حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسين عليه السلام16%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 307962 / تحميل: 5971
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

٦٣ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن أبي جعفر محمد بن علي الرضاعليه‌السلام عن أبيه قال: سمعت أبي موسى بن جعفرعليه‌السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد البصري على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فلما سلم وجلس تلا هذه الآية الذين يجتنبون كبائر الإثم ثم أمسك فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما أمسكك؟ فقال: أحب أنْ أعرف الكبائر من كتاب اللهعزوجل فقال: يا عمرو! أكبر الكبائر الشرك بالله يقول الله تبارك وتعالى:( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) ويقولعزوجل :( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) وبعده اليأس من روح الله لان اللهعزوجل يقول:( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ ) ثم الأمن من مكر الله لان اللهعزوجل يقول:( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ) . ومنها عقوق الوالدين لان اللهعزوجل جعل العاق جبارا شقيا في قوله تعالى:( وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا ) وقتل النفس التي حرم الله إلّا بالحق لانّ اللهعزوجل يقول:( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ) إلى آخر الاية. وقذف المحصنات لان اللهعزوجل يقول:( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) . وأكل مال اليتيم ظلما لقول اللهعزوجل :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) والفرار من الزحف لان اللهعزوجل يقول:( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) وأكل الربا لان اللهعزوجل يقول:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) ويقول اللهعزوجل :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) والسحر لان اللهعزوجل يقول:( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) . والزنا لان اللهعزوجل يقول: «( وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا

١٦١

مَنْ تابَ ) الآية واليمين الغموس(١) لان اللهعزوجل يقول:( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ) الآية والغلول(٢) قال اللهعزوجل :( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) . ومنع الزكاة المفروضة لان اللهعزوجل يقول:( يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) وشهادة الزور وكتمان الشهادة لان اللهعزوجل يقول:( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) وشرب الخمر لان اللهعزوجل عدل بها عبادة الأوثان وترك الصلوة متعمدا أو شيئا مما فرض اللهعزوجل لان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من ترك الصلوة متعمدا فقد برىء من ذمة الله وذمة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونقض العهد وقطيعة الرحم لان اللهعزوجل يقول:( أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) قال: فخرج عمرو بن عبيد وله صراخ من بكائه وهو يقول: هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم.

٦٤ ـ في أصول الكافي يونس عن إسحق بن عمار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) قال: الفواحش الزنا والسرقة واللمم(٣) الرجل يلم بالذنب فيستغفر الله منه قلت: بين الضلال والكفر منزلة؟ فقال: ما أكثر عرى الايمان.

٦٥ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: أرايت قول اللهعزوجل :( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) قال: هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء الله ثم يلم به بعد.

٦٦ ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن العلا عن محمد

__________________

(١) اليمين الغموس هي اليمين الكاذبة الفاجرة يقطع بها الحالف ما لغيره مع علمه أنّ الأمر بخلافه وليس فيها كفارة لشدة الذنب فيها سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم.

(٢) الغلول: السرقة والخيانة. وقيل: الغلول في المغنم خاصة.

(٣) اللمم: مقاربة الذنب أو صفار الذنوب.

١٦٢

ابن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام قال: قلت:( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) قال: الهنة بعد الهنة(١) أي الذنب، بعد الذنب يلم به العبد.

٦٧ ـ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن إسحق بن عمار قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من مؤمن إلّا وله ذنب يهجره زمانا(٢) ثم يلم به وذلك قول اللهعزوجل : «الا اللمم» وسألته عن قول اللهعزوجل :( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) قال: الفواحش الزنا والسرقة واللمم الرجل يلّم بالذنب فيستغفر الله منه.

٦٨ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن إسحق بن عمار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما من ذنب إلّا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزمان ثمّ يلّم به وهو قول اللهعزوجل :( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) قال: اللمام العبد الذي يلم بالذنب بعد الذنب، ليس من سليقته أي من طبعه.

٦٩ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى إسحق القمّي قال: دخلت على أبي جعفر الباقرعليه‌السلام فقلت: جعلت فداك، لا يزني(٣) ولا يلوط ولا يرتكب السيئات فأى شيء ذنبه؟ فقال: يا إسحق قال الله تبارك وتعالى( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) وقد يلم المؤمن بالشيء الذي ليس فيه مراد والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٧٠ ـ في مجمع البيان قال الفراء: اللمم أنْ يفعل الإنسان الشيء في الحين لا يكون له عادة ومنه إلمام الخيال، والإلمام الزيادة التي لا تمتد، وكذلك اللمام قال امية :

__________________

(١) الهن ـ على وزن أخ ـ كلمة كناية ومعناها شيء واصله هنو.

(٢) يهجره أي يتركه وقيل: العموم في هذا الكلام عرفي كناية عن الكثرة.

(٣) يعنى المؤمن المذكور في الحديث قبيل لذلك وتمام الحديث مذكور في الباب ٢٤٠ من كتاب العلل ج ٢ صفحة ١٧٥ ط قم فراجع ان شئت.

١٦٣

إنْ تغفر أللّهم تغفر جمّا

وأيُّ عبد لك لا ألما

وقد روى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينشدهما ويقولهما أي لم يلم بمعصية.

٧١ ـ في عيون الأخبار في باب ما كتبه الرضاعليه‌السلام من محض الإسلام وشرايع الدين قالعليه‌السلام : واجتناب الكبائر وهي قتل النفس التي حرم اللهعزوجل والزنا والسرقة وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به من غير ضرورة، وأكل الربا بعد البينة والسحت، والميسر وهو القمار، والبخس في المكيال والميزان، وقذف المحصنات واللواط، وشهادة الزور ؛ واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله تعالى، والقنوط من رحمة الله تعالى، ومعونة الظالمين والركون إليهم واليمين الغموس وحبس الحقوق من غير عسر، والكذب، والكبر، والإسراف والتبذير والخيانة، والاستخفاف بالحج، والمحاربة لأولياء الله، والاشتغال بالمناهى، والإصرار على الذنوب.

٧٢ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: وجدنا في كتاب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الكبائر خمس: الشرك بالله وعقوق الوالدين وأكل الربا بعد البينة ؛ والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة.

٧٣ ـ وعن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني عن الكبائر فقال: هو خمس وهن ما أوجب الله عليهن النار قال الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) وقال:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) إلى آخر الاية، وقوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ) إلى آخر الاية، ورمى المحصنات الغافلات، وقتل المؤمن عمدا.

٧٤ ـ عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الكبائر سبع فينا نزلت ومنا استحلت، فانها الشرك بالله العظيم، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين، وقذف المحصنة والفرار من الزحف وانكار

١٦٤

حقنا، فأما الشرك بالله فقد أنزل الله فينا ما أنزل، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما قال: فكذبوا الله وكذبوا رسوله وأشركوا بالله تعالى وأمّا قتل النفس التي حرم الله فقد قتلوا الحسين بن عليعليهما‌السلام وأصحابه، وأمّا أكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله الله لنا وأعطوه غيرنا، وأمّا عقوق الوالدين فقد أنزل في كتابه:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) فعقوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذريته، وعقوا أمّهم خديجة في ذريتها، وأمّا قذف المحصنة فقد قذفوا فاطمةعليها‌السلام على منابرهم ؛ وأمّا الفرار من الزحف فقد أعطوا أمير المؤمنينعليه‌السلام بيعتهم طائعين غير مكرهين ففروا عنه وخذلوه، وأمّا انكار حقنا فهذا لا يتنازعون فيه.

٧٥ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى عباد بن كثير النوا قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الكبائر فقال: كل شيء وعد الله عليه النار.

٧٦ ـ وباسناده إلى أحمد بن إسماعيل الكاتب قال: أقبل محمّد بن عليّعليهما‌السلام في المسجد الحرام فنظر إليه قوم من قريش فقالوا: هذا إله أهل العراق فقال بعضهم: لو بعثتم إليه بعضكم فسأله؟ فأتاه شاب منهم فقال له: يا عمّ ما أكبر الكبائر؟ فقال: شرب الخمر فأتاهم فأخبرهم فقالوا له: عد إليه فلم يزالوا به حتى عاد إليه فسأله فقال له: ألم أقل لك يا ابن أخ شرب الخمر؟ إنّ شرب الخمر يدخل صاحبه في الزنا والسرقة وقتل النفس التي حرم الله إلّا بالحق وفي الشرك وتالله أفاعيل الخمر تعلوا على كل ذنب كما تعلوا شجرتها على كل شجرة.

