حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسين عليه السلام16%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 308030 / تحميل: 5973
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ، ويستعبد شراركم ، فبعدا لمن رضي بالذل والعار»(١) .

ولما فرغ ابن مرجانة من العبث برأس ريحانة رسول اللّه (ص) التفت الى كاهن كافر فقال له : قم فضع. على رأس عدوك ، ففعل الكاهن ذلك(٢) لقد فعل ابن زياد بآل البيت ما لم يفعله أي كافر على وجه الأرض ، فقد استهان بجميع القيم والمقدسات ، واستباح كل ما حرمه اللّه.

رجوع القوات المسلحة :

ومكثت القوات المسلحة في كربلا يوم الحادى عشر من المحرم فوارت جيف قتلاها بين مظاهر الاجلال والتعظيم ، وقد فتحت لها كوة من قيح جهنم يؤجج ضرامها ولا يخبو نارها تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون.

أما جثة الامام العظيم والجثث الزواكي من أهل بيته واصحابه ، فقد عمدوا الى تركها على صعيد كربلا تسفي عليها الرياح لا مغسلين ولا مكفنين.

وأمر ابن سعد حميد بن بكر الأحمري ، فنادى بالناس الرحيل الى الكوفة(٣) وسارت قوات ابن سعد بعد الزوال من كربلا واعلامها رءوس العترة الطاهرة التي ثارت من اجل احقاق الحق ، وتوطيد اركان العدل ، وقد حملوا معهم نساء الحسين واخواته ونساء الأصحاب فكن عشرين

__________________

(١) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص ٩٧) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٨٧) المناقب والمثالب.

(٢) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص ٩٧)

(٣) انساب الأشراف ق ١ ج ١

٣٢١

امرأة(١) ما عدا الصبية وقد سيروهن على اقتاب الجمال بغير وطاء وساقوهن كما يساق سبي الترك والديلم ، ومروا بهن على جثث القتلى من أهل البيت مبالغة في ايذائهن ، وكان العرب في جاهليتهم الأولى يتجنبون مرور النساء على قتلاهن الا ان جيش ابن سعد لم يلتزم بأي خلق ، ولم تكن عنده أية عاطفة انسانية.

ولما نظرت عقائل النبوة الى جثث القتلى من اهل البيت رفعن اصواتهن بالبكاء ، وصاحت حفيدة النبي (ص) زينب (ع) بصوت يذيب القلوب.

«يا محمداه هذا حسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، وذريتك مقتلة»(٢) .

ووجم القوم مبهوتين ، وفاضت عيونهم دموعا ، وبكى العدو والصديق(٣) .

جزع الامام زين العابدين :

وجزع الامام زين العابدين كأشد ما يكون الجزع حينما رأى جثمان أبيه ، وجثث أهل بيته وأصحابه منبوذة بالعراء لم ينبر أحد الى مواراتها وبصرت به عمته زينب فبادرت إليه مسلية قائلة :

«ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي واخوتي ، فو اللّه إن هذا لعهد من اللّه الى جدك وأبيك ، ولقد أخذ اللّه ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات ، انهم يجمعون

__________________

(١) مقتل المقرم (ص ٣٧٧)

(٢) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٠ ، البداية والنهاية ٨ / ١٩٣

(٣) جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن أبي طالب (ص ١٤٠)

٣٢٢

هذه الأعضاء المقطعة ، والجسوم المضرجة فيوارونها وينصبون بهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ، ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدن أئمة الكفر واشياع الضلال في محوه وطمسه فلا يزداد أثره الا علوا»(١) .

وازالت حفيدة الرسول (ص) ما ألم بالامام زين العابدين من الحزن العميق على عدم مواراة أبيه ، فقد أخبرته بما سمعته من أبيها وأخيها من قيام جماعة من المؤمنين بمواراة تلك الجثث الطاهرة ، وسينصب لها علم لا يمحى أثره ، ويبقى خالدا حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها وقد جدّ ملوك الأمويين والعباسيين على محوها وازالة آثارها ، وجاهدوا نفوسهم وسخروا جميع امكانياتهم الا انهم لم يفلحوا ، ومضى مرقد الامام شامخا على الدهر ، ومضت ذكراه تملأ رحاب الأرض نورا وفخرا وشرفا كاسمى صورة تعتز بها الانسانية في جميع أدوارها.

مواراة الجثث الطاهرة :

وبقيت جثة الامام العظيم وجثث الشهداء الممجدين من أهل بيته واصحابه ملقاة على صعيد كربلا تصهرها الشمس ، وتسفي عليها الرياح ، وقد انبرى جماعة من المؤمنين الذين لم يتلوثوا في الاشتراك بحرب ريحانة رسول اللّه (ص) الى مواراتها ، وقد اختلف المؤرخون في اليوم الذي دفنت فيه ، وفيما يلي ذلك.

__________________

(١) كامل الزيارات (ص ٢٦١)

٣٢٣

١ ـ يوم الحادي عشر(١)

٢ ـ يوم الثاني عشر(٢)

٣ ـ يوم الثالث عشر(٣)

اما الذين حظوا بمواراتها فهم قوم من بني أسد كانوا ينزلون بالقرب من مكان المعركة فخفوا إليها بعد أن نزحت جيوش ابن سعد ، فرأوا الجثث الزواكي ملقاة بالعراء فأيقنوا انها جثث أهل البيت ، وجثث أصحابهم فعجوا بالبكاء والعويل ، وصرخت نساؤهم ، وقاموا في هدأة الليل حيث امنوا الرقباء ، فحفروا قبرا لسيد الشهداء ، وقبرا آخر لبقية الشهداء ، وقد حفروها على ضوء القمر حيث كان على وشك التمام ، ولم يطلع القمر على مثلها شرفا في جميع الاحقاب والآباد.

يقول الشيخ المفيد :

«ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية الى الحسين وأصحابه فصلوا عليهم ، ودفنوا الحسين (ع) حيث قبره الآن ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله : وحفروا للشهداء من أهل بيته واصحابه ـ الذين صرعوا حوله ـ مما يلي رجلي الحسين ، وجمعوهم فدفنوهم جميعا. ودفنوا العباس بن علي في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن»(٤) .

وتنص بعض المصادر الشيعية على أن بني أسد كانوا متحيرين في

__________________

(١) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص ٩٧) البداية والنهاية ٨ / ١٨٩ ، المناقب ٥ / ١٣٣ مصور.

