حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسين عليه السلام0%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 496

حياة الامام الحسين عليه السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
تصنيف:

الصفحات: 496
المشاهدات: 289905
تحميل: 5187


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 289905 / تحميل: 5187
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء 3

مؤلف:
العربية

بفضل هدي الحسين ، وحسن سمته ، وما رسمه من سياسة حكيمة في الوقوف أمام ظلمهم ، وما اختطه من خطة قويمة في دفع عنتهم وبغيهم وما أبداه في حركاته من حزم وايثار»(1) .

لقد أطاح الامام بنهضته المباركة بتلك الرءوس التي نفخها الكبر واثقلها الغرور ، واعماها الطيش ، يقول السيد مير علي الهندي : «إن مذبحة كربلا قد هزت العالم الاسلامي هزا عنيفا مما ساعد على تقويض دعائم الدولة الأموية»(2) .

[مظاهر هزيمة الأمويين]

أما مظاهر الهزيمة الأموية بعد قتل الامام (ع) فهي :

أ ـ تجريدهم من الواقع الاسلامي

لقد عملت مجزرة كربلا الرهيبة على تجريد الأمويين من الاطار الاسلامي ، وأثبتت أنهم على وثنيتهم وجاهليتهم ، فان ما جرى على آل الرسول (ص) من الابادة الشاملة بعد أن حرمت عليهم القيادة العسكرية الماء ، وما جرى على ريحانة رسول اللّه (ص) من التمثيل بعد القتل ، وسبي حرائر النبوة وعقائل الوحي يطاف بهن من بلد الى بلد ، وهن بحالة تقشعر منها الأبدان ليظهروا قهر آل النبي (ص) ، وابداء التشفي منهم أمام الرأي العام ، وما تمثل به يزيد من الشعر الذي انكر فيه نبوة الرسول (ص) وانه انما أباد عترته طلبا بثأر من قتل من الأمويين في واقعة بدر كل ذلك قد جرد الأمويين من كل نزعة اسلامية ، ودلل على مروقهم من الدين.

__________________

(1) ريحانة الرسول (ص 176)

(2) مختصر تاريخ العرب

٤٤١

ب ـ شيوع النقمة والانكار عليهم

وكان من مظاهر الهزيمة الساحقة التي مني بها الأمويون شيوع النقمة والانكار عليهم في جميع الاوساط فقد تعالت موجات عارمة من الانكار على يزيد حتى من عائلته واسرته ، وقد فزع من ذلك كأشد ما يكون الفزع ، وندم على ما اقترفه ، وساءت العلاقة بينه وبين ابن مرجانة فيما بقول المؤرخون.

ه‍ ـ تحول الخلافة عن بني أمية

وهزمت ثورة الامام الحكم الاموي ، ونسفت جميع معالمه ، وجعلته يعيش في ثورات متلاحقة قامت بها الشيعة ، وغيرهم حتى انهار صرح ذلك الحكم الأسود بقيام الدولة العباسية ، وسنذكر عرضا لذلك.

التدليل على واقع أهل البيت :

ودللت ثورة أبي الشهداء (ع) على الواقع المشرق لأهل البيت ، وكشفت للعالم الاسلامي الطاقات الهائلة التي يملكونها من الثبات على الحق والصمود أمام الأحداث ، وتبني القضايا المصيرية للأمة ، مما جعلت جمهرة المسلمين يكنون لهم أعظم الود وخالص الحب والولاء.

لقد اظهرت كارثة كربلا للعيان أن أهل البيت هم المثل الأعلى للقيادة الروحية والزمنية لهذه الأمة ، وانهم الرواد للحق والعدل في الأرض.

٤٤٢

تركيز التشيع :

ومن معطيات الثورة الحسينية انها ركزت التشيع في اطاره العقائدي واصبح عقيدة راسخة في نفوس الشيعة ، يقول فيليب حتى : «لقد ولدت الشيعة في اليوم العاشر من المحرم ، ومن ذلك اليوم اصبحت الامامة في سلالة علي قاعدة من قواعد العقيدة الشيعية ، كما كانت نبوة محمد (ص) قاعدة من قواعد الاسلام(1) ويقول بعض المستشرقين : «لو لا مقتل الحسين لما كانت هناك شيعة في الاسلام»(2) ويقول سترثمان : لقد كانت دماء الحسين التي سالت على سيوف القوات الحكومية هي النواة التي انبتت العقيدة الشيعية اكثر من دماء علي الذي اغتالته يد متامر خارجي».

