الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي28%

الاقتصاد الإسلامي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 140

الاقتصاد الإسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 140 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38520 / تحميل: 6655
الحجم الحجم الحجم
الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وقت أبناء شعبنا البطل، بل يجب أن يبقى بعضه حراً من أجل بناء ذواتهم الانسانية، وسمو معنوياتهم الالهية.

٣ - الاعتدال في الاستهلاك، ومكافحة الاسراف، ورفض أي نوع من أنواع الاقتصاد المفني للامكانيات التي وفرها اللّه في الطبيعة وجعلها تحت تصرفنا من أجل تمشية أمورنا المعاشية.

٤ - الحفاظ على حرية الانسان فيما يخص العامل الاقتصادي، في مقابل الذين يعتبرون الانسان حيواناً اقتصادياً فيتخذون منه عبداً للاقتصاد الرأسمالي الخاص أو الاقتصاد الحكومي أو بتعبير أصح، عبداً للرأسمالية الخاصة أو لرأسمالية الدولة، اذ يجب الحفاظ على حرية الانسان فيما يرتبط بالعامل الاقتصادي.

٥ - التأكيد على استقلال البلاد اقتصادياً بحيث يقف مجتمعنا على قدميه - من الناحية الاقتصادية - بشكل حقيقي، فينتج بنفسه، ويستهلك ما يناسب حاجاته، ولا يكون تابعاً للآخرين اذ أن التبعية الاقتصادية أصبحت اليوم أساساً وجذراً لجميع أنواع التبعية الأخرى، وهي مما لا يتلاءم مع استقلال المجتمع.

٦ - التأكيد على التكامل الفني والصناعي، لأن التقدم الصناعي دليل نمو الانسان ولا ينبغي التغافل عنه في أي وقت من الأوقات، ويجب التأكيد عليه في التخطيط الاقتصادي للمجتمع.

٧ - اقامة العدالة الاقتصادية في الامور التي لم تراع فيها العدالة الاقتصادية سابقاً، فقد تعرض الكثير من الأموال العامة سابقاً للنهب والسلب - سواء من بيت المال أو من المصادر الطبيعية التي خلقها اللّه لنا جميعاً - إذاً يجب استعادة جميع هذه الأموال المغصوبة.

هذه هي الابعاد الأساسية السبعة لفصل الاقتصاد، وقد أولت المادة (٤٣) - في الحقيقة - اهتماماً عظيماً بكثير من هذه الأبعاد، وها نحن نستعرض معاً هذه المادة :

المادة الثالثة والأربعون

من أجل ضمان الاستقلال الاقتصادي للمجتمع، واجتثاث جذور الفقر

١٠١

والحرمان، وتوفير كافة متطلبات الانسان في طريق التكامل والنمو - مع حفظ حريته - يقوم اقتصاد جمهورية ايران الاسلامية على أساس القواعد التالية :

١ - توفير الحاجات الأساسية للجميع : السكن، والغذاء، والملبس، والصحة، والعلاج، والتربية والتعليم، والامكانيات اللازمة لتشكيل الاسرة.

٢ - توفير فرص العمل وامكانياته للجميع، بهدف الوصول الى مرحلة انعدام البطالة ووضع وسائل العمل تحت تصرف كل من هو قادر عليه ولكنه فاقد لوسائله بصورة تعاونية عن طريق الإقراض بلا فائدة، أو عن أي طريق مشروع آخر، بحيث لا ينتهي الى تمركز الثروة وتداولها بأيدي أفراد ومجموعات خاصة، وبحيث لا تتحول الحكومة معه الى رب عمل كبير مطلق، وهذه العملية يجب أن تتم مع ملاحظة الضرورات القائمة في البرامج الاقتصادية العامة للدولة في كل مرحلة من مراحل النمو.

٣ - تنظيم البرنامج الاقتصادي للدولة بصورة يكون معها شكل العمل ومحتواه وساعاته بنحو يمنح كل فرد بالاضافة الى جهوده العملية، الفرصة والقدرة الكافيتين لبناء ذاته معنوياً وسياسياً واجتماعياً، والمساهمة الفعالة في قيادة الدولة، وتنمية مهاراته ومواهبه.

٤ - توفير الحرية في اختيار العمل، وعدم اجبار الافراد على مزاولة أعمال معينة، ومنع أي استغلال لعمل الآخرين.

٥ - منع الإضرار بالغير، والاحتكار والربا، وبقية المعاملات الباطلة والمحرمة.

٦ - منع الاسراف والتبذير في كافة الشؤون المتعلقة بالاقتصاد، والتي تشمل الاستهلاك والاستثمار والانتاج والتوزيع والخدمات.

