حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسين عليه السلام0%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 496

حياة الامام الحسين عليه السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
تصنيف:

الصفحات: 496
المشاهدات: 290040
تحميل: 5187


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 290040 / تحميل: 5187
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء 3

مؤلف:
العربية

بخسة ووحشية إلى السيدة أم كلثوم فسلب قرطبها(1) واسرع وضر خبيث نحو السيدة فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها ، وهو يجهش بالبكاء ، وبهرت منه ابنة الحسين فقالت له :

«مالك تبكي؟!!»

«كيف لا ابكي وأنا اسلب ابنة رسول اللّه (ص)»

ولما رأت تعاطفه قالت له :

«دعني»

وراح الدنيء يبدي جشعه قائلا :

«أخاف ان يأخذه غيري»(2)

وعمدوا إلى نهب ما في الخيام من ثقل ومتاع ، وهجم الشمر على ثفل الحسين لنهبه فوجد ذهبا فأخذه ودفع بعضه إلى ابنته لتصوغه حليا لها فجاءت به الى الصائغ فلما أدخله النار صار هباء(3) .

وبصرت امرأة من آل بكر بن وائل ما جرى على بنات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، من النهب والسلب والترويع ، فاندفعت وهي مذهولة فجعلت تحفز اسرتها على انقاذ ودائع النبوة من أيدي أولئك الجفاة قائلة «يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه!! لا حكم إلا للّه ، يا لثارات رسول اللّه».

وبادر إليها زوجها فردها الى رحله(4) وتجرد ذلك الجيش من كل نزعة انسانية ، وخلا من كل رأفة ورحمة ، فقد جعلوا يوسعون بنات

__________________

(1) التأريخ المظفري (ص 230)

(2) سير اعلام النبلاء 3 / 204

(3) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 90)

(4) اللهوف (ص 74)

٣٠١

رسول اللّه (ص) ضربا بكعوب رماحهم وهن يلذن من الرعب بعضهن ببعض ، وقد سقطت فاطمة بنت الحسين مغشيا عليها من شدة الضرب فلما أفاقت رأت عمتها السيدة أمّ كلثوم تبكي عند رأسها(1) ان مأساة عائلة الرسالة تبكي الجماد وتستثير عطف الصخور.

الهجوم على زين العابدين :

وهجم الفجرة الجفاة على زين العابدين وكان مريضا قد انهكته العلة ، ومزق الأسى قلبه ، فاراد الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن ان يقتله فنهره حميد بن مسلم قائلا له :

«سبحان اللّه!! أتقتل الصبيان؟ انما هو مريض»

فلم يعن به الوغد ، وبادرت إليه العقيلة عمته زينب فتعلقت به ، وقالت لا يقتل حتى اقتل دونه(2) فكف اللثام عنه ، وقد نجا منهم باعجوبة ، واجتاز على النساء الرجس عمر بن سعد فصحن في وجهه وبكين فمنع الخبيث العسكر من التعرض لهن بسوء(3) .

__________________

(1) مقتل المقرم (ص 370)

(2) تأريخ القرماني (ص 108) وفي المنتظم ان ابن سعد هو الذي امر بقتل زين العابدين فوقعت عليه زينب وقالت ، لا يقتل حتى اقتل فرق لها وكف عنه.

(3) تأريخ ابن كثير 8 / 189

٣٠٢

الخيل تدوس الجثمان العظيم :

واخذ شر اولئك الجفاة يستشري فلم يدعوا حرمة للّه الا انتهكوها ولا اثما الا اقترفوه ، فقد انبرى ابن سعد لينفذ اوامر سيده ابن مرجانة فنادى : من ينتدب للحسين فيوطىء الخيل صدره وظهره(1) قال الواقدي :