ويقول الشيخ التستري : انه لو لم يتحمل الحسين لهذه المصائب لم يظهر دين للشيعة ، وذلك لأن بني أمية لما استولوا على البلاد واظهروا الفساد ، وسعوا في اخفاء الحق ، حتى شبهوا الأمر على الناس ، فجعلوا سب علي من اجزاء الصلاة ، وادخلوا في اذهان الناس أن بني أمية أئمة الاسلام ، ورسخ ذلك في عقائد الناس من زمن طفولتهم حيث انهم القوا ذلك الى المعلمين ليفدوا الاطفال في مكاتبهم ومدارسهم ، فاعتقد الناس حقيقة ان هؤلاء أئمة الدين ، وان مخالفهم على ضلال. ولما قتل الحسين بتلك الكيفية وسبيت عياله تنبه الناس الى أن هؤلاء لو كانوا أئمة حق ما فعلوا ذلك ، وان فعلهم لا يطابق دينا ولا مذهبا ولا عدلا ولا يطابق جور الجائرين(3) .

__________________

(1) تاريخ العرب 1 / 237

(2) الحسين بن علي لعمر ابو النصر (ص 10)

(3) خصائص الحسين (ص 89)

٤٤٣

لقد اذكت تلك الدماء الزاكية روح الولاء والاخلاص لأهل البيت عند جمهور المسلمين ، وقد انضم تحت لوائهم في ذلك العصر الكثيرون ممن كانوا يقفون موقف الحياد بين الأحزاب المتطاحنة على الحصول على الحكم(1) ان ما جرى على ريحانة رسول اللّه (ص) من المصائب المذهلة قد حير العقول ، وطاش بالألباب ، واذهل كل كائن حي.

توحيد صفوف الشيعة :

وعملت كارثة كربلا على توحيد صفوف الشيعة ، وخلق روح التضامن فيما بينهم بعد أن كانوا ينقصهم الحماس وبذل النفس في الدفاع عما يؤمنون به من أن الخلافة حق شرعي خاص لأهل البيت وقد تبدل ذلك الشعور فكانوا أقوى قوة فعالة تصدت للاطاحة بحكم الأمويين ، فقد هبوا جميعا وشعارهم :

«يا لثارات الحسين»

يقول بعض الكتاب : «لقد كان هذا الحادث البشع المنكر مذكيا للتشيع إلى أقصى حد ، وكان عاملا على وحدة الشيعة وحماسهم لنصرة مذهبهم ، وسببا في ثوراتهم الجارفة ليثأروا من قتلة الحسين»(2) .

واكد ذلك بروكلمان بقوله : «لقد اذكت تلك الدماء التي روت أرض كربلا روح التشيع في نفوس الشيعة ، وجعلتهم يشعرون بوجوب توحيد صفوفهم».

__________________

(1) اتجاهات الشعر العربي (ص 30)

(2) أدب السياسة في العصر الأموي (ص 40).

٤٤٤

لقد اثارت مذبحة كربلا العواطف والأحزان في نفوس الشيعة وجعلتهم يؤمنون قبل كل شيء بضرورة اتحادهم للأخذ بثأر الامام العظيم الذي ثار من أجل العدل واعادة حقوق المظلومين والمضطهدين.

تكوين الحس الاجتماعي :

وعملت نهضة الامام على تكوين الحس الاجتماعي وخلق روح الثورة في النفوس ، وقد تغيرت الأمة تغييرا كاملا فتسلحت بعد خمودها بقوة الايمان وقوة العزم والتصميم ، وتحررت من جميع السلبيات التي كانت ملمة بها ، فقد اخذت تنادي بحقوقها ، وتعمل جاهدة على اسقاط الحكم الأموي ، وهي تقدم ـ بسخاء ـ القرابين في ثورات متلاحقة تمثل سخطهم العارم وكراهيتهم الشاملة لبني أمية ، ولم يعد هناك أي ظل للخوف والفزع فيهم ، حتى اكتسحت مشاعر الزهو الأموي ، واطاحت بجبروت الأمويين وطغيانهم.

