حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسين عليه السلام8%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 307873 / تحميل: 5963
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الخلافة وزهد في الحكم ، وقد خطب في اهل الشام فندد في جده وأبيه وقال :

«الا ان جدى معاوية نازع الأمر من كان اولى به منه لقرابته من رسول اللّه (ص) وقديمه وسابقته اعظم المهاجرين قدرا ، واولهم ايمانا ابن عم رسول اللّه (ص) وزوج ابنته جعله لها بعلا باختياره لها ، وجعلها له زوجة باختيارها له فهما بقية رسول اللّه (ص) خاتم النبيين ، فركب جدي منه ما تعلمون ، وركبتم معه ما لا تجهلون(١) حتى اتته منيته فصار في قبره رهينا بذنوبه واسيرا بجرمه ثم قلد أبي الأمر فكان غير أهل لذلك ، وركب هواه واخلفه الأمل وقصر عنه الاجل وصار في قبره رهينا بذنوبه واسيرا بجرمه ثم بكى وقال : إن من اعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبئس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول اللّه (ص) واباح الحرم وخرب الكعبة»(٢) .

وتهدم ملك آل أبي سفيان على يد معاوية بن يزيد ، وما كان ينشده جده من استقرار الملك ودوامه في بيته ، فقد نسف قتل الحسين جميع ما بناه معاوية واسسه يزيد ، فقد احل ملكهم دار البوار ويقول المؤرخون :

إن بني أمية قد قامت قيامتهم على أثر خطاب معاوية الذي فضح فيه جده وأباه فعمدوا إلى مؤدبه عمر القصوص فقالوا له : أنت علمته هذا ، ولقّنته اياه وصددته عن الخلافة وزينت له حب علي وأولاده ، وحملته على ما وسمنا به من الظلم ، وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق ، وقال : بما قال :

فانكر عمر ذلك ، وقال : واللّه ما فعلته ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي ، فلم يقبلوا ذلك منه واخذوه فدفنوه حيا(٣) .

__________________

(١) جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن ابي طالب (ص ١٣٣)

(٢) النجوم الزاهرة ١ / ١٦٤

(٣) حياة الحيوان للدميرى ١ / ٧٣

٤٠١

مخاريق واباطيل :

وحاول بعض المتعصبين لبني أمية قديما وحديثا تنزيه يزيد وتبريره من قتله لريحانة رسول اللّه (ص) والقاء التبعة والمسئولية على ابن مرجانة ، وقد دعاهم الى ذلك الجهل والعصبية العمياء التي حرفتهم عن الحق والقتهم في شر عظيم ، ومن بين هؤلاء.

١ ـ ابن تيمية

وعظم حظ يزيد عند ابن تيمية ، فكان من أصلب المدافعين عنه فانكر أن يكون قد أمر بقتل الحسين وبالغ بحرارة في الدفاع عنه وقال :

«فيزيد لم يأمر بقتل الحسين ، ولا حمل رأسه بين يديه ، ولا نكث بالقضيب على ثناياه ، بل الذي جرى هذا منه هو عبيد اللّه بن زياد ، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري ، ولا طيف برأسه في الدنيا ولا سبي أحد من أهل الحسين»(١) .

وهذا القول مما يدعو الى السخرية والاستهزاء به ، فقد تنكر للضرورات التي لا يشك فيها كل من يملك وعيه واختياره ، فقد اعرض عن جميع ما ذكره المؤرخون من اقتراف يزيد لهذه الجريمة النكراء التي لا يقره عليها من يحمل وعيا دينيا أو روحا اسلامية.

وقد عرف ابن تيمية بالتعصب المقيت حتى أعرض عن آرائه كل باحث حر ، وكاتب في التأريخ والبحوث الاسلامية.

__________________

(١) سؤال في يزيد بن معاوية لابن تيمية (ص ١٦)

٤٠٢

٢ ـ الغزالي

ومن المؤسف أن الغزالي قد هام حبا بحب يزيد ، وغالى في الاخلاص له والدفاع عنه فقال :

«ما صح قتله ـ يعني يزيد للحسين ـ ولا امره به ـ يعني لم يأمر يزيد ابن مرجانة بقتله ولا رضاه بذلك ، ومتى لم يصح ذلك عنده لم يجز أن يظن ذلك به ، فان اساءة الظن بالمسلم حرام قال اللّه تعالى : «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ اَلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ اَلظَّنِّ إِثْمٌ »(١) .

وسف الغزالي في كلامه على غير هدى فقد تنكر للبديهيات كما تنكر لها زميله ابن تيمية فهؤلاء المؤرخون أجمعوا على أن يزيد هو الذي أوعز لابن مرجانة بقتل الحسين وشدد عليه في ذلك وهدده بنفيه من آل أبي سفيان والحاقه بجده عبيد الرومي ان لم يخلص في حربه للامام ، وقد ذكرنا ذلك بما لا مزيد عليه في البحوث السابقة.

٣ ـ ابن العربي

وعرف ابن العربي بالبغض والكراهية لأهل البيت (ع) وقد ذهب الى أن يزيد امام زمانه وخليفة اللّه في أرضه وخروج الامام عليه كان غير مشروع وان الحسين قتل بشريعة جده(٢) حفنة من التراب عليه وعلى كل منحرف عن الحق وضال عن الطريق. بأي منطق كان يزيد القرود والفهود امام المسلمين وخليفة اللّه في الأرض ، أبقتله لسيد شباب اهل الجنة

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٤١٣

(٢) العواصم (ص ٢٣٢)

٤٠٣

أم باباحته لمدينة الرسول (ص) وحرقه للكعبة كان اماما للمسلمين؟ وقد سمع عمر بن عبد العزيز شخصا وصف يزيد بأمير المؤمنين فأمر بضربه عشرين سوطا(١) .

ان الدفاع عن يزيد واضفاء الشرعية على حكومته ، وتبريره من الاثم في قتله لريحانة رسول اللّه (ص) انما هو دفاع عن المنكر ، ودفاع عن الباطل ، فيزيد وأمثاله من حكام الأمويين والعباسيين هم الذين عملوا على تأخير المسلمين وجروا لهم الفتن والخطوب والقوهم في شر عظيم.

٤ ـ ابن حجر

وانكر ابن حجر الهيثمي رضا يزيد او أمره بقتل الحسين(٢) وقد ساقته العصبية العمياء إلى هذا القول الذي يتنافى مع البديهيات من أن ابن مرجانة كان مجرد آلة من دون أن يكون له أي رأي أو ارادة في قتل الحسين ، وقد قال لمسافر بن شريح اليشكري : اما قتلي الحسين فانه أشار علي يزيد بقتله أو قتلي فاخترت قتله(٣) فلم يقدم ابن زياد على قتل الحسين إلا بعد أن هدده يزيد بالقتل إن لم يستجب له.