وبادر الشمر فوطئ الجثمان المقدس بفرسه(2) وتبعه عشرة من أولاد البغايا وهم اسحاق بن يحيى الحضرمي ، وهانئ بن ثبيت الحضرمي وادلم بن ناعم ، واسد بن مالك والحكيم بن الطفيل الطائي ، والأخنس بن مرشد وعمرو بن صبيح المذحجي ورجاء بن منقذ العبدي ، وصالح بن وهب اليزني ، وسالم بن خيثمة الجعفي(3) فداسوا ريحانة رسول اللّه (ص) بخيولهم مقبلين ومدبرين حتى الصقوا الجثمان العظيم بالأرض(4) وكان المجرم الخبيث اسد بن مالك يفتخر امام ابن سعد ويقول :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسر(5)

وجرى هذا التمثيل المنكر أمام ابن سعد وسائر قوات ذلك الجيش(6) ولم تجر هذه العملية فيما احسب ـ على أحد من أهل بيت الامام وأصحابه ويؤيد

__________________

(1) تأريخ الطبري 6 / 161

(2) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(3) مناقب ابن شهر اشوب 4 / 111

(4) تأريخ ابن كثير 8 / 189

(5) مقتل الخوارزمي 2 / 39

(6) تأريخ دول الاسلام 1 / 57 وجاء فيه ان الجيش حمل جثة الامام العظيم إلى ابن سعد فأمر الخبيث أن تدوس الخيل صدر الامام وظهره.

٣٠٣

ذلك أن الأوامر التي صدرت من ابن زياد الى ابن سعد قد اقتصرت على التمثيل بجسد الحسين دون غيره.

وعلى أي حال فقد أعلنوا بهذا العمل الفظيع عن حقدهم البالغ على الامام ، وتجردهم من جميع العواطف الانسانية.

لقد داسوا جسد الامام الذي تربى في كنف الرسول (ص) ونبت لحمه من لحم علي وفاطمة ، والذي قال فيه الرسول :

«حسين مني وأنا من حسين ، أحب اللّه من أحب حسينا»

لقد داسوا ذلك الجسد الذي ثار في وجه المعتدين والظالمين ، وأراد أن يزيل البغي ، ويظهر العدل في الأرض حسب ما أمر اللّه به.

العقيلة أمام الجثمان العظيم :

ووقفت حفيدة الرسول (ص) وابنة أمير المؤمنين (ع) العقيلة زينب عليها السلام على جثمان أخيها العظيم الذي مزقته السيوف ، وجعلت تطيل النظر إليه ورفعت بصرها نحو السماء وهي تدعو بحرارة قائلة :

«اللهم تقبل هذا القربان»(1)

ان الانسانية لتنحني اجلالا وخضوعا امام هذا الايمان الذي هو السر في خلود تضحية الحسين.

لقد تحملت بطلة كربلا اعباء تلك المحن الشافة ، وتجرعت غصص تلك الأهوال محتسبة الأجر عند اللّه ، وهي تتضرع بخشوع الى اللّه أن يتقبل ذلك القربان ، فأي صبر يماثل هذا الصبر؟

__________________

(1) مقتل الحسين للمقرم (ص 379)

٣٠٤

لقد تجلت قوة الشخصية في حفيدة الرسول ، وبرزت معاني الوراثة النبوية في مواقفها الخالدة التي صانت بها أهداف الامام ، واظهرت الواقع في تضحيته ، وانارت السبيل في بيان اسرار شهادته.

سنان يطلب الجائزة :

واحتف اولئك الجفاة حول القاتل الأثيم سنان بن انس(1) وجعلوا يمنونه الأماني ويقولون له :

«قتلت الحسين بن علي وابن فاطمة قتلت اعظم العرب خطرا الذي اراد أن يزيل ملك هؤلاء فأت امراءك فاطلب ثوابك منهم ، فانهم لو اعطوك بيوت أموالهم في قتله لكان قليلا»

وتحركت مطامعه ، فأقبل حتى وقف على فسطاط ابن سعد رافعا صوته :

أوقر ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت السيد المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم إذ ينسبون النسبا

ولما سمعه ابن سعد نهره ورماه بالسوط ، وقال له : ويحك أنت مجنون لو سمعك ابن زياد تقول هذا الضرب عنقك(2) وقد حدد الباغي اللئيم أهدافه في هذا الرجز ، فهو انما ينشد الذهب والفضة في قتله لخير الناس أما وأبا ، ولم يؤثر أن هناك رجزا قيل في المعركة أو بعدها سوى

__________________

(1) سنان بن أنس : هو جد شريك القاضي المعروف بعدم النزاهة جاء ذلك في الاستيعاب 1 / 377.