٧٧ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى ابن إسحاق الليثي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حديث طويل يذكر فيه خلق الله طينة الشيعة وطينة الناصب وان الله مزج بينهما إلى قوله: فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط أو ترك صلوة أو صيام أو حج أو جهاد أو خيانة أو كبيرة من هذا الكبائر فهو من طينة الناصب وعنصره الذي قد مزج فيه، لان من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر، وما رأيت من الناصب ومواظبته على الصلوة والصيام والزكاة والحج

١٦٥

والجهاد وأبواب البر فهو من طينة المؤمن وسنخه الذي قد مزج فيه، لان من سنخ المؤمن وعنصره وطينته اكتساب الحسنات واستعمال الخير واجتناب المآثم وفي آخره قالعليه‌السلام : اقرأ يا إبراهيم:( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) يعنى من الأرض المنتنة( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ) يقول: لا يفتخر أحدكم بكثرة صلوته وصيامه وزكوته ونسكه لان اللهعزوجل ، أعلم بمن اتقى منكم، فان ذلك من قبل اللمم وهو المزج وفي هذا الحديث إيضاح وفوائد وهو مذكور في سورة الفرقان عند قوله تعالى:( فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ) (١) .

٧٨ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عن قول اللهعزوجل :( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ) قال: قول الناس صليت البارحة وصمت أمس ونحو هذا، ثمّ قالعليه‌السلام : إنّ قوما كانوا يصبحون فيقولون: صلينا البارحة وصمنا أمس، فقال عليٌّعليه‌السلام : لكني أنام الليل والنهار ولو أجد بينهما شيئا لنمته.

٧٩ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) وعن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: أتى يهودي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقام بين يديه يحد النظر إليه(٢) فقال: يا يهودي ما حاجتك؟ فقال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه اللهعزوجل ، وأنزل عليه التوراة، والعصاء، وفلق له البحر وأظله بالغمام؟ فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه يكره للعبد أنْ يزكى نفسه ولكني أقول: إنّ آدمعليه‌السلام لـمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أنْ قال: أللّهم إني أسئلك بحقّ محمّد وآل محمّد لـمّا غفرت لي فغفر الله له، وإنّ نوحاعليه‌السلام لـمّا ركب السفينة وخاف الغرق قال: أللّهم إني أسئلك بحق محمّد وآل محمّد لـمّا أنجيتنى من الغرق فنجاه اللهعزوجل وانّ إبراهيمعليه‌السلام لـمّا ألقى في النار قال: أللّهم إني أسئلك بحقّ محمّد و

__________________

(١) راجع ج ٤ صفحة ٣٥ ـ ٤٠.

(٢) حد إليه النظر: بالغ في النظر اليه.

١٦٦

آل محمّد لـمّا أنجيتني منها، فجعلها الله عليه بردا وسلاما ؛ وأنّ موسىعليه‌السلام لـمّا ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: أللّهم إني أسئلك بحقّ محمّد وآل محمّد لـمّا آمنتنى، قال اللهعزوجل :( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ) يا يهودي إنّ موسى لو أدركنى ثمّ لم يؤمن بى وبنبوّتي ما نفعه ايمانه شيئا، ولا نفعته النبوّة، يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريمعليه‌السلام لنصرته فقدّمه ويصلّي خلفه.

٨٠ ـ وفيه من كلام لعليٍّعليه‌السلام : ولو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين(١) .

٨١ ـ في تفسير العياشي وقال سليمان قال سفيان لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما يجوز أنْ يزكى المرء نفسه؟ قال: نعم إذا اضطر اليه، أما سمعت قول يوسف:( اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) وقول العبد الصالح:( وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ ) .

٨٢ ـ في كتاب مقتل الحسين (عليه السلام)لأبي مخنفرحمه‌الله من أشعار الحسينعليه‌السلام في موقف كربلاء

أنا ابن عليٍّ الحر من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

بنا بيّن الله الهدى عن ضلاله

وينجز بنا دين الإ له ويظهر

علينا وفينا أنزل الوحي والهدى

ونحن سراج الله في الأرض نزهر

ونحن ولاة الحوض نسقي محبّنا

بكأس رسول الله ما ليس ينكر

وشيعتنا في الناس أكرم شيعة

ومبغضنا يوم القيامة يخسر

فطوبى لعبد زارنا بعد موتنا

بجنّة عدن صفوها لا يكدر

__________________

(١) هذا الكلام من جملة ما كتبه (عليه السلام)جوابا إلى معاوية وهو من محاسن الكتب وقد ذكره الشريف الرضى (قده) في نهج البلاغة بتمامه فمن أراد الوقوف على فليراجع رقم ٢٨ من الكتب والرسائل، وقوله (عليه السلام)«ولولا ما نهى الله اه» اشارة إلى نفسه عليه الصلوة والسلام. وقوله «ولا تمجها آذان السامعين» أي لا تقذفها يقال مج الرجل من فيه أي قذفه.

١٦٧

ومنها :

خيرة الله من الخلق أبي

بعد جدّي فأنا ابن الخيرتين

أمّي الزهراء حقّا وأبي

وارث العلم ومولى الثقلين

فضة قد صفيت من ذهب

فأنا الفضة وابن الذهبين

والدي شمس وأمّي قمر

فأنا الكوكب وابن القمرين

من له جد كجدّي في الورى

أو كامّي في جميع المشرقين

خصّه الله بفضل وتقى

فأنا الأزهر وابن الازهرين

جوهر من فضّة مكنونة

فأنا الجوهر وابن الدرتين

نحن أصحاب العبا خمستنا

قد ملكنا شرقها والمغربين

نحن جبرئيل لنا سادسنا

ولنا البيت ومولى الحرمين

كل ذا العالم يرجو فضلنا

غير ذا الرجس اللعين الوالدين

٨٣ ـ في مجمع البيان: أفرأيت الذي تولى نزلت الآيات السبع في عثمان بن عفان كان يتصدق وينفق فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح: ما هذا الذي تصنع؟ يوشك أنْ لا يبقى لك شيء فقال عثمان: إنّ لي ذنوبا وانى أطلب ما أصنع رضى الله وأرجو عفوه، فقال له عبد الله أعطني ناقتك برحلها وانا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن النفقة فنزلت:( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ) أي يوم أحد حين ترك المركز وأعطى قليلا ثمّ قطع النفقة إلى قوله:( وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ) فعاد عثمان إلى ما كان عليه عن ابن عباس والسدّي والكلبي وجماعة من المفسّرين أقول: ونقل أقوال أربعة أنها نزلت في غير عثمان.

٨٤ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى حفص بن البختري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل : وإبراهيم الذي وفي قال: انه كان يقول: إذا أصبح وامسى: أصبحت وربي محمود، أصبحت لا أشرك به شيئا ولا ادعو مع الله إلى آخر ولا اتخذ من دونه وليا وسمى بذلك عبدا شكورا.

١٦٨

٨٥ ـ في أصول الكافي علي بن محمد عن بعض أصحابه عن محمد بن سنان عن أبي سعيد المكاري عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له: ما عنى بقوله: وإبراهيم الذي وفي قال: كلمات بالغ فيهن، قلت: وما هن؟ قال: كان إذا أصبح قال: أصبحت وربي محمود أصبحت لا أشرك بالله شيئا ولا أدعو معه إلها ولا اتخذ من دونه وليا ـ ثلاثا ـ وإذا أمسى قالها ثلاثا، قال: فأنزل اللهعزوجل في كتابه:( وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) قال: وفى بما أمره الله به من الأمر والنهى وذبح ابنه.

قال عز من قائل:( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى )

٨٧ ـ في الكافي أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن إسحق بن عمار عن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يحج فيجعل حجته وعمرته أو بعض طوافه لبعض أهله وهو عنه غائب في بلد آخر قال: قلت: فينتقص ذلك من أجر قال: هي له ولصاحبه وله أجر سوى ذلك بما وصل، قلت: وهو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم، حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه، قلت: فيعلم هو في مكانه أنه عمل ذلك لحقه؟ قال: نعم قلت: وان كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال: نعم يخفف عنه.

٨٨ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رفع رأسه إلى السماء فتبسم فقيل له: يا رسول الله رأيناك رفعت رأسك إلى السماء فتبسمت؟ قال: نعم عجبت لملكين هبطا من السماء إلى الأرض يلتمسان عبدا صالحا مؤمنا في مصلى كان يصلّي فيه ليكتبا له عمل في يومه وليلته، فلم يجداه في مصلاه فعرجا إلى السماء فقالا: يا ربّ عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلّاه لنكتب عمله ليومه وليلته فلم نصبه فوجدناه في حبالك(١) ؟ فقال اللهعزوجل : أكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحته من الخير

__________________

(١) أي وجدناه مريضا.

١٦٩

في يومه وليلته ما دام في حبالى، فانّ عليَّ أنْ أكتب له أجر ما كان يعمله إذ حبسته عنه.

٨٩ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن المفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ المؤمن إذا غلبه ضعف الكبر أمر اللهعزوجل الملك أنْ يكتب له في حالته تلك مثل ما كان يعمل وهو شاب نشيط(١) صحيح ومثل ذلك إذا مرض وكل الله به ملكا يكتب له في سمعه ما كان يعمل من الخير في صحته حتى يرفعه الله ويقبضه، وكذلك الكافر إذا اشتغل بقسم في جسده كتب الله له ما كان يعمل من شر في صحته.