(٢) البحار

(٣) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٩٦)

(٤) الارشاد (ص ٢٢٧)

٣٢٤

شأن تلك الجثث الزواكي ولم يهتدوا لمعرفتها لأن الرءوس قد فصلت عنها وبينما هم كذلك اذ أطل عليهم الامام زين العابدين فأوقفهم على شهداء أهل البيت وغيرهم من الأصحاب ، وبادر الى حمل جثمان أبيه فواراه في مثواه الأخير وهو يذرف أحر الدموع قائلا :

«طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فان الدنيا بعدك مظلمة والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل فمسهد ، والحزن سرمد أو يختار اللّه لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته».

ورسم على القبر الشريف هذه الكلمات : «هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا غريبا» ودفن عند رجلي الامام ولده علي الأكبر ، ودفن بقية الشهداء الممجدين من هاشميين وغيرهم في حفرة واحدة ، وانطلق الامام زين العابدين مع الأسديين الى نهر العلقمي فواروا قمر بني هاشم العباس بن أمير المؤمنين ، وجعل الامام يبكي احر البكاء قائلا :

«على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم ، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة اللّه وبركاته»(١) .

وأصبحت تلك القبور الطاهرة رمزا للكرامة الانسانية ، ورمزا لكل تضحية تقوم على العدل يقول العقاد : «فهي اليوم مزار يطيف به المسلمون متفقين ومختلفين ومن حقه أن يطيف به كل انسان لأنه عنوان قائم لأقدس ما يشرف به هذا الحي الآدمي من بين سائر الأحياء

فما اظلت قبة السماء مكانا لشهيد قط هو اشرف من تلك القباب

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٩٧ ـ ٣٩٨)

٣٢٥

بما حوته من معنى الشهادة وذكرى الشهداء»(١)

ويقول يوسف رجيب : «وليس لقبر من قبور أولياء اللّه الصالحين البررة غير قبر الحسين هو قبلة الدنيا وكعبة بني الأرض لأن اللّه شرفه بجهاد اعدائه الذين اعتزموا طمس الدين الحنيف ، وانتهاك الشريعة ، واتخاذ الخلافة أمرة زمنية استباحوا بها كل محرم يتلذذون بما حرم اللّه وحرمته كتبه»(٢) .

لقد ضمت تلك البقعة المباركة خلاصة الاباء والشرف والدين ، وقد أصبحت أقدس مراكز العبادة وافضلها في الاسلام ففي كل وقت يطيف بها المسلمون متبركين ومتقربين إلى اللّه ، كما اصبحت مطافا لملائكة اللّه المقربين ، فقد روى الفضل بن يسار عن أبي عبد اللّه أنه سئل عن أفضل قبور الشهداء فقال عليه السلام :

«أو ليس أفضل الشهداء الحسين بن علي؟ فو الذي نفسي بيده ان حول قبره اربعين الف ملك شعثا غبرا يبكون عليه إلى يوم القيامة»(٣) .

ويقول الامام الرضا (ع) : «إن حول قبر الحسين سبعين الف ملك شعثا غبرا يبكون عليه الى يوم القيامة»(٤)

وقد حظى مرقده العظيم باستجابة الدعاء عنده فما قصده مكروب أو ملهوف الا فرج اللّه عنه مما ألم به يقول الجواهري :

__________________

(١) ابو الشهداء

(٢) مجلة الغري السنة الثانية العدد ١٠ ص ٢٢

(٣) مناقب ابن المغازلي : رقم الحديث ٣٩٠

(٤) ذخائر العقبى (ص ١٥١)

٣٢٦

تعاليت من مفزع للحتوف

وبورك قبرك من مفزع

تلوذ الدهور فمن سجد

على جانبيه ومن ركع(١)

ويقول المؤرخون إن الامام الهادي (ع) ألم به مرض فأمر أبا هاشم الجعفري أن يبعث له رجلا إلى الحائر الحسيني ليدعو له بالشفاء ، وقد سئل عليه السلام عن ذلك فقال : ان اللّه أحب أن يدعى في هذا المكان(٢) .

لقد احتل ابو الشهداء المكانة العظمى عند اللّه تعالى كما احتل قلوب المسلمين وحظى بأصدق محبتهم فهم يشدون الرحال الى مثواه من كل فج عميق وفاء بحقه واعترافا بفضله والتماسا لعظيم الأجر الذي كتبه اللّه لزائريه ، ويقول (نيكلسون) : وخلال بضع سنوات عن مصرع الحسين اصبح ضريحه في كربلا محجا تشد إليه الرحال(٣) .

فضل زيارة الحسين :

وتواترت الأخبار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بفضل زيارة سيد الشهداء (ع) وقد ذهب بعض الفقهاء إلى وجوبها ، وقد الف محمد بن علي العلوي كتابا يقع في جزءين أسماه «فضل زيارة الحسين» ونلمع الى بعض تلك الأخبار.

١ ـ روى أبو حمزة الثمالي قال : سألت علي بن الحسين عن زيارة الحسين (ع) فقال : «زره كل يوم فان لم تقدر فكل جمعة ، فان لم

__________________

(١) ديوان الجواهري ١ / ١٩٤

(٢) كامل الزيارات (ص ٢٢٣)

(٣) تأريخ الأدب العربي

٣٢٧

تقدر فكل شهر فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول اللّه (ص)»(١) .

٢ ـ روى ابو الجارود قال : «قال لي ابو جعفر : كم قبر الحسين منكم؟ قال : قلت له : يوم للراكب ويوم وليلة للراحل ، قال : لو كان منا كما هو منكم لاتخذناه هجرة»(٢) .

٣ ـ وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : (مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فان اتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء ، واتيانه مقترض على كل مؤمن يقر له بالامامة من اللّه»(٣) .

والأخبار بذلك كثيرة ، وهي مما تفيد القطع بالصدور عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

دعاء الامام الصادق لزوار الحسين :

ودعا الامام الصادق بهذا الدعاء الشريف لزوار قبر جده الحسين وقد رواه الثقة معاوية بن وهب وهذا نصه :

قال : استأذنت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقيل لي ادخل فدخلت فوجدته فى مصلاه ، فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه وهو يقول :

«يا من خصنا بالكرامة ، وخصنا بالوصية ، ووعدنا بالشفاعة ، وأعطانا علم ما مضى وما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا ، اغفر لي ولاخواني ، ولزوار قبر أبي الحسين (ع) الذين انفقوا أموالهم واشخصوا

__________________

(١) فضل زيارة الحسين ١ / ١٤ من مصورات مكتبة الامام امير المؤمنين

(٢) فضل زيارة الحسين ١ / ١٧

(٣) وسائل الشيعة ١٠ / ٣٢١

٣٢٨

ابدانهم رغبة في برنا ، ورجاء لما عندك في صلتنا ، وسرورا ادخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله واجابة منهم لأمرنا ، وغيظا ادخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضاك ، فكافهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف ، واعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم ، وما آثرونا به على ابنائهم وأهاليهم واقربائهم.