(2) البداية والنهاية 8 / 189 ، وفي المعجم الكبير للطبراني 2 / 140 ان انس أنشد هذين البيتين امام ابن زياد وكذلك جاء في الاستيعاب 1 / 177.

٣٠٥

هذا الرجز ، وهو يمثل أهداف الأكثرية الساحقة في ذلك الجيش السحيق وحلل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله :

«والعاطفة التي تشيع في هذا الرجز ـ مع الأسف ـ عاطفة الفرح والزهو ، فراح القاتل بهذه الهوية الغالية التي يحملها إلى الأمير ، وزهوه بهذا العمل الضخم الذي قام به من أجل الدولة ، وهو لهذا يشعر بأن أقل ما يمكن أن يكافئه الأمير به أن يوقر ركابه فضة وذهبا ، وهو ـ لهذا أيضا ـ يضفي على قتيله خير ما يمكن أن يضفيه انسان على انسان ، وقد جعله هذا يشعر بشيء من الدالة على الأمير يبيح أن يجعل حديثه عن هذه الجائزة حديث الآمر الذي لا يقبل ردا ولا رفضا ، وهو ـ من أجل هذا ـ يبدأ رجزه لا بالحديث عن الحادثة التي تعني الأمير وانما بالحديث عن الجائزة التي تعنيه هو ، كأنما لا يعنيه من الأمر الا ما سوف يناله من ذهب وفضة»(1) .

القبائل تقتسم الرءوس :

وبادرت القبائل الى حز رءوس أولئك الأحرار الذين استشهدوا من أجل العدالة الاجتماعية ، ومن أجل تحرير الانسان من الظلم والطغيان.

ولم يقر الاسلام في جميع حروبه التمثيل الا ان الجيش الأموي قد استباح ذلك ، فان معاوية قد سنّه واباحه ، فقد أمر برأس الشهيد العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي أن يطاف به ، وقد اقتدى به ابن مرجانة فبعث برأس مسلم وهانئ إلى يزيد ثم عهد الى ابن سعد أن يحز رءوس الشهداء في واقعة كربلا ليبعثها هدية إلى يزيد ، وقد تهافتت تلك العصابة المجرمة

__________________

(1) حياة الشعر في الكوفة (ص 373 ـ 374)

٣٠٦

إلى اقتسام الرءوس ليقدموها هدية لابن مرجانة ، وقد اقتسمت القبائل التالية ما يلي من الرءوس.

1 ـ كندة : جاءت بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث

2 ـ هوازن : حصلت على عشرين رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن.

3 ـ مذحج جاءت بسبعة رءوس

4 ـ بنو قيس جاءوا بتسعة رءوس

5 ـ بنو تميم : جاءوا بسبعة عشر رأسا.

6 ـ بنو أسد : جاءوا بستة عشر رأسا(1)

7 ـ سائر الجيش جاءوا بسبعة رءوس(2)

وبقيت على صعيد كربلا جثة الحسين ، وجثث الشهداء من أهل بيته وأصحابه قد فصلت عنها الرءوس ، ووضعت فوق الحراب لتكون منارا لجميع شعوب الأرض على طريق الحق والشرف والايمان.

عودة الطاغية الى الكوفة :

وكان الطاغية معسكرا بالنخيلة يتلقى الأحداث في كل لحظة فقد كان على اتصال دائم بابن سعد فلما جاءه البشير بقتل الحسين ارتحل مسرعا إلى الكوفة ليحكم أمرها ، ويتخذ التدابير للمحافظة عليها فاصدر أمره إلى حراس البلد وكان عددهم عشرة آلاف فارس بمنع حمل السلاح على كل أحد

__________________

(1) انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، المنتظم الجزء الخامس

(2) تأريخ ابن الأثير 3 / 302

٣٠٧

ونادى مناديه بالكوفة بذلك(1) كما أرسل الوفود الى جميع انحاء البلاد لاعلان النصر واذاعة الخوف بين الناس(2) .