٩٠ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يقول اللهعزوجل للملك الموكل بالمؤمن إذا مرض: أكتب له ما كنت تكتب له في صحته، فإنّي انا الذي صيرته في حبالي.

٩١ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن عبد الحميد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا صعد ملكا العبد المريض إلى السماء عند كل مساء يقول الرب تبارك وتعالى: ما ذا كتبتما لعبدي في مرضه؟ فيقولان: الشكاية، فيقول: ما أنصفت عبدي أنْ حبسته في حبس من حبسي ثمّ أمنعه الشكاية، أكتبا لعبدي مثل ما كنتما تكتبان له من الخير في صحته ؛ ولا تكتبان عليه سيئة حتى أطلقه من حبسي.

٩٢ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن درست قال: سمعت أبا إبراهيمعليه‌السلام يقول: إذا مرض المؤمن أوحى اللهعزوجل إلى صاحب الشمال: لا تكتب على عبدي ما دام في حبسي ووثاقي ذنبا ويوحى إلى صاحب اليمين: أنْ أكتب لعبدي ما كنت تكتب له في صحته من الحسنات.

٩٣ ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن حسان عن محمد بن علي عن محمد بن

__________________

(١) النشيط: ذو النشاط.

١٧٠

الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: حمى ليلة تعدل عبادة سنة، وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين ؛ وحمى ثلاث ليال تعدل عبادة سبعين سنة، قال: قلت: فان لم يبلغ سبعين؟ قال: فلامه وأبيه، قال: قلت: فان لم يبلغا؟ قال: فلقرابته قال: قلت :فان لم تبلغ قرابته؟ قال: فجيرانه.

٩٤ ـ في أصول الكافي باسناده إلى محمد بن مروان قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما يمنع الرجل منكم أنْ يبر والديه حيين أو ميتين يصلّي عنهما ويتصدّق عنهما ويحجّ عنهما ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله جل وعز ببره وصلته خيرا كثيرا.

٩٥ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته إلى يوم القيامة صدقة موقوفة لا تورث، وسنة هدى سنها وكان يعمل بها وعمل بها من بعده غيره، وولد صالح يستغفر له.

٩٦ ـ في من لا يحضره الفقيه وقال عمر بن يزيد: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام يصلّي عن الميت؟ فقال: نعم حتى انه يكون في ضيق فيوسع الله عليه ذلك الضيق، ثم يؤتى فيقال له: خفف الله عنك هذا الضيق بصلوة فلان أخيك عنك، قال: قلت له: فأشرك بين رجلين في ركعتين؟ قال: نعم.

وقالعليه‌السلام : إنّ الميت ليفرح بالترحم عليه والاستغفار له كما يفرح الحي بالهدية.

وقالعليه‌السلام : ستة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسه، وصدقة ماء يجريه، وقليب يحفره، وستة يؤخذ بها من بعده، وقالعليه‌السلام : من عمل (من ظ) المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له أجره، ونفع الله به الميت.

وقالعليه‌السلام : يدخل الميت في قبره الصلوة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ويكتب أجره للذي يفعله وللميت.

٩٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وأمّا قوله: وإنّ إلى ربك المنتهى قال :

١٧١

إذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا وتكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم(١) حتى كان الرجل من بين يديه فيجيب من خلفه، وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه.

وفيه حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا انتهى الكلام إلى الله وقال كالكلام السابق.

أقول: وكأنه الاول.

٩٨ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمان بن الحجاج عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الله يقول:( وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ) فاذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا.

٩٩ ـ وباسناده إلى زرارة بن أعين عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ ملكا عظيم الشأن كان في مجلس له، فتناول الرب تبارك وتعالى، ففقد فما يدرى اين هو؟ ١٠٠ ـ وباسناده إلى أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : يا زياد إياك والخصومات فانها تورث الشك وتحبط العمل وتردى صاحبها، وعسى أنْ يتكلم بالشيء فلا يغفر له، انه كان فيما مضى قوم تركوا علم ما وكلوا به وطلبوا علم ما كفوه حتى انتهى كلامهم إلى الله فتحيروا، حتى كان الرجل يدعى من بين يديه فيجيب من خلفه، ويدعى من خلفه فيجيب من بين يديه، وفي رواية أخرى حتى تا هوا في الأرض.

١٠١ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى علي بن حسان الواسطي عن بعض أصحابنا عن زرارة قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام إنّ الناس قبلها قد أكثروا في الصفة(٢) فما تقول؟ فقال: مكروه اما تسمع اللهعزوجل يقول:( وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ) تكلموا فيما دون ذلك.

١٠٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى ) قال :

__________________

(١) تاه: تحير وضل.

(٢) وفي بعض النسخ «القصة» بدل الصفة والظاهر الموافق للمصدر هو المختار ويحتمل التصحيف أو أنّ اللفظ كناية عن البحث في الله والتفكر فيه جل شأنه العزيز.

١٧٢

أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات قال الشاعر :

كل يوم باقحوان جديد

تضحك الأرض من بكاء السماء(١)

وقوله:( مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى ) قال: تتحول النطفة إلى الدم فتكون أو لا دما ثم تصير النطفة في الدماغ في عرق يقال له الورد، وتمر في فقار الظهر فلا تجوز فقرا فقرا حتى تصير في الحالين فتصير ابيض، وأمّا نطفة المرأة فانها تنزل من صدرها.

١٠٣ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله قال أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام سأل عبد الله بن صوريا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أخبرنى عمن لا يولد له ومن يولد له؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا اصفرت النطفة لم يولد له أي إذا احمرت وكدرت، وإذا كانت صافية ولد له ؛ والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠٤ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى ) قال: اغنى كل إنسان معيشته: وأرضاه بكسب يده.

١٠٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم:( وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ) قال: النجم في السماء يسمى الشعراء كانت قريش وقوم من العرب يعبدونه وهو نجم يطلع في آخر الليل.

وقوله: والمؤتفكة أهوى قال: المؤتفكة البصرة والدليل على ذلك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا أهل البصرة ويا أهل المؤتفكة يا جند المرئة واتباع البهيمة رغا فأجبتم وعقر فهربتم مائكم زعاق وأحلامكم رقاق وفيكم ختم النفاق(٢) ولعنتم على لسان سبعين نبيا، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرنى أنّ جبرئيلعليه‌السلام أخبره

__________________

(١) الأقحوان: نبات له زهر ابيض يشبهون بها الأسنان ويسمونه بالبابونج.

(٢) رغا البعير: صوت. وزعق الماء زعاقة: كان مرا لا يطاق شربه. وقوله (عليه السلام)«وأحلامكم رقاق» كذا في النسخ وتوافقه المصدر والرقاق ـ بضم الراء ـ: الرقيق وفي معجم البلدان «دقاق» بالدال المهملة وضمها وهو الظاهر: فتات كل شيء وفيه أيضا «دينكم النفاق» وفي البرهان «وفيكم النفاق».

١٧٣

انه طوى له الأرض فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء. وأبعدها من السماء، فيها تسعة أعشار الشر والداء العضال(١) المقيم فيها مذنب والخارج منها برحمة وقد ائتفكت بأهلها مرتين، وعلى الله تمام الثالثة، وتمام الثالثة في الرجعة.

١٠٦ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن علي بن الحسين عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: «والمؤتفكة أهوى» قال: هم أهل البصرة هي المؤتفكة.

١٠٧ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: بنيّ الكفر على أربع دعائم إلى أنْ قال: والشك على أربع شعب على المرية والهوى والتردد والاستسلام، وهو قولهعزوجل :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله عن محمد بن علي عن علي بن أسباط عن علي بن معمر عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ) قال: إنّ الله تبارك وتعالى لـمّا ذرأ الخلق في الذر الاول أقامهم صفوفا قدامه، وبعث اللهعزوجل محمدا حيث دعاهم فآمن به قوم وأنكره قوم، فقال اللهعزوجل :( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ) يعنى به محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث دعاهم إلى اللهعزوجل في الذر الاول.

١٠٩ ـ في بصائر الدرجات بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن علي بن معمر عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى:( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ) (قال ظ) يعنى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث دعاهم إلى الإقرار بالله في الذر الاول.

١١٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال علي بن إبراهيم في قوله: أزفت

__________________

(١) العضال: الشديد.

١٧٤

الازفة: قال: قربت القيامة( أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ) يعنى ما قد تقدم ذكره من الاخبار.

١١١ ـ في مجمع البيان( أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ) يعنى بالحديث ما تقدم من الأخبار عن الصادقعليه‌السلام .

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرأ سورة اقتربت الساعة أخرجه الله من قبره على ناقة من نوق الجنة.