لقد قلبت ثورة الامام الحسين مفاهيم الخوف والخنوع التي كانت سائدة في الأمة الى مبادئ الثورة والنضال والتحرر من ربقة الذل والعبودية ، فقد أعطاهم الامام قوة دافعة ، وامدهم بروح وثابة لمقارعة الظلم والطغيان.

تفجير المواهب :

ومن معطيات الثورة الحسينية انها فجرت المواهب والعبقريات ، فبرزت طاقات هائلة من الأدب الرفيع في طليعة الأدب العالمي رقة

٤٤٥

وروعة وجمالا.

لقد حفل أدب الثورة الحسينية بأروع ما حفل به الأدب السياسي في الاسلام ، ففيه مناجم اخاذة تعد من أوفر المناجم الفكرية عطاء واغزرها فنا ، ومن بين ما حفل به.

أولا ـ الاشاده بالعدالة الاجتماعية والقيم الانسانية التي ناضل من أجلها الامام العظيم.

ثانيا ـ شجب الظلم ومقارعة الطغيان ، ومناهضة الغرور والطيش

ثالثا ـ بعث المجتمع نحو العزة والإباء اقتداء بالامام الحسين سيد الأباة ورائد الكرامة الانسانية.

رابعا ـ عرض الاتجاهات الفكرية والعقائدية التي يحملها الامام العظيم.

خامسا ـ تمجيد الامام بما لم يمجد به أحد من شهداء الاصلاح الاجتماعي ، فقد تفاعلت مبادئه مع عواطف شعراء الشيعة ، وأدركوا المد الانساني في نهضته الخالدة فراحوا يقدسونه باروع ما يقدس به أي مصلح اجتماعي في الأرض.

سادسا ـ الحط من الأمويين والتشهير بجرائمهم المعادية للاسلام.

سابعا : عرض ما جرى على أهل البيت من المحن والخطوب يقول السيد محمد سيد الكيلاني : «جاء الأدب الشيعي صورة صادقة لما وقع على العلويين من اضطهاد. ويقول : كانت مجزرة كربلا التي قتل فيها الحسين وما حل بالعلويين بعدها دافعا قويا للشعراء انطقهم بكثير من القصائد التي تسيل العبرات ، وتذيب القلوب وتفتت الأكباد : ولا غرابة في ذلك فهي صدى لتلك الدماء التي سفكت بغير حساب ، والأشلاء التي تناثرت ، وتركت على الأرض طعاما للطير وقد كثر الشعر في

٤٤٦

رثاء آل البيت كثرة هائلة. وكله صادر من أعماق النفوس ، منبعث من قرارة الأفئدة ، فكان للأدب العربي من ذلك ثروة لا تقدر»(1)

ثامنا ـ جمال الروعة في ادب الثورة الحسينية وحرارة العاطفة ، يقول بعض الكتاب : والشعر الذي رثي فيه الحسين حار ملتهب لأنه تعبير عن عواطف قوية ، وتنفيس عن نفوس متأججة ثائرة فهم غضاب ساخطون لأن بني أمية سلبوهم حقهم وغصبوهم مكانهم فصوروا غضبهم في شعر حانق على الأمويين(2) .

ان الشعر الحسيني يمثل الصدق في وصف العاطفة الملتهبة وان أصحابه لم يكونوا متكلفين ولا منتحلين ، وانما كانوا متألمين كأشد ما يكون التألم فيصفون الامام وصفا صادقا. لقد كان ذلك الادب الحي من اثري الوان الأدب العالمي ، ومن أبرز القيم الثقافية في الاسلام.