اللهم : ان اعدائنا عابوا عليهم خروجهم فلم يمنعهم ذلك عن الشخوص إلينا ، وخلافا منهم على من خالفنا ، فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس ، وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبد اللّه ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا ، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا.

«اللهم : إني استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش» فما زال وهو ساجد يدعو اللّه بهذا الدعاء فلما انصرف قلت :

«جعلت فداك لو ان هذا الذي سمعت كان لمن لا يعرف اللّه لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا ، واللّه لقد تمنيت أن كنت زرته ولم احج».

فقال عليه السلام :

«ما أقربك منه فما ذا الذي يمنعك من زيارته؟ لم تدع ذلك؟»

«لم ادر أن الأمر يبلغ هذا كله»

«يا معاوية من يدعو لزواره في السماء اكثر ممن يدعو لهم في الأرض يا معاوية لا تدعه فمن تركه رأى من الحسرة ما يتمنى ان قبره كان عنده

٣٢٩

أما تحب أن يرى اللّه شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول اللّه (ص) وعلي وفاطمة والأئمة ، أما تحب أن تكون غدا ممن تصافحه الملائكة أما تحب أن تكون غدا فيمن يخرج وليس له ذنب فيتبع به ، أما تحب أن تكون غدا ممن يصافح رسول اللّه (ص)(١) .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن مصرع الامام العظيم لنستقبل سبايا أهل البيت في الكوفة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ / ٣٢٠ ـ ٣٢١

٣٣٠

سبايا اهل البيت فى الكوفة

٣٣١
٣٣٢

واستقبلت الكوفة سبايا آل البيت (ع) بمزيد من الفزع والاضطراب وخيم عليها الذل والهوان ، فقد كمت الأفواه ، وأخرست الألسن ، ولم يستطع أحد أن يظهر ما في دخائل نفسه من الأسى الشديد خوفا من السلطة العاتية التي استهانت بارواح الناس وكراماتهم.

وعزفت أبواق الجيش وخفقت راياتهم ، وقد رفعوا على الحراب رءوس العترة الطاهرة ، ومعهم الأسرى من عقائل النبوة وحرائر الوحي وقد ربطوا بالحبال ، وقد وصف ذلك المنظر الرهيب مسلم الجصاص يقول : دعاني ابن زياد لاصلاح دار الامارة بالكوفة فبينما أنا اجصص الأبواب واذا بالزعقات قد ارتفعت من جميع الكوفة فاقبلت على أحد خدام القصر فقلت له :

«مالي أرى الكوفة تضج»

«الساعة يأتون برأس خارجي خرج على يزيد»

«من هذا الخارجي؟»

«الحسين بن علي»

«يقول : فتركت الخادم حتى خرج واخذت الطم على وجهي حتى خشيت على عينيّ أن تذهبا ، وغسلت يديّ من الجص ، وخرجت من القصر حتى أتيت الى الكناس فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرءوس اذ اقبل أربعون جملا تحمل النساء والاطفال ، واذا بعلي ابن الحسين على بعير بغير وطاء وأوداجه تشخب دما ، وهو يبكي ويقول :

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

يا امة لم تراع جدنا فينا

لو اننا ورسول اللّه يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيرونا على الاقتاب عارية

كأننا لم نشيد فيكم دينا(١)

__________________

(١) مقتل الحسين لعبد اللّه نور اللّه مخطوط

٣٣٣

ويقول جذلم بن بشير : قدمت الكوفة سنة (٦١ هـ) عند مجيء علي ابن الحسين من كربلا الى الكوفة ومعه النسوة وقد أحاطت بهم الجنود وقد خرج الناس للنظر إليهم وكانوا على جمال بغير وطاء فجعلت نساء أهل الكوفة يبكين ويندبن ، ورأيت علي بن الحسين قد انهكته العلة ، وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة الى عنقه(١) ، وهو يقول بصوت ضعيف :

ان هؤلاء يبكون وينوحون من أجلنا فمن قتلنا؟(٢) وانبرت احدى سيدات الكوفة فسألت احدى السبايا وقالت لها :

«من أي الأسارى أنتن؟»

«نحن أسارى أهل البيت»

ولما سمعت بذلك المرأة صرخت ، وصرخت النسوة التي معها ، ودوى صراخهن في ارجاء الكوفة ، وبادرت المرأة فجمعت ما في بيتها من ازر ومقانع فجعلت تناولها الى العلويات ليتسترن بها عن أعين الناس(٣) كما بادرت سيدة أخرى فجاءت بطعام وتمر وأخذت تلقيه على الصبية التي أضناها الجوع.

ونادت السيدة أم كلثوم من خلف الركب :

«ان الصدقة حرام علينا أهل البيت»

ولما سمعت الصبية مقالة العقيلة رمى كل واحد منهم ما في يده أو فمه من الطعام وراح يقول لصاحبه : إن عمتي تقول :

«إن الصدقة حرام علينا أهل البيت»

__________________

(١) أمالي الشيخ المفيد (ص ١٤٣) مخطوط

(٢) مقتل الحسين لعبد اللّه

(٣) مقتل الحسين لعبد اللّه

٣٣٤

خطاب السيدة زينب :

وحينما رأت السيدة زينب (ع) حفيدة الرسول (ص) وشقيقة الامام الحشود الزاخرة التي ملأت شوارع الكوفة وأزقتها ، اندفعت الى الخطابة لبلورة الموقف ، واظهار المصيبة الكبرى التي جرت على أهل البيت وتحميل الكوفيين مسئولية هذه الجريمة النكراء ، فهم الذين نقضوا العهد ، وخاسوا بالذمة ، فقتلوا ريحانة رسول اللّه (ص) ثم عادوا بعد قتله ينوحون ويبكون كأنهم لم يقترفوا هذا الاثم العظيم ، وهذا نص خطابها :

«الحمد للّه وصلواته على أبي محمد رسول اللّه (ص) وعلى آله الطاهرين الأخيار ، أما بعد : يا أهل الكوفة يا أهل الختل والخذل(١) أ تبكون؟!! فلا رقأت لكم دمعة(٢) انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم الا بئس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط اللّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.

