يعن به الوغد ، وبادرت إليه العقيلة عمته زينب فتعلقت به ، وقالت لا يقتل حتى اقتل دونه(٢) فكف اللثام عنه ، وقد نجا منهم باعجوبة ، واجتاز على النساء الرجس عمر بن سعد فصحن في وجهه وبكين فمنع الخبيث العسكر من التعرض لهن بسوء(٣) .

__________________

(١) مقتل المقرم (ص ٣٧٠)

(٢) تأريخ القرماني (ص ١٠٨) وفي المنتظم ان ابن سعد هو الذي امر بقتل زين العابدين فوقعت عليه زينب وقالت ، لا يقتل حتى اقتل فرق لها وكف عنه.

(٣) تأريخ ابن كثير ٨ / ١٨٩

٣٠٢

الخيل تدوس الجثمان العظيم :

واخذ شر اولئك الجفاة يستشري فلم يدعوا حرمة للّه الا انتهكوها ولا اثما الا اقترفوه ، فقد انبرى ابن سعد لينفذ اوامر سيده ابن مرجانة فنادى : من ينتدب للحسين فيوطىء الخيل صدره وظهره(١) قال الواقدي :

وبادر الشمر فوطئ الجثمان المقدس بفرسه(٢) وتبعه عشرة من أولاد البغايا وهم اسحاق بن يحيى الحضرمي ، وهانئ بن ثبيت الحضرمي وادلم بن ناعم ، واسد بن مالك والحكيم بن الطفيل الطائي ، والأخنس بن مرشد وعمرو بن صبيح المذحجي ورجاء بن منقذ العبدي ، وصالح بن وهب اليزني ، وسالم بن خيثمة الجعفي(٣) فداسوا ريحانة رسول اللّه (ص) بخيولهم مقبلين ومدبرين حتى الصقوا الجثمان العظيم بالأرض(٤) وكان المجرم الخبيث اسد بن مالك يفتخر امام ابن سعد ويقول :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسر(٥)

وجرى هذا التمثيل المنكر أمام ابن سعد وسائر قوات ذلك الجيش(٦) ولم تجر هذه العملية فيما احسب ـ على أحد من أهل بيت الامام وأصحابه ويؤيد

__________________

(١) تأريخ الطبري ٦ / ١٦١

(٢) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٣) مناقب ابن شهر اشوب ٤ / ١١١

(٤) تأريخ ابن كثير ٨ / ١٨٩

(٥) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٩

(٦) تأريخ دول الاسلام ١ / ٥٧ وجاء فيه ان الجيش حمل جثة الامام العظيم إلى ابن سعد فأمر الخبيث أن تدوس الخيل صدر الامام وظهره.

٣٠٣

ذلك أن الأوامر التي صدرت من ابن زياد الى ابن سعد قد اقتصرت على التمثيل بجسد الحسين دون غيره.

وعلى أي حال فقد أعلنوا بهذا العمل الفظيع عن حقدهم البالغ على الامام ، وتجردهم من جميع العواطف الانسانية.

لقد داسوا جسد الامام الذي تربى في كنف الرسول (ص) ونبت لحمه من لحم علي وفاطمة ، والذي قال فيه الرسول :

«حسين مني وأنا من حسين ، أحب اللّه من أحب حسينا»

لقد داسوا ذلك الجسد الذي ثار في وجه المعتدين والظالمين ، وأراد أن يزيل البغي ، ويظهر العدل في الأرض حسب ما أمر اللّه به.

العقيلة أمام الجثمان العظيم :

ووقفت حفيدة الرسول (ص) وابنة أمير المؤمنين (ع) العقيلة زينب عليها السلام على جثمان أخيها العظيم الذي مزقته السيوف ، وجعلت تطيل النظر إليه ورفعت بصرها نحو السماء وهي تدعو بحرارة قائلة :

«اللهم تقبل هذا القربان»(١)

ان الانسانية لتنحني اجلالا وخضوعا امام هذا الايمان الذي هو السر في خلود تضحية الحسين.

لقد تحملت بطلة كربلا اعباء تلك المحن الشافة ، وتجرعت غصص تلك الأهوال محتسبة الأجر عند اللّه ، وهي تتضرع بخشوع الى اللّه أن يتقبل ذلك القربان ، فأي صبر يماثل هذا الصبر؟

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٧٩)

٣٠٤

لقد تجلت قوة الشخصية في حفيدة الرسول ، وبرزت معاني الوراثة النبوية في مواقفها الخالدة التي صانت بها أهداف الامام ، واظهرت الواقع في تضحيته ، وانارت السبيل في بيان اسرار شهادته.

سنان يطلب الجائزة :

واحتف اولئك الجفاة حول القاتل الأثيم سنان بن انس(١) وجعلوا يمنونه الأماني ويقولون له :

«قتلت الحسين بن علي وابن فاطمة قتلت اعظم العرب خطرا الذي اراد أن يزيل ملك هؤلاء فأت امراءك فاطلب ثوابك منهم ، فانهم لو اعطوك بيوت أموالهم في قتله لكان قليلا»

وتحركت مطامعه ، فأقبل حتى وقف على فسطاط ابن سعد رافعا صوته :

أوقر ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت السيد المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم إذ ينسبون النسبا

ولما سمعه ابن سعد نهره ورماه بالسوط ، وقال له : ويحك أنت مجنون لو سمعك ابن زياد تقول هذا الضرب عنقك(٢) وقد حدد الباغي اللئيم أهدافه في هذا الرجز ، فهو انما ينشد الذهب والفضة في قتله لخير الناس أما وأبا ، ولم يؤثر أن هناك رجزا قيل في المعركة أو بعدها سوى

__________________

(١) سنان بن أنس : هو جد شريك القاضي المعروف بعدم النزاهة جاء ذلك في الاستيعاب ١ / ٣٧٧.

(٢) البداية والنهاية ٨ / ١٨٩ ، وفي المعجم الكبير للطبراني ٢ / ١٤٠ ان انس أنشد هذين البيتين امام ابن زياد وكذلك جاء في الاستيعاب ١ / ١٧٧.

٣٠٥

هذا الرجز ، وهو يمثل أهداف الأكثرية الساحقة في ذلك الجيش السحيق وحلل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله :

«والعاطفة التي تشيع في هذا الرجز ـ مع الأسف ـ عاطفة الفرح والزهو ، فراح القاتل بهذه الهوية الغالية التي يحملها إلى الأمير ، وزهوه بهذا العمل الضخم الذي قام به من أجل الدولة ، وهو لهذا يشعر بأن أقل ما يمكن أن يكافئه الأمير به أن يوقر ركابه فضة وذهبا ، وهو ـ لهذا أيضا ـ يضفي على قتيله خير ما يمكن أن يضفيه انسان على انسان ، وقد جعله هذا يشعر بشيء من الدالة على الأمير يبيح أن يجعل حديثه عن هذه الجائزة حديث الآمر الذي لا يقبل ردا ولا رفضا ، وهو ـ من أجل هذا ـ يبدأ رجزه لا بالحديث عن الحادثة التي تعني الأمير وانما بالحديث عن الجائزة التي تعنيه هو ، كأنما لا يعنيه من الأمر الا ما سوف يناله من ذهب وفضة»(١) .