ليلة الحادي عشر :

وقل ما شئت في تصوير المحنة الكبرى التي دهمت عقائل النبوة في ليلة الحادي عشر من المحرم ، فانك لا تستطيع تصويرها ولا استيعاب مأساتها ، فلم تبق رزية من رزايا الدنيا ، ولا غصة من غصص الدهر الا جرت عليهن ، فالاعداء الجفاة الذين لا يملكون أي شرف أو نبل قد استولوا عليهن ، والحماة الأباة من آل الرسول (ص) قد تناثرت اشلاؤهم الزكية أمامهن من دون أن ينبري أحد الى مواراتهم ، والخيام قد احرقت ونهب ما فيها من ثقل ومتاع ، وسلب ما عليهن من حلي وحلل ووصف ذلك المنظر الحزين الدكتور الشيخ احمد الوائلي في رائعته التي يقول فيها :

وسجى الليل والرجال ضحايا

والنساء المخدرات ذهول

واليتامى تشرد وضياع

والثكالى مدامع وعويل

وبقايا مخيم من رماد

وقيود يئن منها عليل

وزنود قست عليها سياط

وجسوم يضري بها التمثيل(3)

أما حفيدة الرسول (ص) وشقيقة الحسين العقيلة زينب (ع) فانها ما وهنت ولا استكانت أمام تلك الأهوال القاصمة فقد اسرعت تلتقط

__________________

(1) مع الحسين في نهضته (ص 285)

(2) مقتل الحسين لعبد اللّه

(3) مجلة البلاغ العدد التاسع السنة الرابعة (ص 13)

٣٠٨

الأطفال الذين هاموا على وجوههم في البيداء ، وتجمع العيال في تلك البيداء الموحشة ، وهي تسليهم وتصبرهم على تلك الرزايا ، وقد انفقت تلك الليلة ساهرة على حراستهم ، وقد هامت في تيارات من الأسى لا يعلم بمداها الا اللّه ، وقد أدت وردها من صلاة الليل ولكن استولى الضعف عليها فادتها من جلوس.

عدد الضحايا من أهل البيت :

واختلف المؤرخون في عدد الضحايا من أهل البيت (ع) وهذه بعض الأقوال :

1 ـ سبعة عشر ، وقد اعلن ذلك الامام الصادق (ع) في حديث له مع شيخ جرى عن قتل الحسين قال (ع) له : «ذاك دم يطلب اللّه به ما أصيب من ولد فاطمة ، ولا يصابون بمثل الحسين ، ولقد قتل في سبعة عشر من أهل بيته ونصحوا للّه ، وصبروا في جنب اللّه فجزاهم اللّه أحسن جزاء الصابرين»(1) ويقول محمد بن الحنفية : «لقد قتل معه ـ أي مع الحسين سبعة عشر ممن ارتكضوا في رحم فاطمة»(2) وهي فاطمة بنت أسد أم الامام امير المؤمنين(3) .

__________________

(1) مقتل الامام الحسين لعبد اللّه بن نور اللّه من مخطوطات مكتبة الامام أمير المؤمنين.

(2) المعجم الكبير للطبراني 1 / 140 ، خطط المقريزي 2 / 286 تذهيب التهذيب 1 / 156.

(3) مقتل الحسين لعبد اللّه بن نور اللّه

٣٠٩

2 ـ ستة عشر رجلا ، يقول الحسن البصري : «قتل مع الحسين ابن علي ستة عشر رجلا ما على وجه الأرض لهم من شبيه»(1) .