٥ ـ أنيس زكريا

ودافع انيس زكريا النصولي بحرارة عن يزيد فقال :

«لا شك أن يزيد لم يفكر البتة بقتل الحسين ، ولم يأمل أن

__________________

(١) شذرات الذهب ١ / ٦٩

(٢) الفتاوى الحديثة (ص ٩٣)

(٣) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٣٢٤

٤٠٤

تتطور المسألة العلوية فتلعب هذا الدور المهيب ، ويقدم ابن زياد للفتك به»(١) .

٦ ـ الدكتور النجار

وممن نزه يزيد الدكتور محمد النجار فقال : «ولا يتحمل يزيد بن معاوية شيئا من هذه التبعة ـ يعني تبعة قتل الحسين ـ لأنه على الرغم من أن تأريخه ملطخ بالسواد الا انه ـ فيما يبدو ـ برىء من تهمة التحريض على قتل الحسين»(٢) .

٧ ـ محمد عزة دروزه

ومن أصلب المدافعين عن يزيد في هذا العصر محمد عزة دروزه فقد اشاد بيزيد ونزهه من هذه الجريمة ، كما نفى المسئولية عن ابن زياد وسائر القوات المسلحة التي قتلت الحسين والقى باللائمة على الحسين قال :

«وليس هناك ما يبرر نسبة قتل الحسين الى يزيد فهو لم يأمر بقتاله فضلا عن قتله ، وكل ما أمر به أن يحاط به ولا يقاتل إلا إذا قاتل ومثل هذا القول يصح بالنسبة لعبيد اللّه بن زياد فكل ما أمر به أن يخاط به ولا يقاتل إلا اذا قاتل ، وان يؤتى به ليضع يده في يده أو يبايع ليزيد صاحب البيعة الشرعية ، بل ان هذا يصح قوله بالنسبة لأمراء القوات المسلحة التي جرى بينها وبين الحسين وجماعته قتال ، فانهم ظلوا ملتزمين بما أمروا به ، بل

__________________

(١) الدولة الاموية في الشام (ص ٥٨)

(٢) الدولة الأموية في الشرق (ص ١٠٤)

٤٠٥

وكانوا يرغبون أشد الرغبة في أن يعافيهم اللّه من الابتلاء بقتاله فضلا عن قتله ، ويبذلون جاهدهم في اقناعه بالنزول على حكم ابن زياد ومبايعة يزيد فاذا كان الحسين أبى أن يستسلم ليدخل فيما دخل فيه المسلمون وقاوم بالقوة فمقابلته وقتاله من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية سائغا»(١) .

ويرى دروزه ان قتل ريحانة رسول اللّه (ص) وسيد شباب أهل الجنة كان سائغا من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية ، لا اكاد اعتقد ان السفكة الجلادين من قتلة الحسين اكثر حقدا وعداء للامام من هذا الانسان الذي ران الباطل على ضميره فماج في تيارات سحيقة من المنكر والاثم.

رأي الدكتور طه حسين :

ويرى طه حسين ان يزيد مسئول عن اراقة دماء الامام ، وليس من الصحيح القول بأن تبعة هذه الجريمة ملقاة على ابن مرجانة قال :

«والرواة يزعمون أن يزيد تبرأ من قتل الحسين على هذا النحو فالقى عبء هذا الاثم على ابن مرجانة عبيد اللّه بن زياد ، ولكنا لا نراه لام ابن زياد ولا عاقبه ، ولا عزله عن عمله كله او بعضه ، ومن قبله معاوية قتل حجر بن عدي وأصحابه ، ثم القى عبء قتلهم على زياد وقال :

حملني ابن سمية فاحتملت»(٢) .

ان ابن زياد لم يفعل ما فعل الا بأمر قاطع من يزيد ، ولو كان لم يرض بذلك لحاسبه على جريمته وما جلس وإياه في مجلس الشراب ولما

__________________

(١) تاريخ الجنس العربي ٨ / ٣٨٣.

(٢) الفتنة الكبرى ٢ / ٢٦٥

٤٠٦

جزل له في العطاء فان ذلك يدل على رضاه بقتل الحسين وعدم ندمه على مرارة المذبحة وهول الجناية.

كلمة التفتازاني :

قال التفتازاني : «اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين أو أمر به او اجازه او رضي به والحق ان رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك ، واهانته أهل بيت رسول اللّه (ص) مما تواتر معناه ، وإن كان تفصيله آحادا ، فنحن لا نتوقف في شأنه بل في كفره لعنة اللّه عليه وعلى أنصاره واعوانه»(١) .

رأي اليافعي :

ويقول العلامة اليافعي : «واما حكم من قتل الحسين او امر بقتله فهو كافر ، فمن استحل ذلك فهو كافر»(٢) .

رأي احمد بن حنبل :

وافتى احمد بن حنبل بالامساك عن لعن يزيد يقول ابو طالب :

سألت احمد عمن نال من يزيد بن معاوية فقال : لا تتكلم في هذا ، قال

__________________

(١) شذرات الذهب ١ / ٦٨

(٢) شذرات الذهب ١ / ٦٩

٤٠٧

النبي : لعن المؤمن كقتله(١) ومن الغريب هذه الفتيا فقد جعل مدركها الحديث النبوي وهو لا ينطبق على يزيد فانه لا نصيب له من الايمان والاسلام بعد اقترافه للجرائم الفظيعة كابادة العترة الطاهرة واباحة مدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وحرق الكعبة المقدسة فان كل واحدة من هذه الموبقات تخرجه من حظيرة الاسلام.

وقد أنكر على أحمد ولده صالح فقد قال له : إن قوما ينسبونا إلى تولي يزيد؟ فقال له : وهل يتولى يزيد أحد يؤمن باللّه؟ فقال له ولده.

ـ ولم لا تلعنه؟

ـ ومتى رأيتني لعنت أحدا؟

ـ يا ابة ولم لا يلعن من لعنه اللّه في كتابه؟

ـ واين لعن اللّه يزيدا؟

ـ في قوله تعالى :( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي اَلْأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحٰامَكُمْ أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ ) فهل يكون فساد أعظم من القتل وأمسك احمد عن الجواب(٢) .

كلمة المعتضد العباسي :

واصدر المعتضد العباسي كتابا نشر فيه مخازي بنى أمية ، واشاد فيه بآل البيت وأمر باذاعته ونشره في النوادي الحكومية والشعبية والمجتمعات

__________________

(١) الآداب الشرعية والمنح المرعية لشمس الدين الحنبلي ١ / ٣٠٤.