القبائل تقتسم الرءوس :

وبادرت القبائل الى حز رءوس أولئك الأحرار الذين استشهدوا من أجل العدالة الاجتماعية ، ومن أجل تحرير الانسان من الظلم والطغيان.

ولم يقر الاسلام في جميع حروبه التمثيل الا ان الجيش الأموي قد استباح ذلك ، فان معاوية قد سنّه واباحه ، فقد أمر برأس الشهيد العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي أن يطاف به ، وقد اقتدى به ابن مرجانة فبعث برأس مسلم وهانئ إلى يزيد ثم عهد الى ابن سعد أن يحز رءوس الشهداء في واقعة كربلا ليبعثها هدية إلى يزيد ، وقد تهافتت تلك العصابة المجرمة

__________________

(١) حياة الشعر في الكوفة (ص ٣٧٣ ـ ٣٧٤)

٣٠٦

إلى اقتسام الرءوس ليقدموها هدية لابن مرجانة ، وقد اقتسمت القبائل التالية ما يلي من الرءوس.

١ ـ كندة : جاءت بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث

٢ ـ هوازن : حصلت على عشرين رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن.

٣ ـ مذحج جاءت بسبعة رءوس

٤ ـ بنو قيس جاءوا بتسعة رءوس

٥ ـ بنو تميم : جاءوا بسبعة عشر رأسا.

٦ ـ بنو أسد : جاءوا بستة عشر رأسا(١)

٧ ـ سائر الجيش جاءوا بسبعة رءوس(٢)

وبقيت على صعيد كربلا جثة الحسين ، وجثث الشهداء من أهل بيته وأصحابه قد فصلت عنها الرءوس ، ووضعت فوق الحراب لتكون منارا لجميع شعوب الأرض على طريق الحق والشرف والايمان.

عودة الطاغية الى الكوفة :

وكان الطاغية معسكرا بالنخيلة يتلقى الأحداث في كل لحظة فقد كان على اتصال دائم بابن سعد فلما جاءه البشير بقتل الحسين ارتحل مسرعا إلى الكوفة ليحكم أمرها ، ويتخذ التدابير للمحافظة عليها فاصدر أمره إلى حراس البلد وكان عددهم عشرة آلاف فارس بمنع حمل السلاح على كل أحد

__________________

(١) انساب الأشراف ق ١ ج ١ ، المنتظم الجزء الخامس

(٢) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٣٠٢

٣٠٧

ونادى مناديه بالكوفة بذلك(١) كما أرسل الوفود الى جميع انحاء البلاد لاعلان النصر واذاعة الخوف بين الناس(٢) .

ليلة الحادي عشر :

وقل ما شئت في تصوير المحنة الكبرى التي دهمت عقائل النبوة في ليلة الحادي عشر من المحرم ، فانك لا تستطيع تصويرها ولا استيعاب مأساتها ، فلم تبق رزية من رزايا الدنيا ، ولا غصة من غصص الدهر الا جرت عليهن ، فالاعداء الجفاة الذين لا يملكون أي شرف أو نبل قد استولوا عليهن ، والحماة الأباة من آل الرسول (ص) قد تناثرت اشلاؤهم الزكية أمامهن من دون أن ينبري أحد الى مواراتهم ، والخيام قد احرقت ونهب ما فيها من ثقل ومتاع ، وسلب ما عليهن من حلي وحلل ووصف ذلك المنظر الحزين الدكتور الشيخ احمد الوائلي في رائعته التي يقول فيها :

وسجى الليل والرجال ضحايا

والنساء المخدرات ذهول

واليتامى تشرد وضياع

والثكالى مدامع وعويل

وبقايا مخيم من رماد

وقيود يئن منها عليل

وزنود قست عليها سياط

وجسوم يضري بها التمثيل(٣)

أما حفيدة الرسول (ص) وشقيقة الحسين العقيلة زينب (ع) فانها ما وهنت ولا استكانت أمام تلك الأهوال القاصمة فقد اسرعت تلتقط

__________________

(١) مع الحسين في نهضته (ص ٢٨٥)

(٢) مقتل الحسين لعبد اللّه

(٣) مجلة البلاغ العدد التاسع السنة الرابعة (ص ١٣)

٣٠٨

الأطفال الذين هاموا على وجوههم في البيداء ، وتجمع العيال في تلك البيداء الموحشة ، وهي تسليهم وتصبرهم على تلك الرزايا ، وقد انفقت تلك الليلة ساهرة على حراستهم ، وقد هامت في تيارات من الأسى لا يعلم بمداها الا اللّه ، وقد أدت وردها من صلاة الليل ولكن استولى الضعف عليها فادتها من جلوس.

عدد الضحايا من أهل البيت :

واختلف المؤرخون في عدد الضحايا من أهل البيت (ع) وهذه بعض الأقوال :

١ ـ سبعة عشر ، وقد اعلن ذلك الامام الصادق (ع) في حديث له مع شيخ جرى عن قتل الحسين قال (ع) له : «ذاك دم يطلب اللّه به ما أصيب من ولد فاطمة ، ولا يصابون بمثل الحسين ، ولقد قتل في سبعة عشر من أهل بيته ونصحوا للّه ، وصبروا في جنب اللّه فجزاهم اللّه أحسن جزاء الصابرين»(١) ويقول محمد بن الحنفية : «لقد قتل معه ـ أي مع الحسين سبعة عشر ممن ارتكضوا في رحم فاطمة»(٢) وهي فاطمة بنت أسد أم الامام امير المؤمنين(٣) .

__________________

(١) مقتل الامام الحسين لعبد اللّه بن نور اللّه من مخطوطات مكتبة الامام أمير المؤمنين.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ١ / ١٤٠ ، خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦ تذهيب التهذيب ١ / ١٥٦.

(٣) مقتل الحسين لعبد اللّه بن نور اللّه

٣٠٩

٢ ـ ستة عشر رجلا ، يقول الحسن البصري : «قتل مع الحسين ابن علي ستة عشر رجلا ما على وجه الأرض لهم من شبيه»(١) .

ويقول سراقة البارقي :

عيني ابكي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

تسعة منهم لصلب علي

قد ابيدوا وسبعة لعقيل(٢)

٣ ـ خمسة عشر ، وقد اعلن ذلك المغيرة بن نوفل في مقطوعته التي رثاهم بها يقول :

اضحكني الدهر وابكاني

والدهر ذو صرف والوان

يا لهفتا نفسي وان النفس

لا تنفك من هم واحزان

على أناس قتلوا تسعة

بالطف أمسوا رهن اكفان

وستة ما أن أرى مثلهم

بني عقيل خير فرسان(٣)

٤ ـ تسعة عشر رجلا من أهل البيت عليهم السلام(٤)

٥ ـ عشرون ، من أبناء علي سبعة ، ومن ابناء الحسن اثنان ، ومن ابناء عبد اللّه بن جعفر اثنان ومن ابناء الحسين ثلاثة ومن أبناء عقيل ستة غير مسلم(٥) .