٧ - الاستفادة من العلوم والفنون، وتربية متخصصين مهرة حسب الحاجة اليهم، من أجل توسع الاقتصاد الوطني وتقدمه.

٨ - منع تسلط الاقتصاد الأجنبي على الاقتصاد الوطني.

٩ - التأكيد على مضاعفة الانتاج الزراعي والحيواني والصناعي بما يسد الحاجات العامة، ويوصل الدولة الى حد الاكتفاء الذاتي، ويحررها من التبعية.

نلاحظ أن هذه الفقرات التسع للمادة (٤٣) التي تتصدر (١٣) مادة وردت حول الاقتصاد والشؤون المالية في الفصل الرابع من الدستور، تبين الأبعاد

١٠٢

الأساسية السبعة التي ذكرناها، وقد ورد البعد السابع والأخير منفرداً في المادة (٤٩) وسوف نوضحه في حينه.

كان هذا شرحاً مجملاً حول أهداف هذه المادة من الدستور وأبعادها، وسنقوم الآن بشرح كل من تلك الأهداف والأبعاد :

لقد طرحت في بداية المادة (٤٣) ثلاثة أبعاد اعتبرت أبعاداً أساسية وهي : الاستقلال الاقتصادي، ومكافحة الفقر والحرمان وتأمين الحاجات، وأخيراً الحفاظ على حرية الانسان فيما يخص الاقتصاد، ولكن ولأهمية الأبعاد الأربعة الأخرى التي وردت في بنود هذه المادة فقد وضعتها منذ البدء الى جانب هذه الابعاد الثلاثة لكي تحظى الابعاد السبعة باهتمام أكبر ويجب التخطيط لاقتصاد الجمهورية الاسلامية في ايران على أساس الضوابط التسع.

الفقرة الأولى

حينما يريد الانسان الاستمرار في الحياة، هناك بعض الحاجات الأساسية التي يمكنه العيش بدونها، فلو خلا البيت من الاشياء الكمالية لأمكن الاستمرار في الحياة ولكن هناك بعض الاشياء لو لم تكن موجودة لأصبحت الحياة صعبة حقاً. انه لشيء جيد جداً أن تكون هناك مزهرية في البيت ولكنها لا تعد من الحاجات الأساسية للانسان أو بتعبير أفضل ليست من حاجات الانسان الأولية، حيث نقصد هنا بالحاجات الاساسية الحاجات الأولية، أما السبب الذي جعلنا نقصد بالحاجات الأساسية الحاجات الأولية فهو أن الفن والذوق والحاجات الفنية والذوقية تعتبر من وجهة نظرنا من الحاجات الأساسية والأصلية للانسان، ولكنها ليست من حاجاته الأولية التي هي عبارة عن : المسكن والمأكل والملبس والوقاية والعلاج والتربية والتعليم والامكانات اللازمة لتشكيل الأسرة.

المأكل : الانسان بحاجة الى المأكل. أي ان الغذاء حاجة من حاجاته الأولية، وحينما نتحدث عن «الغذاء» نقصد بذلك الغذاء الذي يحتاج اليه الانسان، لا تلك الموائد الملونة المليئة بأنواع الطعام والشراب، والتي تتجاوز كثيراً حاجة الانسان، وتعرِّضُ صحته للخطر، وتصيبه بأمراض جهازي الهضم والدوران، فالغذاء يعني ذلك الغذاء العام الذي يحتاج اليه الجميع.

الملبس : الكل يحتاج الى الملبس. أي انه بحاجة الى كمية من الملابس تقل في فصل الحر وتزداد في فصل البرد، وتتخذ في البيت شكلاً وفي خارجه شكلاً

١٠٣

آخر وكمية أكبر، وهذه حاجة من حاجات الانسان الأولية.

المسكن : الكل يحتاج الى مكان يتمكن من الاستراحة فيه بمقدار كاف، فقد يملك الانسان مكاناً جيداً ولكنه لا استراحة له فيه، أو يغط في النوم نتيجة التعب وهذا لا يكفي، المسكن يعني المكان الذي يسكن فيه الانسان، أي انه يأتي بعد أن ينتهي من سعيه اليومي ليسكن فيه ويهدأ باله، يجب ان يكون له - على الأقل - مكان يستطيع فيه أن يخلد الى الهدوء والسكينة، وحقاً ينبغي لهذا السكون والهدوء الجسمي أن يرافقه الاطمئنان النفسي، وعليه فهو بحاجة الى المسكن الذي يوفر له الاستقرار والهدوء، بعد السعي وعدم الاستقرار الذي يلاقيه طوال اليوم.

الصحة والعلاج : ينبغي للانسان أن يكون سليم الجسم، فالمرض غير مرغوب فيه من أي إنسان، إذ أنه يتعذب به، وعليه يجب توفير امكانات السلامة والصحة له.