(٢) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٩٥)

٤٠٨

العامة أيام الجمعات والاعياد ، وقد جاء فيه مما يخص يزيد :

«ولما تكنّ الخلافة إلى يزيد طلب متحفزا يطلب بثأر المشركين من المسلمين فأوقع بأهل المدينة وقعة الحرة الوقعة التي لم تمر على البشرية مثلها ، ولا على المسلمين أفضع وابشع منها فشفا عند نفسه غليله ، وظن انه انتقم لاشياخه من أولياء اللّه ، وبلغ الثأر لأعداء اللّه والرسول (ص) وأضاف يقول :

«ثم ان أغلظ ما انتهك واعظم ما اجترم سفكه لدم الحسين بن علي (ع) مع علمه بموقعه من رسول اللّه (ص) وسماعه منه أنه قال :

«الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا ، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» اجتراء منه على اللّه ورسوله وعداوة منه لهما فما خاف من عمله ذلك نقمة ولا راقبه في معصية»(١) .

لقد كان قتل ريحانة رسول اللّه (ص) من اعظم الاحداث الجسام التي روع بها المسلمون وامتحنوا بها امتحانا شاقا وعسيرا ، كما انها من افجع الأحداث العالمية ، فقد كانت القسوة التي قوبلت بها عترة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من افظع ما جرى في تاريخ العالم.

فقد مارس اولئك الجفاة الممسوخون من جيش يزيد جميع ضروب الخسة وألوان اللؤم. وتنكروا لجميع القيم الانسانية والاعراف السائدة ، وما قننه الناس من معاني الفضيلة والاخلاق ، فقتلوا الرجال والأطفال والنساء بعد أن حرموهم من الماء ومثلوا بتلك الجثث الزواكي ، وحملوا الرءوس الطاهرة على الحراب ، وسبوا ودائع الرسول الأعظم (ص) على اقتاب الجمال يطاف بهن في الاقطار والامصار ، ليظهر الطاغية قهره لآل النبي (ص) وتغلبه عليهم ، وكل هذه الأحداث جرت بأمره

__________________

(١) شرح النهج لابن ابي الحديد ٢ / ٤٥٨

٤٠٩

والحاحه ، فهو المسئول عنها.

أما ابن زياد فلم يكن سوى آلة واداة بيده ، ومنفذ لرغباته كما دللنا على ذلك في البحوث السابقة.

ان تنزيه يزيد ، والقاء المسئولية على ابن مرجانة ما هو الا لون من الوان الانحراف عن الحق «والانقياد للعصبية العمياء التي لا يخضع لها من يملك وعيه واختياره.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عما قيل في تبرير يزيد من المخاريق والأباطيل ، وما أثر من الأعلام في تجريم يزيد وتحميله المسئولية في اراقة دم الامام :

٤١٠

الى يثرب

٤١١
٤١٢

ولم يطل مكث اهل البيت في دمشق ، فقد خشي يزيد من وقوع الفتنة ، واضطراب الرأي العام ، ووقوع ما لا تحمد عقباه ، فقد أحدث خطاب العقيلة زينب وخطاب الامام زين العابدين انقلابا فكريا في جميع الأوساط ، فقد انارت تلك الخطب المشرقة العقول ، وأثارت العواطف واصبحت حديث الأندية والمجالس فكانت تغلي كالحمم على تلك الدولة الغاشمة وهي تنذر بانفجار شعبي يكتسح دولة يزيد ، فقد عرفت اهل الشام لؤم يزيد ، وخبث عنصره ، وقلبت الرأي العام عليه فجوبه بالنقد حتى في مجلسه وسقط اجتماعيا ، وذهبت مكانته من النفوس.

اعتذار الطاغية من زين العابدين :

ودعا الطاغية الامام زين العابدين (ع) فأبدى له معاذيره ، والقى المسئولية في هذه الجريمة على ابن مرجانة قائلا :

«لعن اللّه ابن مرجانة ، أما واللّه لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا إلا اعطيته اياها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى اللّه ما رأيت يا بني كاتبني بكل حاجة تكون لك(١) وانه سيكون في قومك أمور فلا تدخل معهم في شيء»(٢) .

واعرض عنه الامام فلم يجبه بشيء ، فقد عرف واقع اعتذاره ، وانه كان تهربا مما لحقه من العار والخزي.

__________________

(١) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٣٠٠

(٢) تذهيب التهذيب ١ / ١٥٧

٤١٣

عرض الأموال لآل البيت :

وأمر الطاغية بانطاع من الابريسم ففرشت في مجلسه ، وصب عليها أموالا كثيرة ، وقدمها لآل البيت لتكون دية لقتلاهم وعوضا لأموالهم التي نهبت في كربلا فقال :

«خذوا هذا المال عوض ما اصابكم»

رد السيدة أمّ كلثوم :

والتاعت شقيقة الحسين السيدة أم كلثوم وتميزت غيظا فصاحت به.

«ما أقل حياءك ، واصلف وجهك تقتل أخي واهل بيتي وتعطيني عوضهم»(١) .

وقالت سكينة :

«واللّه ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ، ولا رأيت كافرا ، ولا مشركا شرا منه ، ولا أجفى منه»(٢) .

وباء يزيد بالفشل ، فقد حسب أن اهل البيت تغريهم المادة ، ولم يعلم أنهم من صنائع اللّه قد اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

طلبة الامام زين العابدين :

وعرض الطاغية على الامام زين العابدين أن يعرض عليه حاجته فقال (ع) :

__________________

(١) مقتل الحسين لعبد اللّه

(٢) مقتل الحسين لعبد اللّه

٤١٤

أريد منك أن تريني وجه أبي ، وأن تعيد على النساء ما أخذ منهن ففيها مواريث الآباء والامهات ، وإذا كنت تريد قتلي فارسل مع العيال من يؤدي بهن الى المدينة».

واكبر الظن ان الامام أراد من رؤية رأس أبيه ان يعطيه الرأس الشريف ليواريه ، ولكن الطاغية لم يجبه إلى ذلك فقد أمر أن يطاف به في جميع أنحاء البلاد لاشاعة الذعر والفزع بين الناس ، وحتى يكون عبرة لكل من يخرج عليه ، وأما طلب الامام أن يعيد على النساء ما اخذ منهن فلم يرد بذلك الحلي والحلل وغيرها من الأموال التي نهبت منهن في يوم كربلا ، وانما أراد أن يرد عليهم المواريث النفيسة التي ورثوها من جدهم رسول اللّه (ص) كعمامته ودرعه وسيفه ، وغير ذلك مما هو أثمن من المال.

واطرق الطاغية برأسه الى الأرض يفكر في طلب الامام (ع) ثم رفع رأسه وقال له :

«اما وجه أبيك فلن تره ، واما ما اخذ منكم فيرد إليكم ، واما النسوة فلا يردهن غيرك ، وقد عفوت عن قتلك»(١) .