ويقول سراقة البارقي :

عيني ابكي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

تسعة منهم لصلب علي

قد ابيدوا وسبعة لعقيل(2)

3 ـ خمسة عشر ، وقد اعلن ذلك المغيرة بن نوفل في مقطوعته التي رثاهم بها يقول :

اضحكني الدهر وابكاني

والدهر ذو صرف والوان

يا لهفتا نفسي وان النفس

لا تنفك من هم واحزان

على أناس قتلوا تسعة

بالطف أمسوا رهن اكفان

وستة ما أن أرى مثلهم

بني عقيل خير فرسان(3)

4 ـ تسعة عشر رجلا من أهل البيت عليهم السلام(4)

5 ـ عشرون ، من أبناء علي سبعة ، ومن ابناء الحسن اثنان ، ومن ابناء عبد اللّه بن جعفر اثنان ومن ابناء الحسين ثلاثة ومن أبناء عقيل ستة غير مسلم(5) .

__________________

(1) مرآة الجنان 1 / 133 ، تأريخ الاسلام للذهبي 2 / 347 ، ذخائر العقبى (ص 146) تأريخ خليفة خياط 1 / 225 ، الاستيعاب 1 / 380

(2) المعارف

(3) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(4) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 87)

(5) مرآة الزمان (ص 59)

٣١٠

6 ـ ثلاثة وعشرون رجلا من ولد الحسين واخوته واهل بيته(1)

7 ـ سبعة وعشرون شهيدا من ولد فاطمة(2) يعني بنت أسد

8 ـ ثمانية وسبعون صرح بذلك النسابة السيد ابو محمد الحسن الحسيني(3) وهو اشتباه ولعله أراد من قتل مع الامام من أصحابه.

9 ـ ثلاثون نسب ذلك الى الامام الصادق في حديث له مع عبد اللّه ابن سنان ، فقد أمره بالصوم في يوم عاشوراء ، وأمره بالافطار بعد صلاة العصر وقال له : «فانه في ذلك الوقت ـ أي العصر ـ تجلت الهيجاء عن آل رسول اللّه (ص) وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا مع مواليهم يعز على رسول اللّه (ص) مصرعهم ، ولو كان في الدنيا حيا لكان هو المعزى بهم»(4) .

10 ـ ثلاثة عشر رجلا انفرد بذلك المسعودي(5) ولم يذكره غيره.

11 ـ اربعة عشر رجلا ذكر ذلك الخوارزمي(6) .

هذه بعض الأقوال التي ذكرت ، واحتوت الزيارة المنسوبة الى الناحية على ذكر سبعة عشر شهيدا وذكر ذلك الشيخ المفيد(7) ولعله هو الأقرب الى الواقع واللّه العالم.

__________________

(1) خطط المقريزي 2 / 286 ، الذرية الطاهرة

(2) المناقب 4 / 112

(3) بحر الانساب الجزء الثاني

(4) سفينة البحار 2 / 196 ، اعيان الشيعة 4 / ق 1 / ص 134

(5) مروج الذهب

(6) مقتل الحسين للخوارزمي 2 / 47

(7) الارشاد (ص 279)

٣١١

الجرحى من اصحاب الامام :

وسقط في المعركة بعض الجرحى من أصحاب الامام ، ولم يجهز عليهم جيش ابن سعد ، وهم

1 ـ سوار بن حمير الجابري

حمل من المعركة ومات متأثرا بجراحه بعد ستة أشهر(1)

2 ـ عمرو بن عبد اللّه

سقط في المعركة جريحا وحمل ، ومات متأثرا بجراحه بعد سنة(2)

3 ـ الحسن بن الحسن

وقاتل الحسن بن الامام الحسن مع عمه حتى سقط على الأرض جريحا ولما اقبل اجلاف أهل الكوفة على حز رءوس الشهداء وجدوا به رمقا فجاء أسماء بن خارجة الفزاري وكان من أخواله فاستشفع به فشفعوه فحمله معه الى الكوفة وعالجه حتى برىء ثم لحق في يثرب(3) .

الناجون من القتل :

ونجا من القتل من أصحاب الامام وأهل بيته ما يلي :

__________________

(1) الحدائق الوردية 1 / 26

(2) الحدائق الوردية 1 / 26

(3) حياة الامام الحسن 2 / 464

٣١٢

1 ـ عاقبة بن سمعان

وكان عاقبة بن سمعان مولى للرباب بنت امرئ القيس زوجة الامام الحسين (ع) جيء به أسيرا الى ابن سعد فقال له :

ـ من أنت؟

ـ مملوك

فخلى سبيله ولم يتعرض له بمكروه(1)

2 ـ المرقع بن قمامة

وكان المرقع بن قمامة الأسدي من أنصار الامام (ع) فأسر فجاءت قبيلته فطلبت له الامان ، وجيء به مخفورا إلى ابن مرجانة ، واخبره ابن سعد بشأنه ، فنفاه الى الزارة من أرض البحرين وبقي فيه(2) .