التربية والتعليم : التعليم حاجة من حاجات الانسان الطبيعية والاجتماعية، وهناك مثل دارج في اوساطنا الشعبية يقول : «الانسان الأمي انسان أعمى» وهذا هو عين الصواب، فلو جاء أحدهم مثلاً ودخل احدى المدن لوجب عليه من أجل الحصول على عنوان معين أن يسأل كل من يصادفه في طريقه، ولو كان يحسن القراءة والكتابة ويستطيع الاستفادة من الخارطة لأمكننا أن ندله على ما يريد بخارطة واحدة وقد يحدث حيناً أن يأتي أناس أميون فيتوقفون في الطريق ليسألوا الآخرين عن العنوان الذي يقصدونه.

الامكانات اللازمة لتشكيل الأسرة : الزواج حاجة من حاجات البنين والبنات، فلو وفرنا للولد أو البنت كل شيء بما في ذلك المسكن والمأكل والملبس والتعليم والصحة والعلاج ولكننا لم نهيِّئ لأيٍّ منهما زوجاً أو زوجة، فانه سيشعر بالنقص، فالحاجة الى الزوج أو الزوجة، والحاجة الى تكوين الأسرة ليست فقط حاجة تدعو إليها الغريزة الجنسية، اذ اننا نلاحظ أن أزواجاً وزوجات لا يرزقون أولاداً بعد زواجهم فيشعرون بنقص كبير، فمسألة الزواج ليست لمجرد اشباع الغريزة الجنسية، فالانسان يحتاج الى مركز اشعاع عاطفي تكون فيه علاقاته بالآخرين علاقة عاطفية ودافئة ومليئة بالاخلاص والاطمئنان، وما أفضل أولئك الآباء الذين يفرغون من عملهم اليومي فيقضون ساعة الى جانب ابنائهم وباقي افراد

١٠٤

أسرتهم ليشعروا في تلك الساعة بالهدوء والراحة والدفء التي توفرها الحياة العائلية ويلتذوا بها.

فمسألة الحاجة الى تشكيل الاسرة مسألة مطروحة، ولهذا لم نذكر هنا مجرد اعداد الامكانات اللازمة للزواج وتوفيرها، لأن ذلك ناقص لذا فقد ثُبِّت في الدستور وجوب توفير الامكانات اللازمة للجميع لتشكيل الأسرة حيث أخذ بنظر الاعتبار في الحقيقة هدف الزواج على اساس المعارف الاسلامية أيضاً.

فالفقرةالأولى تقول : ينبغي لاقتصادنا، ونظامنا الاقتصادي، وقوانيننا الاقتصادية التي يقرها المجلس، والخطط التي تضعها الدوائر المختلفة، أن تسير جميعاً باتجاه تأمين هذه الحاجات للجميع.

وحين كنا نطرح هذه المادة في بعض الأماكن كان يُتصوَّرُ أن تحقيق هذه الأمور ميسور جداً في الجمهورية الاسلامية والحمد للّه، اذ سوف تشرع أجهزة الدولة بالعمل فتبني لكل منا مسكناً، وتعد لنا الطعام في المطاعم وتهيِّئ لنا في كل سنة ما نحتاج اليه من الملابس لصغارنا وكبارنا وتوزعها علينا في بيوتنا، وتوفر المتطلبات الصحية والعلاجية للجميع، وكذلك الظروف التعليمية، وفيما يختص بتشكيل الأسرة تسعى لتوفير زوج لكل فتاة وزوجة لكل فتى وتوفير جميع المصاريف اللازمة لحفل زفاف بسيط، فهل المقصود (بهذه المادة) أن تنجز الدولة بنفسها وبشكل مباشر جميع هذه الأعمال ؟ لو أريد لاقتصادنا يوماً أن يسير باتجاه يجعل الدولة توفر لنا جميع هذه الامكانات وتسلمها لنا، لكان هذه أسوأ نوع من أنواع الاقتصاد، اذ لم يكن يخطر بالبال شيء من هذا القبيل عند تدوين الدستور. إنّ ما حظي باهتمام الدستور هو أن يتجه الهيكل الاقتصادي وتوزيع الدخل وتوفير فرص العمل وعمليات التخطيط الاقتصادي باتجاه يوفر هذه الحاجات بواسطة العمل المبدع والفعال للناس أنفسهم، وأن لا يكون هناك من يكدح منذ الصباح وحتى المساء ثم لا يملك غرفة واحدة بعد ثلاثين سنة من هذا الكدح فهذه من دلالات مرض النظام الاقتصادي، اننا نشاهد الآن الكثير ممن يملكون في بيوتهم غرفاً خالية يستفيدون منها عدة أشهر أحياناً بينما هناك الكثير ممن لا يملكون حتى غرفة عرضها ثلاثة أمتار وطولها أربعة وهم يشكلون أسرة تتألف من ثمانية أشخاص بل يسكنون غرفة صغيرة يجب عليهم أن يدفعوا لمالكها مبلغاً كبيراً من المال أجرة عنها، اننا نقول بوجوب القضاء على هذا الأمر المتمثل في امتلاك البعض عدة غرف