__________________

(١) مرآة الجنان ١ / ١٣٣ ، تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٧ ، ذخائر العقبى (ص ١٤٦) تأريخ خليفة خياط ١ / ٢٢٥ ، الاستيعاب ١ / ٣٨٠

(٢) المعارف

(٣) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٤) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٨٧)

(٥) مرآة الزمان (ص ٥٩)

٣١٠

٦ ـ ثلاثة وعشرون رجلا من ولد الحسين واخوته واهل بيته(١)

٧ ـ سبعة وعشرون شهيدا من ولد فاطمة(٢) يعني بنت أسد

٨ ـ ثمانية وسبعون صرح بذلك النسابة السيد ابو محمد الحسن الحسيني(٣) وهو اشتباه ولعله أراد من قتل مع الامام من أصحابه.

٩ ـ ثلاثون نسب ذلك الى الامام الصادق في حديث له مع عبد اللّه ابن سنان ، فقد أمره بالصوم في يوم عاشوراء ، وأمره بالافطار بعد صلاة العصر وقال له : «فانه في ذلك الوقت ـ أي العصر ـ تجلت الهيجاء عن آل رسول اللّه (ص) وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا مع مواليهم يعز على رسول اللّه (ص) مصرعهم ، ولو كان في الدنيا حيا لكان هو المعزى بهم»(٤) .

١٠ ـ ثلاثة عشر رجلا انفرد بذلك المسعودي(٥) ولم يذكره غيره.

١١ ـ اربعة عشر رجلا ذكر ذلك الخوارزمي(٦) .

هذه بعض الأقوال التي ذكرت ، واحتوت الزيارة المنسوبة الى الناحية على ذكر سبعة عشر شهيدا وذكر ذلك الشيخ المفيد(٧) ولعله هو الأقرب الى الواقع واللّه العالم.

__________________

(١) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦ ، الذرية الطاهرة

(٢) المناقب ٤ / ١١٢

(٣) بحر الانساب الجزء الثاني

(٤) سفينة البحار ٢ / ١٩٦ ، اعيان الشيعة ٤ / ق ١ / ص ١٣٤

(٥) مروج الذهب

(٦) مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٤٧

(٧) الارشاد (ص ٢٧٩)

٣١١

الجرحى من اصحاب الامام :

وسقط في المعركة بعض الجرحى من أصحاب الامام ، ولم يجهز عليهم جيش ابن سعد ، وهم

١ ـ سوار بن حمير الجابري

حمل من المعركة ومات متأثرا بجراحه بعد ستة أشهر(١)

٢ ـ عمرو بن عبد اللّه

سقط في المعركة جريحا وحمل ، ومات متأثرا بجراحه بعد سنة(٢)

٣ ـ الحسن بن الحسن

وقاتل الحسن بن الامام الحسن مع عمه حتى سقط على الأرض جريحا ولما اقبل اجلاف أهل الكوفة على حز رءوس الشهداء وجدوا به رمقا فجاء أسماء بن خارجة الفزاري وكان من أخواله فاستشفع به فشفعوه فحمله معه الى الكوفة وعالجه حتى برىء ثم لحق في يثرب(٣) .

الناجون من القتل :

ونجا من القتل من أصحاب الامام وأهل بيته ما يلي :

__________________

(١) الحدائق الوردية ١ / ٢٦

(٢) الحدائق الوردية ١ / ٢٦

(٣) حياة الامام الحسن ٢ / ٤٦٤

٣١٢

١ ـ عاقبة بن سمعان

وكان عاقبة بن سمعان مولى للرباب بنت امرئ القيس زوجة الامام الحسين (ع) جيء به أسيرا الى ابن سعد فقال له :

ـ من أنت؟

ـ مملوك

فخلى سبيله ولم يتعرض له بمكروه(١)

٢ ـ المرقع بن قمامة

وكان المرقع بن قمامة الأسدي من أنصار الامام (ع) فأسر فجاءت قبيلته فطلبت له الامان ، وجيء به مخفورا إلى ابن مرجانة ، واخبره ابن سعد بشأنه ، فنفاه الى الزارة من أرض البحرين وبقي فيه(٢) .

٣ ـ مسلم بن رباح

وكان مع الامام يمرضه ، ولما قتل انفلت ونجا سالما ، وقد روى بعض فصول واقعة كربلا(٣) .

٤ ـ الامام زين العابدين

وكان مريضا قد أنهكته العلة ، ونجا باعجوبة من أيدي أولئك الطغاة وحمل اسيرا إلى ابن مرجانة وسيده يزيد بن معاوية.

__________________

(١) أنساب الأشراف ق ١ ج ١

(٢) انساب الاشراف ق ١ ج ١ ، تأريخ الطبري ٦ / ٢٦١

(٣) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٧٧) مقاتل الطالبيين (ص ١١٩)

٣١٣

٥ ـ الحسن بن الحسن

وقد ذكرنا انه سقط في المعركة جريحا ، وبرىء من جراحاته

٦ ـ عمر بن الحسن

ونجا من القتل عمر بن الحسن ، ولم نعلم أنه اشترك في الحرب أم انه كان صغيرا.

٧ ـ القاسم بن عبد اللّه

وهو ابن عبد اللّه بن جعفر

٨ ـ محمد بن عقيل

٩ ـ زيد بن الحسن (١)

وهؤلاء هم الذين نجوا من القتل وافلتوا من أيدي اولئك السفكة المجرمين الذين كانوا يتعطشون الى اراقة دماء أهل البيت.

خسائر ابن سعد :

أما حجم الخسائر في جيش ابن سعد فكانت جسيمة للغاية ، فقد دمر أصحاب الامام على قلتهم جميع كتائب ذلك الجيش ، وانزلوا به افدح الخسائر ، فاشاعوا في ارباض الكوفة الثكل والحداد ويقول بعض المؤرخين : انهم لم يتركوا بيتا في الكوفة الا وفيه نائحة ، أما ما يدعم

__________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ١١٩)

٣١٤

ذلك فهي التصريحات التي أدلى بها بعض قادة الفرق عن فزعهم وذعرهم بما منوا به من الخسائر ، وقد أشرنا إليها في البحوث السابقة.

أما تقدير الخسائر فتنص بعض المقاتل على ان عدد القتلى من جيش ابن سعد كانوا ثمانية آلاف وثمانين رجلا(١) وفيما احسب أن هذا العدد مبالغ فيه ، وان القتلى دون ذلك ، وذكر ابن الأثير ان القتلى كانوا ثمانية وثمانين سوى الجرحى(٢) وهذا القول لا نصيب له من الصحة والغاية منه التقليل من أهمية معسكر الحسين ، فان من المقطوع به انهم انزلوا بجيش ابن سعد الهزائم والحقوا به افدح الخسائر ، حتى ضج العسكر من كثرة من قتل منهم ومن الطبيعى ان ذلك لا يتفق مع هذا العدد القليل.

رؤيا ابن عباس :

وحينما نزح الامام من الحجاز الى العراق كان ابن عباس قلقا تساوره الهموم والأحزان خوفا على ابن عمه من غدر أهل الكوفة ، وقد نام في اليوم العاشر من المحرم فاستيقظ فزعا مرعوبا ، وقد رفع صوته :

«قتل الحسين واللّه»

فأنكر عليه أصحابه قائلين له :

«كلا يا ابن عباس!!»