3 ـ مسلم بن رباح

وكان مع الامام يمرضه ، ولما قتل انفلت ونجا سالما ، وقد روى بعض فصول واقعة كربلا(3) .

4 ـ الامام زين العابدين

وكان مريضا قد أنهكته العلة ، ونجا باعجوبة من أيدي أولئك الطغاة وحمل اسيرا إلى ابن مرجانة وسيده يزيد بن معاوية.

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) انساب الاشراف ق 1 ج 1 ، تأريخ الطبري 6 / 261

(3) مقتل الحسين للمقرم (ص 377) مقاتل الطالبيين (ص 119)

٣١٣

5 ـ الحسن بن الحسن

وقد ذكرنا انه سقط في المعركة جريحا ، وبرىء من جراحاته

6 ـ عمر بن الحسن

ونجا من القتل عمر بن الحسن ، ولم نعلم أنه اشترك في الحرب أم انه كان صغيرا.

7 ـ القاسم بن عبد اللّه

وهو ابن عبد اللّه بن جعفر

8 ـ محمد بن عقيل

9 ـ زيد بن الحسن (1)

وهؤلاء هم الذين نجوا من القتل وافلتوا من أيدي اولئك السفكة المجرمين الذين كانوا يتعطشون الى اراقة دماء أهل البيت.

خسائر ابن سعد :

أما حجم الخسائر في جيش ابن سعد فكانت جسيمة للغاية ، فقد دمر أصحاب الامام على قلتهم جميع كتائب ذلك الجيش ، وانزلوا به افدح الخسائر ، فاشاعوا في ارباض الكوفة الثكل والحداد ويقول بعض المؤرخين : انهم لم يتركوا بيتا في الكوفة الا وفيه نائحة ، أما ما يدعم

__________________

(1) مقاتل الطالبيين (ص 119)

٣١٤

ذلك فهي التصريحات التي أدلى بها بعض قادة الفرق عن فزعهم وذعرهم بما منوا به من الخسائر ، وقد أشرنا إليها في البحوث السابقة.

أما تقدير الخسائر فتنص بعض المقاتل على ان عدد القتلى من جيش ابن سعد كانوا ثمانية آلاف وثمانين رجلا(1) وفيما احسب أن هذا العدد مبالغ فيه ، وان القتلى دون ذلك ، وذكر ابن الأثير ان القتلى كانوا ثمانية وثمانين سوى الجرحى(2) وهذا القول لا نصيب له من الصحة والغاية منه التقليل من أهمية معسكر الحسين ، فان من المقطوع به انهم انزلوا بجيش ابن سعد الهزائم والحقوا به افدح الخسائر ، حتى ضج العسكر من كثرة من قتل منهم ومن الطبيعى ان ذلك لا يتفق مع هذا العدد القليل.

رؤيا ابن عباس :

وحينما نزح الامام من الحجاز الى العراق كان ابن عباس قلقا تساوره الهموم والأحزان خوفا على ابن عمه من غدر أهل الكوفة ، وقد نام في اليوم العاشر من المحرم فاستيقظ فزعا مرعوبا ، وقد رفع صوته :

«قتل الحسين واللّه»

فأنكر عليه أصحابه قائلين له :

«كلا يا ابن عباس!!»

فأجابهم ودموعه تتبلور على خديه رأيت رسول اللّه (ص) ومعه زجاجة ، فقال لي : الا تعلم ما صنعت أمتي بعدي؟ قتلوا ابني الحسين ،

__________________

(1) مقتل الحسين لعبد اللّه

(2) تأريخ ابن الأثير 3 / 296

٣١٥

وهذا دمه ودم اصحابه ارفعه إلى اللّه عز وجل ، وسجل اصحابه اليوم والساعة التي حدثت فيها الرؤيا ، ووافتهم الانباء بمقتل الامام في نفس الوقت التي حدثت فيه الرؤيا(1) .

