حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسين عليه السلام12%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 308155 / تحميل: 5975
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والقضاء ينزل من السماء ، واللّه يفعل ما يشاء وربنا كل يوم هو في شأن(١) .

واستصوب الامام حديث الفرزدق فقال له :

«صدقت للّه الأمر من قبل ومن بعد» يفعل اللّه ما يشاء ، وكل يوم ربنا في شأن ، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد اللّه على نعمائه. وهو المستعان على اداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته والتقوى سريرته ..»(٢)

وأنشأ الامام يقول :

لئن كانت الدنيا تعد نفيسة

فدار ثواب اللّه أعلى وأنبل

وان كانت الأبدان للموت أنشئت

فقتل امرئ بالسيف في اللّه أفضل

وان كانت الأرزاق شيئا مقدرا

فقلة سعي المرء في الرزق أجمل

وان كانت الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل(٣)

وسأله الفرزدق عن بعض المسائل الشرعية فاجابه عنها ، ثم سلم عليه وانصرف عنه ويعطينا هذا الالتقاء صورة عن خنوع للناس ، وعدم اندفاعهم لنصرة الحق ، فالفرزدق الذي كان يملك وعيا اجتماعيا ووعيا ثقافيا مع علمه بأن الامام سيقتل لم يندفع إلى نصرته والالتحاق بموكبه ليذب عنه ، فاذا كان هذا حال الفرزدق ، فكيف بغيره من سواد الناس وجهالهم.

__________________

(١) وسيلة المال (ص ١٨٨)

(٢) البداية والنهاية ٨ / ١٦٦ ، تأريخ الطبري ٦ / ٢١٨ ، تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٦ ، الصواعق المحرقة (ص ١١٨).

(٣) وسيلة المال (ص ١٨٨) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٨٦).

٦١

وعلى أي حال فقد واصل الامام مسيرته بعزم وثبات ، ولم يثنه عن نيته قول الفرزدق في تخاذل الناس عنه ، وتجاوبهم مع بني أمية ، ولو كان الامام يروم الملك لصده قول الفرزدق عن التوجه الى العراق»

كتاب الحسين لأهل الكوفة :

ولما وافى الامام الحسين الحاجر من بطن ذي الرمة ، وهو أحد منازل الحج من طريق البادية كتب كتابا لشيعته من اهل الكوفة يعلمهم بالقدوم إليهم ، وقد جاء فيه بعد البسملة :

«من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم فإني أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد : فان كتاب مسلم ابن عقيل جاءني يخبرني بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا ، والطلب بحقنا ، فنسأل اللّه ان يحسن لنا الصنيع ، وان يثيبكم على ذلك أعظم الأجر وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية ، فاذا قدم عليكم رسولي فاكتموا أمركم ، وجدوا فاني قادم عليكم من أيامي هذه إن شاء اللّه والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته»(١) .

ودفع الكتاب بيد البطل الفذ قيس بن مسهر الصيداوي فأخذ يجذ في السير لا يلوي على شيء حتى انتهى الى القادسية فاستولت عليه مفرزة من الشرطة اقيمت هناك تفتش كل من يدخل للعراق ويخرج منه تفتيشا دقيقا ، وأسرع قيس إلى الكتاب فخرقه لئلا تطلع الشرطة على ما فيه

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ١٦٨ ، وفي الفتوح ٥ / ١٤٣ صورة أخرى مطولة للكتاب ، وفي أنساب الأشراف ق ١ ج ١ صورة أخرى لهذا الكتاب.

٦٢

وارسلته الشرطة مخفورا ومعه القطع المخرقة من الكتاب إلى الطاغية ابن زياد فلما مثل عنده قال له :

ـ من أنت؟

ـ رجل من شيعة امير المؤمنين الحسين بن علي

ـ لم خرقت الكتاب الذي كان معك؟

ـ خوفا من أن تعلم ما فيه

ـ ممن الكتاب وإلى من؟

ـ من الحسين إلى جماعة من اهل الكوفة لا اعرف أسماءهم وغضب الطاغية وفقد اهابه وصاح به

«واللّه لا تفارقني أبدا ، او تدلني على هؤلاء القوم الذين كتب إليهم هذا الكتاب ، أو تصعد المنبر فتسب الحسين واباه واخاه ، فتنجو من يدي او لأقطعنك».

فقال له قيس :

«أما هؤلاء القوم فلا اعرفهم ، وأما اللعن فافعل».

وظن ابن زياد أنه من قبيل أوغاد اهل الكوفة الذين تغريهم المادة ويرهبهم الموت وما عرف أنه من افذاذ الأحرار الذين يصنعون تأريخ الأمم والشعوب ، وترتفع بهم كلمة الحق والعدل في الأرض وأمر ابن مرجانة بجمع الناس في المسجد الأعظم ليريهم من لعن قيس لأهل البيت ـ كما توهم ـ أمثلة لنكث العهد حتى يحملهم عليها ويجعلها من أخلاقهم وذاتياتهم.

وانبرى البطل العظيم وهو هازئ من الموت وساخر من الحياة لبؤدي رسالة اللّه بأمانة واخلاص ، فاعتلى منصة المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه

٦٣

وصلى على الرسول الأعظم (ص) واكثر من الترحم على علي وولده(١) ثم لعن عبيد اللّه ولعن أباه وعتاة بني أمية عن آخرهم ، ورفع صوته الهادر الذي هو صوت الحق والاسلام قائلا :

«أيها الناس ان الحسين بن علي خير خلق اللّه ابن فاطمة بنت رسول اللّه (ص) أنا رسوله إليكم ، وقد فارقته بالحاجر فأجيبوه ..»(٢) .

واسرعت الجلاوزة الى ابن زياد فأخبرته بشأنه فتميز غيظا ، وأمر أن يصعد به من اعلى القصر فيرمى منه وهو حي ، وأمسكته الشرطة والقت به من اعلى القصر فتقطعت أوصاله وتهشمت عظامه ، ومات ميتة الأبطال في سبيل مبدئه وعقيدته ولما بلغ مقتله الحسين بلغ به الحزن اقصاه ، واستعبر باكيا واندفع يقول :

«اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما عندك ، واجمع بيننا واياهم في مستقر رحمتك انك على كل شيء قدير»(٣) .

مع أبي هرة :

ولما انتهى الامام الى ذات عرق خف إليه ابو هرة فقال له : يا ابن رسول اللّه ما الذي اخرجك عن حرم اللّه ، وحرم جدك رسول اللّه (ص) وتأثر الامام ، فقال له :

__________________

(١) الفتوح ٥ / ١٤٦ ـ ١٤٧

(٢) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٧

(٣) الفتوح ٥ / ١٤٧

٦٤

«ويحك يا ابا هرة إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت وايم اللّه لتقتلني الفئة الباغية ، وليلبسهم اللّه ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وليسلطنّ عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم حتى أذلتهم»(١) .

وانصرف الامام ، وهو ملتاع حزين من هؤلاء الناس الذين لا يملكون وعيا لنصرة الحق قد آثروا العافية وكرهوا الجهاد في سبيل اللّه.

مع بعض مشايخ العرب :

ولما انتهت قافلة الامام إلى (بطن العقبة) بادر إليه بعض مشايخ العرب المقيمين هناك فقال له :

«أنشدك اللّه إلا ما انصرفت ، ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف وان هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مئونة القتال ، ووطئوا لك الأمور فقدمت على غير حرب كان ذلك رأيا واما على هذا الحال الذي ترى فلا أرى لك ذلك».

فقال (ع) : «لا يخفى علي شيء مما ذكرت ، ولكنى صابر ومحتسب إلى أن يقضي اللّه أمرا كان مفعولا»(٢) .

__________________

(١) الدر المسلوك ١ / ١١٠

(٢) الفصول المهمة لابن الصباغ (ص ١٦٧)

٦٥

فزع السيدة زينب :

وسارت قافلة الامام حتى انتهت إلى (الخزيمية) وهي احدى منازل الحج فاقام فيها الامام يوما وليلة ليستريح من جاهد الطريق وعناء السفر ، وقد خفت إليه اخته الحوراء عقيلة بني هاشم ، وهي تجر ذيلها وقلبها الزاكي يتقطع من الأسى والحزن ، وهي تقول له بنبرات مشفوعة بالبكاء إني سمعت هاتفا يقول :

ألا يا عين فاحتفلي بجاهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا

بمقدار الى انجاز وعدي

فقال لها أبي الضيم :

«يا اختاه كل الذي قضي فهو كائن»(١) .