٢ ـ في مجمع البيان أبيّ بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ومن قرء سورة اقتربت الساعة في كل عشية بعث يوم القيامة ووجهه على صورة القمر ليلة البدر، ومن قرأها كل ليلة كان أفضل وجاء يوم القيامة ووجهه مسفر على وجوه الخلائق وانشق القمر قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: إنْ كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنْ فعلت تؤمنون؟ قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر فسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه أنْ يعطيه ما قالوا فانشق القمر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرقتين، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينادى يا فلان يا فلان اشهدوا.

وقال ابن مسعود: انشق القمر شقتين فقال لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشهدوا اشهدوا.

وروى أيضا عن ابن مسعود انه قال: والذي نفسي بيده لقد رأيت حراء بين فلكي القمر.

وعن حسين بن مطعم قال: انشق القمر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى صار فرقتين على هذا الجبل، فقال أناس: سحرنا محمّد فقال رجل: إنْ كان سحركم فلم يسحر الناس كلهم.

وقد روى حديث انشقاق القمر جماعة كثيرة من الصحابة منهم عبد الله بن

١٧٥

مسعود، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر، وجبير بن معطم، وابن عباس وعبد الله بن عمر، وعليه جماعة من المفسرين إلّا ما روى عن عثمان بن عطاء عن أبيه انه قال: معناه وسينشق القمر وروى ذلك عن الحسن وأنكره أيضا البلخي، وهذا أيضا لا يصح لان المسلمين أجمعوا على ذلك فلا يعتد بخلاف من خالف فيه ولان اشتهاره بين الصحابة يمنع من القول بخلافه.

٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم:( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) قال: اقتربت القيامة فلا يكون بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا القيامة، وقد انقضت النبوة والرسالة وقوله:( وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) فان قريشا سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يريهم آية فدعا الله فانشق القمر نصفين حتى نظروا إليه ثم التأم، فقالوا هذا سحر مستمر أي صحيح.

٤ ـ وروى أيضا في قوله: اقتربت الساعة قال: خروج القائمعليه‌السلام . حدّثنا حبيب بن الحصين بن أبان الآجري قال: حدّثني محمد بن هشام عن محمد قال: حدّثني يونس قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : اجتمعوا أربعة عشر رجلا أصحاب العقبة ليلة أربع عشرة من ذي الحجة فقالوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من نبي إلّا وله آية فما آيتك في ليلتك هذه؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما الذي تريدون؟ فقالوا: إنْ يكن لك عند ربك قد فأمر القمر أن ينقطع قطعتين، فهبط جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا محمّد ربك يقرئك السّلام ويقول لك: إني قد أمرت كل شيء بطاعتك، فرفع رأسه فأمر القمر أنْ ينقطع قطعتين، فانقطع قطعتين فسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شكر الله وسجدت شيعتنا ثمّ رفع النبي رأسه ورفعوا رؤسهم فقالوا: تعيده كما كان فعاد كما كان، ثمّ قال: ينشق فرفع رأسه فأمره فانشق فسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شكرا لله وسجد شيعتنا، فقالوا: يا محمّد حين تقدم أسفارنا من الشام واليمن فنسألهم ما رأوا في هذه الليلة، فان يكونوا رأوا مثل ما رأينا علمنا أنه من ربك، وان لم يروا مثل ما رأينا علمنا أنّه سحر سحرتنا به، فأنزل الله:( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) إلى آخر السورة.

٥ ـ في إرشاد المفيدرحمه‌الله وروى أبو بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث طويل انه قال: إذا قام القائمعليه‌السلام سار إلى الكوفة فهدم فيها أربع مساجد، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلّا هدّمها وجعلها جماء(١) ووسع الطريق الأعظم ،

__________________

(١) ارض جماء: ملساء وهي المستوية.

١٧٦

وكسر كل جناح خارج في الطريق وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، ولا يترك بدعة إلّا أزالها ولا سنة إلّا أقامها، ويفتح قسطنطنية والصين وجبال الديلم، فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم، ثم يفعل الله ما يشاء قال: قلت: جعلت فداك كيف تطول السنون؟ قال: يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون، قال له: انهم يقولون إنْ الفلك إنْ تغير فسد؟ قال: ذاك قول الزنادقة فأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك وقد شق القمر لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورد الشمس من قبله ليوشع بن بنون، وأخبرنا بطول يوم القيامة وانه كألف سنة مما تعدّون.

٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إلى شَيْءٍ نُكُرٍ ) قال: الامام إذا خرج يدعوهم إلى ما ينكرون.

٧ ـ في روضة الكافي باسناده إلى ثوير بن أبي فاختة قال: سمعت علي بن الحسينعليهم‌السلام يحدث في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: حدّثني أبي انه سمع أباه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يحدث الناس قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله تبارك وتعالى من حفرهم عز لا بهما جردا مردا في صعيد واحد يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة(١) حتى يقفوا على عقبة المحشر فيركب بعضهم بعضا ويزدحمون دونها، فيمنعون من المضي فتشتد

__________________

(١) عز لا ـ بضم العين العين المهملة وسكون الزاء المعجمة كما في بعض النسخ والمصدر ـ جمع اعزل: أي لا سلاح لهم. وفي بعض النسخ «غر لا» ـ بالغين المعجمة والراء المهملة ـ وهو جمع الأغرل: الذي لم يختن وقد ورد بهذا المعنى أحاديث أخر في أحوال القيامة وقد مر في الكتاب أيضا. قوله (عليه السلام)«بهما» أي ليس معهم شيء «جردا» أي لا ثياب معهم «مردا» أي ليس معهم لحية قال الفيض (ره): وهذه كلها كناية عن تجردهم عما يباينهم ويغطيهم ويخفى حقائقهم مما كان معهم في الدنيا. وقال (ره) في قوله: «يسوقهم النور» أي نور الايمان والشرع فانه سبب ترقيهم طورا بعد طور «ويجمعهم الظلمة» أي ما يمنعهم من تمام النور والإيقان فانه سبب تباينهم الموجب لكثرتهم التي يتفرع عليها الجمعية، ويحتمل أنْ يكون المراد كلّما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا والمعنيان متقاربان «انتهى».

١٧٧

أنفاسهم ويكثر عرقهم، وتضيق بهم أمورهم ويشتد ضجيجهم وترفع أصواتهم، قال: وهو أول هول من أهوال يوم القيامة، قال: فيشرف الجبار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة(١) فيأمر ملكا من الملائكة فينادى فيهم يا معشر الخلايق أنصتوا واسمعوا منادى الجبار، قال: فيسمع آخرهم كما يسمع أو لهم قال: فتنكسر أصواتهم عند ذلك وتخشع أبصارهم وتضطرب فرائصهم(٢) وتفزع قلوبهم ويرفعون رؤسهم إلى ناحية الصوت مهطعين إلى الداع(٣) قال فعند ذلك يقول الكافر:( هذا يَوْمٌ عَسِرٌ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن اسمعيل الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لبث فيهم نوح الف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم سرا وعلانية، فلما أبوا وعتوا قال: رب إني مغلوب فانتصر والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله كلام لعليٍّعليه‌السلام يقول فيه وقد قيل له: لم لا حاربت أبا بكر وعمر كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية؟: إنّ لي أسوة بستّة من الأنبياء أوّلهم نوح حيث قال: «ربّ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) فإنْ قال قائل: أنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصيُّ أعذر.

١٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن صفوان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لـمّا أراد اللهعزوجل هلاك قوم نوح وذكر حديثا طويلا وفيه فصاحت امرأته لـمّا فار التنور، فجاء نوح إلى التنور فوضع عليها طينا وختمه حتى ادخل جميع الحيوان السفينة، ثم جاء إلى التنور ففض الخاتم(٤) ورفع الطين وانكسفت

__________________

(١) قال المجلسي (ره): يمكن أنْ يكون أشراف الله تعالى كناية عن توجهه إلى محاسبتهم فالاشراف في حقّه مجاز وفي الملائكة حقيقة.

(٢) الفريصة: اللحمة بين الجنب والكتف التي لا تزال ترعد.

(٣) أهطع: إذا مد عنقه، أي يمدون أعناقهم لسماع صوته.

(٤) فض ختم الكتاب: كسره وفتحه.

١٧٨

الشمس، وجاء من السماء ماء منهمر صبا بلا قطر، وتفجرت الأرض عيونا وهو قولهعزوجل :( فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ) .

١١ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ نوحا لـمّا كان في أيام الطوفان دعا المياه كلها فأجابت الإماء الكبريت والماء المر فلعنهما.

١٢ ـ وباسناده إلى أبي سعيد عقيصا التيمي قال: مررت بالحسن والحسينعليهما‌السلام وهما في الفرات مستنقعان(١) في إزارين إلى قوله: ثم قالا: إلى أين تريد؟ فقلت: إلى هذا الماء ؛ فقالا: وما هذا الماء؟ فقلت: أريد دواءه اشرب منه لعلّة بى أرجو أنْ يخف له الجسد ويسهل البطن فقالا: ما نحسب أنّ الله جلّ وعز جعل في شيء قد لعنه شفاء، قلت: ولم ذاك؟ فقالا: لانّ الله تبارك وتعالى لـمّا آسفه(٢) قوم نوح فتح( السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ ) ، وأوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها فلعنها وجعلها ملحا أجاجا.