السفر الى يثرب :

وعهد الطاغية الى النعمان بن بشير ان يقوم برعاية ودائع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ويصحبهم إلى يثرب(٢) وامر باخراجهم من

__________________

(١) مقتل الحسين لعبد اللّه

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٣٠٠

٤١٥

دمشق ليلا خوفا من الفتنة ، واضطراب الأوضاع(١) .

وصول النبأ الى يثرب :

وانتهت انباء الكارثة الكبرى الى يثرب قبل وصول السبايا إليها ، وقد حمل النبأ عبد الملك بن الحارث السلمي بأمر من ابن زياد ، وقد اخذ يجذ في السير حتى انتهى إليها ، وقد اعياه السقر فاسرع إلى حاكم المدينة الأشدق ، وقد لقيه رجل فرابه ما هو فيه من الارتباك فأسرع إليه قائلا :

ـ ما الخبر؟

ـ الخبر عند الأمير

وفطن الرجل لهول الأمر فقال :

«انا للّه وانا إليه راجعون» قتل واللّه الحسين ، صدقت أمّ سلمة بما نبأت به»(٢) .

ووافى رسول ابن زياد حاكم المدينة فأخبره بمقتل الحسين فاهتز فرحا وسرورا وراح يقول :

«واعية بواعية عثمان»(٣) .

وامر الأشدق باذاعة ذلك بين الناس فهرعوا وقد علاهم البكاء نحو الجامع النبوي ليتعرفوا على تفصيل الحادث الأليم.

__________________

(١) جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام (ص ١٢٨)

(٢) زينب بنت علي لعبد العزيز سيد الأهل (ص ١٥٢)

(٣) مقتل الحسين لعبد اللّه

٤١٦

خطاب الأشدق :

واعتلى الطاغية عمرو بن سعيد الأشدق اعواد المنبر وهو يهز اعطافه مسرورا بقتل الامام ، وقد اظهر احقاده واضغانه فقال :

«أيها الناس : إنها لدمة بلدمة ، وصدمة بصدمة ، كم خطبة بعد خطبة ، حكمة بالغة فما تغني النذر ، لقد كان يسبنا ونمدحه ، ويقطعنا ونصله ، كعادتنا وعادته ، ولكن كيف نصنع بمن سل سيفه علينا يريد قتلنا الا ان ندفعه عن انفسنا».

وقطع عليه عبد اللّه بن السائب خطابه الذي اظهر فيه الشماتة بقتل ريحانة رسول اللّه (ص) ، فقال له :

«لو كانت فاطمة حية ورأت رأس الحسين لبكت عليه»

وكان هذا الاستنكار بداية نقد يجابه به والي المدينة وهو يخطب وقد لذعه نقده فصاح به.

«نحن احق بفاطمة منك ابوها عمنا ، وزوجها اخونا ، وامها ابنتنا ، ولو كانت فاطمة حية لبكت عينها ، وما لامت من قتله»(١) .

وقد شذ الأشدق في قوله عن جميع الاعراف الاجتماعية فقد زعم ان فاطمة لو كانت حية لما لامت قاتل ولدها ، بل من المؤكد عنده انها تبارك القاتل الأثيم لأن بذلك دعما للحكم الأمري وبسطا لسلطانهم الذي يحمل جميع الاتجاهات الجاهلية.

ان فاطمة لو كانت حية وشاهدت فلذة كبدها على صعيد كربلا وهو يعاني من الخطوب والكوارث التي لم تجر على أي انسان لذابت نفسها حسرات ، وقد روى علي عن رسول اللّه (ص) انه قال :

__________________

(١) مقتل المقرم (ص ٤١٧)

٤١٧

«تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ، ومعها ثياب مصبوغة بدم فتتعلق بقائمة من قوائم العرش ، فتقول : يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي فيحكم لابنتي ورب الجنة»(١) .

فجيعة الهاشميين :

ووقع النبأ المؤلم بقتل الحسين كالصاعقة على رءوس الهاشميين فقد علا الصراخ والعويل من بيوتهم ، وخرجت السيدة زينب بنت عقيل(٢) ناشرة شعرها ، وهي تصيح :

«وا محمداه ، وا حسيناه ، وا إخواتاه وا اهيلاه»(٣) .

وجعلت تنظم ذوب روحها بابيات تخاطب بها المسلمين قائلة :

ما ذا تقولون : إن قال النبي لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبانصاري وذريتي

منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

فاجابها ابو الأسود وهو غارق في البكاء والشجون نقول :

«ربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» وعلاه الجزع وراح يقول :

__________________

(١) الصراط السوى في مناقب آل النبي (ص ٩٣)

(٢) زينب بنت عقيل تزوجت بعلي بن ركانة من بني عبد المطلب اولدت منه ولدا ، ومن بناتها عبدة ، وهي أم أبي البختري القاضي المشهور جاء ذلك في انساب الاشراف ق ١ ج ١.

(٣) مرآة الزمان في تواريخ الاعيان

٤١٨

أقول : وزادني حنقا وغيظا

أزال اللّه ملك بني زياد

وابعدهم كما بعدوا وخافوا

كما بعدت ثمود وقوم عاد

ولا رجعت ركائبهم إليهم

إذا وقفت يوم التناد(١)

رساد البكاء وعمت اللوعة وانتشر الحزن في جميع انحاء يثرب ، فلم ير اكثر باك ولا باكية من ذلك اليوم.

مأتم عبد اللّه بن جعفر :

وأقام عبد اللّه بن جعفر مأتما للعزاء على ابن عمه الحسين فجعل الناس يفدون عليه يعزونه بمصابه الأليم ، ويقول المؤرخون : انه كان له مولى يسمى ابا السلاسل فقال له :

«هذا ما لقينا من الحسين»

وقد حسب الغبي أنه يتقرب إليه بذلك لأنه لو لا الحسين لما استشهد ولداه ، ولما سمع ابن جعفر مقالته فقد أهابه ، وحذفه بنعله قائلا :

«يا بن اللخناء تقول ذلك في الحسين؟ واللّه لو شهدته لأحببت أن لا افارقه حتى اقتل معه ، واللّه انه لمما يسخي نفسي عن ولدي ، ويهون علي المصاب بهما أنهما اصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه».

وأقبل على حضار مجلسه فقال لهم :

«الحمد للّه لقد عزّ علي المصاب بمصرع الحسين أن لا اكون واسيته بنفسي فقلد واساه ولداى(٢) .

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٩ ، معجم الكبير للطبراني ١ / ١٤٠

(٢) تأريخ الطبري ٦ / ٢١٨

٤١٩

رزية ابن عباس :

ورزأ ابن عباس كأشد ما تكون الرزية محنة وألما حينما سمع بقتل الامام ، وكان في البيت الحرام فقد أسر إليه شخص ، وعرفه بالحادث المؤلم فذعر وفقد أهابه فقال له محمد بن عبد اللّه :

«ما حدث يا أبا العباس؟»

«مصيبة عظيمة نحتسبها عند اللّه»

ثم اجهش بالبكاء ، وانصرف الى منزله حزينا كثيبا ، وأقام مأتما في بيته فأقبل عليه الناس يعزونه بمصابه العظيم ويشاركونه الآسى واللوعة(١) .