لقد أراد من شقيقته أن تخلد إلى الصبر ، وأن تقابل الخطوب والرزايا برباطة جأش وعزم حتى تقوى على اداء رسالته.

مع زهير بن القين :

وانتهت قافلة الامام إلى «زرود» فأقام الامام فيها بعض الوقت وقد نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي ، وكان عثماني الهوى ، وقد حج بيت اللّه في تلك السنة ، وكان بسائر الامام في طريقه ، ولا يحب أن ينزل معه مخافة الاجتماع به إلا انه اضطر إلى النزول قريبا منه ، فبعث

__________________

(١) المناقب لابن شهر اشوب ٥ / ١٢٧ من مصورات مكتبة الامام امير المؤمنين ، الفتوح ٥ / ١٢٢.

٦٦

إليه رسولا يدعوه إليه ، وكان زهير مع جماعته يتناولون طعاما صنع لهم فابلغه الرسول مقالة الحسين فذعر القوم وطرحوا ما في أيديهم من طعام كأن على رءوسهم الطير ، وانكرت زوجة زهير عليه ذلك وقالت له :

«سبحان اللّه!! أيبعث إليك ابن بنت رسول اللّه ثم لا تأنيه لو أتيته فسمعت كلامه!!» وانطلق زهير على كره منه الى الامام فلم يلبث أن عاد مسرعا وقد تهلل وجهه وامتلأ غبطة وسرورا ثم أمر بفسطاطه وما كان عنده من ثقل ومتاع فحوله إلى الامام الحسين (ع) وقال لزوجته :

«أنت طالق».

ما ذا أسر إليه ريحانة رسول اللّه حتى جعله يتغير هذا التغيير؟ هل وعده بمال أو مغنم ، ولو وعده بذلك لما طلق زوجته ، ولا ودع أصحابه الوداع الأخير لقد بشره بالشهادة والفوز بالجنة ، وذكّره بحديث طالت عليه الأيام فنساه وقد حدث به أصحابه قائلا :

«سأحدثكم حديثا غزونا (بلنجر) ففتح اللّه علينا ، وأصبنا غنائم ففرحنا ، وكان معنا سلمان الفارسي ، فقال لنا : أفرحتم بما فتح اللّه عليكم واصبتم من الغنائم؟ فقلنا نعم : فقال إذا أدركتم سيد شباب آل محمد (ص) فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم»(١) .

وروى ابراهيم بن سعيد وكان قد صحب زهيرا حينما مضي إلى الامام انه (ع) قال له : انه يقتل في كربلا ، وان رأسه الشريف يحمله زجر بن قيس إلى يزيد يرجو نواله فلا يعطيه شيئا(٢) .

__________________

(١) الارشاد (ص ٢٤٦) تأريخ ابن الأثير ٣ / ١٧٧ ، أنساب الأشراف ق ١ ج ١ ، الدر النظيم (ص ١٦٧).

(٢) دلائل الامامة لمحمد بن جرير الطبري.

٦٧

لقد ساعد التوفيق زهيرا فالتحق بموكب العترة الطاهرة ، وصار من اصلب المدافعين عنها ، ومن ألمع أصحاب الامام ، ففداه بروحه واستشهد في سبيل قضيته العادلة.

النبأ المفجع بمقتل مسلم :

أما النبأ المفجع بمقتل مسلم فقد حمله الى الامام عبد اللّه بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان(١) ، وكانا ـ فيما يقول المؤرخون ـ قد انتهيا من اداء مناسك الحج ، وكانت لهما رغبة ملحة في الاتصال بالامام والتعرف على شئونه فأخذا يجذان في السير حتى التحقا به في زرود ، وبينما هما معه وإذا برجل قد أقبل من جهة الكوفة فلما رأى الحسين عدل عن الطريق ، وقد وقف الحسين يريد مسألته فلما رآه قد مال عنه سار في طريقه ، ولما عرف الأسديان رغبة الامام في سؤاله تبعاه حتى أدركاه فسلما عليه وسألاه عن اسرته فأخبرهما أنه أسدي فانتسبا له ثم سألاه عن خبر الكوفة ، فقال لهما : انه لم يخرج منها حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ ابن عروة ، ورآهما يجران بأرجلهما في الأسواق ، وو دعاه ، واقبلا مسرعين حتى لحقا بالامام ، فلما نزل الامام بالثعلبية(٢) قالا له :

«رحمك اللّه ان عندنا خبرا ان شئت حدثناك علانية ، وان شئت سرا ..».

__________________

(١) وقيل الذي حمل النبأ إلى الامام هو ابن يزيد التميمي كما في الصواعق (ص ١١٨) وقيل بكر بن المعتقة كما في أنساب الأشراف ق ١ ج ١.

(٢) الثعلبية : من منازل طريق مكة من الكوفة بعد الشقوق وقبل الخزيمية ، وهي ثلثا الطريق معجم البلدان ٢ / ٧٨.

٦٨

وتأمل في أصحابه فقال (ع) :

«ما دون هؤلاء سر»

«أرأيت الراكب الذي استقبلته عشاء امس؟»

«نعم واردت مسألته»

«واللّه استبرأنا لك خبره ، وكفيناك مسألته ، وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل ، وانه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهانئ ورآهما يجران في السوق بارجلهما. «(١) .

وكان النبأ المؤلم كالصاعقة على العلويين فانفجروا بالبكاء على فقيدهم العظيم حتى ارتج الموضع بالبكاء وسالت الدموع كل مسيل(٢) واستبان للامام غدر أهل الكوفة ، وايقن انه مع الصفوة من أهل بيته وأصحابه سيلاقون نفس المصير الذي لاقاه مسلم ، وانبرى إلى الامام بعض أصحابه فقال له : «ننشدك اللّه الا رجعت من مكانك فانه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف ان يكونوا عليك»

والتفت الامام الى بني عقيل فقال لهم :

«ما ترون فقد قتل مسلم؟»

ووثبت الفتية وهي تعلن استهانتها بالموت قائلين :

«لا واللّه لا نرجع حتى نصيب ثأرنا او نذوق ما ذاق مسلم»

وراح الامام يقول بمقالتهم :

«لا خير في العيش بعد هؤلاء»(٣)

__________________

(١) الارشاد (ص ٢٤٧)

(٢) الدر المسلوك ١ / ١١١

(٣) الارشاد (ص ٢٤٧)

٦٩

وقال (ع) متمثلا :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

اذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

فان مت لم اندم وان عشت لم الم

كفى بك عارا ان تذل وترغما(١)

لقد مضى الامام قدما ، وهو مرفوع الجبين وقد ايقن انه يسير إلى الفتح الذي ليس مثله فتح ، لقد مضى ليؤدي رسالة اللّه بامانة واخلاص كما اداها جده الرسول (ص) من قبل.

وصول النبأ بمصرع عبد اللّه :

ولما انتهت قافلة الامام الى «زبالة» وافاه النبأ الفظيع بقتل رسوله عبد اللّه بن يقطر ، وكان الامام قد اوفده للقيى مسلم بن عقيل فالقت عليه الشرطة القبض في القادسية ، وبعثته مخفورا الى ابن مرجانة فلما مثل عنده صاح به الخبيث :

«اصعد المنبر ، والعن الكذاب ابن الكذاب ، ثم انزل حتى أرى رأيي فيك ..».

وظن ابن مرجانة انه يفعل ذلك ، وما درى أنه من أفذاذ الأحرار الذين ترتفع بهم كلمة اللّه في الأرض واعتلى البطل العظيم المنبر ، ورفع صوته الهادر قائلا :

«أيها الناس أنا رسول الحسين بن فاطمة ، لتنصروه وتؤازروه على ابن مرجانة الدعي ابن الدعي لعنه اللّه»(٢) .