أتبكون وتنتحبون!! أي واللّه فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، كل ذلك بانتهاككم حرمة ابن خاتم الأنبياء ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حضرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجتكم ومدرة سنتكم الا ساء ما تزرون ، وبعدا لكم ، وسحقا ، فلقد خاب السعي ، ونبت الأيدي وخسرت الصفقة وتوليتم بغضب اللّه ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.

أتدرون ويلكم يا أهل الكوفة؟ أي كبد لرسول اللّه (ص) فريتم وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه ، وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدا!!

__________________

(١) وفي نسخة : الغدر

(٢) وفي نسخة : فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة

٣٣٥

لقد جئتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض ، وملء السماء ، افعجبتم ان مطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى ، وهم لا ينصرون فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار وان ربكم لبالمرصاد ...»(١) .

لقد قرعتهم بطلة كربلا ، بمنطق الصدق وصوت الحق ، ودلتهم على نفوسهم الخبيثة ، فلم تنخدع بدموعهم الكاذبة ، ولم ينطل عليها زورهم وبهتانهم ، ونعت عليهم جريمتهم النكراء التي هي أبشع جريمة وقعت في الأرض وقد وصفتهم بأخس الصفات التي توصف بها احط الشعوب فقد وصفتهم بالختل والغدر ، وهما مصدران لانحطاط الانسان وشقائه.

وعلقت سلام اللّه عليها على بكائهم فقالت : ان من حقهم أن يبكوا كثيرا ويضحكوا قليلا على عظيم ما اقترفوه من الأثم ، فقد قتلوا سيد شباب أهل الجنة وسليل خاتم النبوة ، والمنقذ والمحرر لهم ، وفروا كبد رسول اللّه (ص) وانتهكوا حرمته ، وسبوا عياله ، فأي جريمة أبشع أو افظع من هذه الجريمة؟

صدى الخطاب :

واضطرب الناس من خطاب سليلة النبوة وايقنوا بالهلاك ، وقد وصف خزيمة الأسدي مدى الأثر البالغ الذي أحدثه خطاب العقيلة يقول :

لم أر واللّه خفرة انطق منها كأنما تفرغ عن لسان الامام امير المؤمنين ورأيت الناس بعد خطابها حيارى واضعي أيديهم على افواههم ، ورأيت

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٨٧) نور الابصار للشبلنجيّ (ص ١٦٧).

٣٣٦

شيخا قد دنا منها يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول : بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونسلكم لا يبور ولا يخزى أبدا(١) الا ان الامام زين العابدين قطع على عمته خطابها قائلا :

«اسكني يا عمة ، فأنت بحمد اللّه عالمة غير معلمة ، وفهمة غير مفهمة ..»(٢) .

فأمسكت عن الكلام ، وتركت المجتمع يمور بالأسى والحزن.

خطاب السيدة فاطمة :

وانبرت الى الخطابة فاطمة بنت الامام الحسين (ع) فخطبت ابلغ خطاب واروعه ، وكانت طفلة ، فبهر الناس ببلاغتها وفصاحتها وقد أخذت بمجامع القلوب وتركت الناس حيارى قد بلغ بهم الحزن إلى قرار سحيق فقالت :

«الحمد للّه عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش الى الثرى ، أحمده وأومن به ، وأتوكل عليه ، واشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان اولاده ذبحوا بشط الفرات ، من غير ذحل ولا تراث.

اللهم إني أعوذ بك أن افتري عليك ، وان اقول عليك خلاف ما أنزلت من اخذ العهود والوصية لعلي بن أبي طالب ، المغلوب حقه ، المقتول من غير ذنب ـ كما قتل ولده بالأمس ـ في بيت من بيوت اللّه تعالى ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيما

__________________

(١) نور الابصار (ص ١٧٦) الدر النظيم (ص ١٧٢)

(٢) احتجاج الطبرسي

٣٣٧

في حياته ، ولا عند مماته ، حتى قبضه اللّه تعالى إليه محمود النقيبة ، طيب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه في اللّه سبحانه لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته اللهم للاسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ، ولرسولك ، زاهدا في الدنيا ، غير حريص عليها ، راغبا في الآخرة ، مجاهدا لك في سبيلك ، رضيته فاخترته وهديته الى صراط مستقيم.

أما بعد : يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فانا أهل بيت ابتلانا اللّه بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه ، وحكمته وحجته على الأرض في بلاده لعباده ، اكرمنا اللّه بكرامته ، وفضلنا بنبيه محمد (ص) على كثير ممن خلق اللّه تفضيلا فكذبتمونا وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا واموالنا نهبا ، كأننا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ..

وسيوفكم تقطر من دمائنا اهل البيت ، لحقد متقدم ، قرت لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم افتراء على اللّه ، ومكرا مكرتم ، واللّه خير الماكرين ، فلا تدعونكم انفسكم الى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا فان ما أصابنا من المصائب الجليلة ، والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على اللّه يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما أتاكم واللّه لا يحب كل مختال فخور.

تبا لكم فانظروا اللعنة والعذاب ، فكأن قد حل بكم ، وتواترت من السماء نقمات ، فيسحتكم بعذاب ، ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تخالدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لعنة اللّه على الظالمين.

ويلكم أتدرون أية يد طاعتنا منكم ، واية نفس نزعت الى قتالنا ، أم بأية رجل مشيتم إلينا ، تبغون محاربتنا ، قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم

٣٣٨

وطبع اللّه على افئدتكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، وسول لكم الشيطان واملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

تبا لكم يا أهل الكوفة أي تراث لرسول اللّه قبلكم ، وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب جدي وبنيه ، وعترته الطيبين الأخيار ، وافتخر بذلك مفتخركم :

قد قتلنا عليكم وبنيه

بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك

ونطحناهم فأي نطاح

بفيك أيها القائل الكثث والاثلب(١) افتخرت بقتل قوم زكاهم اللّه وطهرهم واذهب عنهم الرجس ، فاكظم وأقع كما أقعى ابوك فإنّما لكل امرئ ما اكتسب وما قدمت يداه.

حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا اللّه تعالى ، ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور ...)(٢) .

وتحدثت سليلة النبوة والامامة في خطابها العظيم عن أمور بالغة الأهمية وهي :

١ ـ انها عرضت لمحنة جدها الامام امير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الأرض ، وما عاناه من المحن والمصاعب حتى استشهد في بيت من بيوت اللّه ، ولم يدفع عنه المجتمع الكوفي ولم يقف إلى جانبه وانما تركوه وحده يصارع الاهوال حتى قبضه اللّه إليه وهو جم المناقب ، محمود النقيبة طيب العريكة ، قد اصطفاه اللّه ، وخصه بالفضائل والمواهب.