فأجابهم ودموعه تتبلور على خديه رأيت رسول اللّه (ص) ومعه زجاجة ، فقال لي : الا تعلم ما صنعت أمتي بعدي؟ قتلوا ابني الحسين ،

__________________

(١) مقتل الحسين لعبد اللّه

(٢) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٩٦

٣١٥

وهذا دمه ودم اصحابه ارفعه إلى اللّه عز وجل ، وسجل اصحابه اليوم والساعة التي حدثت فيها الرؤيا ، ووافتهم الانباء بمقتل الامام في نفس الوقت التي حدثت فيه الرؤيا(١) .

رؤيا أمّ سلمة :

وكانت أم المؤمنين السيدة أم سلمة وجلة مضطربة من حين خروج الامام الى العراق ، فقد عهد إليها رسول اللّه (ص) بمقتل ولده الحسين في أرض كربلا ، واعطاها قارورة من تربته ، واعلمها انها اذا فاضت دما فان سبطه قد قتل(٢) وكانت تنظر كل يوم الى القارورة وتقول :

إن يوما تتحولين دما ليوم عظيم(٣) ورقدت في اليوم العاشر من المحرم فرأت في منامها رسول اللّه (ص) وعلى رأسه ولحيته التراب فقالت له :

«ما لك يا رسول اللّه؟!»

«شهدت قتل الحسين»

وانتبهت أم سلمة فزعة مذعورة وهي صارخة منادية «قتل الحسين

__________________

(١) تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٨٥ ، مرآة الجنان ١ / ١٣٤ ، تذهيب التهذيب ١ / ١٥٥ ، تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٩ ، تأريخ بغداد ، خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦ ، المنتظم الجزء الخامس.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ، تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٩ ، تأريخ المظفري (ص ٣٠) وجاء فيه ان اول صارخة على الحسين بالمدينة هي أم سلمة.

(٣) المعجم الكبير للطبراني

٣١٦

ملأ اللّه بيوتهم وقبورهم نارا»(١) وسمع ابن عباس الصراخ قد علا من بيت أم سلمة فخف إليها ، وقد ازدحم بيتها بالرجال والنساء فقال لها :

يا أم المؤمنين ما بالك تصرخين وتعولين فلم تجبه ، واقبلت على النساء الهاشميات فقالت لهن :

«يا بنات عبد المطلب اسعدنني ، وابكين ، فقد واللّه قتل سبط رسول اللّه وريحانته الحسين».

فقلن لها :

«من أين علمت ذلك؟

فأخبرت برؤياها للنبي (ص)(٢) وتصارخت النسوة حتى ضجت المدينة وما سمع بواعية مثل ذلك اليوم(٣) وأقامت أم سلمة من وقتها مجلس العزاء على الحسين ، فجعل المسلمون يفدون عليها ويعزونها بمصابها الأليم ، وممن وفد عليها معزيا شهر بن حوشب ، فأخذت تحدثه عما سمعته من رسول اللّه (ص) في فضل أهل البيت قائلة! دخل رسول اللّه (ص) على منامة لنا فجاءته فاطمة بشيء فوضعته ، فقال (ع) لها : ادع لي حسنا وحسينا وابن عمك عليا فلما اجتمعوا عنده قال اللهم هؤلاء خاصتي وأهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(٤) وأخذت أم سلمة تلعن أهل الكوفة وتقول : قتلوه قتلهم اللّه عز وجل ، غروه واذلوه

__________________

(١) تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٨٥

(٢) أمالي الطوسي ٢ / ٢٠٣

(٣) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٩

(٤) تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٣٩

٣١٧

لعنهم اللّه(١) وكان يغشى عليها من شدة الحزن ، ولم تلبث الا يسيرا حتى توفيت كمدا وحزنا على الحسين (ع)(٢) .

خولى يحمل رأس الامام :

ولم يعن ابن سعد بالتمثيل بجسم الامام الذي حرمه الاسلام بعد أن صدرت له الأوامر من ابن مرجانة بذلك ، وقد عمد فور استشهاد الامام الى ارسال رأسه مع خولى بن يزيد الاصبحي وحميد بن مسلم الأزدي ، فحملا الرأس الشريف هدية لابن مرجانة كما حمل رأس يحيى بن زكريا الى بغي من بغايا بني اسرائيل ، وقد اقبلا يجذان السير لا يلويان على شيء حتى انتهيا إلى الكوفة في الهزيع الأخير من الليل ، فوجدا باب القصر مغلقا ، فأخذ خولى رأس الامام وولى مسرعا الى بيته ليبشر به زوجته وطرق باب داره طرقا عنيفا ، وهو يلهث من شدة التعب وعظيم الفرح فخرجت إليه زوجته النوار بنت مالك الحضرمي ، وكانت علوية الرأي فأسرعت إليه قائلة :

«ما الخبر؟»

«جئت بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين معك في الدار»

وفقدت المرأة اهابها ، وراحت تصيح به :

«ويلك جاء الناس بالفضة والذهب ، وجئت برأس ابن بنت

__________________

(١) المعجم الكبير للطبراني

(٢) سير اعلام النبلاء ٢ / ١٤٦

٣١٨

رسول اللّه ، واللّه لا يجمع رأسي ورأسك شيء أبدا»(١) .

وأصبح زوجها من أبغض الناس إليها ، وفي الصباح الباكر حمل خولى رأس الامام الى ابن زياد فأظهر الفرح والسرور ، وقد تمت ـ فيما يحسب ـ بوارق آماله وأحلامه.

الطاغية مع قاتل الامام :

والتفت ابن زياد الى الجلادين من شرطته الذين حضروا المعركة فقال لهم :

«أيكم قاتله؟»

فوثب إليه رجل وهو فرح لعله أن ينال الجائزة منه فقال له :

«أنا قتلته»

«ما قال لك؟»

«لما أخذت السلاح قلت له : ابشر بالنار ، قال : ابشر ان شاء اللّه تعالى برحمته وشفاعة نبيه»(٢) .

واطرق ابن مرجانة برأسه الى الأرض وهو يشعر بالوخز وخيبة المصير وسوء المنقلب.

__________________

(١) انساب الأشراف ق ١ ج ١ ، وفي العقد الفريد ٢ / ٢٤٢ انها قالت له : واللّه لا يجمعني واياك فراش أبدا وفي البداية والنهاية ٨ / ١٩٠ انها قامت من فراشه ، ونظرت الى الاجانة فرأت النور ساطعا من تلك الاجانة الى السماء ورأت طيورا بيضا ترفرف حولها.

(٢) تأريخ الخميس ٢ / ٣٣٤

٣١٩

تشفي ابن زياد برأس الامام :

ولما وضع رأس ريحانة رسول اللّه (ص) بين يدي الدعي ابن الدعي أخذ يعبث بثناياه ساعة من الزمن ، وهو يجد في ذلك لذة لا تعد لها لذة ، وبدا على وجهه آثار الحقد الدفين والتشفي الآثم ، فأخذ يضرب بعوده ثنايا الامام وشفتيه التي طالما كان رسول اللّه (ص) يوسعهما تقبيلا يقول القيم بن محمد : ما رأيت منظرا قط افظع من القاء رأس الحسين بين يدي ابن مرجانة وهو ينكثه(١) وكان في مجلسه الصحابي زيد بن ارقم فلما رأى صنعه انهارت قواه وصاح به.