__________________

(١) الدر النظيم (ص ١٦٧)

(٢) انساب الأشراف ق ١ ج ١

٧٠

وأخذ يلعن ابن زياد ، ويذكر مساوئ بني أمية ، ويدعو الى نصرة ريحانة الرسول (ص) فاستشاط ابن زياد غضبا ، وأمر أن يلقى من فوق القصر كما فعل بقيس بن مصهر الصيداوي ، فرمته الشرطة من أعلى القصر فتكسرت عظامه ، وبقي به رمق من الحياة فاسرع إليه الوغد الخبيث عبد الملك اللخمي فذبحه ليتقرب إلى سيده ابن مرجانة ، وقد عاب الناس عليه ذلك فاعتذر لهم أنه أراد ان يريحه.

ولما انتهى خبره إلى الامام (ع) شق عليه ذلك ، ويئس من الحياة وأمر بجمع أصحابه ، والذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق فقال لهم :

«أما بعد : فقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام».

وتفرق عنه ذباب المجتمع من ارباب المطامع الذين تبعوه لأجل الغنيمة ، وخلص إليه الصفوة من اصحابه الذين جاءوا معه من مكة(١) ولو كان الحسين يروم الملك والسلطان لما صارح الذين اتبعوه بالأوضاع

__________________

(١) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٨ ، انساب الاشراف ق ١ ج ١ وسيلة المال (ص ١٨٩) تأريخ أبي الفداء ١ / ٣٠١ تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٥ ، وجاء في روضة الأعيان في أخبار مشاهير الزمان (ص ٦٧) ان الامام لما اذن للناس بالتفرق عنه ، تفرقوا عنه ، ولم يبق معه إلا اثنان واربعون رجلا من اهل بيته ، وجاء في تأريخ الطبري ان الذين صحبوا الامام من المدينة تفرقوا عنه حينما اعلن لهم مقتل عبد اللّه ابن يقطر ، وفيما نحسب أن هذا اشتباه من الطبري فان الامام لم يمر بالمدينة في حال مجيئه إلى مكة اللهم إلا الذين تبعوه من المدينة وساروا معه الى مكة او في أثناء الطريق إليها.

٧١

الراهنة التي تحيط به ، فقد اعلمهم أن من يلتحق به لا ينال منصبا أو مالا وانما يقدم إلى ساحات الجهاد فيفوز بالشهادة ولو كان من عشاق الملك لما ادلى بذلك في تلك الساعات الحرجة الذي هو في أمس الحاجة إلى الناصر والصديق الذي يذب عنه.

لقد نصح الامام أصحابه واهل بيته مرارا في التخلي عنه ، وما ذلك إلا ليحاربوا على بصيرة وبينة من امرهم وفعلا فقد تبعه خيرة الرجال واصلبهم في الدفاع عن الحق ، تبعوه ونفوسهم مليئة بالايمان باللّه ، والاخلاص إلى الجهاد في سبيله.

رؤيا الامام الحسين :

وخفق الامام الحسين وقت الظهيرة فرأى رؤيا افزعته ، فانتبه مذهولا فاقبل عليه ولده البار علي الأكبر فقال له :

ـ مالي أراك فزعا؟

ـ رأيت رؤيا اهالتني

ـ خيرا رأيت؟

وفاجأه ابوه بالرؤيا المفجعة قائلا :

«رأيت فارسا وقف علي ، وهو يقول : انتم تسرعون ، والمنايا تسرع بكم إلى الجنة ، فعلمت ان انفسنا قد نعيت إلينا»(١) .

واسرع الولد البار قائلا :

«ألسنا على الحق؟»

«بلى والذي إليه مرجع امر العباد»

__________________

(١) تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٦

٧٢

وطفق فخر هاشم يلقي على الأجيال اروع صور الايمان والتضحية في سبيل اللّه قائلا لأبيه :

«يا أبة لا نبالي بالموت»

ووجد الحسين في ولده خير عون له على اداء رسالته الكبرى ، فشكره على ذلك قائلا :

«جزاك اللّه يا بني خير ما جزي به ولد عن والده ..»(١)

الالتقاء بالحر :

وانتهى موكب الامام الى شراف ، وفيها عين للماء فأمر الامام فتيانه ان يستقوا من الماء ، ويكثروا منه ، ففعلوا ذلك ، ثم سارت القافلة تطوي البيداء ، وبادر بعض أصحاب الامام فكبر ، فاستغرب الامام وقال له :

ـ لم كبرت؟

ـ رأيت النخل

وانكر عليه رجل من أصحاب الامام ممن خبر الطريق وعرفه فقال له :

«ليس هاهنا نخل ، ولكنها أسنة الرماح وآذان الخيل».

وتأملها الامام فطفق يقول : وأنا أرى ذلك ، وعرف الامام انها طلائع جيش العدو جاءت لمناهضته ، فقال لأصحابه :

__________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ١١١) الدر المسلوك (ص ١٠٩) الفتوح ٥ / ١٢٣.

٧٣

«أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ، ونستقبل القوم من وجه واحد؟».

وكان بعض أصحابه ممن يعرف سنن الطريق فقال له :

«بلى هذا ذو حسم(١) إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فان سبقت إليه فهو كما تريد».

ومال موكب الامام إليه الا انه لم يبعد كثيرا حتى أدركه جيش مكثف بقيادة الحر بن يزيد الرياحي كان ابن زياد قد عهد إليه ان يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الامام ، والقاء القبض عليه وكان عدد الجيش زهاء الف فارس ، ووقفوا قبال الامام في وقت الظهيرة ، وكان الوقت شديد الحر ، ورآهم الامام وقد أشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ فرق عليهم ، وغض نظره من أنهم جاءوا لقتاله وسفك دمه ، فأمر أصحابه أن يسقوهم ، ويرشفوا خيولهم ، وقام أصحاب الامام فسقوا الجيش ثم انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملئون القصاص والطساس فاذا عب فيها ثلاثا او اربعا أو خمسا عزلت وسقي الآخر حتى سقوا الخيل عن آخرها(٢) لقد كان الامام على استعداد كامل في سفره ، فقد كانت الأواني وحدها تسع لسقاية الف فارس مع خيولهم ، فضلا عن سائر الأثاث والأمتعة الأخرى.

وعلى أي حال فقد تكرم الامام بانقاذ هذا الجيش الذي جاء لحربه ويقول المؤرخون انه كان من بين هذا الجيش علي بن الطعان المحاربي ، وقد تحدث عن سجاحة طبع الامام وعظيم اخلاقه ، يقول : كنت ممن أضر بي العطش ، فأمرني الحسين بأن انخ الراوية فلم افقه كلامه لأن الراوية

__________________

(١) ذو حسم : بضم الحاء وفتح السين جبل هناك

(٢) تأريخ الطبري ٦ / ٢٢٦ ، خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦.

٧٤

بلغة الحجاز هي الجمل ، ولما عرف أني لم افهم كلامه قال لي : (انخ الجمل) فأنخته ولما أردت ان اشرب جعل الماء يسيل من السقاء ، فقال لي اخنث السقاء ، فلم ادر ما اصنع فقام أبي الضيم فخنث السقاء حتى ارتويت أنا وفرسي.

ولم تهز هذه الأريحية ولا هذا النبل نفس هذا الجيش «وما تأثر أحد منهم بهذا الخلق الرفيع إلا الحر فقد تأثر ضميره اليقظ الحساس بهذا المعروف والاحسان ، فاندفع بوحي من ضميره حتى التحق بالامام واستشهد بين يديه.

خطاب الامام :

واستقبل الامام قطعات ذلك الجيش فخطب فيهم خطابا بليغا أوضح لهم فيه انه لم يأتهم محاربا ، وانما قدمت عليه رسلهم وكتبهم تحثه بالقدوم إليهم ، فاستجاب لهم ، وقد قال بعد حمد اللّه والثناء عليه :

«أيها الناس انها معذرة الى اللّه عز وجل وإليكم انى لم آتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت بها علي رسلكم ان اقدم علينا فانه ليس لنا امام ، ولعل اللّه أن يجمعنا بك على الهدى ، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فاعطوني ما اطمئن به من عهودكم ومواثيقكم ، وان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم الى المكان الذي جئت منه إليكم».