__________________

(١) الكثث : التراب ، الأثلب : فتات الحجارة والتراب

(٢) اللهوف لابن طاوس ، ومثير الأحزان لابن نما ، مقتل الحسين لعبد اللّه.

٣٣٩

٢ ـ وتحدثت عن محنة أهل البيت ، بذلك المجتمع ، فانهم سلام اللّه عليهم بحكم قيادتهم الروحية للأمة ، فانهم مسئولون عن حمايتها ، ولكن الأمة قد جانبت الحق ، فسفكت دماءهم وانتهكت حرمتهم فما اجل رزيتهم واعظم بلاءهم.

٣ ـ شجبت الاعتداء الصارخ على أهل البيت ، ووصفت المعتدين القساة بأبشع الصفات ، ودعت اللّه أن ينزل عليهم نقمته وعذابه الأليم.

صدى الخطاب :

وأثر الخطاب تأثيرا بالغا في نفوس المجتمع فقد وجلت منه القلوب وفاضت العيون ، واندفع الناس ببكاء قائلين :

«حسبك يا بنة الطاهرين ، فقد أحرقت قلوبنا ، وانضجت نحورنا وأضرمت أجوافنا»(١) .

وأمسكت عن الكلام وتركت الجماهير في محنتها وشقائها تصعد الآهات وتبدي الحسرات وتندب حظها التعيس على عظيم ما اقترفت من الاثم.

خطاب السيدة أمّ كلثوم :

وانبرت حفيدة الرسول (ص) السيدة أم كلثوم إلى الخطابة فأومأت إلى الناس بالسكوت فلما سكنت الأنفاس بدأت بحمد اللّه والثناء عليه ثم قالت :

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٩٢)

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

٤٦

أعظم مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام على لسان أبي ذر والمقداد

أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال: قلت لأبي ذر: حدِّثني رحمك الله بأعجب ما سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

طاعة عليعليه‌السلام والبراءة من أعدائه عند الملائكة

قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «إن حول العرش لتسعين ألف ملك ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلا الطاعة لعلي بن أبي طالب والبراءة من أعدائه والاستغفار لشيعته ».

قلت: فغير هذا، رحمك الله. قال: سمعته يقول: «إن الله خصَّجبرئيل وميكائيل وإسرافيل بطاعة علي والبراءة من أعدائه والاستغفار لشيعته».

احتجاج الله على الأمم السالفة بعليعليه‌السلام

قلت: فغير هذا رحمك الله. قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «لم يزل الله يحتج بعلي في كل أمة فيها نبي مرسل،وأشدهم معرفة لعلي أعظمهم درجة عند الله ».

عليعليه‌السلام الستر والحجاب بين الله وبين خلقه

قلت: فغير هذا، رحمك الله. قال: نعم، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «لولا أنا وعلي ما عرف الله، ولولا أنا وعلي ما عُبد الله،ولولا أنا وعلي ما كان ثواب ولا عقاب . ولا يستر علياً عن الله ستر، ولا يحجبه عن الله حجاب، وهو الستر والحجاب فيما بين الله وبين خلقه».

٣٨١

ولاية عليعليه‌السلام تطهير للقلب

قال سليم: ثم سألت المقداد فقلت: حدِّثني - رحمك الله - بأفضل ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في علي بن أبي طالب.

قال: سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إن الله توحَّد بملكه، فعرف أنواره نفسَه(١) ، ثم فوض إليهم أمره وأباحهم جنته. فمن أراد أن يطهِّر قلبه من الجن والأنسعرفه ولاية علي بن أبي طالب ؛ ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفة علي بن أبي طالب.

منزلة الأنبياءعليهم‌السلام بالإقرار للنبي وعليعليهما‌السلام

والذي نفسي بيده، ما استوجب آدم أن يخلقه الله وينفخ فيه من روحه وأن يتوب عليه ويرده إلى جنته إلا بنبوتي والولاية لعلي بعدي.

والذي نفسي بيده، ما أُريإبراهيم ملكوت السماوات والأرض ولا اتخذه خليلاً إلا بنبوتي والإقرار لعلي بعدي.

والذي نفسي بيده، ما كلم اللهموسى تكليماً ولا أقام عيسى آية للعالمين إلا بنبوتي ومعرفة علي بعدي.

والذي نفسي بيده، ما تنبَّأ نبي قط إلا بمعرفته والإقرار لنا بالولاية، ولا استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية له والإقرار لعلي بعدي.

ثم سكت، فقلت: فغير هذا رحمك الله.

عليعليه‌السلام الموكل بحساب الأمة

قال: نعم، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «علي ديان هذه الأمة والشاهد عليها

____________________

١. المراد من الأنوار المعصومونعليهم‌السلام ظاهراً أي عرَّفهم الله نفسه.

٣٨٢

والمتولي لحسابها. وهو صاحب السنام الأعظم وطريق الحق الأبهج السبيل، وصراط الله المستقيم. به يُهتدى بعدي من الضلالة ويبصر به من العمى. به ينجو الناجون ويجار من الموت ويؤمن من الخوف، ويمحى به السيئات ويدفع الضيم وينزل الرحمة.

وهوعين الله الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرحمة، ووجهه في السماوات والأرض وجنبه الظاهر اليمين، وحبله القوي المتين، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها، وبابه الذي يؤتى منه، وبيته الذي من دخله كان آمناً. وعلَمه على الصراط في بعثه. من عرفه نجا إلى الجنة ومن أنكره هوى إلى النار.

٣٨٣

٤٧

ولاية عليعليه‌السلام هي الفارق بين الإيمان والكفر

وعنه عن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان الفارسي يقول:

إن علياً باب فتحه الله ، من دخله كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً.(١)

____________________

١. أورد الطبرسي في الإحتجاج: ج ١ ص ٦٦، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خطبته يوم الغدير: «قال الله تعالى: جعلت (علياً) عَلَماً بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن أشرك بيعته كان مشركاً ومن لقيني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعداوته دخل النار».

٣٨٤

٤٨

وقائع السقيفة على لسان ابن عباس

أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال: كنت عند عبد الله بن عباس في بيته ومعنا جماعة من شيعة عليعليه‌السلام ، فحدَّثنا فكان فيما حدثنا أن قال:

يا إخوتي، توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف. واشتغل علي بن أبي طالبعليه‌السلام برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته. ثم أقبل على تأليف القرآن وشغل عنهم بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يكن همته الملك لما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره عن القوم.