«اعل بهذا القضيب عن هاتين الشفتين ، فو الذي لا إله الا هو لقد رأيت شفتي رسول اللّه على هاتين الشفتين يقبلهما».

وانفجر زيد باكيا وراح ابن زياد يهزأ من الصحابي قائلا :

«ابكى اللّه عينيك ، لو لا انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك»

فاندفع الصحابي قائلا :

«الا احدثك حديثا هو اغلظ من هذا ، رأيت رسول اللّه (ص) أقعد حسنا على فخذه اليمنى ، وحسينا على فخذه اليسرى ، ووضع يديه على يافوخيهما ، وقال : اللهم اني استودعك اياهما وصالح المؤمنين ، فكيف كانت وديعة رسول اللّه (ص) عندك يا ابن زياد؟»

وخرج زيد غير حافل ببطش ابن مرجانة ، وهو يخاطب اهل الكوفة قائلا :

«أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وامرتم

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ١ / ١٦١ مخطوط

٣٢٠

ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ، ويستعبد شراركم ، فبعدا لمن رضي بالذل والعار»(1) .

ولما فرغ ابن مرجانة من العبث برأس ريحانة رسول اللّه (ص) التفت الى كاهن كافر فقال له : قم فضع. على رأس عدوك ، ففعل الكاهن ذلك(2) لقد فعل ابن زياد بآل البيت ما لم يفعله أي كافر على وجه الأرض ، فقد استهان بجميع القيم والمقدسات ، واستباح كل ما حرمه اللّه.

رجوع القوات المسلحة :

ومكثت القوات المسلحة في كربلا يوم الحادى عشر من المحرم فوارت جيف قتلاها بين مظاهر الاجلال والتعظيم ، وقد فتحت لها كوة من قيح جهنم يؤجج ضرامها ولا يخبو نارها تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون.

أما جثة الامام العظيم والجثث الزواكي من أهل بيته واصحابه ، فقد عمدوا الى تركها على صعيد كربلا تسفي عليها الرياح لا مغسلين ولا مكفنين.

وأمر ابن سعد حميد بن بكر الأحمري ، فنادى بالناس الرحيل الى الكوفة(3) وسارت قوات ابن سعد بعد الزوال من كربلا واعلامها رءوس العترة الطاهرة التي ثارت من اجل احقاق الحق ، وتوطيد اركان العدل ، وقد حملوا معهم نساء الحسين واخواته ونساء الأصحاب فكن عشرين

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 97) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 87) المناقب والمثالب.

(2) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 97)

(3) انساب الأشراف ق 1 ج 1

٣٢١

امرأة(1) ما عدا الصبية وقد سيروهن على اقتاب الجمال بغير وطاء وساقوهن كما يساق سبي الترك والديلم ، ومروا بهن على جثث القتلى من أهل البيت مبالغة في ايذائهن ، وكان العرب في جاهليتهم الأولى يتجنبون مرور النساء على قتلاهن الا ان جيش ابن سعد لم يلتزم بأي خلق ، ولم تكن عنده أية عاطفة انسانية.

ولما نظرت عقائل النبوة الى جثث القتلى من اهل البيت رفعن اصواتهن بالبكاء ، وصاحت حفيدة النبي (ص) زينب (ع) بصوت يذيب القلوب.

«يا محمداه هذا حسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، وذريتك مقتلة»(2) .

ووجم القوم مبهوتين ، وفاضت عيونهم دموعا ، وبكى العدو والصديق(3) .

جزع الامام زين العابدين :

وجزع الامام زين العابدين كأشد ما يكون الجزع حينما رأى جثمان أبيه ، وجثث أهل بيته وأصحابه منبوذة بالعراء لم ينبر أحد الى مواراتها وبصرت به عمته زينب فبادرت إليه مسلية قائلة :

«ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي واخوتي ، فو اللّه إن هذا لعهد من اللّه الى جدك وأبيك ، ولقد أخذ اللّه ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات ، انهم يجمعون

__________________

(1) مقتل المقرم (ص 377)

(2) خطط المقريزي 2 / 280 ، البداية والنهاية 8 / 193

(3) جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن أبي طالب (ص 140)

٣٢٢

هذه الأعضاء المقطعة ، والجسوم المضرجة فيوارونها وينصبون بهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ، ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدن أئمة الكفر واشياع الضلال في محوه وطمسه فلا يزداد أثره الا علوا»(1) .

وازالت حفيدة الرسول (ص) ما ألم بالامام زين العابدين من الحزن العميق على عدم مواراة أبيه ، فقد أخبرته بما سمعته من أبيها وأخيها من قيام جماعة من المؤمنين بمواراة تلك الجثث الطاهرة ، وسينصب لها علم لا يمحى أثره ، ويبقى خالدا حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها وقد جدّ ملوك الأمويين والعباسيين على محوها وازالة آثارها ، وجاهدوا نفوسهم وسخروا جميع امكانياتهم الا انهم لم يفلحوا ، ومضى مرقد الامام شامخا على الدهر ، ومضت ذكراه تملأ رحاب الأرض نورا وفخرا وشرفا كاسمى صورة تعتز بها الانسانية في جميع أدوارها.

مواراة الجثث الطاهرة :

وبقيت جثة الامام العظيم وجثث الشهداء الممجدين من أهل بيته واصحابه ملقاة على صعيد كربلا تصهرها الشمس ، وتسفي عليها الرياح ، وقد انبرى جماعة من المؤمنين الذين لم يتلوثوا في الاشتراك بحرب ريحانة رسول اللّه (ص) الى مواراتها ، وقد اختلف المؤرخون في اليوم الذي دفنت فيه ، وفيما يلي ذلك.

__________________

(1) كامل الزيارات (ص 261)

٣٢٣

1 ـ يوم الحادي عشر(1)

2 ـ يوم الثاني عشر(2)

3 ـ يوم الثالث عشر(3)

اما الذين حظوا بمواراتها فهم قوم من بني أسد كانوا ينزلون بالقرب من مكان المعركة فخفوا إليها بعد أن نزحت جيوش ابن سعد ، فرأوا الجثث الزواكي ملقاة بالعراء فأيقنوا انها جثث أهل البيت ، وجثث أصحابهم فعجوا بالبكاء والعويل ، وصرخت نساؤهم ، وقاموا في هدأة الليل حيث امنوا الرقباء ، فحفروا قبرا لسيد الشهداء ، وقبرا آخر لبقية الشهداء ، وقد حفروها على ضوء القمر حيث كان على وشك التمام ، ولم يطلع القمر على مثلها شرفا في جميع الاحقاب والآباد.

يقول الشيخ المفيد :

«ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية الى الحسين وأصحابه فصلوا عليهم ، ودفنوا الحسين (ع) حيث قبره الآن ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله : وحفروا للشهداء من أهل بيته واصحابه ـ الذين صرعوا حوله ـ مما يلي رجلي الحسين ، وجمعوهم فدفنوهم جميعا. ودفنوا العباس بن علي في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن»(4) .

وتنص بعض المصادر الشيعية على أن بني أسد كانوا متحيرين في

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 97) البداية والنهاية 8 / 189 ، المناقب 5 / 133 مصور.