واحجموا عن الجواب لأن اكثرهم كانوا ممن كاتبوه بالقدوم إليهم وبايعوه على يد سفيره مسلم بن عقيل وحضر وقت الصلاة فأمر الامام مؤذنه الحجاج بن مسروق ان يؤذن ويقيم لصلاة الظهر ، وبعد فراغه قال الامام للحر :

٧٥

ـ أتريد أن تصلي باصحابك؟

ـ بل نصلي بصلاتك

وأتموا بالامام في صلاة الظهر ، وبعد الفراغ منها انصرفوا إلى اخبيتهم ولما حضر وقت صلاة العصر جاء الحر مع قومه فاقتدوا بالامام في صلاة العصر

خطبة الامام :

وبعد ما فرغ الامام من صلاة العصر انبرى بعزم وثيق فخطب في ذلك الجيش خطابا رائعا ، فقال بعد حمد اللّه والثناء عليه :

«أيها الناس ، إنكم إن تتقوا اللّه ، وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى للّه ، ونحن اهل البيت اولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فان انتم كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم الآن على غير ما اتتني به كتبكم انصرفت عنكم».

ودعاهم بهذا الخطاب الى طاعة اللّه ، والتمسك بدعاة الحق وائمة الهدى من اهل البيت (ع) فهم اولى بهذا الأمر من بني أميّة الذين اشاعوا فيهم الجور والظلم ، وعرض لهم انه ينصرف عنهم اذا تبدل رأيهم ، ونقضوا بيعتهم وانبرى إليه الحر وهو لا يعلم بشأن الكتاب ، فقد كان ـ فيما يبدو ـ في تلك الفترة بمعزل عن الحركات السياسية في الكوفة ، فقال له :

«ما هذه الكتاب التي تذكرها؟»

فأمر الامام عاقبة بن سمعان باحضارها ، فاخرج خرجين مملوءين صحفا نثرها بين يدي الحر ، فبهر الحر ، وتأملها وقال :

«لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك»

٧٦

المشادة بين الحسين والحر :

ووقعت مشادة عنيفة بين الامام والحر ، فقد قال الحر للامام :

قد أمرت أن لا افارقك اذا لقيتك حتى اقدمك الكوفة على ابن زياد.

ولذعت الامام هذه الكلمات القاسية فثار في وجه الحر وصاح به :

«الموت ادنى إليك من ذلك»

لقد ترفع ابي الضيم من مبايعة يزيد ، فكيف يخضع لابن مرجانة الدعي ابن الدعي؟ وكيف ينقاد اسيرا إليه؟ فالموت ادنى للحر من الوصول الى هذه الغاية الرخيصة وامر الحسين اصحابه بالركوب ، فلما استووا على رواحلهم امرهم بالتوجه الى يثرب ، فحال بينهم وبين ذلك ، فاندفع الحسين فصاح به.

«ثكلتك امك ما تريد منا؟»

واطرق الحر برأسه الى الأرض ، وتأمل ثم رفع رأسه فخاطب الامام بأدب فقال له :

«أما واللّه لو غيرك من العرب يقولها لي : ما تركت ذكر أمه بالثكل كأنا من كان ، ولكني واللّه مالي الى ذكر أمك من سبيل إلا باحسن ما يقدر عليه ..»

وسكن غضب الامام فقال له :

ـ ما تريد منا؟

ـ أريد ان انطلق بك الى ابن زياد

ـ وثار الامام فصاح به :

ـ واللّه لا اتبعك

ـ اذن واللّه لا ادعك

٧٧

وكاد الوضع أن ينفجر باندلاع نار الحرب إلا ان الحر ثاب إلى الهدوء فقال للامام :

«اني لم أومر بقتالك ، وانما امرت أن لا افارقك حتى أقدمك الكوفة ، فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة ، حتى اكتب الى ابن زياد ، وتكتب أنت إلى يزيد أو الى ابن زياد فلعل اللّه أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلي من امرك».

واتفاقا على هذا ، فتياسر الامام عن طريق العذيب والقادسية(١) واخذت قافلته تطوى البيداء ، وكان الحر يتابعه عن كثب ، ويراقبه كأشد ما تكون المراقبة.

قول شاذ :

من الأقوال الشاذة التي لا مدرك لها ما ذكره البستاني ، وهذا نصه :

«لما قرب الحسين من الكوفة لقيه الحر بن يزيد الرياحي ، ومعه الف فارس من أصحاب ابن زياد ، وقال له : أرسلني عبيد اللّه عينا عليك ، وقال لي ان ظفرت به لا تفارقه أو تجيء به ، وأنا كاره أن يبتلني اللّه بشيء من أمرك فخذ غير هذا الطريق ، واذهب الى حيث شئت ، وأنا أقول :

لابن زياد انك خالفتني في الطريق ، وانشدك اللّه في نفسك ، وفيمن معك ، فسلك الحسين (ع) طريقا غير الجادة ، ورجع قاصدا الى الحجاز ، وسار هو واصحابه ليلتهم ، فلما أصبحوا لقوا الحر ، فقال له الحسين : ما جاء بك؟ قال : سعي بي الى ابن زياد أني اطلقتك ، بعد

__________________

(١) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٨٠

٧٨

ما ظفرت بك ، فكتب إلي أن ادركك ، ولا افارقك حتى تأتي مع الجيوش ..»(١) .

وهذا القول من الاساطير فان التقاء الامام بالحر لم يكن قريبا من الكوفة ، وإنما كان في أثناء الطريق على مرحلة قريبة من (شراف) ، ومضافا إلى ذلك فان الحر لم يعرض على الامام أن يسير حيثما شاء ، وانما صدرت إليه الأوامر المشددة من ابن زياد أن يلقي عليه القبض ، ويأتي به الى الكوفة حسبما ذكرناه ، وهو مما اجمع عليه المؤرخون وأرباب المقاتل.

خطأ ابن عنبة :

من الأخطاء الفاحشة ما ذكره النسابة ابن عنبة من ان الحر أراد ارغام الامام على الدخول الى الكوفة فامتنع ، وعدل نحو الشام قاصدا الى يزيد بن معاوية ، فلما صار الى كربلا منعوه عن المسير ، وارسلوا إليه ثلاثين الفا عليهم عمر بن سعد ، وارادوا دخوله إلى الكوفة والنزول على حكم عبيد اللّه بن زياد فامتنع عليهم ، واختار المضي نحو يزيد فمنعوه وناجزوه الحرب(٢) ولم يذهب لهذا القول أحد من المؤرخين ، فقد اجمعوا على ان الامام بقي مصمما على رفض البيعة ليزيد ، ولو انه أراد ان يبايع ليزيد لما فتحوا معه باب الحرب ، وما شهروا في وجهه السيوف.

__________________

(١) دائرة المعارف للبستاني ٧ / ٤٨

(٢) عمدة الطالب (ص ١٨١)

٧٩

خطبة الامام :

ولما انتهى موكب الإمام الى «البيضة» القى (ع) خطابا على الحر واصحابه ، وقد أدلى بدوافعه في الثورة على يزيد ، ودعا القوم إلى نصرته وقد قال بعد حمد اللّه والثناء عليه :

«أيها الناس إن رسول اللّه (ص) قال : «من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ، ناكثا لعهد اللّه ، مخالفا لسنة رسول اللّه (ص) يعمل في عباد اللّه بالاثم والعدوان ، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقا على اللّه أن يدخله مدخله».

الا ان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، واظهروا الفساد وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفىء ، واحلوا حرام اللّه ، وحرموا حلاله ، وأنا احق ممن غيّر ، وقد اتتني كتبكم ، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني ، ولا تخذلوني ، فان اقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم وانا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول اللّه (ص) نفسي مع انفسكم واهلي مع اهليكم ، ولكم في اسوة ، وان لم تفعلوا ، ونقضتم عهدكم ، وخلعتم بيعتي ، فلعمري ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي واخي وابن عمي مسلم ، فالمغرور من اغتر بكم فحظكم اخطأتم ، ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فانما ينكث على نفسه ، وسيغني اللّه عنكم والسلام»

وحفل هذا الخطاب المشرق بكثير من النقاط المهمة ، وهي :