١٠٥

للضيوف بينما لا يملك البعض الآخر حتى غرفة واحدة، حيث توجد في بلادنا من هذه الحالات ما لا يعد ولا يحصى، فتوفير المسكن يعني اذن أن تتجه سياسة الجمهورية الاسلامية باتجاه بناء المساكن وتوزيعها بشكل يمكن الجميع من اعداد مساكن لأنفسهم تناسب قابلياتهم لا أن تبني الحكومة مساكن للجميع وتوزعها عليهم بالبطاقات والحصص.

وكذلك الأمر بشأن المأكل والملبس، إذ ينبغي لسياسة الدولة تبنّي توزيع الدخل والبضائع التي تستعمل كأغذية وملابس بشكل يمكّنُ الجميع من توفير ذلك لأنفسهم، لا أن تتمكن طبقة معينة ومجموعة محدودة من تناول عشرات أنواع الاطعمة، ويعجز الكثير عن اعداد نوع واحد منها، ويملك البعض أكثر من ثلاثين نوعاً من الملابس المختلفة الألوان يستغنون عنها بعد استعمالها مرتين فقط، ولا يتمكن الكثيرون من توفير الملابس اللازمة لوقايتهم ووقاية أطفالهم من الاصابة بالبرد، وهكذا ينبغي تخطيط وتنظيم أسلوب توزيع الثروة والبضائع الخاصة بالملابس.

أما الصحة والعلاج فيمكن أن يكونا حكوميين، اننا نعتقد بأن (التأمين الصحي) يجب أن يكون اجبارياً وعاماً، وأن تقوم الدولة بتوسيع هذا التأمين ليشمل الجميع، ومن ناحية أخرى يجب على جميع المؤسسات العلاجية أن ترتبط بالتأمين، فهذا في نظرنا حل معقول، ولكنه لا علاقة له بالدستور، فالدستور ينص على : «توفير الصحة والعلاج للجميع» أما كيفية هذا التوفير فيجب على المجلس والحكومة تعيينها، أي ان على الشعب ولجان البحث والتحقيق دراسة وتعيين هذا الامر بالطرق الحديثة المتطورة ولكننا نقترح نموذجاً جيداً وهو أن يكون التأمين اجبارياً ويتوسع بوساطة الحكومة بحيث تخضع له جميع المؤسسات العلاجية ليتم حل الكثير من المعضلات العلاجية، وتلعب الحكومة دوراً رئيساً فيما يخص الصحة والعلاج، وأهم منه كثيراً دورها في التربية والتعليم، أي انه يجب على الحكومة توفير فرص التعليم المجاني للجميع.

أما الامكانات اللازمة لتشكيل الأسرة فتعني أنه ينبغي على الدولة مكافحة كافة المراسيم والكماليات والمشاكل المختلفة التي تشكل عقبات في طريق الزواج، إذ ينبغي على الحكومة وعلماء الدين والكتاب والخطاب والشعراء وكتاب المسرح وجميع العاملين في أمور الفن والذوق، أن يسعوا جميعاً من أجل تسهيل

١٠٦

وتبسيط الزواج بين أفراد المجتمع، يجب على الحكومة أيضاً أن تسعى من أجل تحقيق ذلك بوضع القوانين والتعليمات والمحفزات اللازمة له، وتتحمل مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الكبرى هذه مسؤولية أكبر من الجميع بهذا الشأن، يجب تسهيل الزواج، ولكنه مهما أصبح بسيطاً فهو بحاجة الى بعض المقدمات التي يجب على الدولة توفيرها، فمثلاً نرى أحياناً بعض الشبان مستعدين للزواج بعد حصولهم على قرض مقداره عشرة آلاف تومان وهنا يجب على الدولة توفير إمكانات منحهم قروض زواج بدون فوائد، على أن يسددوها خلال فترة طويلة الأمد، وتقدم لهم مساعدات اذا تطلّب الأمر ذلك.