مسور مع ابن الزبير :

ولما جاء نعي الحسين إلى مكة التقى مسور بابن الزبير فقال له مسور :

«قد جاء ما كنت تتمنى من موت الحسين بن علي»

فراوغ ابن الزبير وقال :

«يا أبا عبد الرحمن تقول لي هذا؟ فو اللّه ليته ما بقي بالجما(٢) حجر واللّه ما تمنيت ذلك»

ورد عليه مسور :

«أنت اشرت عليه بالخروج الى غير وجه»

«نعم أشرت عليه ، ولم ادر أنه يقتل ، ولم يكن بيدي أجله ،

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٨٦

(٢) الجما : هضبة قرب المدينة

٤٢٠

ولقد جئت ابن عباس فعزيته ، فعرفت أن ذلك يثقل عليه مني ، ولو اني تركت تعزيته قال : مثلي يترك لا يعزيني بحسين ، فما اصنع؟ اخوالي وغرت صدورهم علي ، وما ادري على أي شيء؟»

فاسدى له مسور النصيحة وقال له :

«ما حاجتك الى ذكر ما مضى دع الأمور تمضي ، وبر أخوالك فأبوك أحمد عندهم منك»(1) .

رأس الامام في يثرب :

وذهب اكثر المؤرخين إلى ان الطاغية بعث برأس ريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى يثرب لاشاعة الرعب والخوف ، والقضاء على كل حركة ضده ، وجيء بالرأس الشريف الى حاكم المدينة عمرو بن سعيد الأشدق فأنكر ذلك وقال :

«وددت واللّه إن امير المؤمنين لم يبعث إلينا برأسه»

وكان في مجلسه الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم فصاح به :

«بئس ما قلت : هاته»

وأخذ الوزغ الرأس الشريف وجعل يهز اعطافه بشرا وسرورا وهو يقول بشماتة :

يا حبذا بردك في اليدين ولونك الأحمر في الخدين

وجيء بالرأس العظيم فنصب في جامع الرسول (ص) وصرخت نساء آل أبي طالب ، وهر عن الى القبر الشريف ببكاء وعويل فقال مروان :

__________________

(1) تاريخ ابن عساكر 13 / 86 :

٤٢١

عجت نساء بني زبيد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب(1)

وراح مروان يبدي أفراحه حينما سمع عوبل الهاشميات قائلا :

«واللّه لكأني أنظر إلى أيام عثمان»(2)

والتفت الى قبر النبي (ص) فقال له :

«يا محمد يوم بيوم بدر»(3)

لقد ظهرت الأحقاد الأموية ، وظهر أنها لا تؤمن بالاسلام وانها محتفظة بجاهليتها الأولى وقد استوفت ثأرها من النبي (ص) بابادتها لعترته.

عودة السبايا الى كربلا :

وصرحت بعض المصادر أن سبايا آل البيت طلبوا من الوفد الموكل بحراستهم أن يعرج بهم إلى كربلا ليجددوا عهدا بقبر سيد الشهداء فلبى الوفد طلبهم فانعطفوا الى كربلا ، ولما انتهوا إليها استقبلن العلويات مرقد أبي عبد اللّه (ع) بالصراخ والعويل وسالت الدموع كل مسيل وقضين أياما ثلاثة كن من أثقل الليالي وأوجعها على اهل البيت فلم تهدأ لهم عبرة حتى بحت الأصوات وتفتت القلوب.

وتصرح بعض المصادر ان الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري

__________________

(1) غداة الأرنب : اراد ان نساء أهل البيت عججن بالبكاء كعجيج نساء قريش بمصاب من قتل في بدر.

(2) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان 5 / 101

(3) شرح النهج 4 / 72 ، وممن ذكر وصول الرأس الى يثرب البلاذري في انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، والقاضي نعمان المصري في المثالب والمناقب.

٤٢٢

قد وفد الى التشرف بزيارة قبر أبي عبد اللّه فالتقى به الامام زين العابدين وأخذ يحدثه عما جرى عليهم من صنوف الرزايا والنكبات ، ثم غادروا كربلا متوجهين الى يثرب(1) .

الى يثرب :

واتجه موكب اسارى أهل البيت الى يثرب فاخذ يجذ في السير لا يلوي على شيء وقد جللته الاحزان والآلام ، وقد غامت عيون بنات رسول اللّه (ص) بالدموع وهن ينحن على فقد الأحبة ويذكرن بمزيد اللوعة ما جرى عليهن من أسر الذل والهوان.

وكانت يثرب قبل قدوم السبايا إليها ترفل في ثياب الحزن على أم المؤمنين السيدة أم سلمة زوج النبي (ص) فقد ماتت بعد مقتل الحسين عليه السلام ، بشهر حزنا وكمدا عليه(2) وهي التي انبأت الناس عن مقتله.

نعي بشر للامام :

ولما وصل الامام زين العابدين بالقرب من يثرب نزل فضرب فسطاطه وأنزل عمامته واخواته ، والتفت إلى بشر بن حذلم فقال له :

__________________

(1) تفسير المطالب في أمالي أبي طالب (ص 93) الحدائق الوردية 1 / 133 ، الامام زين العابدين لأحمد فهمي (ص 59) مقتل الحسين لعبد اللّه ، مقتل المقرم.

(2) مرآة الزمان (ص 103)

٤٢٣

«يا بشر رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا ، فهل تقدر على شيء منه؟»

«بلى يا بن رسول اللّه اني لشاعر»

«ادخل المدينة وانع ابا عبد اللّه»

وانطلق بشر الى المدينة فلما انتهى الى الجامع النبوي رفع صوته مشفوعا بالبكاء وهو يقول :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فادمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

والرأس منه على القناة يدار

وهرعت الجماهير نحو الجامع النبوي وهي ما بين نائح وصائح تنتظر من بشر المزيد من الأنباء فالتفت إليهم وهو غارق في البكاء قائلا :

«هذا علي بن الحسين مع عماته واخواته قد حلوا بساحتكم ، وأنا رسوله إليكم اعرفكم مكانه».

وعج الناس بالبكاء وانطلقوا مسرعين يستقبلون آل الرسول (ص) الذي برّ بدينهم ودنياهم ، وانتشر الحزن وعمت الكابة جميع الأوساط ، فكان ذلك اليوم ، كما وصفه المؤرخون كاليوم الذي مات فيه رسول اللّه (ص)(1) وازدحم الناس على الامام زين العابدين وهم يعزونه بمصابه الأليم ، ويشاركونه الأسى واللوعة.