١

أخذ البيعة من عليعليه‌السلام بالإكراه

فلما افتتن الناس بالذي افتتنوا به من الرجلين، فلم يبق إلا علي وبنو هاشم وأبو ذر والمقداد وسلمان في أناس معهم يسير،قال عمر لأبي بكر : «يا هذا، إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر، فابعث إليه». فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له «قنفذ » فقال له: «يا قنفذ، انطلق إلى علي فقل له: أجب خليفة رسول الله».

فانطلق فأبلغه. فقال عليعليه‌السلام : «ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، نكثتم وارتددتم.

٣٨٥

والله ما استخلف رسول الله غيري . فارجع يا قنفذ فإنما أنت رسول، فقل له: قال لك علي: والله ما استخلفك رسول الله وإنك لتعلم من خليفة رسول الله».

فأقبل قنفذ إلى أبي بكر فبلغه الرسالة. فقال أبو بكر: «صدق علي، ما استخلفني رسول الله»! فغضب عمر ووثب وقام. فقال أبو بكر: «إجلس». ثم قال لقنفذ: «إذهب إليه فقل له: «أجب أمير المؤمنين أبا بكر»!

فأقبل قنفذ حتى دخل على عليعليه‌السلام فأبلغه الرسالة. فقالعليه‌السلام : «كذب والله، انطلق إليه فقل له: والله لقد تسميت باسم ليس لك،فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك ».

فرجع قنفذ فأخبرهما. فوثب عمر غضبان فقال: «والله إني لعارف بسخفه وضعف رأيه وإنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله! فخلِّني آتك برأسه»! فقال أبو بكر: «إجلس»؛ فأبى فأقسم عليه فجلس. ثم قال: يا قنفذ، انطلق فقل له: «أجب أبا بكر».

فأقبل قنفذ فقال: «يا علي، أجب أبا بكر». فقال عليعليه‌السلام : «إني لفي شغل عنه، وما كنت بالذي أترك وصية خليلي وأخي، وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور».

هجومهم على بيت فاطمةعليها‌السلام وإحراقه

فانطلق قنفذ فأخبر أبا بكر. فوثب عمر غضبان، فنادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً . ثم أقبل حتى انتهى إلى باب عليعليه‌السلام ، وفاطمةعليها‌السلام قاعدة خلف الباب، قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: «يا بن أبي طالب، افتح الباب».

فقالت فاطمةعليها‌السلام : «يا عمر، ما لنا ولك؟ لا تدعنا وما نحن فيه».

قال: «افتحي البابوإلا أحرقناه عليكم »!

٣٨٦

فقال: «يا عمر، أما تتَّقي الله عز وجل، تدخل على بيتي وتهجم على داري»؟ فأبى أن ينصرف.ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ؛ ثم دفعه عمر.

ضرب الصديقة الطاهرةعليها‌السلام

فاستقبلته فاطمةعليها‌السلام وصاحت: «يا أبتاه يا رسول الله»! فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت. فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: «يا أبتاه»!

أمير المؤمنينعليه‌السلام يهمُّ بقتل عمر

فوثب علي بن أبي طالبعليه‌السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله ، فذكر قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وما أوصى به من الصبر والطاعة، فقال: «والذي كرم محمداً بالنبوة يا بن صهاك، لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي».

يريدون قتل الزهراءعليها‌السلام بالسيف!

فأرسل عمر يستغيث. فأقبل الناس حتى دخلوا الدار.وسلَّ خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة عليها‌السلام ! فحمل عليه بسيفه، فأقسم على عليعليه‌السلام فكف.

إخراج أمير المؤمنينعليه‌السلام من البيت

وأقبل المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وبريدة الأسلمي حتى دخلوا الدار أعواناً لعليعليه‌السلام ، حتى كادت تقع فتنة. فأُخرج عليعليه‌السلام واتبعه الناس واتبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة الأسلمي رحمهم الله وهم يقولون: «ما أسرع ما خنتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم».

وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: «يا عمر، أتثب على أخي رسول الله ووصيه وعلى ابنتهفتضربها ، وأنت الذي يعرفك قريش بما يعرفك به». فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة وهو في غمده، فتعلق به عمر ومنعه من ذلك.

٣٨٧

٢

كيفية البيعة الجبرية

أول ما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام عند البيعة الجبرية

فانتهوا بعليعليه‌السلام إلى أبي بكر ملبباً. فلما بصر به أبو بكر صاح: «خلوا سبيله»! فقال عليعليه‌السلام : «ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت نبيكم! يا أبا بكر، بأي حق وبأي ميراث وبأي سابقة تحثُّ الناس إلى بيعتك؟! ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »؟!

التهديد الأول لعليعليه‌السلام

فقال عمر: دع عنك هذا يا علي، فوالله إن لم تبايع لنقتلنك! فقال عليعليه‌السلام : «إذاً والله أكون عبد الله وأخا رسول الله المقتول». فقال عمر: «أما عبد الله المقتول فنعم، وأما أخو رسول الله فلا»! فقال عليعليه‌السلام : «أما والله، لولا قضاء من الله سبق وعهد عهده إليَّ خليلي لست أجوزه لعلمت أيُّنا أضعف ناصراً وأقل عدداً»، وأبو بكر ساكت لا يتكلم.

فقام بريدة فقال: يا عمر، ألستما اللذين قال لكما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «انطلقا إلى علي فسلِّما عليه بإمرة المؤمنين»، فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ فقال: نعم.

فقال أبو بكر: قد كان ذلك يا بريدة، ولكنك غبت وشهدنا، والأمر يحدث بعده الأمر! فقال عمر: وما أنت وهذا يا بريدة؟ وما يدخلك في هذا؟ فقال بريدة: «والله لا سكنت في بلدة أنتم فيها أمراء ». فأمر به عمر فضرب وأخرج.

ثم قام سلمان فقال: «يا أبا بكر، اتق الله وقم عن هذا المجلس، ودَعه لأهله يأكلوا به رغداً إلى يوم القيامة، لا يختلف على هذه الأمة سيفان»، فلم يجبه أبو بكر. فأعاد

٣٨٨

سلمان فقال مثلها. فانتهره عمر وقال: ما لك ولهذا الأمر؟ وما يدخلك فيما هيهنا؟

فقال: مهلاً يا عمر، قم يا أبا بكر عن هذا المجلس،ودَعه لأهله يأكلوا به والله خضراً إلى يوم القيامة ، وإن أبيتم لتحلبنَّ به دماً وليطمعنَّ فيه الطلقاء والطرداء والمنافقون. والله لو أعلم أني أدفع ضيماً أو أعز لله ديناً لوضعت سيفي على عاتقي ثم ضربت به قدماً. أتثِبون على وصي رسول الله؟! فأبشروا بالبلاء وأقنطوا من الرخاء.