١٣ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سنان عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان أبي يكره أنْ يتداوى بالماء المر، وبماء الكبريت وكان يقول: إنّ نوحا لـمّا كان الطوفان دعا المياه فأجابت كلها إلّا الماء المر والماء الكبريت فدعا عليهما فلعنهما.

١٤ ـ في محاسن البرقي عنه عن أبيه عن محمد بن سنان عن أبي الجارود قال: حدّثني أبو سعيد دينار بن عقيصا(٣) التيمي قال: مررت بالحسن والحسينعليهما‌السلام

__________________

(١) استنقع فلان في النهر: دخله ومكث فيه يتبرد.

(٢) أي أغضبه. اشارة إلى قوله تعالى:( فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ ) وماء منهمر أي منصب بلا قطر.

(٣) كذا في النسخ وتوافقه المصدر والظاهر زيادة لفظة «ابن» لان دينارا كنية «أبو سعيد» ولقبه «عقيصا» كما في رواية الكليني (قده) في الكافي وقد مر آنفا.

١٧٩

وهما في الفرات مستنقعين في إزارهما فقالا: إنّ للماء سكانا كسكان الأرض ثمّ قالا: أين تذهب؟ فقلت: إلى هذا الماء قالا: وما هذا؟ قلت: ماء يشرب في هذا الحير(١) يخف له الجسد ويخرج الحر ويسهل البطن هذا الماء له سر، فقالا: ما نحسب أنّ الله تبارك وتعالى جعل في شيء مما قد لعنه شفاء، فقلت: ولم ذاك؟ فقالا إنّ الله تبارك وتعالى لـمّا آسفه قوم نوح فتح السماء، بماء منهمر، فأوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها فلعنها فجعلها ملحا أجاجا.

١٥ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن ابن محبوب عن هشام الخراساني عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أخبرنى عن قول اللهعزوجل :( حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ ) فأنّى كان موضعه وكيف كان؟ فقال: كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة [المسجد] ميمنة المسجد فقلت له: فانّ ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم، ثمّ قلت له: وكان بدو خروج الماء من ذلك التنور؟ فقال: نعم إنّ اللهعزوجل أحبَّ أنْ يري قومه آية ثمّ إنّ الله تبارك وتعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضا، وفاض الفرات فيضا، والعيون كلّهنّ فيضا فغرقهم اللهعزوجل وأنجى نوحا ومن معه في السفينة.

١٦ ـ علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لم تنزل قطرة من السماء من مطر إلّا بعدد معدود ووزن معلوم، إلّا ما كان من يوم الطوفان على عهد نوحعليه‌السلام فانه نزل ماء منهمر بلا وزن ولا عدد، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٧ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن أبي حمزة الثمالي عن أبي رزين الأسدي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام انه قال: إنّ نوحاعليه‌السلام لـمّا فرغ من السفينة وكان ميعاده فيما بينه وبين ربه في إهلاك قومه أنْ يفور التنور، ففار التنور فقالت امرأته: إنّ التنور قد فار؟ فقام إليه فختمه فقام الماء(٢) وادخل من أراد أنْ يدخل، وأخرج من أراد أنْ يخرج، ثمّ

__________________

(١) الحير: الموضع الذي يجتمع فيه الماء.

(٢) قام الماء: جمد.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

بخسة ووحشية إلى السيدة أم كلثوم فسلب قرطبها(١) واسرع وضر خبيث نحو السيدة فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها ، وهو يجهش بالبكاء ، وبهرت منه ابنة الحسين فقالت له :

«مالك تبكي؟!!»

«كيف لا ابكي وأنا اسلب ابنة رسول اللّه (ص)»

ولما رأت تعاطفه قالت له :

«دعني»

وراح الدنيء يبدي جشعه قائلا :

«أخاف ان يأخذه غيري»(٢)

وعمدوا إلى نهب ما في الخيام من ثقل ومتاع ، وهجم الشمر على ثفل الحسين لنهبه فوجد ذهبا فأخذه ودفع بعضه إلى ابنته لتصوغه حليا لها فجاءت به الى الصائغ فلما أدخله النار صار هباء(٣) .

وبصرت امرأة من آل بكر بن وائل ما جرى على بنات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، من النهب والسلب والترويع ، فاندفعت وهي مذهولة فجعلت تحفز اسرتها على انقاذ ودائع النبوة من أيدي أولئك الجفاة قائلة «يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه!! لا حكم إلا للّه ، يا لثارات رسول اللّه».

وبادر إليها زوجها فردها الى رحله(٤) وتجرد ذلك الجيش من كل نزعة انسانية ، وخلا من كل رأفة ورحمة ، فقد جعلوا يوسعون بنات

__________________

(١) التأريخ المظفري (ص ٢٣٠)

(٢) سير اعلام النبلاء ٣ / ٢٠٤

(٣) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٩٠)

(٤) اللهوف (ص ٧٤)

٣٠١

رسول اللّه (ص) ضربا بكعوب رماحهم وهن يلذن من الرعب بعضهن ببعض ، وقد سقطت فاطمة بنت الحسين مغشيا عليها من شدة الضرب فلما أفاقت رأت عمتها السيدة أمّ كلثوم تبكي عند رأسها(١) ان مأساة عائلة الرسالة تبكي الجماد وتستثير عطف الصخور.

الهجوم على زين العابدين :

وهجم الفجرة الجفاة على زين العابدين وكان مريضا قد انهكته العلة ، ومزق الأسى قلبه ، فاراد الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن ان يقتله فنهره حميد بن مسلم قائلا له :

«سبحان اللّه!! أتقتل الصبيان؟ انما هو مريض»

فلم يعن به الوغد ، وبادرت إليه العقيلة عمته زينب فتعلقت به ، وقالت لا يقتل حتى اقتل دونه(٢) فكف اللثام عنه ، وقد نجا منهم باعجوبة ، واجتاز على النساء الرجس عمر بن سعد فصحن في وجهه وبكين فمنع الخبيث العسكر من التعرض لهن بسوء(٣) .

__________________

(١) مقتل المقرم (ص ٣٧٠)

(٢) تأريخ القرماني (ص ١٠٨) وفي المنتظم ان ابن سعد هو الذي امر بقتل زين العابدين فوقعت عليه زينب وقالت ، لا يقتل حتى اقتل فرق لها وكف عنه.

(٣) تأريخ ابن كثير ٨ / ١٨٩

٣٠٢

الخيل تدوس الجثمان العظيم :

واخذ شر اولئك الجفاة يستشري فلم يدعوا حرمة للّه الا انتهكوها ولا اثما الا اقترفوه ، فقد انبرى ابن سعد لينفذ اوامر سيده ابن مرجانة فنادى : من ينتدب للحسين فيوطىء الخيل صدره وظهره(١) قال الواقدي :

وبادر الشمر فوطئ الجثمان المقدس بفرسه(٢) وتبعه عشرة من أولاد البغايا وهم اسحاق بن يحيى الحضرمي ، وهانئ بن ثبيت الحضرمي وادلم بن ناعم ، واسد بن مالك والحكيم بن الطفيل الطائي ، والأخنس بن مرشد وعمرو بن صبيح المذحجي ورجاء بن منقذ العبدي ، وصالح بن وهب اليزني ، وسالم بن خيثمة الجعفي(٣) فداسوا ريحانة رسول اللّه (ص) بخيولهم مقبلين ومدبرين حتى الصقوا الجثمان العظيم بالأرض(٤) وكان المجرم الخبيث اسد بن مالك يفتخر امام ابن سعد ويقول :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسر(٥)

وجرى هذا التمثيل المنكر أمام ابن سعد وسائر قوات ذلك الجيش(٦) ولم تجر هذه العملية فيما احسب ـ على أحد من أهل بيت الامام وأصحابه ويؤيد

__________________

(١) تأريخ الطبري ٦ / ١٦١

(٢) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٣) مناقب ابن شهر اشوب ٤ / ١١١

(٤) تأريخ ابن كثير ٨ / ١٨٩

(٥) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٩

(٦) تأريخ دول الاسلام ١ / ٥٧ وجاء فيه ان الجيش حمل جثة الامام العظيم إلى ابن سعد فأمر الخبيث أن تدوس الخيل صدر الامام وظهره.

٣٠٣

ذلك أن الأوامر التي صدرت من ابن زياد الى ابن سعد قد اقتصرت على التمثيل بجسد الحسين دون غيره.

وعلى أي حال فقد أعلنوا بهذا العمل الفظيع عن حقدهم البالغ على الامام ، وتجردهم من جميع العواطف الانسانية.