رؤيا أمّ سلمة :

وكانت أم المؤمنين السيدة أم سلمة وجلة مضطربة من حين خروج الامام الى العراق ، فقد عهد إليها رسول اللّه (ص) بمقتل ولده الحسين في أرض كربلا ، واعطاها قارورة من تربته ، واعلمها انها اذا فاضت دما فان سبطه قد قتل(2) وكانت تنظر كل يوم الى القارورة وتقول :

إن يوما تتحولين دما ليوم عظيم(3) ورقدت في اليوم العاشر من المحرم فرأت في منامها رسول اللّه (ص) وعلى رأسه ولحيته التراب فقالت له :

«ما لك يا رسول اللّه؟!»

«شهدت قتل الحسين»

وانتبهت أم سلمة فزعة مذعورة وهي صارخة منادية «قتل الحسين

__________________

(1) تأريخ ابن عساكر 13 / 85 ، مرآة الجنان 1 / 134 ، تذهيب التهذيب 1 / 155 ، تأريخ الاسلام للذهبي 2 / 349 ، تأريخ بغداد ، خطط المقريزي 2 / 286 ، المنتظم الجزء الخامس.

(2) المعجم الكبير للطبراني ، تأريخ الاسلام للذهبي 2 / 349 ، تأريخ المظفري (ص 30) وجاء فيه ان اول صارخة على الحسين بالمدينة هي أم سلمة.

(3) المعجم الكبير للطبراني

٣١٦

ملأ اللّه بيوتهم وقبورهم نارا»(1) وسمع ابن عباس الصراخ قد علا من بيت أم سلمة فخف إليها ، وقد ازدحم بيتها بالرجال والنساء فقال لها :

يا أم المؤمنين ما بالك تصرخين وتعولين فلم تجبه ، واقبلت على النساء الهاشميات فقالت لهن :

«يا بنات عبد المطلب اسعدنني ، وابكين ، فقد واللّه قتل سبط رسول اللّه وريحانته الحسين».

فقلن لها :

«من أين علمت ذلك؟

فأخبرت برؤياها للنبي (ص)(2) وتصارخت النسوة حتى ضجت المدينة وما سمع بواعية مثل ذلك اليوم(3) وأقامت أم سلمة من وقتها مجلس العزاء على الحسين ، فجعل المسلمون يفدون عليها ويعزونها بمصابها الأليم ، وممن وفد عليها معزيا شهر بن حوشب ، فأخذت تحدثه عما سمعته من رسول اللّه (ص) في فضل أهل البيت قائلة! دخل رسول اللّه (ص) على منامة لنا فجاءته فاطمة بشيء فوضعته ، فقال (ع) لها : ادع لي حسنا وحسينا وابن عمك عليا فلما اجتمعوا عنده قال اللهم هؤلاء خاصتي وأهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(4) وأخذت أم سلمة تلعن أهل الكوفة وتقول : قتلوه قتلهم اللّه عز وجل ، غروه واذلوه

__________________

(1) تأريخ ابن عساكر 13 / 85

(2) أمالي الطوسي 2 / 203

(3) تأريخ اليعقوبي 2 / 219

(4) تأريخ ابن عساكر 13 / 39

٣١٧

لعنهم اللّه(1) وكان يغشى عليها من شدة الحزن ، ولم تلبث الا يسيرا حتى توفيت كمدا وحزنا على الحسين (ع)(2) .