خطاب الامام زين العابدين :

ورأى الامام أن يحدث الناس بما جرى عليهم من عظيم الرزايا والنكبات ، وما عانوه من اسر الذل والهوان ولم يكن باستطاعته أن يقوم

__________________

(1) اللهوف (ص 116)

٤٢٤

خطيبا فقد ألمت به الأمراض ، وانهكته الآلام فجيء له بكرسي فجلس عليه ، فقال (ع) :

«اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ ، اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ ، مٰالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ » بارئ الخلق أجمعين ، الذي بعد فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور ، والم الفجائع ومضاضة اللواذع ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة ، الفادحة الجائحة.

أيها القوم : إن اللّه تعالى ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الاسلام عظيمة ، قتل أبو عبد اللّه الحسين وعترته ، وسببت نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عامل السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيها الناس ، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ، أم أية عين منكم تحبس دمعها ، وتضن عن انهما لها فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات باركانها والأرض بارجائها ، والاشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقربون ، وأهل السماوات أجمعون ،

أيها الناس : أي قلب لا ينصدع لقتله ، أم أي فؤاد لا يحن إليه ، أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام ولا يصم.

أيها الناس : أصبحنا مشردين مطرودين مذودين شاسعين عن الامصار كأننا أولاد ترك وكابل من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، ان هذا الا اختلاق ، واللّه لو ان النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فانا للّه وانا إليه راجعون من مصيبة

٤٢٥

ما أعظمها وأ فجعها واكظها وافظعها وامرها وأفدحها فعند اللّه نحتسب ما اصابنا وما بلغ فانه عزيز ذو انتقام».

وعرض الامام في خطابه إلى الخطوب السود التي عانتها الأسرة النبوية وما جرى عليها من الظلم الهائل وانبرى إليه صعصعة فألقى إليه معاذيره لأنه كان زمنا ، فقيل الامام عذره وترحم على أبيه ، ثم زخف الامام مع عماته واخواته إلى يثرب وقد احتفت به الجماهير وقد علا منها البكاء والصراخ ، ولما انتهوا إلى الجامع النبوي اخذت عقيلة آل أبي طالب بعضادتي باب المسجد ، وجعلت تخاطب جدها الرسول (ص) قائلة :

«يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين»(1) .

وخلدن بنات رسول اللّه الى الحزن فأقمن الماتم على سيد الشهداء وليسن السواد وأخذن يندبنه بأقسى واشجى ما تكون الندبة.

مكافأة الحرس :

وشكرن العلويات رئيس الحرس الذي قام برعايتهن من دمشق الى يثرب فقد قام لهن بخدمات جليلة تقضي مكافأته فقالت فاطمة بنت الامام امير المؤمنين لأختها زينب.

«لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟»

«واللّه ما معنا شيء نصله به إلا حلينا»

«نعم هو ما تقولين»

وأخرجتا سوارين ودملجين لهما ، وبعثنا بهما إليه ، واعتذرتا في أدب ، وتأثر الرجل من هذا الكرم الغامر وهو يعلم ما هن فيه من ضيق

__________________

(1) مقتل المقرم (ص 472)

٤٢٦

شديد ، فرده إليهما وقال باحترام :

«لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني ، ولكن واللّه ما فعلته الا للّه ولقرابتكم من رسول اللّه (ص)»(1)

حزن الامام زين العابدين :

وخلد الامام زين العابدين الى البكاء على أبيه ليلا ونهارا يقول الامام الصادق (ع) : ان جدي علي بن الحسين بكى على أبيه عشرين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى(2) وعذله بعض مواليه فقال له :

«إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين»

فقال له الامام برفق :

«يا هذا انما أشكو بثّي وحزني إلى اللّه ، واعلم من اللّه ما لا تعلمون ان يعقوب كان نبيا فغيب اللّه عنه واحدا من أولاده وعنده اثنا عشر ولدا وهو يعلم أنه حي فبكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن ، واني نظرت الى أبى واخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني؟ واني لا أذكر مصرع بني فاطمة الا خنقتني العبرة ، وإذا نظرت إلى عماتي واخواتي ذكرت فرارهن من خيمة الى خيمه»(3) .

ويزداد وجيب الامام ، وتتضاعف آلامه حينما كان ينظر إلى ديار أهله ، وهي خالية موحشة تنعى أهلها ، فقد رحلت عنها تلك الكواكب التي كانت تضيء للناس حياتهم الفكرية والاجتماعية ، وفيها يقول الشاعر :

__________________

(1) تاريخ الطبري 6 / 266 ، ابن الأثير 3 / 300

(2) الامام زين العابدين لأحمد فهمي (ص 31)

(3) مقتل المقرم (ص 47) وقريب منه جاء في حلية الأولياء 3 / 138

٤٢٧

مررت على أبيات آل محمد

فلم أر مثلها يوم حلت

فلا يبعد اللّه الديار وأهلها

وإن اصبحت منهم برغم تخلت

وفيها يقول دعبل الخزاعي :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

لوعة الهاشميين :

وحزن الهاشميون على سيد الشهداء كأشد ما يكون الحزن واللوعة فاستمروا في النياحة عليه ثلاث سنين وكان مسور بن مخرمة وابو هريرة والمشيخة من أصحاب رسول اللّه يأتون متسترين فيستمعون ندبتهم ، ويبكون بكاء مرا(1) .

حزن العقيلة :

وخلدت عقيلة آل أبي طالب الى البكاء والنياحة على انقراض أهلها(2) وكانت لا تجف لها عبرة ، ولا تفتر عن البكاء ، وكلما نظرت الى ابن اخيها زين العابدين يزداد وجيبها وحزنها(3) وقد نخبت المصائب قلبها حتى صارت كأنها جثة هامدة ، ولم تبق بعد الكارثة الا سنتين حتى سمت روحها الى الرفيق الأعلى.

__________________

(1) دعائم الاسلام 1 / 230

(2) الوافي في المسألة الشرقية 1 / 43

(3) مقتل الحسين لعبد اللّه

٤٢٨

لوعة الرباب :

ووجدت عليه زوجته الرباب وجدا شديدا ، وحزنت عليه حزنا عميقا ، وقد ابدت من الوفاء ما لم ير مثله ، وقد خطبها الاشراف من قريش فأبت وقالت : ما كنت لاتخذ حموا بعد رسول اللّه (ص) وبقيت بعده سنة لم يظلها سقف حتى ماتت كمدا(1) ويقول المؤرخون انها رثته رثاء حزينا فقالت فيه.