لقد شخصت الفقرة الأولى من المادة الثالثة والاربعين أحد الخطوط الاصلية لاقتصاد الجمهورية الاسلامية، فماذا تمكنا من تقديمه بهذا الصدد منذ اقرار الدستور وحتى الآن ؟ بالتأكيد يمكن القول : إنه تم انجاز مقدار من العمل فيما يخص الفقرة الأولى، ولكن هذا المقدار قليل جداً، فعلى حكومة الجمهورية الاسلامية وعلى مجلس الشورى الاسلامي أن يسرعا من أجل تطبيق هذه الفقرة باعداد قوانين وأطروحات وخطط تنفيذية كثيرة وتوفير عوامل التنفيذ، ولكن يمكن القول : إنّ أوضاعنا بعد هذه الشهور العديدة من الحرب أفضل بكثير من أوضاع بلاد قضت مثل هذه الشهور متضرِّرَةً بالحرب، وهذا دليل على ما أنجز من أعمال، وانني أعتقد أن نظام توزيع المواد الضرورية بالحصص الذي بدئ العمل به هو من الأعمال التي انجزت من اجل تطبيق هذه الفقرة من المادة (٤٣) من الدستور.

الفقرة الثانية

لو تقرر أن يوفر الانسان حاجاته في ظل عمله المبدع فسوف تكون مسألته الأصلية هي القدرة على العمل، فهناك الكثير من الأفراد - في نظام اجتماعي معين - يريدون العمل ولكنهم يفتقرون الى امكاناته، وينبغي لحصيلة عمل هؤلاء أن تعود عليهم، فهناك الكثير من الأفراد في بعض الانظمة الاجتماعية يعملون وينتجون قيمة فائضة كبيرة ولكنها لا تكون من نصيبهم اذ يعملون منذ الصباح وحتى المساء دون أن توفر لهم تلك الحاجات الأولية التي ذكرناها، لذا وجب أن يُدوّن دستورنا بشكل يجعل نظامنا الاقتصادي يُمكِّن أولئك القادرين على العمل من أن تتوفر لديهم امكاناته أوّلاً، ويجعل حصيلة اتعابهم تعود عليهم لا

١٠٧

على الآخرين ولا تصرف في الامور غير المفيدة أو قليلة الفائدة والتي لا تمثل إلا مظاهر الأبّهة والعظمة الكاذبة ثانياً. فمن اجل تحقيق الامرين السابقين اقتُرِح تدوين هذه الفقرة. وقد اقترحت أنا تدوين هذه الفقرة حينما كان البحث يدور حول المسألة الاقتصادية، وقد كان يتبادر الى الذهن أنها أحد المفاتيح الأساسية لحل المشكلات الاقتصادية والمحافظة على أسلوب اللاشرقية واللاغربية في نظامنا الاقتصادي، ومنذ بداية اقتراح هذه الفقرة فقد كانت تبدو في نظر بعض الاخوة الذين اشتركوا في تلك المجموعة مجرد اقتراح نظري، ولكن ظهر بعد التوضيحات التي أعطيت بهذا الصدد أن هذه الفقرة سوف تكون واحداً من المبادئ الاقتصادية المهمة لمجتمعنا ونظامنا، وعليه فإنني سعيد إذ سنحت لي الآن هذه الفرصة لكي أوضح هذه الفقرة المقترحة لشعبنا وجماهيرنا، وألفت بشكل خاص انتباه خبراء الاقتصاد الى أن هذا الموضوع ولو أنه ورد على شكل فقرة من فقرات المادة (٤٣) من الدستور الا أنه في حقيقته سوف يكون واحداً من مبادئنا الاقتصادية المستقبلية المهمة.

وها نحن نستعرض معاً هذه الفقرة :

(توفير فرص العمل وإمكانياته للجميع، بغية الوصول الى مرحلة انعدام البطالة، ووضع وسائل العمل تحت تصرف كل من هو قادر عليه - ولكنه فاقد لوسائله - بصورة تعاونية عن طريق الاقراض بدون فوائد أو أي طريق مشروع آخر، بحيث لا ينتهي ذلك الى تمركز الثروة وتداولها بأيدي أفراد ومجموعات خاصة، وبحيث لا تتحول الحكومة معه الى رب عمل كبير مطلق، وهذه العملية يجب أن تتم مع ملاحظة الضرورات القائمة في البرامج الاقتصادية العامة للدولة في كل مرحلة من مراحل النمو).

هناك عدة نقاط مهمة في هذه الفقرة سنبدأ بشرحها فيما يلي :

١ - مكافحة البطالة

يجب على البرنامج الاقتصادي أن يتجه نحو توفير العمل لجميع الأفراد لأن البطالة بحد ذاتها - وبغض النظر عن بعدها الاقتصادي - مرض اجتماعي، فكثير من الأمراض الأخلاقية، والأعمال الشائنة والفاسدة والاجرامية، وليدة البطالة، وهناك الآن مجموعة من الناس تملك كل شيء كالبيت ووسائل العيش