ومما تجدر الاشارة إليه الى أن الأدب الحسيني لم يصطبغ بهذه الصبغة ويتبوّأ مكانه الأعلى في الأدب الاسلامي الا بعد حقبة طويلة من الزمن ولعل السبب في ذلك يرجع إلى ما ذكره ابو الفرج الى أن الشعراء كانوا لا يقدمون على رثاء الحسين مخافة من بني أمية.

منابر الوعظ والتوجيه :

ومن أروع النتائج التي حققتها ثورة أبي الأحرار هي المنابر الحسينية التي أصبحت منطلقا لتوجيه الامة وارشادها وذلك بما يبثه السادة الخطباء من الوعظ والارشاد وعرض مأساة أبي الشهداء التي هي من اروع الدروس

__________________

(1) أثر التشيع في الأدب العربي (ص 23)

(2) أدب السياسة (ص 189)

٤٤٧

وأثمنها للتضحية في سبيل الحق والعدل ، وقد وصف الكاتب الالماني مارتن هذه المنابر بأنها من أهم الاسباب لتقدم المسلمين إن هم أحسنوا تنظيمها والاستفادة منها ، إن مأساة أبي عبد اللّه (ع) جزء لا يتجزأ من رسالة الاسلام وهي تمثل كفاحه ونضاله ضد الطغاة ووقوفه الى جانب المظلومين والمضطهدين ، ويقول جون اشرا : ان مأساة الحسين تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي(1) .

إن المنابر الحسينية من أهم المكاسب ومن اروع المعطيات في ثورة أبي الشهداء (ع) فقد عملت على غرس النزعات الخيرة في النفوس وابعادها عن عوامل الشذوذ والانحراف ، وتوجيهها الوجهة الصالحة التي تتسم بالاستقامة وحسن السلوك ، كما انها من المدارس السيارة لنشر الايمان باللّه واذاعة القيم الاسلامية بين الناس.

امتداد الثورة :

لقد أثارت كارثة كربلا موجة رهيبة من القلق النفسى والانفعالات العميقة سيطرت على نفوس المسلمين ، ودفعتهم إلى العمل السياسي والتكتل الاجتماعي للاطاحة بالحكم الاموي «والانتقام من السفكة المجرمين.

لقد كانت الارض تستعر حربا منذ قتل الحسين(2) فقد هبت الشعوب الاسلامية كالمارد الجبار وهي تعلن سخطها العارم على الحكم الاموي وتعمل على سقوطه ، ومن بين هذه الثورات :

__________________

(1) رحلة الى العراق

(2) الذهب المسبوك للمقريزي (ص 27)

٤٤٨

1 ـ ثورة عبد اللّه بن عفيف :

وهي أول ثورة في الكوفة بعد قتل الامام مباشرة ، قام بها البطل العظيم عبد اللّه بن عفيف الازدي ، فكان أول من اطلق شرارة الثورة وأحال النصر الكاذب الذي احرزه ابن مرجانة الى هزيمة ، وقد تحدثنا عن فصولها في البحوث السابقة.

2 ـ ثورة المدينة :

والشيء المحقق أن الثورة في يثرب كانت امتدادا لثورة أبي الشهداء (ع) فقد كانت النفوس تغلي كالمرجل غيظا وحنقا على يزيد لانتهاكه حرمة رسول اللّه (ص) في قتله لعترته وسبيه لذراريه.

وقد أفعمت القلوب حزنا وألما حينما رجعت سبايا أهل البيت (ع) إلى المدينة وجعلت تقص على أهلها ما جرى على ريحانة رسول اللّه (ص) من عظيم الرزايا وفوادح الخطوب ، وما عانته عقائل النبوة ومخدرات الوحي من الأسر والسبي.

لقد كانت شقيقة الحسين وحفيدة الرسول (ص) زينب تلهب العواطف للطلب بثأر أخيها.

وقد رأى اهل المدينة أن الخروج على يزيد واجب شرعي فخلعوا بيعته رسميا وأعلنوا الثورة على حكومته ، وقد عهد يزيد الى المجرم الاثيم مسرف بن عاقبة المري باحتلال يثرب وضم إليه جيشا مكثفا قوامه اثنا عشر الفا من اهل الشام ، وقد أمره أن يبيحها لجنده ثلاثة أيام يصنعون بأهلها ما يشاءون وينهبون من أموالهم ما يحبون.