ان الذي كان نورا يستضاء به

بكربلاء قتيل غير مدفون

سبط النبي جزاك اللّه صالحة

عنا وحبيت خير الموازين

قد كنت جبلا صعبا الوذ به

وكنت تصحبنا بالرحم والدين

من لليتامى ومن للسائلين ومن

يغني ويأوي إليه كل مسكين

واللّه لا ابتغي صهرا بصهركم

حتى اغيب بين الرمل والطين(2)

ويقول بعض المؤرخين إنها اقامت على قبره الشريف سنة ثم انصرفت وهي تقول :

الى الحول ثم السلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

وهذا القول بعيد فان العائلة الحسينية بعد اليوم العاشر كلها رحلت من كربلا ، ولم يتخلف احد منها حسب ما اجمع عليه المؤرخون.

وبلغ من وفاء ازواجه ان زوجته السيدة عاتكة بنت زيد بن عمرو ابن نفيل كانت تنوح عليه ، وقد رئته بذوب روحها قائلة :

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 300 ، جواهر المطالب (ص 141)

(2) الاغاني 14 / 158

٤٢٩

وا حسينا فلا نسيت حسينا

اقصدته اسنة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعا

لا سقى الغيث بعده كربلاء(1)

احزان أم البنين :

وخلدت أمّ البنين الى البكاء والنياحة على ابنائها البررة الذين استشهدوا مع اخيهم الحسين فقد نخب الحزن قلبها ، وراحت تبكيهم بذوب روحها ويقول بعض المؤرخين : انها كانت تخرج الى البقيع فتندبهم بأشجى وأوجع ما تكون الندبة ، وكان الناس يجتمعون حولها فيسمعون رثاءها الحزين لابنائها فيبكون ، وكان ممن يجيء لذلك مروان بن الحكم فيتأثر على قساوة قلبه وشدة عداوته لأهل البيت(2) وقد نفى المحقق العلامة المغفور له السيد عبد الرزاق المقرم أن تكون أم البنين حية بعد كارثة كربلا ، وانها توفيت قبل ذلك(3) وقد صرح ابو الفرج وغيره من المعنيين بهذه البحوث بأنها كانت حية.

مصير الرأس العظيم :

وانطوت السنون والاجيال والناس يتساءلون بلهفة أين دفن رأس الحسين؟ بعد ما أصبح جسده الطاهر مزارا في كربلا يطيف به الناس

__________________

(1) معجم البلدان 4 / 244

(2) مقاتل الطالبيين

(3) مقتل الحسين (ص 420 ـ 224)

٤٣٠

متفقين ومختلفين ، وقد كثرت أقوال المؤرخين في المكان الذي حظي به وهذه بعضها :

1 ـ في كربلا :

والمشهور عند الشيعة الامامية ان الرأس العظيم اعيد الى كربلا ، ودفن مع الجسد الطاهر ، وقد ذكر السيد رضي الدين علي بن طاوس ان عمل الطائفة على ذلك(1) وممن نص على ذلك المجلسي(2) وابن نما(3) كما اشتهر ذلك عند فريق كبير من علماء السنة منهم الشبراوي(4) وابن الجوزي(5) والبيروني(6) والقزويني(7) وغيرهم ومما لا شبهة فيه ان علماء الشيعة الامامية معنيون بالاهتمام والبحث عن هذه الجهة اكثر من غيرهم ، فهم ادرى بواقع الحال واكثر وقوفا عليه من أي باحث آخر.

أما كيفية نقل الرءوس الشريفة الى كربلا ودفنها مع الاجساد الطاهرة ففيما نحسب انه يحتمل أحد أمرين :

الأول ـ ان الامام زين العابدين التمس من يزيد أن يسمح له

__________________

(1) اللهوف (ص 112)

(2) البحار ، اعلام الورى

(3) مثير الاحزان (ص 58)

(4) الاتحاف بحب الأشراف (ص 12)

(5) تذكرة الخواص (ص 150)

(6) الآثار الباقية 1 / 331

(7) عجائب المخلوقات (ص 67)

٤٣١

بذلك فاجابه إليه ، وقد اخذ يزيد يتطلب مرضاة الامام بعد ان نقم عليه عليه المسلمون وكرهوا خلافته ، وعلى هذا فيطرح ما روي ان الامام (ع) لما طلب منه ان يريه وجه أبيه فلم يجبه إلى ذلك ، ويحتمل انه أجابه إليه بعد رفضه.

الثاني ـ ان الامام زين العابدين طلب من حاكم المدينة حينما حملت إليه الرءوس أن يواريها مع الأجسام فأجابه الى ذلك ، فأخذها ورجع الى كربلا وواراها مع الاجساد الطاهرة.

2 ـ في البقيع :

وذهب فريق من المؤرخين الى ان الرأس الشريف دفنه حاكم المدينة في البقيع الى جانب أمه (ع)(1) .

3 ـ في النجف :

واثرت مجموعة من الاخبار عن الامام الصادق (ع) تنص على أن الرأس الشريف دفن في الغري ، وهذه بعضها :

1 ـ روى عمرو بن طلحة قال : قال لي أبو عبد اللّه (ع) :

وهو بالحيرة أما تريد ما وعدتك قلت : بلى ـ يعني الذهاب الى قبر امير المؤمنين (ع) قال فركب وركب اسماعيل وركبت معهما حتى اذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل اسماعيل

__________________

(1) شذرات الذهب 1 / 67 ، مرآة الجنان 1 / 146 ـ 136 ، البداية والنهاية 8 / 204 ، وسيلة المال (ص 194) المنتظم.

٤٣٢

ونزلت معهما فصلى وصلى اسماعيل وصليت فقال لإسماعيل : قم فسلم على جدك الحسين ، فقلت ، جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟ فقال : نعم ، ولكن لما حمل رأسه سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين(1) .

2 ـ روى ابان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبد اللّه (ع) فمر بظهر الكوفة فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا فصلى ركعتين ، ثم سار قليلا فنزل فصلى ركعتين ، ثم قال هذا موضع قبر امير المؤمنين ، قلت : والموضعين اللذين صليت فيهما قال : موضع رأس الحسين وموضع منزل القائم(2) .

3 ـ روى علي بن اسباط بسنده قال : قال ابو عبد اللّه (ع) : إنك اذا أتيت الغري رأيت قبرين قبرا كبيرا وقبرا صغيرا ، اما الكبير فقبر امير المؤمنين (ع) وأما الصغير فرأس الحسين (ع)(3) .

هذه بعض الأخبار التي تصرح بأن الرأس الشريف قد دفن في الغري ولكن التعبير في بعضها بأنه موضع الرأس لا يدل على أنه قد دفن فيه.