ثم قام أبو ذر والمقداد وعمار، فقالوا لعليعليه‌السلام : «ما تأمر؟ والله إن أمرتنا لنضربن بالسيف حتى نقتل». فقال عليعليه‌السلام : «كفُّوا رحمكم الله واذكروا عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وما أوصاكم به»، فكفوا.

التهديد الثاني لعليعليه‌السلام

فقال عمر لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فينا فيبايعك؟أو تأمر به فيضرب عنقه ؟ - والحسن والحسينعليهما‌السلام قائمان على رأس عليعليه‌السلام - فلما سمعا مقالة عمر بكيا ورفعا أصواتهما: «يا جداه! يا رسول الله»! فضمهما عليعليه‌السلام إلى صدره وقال: «لا تبكيا، فوالله لا يقدران على قتل أبيكما، هما أقل وأذل وأدخر(١) من ذلك.

وأقبلت أم أيمن النوبية حاضنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأم سلمة فقالتا: «يا عتيق، ما أسرع ما أبديتمحسدكم لآل محمد». فأمر بهما عمر أن تخرجا من المسجد، وقال: «ما لنا وللنساء»!

____________________

١. أي أصغر وأذل.

٣٨٩

التهديد الثالث لعليعليه‌السلام

ثم قال: يا علي، قم بايع. فقال عليعليه‌السلام : إن لم أفعل؟ قال: إذاً والله نضرب عنقك. قالعليه‌السلام : كذبت والله يا بن صهاك، لا تقدر على ذلك. أنت ألأم وأضعف من ذلك.

التهديد الرابع لعليعليه‌السلام

فوثب خالد بن الوليد واخترط سيفه وقال: «والله إن لم تفعل لأقتلنك ». فقام إليه عليعليه‌السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم دفعه حتى ألقاه على قفاه ووقع السيف من يده!

التهديد الخامس لعليعليه‌السلام

فقال عمر: قم يا علي بن أبي طالب فبايع. قالعليه‌السلام : فإن لم أفعل؟ قال: «إذاً والله نقتلك ». واحتج عليهم عليعليه‌السلام ثلاث مرات، ثم مدَّ يده من غير أن يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضي منه بذلك. ثم توجَّه إلى منزله وتبعه الناس.

٣

غصبهم فدكا هدية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للزهراءعليها‌السلام !!

احتجاج الزهراءعليها‌السلام لإعادة فدك

قال: ثم إن فاطمةعليها‌السلام بلغها أنأبا بكر قبض فدك . فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر، تريد أن تأخذ مني أرضاً جعلها لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتصدَّق بها علي من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب؟ أما كان قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «المرء يحفظ في ولده بعده»؟ وقد علمت أنه لم يترك لولده شيئاً غيرها.

٣٩٠

منع عمر من كتاب أبي بكر برد فدك

فلما سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها دعا بدواة ليكتب به لها. فدخل عمر فقال: يا خليفة رسول الله،لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدَّعي . فقالت فاطمةعليها‌السلام : نعم، أقيم البينة. قال: من؟ قالت: علي وأم أيمن. فقال عمر: «لا تقبل شهادة امرأة عجمية لا تفصح، وأما علي فيحوز النار إلى قرصه». فرجعت فاطمةعليها‌السلام وقد جرَّعها من الغيظ ما لا يوصف، فمرضت.

أبو بكر وعمر يعودان فاطمةعليها‌السلام

وكان عليعليه‌السلام يصلي في المسجد الصلوات الخمس. فكلما صلى قال له أبو بكر وعمر: «كيف بنت رسول الله»؟ إلى أن ثقلت، فسألا عنها وقالا: «قد كان بيننا وبينها ما قد علمت،فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا »؟ قالعليه‌السلام : ذاك إليكما.

فقاما فجلسا بالباب، ودخل عليعليه‌السلام على فاطمةعليها‌السلام فقال لها: «أيتها الحرة، فلان وفلان بالباب يريدان أن يسلِّما عليك، فما ترين»؟ قالتعليها‌السلام : البيت بيتك والحرة زوجتك، فافعل ما تشاء. فقال: «شدّي قناعك»، فشدَّت قناعها وحوَّلت وجهها إلى الحائط.

دعاء فاطمةعليها‌السلام على أبي بكر وعمر

فدخلا وسلما وقالا: ارضي عنا رضي الله عنك. فقالت: ما دعاكما إلى هذا؟ فقالا: اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك. فقالت: فإن كنتما صادقَين فأخبراني عما أسألكما عنه، فإني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما. قالا: سلي عما بدا لك. قالت: نشدتكما بالله هل سمعتما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني»؟ قالا: نعم. فرفعت يدها إلى السماء فقالت: «اللهمَّ إنهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى

٣٩١

رسولك. لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما، فيكون هو الحاكم فيكما ».

قال: فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعاً شديداً. فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة؟

٤

وصية فاطمة الزهراءعليها‌السلام وشهادتها

قال: فبقيت فاطمةعليها‌السلام بعد وفاة أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين ليلة. فلما اشتد بها الأمر دعت علياًعليه‌السلام وقالت: «يا بن عم، ما أراني إلا لما بي، وأنا أوصيك أن تتزوج بنت أختي زينب تكون لولدي مثلي؛ وتتخذ لي نعشاً، فإني رأيت الملائكة يصفونه لي. وأن لا يشهد أحد من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة عليَّ ».

قال ابن عباس: وهو قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أشياء لم أجد إلى تركهن سبيلاً، لأن القرآن بها أنزل على قلب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : قتال الناكثين والقاسطين والمارقين الذي أوصاني وعهد إلي خليلي رسول الله بقتالهم، وتزويج أمامة بنت زينب أوصتني بها فاطمةعليها‌السلام ».

قال ابن عباس: فقبضت فاطمةعليها‌السلام من يومها، فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء،ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . فأقبل أبو بكر وعمر يعزِّيان علياًعليه‌السلام ويقولان له: «يا أبا الحسن، لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله».

٣٩٢

فلما كان في الليل دعا عليعليه‌السلام العباس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذر وعماراً، فقدَّم العباس فصلى عليها ودفنوها.