٤٤٩

وزحف مسرف بجنوده الى المدينة فاحتلها ، وقد أباحها لجنده ثلاثة أيام فقتلوا ونهبوا واستباحوا كل ما حرمه اللّه ، ثم أخذ البيعة من أهلها على أنهم خول ليزيد ، ومن أبي ضربت عنقه ، وقد حدثت من الرزايا في تلك الواقعة ما تذوب منه النفوس ، وقد ذكر المؤرخون صورا مروعة ومحزنة مما حل بالمدنيين فكانت هذه الكارثة كفاجعة كربلا وقد دفعت الشعوب الاسلامية إلى التكتل السياسي للعمل ضد الحكم الأموي والاطاحة به.

3 ـ ثورة التوابين :

وندم أهل الكوفة أشد الندم على خذلانهم للامام وجعلوا يتلاومون على ما اقترفوه من عظيم الاثم وقد أجمعوا على اقرارهم بالذنب في خذلانه ولزوم التكفير عنه بالمطالبة بثأره وقد خاطب أحدهم ابنته فقال لها :

يا بنية إن أباك يفر من ذنبه إلى ربه(1) وقد عقدوا مؤتمرا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، وهو شيخ الشيعة وصاحب رسول اللّه (ص) وذو السابقة والقدم في الاسلام ، فقد تداولوا الحديث فيما بينهم ورأوا أنه لا يغسل عنهم العار والاثم الا بقتل من قتل الحسين (ع).

وقد القيت في قاعة الحفل عدة خطب حماسية وهي تدعو الى التلاحم ووحدة الصف للأخذ بثأر الامام العظيم ، وكان انعقاد المؤتمر فيما يقول المؤرخون في سنة (61 هـ)(2) وهي السنة التي قتل فيها الحسين.

__________________

(1) تأريخ الطبري

(2) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

٤٥٠

قرارات المؤتمر :

واتخذ المؤتمر بالاجماع عدة قرارات ومن بينها

1 ـ انتخاب سليمان بن صرد قائدا عاما للثورة ليتولى وضع المخططات السياسية والعسكرية.

2 ـ مراسلة المناطق التي تضم الشيعة في العراق وخارجه واعلامها بما أجمعوا عليه من الأخذ بثأر الامام والمطالبة بالانضمام إليهم.

3 ـ تأجيل الثورة إلى مدة أربع سنين على أن تكون السنوات الأربع فترة تأهب واستعداد للقتال.

4 ـ أن تكون النخيلة هي المركز الرئيسي الذي تعلن فيه الثورة.

5 ـ احاطة الثورة بالسر والكتمان.

وتفرق اعضاء المؤتمر وكان عددهم فيما يقول المؤرخون مائة شخص وقد أخذوا يواصلون العمل فيجمعون التبرعات لشراء الأسلحة ، ويدعون الناس إلى الالتفاف حولهم والانضمام إليهم.

اعلان الثورة :

وفي سنة (65 هـ) اعلن التوابون ثورتهم العارمة على الحكم الاموي وكان عددهم فيما يقول المؤرخون أربعة آلاف ، وقد أرسل زعيم الثورة سليمان بن صرد الى الكوفة الحكيم بن منقذ الكندي ، والوليد بن عصير الكناني وامرهما أن يجوبا في مدينة الكوفة ويناديا بشعار الثورة.

«يا لثارات الحسين»

٤٥١

وحينما انتهيا إليها ناديا بذلك ، ولأول مرة دوى هذا النداء المؤثر في سماء الكوفة فكان كالصاعقة على رءوس السفكة المجرمين ، كما كان بلسما لقلوب المؤمنين والمسلمين ، وقد التحق قسم كبير من الناس بالنخيلة فخطب فيهم سليمان بن صرد خطابا مؤثرا ، واعرب لهم أنه لا ينشد مغنما أو مكسبا ، وانما يلتمس وجه اللّه والدار الآخرة ، ويرجو أن يكفر اللّه عنه وعن اخوانه ما اقترفوه من عظيم الذنب في خذلانهم لريحانة رسول اللّه (ص).