(2) البحار

(3) مقتل الحسين للمقرم (ص 396)

(4) الارشاد (ص 227)

٣٢٤

شأن تلك الجثث الزواكي ولم يهتدوا لمعرفتها لأن الرءوس قد فصلت عنها وبينما هم كذلك اذ أطل عليهم الامام زين العابدين فأوقفهم على شهداء أهل البيت وغيرهم من الأصحاب ، وبادر الى حمل جثمان أبيه فواراه في مثواه الأخير وهو يذرف أحر الدموع قائلا :

«طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فان الدنيا بعدك مظلمة والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل فمسهد ، والحزن سرمد أو يختار اللّه لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته».

ورسم على القبر الشريف هذه الكلمات : «هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا غريبا» ودفن عند رجلي الامام ولده علي الأكبر ، ودفن بقية الشهداء الممجدين من هاشميين وغيرهم في حفرة واحدة ، وانطلق الامام زين العابدين مع الأسديين الى نهر العلقمي فواروا قمر بني هاشم العباس بن أمير المؤمنين ، وجعل الامام يبكي احر البكاء قائلا :

«على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم ، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة اللّه وبركاته»(1) .

وأصبحت تلك القبور الطاهرة رمزا للكرامة الانسانية ، ورمزا لكل تضحية تقوم على العدل يقول العقاد : «فهي اليوم مزار يطيف به المسلمون متفقين ومختلفين ومن حقه أن يطيف به كل انسان لأنه عنوان قائم لأقدس ما يشرف به هذا الحي الآدمي من بين سائر الأحياء

فما اظلت قبة السماء مكانا لشهيد قط هو اشرف من تلك القباب

__________________

(1) مقتل الحسين للمقرم (ص 397 ـ 398)

٣٢٥

بما حوته من معنى الشهادة وذكرى الشهداء»(1)

ويقول يوسف رجيب : «وليس لقبر من قبور أولياء اللّه الصالحين البررة غير قبر الحسين هو قبلة الدنيا وكعبة بني الأرض لأن اللّه شرفه بجهاد اعدائه الذين اعتزموا طمس الدين الحنيف ، وانتهاك الشريعة ، واتخاذ الخلافة أمرة زمنية استباحوا بها كل محرم يتلذذون بما حرم اللّه وحرمته كتبه»(2) .

لقد ضمت تلك البقعة المباركة خلاصة الاباء والشرف والدين ، وقد أصبحت أقدس مراكز العبادة وافضلها في الاسلام ففي كل وقت يطيف بها المسلمون متبركين ومتقربين إلى اللّه ، كما اصبحت مطافا لملائكة اللّه المقربين ، فقد روى الفضل بن يسار عن أبي عبد اللّه أنه سئل عن أفضل قبور الشهداء فقال عليه السلام :

«أو ليس أفضل الشهداء الحسين بن علي؟ فو الذي نفسي بيده ان حول قبره اربعين الف ملك شعثا غبرا يبكون عليه إلى يوم القيامة»(3) .

ويقول الامام الرضا (ع) : «إن حول قبر الحسين سبعين الف ملك شعثا غبرا يبكون عليه الى يوم القيامة»(4)

وقد حظى مرقده العظيم باستجابة الدعاء عنده فما قصده مكروب أو ملهوف الا فرج اللّه عنه مما ألم به يقول الجواهري :

__________________

(1) ابو الشهداء

(2) مجلة الغري السنة الثانية العدد 10 ص 22

(3) مناقب ابن المغازلي : رقم الحديث 390

(4) ذخائر العقبى (ص 151)

٣٢٦

تعاليت من مفزع للحتوف

وبورك قبرك من مفزع

تلوذ الدهور فمن سجد

على جانبيه ومن ركع(1)

ويقول المؤرخون إن الامام الهادي (ع) ألم به مرض فأمر أبا هاشم الجعفري أن يبعث له رجلا إلى الحائر الحسيني ليدعو له بالشفاء ، وقد سئل عليه السلام عن ذلك فقال : ان اللّه أحب أن يدعى في هذا المكان(2) .

لقد احتل ابو الشهداء المكانة العظمى عند اللّه تعالى كما احتل قلوب المسلمين وحظى بأصدق محبتهم فهم يشدون الرحال الى مثواه من كل فج عميق وفاء بحقه واعترافا بفضله والتماسا لعظيم الأجر الذي كتبه اللّه لزائريه ، ويقول (نيكلسون) : وخلال بضع سنوات عن مصرع الحسين اصبح ضريحه في كربلا محجا تشد إليه الرحال(3) .

فضل زيارة الحسين :

وتواترت الأخبار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بفضل زيارة سيد الشهداء (ع) وقد ذهب بعض الفقهاء إلى وجوبها ، وقد الف محمد بن علي العلوي كتابا يقع في جزءين أسماه «فضل زيارة الحسين» ونلمع الى بعض تلك الأخبار.

1 ـ روى أبو حمزة الثمالي قال : سألت علي بن الحسين عن زيارة الحسين (ع) فقال : «زره كل يوم فان لم تقدر فكل جمعة ، فان لم

__________________

(1) ديوان الجواهري 1 / 194

(2) كامل الزيارات (ص 223)

(3) تأريخ الأدب العربي

٣٢٧

تقدر فكل شهر فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول اللّه (ص)»(1) .

2 ـ روى ابو الجارود قال : «قال لي ابو جعفر : كم قبر الحسين منكم؟ قال : قلت له : يوم للراكب ويوم وليلة للراحل ، قال : لو كان منا كما هو منكم لاتخذناه هجرة»(2) .

3 ـ وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : (مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فان اتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء ، واتيانه مقترض على كل مؤمن يقر له بالامامة من اللّه»(3) .

والأخبار بذلك كثيرة ، وهي مما تفيد القطع بالصدور عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

دعاء الامام الصادق لزوار الحسين :

ودعا الامام الصادق بهذا الدعاء الشريف لزوار قبر جده الحسين وقد رواه الثقة معاوية بن وهب وهذا نصه :

قال : استأذنت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقيل لي ادخل فدخلت فوجدته فى مصلاه ، فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه وهو يقول :

«يا من خصنا بالكرامة ، وخصنا بالوصية ، ووعدنا بالشفاعة ، وأعطانا علم ما مضى وما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا ، اغفر لي ولاخواني ، ولزوار قبر أبي الحسين (ع) الذين انفقوا أموالهم واشخصوا

__________________

(1) فضل زيارة الحسين 1 / 14 من مصورات مكتبة الامام امير المؤمنين

(2) فضل زيارة الحسين 1 / 17

(3) وسائل الشيعة 10 / 321

٣٢٨

ابدانهم رغبة في برنا ، ورجاء لما عندك في صلتنا ، وسرورا ادخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله واجابة منهم لأمرنا ، وغيظا ادخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضاك ، فكافهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف ، واعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم ، وما آثرونا به على ابنائهم وأهاليهم واقربائهم.

اللهم : ان اعدائنا عابوا عليهم خروجهم فلم يمنعهم ذلك عن الشخوص إلينا ، وخلافا منهم على من خالفنا ، فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس ، وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبد اللّه ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا ، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا.