١٠٨

والمأكل والملبس وغيرها ولكن بما أنها قد تربّت في المجتمع بدلال، وتوفرت لها جميع هذه الأشياء دون أن تبذل أي جهد، فقد أصبحت الحياة متعبة بالنسبة لها. فالعمل يضفي على الحياة البهجة والنشاط وهو صانع الحياة والرجال، ولهذا جاءت أهمية العمل من الناحية الاجتماعية والاخلاقية بغض النظر عن أهميته الاقتصادية الفائقة، وقد نصت هذه الفقرة على أنه ينبغي أن يكون نظامنا الاقتصادي وبرامجنا بشكل يوفر للجميع امكانات العمل من أجل الوصول الى مرحلة انعدام البطالة، ويجب على الكل أن يحصلوا على عمل يشتغلون به فلا يبقى بعدئذ في بلادنا عاطل عن العمل او متعطل عنه، والمتعطِّلُ عن العمل عادة هو ذلك الذي ليس لديه استعداد للقيام بأي عمل ولم يكلف نفسه عناء تعلُّم أية مهنة وحتى لو أراد العمل فانه غير قادر عليه، أما العاطل فهو الذي يتقن عملاً معيناً ولكن هذا العمل غير مُيَسّرٍ له، اذن النقطة الأولى هي مكافحة البطالة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية.

٢ - القضاء على البطالة بشكل كامل :

تنتشر البطالة في مجتمعنا الآن انتشاراً واسعاً بشكليها : المقنع والنسبي، فكثير من العاملين في مؤسساتنا الادارية يعملون ظاهراً منذ الصباح وحتى العصر (في السابق كانوا يعملون ٣٥ - ٣٧ ساعة في الأسبوع والآن تقرر أن يعملوا ٤٤ ساعة في الأسبوع) ولكنهم حين يحضرون (٧) ساعات في محل عملهم يومياً فانهم لا يعلمونطوال هذه الساعات السبع، بل يعملون ساعة أو ساعتين ويظلون بقية الساعات بلا عمل، وهناك الكثير ممن يعملون طوال هذه الساعات السبع ولكنهم لا يؤدون عملاً مجدياً، ويطلق على هذه الحالات اسم البطالة المقنّعة وعليه يجب أن يكون الهدف من الخطط الاقتصادية هو الاشتغال الكامل المستوعب(١) . إذن فالنقطة الثانية هي الوصول الى مرحلة القضاء على البطالة بشكل تام وهي تعني وجوب العمل على الجميع طوال ساعات العمل وبشكل مفيد أيضاً.

٣ - هناك أشخاص يعملون ولكن حصيلة أتعابهم لا تعود عليهم، فحين

____________________

(١) لو ذكرت هنا كلمة «المفيد» الى جانب «الكامل المستوعب» لكان أمراً مناسباً جداً ولكن ولان الفائدة هنا تفهم بشكل طبيعي لذلك لم تستعمل هذه الكلمة مع أنها لو استعملت لوضحت المعنى أكثر.

١٠٩

كنت استطلع - برفقة الاخوة من جهاد البناء - الأعمال التي أنجزها جهاد البناء في قم، قال لي هؤلاء الاخوة - ونحن في الطريق - إن هناك مناطق في هذه الأرجاء كان بعض العاملين يعملون فيها بالزراعة وقد تركوا أعمالهم وانصرفوا عنها، لان صاحب هذه المزرعة كان يقول : بأن محصول هذه المزرعة يجب تقسيمه الى خمس حصص فتعطى واحدة منها للفلاح والبقية لي، ولم يكن هذا في الأزمنة القديمة وحسب بل وحتى قبيل الثورة وفي بدايتها، واضافة الى ذلك فان مالك هذه المنطقة شخص يملك في طهران بعض الاستثمارات أيضاً ولا يرى المنطقة سنوات وسنوات، بل يرسل اليها وكيلاً عنه ليأخذ في نهاية كل سنة حصصه الأربع ويذهب بها اليه، وقد قال الفلاحون إننا لا نستطيع البقاء هنا لاننا لا نستطيع ادارة شؤون حياتنا، فبدأ اخوتنا في جهاد البناء بمكافحة هذه القضية بأن خصصوا مقداراً من اعتمادات جهاد البناء وامكاناته لحفر آبار في مساحات شاسعة من الأراضي، ثم قالوا للفلاحين : إنكم اذا كنتم لا ترغبون في العمل هناك - لأن جزءاً كبيراً من حصيلة أعمالكم وأتعابكم يأخذه ذلك الشخص - فتعالوا واجتمعوا كل أربعة أو خمسة معاً لكي نعطيكم الارض والآبار والمياه والمضخات والامكانات الاخرى في شكل قروض طويلة الامد، ونوقِّعُ معكم عقوداً للعمل، فجاء هؤلاء وساهموا بأنفسهم في إعداد الأرض والآبار والمضخات، وانهمكوا في الزراعة، وقد طوينا في طريقنا عدة كيلومترات من تلك المزارع التي أوجدت حديثاً وبلغ تعدادها سبعين مزرعة، أنقذت كل منها خمسة أو ستة من الفلاحين مع أفراد أسرهم، وقد كانت لهذا العمل نتيجة أخرى وهي أنه حينما قيل لأولئك الفلاحين بأن سوف تُعطى لهم الامكانات للزراعة وأنه لا وجود لشخص يأخذ منهم أربع حصص ويعطيهم حصة واحدة بل ان الجهاد مستعد لأخذ حصة أقل من حصتهم واقتُرحت عليهم المناصفة في البداية والآن اقترحت عليهم حصة، واعتقد أن الأمر سيصل به يوماً الى ان يأخذ منهم فقط أجرة الجرارات ومضخة الماء ويقول لهم : بارك اللّه فيكم، وعلى هذا الاساس فان من المسائل المهمة أن تضع الدولة وسائل العمل تحت تصرف العاملين بنحو لا يضطرهم الى أن يكونوا مرتزقة لدى أولئك الاقطاعيين. والحقيقة أن الفقرة الثانية من المادة (٤٣) تمثل اسلوباً جديداً لمكافحة تسلط رأس المال وأصحابه على طاقات العمل وأصحابها، ويجب أن يُقضى على هذا التسلط حيث وضعت هذه الفقرة أساساً لهذا المشروع النافع، اننا