في كربلا :

وصمم التوابون على المضي الى كربلا لزيارة قبر أبي الشهداء (ع) ليعلنوا التوبة الى اللّه عند مرقده.

وسارت كتائب التوابين إلى كربلاء فلما وصلوا إليها صاحوا صيحة واحدة «يا حسين» واغرقوا بالبكاء والنحيب ، واخذوا يتضرعون الى اللّه ليتوب عليهم ، ويغفر لهم ، وقد قالوا عند ضريح الامام :

«اللهم ارحم حسينا الشهيد ابن الشهيد ، المهدي ابن المهدي ، الصديق ابن الصديق.

اللهم انا نشهدك أنا على دينهم وسبيلهم ، وأعداء قاتليهم ، وأولياء محبيهم.

اللهم انا خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لنا ما مضى منا ، وتب علينا فارحم حسينا وأصحابه الشهداء الصديقين ، وانا نشهدك انا على دينهم وعلى ما قتلوا عليه ، وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين»(1) .

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 /

٤٥٢

وازدحموا على القبر الشريف اكثر من الازدحام على الحجر الأسود وهم يبكون ويتضرعون إلى اللّه ليغفر ذنوبهم ويمنحهم التوبة ، ثم رحلوا إلى الأنبار.

في عين الوردة :

وسارت كتائب التوابين حتى انتهت الى عين الوردة فاقامت فيها وزحفت إليهم جنود أهل الشام والتحمت معهم التحاما رهيبا ، وجرت بينهما اعنف المعارك واشدها ضراوه ، ومني الجيشان بخسائر كبيرة في الأرواح ، واستشهد قادة التوابين كسليمان بن صرد ، والمسيب بن نجبة وعبد اللّه بن سعد وغيرهم.

ولما رأى التوابون أنهم لا قدرة لهم على مقابلة أهل الشام ، تركوا ساحة القتال ، ورجعوا في غلس الليل إلى الكوفة ، ولم تتعقبهم جيوش أهل الشام ، وقد مضى كل إلى بلده ، وانتهت بذلك معركة التوابين ، وقد ادخلت الفزع على الأمويين ، وكبدتهم أفدح الخسائر.

4 ـ ثورة المختار :

والمختار من اشهر الشخصيات العربية التي عرفها التاريخ الاسلامي وقد لعب دورا خطيرا في الأحداث السياسية والاجتماعية في ذلك العصر كما كان من ألمع السياسيين في رسم المخططات ووضع المناهج ، والسيطرة على الموقف ، وقد اثبتت كفاءته أنه رجل الفكر والعمل ، يقول بعض الكتاب عنه : «انه كان على جانب كبير من الدارية بعلم

٤٥٣

النفس والالمام بوسائل الدعاية والاعلام ، فقد كان يخاطب عواطف الناس كما كان يخاطب عقولهم ، وكان لا يكتفي بوسائل الدعاية المعروفة حينئذ كالخطابة والشعر بل لجأ إلى وسائل كثيرة للدعاية منها التمثيل والمظاهرات والاشاعات ، كما لجأ إلى ما نسميه الآن بالانقلاب العسكري حينما انتزع الكوفة من ابن الزبير»(1) .

وكان علما من اعلام الشيعة ، وسيفا من سيوف آل رسول اللّه (ص) وكان يتحرق كأشد ما يكون التحرق ألما وجزعا على العترة الطاهرة التي أبادتها سيوف الباطل ، وقد سعى جاهدا للاستيلاء على الحكم لا لرغبة فيه ، وانما ليأخذ ثأر آل البيت وينتقم من قتلتهم.