لقد داسوا جسد الامام الذي تربى في كنف الرسول (ص) ونبت لحمه من لحم علي وفاطمة ، والذي قال فيه الرسول :

«حسين مني وأنا من حسين ، أحب اللّه من أحب حسينا»

لقد داسوا ذلك الجسد الذي ثار في وجه المعتدين والظالمين ، وأراد أن يزيل البغي ، ويظهر العدل في الأرض حسب ما أمر اللّه به.

العقيلة أمام الجثمان العظيم :

ووقفت حفيدة الرسول (ص) وابنة أمير المؤمنين (ع) العقيلة زينب عليها السلام على جثمان أخيها العظيم الذي مزقته السيوف ، وجعلت تطيل النظر إليه ورفعت بصرها نحو السماء وهي تدعو بحرارة قائلة :

«اللهم تقبل هذا القربان»(١)

ان الانسانية لتنحني اجلالا وخضوعا امام هذا الايمان الذي هو السر في خلود تضحية الحسين.

لقد تحملت بطلة كربلا اعباء تلك المحن الشافة ، وتجرعت غصص تلك الأهوال محتسبة الأجر عند اللّه ، وهي تتضرع بخشوع الى اللّه أن يتقبل ذلك القربان ، فأي صبر يماثل هذا الصبر؟

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٧٩)

٣٠٤

لقد تجلت قوة الشخصية في حفيدة الرسول ، وبرزت معاني الوراثة النبوية في مواقفها الخالدة التي صانت بها أهداف الامام ، واظهرت الواقع في تضحيته ، وانارت السبيل في بيان اسرار شهادته.

سنان يطلب الجائزة :

واحتف اولئك الجفاة حول القاتل الأثيم سنان بن انس(١) وجعلوا يمنونه الأماني ويقولون له :

«قتلت الحسين بن علي وابن فاطمة قتلت اعظم العرب خطرا الذي اراد أن يزيل ملك هؤلاء فأت امراءك فاطلب ثوابك منهم ، فانهم لو اعطوك بيوت أموالهم في قتله لكان قليلا»

وتحركت مطامعه ، فأقبل حتى وقف على فسطاط ابن سعد رافعا صوته :

أوقر ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت السيد المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم إذ ينسبون النسبا

ولما سمعه ابن سعد نهره ورماه بالسوط ، وقال له : ويحك أنت مجنون لو سمعك ابن زياد تقول هذا الضرب عنقك(٢) وقد حدد الباغي اللئيم أهدافه في هذا الرجز ، فهو انما ينشد الذهب والفضة في قتله لخير الناس أما وأبا ، ولم يؤثر أن هناك رجزا قيل في المعركة أو بعدها سوى

__________________

(١) سنان بن أنس : هو جد شريك القاضي المعروف بعدم النزاهة جاء ذلك في الاستيعاب ١ / ٣٧٧.

(٢) البداية والنهاية ٨ / ١٨٩ ، وفي المعجم الكبير للطبراني ٢ / ١٤٠ ان انس أنشد هذين البيتين امام ابن زياد وكذلك جاء في الاستيعاب ١ / ١٧٧.

٣٠٥

هذا الرجز ، وهو يمثل أهداف الأكثرية الساحقة في ذلك الجيش السحيق وحلل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله :

«والعاطفة التي تشيع في هذا الرجز ـ مع الأسف ـ عاطفة الفرح والزهو ، فراح القاتل بهذه الهوية الغالية التي يحملها إلى الأمير ، وزهوه بهذا العمل الضخم الذي قام به من أجل الدولة ، وهو لهذا يشعر بأن أقل ما يمكن أن يكافئه الأمير به أن يوقر ركابه فضة وذهبا ، وهو ـ لهذا أيضا ـ يضفي على قتيله خير ما يمكن أن يضفيه انسان على انسان ، وقد جعله هذا يشعر بشيء من الدالة على الأمير يبيح أن يجعل حديثه عن هذه الجائزة حديث الآمر الذي لا يقبل ردا ولا رفضا ، وهو ـ من أجل هذا ـ يبدأ رجزه لا بالحديث عن الحادثة التي تعني الأمير وانما بالحديث عن الجائزة التي تعنيه هو ، كأنما لا يعنيه من الأمر الا ما سوف يناله من ذهب وفضة»(١) .

القبائل تقتسم الرءوس :

وبادرت القبائل الى حز رءوس أولئك الأحرار الذين استشهدوا من أجل العدالة الاجتماعية ، ومن أجل تحرير الانسان من الظلم والطغيان.

ولم يقر الاسلام في جميع حروبه التمثيل الا ان الجيش الأموي قد استباح ذلك ، فان معاوية قد سنّه واباحه ، فقد أمر برأس الشهيد العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي أن يطاف به ، وقد اقتدى به ابن مرجانة فبعث برأس مسلم وهانئ إلى يزيد ثم عهد الى ابن سعد أن يحز رءوس الشهداء في واقعة كربلا ليبعثها هدية إلى يزيد ، وقد تهافتت تلك العصابة المجرمة

__________________

(١) حياة الشعر في الكوفة (ص ٣٧٣ ـ ٣٧٤)

٣٠٦

إلى اقتسام الرءوس ليقدموها هدية لابن مرجانة ، وقد اقتسمت القبائل التالية ما يلي من الرءوس.

١ ـ كندة : جاءت بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث

٢ ـ هوازن : حصلت على عشرين رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن.

٣ ـ مذحج جاءت بسبعة رءوس

٤ ـ بنو قيس جاءوا بتسعة رءوس

٥ ـ بنو تميم : جاءوا بسبعة عشر رأسا.

٦ ـ بنو أسد : جاءوا بستة عشر رأسا(١)

٧ ـ سائر الجيش جاءوا بسبعة رءوس(٢)

وبقيت على صعيد كربلا جثة الحسين ، وجثث الشهداء من أهل بيته وأصحابه قد فصلت عنها الرءوس ، ووضعت فوق الحراب لتكون منارا لجميع شعوب الأرض على طريق الحق والشرف والايمان.

عودة الطاغية الى الكوفة :

وكان الطاغية معسكرا بالنخيلة يتلقى الأحداث في كل لحظة فقد كان على اتصال دائم بابن سعد فلما جاءه البشير بقتل الحسين ارتحل مسرعا إلى الكوفة ليحكم أمرها ، ويتخذ التدابير للمحافظة عليها فاصدر أمره إلى حراس البلد وكان عددهم عشرة آلاف فارس بمنع حمل السلاح على كل أحد

__________________

(١) انساب الأشراف ق ١ ج ١ ، المنتظم الجزء الخامس

(٢) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٣٠٢

٣٠٧

ونادى مناديه بالكوفة بذلك(١) كما أرسل الوفود الى جميع انحاء البلاد لاعلان النصر واذاعة الخوف بين الناس(٢) .

ليلة الحادي عشر :

وقل ما شئت في تصوير المحنة الكبرى التي دهمت عقائل النبوة في ليلة الحادي عشر من المحرم ، فانك لا تستطيع تصويرها ولا استيعاب مأساتها ، فلم تبق رزية من رزايا الدنيا ، ولا غصة من غصص الدهر الا جرت عليهن ، فالاعداء الجفاة الذين لا يملكون أي شرف أو نبل قد استولوا عليهن ، والحماة الأباة من آل الرسول (ص) قد تناثرت اشلاؤهم الزكية أمامهن من دون أن ينبري أحد الى مواراتهم ، والخيام قد احرقت ونهب ما فيها من ثقل ومتاع ، وسلب ما عليهن من حلي وحلل ووصف ذلك المنظر الحزين الدكتور الشيخ احمد الوائلي في رائعته التي يقول فيها :

وسجى الليل والرجال ضحايا

والنساء المخدرات ذهول

واليتامى تشرد وضياع

والثكالى مدامع وعويل

وبقايا مخيم من رماد

وقيود يئن منها عليل

وزنود قست عليها سياط

وجسوم يضري بها التمثيل(٣)

أما حفيدة الرسول (ص) وشقيقة الحسين العقيلة زينب (ع) فانها ما وهنت ولا استكانت أمام تلك الأهوال القاصمة فقد اسرعت تلتقط

__________________

(١) مع الحسين في نهضته (ص ٢٨٥)

(٢) مقتل الحسين لعبد اللّه

(٣) مجلة البلاغ العدد التاسع السنة الرابعة (ص ١٣)

٣٠٨

الأطفال الذين هاموا على وجوههم في البيداء ، وتجمع العيال في تلك البيداء الموحشة ، وهي تسليهم وتصبرهم على تلك الرزايا ، وقد انفقت تلك الليلة ساهرة على حراستهم ، وقد هامت في تيارات من الأسى لا يعلم بمداها الا اللّه ، وقد أدت وردها من صلاة الليل ولكن استولى الضعف عليها فادتها من جلوس.