١١٠

نبشر شعبنا العزيز بأن مقداراً من العمل قد انجز خلال السنة الماضية، وقد وفقت لاستطلاع نموذجين من هذا القبيل (احدهما في بروجن الواقعة في محافظة جهار محال وبختياري والآخر في قم الواقعة في المحافظة المركزية) وطبقاً لإحصائية أعطيت قبل فترة فقد أُنشئت أكثر من (٢٧٠٠) شركة تعاونية صغيرة على هذا الأساس ووفقاً لهذه الخطة، اذ تعين نوع انجاز العمل فيها ولا مجال للحديث عنها هنا، ولكن يمكننا أن نقول بصورة عامة ان ميزة الأسلوب التعاوني تتمثل في أنه يبقي - بشكل دائم - وسائل العمل وامكاناته تحت تصرف العاملين، فتبقى دائماً وسائل العمل والمكائن والارض والآبار وأمثالها تحت تصرف الذين يعملون بأنفسهم، ويتم هذا العمل في صورة منح قروض بدون فوائد، أو بصور مشروعة أخرى وقد يستوجب أحياناً أن نملِّك الافراد هذه الامكانات والوسائل.

ما الهدف ؟

تهدف الفقرة الثانية من المادة (٤٣) من الدستور الى مواجهة نوعي الاقتصاد السائدين في العالم اليوم، وهما النوع الرأسمالي الفردي والجماعي، والنوع الاشتراكي الذي تحول عملياً الى رأسمالية الدولة، فالذي يريد الاقتصاد الاسلامي مكافحته هو تسلّط رأس المال سواء كان هذا التسلط لرأسمال خاص بالأشخاص والجماعات، أو بالدولة، اننا لا بد لنا من القضاء على تسلط رأس المال على العاملين، سواء كان هذا التسلط يجري من قبل الرأسماليين أو من قبل الدولة، فهذه الفقرة تقضي بوضع إمكانات العمل تحت تصرف أصحاب طاقات العمل بنحو يمنع أي شكل من أشكال تسلط أصحاب رؤوس الأموال، فلا تتحول الدولة الى رأسمالي كبير، ولا الاشخاص، والجماعات، وعليه يجب التدقيق والانتباه أكثر لهذه العبارات : «... بحيث لا ينتهي ذلك الى تمركز الثروة وتداولها - أي الى تمركز الثروة وتداولها بين الأيدي - بأيدي أفراد ومجموعات خاصة، وبحيث لا تتحول الحكومة معه الى رب عمل كبير مطلق». ان كلا نوعي تسلط رأس المال خطأ يلحق ضربة بحرية الانسان الاقتصادية أي بذلك الهدف الأساس المتمثل في الحفاظ على حرية الافراد الاقتصادية، ويجب أن ترافق هذا العمل خطة مناسبة له في كل مرحلة من المراحل.