اولا ـ انه انما اعلن الثورة على حكومة يزيد استجابة للواجب الديني الذي كان يقضي عليه ، فان الاسلام لا يقر السلطان الجائر ، ويلزم بمناهضته ، ومن لم يستجب للجهاد يكون مشاركا لما يقترفه من الجور والظلم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قال أبو عمر:و أخبرنا أبو القاسم خلف بن قاسم بن سهل،قال:حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي،قال:أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج،قال:حدثنا محمد بن مسعود،قال:أخبرنا عبد الرزاق،قال:أخبرنا معمر عن قتادة عن الحسن،قال:أسلم علي و هو أول من أسلم،و هو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة.قال أبو عمر:قال ابن وضاح:و ما رأيت أحدا قط أعلم بالحديث من محمد بن مسعود،و لا بالرأي من سحنون.قال أبو عمر:قال ابن إسحاق:أول ذكر آمن بالله و رسوله علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،و هو يومئذ ابن عشر سنين.قال أبو عمر:و الروايات في مبلغ سنه(عليه‌السلام )مختلفة،قيل:أسلم و هو ابن ثلاث عشرة سنة،و قيل:ابن اثنتي عشرة سنة،و قيل:ابن خمس عشرة سنة،و قيل:ابن ست عشرة،و قيل:ابن عشر،و قيل:ابن ثمان.قال أبو عمر:و ذكر عمر بن شبة عن المدائني،عن ابن جعدة،عن نافع،عن ابن عمر قال:أسلم علي و هو ابن ثلاث عشرة سنة.قال:و أخبرنا إبراهيم بن المنذر الحرامي،قال:حدثنا محمد بن طلحة،قال:حدثني جدي إسحاق بن يحيى عن طلحة،قال:كان علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،و الزبير بن العوام،و طلحة بن عبيد الله،و سعد بن أبي وقاص أعمارا واحدة.قال:و أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن،قال:حدثنا إسماعيل بن علي الخطبي،قال:حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل،قال:حدثني أبي قال:حدثنا حجين أبو عمر قال:حدثنا حبان عن معروف،عن أبي معشر قال:كان علي(عليه‌السلام )،و طلحة،و الزبير في سن واحدة.

١٢١

قال:و روى عبد الرزاق عن الحسن و غيره:أن أول من أسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،و هو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة.قال أبو عمر و روى أبو زيد عمر بن شبة،قال:حدثنا شريح بن النعمان،قال:حدثنا الفرات بن السائب،عن ميمون بن مهران،عن ابن عمر قال:أسلم علي و هو ابن ثلاث عشرة سنة،و توفي و هو ابن ثلاث و ستين سنة.قال أبو عمر:هذا أصح ما قيل في ذلك،و الله أعلم.انتهى حكاية كلام أبي عمر في كتاب الإستيعاب.و اعلم أن شيوخنا المتكلمين لا يكادون يختلفون في أن أول الناس إسلاما علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،إلا من عساه خالف في ذلك من أوائل البصريين،فأما الذي تقررت المقالة عليه الآن،فهو القول بأنه أسبق الناس إلى الإيمان،لا تكاد تجد اليوم في تصانيفهم و عند متكلميهم و المحققين منهم خلافا في ذلك.و اعلم أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )ما زال يدعي ذلك لنفسه،و يفتخر به و يجعله في أفضليته على غيره،و يصرح بذلك و قد قال غير مرة أنا الصديق الأكبر و الفاروق الأول أسلمت قبل إسلام أبي بكر،و صليت قبل صلاته.و روى عنه هذا الكلام بعينه أبو محمد بن قتيبة في كتاب المعارف،و هو غير متهم في أمره.و من الشعر المروي عنه(عليه‌السلام )في هذا المعنى الأبيات التي أولها:

محمد النبي أخي و صهري

و حمزة سيد الشهداء عمي

و من جملتها:

سبقتكم إلى الإسلام طرا

غلاما ما بلغت أوان حلمي

١٢٢

و الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة جدا لا يتسع هذا الكتاب لذكرها،فلتطلب من مظانها.و من تأمل كتب السير و التواريخ عرف من ذلك ما قلناه.فأما الذاهبون إلى أن أبا بكر أقدمهما إسلاما،فنفر قليلون و نحن نذكر ما أورده ابن عبد البر أيضا في كتاب الإستيعاب في ترجمة أبي بكر.قال أبو عمر:حدثني خالد بن القاسم،قال:حدثنا أحمد بن محبوب،قال:حدثنا محمد بن عبدوس،قال:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة،قال:حدثنا شيخ لنا قال:أخبرنا مجالد عن الشعبي،قال:سألت ابن عباس أو سئل أي الناس كان أول إسلاما ؟ فقال:أما سمعت قول حسان بن ثابت:

إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة

فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

خير البرية أتقاها و أعدلها

بعد النبي و أوفاها بما حملا

و الثاني التالي المحمود مشهده

و أول الناس منهم صدق الرسلا

و يروى أن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )قال لحسان:هل قلت في أبي بكر شيئا ؟ قال:نعم،و أنشده هذه الأبيات و فيها بيت رابع:

و ثاني اثنين في الغار المنيف و قد

طاف العدو به إذ صعدوا الجبلا

فسر بذلك رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و قال:أحسنت يا حسان،و قد روي فيها بيت خامس:

و كان حب رسول الله قد علموا

من البرية لم يعدل به رجلا

١٢٣

و قال أبو عمر:و روى شعبة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي،قال:أول من أسلم أبو بكر.قال:و روى الجريري عن أبي نصر،قال:قال أبو بكر لعلي(عليه‌السلام )،أنا أسلمت قبلك في حديث ذكره فلم ينكره عليه.قال أبو عمر:و قال فيه أبو محجن الثقفي:

و سميت صديقا و كل مهاجر

سواك يسمى باسمه غير منكر

سبقت إلى الإسلام و الله شاهد

و كنت جليسا بالعريش المشهر

و بالغار إذ سميت خلا و صاحبا

و كنت رفيقا للنبي المطهر

قال أبو عمر:و روينا من وجوه عن أبي أمامة الباهلي،قال:حدثني عمرو بن عبسة،قال:أتيت رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و هو نازل بعكاظ،فقلت:يا رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )من اتبعك على هذا الأمر ؟ فقال:حر و عبد أبو بكر و بلال،قال:فأسلمت عند ذلك و ذكر الحديث.هذا مجموع ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في هذا الباب في ترجمة أبي بكر،و معلوم أنه لا نسبة لهذه الروايات إلى الروايات التي ذكرها في ترجمة علي(عليه‌السلام )الدالة على سبقه،و لا ريب أن الصحيح ما ذكره أبو عمر،أن عليا(عليه‌السلام )كان هو السابق،و أن أبا بكر هو أول من أظهر إسلامه،فظن أن السبق له.و أما زيد بن حارثة،فإن أبا عمر بن عبد البر رضي الله تعالى عنه ذكر في كتاب الإستيعاب أيضا في ترجمة زيد بن حارثة قال:ذكر معمر بن شبة في جامعه عن الزهري أنه قال:ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة.

١٢٤

قال عبد الرزاق:و ما أعلم أحدا ذكره غير الزهري.و لم يذكر صاحب الإستيعاب ما يدل على سبق زيد إلا هذه الرواية و استغربها،فدل مجموع ما ذكرناه أن عليا(عليه‌السلام )أول الناس إسلاما،و أن المخالف في ذلك شاذ و الشاذ لا يعتد به.

فصل فيما ذكر من سبق علي إلى الهجرة

المسألة السابعة أن يقال:كيف قال إنه سبق إلى الهجرة ؟ و معلوم أن جماعة من المسلمين هاجروا قبله:منهم عثمان بن مظعون و غيره،و قد هاجر أبو بكر قبله ؛ لأنه هاجر في صحبة النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و تخلف علي(عليه‌السلام )عنهما،فبات على فراش رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و مكث أياما يرد الودائع التي كانت عنده،ثم هاجر بعد ذلك.و الجواب:أنه(عليه‌السلام )لم يقل،و سبقت كل الناس إلى الهجرة،و إنما قال:و سبقت فقط و لا يدل ذلك على سبقه للناس كافة،و لا شبهة أنه سبق معظم المهاجرين إلى الهجرة و لم يهاجر قبله أحد،إلا نفر يسير جدا.و أيضا:فقد قلنا إنه علل أفضليته،و تحريم البراءة منه مع الإكراه بمجموع أمور:منها ولادته على الفطرة،و منها سبقه إلى الإيمان،و منها سبقه إلى الهجرة،و هذه الأمور الثلاثة لم تجتمع لأحد غيره،فكان بمجموعها متميزا عن كل أحد من الناس.و أيضا:فإن اللام في الهجرة يجوز ألا تكون للمعهود السابق،بل تكون للجنس و أمير المؤمنين(عليه‌السلام )سبق أبا بكر و غيره إلى الهجرة التي قبل هجرة المدينة،فإن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )هاجر عن مكة مرارا يطوف على أحياء العرب،و ينتقل من