4 ـ في دمشق :

وذهب جمهور من المؤرخين الى أن الرأس الشريف قد دفن في دمشق ، وقد اختلفوا في المكان الذي حظي به وهذه بعض الأقوال :

__________________

(1) وسائل الشيعة 10 / 310

(2) فروع الكافي 4 / 572

(3) وسائل الشيعة 10 / 311

٤٣٣

أ ـ ذفن في حائط بدمشق

ب ـ في دار الامارة

ج ـ في المقبرة(1)

د ـ في داخل باب الفراديس ، ويعرف بمسجد الرأس(2)

ه‍ ـ في جامع دمشق(3)

وهناك أقوال أخر غير هذه

5 ـ في فارس :

ذكر ذلك احمد عطية(4) وهو قول شاذ لم يذكره أحد من المؤرخين.

6 ـ في مصر :

وذهب بعض المؤرخين إلى أن الرأس الشريف قد حظيت به القاهرة أما كيفية نقله لها ففيها قولان :

1 ـ ما ذكره الشعراني أن العقيلة زينب (ع) نقلته الى مصر ودفنته فيه(5) وهذا القول شاذ لا يعول عليه.

__________________

(1) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) البداية والنهاية 8 / 204

(3) تأريخ الصحابة (ص 14) لابن حيان احمد التميمى مخطوط

(4) دائرة المعارف الحديثة (ص 152)

(5) الطبقات 1 / 23

٤٣٤

2 ـ ما أفاده المقريزي انه نقل من عسقلان إلى مصر سنة (548 هـ) في اليوم العاشر من شهر جمادى الآخرة ، وقد نقله سيف المملكة مع القاضي المؤتمن بن مسكين ، وجرى له استقبال ضخم(1) .

هذه بعض الأقوال التي ذكرت في مواراة الرأس العظيم ، وقد شيد في اغلبها مزار يطوف به المسلمون ، وهو من مواضع الاعتزاز والفخر لكل بلد حظي بهذه النسبة.

وعلى أي حال فالحسين قائم في عواطف الناس وقلوبهم ففي اعماق النفوس قبره وذكره فهو اسمى صورة قدسها الناس في جميع الأحقاب والآباد.

وقد سئل أبو بكر الآلوسي عن موضع رأس الحسين فقال :

لا تطلبوا رأس الحسين

بشرق أرض أو بغرب

ودعوا الجميع وعرجوا

نحوي فمشهده بقلبي(2)

وقال الحاج مهدي الفلوجي :

لا تطلبوا رأس الحسين فانه

لا في حمى ثاو ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدلكم

في أنه المقبور وسط فؤادي(3)

لقد احتل الامام الحسين عليه السلام مشاعر الناس وثوى في أفئدتهم فهاموا في حبه وتقديسه ، وقد فجعوا بما جرى عليه من عظيم الرزايا والخطوب ، وظلت رزيته تنخر في القلوب ، وتذوب النفوس من هولها

__________________

(1) نور الابصار (ص 121).

(2) البابليات 3 / 128

(3) شعراء الحلة 5 / 371

٤٣٥

أسى وحزنا ، وهم يحجون لكل مرقد يحمل شرف الانتساب بأنه مرقد رأس الامام عليه السلام ، وقد ازدحم المرقد العظيم بالقاهرة بالزائرين وهم يتبركون به ، ويعدون زيارته من أفضل الطاعات والقربات إلى اللّه تعالى.

٤٣٦

معطيات الثّورة

٤٣٧
٤٣٨

وليس في تاريخ هذه الدنيا ثورة هزت العالم ، ومجدت الحق ، وسجلت فخرا للانسان مثل ثورة الامام الحسين ، فجميع فصولها نور ، وكل آفاقها شرف ومجد ، وقد حفلت بالدروس الخالدة عن العقيدة التي لا تضعف ، والايمان الذي لا يقهر ، والإباء الذي لا يذل. وقد فتحت لأمم العالم وشعوب الأرض عصرا جديدا اتسم بروح الثورة والتمرد على الظلم والطغيان ، ومقاومة الاضطهاد ومناهضة الفساد :

لقد كانت ثورة ابي الأحرار هي الثورة الاولى في التاريخ البشري وذلك بما حققته من المكاسب على الصعيد الفكري والاجتماعي والسياسي والتي كان من بينها.

انتصار القضية الاسلامية :

واحرز الامام العظيم بشهادته النصر الهائل الذي لم يحرزه أي ثائر في الأرض فقد انتصرت أهدافه ومبادئه التي ناضل من اجلها ، وكان من أهمها انتصار القضية الاسلامية في صراعها السافر مع الأموية التي عبثت بمقدرات الاسلام ، وراحت تستأصل جميع جذوره حتى لا يعد له أي ظل على واقع الحياة ، وقد اخذ الحسين على عاتقه مصير الدين الاسلامي فاستشهد في سبيله ، وقد اعاد سلام اللّه عليه للاسلام نضارته ، وأزال عنه الخطر الجاثم عليه ، يقول الفيلسوف الألماني ماريين : «لا يشك صاحب الوجدان اذا دقق النظر في أوضاع ذلك العصر وكيفية نجاح بني أمية في مقاصدهم ، واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين ان الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الاسلام ، ولو لم تقع تلك الواقعة ، ولم تظهر تلك الحسيات الصادقة بين المسلمين ولو لا قتل الحسين لم يكن الاسلام على ما هو عليه قطعا ، بل كان من الممكن ضياع

٤٣٩

رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد» :

ويكفي الحسين ربحا في شهادته انه احيا الاسلام وفداه بدمه ، وقد المع الى ذلك الامام زين العابدين حينما سأله ابراهيم بن طلحة بن عبد اللّه فقال له :

«من الغالب؟»

(اذا دخل وقت الصلاة فاذن واقم تعرف الغالب»(1)

لقد كان الحسين هو المنتصر والغالب لأنه اعاد للاسلام حياته ونضارته فكان هو المجدد ولعل الرسول الأعظم (ص) عنى هذه الجهة بقوله :

«حسين مني وأنا من حسين»

انه لو لا تضحية الحسين (ع) أضاعت جميع جهود الرسول (ص) وما جاء به من خير وبركة ورحمة للناس فان بني أمية حملوا معول الهدم على جميع المبادئ التي جاء بها هذا الدين فاعلنوا الكفر والالحاد وساسوا الناس بسياسة لا ظل فيها لحكم القرآن.

هزيمة الأمويين :

وكان من أوليات ما احرزه الامام من الانتصارات الرائعة هزيمته للامويين ، فقد نسفت تضحيته جميع الأسس والقواعد التي اقامها معاوية لتوطيد الملك في آل أبي سفيان ، يقول بعض الكتاب : «ان ما بناه معاوية لابنه يزيد في اعوام هدمه الحسين في أيام ، ونظر الناس الى الخليفة نظرة الافن والاستهتار فنفر المسلمون من سياسته ، ولصوق هذا بدولتهم ووسمه الواسمون بسمات الخديعة والمكر والظلم والجور ، وذلك كله

__________________

(1) أمالي الشيخ الطوسي

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496