عدد الضحايا من أهل البيت :

واختلف المؤرخون في عدد الضحايا من أهل البيت (ع) وهذه بعض الأقوال :

١ ـ سبعة عشر ، وقد اعلن ذلك الامام الصادق (ع) في حديث له مع شيخ جرى عن قتل الحسين قال (ع) له : «ذاك دم يطلب اللّه به ما أصيب من ولد فاطمة ، ولا يصابون بمثل الحسين ، ولقد قتل في سبعة عشر من أهل بيته ونصحوا للّه ، وصبروا في جنب اللّه فجزاهم اللّه أحسن جزاء الصابرين»(١) ويقول محمد بن الحنفية : «لقد قتل معه ـ أي مع الحسين سبعة عشر ممن ارتكضوا في رحم فاطمة»(٢) وهي فاطمة بنت أسد أم الامام امير المؤمنين(٣) .

__________________

(١) مقتل الامام الحسين لعبد اللّه بن نور اللّه من مخطوطات مكتبة الامام أمير المؤمنين.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ١ / ١٤٠ ، خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦ تذهيب التهذيب ١ / ١٥٦.

(٣) مقتل الحسين لعبد اللّه بن نور اللّه

٣٠٩

٢ ـ ستة عشر رجلا ، يقول الحسن البصري : «قتل مع الحسين ابن علي ستة عشر رجلا ما على وجه الأرض لهم من شبيه»(١) .

ويقول سراقة البارقي :

عيني ابكي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

تسعة منهم لصلب علي

قد ابيدوا وسبعة لعقيل(٢)

٣ ـ خمسة عشر ، وقد اعلن ذلك المغيرة بن نوفل في مقطوعته التي رثاهم بها يقول :

اضحكني الدهر وابكاني

والدهر ذو صرف والوان

يا لهفتا نفسي وان النفس

لا تنفك من هم واحزان

على أناس قتلوا تسعة

بالطف أمسوا رهن اكفان

وستة ما أن أرى مثلهم

بني عقيل خير فرسان(٣)

٤ ـ تسعة عشر رجلا من أهل البيت عليهم السلام(٤)

٥ ـ عشرون ، من أبناء علي سبعة ، ومن ابناء الحسن اثنان ، ومن ابناء عبد اللّه بن جعفر اثنان ومن ابناء الحسين ثلاثة ومن أبناء عقيل ستة غير مسلم(٥) .

__________________

(١) مرآة الجنان ١ / ١٣٣ ، تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٧ ، ذخائر العقبى (ص ١٤٦) تأريخ خليفة خياط ١ / ٢٢٥ ، الاستيعاب ١ / ٣٨٠

(٢) المعارف

(٣) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٤) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٨٧)

(٥) مرآة الزمان (ص ٥٩)

٣١٠

٦ ـ ثلاثة وعشرون رجلا من ولد الحسين واخوته واهل بيته(١)

٧ ـ سبعة وعشرون شهيدا من ولد فاطمة(٢) يعني بنت أسد

٨ ـ ثمانية وسبعون صرح بذلك النسابة السيد ابو محمد الحسن الحسيني(٣) وهو اشتباه ولعله أراد من قتل مع الامام من أصحابه.

٩ ـ ثلاثون نسب ذلك الى الامام الصادق في حديث له مع عبد اللّه ابن سنان ، فقد أمره بالصوم في يوم عاشوراء ، وأمره بالافطار بعد صلاة العصر وقال له : «فانه في ذلك الوقت ـ أي العصر ـ تجلت الهيجاء عن آل رسول اللّه (ص) وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا مع مواليهم يعز على رسول اللّه (ص) مصرعهم ، ولو كان في الدنيا حيا لكان هو المعزى بهم»(٤) .

١٠ ـ ثلاثة عشر رجلا انفرد بذلك المسعودي(٥) ولم يذكره غيره.

١١ ـ اربعة عشر رجلا ذكر ذلك الخوارزمي(٦) .

هذه بعض الأقوال التي ذكرت ، واحتوت الزيارة المنسوبة الى الناحية على ذكر سبعة عشر شهيدا وذكر ذلك الشيخ المفيد(٧) ولعله هو الأقرب الى الواقع واللّه العالم.

__________________

(١) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦ ، الذرية الطاهرة

(٢) المناقب ٤ / ١١٢

(٣) بحر الانساب الجزء الثاني

(٤) سفينة البحار ٢ / ١٩٦ ، اعيان الشيعة ٤ / ق ١ / ص ١٣٤

(٥) مروج الذهب

(٦) مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٤٧

(٧) الارشاد (ص ٢٧٩)

٣١١

الجرحى من اصحاب الامام :

وسقط في المعركة بعض الجرحى من أصحاب الامام ، ولم يجهز عليهم جيش ابن سعد ، وهم

١ ـ سوار بن حمير الجابري

حمل من المعركة ومات متأثرا بجراحه بعد ستة أشهر(١)

٢ ـ عمرو بن عبد اللّه

سقط في المعركة جريحا وحمل ، ومات متأثرا بجراحه بعد سنة(٢)

٣ ـ الحسن بن الحسن

وقاتل الحسن بن الامام الحسن مع عمه حتى سقط على الأرض جريحا ولما اقبل اجلاف أهل الكوفة على حز رءوس الشهداء وجدوا به رمقا فجاء أسماء بن خارجة الفزاري وكان من أخواله فاستشفع به فشفعوه فحمله معه الى الكوفة وعالجه حتى برىء ثم لحق في يثرب(٣) .

الناجون من القتل :

ونجا من القتل من أصحاب الامام وأهل بيته ما يلي :

__________________

(١) الحدائق الوردية ١ / ٢٦

(٢) الحدائق الوردية ١ / ٢٦

(٣) حياة الامام الحسن ٢ / ٤٦٤

٣١٢

١ ـ عاقبة بن سمعان

وكان عاقبة بن سمعان مولى للرباب بنت امرئ القيس زوجة الامام الحسين (ع) جيء به أسيرا الى ابن سعد فقال له :

ـ من أنت؟

ـ مملوك

فخلى سبيله ولم يتعرض له بمكروه(١)

٢ ـ المرقع بن قمامة

وكان المرقع بن قمامة الأسدي من أنصار الامام (ع) فأسر فجاءت قبيلته فطلبت له الامان ، وجيء به مخفورا إلى ابن مرجانة ، واخبره ابن سعد بشأنه ، فنفاه الى الزارة من أرض البحرين وبقي فيه(٢) .

٣ ـ مسلم بن رباح

وكان مع الامام يمرضه ، ولما قتل انفلت ونجا سالما ، وقد روى بعض فصول واقعة كربلا(٣) .

٤ ـ الامام زين العابدين

وكان مريضا قد أنهكته العلة ، ونجا باعجوبة من أيدي أولئك الطغاة وحمل اسيرا إلى ابن مرجانة وسيده يزيد بن معاوية.

__________________

(١) أنساب الأشراف ق ١ ج ١

(٢) انساب الاشراف ق ١ ج ١ ، تأريخ الطبري ٦ / ٢٦١

(٣) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٧٧) مقاتل الطالبيين (ص ١١٩)

٣١٣

٥ ـ الحسن بن الحسن

وقد ذكرنا انه سقط في المعركة جريحا ، وبرىء من جراحاته

٦ ـ عمر بن الحسن

ونجا من القتل عمر بن الحسن ، ولم نعلم أنه اشترك في الحرب أم انه كان صغيرا.

٧ ـ القاسم بن عبد اللّه

وهو ابن عبد اللّه بن جعفر

٨ ـ محمد بن عقيل

٩ ـ زيد بن الحسن (١)

وهؤلاء هم الذين نجوا من القتل وافلتوا من أيدي اولئك السفكة المجرمين الذين كانوا يتعطشون الى اراقة دماء أهل البيت.

خسائر ابن سعد :

أما حجم الخسائر في جيش ابن سعد فكانت جسيمة للغاية ، فقد دمر أصحاب الامام على قلتهم جميع كتائب ذلك الجيش ، وانزلوا به افدح الخسائر ، فاشاعوا في ارباض الكوفة الثكل والحداد ويقول بعض المؤرخين : انهم لم يتركوا بيتا في الكوفة الا وفيه نائحة ، أما ما يدعم

__________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ١١٩)

٣١٤

ذلك فهي التصريحات التي أدلى بها بعض قادة الفرق عن فزعهم وذعرهم بما منوا به من الخسائر ، وقد أشرنا إليها في البحوث السابقة.

أما تقدير الخسائر فتنص بعض المقاتل على ان عدد القتلى من جيش ابن سعد كانوا ثمانية آلاف وثمانين رجلا(١) وفيما احسب أن هذا العدد مبالغ فيه ، وان القتلى دون ذلك ، وذكر ابن الأثير ان القتلى كانوا ثمانية وثمانين سوى الجرحى(٢) وهذا القول لا نصيب له من الصحة والغاية منه التقليل من أهمية معسكر الحسين ، فان من المقطوع به انهم انزلوا بجيش ابن سعد الهزائم والحقوا به افدح الخسائر ، حتى ضج العسكر من كثرة من قتل منهم ومن الطبيعى ان ذلك لا يتفق مع هذا العدد القليل.