١٢٥

أرض قوم إلى غيرها،و كان علي(عليه‌السلام )معه دون غيره.أما هجرته إلى بني شيبان فما اختلف أحد من أهل السيرة،أن عليا(عليه‌السلام )كان معه هو و أبو بكر،و أنهم غابوا عن مكة ثلاثة عشر يوما،و عادوا إليها لما لم يجدوا عند بني شيبان ما أرادوه من النصرة.و روى المدائني في كتاب الأمثال عن المفضل الضبي:أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )لما خرج عن مكة يعرض نفسه على قبائل العرب،خرج إلى ربيعة و معه علي(عليه‌السلام )و أبو بكر،فدفعوا إلى مجلس من مجالس العرب،فتقدم أبو بكر و كان نسابة،فسلم فردواعليه‌السلام ،فقال:ممن القوم ؟ قالوا:من ربيعة.قال:أمن هامتها أم من لهازمها ؟ قالوا:من هامتها العظمى،فقال:من أي هامتها العظمى أنتم ؟ قالوا:من ذهل الأكبر.قال:أفمنكم عوف الذي يقال له لا حر بوادي عوف ؟ قالوا:لا.قال:أفمنكم بسطام ذو اللواء و منتهى الأحياء ؟ قالوا:لا.قال:أفمنكم جساس حامي الذمار و مانع الجار ؟ قالوا:لا.قال:أفمنكم الحوفزان قاتل الملوك و سالبها أنفسها ؟ قالوا:لا.قال:أفمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة ؟ قالوا:لا.قال:أفأنتم أخوال الملوك من كندة ؟ قالوا:لا.قال:فلستم إذن ذهلا الأكبر أنتم ذهل الأصغر،فقام إليه غلام قد بقل وجهه اسمه دغفل فقال:

إن على سائلنا أن نسأله

و العب‏ء لا تعرفه أو تحمله

١٢٦

يا هذا،إنك قد سألتنا فأجبناك و لم نكتمك شيئا فممن الرجل قال:من قريش.قال:بخ،بخ أهل الشرف و الرئاسة،فمن أي قريش أنت ؟ قال:من تيم بن مرة،قال:أمكنت و الله الرامي من الثغرة،أمنكم قصي بن كلاب الذي جمع القبائل من فهر،فكان يدعى مجمعا.قال:لا.قال:أفمنكم هاشم الذي هشم لقومه الثريد ؟ قال:لا.قال:أفمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء ؟ قال:لا.قال:أفمن المفيضين بالناس أنت ؟ قال:لا.قال:أفمن أهل الندوة أنت ؟ قال:لا.قال:أفمن أهل الرفادة أنت ؟ قال:لا.قال:أفمن أهل الحجابة أنت ؟ قال:لا.قال:أفمن أهل السقاية ؟ قال:لا.قال:فاجتذب أبو بكر زمام ناقته و رجع إلى رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )هاربا من الغلام،فقال دغفل:صادف درء السيل درء يصدعه،أما و الله لو ثبت لأخبرتك أنك من زمعات قريش،فتبسم رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و قال علي(عليه‌السلام )لأبي بكر:لقد وقعت يا أبا بكر من الأعرابي على باقعة.قال:أجل إن لكل طامة طامة و البلاء موكل بالمنطق فذهبت مثلا.و أما هجرته(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )إلى الطائف،فكان معه علي(عليه‌السلام )و زيد بن

١٢٧

حارثة في رواية أبي الحسن المدائني،و لم يكن معهم أبو بكر،و أما رواية محمد بن إسحاق،فإنه قال:كان معه زيد بن حارثة وحده،و غاب رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )عن مكة في هذه الهجرة أربعين يوما،و دخل إليها في جوار مطعم بن عدي.و أما هجرته(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )إلى بني عامر بن صعصعة و إخوانهم من قيس عيلان،فإنه لم يكن معه إلا علي(عليه‌السلام )وحده،و ذلك عقيب وفاة أبي طالب أوحي إليه(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أخرج منها،فقد مات ناصرك فخرج إلى بني عامر بن صعصعة،و معه علي(عليه‌السلام )وحده،فعرض نفسه عليهم و سألهم النصر،و تلا عليهم القرآن فلم يجيبوه،فعادا ع إلى مكة و كانت مدة غيبته في هذه الهجرة عشرة أيام،و هي أول هجرة هاجرها(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )بنفسه.فأما أول هجرة هاجرها أصحابه و لم يهاجر بنفسه،فهجرة الحبشة هاجر فيها كثير من أصحابه(عليه‌السلام )إلى بلاد الحبشة في البحر،منهم جعفر بن أبي طالب(عليه‌السلام )فغابوا عنه سنين،ثم قدم عليه منهم من سلم و طالت أيامه،و كان قدوم جعفر عليه عام فتح خيبر،فقال(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )ما أدري بأيهما أنا أسر،أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر.

١٢٨

57.و من كلام له(عليه‌السلام )كلم به الخوارج

) َصَابَكُمْ حَاصِبٌ وَ لاَ بَقِيَ مِنْكُمْ آبِرٌ آثِرٌ [ آبِرٌ ] أَبَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ وَ جِهَادِي مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ مَا أَنَا مِنَ اَلْمُهْتَدِينَ فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ وَ اِرْجِعُوا عَلَى أَثَرِ اَلْأَعْقَابِ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلاًّ شَامِلاً وَ سَيْفاً قَاطِعاً وَ أَثَرَةً يَتَّخِذُهَا اَلظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً)،قال الرضيرحمه‌الله قوله(عليه‌السلام ):و لا بقي منكم آبر يروى على ثلاثة أوجه:أحدها:أن يكون كما ذكرناه آبر بالراء من قولهم رجل آبر للذي يأبر النخل،أي:يصلحه.و يروى آثر بالثاء بثلاث نقط يراد به الذي يأثر الحديث،أي:يرويه و يحكيه،و هو أصح الوجوه عندي،كأنه(عليه‌السلام )قال:لا بقي منكم مخبر.و يروى آبز بالزاي المعجمة و هو الواثب و الهالك،أيضا يقال له:آبز

١٢٩

الحاصب الريح الشديدة التي تثير الحصباء،و هو صغار الحصى،و يقال لها أيضا:حصبة،قال لبيد:

جرت عليها إذ خوت من أهلها

أذيالها كل عصوف حصبه

فأما التفسيرات التي فسر بها الرضيرحمه‌الله تعالى قوله(عليه‌السلام ):آبر فيمكن أن يزاد فيها،فيقال:يجوز أن يريد بقوله و لا بقي منكم آبر،أي:نمام يفسد ذات البين و المئبرة النميمة،و أبر فلان،أي:نم و الآبر أيضا من يبغي القوم الغوائل خفية مأخوذ من أبرت الكلب إذا أطعمته الإبرة في الخبز،و في الحديث المؤمن كالكلب المأبور و يجوز أن يكون أصله هابر،أي:من يضرب بالسيف فيقطع،و أبدلت الهاء همزة كما قالوا:في آل أهل،و إن صحت الرواية الأخرى آثر بالثاء بثلاث نقط،فيمكن أن يريد به ساجي باطن خف البعير،و كانوا يسجون باطن الخف بحديدة ليقتص أثره رجل آثر و بعير مأثور.و قوله(عليه‌السلام ):فأوبوا شر مآب،أي:ارجعوا شر مرجع و الأعقاب جمع عقب بكسر القاف،و هو مؤخر القدم،و هذا كله دعاء عليهم،قال لهم:أولا أصابكم حاصب،و هذا من دعاء العرب قال تميم بن أبي مقبل:

فإذا خلت من أهلها و قطينها

فأصابها الحصباء و السفان

ثم قال لهم ثانيا:لا بقي منكم مخبر،ثم قال لهم ثالثا:ارجعوا شر مرجع،ثم قال لهم رابعا:عودوا على أثر الأعقاب،و هو مأخوذ من قوله تعالى:( وَ نُرَدُّ

١٣٠

عَلى‏ أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اَللَّهُ ) ،و المراد انعكاس حالهم و عودهم من العز إلى الذل،و من الهداية إلى الضلال.و قوله(عليه‌السلام ):و أثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة فالأثرة هاهنا الاستبداد عليهم بالفي‏ء و الغنائم،و اطراح جانبهم،و قال النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )للأنصار ستلقون بعدي أثرة،فاصبروا حتى تلقوني.