خولى يحمل رأس الامام :

ولم يعن ابن سعد بالتمثيل بجسم الامام الذي حرمه الاسلام بعد أن صدرت له الأوامر من ابن مرجانة بذلك ، وقد عمد فور استشهاد الامام الى ارسال رأسه مع خولى بن يزيد الاصبحي وحميد بن مسلم الأزدي ، فحملا الرأس الشريف هدية لابن مرجانة كما حمل رأس يحيى بن زكريا الى بغي من بغايا بني اسرائيل ، وقد اقبلا يجذان السير لا يلويان على شيء حتى انتهيا إلى الكوفة في الهزيع الأخير من الليل ، فوجدا باب القصر مغلقا ، فأخذ خولى رأس الامام وولى مسرعا الى بيته ليبشر به زوجته وطرق باب داره طرقا عنيفا ، وهو يلهث من شدة التعب وعظيم الفرح فخرجت إليه زوجته النوار بنت مالك الحضرمي ، وكانت علوية الرأي فأسرعت إليه قائلة :

«ما الخبر؟»

«جئت بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين معك في الدار»

وفقدت المرأة اهابها ، وراحت تصيح به :

«ويلك جاء الناس بالفضة والذهب ، وجئت برأس ابن بنت

__________________

(1) المعجم الكبير للطبراني

(2) سير اعلام النبلاء 2 / 146

٣١٨

رسول اللّه ، واللّه لا يجمع رأسي ورأسك شيء أبدا»(1) .

وأصبح زوجها من أبغض الناس إليها ، وفي الصباح الباكر حمل خولى رأس الامام الى ابن زياد فأظهر الفرح والسرور ، وقد تمت ـ فيما يحسب ـ بوارق آماله وأحلامه.

الطاغية مع قاتل الامام :

والتفت ابن زياد الى الجلادين من شرطته الذين حضروا المعركة فقال لهم :

«أيكم قاتله؟»

فوثب إليه رجل وهو فرح لعله أن ينال الجائزة منه فقال له :

«أنا قتلته»

«ما قال لك؟»

«لما أخذت السلاح قلت له : ابشر بالنار ، قال : ابشر ان شاء اللّه تعالى برحمته وشفاعة نبيه»(2) .

واطرق ابن مرجانة برأسه الى الأرض وهو يشعر بالوخز وخيبة المصير وسوء المنقلب.

__________________

(1) انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، وفي العقد الفريد 2 / 242 انها قالت له : واللّه لا يجمعني واياك فراش أبدا وفي البداية والنهاية 8 / 190 انها قامت من فراشه ، ونظرت الى الاجانة فرأت النور ساطعا من تلك الاجانة الى السماء ورأت طيورا بيضا ترفرف حولها.

(2) تأريخ الخميس 2 / 334

٣١٩

تشفي ابن زياد برأس الامام :

ولما وضع رأس ريحانة رسول اللّه (ص) بين يدي الدعي ابن الدعي أخذ يعبث بثناياه ساعة من الزمن ، وهو يجد في ذلك لذة لا تعد لها لذة ، وبدا على وجهه آثار الحقد الدفين والتشفي الآثم ، فأخذ يضرب بعوده ثنايا الامام وشفتيه التي طالما كان رسول اللّه (ص) يوسعهما تقبيلا يقول القيم بن محمد : ما رأيت منظرا قط افظع من القاء رأس الحسين بين يدي ابن مرجانة وهو ينكثه(1) وكان في مجلسه الصحابي زيد بن ارقم فلما رأى صنعه انهارت قواه وصاح به.

«اعل بهذا القضيب عن هاتين الشفتين ، فو الذي لا إله الا هو لقد رأيت شفتي رسول اللّه على هاتين الشفتين يقبلهما».

وانفجر زيد باكيا وراح ابن زياد يهزأ من الصحابي قائلا :

«ابكى اللّه عينيك ، لو لا انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك»

فاندفع الصحابي قائلا :

«الا احدثك حديثا هو اغلظ من هذا ، رأيت رسول اللّه (ص) أقعد حسنا على فخذه اليمنى ، وحسينا على فخذه اليسرى ، ووضع يديه على يافوخيهما ، وقال : اللهم اني استودعك اياهما وصالح المؤمنين ، فكيف كانت وديعة رسول اللّه (ص) عندك يا ابن زياد؟»

وخرج زيد غير حافل ببطش ابن مرجانة ، وهو يخاطب اهل الكوفة قائلا :

«أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وامرتم

__________________

(1) أمالي الشيخ الطوسي 1 / 161 مخطوط

٣٢٠