«اللهم : إني استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش» فما زال وهو ساجد يدعو اللّه بهذا الدعاء فلما انصرف قلت :

«جعلت فداك لو ان هذا الذي سمعت كان لمن لا يعرف اللّه لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا ، واللّه لقد تمنيت أن كنت زرته ولم احج».

فقال عليه السلام :

«ما أقربك منه فما ذا الذي يمنعك من زيارته؟ لم تدع ذلك؟»

«لم ادر أن الأمر يبلغ هذا كله»

«يا معاوية من يدعو لزواره في السماء اكثر ممن يدعو لهم في الأرض يا معاوية لا تدعه فمن تركه رأى من الحسرة ما يتمنى ان قبره كان عنده

٣٢٩

أما تحب أن يرى اللّه شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول اللّه (ص) وعلي وفاطمة والأئمة ، أما تحب أن تكون غدا ممن تصافحه الملائكة أما تحب أن تكون غدا فيمن يخرج وليس له ذنب فيتبع به ، أما تحب أن تكون غدا ممن يصافح رسول اللّه (ص)(1) .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن مصرع الامام العظيم لنستقبل سبايا أهل البيت في الكوفة.

__________________

(1) وسائل الشيعة 10 / 320 ـ 321

٣٣٠

سبايا اهل البيت فى الكوفة

٣٣١
٣٣٢

واستقبلت الكوفة سبايا آل البيت (ع) بمزيد من الفزع والاضطراب وخيم عليها الذل والهوان ، فقد كمت الأفواه ، وأخرست الألسن ، ولم يستطع أحد أن يظهر ما في دخائل نفسه من الأسى الشديد خوفا من السلطة العاتية التي استهانت بارواح الناس وكراماتهم.

وعزفت أبواق الجيش وخفقت راياتهم ، وقد رفعوا على الحراب رءوس العترة الطاهرة ، ومعهم الأسرى من عقائل النبوة وحرائر الوحي وقد ربطوا بالحبال ، وقد وصف ذلك المنظر الرهيب مسلم الجصاص يقول : دعاني ابن زياد لاصلاح دار الامارة بالكوفة فبينما أنا اجصص الأبواب واذا بالزعقات قد ارتفعت من جميع الكوفة فاقبلت على أحد خدام القصر فقلت له :

«مالي أرى الكوفة تضج»

«الساعة يأتون برأس خارجي خرج على يزيد»

«من هذا الخارجي؟»

«الحسين بن علي»

«يقول : فتركت الخادم حتى خرج واخذت الطم على وجهي حتى خشيت على عينيّ أن تذهبا ، وغسلت يديّ من الجص ، وخرجت من القصر حتى أتيت الى الكناس فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرءوس اذ اقبل أربعون جملا تحمل النساء والاطفال ، واذا بعلي ابن الحسين على بعير بغير وطاء وأوداجه تشخب دما ، وهو يبكي ويقول :

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

يا امة لم تراع جدنا فينا

لو اننا ورسول اللّه يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيرونا على الاقتاب عارية

كأننا لم نشيد فيكم دينا(1)

__________________

(1) مقتل الحسين لعبد اللّه نور اللّه مخطوط

٣٣٣

ويقول جذلم بن بشير : قدمت الكوفة سنة (61 هـ) عند مجيء علي ابن الحسين من كربلا الى الكوفة ومعه النسوة وقد أحاطت بهم الجنود وقد خرج الناس للنظر إليهم وكانوا على جمال بغير وطاء فجعلت نساء أهل الكوفة يبكين ويندبن ، ورأيت علي بن الحسين قد انهكته العلة ، وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة الى عنقه(1) ، وهو يقول بصوت ضعيف :

ان هؤلاء يبكون وينوحون من أجلنا فمن قتلنا؟(2) وانبرت احدى سيدات الكوفة فسألت احدى السبايا وقالت لها :

«من أي الأسارى أنتن؟»

«نحن أسارى أهل البيت»

ولما سمعت بذلك المرأة صرخت ، وصرخت النسوة التي معها ، ودوى صراخهن في ارجاء الكوفة ، وبادرت المرأة فجمعت ما في بيتها من ازر ومقانع فجعلت تناولها الى العلويات ليتسترن بها عن أعين الناس(3) كما بادرت سيدة أخرى فجاءت بطعام وتمر وأخذت تلقيه على الصبية التي أضناها الجوع.

ونادت السيدة أم كلثوم من خلف الركب :

«ان الصدقة حرام علينا أهل البيت»

ولما سمعت الصبية مقالة العقيلة رمى كل واحد منهم ما في يده أو فمه من الطعام وراح يقول لصاحبه : إن عمتي تقول :

«إن الصدقة حرام علينا أهل البيت»

__________________

(1) أمالي الشيخ المفيد (ص 143) مخطوط

(2) مقتل الحسين لعبد اللّه

(3) مقتل الحسين لعبد اللّه

٣٣٤

خطاب السيدة زينب :

وحينما رأت السيدة زينب (ع) حفيدة الرسول (ص) وشقيقة الامام الحشود الزاخرة التي ملأت شوارع الكوفة وأزقتها ، اندفعت الى الخطابة لبلورة الموقف ، واظهار المصيبة الكبرى التي جرت على أهل البيت وتحميل الكوفيين مسئولية هذه الجريمة النكراء ، فهم الذين نقضوا العهد ، وخاسوا بالذمة ، فقتلوا ريحانة رسول اللّه (ص) ثم عادوا بعد قتله ينوحون ويبكون كأنهم لم يقترفوا هذا الاثم العظيم ، وهذا نص خطابها :

«الحمد للّه وصلواته على أبي محمد رسول اللّه (ص) وعلى آله الطاهرين الأخيار ، أما بعد : يا أهل الكوفة يا أهل الختل والخذل(1) أ تبكون؟!! فلا رقأت لكم دمعة(2) انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم الا بئس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط اللّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.

أتبكون وتنتحبون!! أي واللّه فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، كل ذلك بانتهاككم حرمة ابن خاتم الأنبياء ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حضرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجتكم ومدرة سنتكم الا ساء ما تزرون ، وبعدا لكم ، وسحقا ، فلقد خاب السعي ، ونبت الأيدي وخسرت الصفقة وتوليتم بغضب اللّه ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.

أتدرون ويلكم يا أهل الكوفة؟ أي كبد لرسول اللّه (ص) فريتم وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه ، وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدا!!

__________________

(1) وفي نسخة : الغدر

(2) وفي نسخة : فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة

٣٣٥

لقد جئتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض ، وملء السماء ، افعجبتم ان مطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى ، وهم لا ينصرون فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار وان ربكم لبالمرصاد ...»(1) .

لقد قرعتهم بطلة كربلا ، بمنطق الصدق وصوت الحق ، ودلتهم على نفوسهم الخبيثة ، فلم تنخدع بدموعهم الكاذبة ، ولم ينطل عليها زورهم وبهتانهم ، ونعت عليهم جريمتهم النكراء التي هي أبشع جريمة وقعت في الأرض وقد وصفتهم بأخس الصفات التي توصف بها احط الشعوب فقد وصفتهم بالختل والغدر ، وهما مصدران لانحطاط الانسان وشقائه.