١٣١

أخبار الخوارج و ذكر رجالهم و حروبهم

و اعلم أن الخوارج على أمير المؤمنين(عليه‌السلام )كانوا أصحابه و أنصاره في الجمل و صفين قبل التحكيم،و هذه المخاطبة لهم،و هذا الدعاء عليهم،و هذا الإخبار عن مستقبل حالهم،و قد وقع ذلك،فإن الله تعالى سلط على الخوارج بعده الذل الشامل،و السيف القاطع و الأثرة من السلطان،و ما زالت حالهم تضمحل حتى أفناهم الله تعالى و أفنى جمهورهم،و لقد كان لهم من سيف المهلب بن أبي صفرة،و بنيه الحتف القاضي و الموت الزؤام.و نحن نذكر من أخبار الخوارج و حروبهم هاهنا طرفا.

عروة بن حدير

فمنهم عروة بن حدير أحد بني ربيعة بن حنظلة من بني تميم،و يعرف بعروة بن أدية و أدية جدة له جاهلية،و كان له أصحاب و و أتباع و شيعة،فقتله زياد في خلافة معاوية صبرا.

نجدة بن عويمر الحنفي

و منهم نجدة بن عويمر الحنفي كان من رؤسائهم،و له مقالة مفردة من مقالة الخوارج

١٣٢

و له أتباع و أصحاب،و إليهم أشار الصلتان العبدي بقوله:

أرى أمة شهرت سيفها

و قد زيد في سوطها الأصبحي

بنجدية أو حررية

و أزرق يدعو إلى أزرقي

فملتنا أننا مسلمون

على دين صديقنا و النبي

أشاب الصغير و أفنى

الكبير مر الغداة و كر العشي

إذا ليلة أهرمت يومها

أتى بعد ذلك يوم فتي

نروح و نغدو لحاجاتنا

و حاجة من عاش لا تنقضي

تموت مع المرء حاجاته

و تبقى له حاجة ما بقي

و كان نجدة يصلي بمكة بحذاء عبد الله بن الزبير في جمعة [ في كل جمعة ]،و عبد الله يطلب الخلافة،فيمسكان عن القتال من أجل الحرم.و قال الراعي يخاطب عبد الملك:

إني حلفت على يمين برة

لا أكذب اليوم الخليفة قيلا

ما إن أتيت أبا خبيب وافدا

يوما أريد لبيعتي تبديلا

و لما أتيت نجيدة بن عويمر

أبغي الهدى فيزيدني تضليلا

من نعمة الرحمن لا من حيلتي

أنى أعد له علي فضولا

و استولى نجدة على اليمامة و عظم أمره حتى ملك اليمن،و الطائف،و عمان،و البحرين،و وادي تميم،و عامر،ثم إن أصحابه نقموا عليه أحكاما أحدثها في مذهبهم،منها قوله:إن

١٣٣

المخطئ بعد الاجتهاد معذور،و إن الدين أمران معرفة الله،و معرفة رسوله،و ما سوى ذلك،فالناس معذورون بجهله إلى أن تقوم عليهم الحجة،فمن استحل محرما من طريق الاجتهاد،فهو معذور حتى أن من تزوج أخته أو أمه مستحلا لذلك بجهالة،فهو معذور و مؤمن فخلعوه و جعلوا اختيار الإمام إليه،فاختار لهم أبا فديك أحد بني قيس بن ثعلبة،فجعله رئيسهم،ثم إن أبا فديك أنفذ إلى نجدة،بعد من قتله،ثم تولاه بعد قتله طوائف من أصحابه بعد أن تفرقوا عليه،و قالوا قتل مظلوما.

المستورد بن سعد التميمي

و منهم المستورد بن سعد أحد بني تميم كان ممن شهد يوم النخيلة،و نجا بنفسه فيمن نجا من سيف علي(عليه‌السلام )،ثم خرج بعد ذلك بمدة على المغيرة بن شعبة،و هو والي الكوفة لمعاوية بن أبي سفيان في جماعة من الخوارج،فوجه المغيرة إليه معقل بن قيس الرياحي،فلما تواقفا دعاه المستورد إلى المبارزة و قال له:علام تقتل الناس بيني و بينك ؟ فقال معقل:النصف سألت فأقسم عليه أصحابه،فقال:ما كنت لآبى عليه،فخرج إليه فاختلفا ضربتين خر كل واحد منهما من ضربة صاحبه قتيلا.و كان المستورد ناسكا كثير الصلاة،و له آداب و حكم مأثارة.

حوثرة الأسدي

و منهم حوثرة الأسدي خرج على معاوية في عام الجماعة في عصابة من الخوارج،فبعث إليه معاوية جيشا من أهل الكوفة،فلما نظر حوثرة إليهم.قال لهم:يا أعداء الله،أنتم بالأمس تقاتلون معاوية لتهدوا سلطانه،و أنتم اليوم تقاتلون معه لتشدوا سلطانه،فلما

١٣٤

التحمت الحرب قتل حوثرة قتله رجل من طيئ و فضت جموعه.

قريب بن مرة و زحاف الطائي

و منهم قريب بن مرة الأزدي و زحاف الطائي كانا عابدين مجتهدين من أهل البصرة،فخرجا في أيام معاوية في إمارة زياد،و اختلف الناس أيهما كان الرئيس،فاعترضا الناس،فلقيا شيخا ناسكا من بني ضبيعة من ربيعة بن نزار فقتلاه،و كان يقال له رؤبة الضبعي،و تنادى الناس فخرج رجل من بني قطيعة من الأزد،و في يده السيف فناداه الناس من ظهور البيوت الحرورية أنج بنفسك،فنادوه لسنا حرورية نحن الشرط فوقف فقتلوه،فبلغ أبا بلال مرداس بن أدية خبرهما،فقال قريب:لا قربه الله و زحاف لا عفا الله عنه ركباها عشواء مظلمة يريد اعتراضهما الناس،ثم جعلا لا يمران بقبيلة إلا قتلا من وجدا حتى مرا على بني علي بن سود من الأزد،و كانوا رماة كان فيهم مائة يجيدون الرمي،فرموهم رميا شديدا،فصاحوا:يا بني علي البقيا لا رماء بيننا،فقال رجل من بني علي بن سود:

لا شي‏ء للقوم سوى السهام

مشحوذة في غلس الظلام

فعرد عنهم الخوارج و خافوا الطلب،و اشتقوا مقبرة بني يشكر حتى نفذوا إلى مزينة ينتظرون من يلحق بهم من مضر و غيرها،فجاءهم ثمانون و خرجت إليهم بنو طاحية من بنو سود و قبائل من مزينة،و غيرها فاستقتلت الخوارج،و حاربت حتى قتلت عن آخرها،و قتل قريب و زحاف.

١٣٥

و منهم أبو بلال مرداس بن أدية،و هو أخو عروة بن حدير الذي ذكرناه أولا خرج في أيام عبيد الله بن زياد،و أنفذ إليه ابن زياد عباس بن أخضر المازني فقتله،و قتل أصحابه و حمل رأسه إلى ابن زياد،و كان أبو بلال عابدا ناسكا شاعرا،و من قدماء أصحابنا من يدعيه لما كان يذهب إليه من العدل،و إنكار المنكر و من قدماء الشيعة من يدعيه أيضا.