وقد اتهم هذا العملاق العظيم باتهامات رخيصة كاتهامه بادعاء النبوة وغيرها من النسب الباطلة التي هي بعيدة عنه وهو برىء منها ، وانما اتهموه بذلك لأنه طلب بثأر الامام العظيم ، وزعزع كيان الدولة الاموية ، وأسقط هيبة حكمها وساوى بين العرب والموالي ، فلم يميز أحدا على أحد ، وقد رام السير في أيام حكمه على ضوء منهاج سياسة الامام أمير المؤمنين عليه السلام ، والاقتداء بسلوكه في سياسته الاقتصادية والاجتماعية.

وكان على جانب كبير من التقوى والحريجة في الدين ، ويقول المؤرخون إنه كان في أيام حكومته القصيرة الامد يكثر من الصوم شكرا للّه تعالى على توفيقه للأخذ بثأر العترة الطاهرة ، وابادته للارجاس من السفكة المجرمين.

لقد ألصقوا بهذا العملاق العظيم التهم الزائفة للحط من شأنه والتقليل من أهميته ، وانا بعد دراستنا لشؤونه رأيناه من أفذاذ التأريخ ومن اعلام

__________________

(1) المختار (ص 43)

٤٥٤

الامة الاسلامية بما يملك من طاقات هائلة من الفضل والتقوى واصالة الفكر وعمق الرأي وحسن التدبير ، قل أن يتصف بمثلها عظماء الرجال وعباقرة الدهر وكان بودي أن أطيل الوقوف للتحدث عن معالم شخصيته الكريمة ، والتحدث عن ثورته وكيفية استيلائه على الحكم إلا ان ذلك يستدعي وضع كتاب خاص به ، وعسى أن أوفق إلى ذلك ان شاء اللّه ، وقبل أن اقفل الحديث عنه اشير على سبيل الايجاز إلى بعض الجهات التي تمت الى الموضوع.

فزع السفكة المجرمين :

وساد الرعب واستولى الخوف على نفوس السفكة المجرمين من قتلة ريحانة رسول اللّه (ص) فقد كانوا على يقين أن ثورة المختار انما قامت للانتقام منهم ، فهام بعضهم من خوفه في البيداء ولم يعلم له خبر ، وفر آخرون إلى عبد الملك ليحميهم من سطوة المختار وغضبه ، وقد خاطبه شخص منهم قائلا :

ادنو لترحمني وترتق خلتي

وأراك تدفعني فاين المدفع(1)

وجاء إليه عبد الملك بن الحجاج التغلبي لاجئا فقال له :

«اني هربت إليك من العراق»

فصاح به عبد الملك بن مروان :

«كذبت ليس لنا هربت ، ولكن هربت من دم الحسين وخفت على دمك فلجأت إلينا»(2) .

__________________

(1) عيون الاخبار لابن قتيبة 1 / 103

(2) عيون الاخبار لابن قتيبة 1 / 103

٤٥٥

كما هرب بعضهم إلى ابن الزبير وانضم إلى جيشه وقاتل معه لا ايمانا بقضيته ولكن خوفا من المختار ، وقد عمد المختار إلى هدم دورهم والاستيلاء على جميع ممتلكاتهم ، وقد هدم دار محمد بن الأشعث واخذ انقاضها وبنى بها دار الشهيد العظيم حجر بن عدي وكان قد هدمها زياد ابن أبيه(1) .

وأما الخبيث الدنس عمر بن سعد فقد قبع في بيته فزعا مرعوبا ، وهو يزج بالشخصيات للتوسط لدى المختار في أخذ الامان له والعفو عنه وكتب له المختار الامان بشرط أن لا يحدث حدثا ولكنه وارى في ذلك وأراد أن لا يدخل بيت الخلاء.

لقد ارعب المختار قلوب المجرمين من قتلة الامام حتى زلزلت الارض تحت أقدامهم واجتاحتهم موجات عاتية من الخوف والارهاب فلم يهنأ أحد منهم بعيش فقد خيم عليهم شبح الموت.