أراد عمر نبش قبر الزهراءعليها‌السلام فواجهه أمير المؤمنينعليه‌السلام

فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمةعليها‌السلام . فقال المقداد: قد دفنا فاطمة البارحة. فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟! قال العباس:إنها أوصت أن لا تصلِّيا عليها .

فقال عمر: والله لا تتركون - يا بني هاشم - حسدكم القديم لنا أبداً. إن هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب! والله لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها.

فقال عليعليه‌السلام : «والله لو رمت ذلك يا بن صهاك لأرجعت إليك يمينك . والله لئن سللت سيفي لا غمدتُه دون إزهاق نفسك، فرُم ذلك».(١) فانكسَر عمر وسكت، وعلم أن علياًعليه‌السلام إذا حلف صدق.

ثم قال عليعليه‌السلام : يا عمر، ألست الذي همَّ بك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأرسل إليَّ، فجئت متقلداً بسيفي، ثم أقبلت نحوك لأقتلك، فأنزل الله عز وجل:( فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ) (٢) ، فانصرفوا.

____________________

١. أي اقصد نحوه إن قدرت عليه.

٢. سورة مريم: الآية ٨٤.

٣٩٣

٥

مؤامرتهم لقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام

قال ابن عباس: ثم إنهم تآمروا وتذاكروا فقالوا: «لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حياً»! فقال أبو بكر: من لنا بقتله؟ فقال عمر: «خالد بن الوليد»! فأرسلا إليه فقالا: «يا خالد، ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال: احملاني على ما شئتما،فوالله إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت . فقالا: والله ما نريد غيره. قال: فإني له!

فقال أبو بكر: إذا قمنا في الصلاة صلاة الفجر فقم إلى جانبه ومعك السيف. فإذا سلَّمت فاضرب عنقه. قال: نعم. فافترقوا على ذلك.

ندامة أبي بكر عند إجراء المؤامرة

ثم إن أبا بكر تفكَّر فيما أمر به من قتل عليعليه‌السلام وعرف أنه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل، فندم على ما أمره به. فلم ينم ليلته تلك حتى أصبح ثم أتى المسجد وقد أقيمت الصلاة. فتقدَّم فصلى بالناس مفكراً لا يدري ما يقول.

وأقبل خالد بن الوليد متقلداً بالسيف حتى قام إلى جانب عليعليه‌السلام ، وقد فطن عليعليه‌السلام ببعض ذلك. فلما فرغ أبو بكر من تشهده صاح قبل أن يسلِّم: «يا خالد لا تفعل ما أمرتك، فإن فعلت قتلتك »! ثم سلَّم عن يمينه وشماله.

المواجهة لمؤامرة القتل

فوثب عليعليه‌السلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده، ثم صرعه وجلس على صدره وأخذ سيفه ليقتله، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلصوا خالداً فما قدروا عليه.

٣٩٤

فقال العباس: حلِّفوه بحق القبر «لـمّا كففت». فحلَّفوه بالقبر فتركه، وقام فانطلق إلى منزله.

وجاء الزبير والعباس وأبو ذر والمقداد وبنو هاشم، واخترطوا السيوف وقالوا: «والله لا تنتهون حتى يتكلم ويفعل »! واختلف الناس وماجوا واضطربوا.

وخرجت نسوة بني هاشم فصرخن وقلن: «يا أعداء الله، ما أسرع ما أبديتم العداوة لرسول الله وأهل بيته! لطالما أردتم هذا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم تقدروا عليه،فقتلتم ابنته بالأمس ، ثم أنتم تريدون اليوم أن تقتلوا أخاه وابن عمه ووصيه وأبا ولده؟ كذبتم وربِّ الكعبة. ما كنتم تصلون إلى قتله».

حتى تخوَّف الناس أن تقع فتنة عظيمة.

٣٩٥

٣٩٦

تتمة متن كتاب سليم

نذكر في هذا الفصل ٢٢ حديثاً جاء في نسخة «ج» من كتاب سليم

٣٩٧

٣٩٨

٤٩

ما كتبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الكتف

وعن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: سمعت علياًعليه‌السلام - بعد ما قال ذلك الرجل ما قال وغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودفع الكتف -: ألا نسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الذي كان أراد أن يكتب في الكتف مما لو كتبه لم يضلَّ أحد ولم يختلف اثنان؟

كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد قول عمر

فسكتُّ حتى إذا قام من في البيت وبقي علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وذهبنا نقوم أنا وصاحبَيَّ أبو ذر والمقداد، قال لنا عليعليه‌السلام : إجلسوا.

فأراد أن يسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نسمع، فابتدأه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: «يا أخي، أما سمعت ما قال عدو الله ؟! أتاني جبرئيل قبلُ فأخبرني أنه سامريُّ هذه الأمة وأن صاحبه عجلها، وأن الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أمتي من بعدي، فأمرني أن أكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه، ادع لي بصحيفة».

أسماء الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام في الكتف

فأتى بها؛ فأملى عليهأسماء الأئمة الهداة من بعده رجلاً رجلاً وعليعليه‌السلام يخطه بيده. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني أشهدكم إن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي علي بن أبي طالب، ثم الحسن ثم الحسين ثم من بعدهم تسعة من ولد الحسين.

٣٩٩

ثم لم أحفظ منهم غير رجلين علي ومحمد، ثم اشتبه الآخرون(١) من أسماء الأئمةعليهم‌السلام ، غير أني سمعت صفةالمهدي وعدله وعمله وأن الله يملأ به الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني أردت أن أكتب هذا ثم أخرج به إلى المسجد ثمأدعو العامة فأقرأه عليهم وأُشهدهم عليه. فأبى الله وقضى ما أراد.

ثم قال سليم: فلقيت أبا ذر والمقداد في إمارة عثمان فحدَّثاني. ثم لقيت علياًعليه‌السلام بالكوفة والحسن والحسينعليهما‌السلام فحدَّثاني به سراً ما زادوا ولا نقصوا كأنما ينطقون بلسان واحد.

____________________

١. «ج» خ ل: «ثم اشتبه عليه الآخرون». ثم إنه لا مجال لوقوع هذا الاشتباه من سلمان ولا من سليم ولا من أبان، وذلك لما نراه في سائر أحاديث هذا الكتاب وكتب أخرى من تصريح سلمان وسليم وأبان بأسماء الأئمة فرداً فرداً، فالاشتباه عليهم في مثل هذا المورد عجيب؛ ولا شك في استعمالهم التقيّة في هذا الكلام لئلا يعرف الظالمون أشخاص الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496