نافع بن الأزرق الحنفي

و منهم نافع بن الأزرق الحنفي،و كان شجاعا مقدما في فقه الخوارج،و إليه تنسب الأزارقة،و كان يفتي بأن الدار دار كفر و أنهم جميعا في النار،و كل من فيها كافر إلا من أظهر إيمانه،و لا يحل للمؤمنين أن يجيبوا داعيا منهم إلى الصلاة،و لا أن يأكلوا من ذبائحهم،و لا أن يناكحوهم و لا يتوارث الخارجي و غيره،و هم مثل كفار العرب و عبدة الأوثان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف و القعد بمنزلتهم و التقية لا تحل ؛ لأن الله تعالى يقول:( إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ اَلنَّاسَ كَخَشْيَةِ اَللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ) ،و قال فيمن كان على خلافهم:( يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) ،فتفرق عنه جماعة من الخوارج منهم نجدة بن عامر،و احتج نجدة بقول الله تعالى:( وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ ) ،فسار نجدة و أصحابه إلى اليمامة،و أضاف نافع إلى مقالته التي قدمناها استحلاله الغدر بأمانته لمن خالفه،فكتب نجدة إليه:

١٣٦

أما بعد،فإن عهدي بك و أنت لليتيم كالأب الرحيم،و للضعيف كالأخ البر تعاضد قوى المسلمين،و تصنع للأخرق منهم لا تأخذك في الله لومة لائم،و لا ترى معونة ظالم كذلك كنت أنت و أصحابك،أو لا تتذكر قولك:لو لا أني أعلم أن للإمام العادل مثل أجر رعيته ما توليت أمر رجلين من المسلمين،فلما شريت نفسك في طاعة ربك ابتغاء مرضاته،و أصبت من الحق فصه،و صبرت على مره تجرد لك الشيطان،و لم يكن أحد أثقل عليه وطأة منك و من أصحابك،فاستمالك و استهواك و أغواك،فغويت و أكفرت الذين عذرهم الله تعالى في كتابه من قعدة المسلمين و ضعفتهم،قال الله عز و جل و قوله الحق و وعده الصدق:( لَيْسَ عَلَى اَلضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى اَلْمَرْضى‏ وَ لا عَلَى اَلَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ) ،ثم سماهم تعالى أحسن الأسماء فقال:( ما عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) ،ثم استحللت قتل الأطفال،و قد نهى رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )عن قتلهم،و قال الله جل ثناؤه:( وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ،و قال سبحانه في القعدة خيرا فقال:( وَ فَضَّلَ اَللَّهُ اَلْمُجاهِدِينَ عَلَى اَلْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) ،فتفضيله المجاهدين على القاعدين لا يدفع منزلة من هو دون المجاهدين أو ما سمعت قوله تعالى:( لا يَسْتَوِي اَلْقاعِدُونَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي اَلضَّرَرِ ) ،فجعلهم من المؤمنين و فضل عليهم المجاهدين بأعمالهم،ثم إنك لا تؤدي أمانة إلى من خالفك،و الله تعالى قد أمر أن تؤدى الأمانات إلى أهلها،فاتق الله في نفسك و اتق يوما لا يجزى فيه والد عن ولده،و لا مولود هو جاز عن والده شيئا،فإن الله بالمرصاد و حكمه العدل،و قوله الفصل و السلام.

١٣٧

فكتب إليه نافع:أما بعد،أتاني كتابك تعظني فيه،و تذكرني،و تنصح لي و تزجرني،و تصف ما كنت عليه من الحق،و ما كنت أوثره من الصواب،و أنا أسأل الله أن يجعلني من القوم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.و عبت علي ما دنت به من إكفار القعدة،و قتل الأطفال،و استحلال الأمانة من المخالفين،و سأفسر لك إن شاء الله.أما هؤلاء القعدة فليسوا كمن ذكرت ممن كان على عهد رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )؛ لأنهم كانوا بمكة مقهورين محصورين لا يجدون إلى الهرب سبيلا،و لا إلى الاتصال بالمسلمين طريقا و هؤلاء قد تفقهوا في الدين،و قرءوا القرآن،و الطريق لهم نهج واضح،و قد عرفت ما قال الله تعالى فيمن كان مثلهم إذ قالوا:( كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اَلْأَرْضِ فقال أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اَللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ) ،و قال سبحانه:( فَرِحَ اَلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اَللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ ) ،و قال:( وَ جاءَ اَلْمُعَذِّرُونَ مِنَ اَلْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ) ،فخبر بتعذيرهم و أنهم كذبوا الله و رسوله،ثم قال:( سَيُصِيبُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) ،فانظر إلى أسمائهم و سماتهم.و أما الأطفال،فإن نوحا نبي الله كان أعلم بالله مني و منك،و قد قال:( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى اَلْأَرْضِ مِنَ اَلْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً ) ،فسماهم بالكفر و هم أطفال و قبل أن يولدوا،فكيف كان ذلك

١٣٨

في قوم نوح و لا تقوله في قومنا،و الله تعالى يقول:( أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي اَلزُّبُرِ ) ،و هؤلاء كمشركي العرب لا يقبل منهم جزية و ليس بيننا و بينهم إلا السيف أو الإسلام.و أما استحلال أمانات من خالفنا،فإن الله تعالى أحل لنا أموالهم كما أحل دماءهم لنا،فدماؤهم حلال طلق و أموالهم في‏ء للمسلمين،فاتق الله و راجع نفسك،فإنه لا عذر لك إلا بالتوبة،و لن يسعك خذلاننا و القعود عنا،و ترك ما نهجناه لك من مقالتنا،و السلام على من أقر بالحق و عمل به.و كتب إلى من بالبصرة من المحكمة:أما بعد،فإن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون،إنكم لتعلمون أن الشريعة واحدة،و الدين واحد،ففيم المقام بين أظهر الكفار،ترون الظلم ليلا و نهارا،و قد ندبكم الله عز و جل إلى الجهاد،فقال:( وَ قاتِلُوا اَلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ) ،و لم يجعل لكم في التخلف عذرا في حال من الأحوال،فقال:( اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً ) ،و إنما عذر الضعفاء و المرضى و الذين لا يجدون ما ينفقون،و من كانت إقامته لعلة،ثم فضل عليهم مع ذلك المجاهدين،فقال:( لا يَسْتَوِي اَلْقاعِدُونَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي اَلضَّرَرِ وَ اَلْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ ) ،فلا تغتروا و تطمئنوا إلى الدنيا،فإنها غرارة مكارة لذتها نافدة،و نعيمها بائد حفت بالشهوات اغترارا،و أظهرت حبرة،و أضمرت عبرة،فليس آكل منها أكلة تسره،و لا شارب منها شربة تؤنقه إلا و دنا بها درجة إلى أجله،و تباعد بها مسافة من أمله،و إنما جعلها الله دار المتزود منها إلى النعيم المقيم،و العيش السليم فليس يرضى بها حازم دارا،و لا حكيم قرارا،فاتقوا الله و تزودوا

١٣٩

فإن خير الزاد التقوى،و السلام على من اتبع الهدى.فلما أظهر نافع مقالته هذه و انفرد عن الخوارج بها أقام في أصحابه بالأهواز يستعرض الناس،و يقتل الأطفال،و يأخذ الأموال،و يجبي الخراج،و فشا عماله بالسواد،فارتاع لذلك أهل البصرة،و اجتمع منهم عشرة آلاف إلى الأحنف،و سألوه أن يؤمر عليهم أميرا يحميهم من الخوارج و يجاهد بهم،فأتى عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب،و هو المسمى ببة،فسأله أن يؤمر عليهم و ببة يومئذ أمير البصرة من قبل ابن الزبير،فأمر عليهم مسلم بن عبيس بن كريز،و كان دينا شجاعا،فلما خرج بهم من جسر البصرة أقبل عليهم،و قال:أيها الناس،إني ما خرجت لامتيار ذهب و لا فضة،و إني لأحارب قوما إن ظفرت بهم،فما وراءهم إلا السيوف و الرماح،فمن كان شأنه الجهاد فلينهض،و من أحب الحياة فليرجع.فرجع نفر يسير و مضى الباقون معه،فلما صاروا بدولاب خرج إليهم نافع و أصحابه فاقتتلوا قتالا شديدا،حتى تكسرت الرماح و عقرت الخيل،و كثر الجراح و القتل،و تضاربوا بالسيوف و العمد فقتل ابن عبيس أمير أهل البصرة،و قتل نافع بن الأزرق أمير الخوارج،و ادعى قتله سلامة الباهلي،و كان نافع قد استخلف عبيد الله بن بشير بن الماحوز السليطي اليربوعي،و استخلف ابن عبيس الربيع بن عمرو الأجذم الغداني اليربوعي،فكان الرئيسان من بني يربوع فاقتتلوا بعد قتل ابن عبيس و نافع قتالا شديدا نيفا،و عشرين يوما حتى قال الربيع لأصحابه إني رأيت البارحة،كأن يدي

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496