وعلقت سلام اللّه عليها على بكائهم فقالت : ان من حقهم أن يبكوا كثيرا ويضحكوا قليلا على عظيم ما اقترفوه من الأثم ، فقد قتلوا سيد شباب أهل الجنة وسليل خاتم النبوة ، والمنقذ والمحرر لهم ، وفروا كبد رسول اللّه (ص) وانتهكوا حرمته ، وسبوا عياله ، فأي جريمة أبشع أو افظع من هذه الجريمة؟

صدى الخطاب :

واضطرب الناس من خطاب سليلة النبوة وايقنوا بالهلاك ، وقد وصف خزيمة الأسدي مدى الأثر البالغ الذي أحدثه خطاب العقيلة يقول :

لم أر واللّه خفرة انطق منها كأنما تفرغ عن لسان الامام امير المؤمنين ورأيت الناس بعد خطابها حيارى واضعي أيديهم على افواههم ، ورأيت

__________________

(1) مقتل الحسين للمقرم (ص 387) نور الابصار للشبلنجيّ (ص 167).

٣٣٦

شيخا قد دنا منها يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول : بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونسلكم لا يبور ولا يخزى أبدا(1) الا ان الامام زين العابدين قطع على عمته خطابها قائلا :

«اسكني يا عمة ، فأنت بحمد اللّه عالمة غير معلمة ، وفهمة غير مفهمة ..»(2) .

فأمسكت عن الكلام ، وتركت المجتمع يمور بالأسى والحزن.

خطاب السيدة فاطمة :

وانبرت الى الخطابة فاطمة بنت الامام الحسين (ع) فخطبت ابلغ خطاب واروعه ، وكانت طفلة ، فبهر الناس ببلاغتها وفصاحتها وقد أخذت بمجامع القلوب وتركت الناس حيارى قد بلغ بهم الحزن إلى قرار سحيق فقالت :

«الحمد للّه عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش الى الثرى ، أحمده وأومن به ، وأتوكل عليه ، واشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان اولاده ذبحوا بشط الفرات ، من غير ذحل ولا تراث.

اللهم إني أعوذ بك أن افتري عليك ، وان اقول عليك خلاف ما أنزلت من اخذ العهود والوصية لعلي بن أبي طالب ، المغلوب حقه ، المقتول من غير ذنب ـ كما قتل ولده بالأمس ـ في بيت من بيوت اللّه تعالى ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيما

__________________

(1) نور الابصار (ص 176) الدر النظيم (ص 172)

(2) احتجاج الطبرسي

٣٣٧

في حياته ، ولا عند مماته ، حتى قبضه اللّه تعالى إليه محمود النقيبة ، طيب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه في اللّه سبحانه لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته اللهم للاسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ، ولرسولك ، زاهدا في الدنيا ، غير حريص عليها ، راغبا في الآخرة ، مجاهدا لك في سبيلك ، رضيته فاخترته وهديته الى صراط مستقيم.

أما بعد : يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فانا أهل بيت ابتلانا اللّه بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه ، وحكمته وحجته على الأرض في بلاده لعباده ، اكرمنا اللّه بكرامته ، وفضلنا بنبيه محمد (ص) على كثير ممن خلق اللّه تفضيلا فكذبتمونا وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا واموالنا نهبا ، كأننا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ..

وسيوفكم تقطر من دمائنا اهل البيت ، لحقد متقدم ، قرت لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم افتراء على اللّه ، ومكرا مكرتم ، واللّه خير الماكرين ، فلا تدعونكم انفسكم الى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا فان ما أصابنا من المصائب الجليلة ، والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على اللّه يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما أتاكم واللّه لا يحب كل مختال فخور.

تبا لكم فانظروا اللعنة والعذاب ، فكأن قد حل بكم ، وتواترت من السماء نقمات ، فيسحتكم بعذاب ، ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تخالدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لعنة اللّه على الظالمين.

ويلكم أتدرون أية يد طاعتنا منكم ، واية نفس نزعت الى قتالنا ، أم بأية رجل مشيتم إلينا ، تبغون محاربتنا ، قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم

٣٣٨

وطبع اللّه على افئدتكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، وسول لكم الشيطان واملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

تبا لكم يا أهل الكوفة أي تراث لرسول اللّه قبلكم ، وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب جدي وبنيه ، وعترته الطيبين الأخيار ، وافتخر بذلك مفتخركم :

قد قتلنا عليكم وبنيه

بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك

ونطحناهم فأي نطاح

بفيك أيها القائل الكثث والاثلب(1) افتخرت بقتل قوم زكاهم اللّه وطهرهم واذهب عنهم الرجس ، فاكظم وأقع كما أقعى ابوك فإنّما لكل امرئ ما اكتسب وما قدمت يداه.

حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا اللّه تعالى ، ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور ...)(2) .

وتحدثت سليلة النبوة والامامة في خطابها العظيم عن أمور بالغة الأهمية وهي :

1 ـ انها عرضت لمحنة جدها الامام امير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الأرض ، وما عاناه من المحن والمصاعب حتى استشهد في بيت من بيوت اللّه ، ولم يدفع عنه المجتمع الكوفي ولم يقف إلى جانبه وانما تركوه وحده يصارع الاهوال حتى قبضه اللّه إليه وهو جم المناقب ، محمود النقيبة طيب العريكة ، قد اصطفاه اللّه ، وخصه بالفضائل والمواهب.

__________________

(1) الكثث : التراب ، الأثلب : فتات الحجارة والتراب

(2) اللهوف لابن طاوس ، ومثير الأحزان لابن نما ، مقتل الحسين لعبد اللّه.

٣٣٩

2 ـ وتحدثت عن محنة أهل البيت ، بذلك المجتمع ، فانهم سلام اللّه عليهم بحكم قيادتهم الروحية للأمة ، فانهم مسئولون عن حمايتها ، ولكن الأمة قد جانبت الحق ، فسفكت دماءهم وانتهكت حرمتهم فما اجل رزيتهم واعظم بلاءهم.

3 ـ شجبت الاعتداء الصارخ على أهل البيت ، ووصفت المعتدين القساة بأبشع الصفات ، ودعت اللّه أن ينزل عليهم نقمته وعذابه الأليم.

صدى الخطاب :

وأثر الخطاب تأثيرا بالغا في نفوس المجتمع فقد وجلت منه القلوب وفاضت العيون ، واندفع الناس ببكاء قائلين :

«حسبك يا بنة الطاهرين ، فقد أحرقت قلوبنا ، وانضجت نحورنا وأضرمت أجوافنا»(1) .

وأمسكت عن الكلام وتركت الجماهير في محنتها وشقائها تصعد الآهات وتبدي الحسرات وتندب حظها التعيس على عظيم ما اقترفت من الاثم.

خطاب السيدة أمّ كلثوم :

وانبرت حفيدة الرسول (ص) السيدة أم كلثوم إلى الخطابة فأومأت إلى الناس بالسكوت فلما سكنت الأنفاس بدأت بحمد اللّه والثناء عليه ثم قالت :

__________________

(1) مقتل الحسين للمقرم (ص 392)

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496