رؤيا ابن عباس :

وحينما نزح الامام من الحجاز الى العراق كان ابن عباس قلقا تساوره الهموم والأحزان خوفا على ابن عمه من غدر أهل الكوفة ، وقد نام في اليوم العاشر من المحرم فاستيقظ فزعا مرعوبا ، وقد رفع صوته :

«قتل الحسين واللّه»

فأنكر عليه أصحابه قائلين له :

«كلا يا ابن عباس!!»

فأجابهم ودموعه تتبلور على خديه رأيت رسول اللّه (ص) ومعه زجاجة ، فقال لي : الا تعلم ما صنعت أمتي بعدي؟ قتلوا ابني الحسين ،

__________________

(١) مقتل الحسين لعبد اللّه

(٢) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٩٦

٣١٥

وهذا دمه ودم اصحابه ارفعه إلى اللّه عز وجل ، وسجل اصحابه اليوم والساعة التي حدثت فيها الرؤيا ، ووافتهم الانباء بمقتل الامام في نفس الوقت التي حدثت فيه الرؤيا(١) .

رؤيا أمّ سلمة :

وكانت أم المؤمنين السيدة أم سلمة وجلة مضطربة من حين خروج الامام الى العراق ، فقد عهد إليها رسول اللّه (ص) بمقتل ولده الحسين في أرض كربلا ، واعطاها قارورة من تربته ، واعلمها انها اذا فاضت دما فان سبطه قد قتل(٢) وكانت تنظر كل يوم الى القارورة وتقول :

إن يوما تتحولين دما ليوم عظيم(٣) ورقدت في اليوم العاشر من المحرم فرأت في منامها رسول اللّه (ص) وعلى رأسه ولحيته التراب فقالت له :

«ما لك يا رسول اللّه؟!»

«شهدت قتل الحسين»

وانتبهت أم سلمة فزعة مذعورة وهي صارخة منادية «قتل الحسين

__________________

(١) تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٨٥ ، مرآة الجنان ١ / ١٣٤ ، تذهيب التهذيب ١ / ١٥٥ ، تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٩ ، تأريخ بغداد ، خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦ ، المنتظم الجزء الخامس.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ، تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٩ ، تأريخ المظفري (ص ٣٠) وجاء فيه ان اول صارخة على الحسين بالمدينة هي أم سلمة.

(٣) المعجم الكبير للطبراني

٣١٦

ملأ اللّه بيوتهم وقبورهم نارا»(١) وسمع ابن عباس الصراخ قد علا من بيت أم سلمة فخف إليها ، وقد ازدحم بيتها بالرجال والنساء فقال لها :

يا أم المؤمنين ما بالك تصرخين وتعولين فلم تجبه ، واقبلت على النساء الهاشميات فقالت لهن :

«يا بنات عبد المطلب اسعدنني ، وابكين ، فقد واللّه قتل سبط رسول اللّه وريحانته الحسين».

فقلن لها :

«من أين علمت ذلك؟

فأخبرت برؤياها للنبي (ص)(٢) وتصارخت النسوة حتى ضجت المدينة وما سمع بواعية مثل ذلك اليوم(٣) وأقامت أم سلمة من وقتها مجلس العزاء على الحسين ، فجعل المسلمون يفدون عليها ويعزونها بمصابها الأليم ، وممن وفد عليها معزيا شهر بن حوشب ، فأخذت تحدثه عما سمعته من رسول اللّه (ص) في فضل أهل البيت قائلة! دخل رسول اللّه (ص) على منامة لنا فجاءته فاطمة بشيء فوضعته ، فقال (ع) لها : ادع لي حسنا وحسينا وابن عمك عليا فلما اجتمعوا عنده قال اللهم هؤلاء خاصتي وأهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(٤) وأخذت أم سلمة تلعن أهل الكوفة وتقول : قتلوه قتلهم اللّه عز وجل ، غروه واذلوه

__________________

(١) تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٨٥

(٢) أمالي الطوسي ٢ / ٢٠٣

(٣) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٩

(٤) تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٣٩

٣١٧

لعنهم اللّه(١) وكان يغشى عليها من شدة الحزن ، ولم تلبث الا يسيرا حتى توفيت كمدا وحزنا على الحسين (ع)(٢) .

خولى يحمل رأس الامام :

ولم يعن ابن سعد بالتمثيل بجسم الامام الذي حرمه الاسلام بعد أن صدرت له الأوامر من ابن مرجانة بذلك ، وقد عمد فور استشهاد الامام الى ارسال رأسه مع خولى بن يزيد الاصبحي وحميد بن مسلم الأزدي ، فحملا الرأس الشريف هدية لابن مرجانة كما حمل رأس يحيى بن زكريا الى بغي من بغايا بني اسرائيل ، وقد اقبلا يجذان السير لا يلويان على شيء حتى انتهيا إلى الكوفة في الهزيع الأخير من الليل ، فوجدا باب القصر مغلقا ، فأخذ خولى رأس الامام وولى مسرعا الى بيته ليبشر به زوجته وطرق باب داره طرقا عنيفا ، وهو يلهث من شدة التعب وعظيم الفرح فخرجت إليه زوجته النوار بنت مالك الحضرمي ، وكانت علوية الرأي فأسرعت إليه قائلة :

«ما الخبر؟»

«جئت بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين معك في الدار»

وفقدت المرأة اهابها ، وراحت تصيح به :

«ويلك جاء الناس بالفضة والذهب ، وجئت برأس ابن بنت

__________________

(١) المعجم الكبير للطبراني

(٢) سير اعلام النبلاء ٢ / ١٤٦

٣١٨

رسول اللّه ، واللّه لا يجمع رأسي ورأسك شيء أبدا»(١) .

وأصبح زوجها من أبغض الناس إليها ، وفي الصباح الباكر حمل خولى رأس الامام الى ابن زياد فأظهر الفرح والسرور ، وقد تمت ـ فيما يحسب ـ بوارق آماله وأحلامه.

الطاغية مع قاتل الامام :

والتفت ابن زياد الى الجلادين من شرطته الذين حضروا المعركة فقال لهم :

«أيكم قاتله؟»

فوثب إليه رجل وهو فرح لعله أن ينال الجائزة منه فقال له :

«أنا قتلته»

«ما قال لك؟»

«لما أخذت السلاح قلت له : ابشر بالنار ، قال : ابشر ان شاء اللّه تعالى برحمته وشفاعة نبيه»(٢) .

واطرق ابن مرجانة برأسه الى الأرض وهو يشعر بالوخز وخيبة المصير وسوء المنقلب.

__________________

(١) انساب الأشراف ق ١ ج ١ ، وفي العقد الفريد ٢ / ٢٤٢ انها قالت له : واللّه لا يجمعني واياك فراش أبدا وفي البداية والنهاية ٨ / ١٩٠ انها قامت من فراشه ، ونظرت الى الاجانة فرأت النور ساطعا من تلك الاجانة الى السماء ورأت طيورا بيضا ترفرف حولها.

(٢) تأريخ الخميس ٢ / ٣٣٤

٣١٩

تشفي ابن زياد برأس الامام :

ولما وضع رأس ريحانة رسول اللّه (ص) بين يدي الدعي ابن الدعي أخذ يعبث بثناياه ساعة من الزمن ، وهو يجد في ذلك لذة لا تعد لها لذة ، وبدا على وجهه آثار الحقد الدفين والتشفي الآثم ، فأخذ يضرب بعوده ثنايا الامام وشفتيه التي طالما كان رسول اللّه (ص) يوسعهما تقبيلا يقول القيم بن محمد : ما رأيت منظرا قط افظع من القاء رأس الحسين بين يدي ابن مرجانة وهو ينكثه(١) وكان في مجلسه الصحابي زيد بن ارقم فلما رأى صنعه انهارت قواه وصاح به.

«اعل بهذا القضيب عن هاتين الشفتين ، فو الذي لا إله الا هو لقد رأيت شفتي رسول اللّه على هاتين الشفتين يقبلهما».

وانفجر زيد باكيا وراح ابن زياد يهزأ من الصحابي قائلا :

«ابكى اللّه عينيك ، لو لا انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك»

فاندفع الصحابي قائلا :

«الا احدثك حديثا هو اغلظ من هذا ، رأيت رسول اللّه (ص) أقعد حسنا على فخذه اليمنى ، وحسينا على فخذه اليسرى ، ووضع يديه على يافوخيهما ، وقال : اللهم اني استودعك اياهما وصالح المؤمنين ، فكيف كانت وديعة رسول اللّه (ص) عندك يا ابن زياد؟»

وخرج زيد غير حافل ببطش ابن مرجانة ، وهو يخاطب اهل الكوفة قائلا :

«أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وامرتم

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ١ / ١٦١ مخطوط

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496