الابادة الشاملة :

وأسرع المختار إلى تنفيذ حكم الاعدام بكل من اشترك في قتل ريحانة رسول اللّه (ص) فقد جاهد على الانتقام منهم وتطهير الأرض من أولئك الأرجاس ، وقد قتل منهم فيما يقول الطبري في يوم واحد مائتين وثمانين رجلا ، ولم يفلت أحد من قادتهم وزعمائهم ، فقتل المجرم الخبيث عبيد اللّه بن زياد ، وعمر بن سعد مع ولده حفص ، وقتل الابرص شمر بن ذي الجوشن ، ورميت بجيفته إلى الكلاب ، وقتل قيس بن الأشعث

__________________

(1) تأريخ ابن الأثير 3 / 371

٤٥٦

والحصين بن نمير ، وشبث بن ربعي وغيرهم(1) .

وقد استجاب اللّه دعوة الامام العظيم في اولئك السفكة المجرمين فقتلهم قتلة بقتلة ، وسقاهم كأسا مصبرة ، وانتقم منهم كأشد ما يكون الانتقام ، وصدق اللّه تعالى اذ يقول : «وكذلك أخذ ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة ان أخذه أليم شديد» ويقول الزهري : لم يبق من قتلة الحسين أحد الا عوقب في الدنيا أما بالقتل أو العمى أو سواد الوجه أو زوال الملك في مدة يسيرة(2) .

لقد حقت عليهم كلمة العذاب في الدنيا ، وهم في نار جهنم خالدون ، لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن ثورة المختار التي هي من انبل الثورات واكثرها اصالة في الاسلام فقد استهدفت الأخذ بثأر العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم حسبما يقول الرسول (ص) كما استهدفت نشر المساواة والعدالة الاجتماعية بين الناس.

فتحيات من اللّه ورضوان على المختار يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

استمرار الثورة :

ولم يؤد القضاء على ثورة المختار من قبل ابن الزبير إلى ضعف الروح الثورية عند الشيعة ، فقد كانت هناك ثورات أخرى فجرها احفاد الامام الحسين واحفاد أخيه الامام الحسن ، فقد هب لمقارعة الظلم والجور

__________________

(1) تأريخ الطبري ، تاريخ ابن الاثير ، الأخبار الطوال

(2) جواهر المطالب (ص 92)

٤٥٧

الثائر العظيم زيد بن علي ، واشعل نار الثورة من بعده ولده يحيى وهم ينادون بمبادئ الحسين ويطلبون بثأره ، واستمرت الثورات حتى تدفقت الرايات السوداء مع طلائع الجيوش الاسلامية بقيادة أبي مسلم الخراساني فاطاحت بالعرش الأموي ، وقضت على معالم زهوه وجبروته.

وبهذا ينتهي بنا البحث ـ بايجاز ـ عن معطيات الثورة التي تحققت على الصعيد الفكري والاجتماعي وبها تطوى الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب ، واكرر ما اعلنته غير مرة من أن هذا المجهود بما فيه من سعة وشمول واستيعاب فانه لا يمثل الا صفحة من حياة هذا الامام العظيم الذي احتل مشاعر الناس وعواطفهم ، وقام في قلوبهم وافكارهم ، واني على ثقة أن جميع ما الف فيه وما سيؤلف لا يستوعب جميع نواحي شخصيته أو يلم بواقع حياته التي هي امتداد لحياة جده الرسول (ص) وما ينشده من الخير والتوجيه لصالح الانسان.

وان من أصدق الوفاء أن اذكر بمزيد من الولاء والعرفان ما قام به سيادة المحسن الكبير الحاج محمد رشاد عجينة من الالطاف في نشر هذا الكتاب ، فقد جاهد على نشر مآثر أهل البيت (ع) وابراز فضائلهم ايمانا منه بأن ذلك من أثمن الخدمات التي تقدم للأمة واجدرها بالنفع والبقاء وقد أرصد لنفقات طبعه من المبرات التي اوصى بها والده المرحوم الحاج محمد جواد عجينة ، واني آمل من اللّه ان يحظى عمله بالقبول وان تناله مغفرة من اللّه كما آمل ذلك لنفسي واخي الهادي الذي له الفضل في مراجعة كثير من المصادر والاشراف على بحوث هذا الكتاب فجزاه اللّه عني خير ما يجزي أخا عن أخيه.

٤٥٨

مصادر البحث

٤٥٩
٤٦٠