وهناك آصرة قوية جداً بين الفقرة الثانية والفقرة الرابعة التي تنص على

١١١

مراعاة حرية اختيار العمل، وعدم اجبار الافراد على عمل معين، ومنع استغلال جهود الآخرين، ولو أردنا القضاء على الاستغلال لأعمال الآخرين سواء كان حكومياً (استغلال حكومي) أو رأسمالياً (استغلال خاص)، فإنّ من أفضل الحلول في هذا المجال منح وسائل العمل لمن يملك طاقة العمل لكي نمنع تلقائياً استغلال الدولة واستغلال الافراد له، ولتتوفر له حرية اختيار العمل بشكل أكبر، حيث يؤدي ذلك بكل فرد الى الاتجاه حقيقة نحو ما يرغب فيه من عمل، فلا يقول بعدئذ : اني أرغب في العمل بالحدادة ولكن بما أني لا املك الوسائل اللازمة لها، وهناك حاجة لتعيين قراء للمقاييس فسوف أعمل قارئاً للمقاييس. وهذه حالة سائدة الآن، فلو وضعنا تحت تصرفه وسائل العمل وامكاناته فلن يتوجه الى عمل لا يرغب فيه، بل سيتوجه الى عمله المفضل، ولا بد هنا من التخطيط بالطبع. اذ قد نجد في مجتمع معين ألفاً من الذين يرغبون بالحدادة، في وقت لا توجد فيه حاجة لهذا العدد من الحدادين ولا زبائن لهم، وهنا يجب على الدولة أن تخطط لهذا الأمر بشكل لا يؤدي بها الى رفض الحرية بحيث يقال لهؤلاء إن هذه المدينة تحتاج الى (٢٠٠) حداد من مختلف الاختصاصات ولو عمل (٨٠٠) آخرون بالحدادة فلن يشتري أحد منتجاتهم وبهذا سوف يتوجهون من تلقاء أنفسهم وبكل حرية نحو عمل آخر فيختارون المرتبة الثانية من سلم رغباتهم. ومن هذا المنطلق فاننا نولي أهمية لتنفيذ الفقرة (٢) من المادة (٤٣) من الدستور والتي تعتبر في نظرنا حلاً مناسباً لتحقيق أهدافنا الاقتصادية ولكي لا نضطر الى الوقوع في شراك الأنظمة الغربية أو الشرقية، ونؤمن أن الفقرة الرابعة التي تقضي بمراعاة اختيار العمل ومنع الاستغلال فقرة مهمة جداً، ولو أردنا بلوغ مرحلة منع الاستغلال واقتلاع جذوره، وجب علينا الاعتماد على تنفيذ الفقرة (٢) من المادة (٤٣) من الدستور.

آمل ان توفق حكومتنا ومجلسنا ونظامنا الجمهوري الاسلامي وبتعاون أبناء الشعب الى بلوغ مراحل متقدمة من هذا العمل الذي بُدئ بتطبيق نماذج أولية منه وعلى مستويات أوسع، ولو حافظنا على هذا التماسك في اتخاذ القرارات والعمل بها - الذي كان سر انتصارنا - فلن يتأخر نجاحنا في تطبيق هذه الخطط كثيراً.

١١٢

الفقرة الثالثة

(تنظيم البرامج الاقتصادية للدولة بصورة يكون معها شكل العمل ومحتواه وساعاته بنحو يمنح كل فرد - بالاضافة الى جهوده العملية - الفرصة والقدرة الكافيتين لبناء ذاته معنوياً وسياسياً واجتماعياً، والمساهمة الفعالة في قيادة الدولة، وتنمية مهاراته ومواهبه).

كان من الآثار السيئة للنظام الرأسمالي أنه لم يكن يبقي للعامل والموظف (أي العاملين فكرياً ويدوياً) ساعات فراغ كافية من أجل العيش كإنسان، وبناء الذات، وذلك بايجاد دوافع يضطر معها الافراد الى العمل ساعات اضافية خلال أيام الاسبوع، فكانوا يعودون الى بيوتهم أو ربما الى أوكارهم متعبين مرهقين منهوكي القوى. يجب القضاء على هذا الوضع في نظامنا الاقتصادي إذ أنه ما زال قائماً، وينبغي لعمليات التخطيط الاقتصادي مراعاة دخل الموظفين والعمال وذوي المهارات وكل الذين يشتغلون في أعمال معينة لكي تتناسب دخولهم مع نفقاتهم ويحصلوا بالنتيجة على أوقات فراغ خاصة بهم، لا أن يضطروا للركض منذ الفجر وحتى الليل من أجل الحصول على لقمة خبز تشبعهم وتشبع أهليهم، أو من أجل ايجاد مسكن صغير ورخيص يأوون اليه، صحيح أنهم يجب أن يعملوا، ولكن يجب أيضاً أن تكون نسبة دخولهم من العمل الى مصاريفهم العادية نسبة انسانية عادلة ومنصفة.

يتصرفون في بعض الدول - تحت شعار السباق في أعمال التقدم الاقتصادي الملفت للنظر ولكي يكونوا في هذا السباق في مصاف الدول الاقتصادية الاكثر تقدماً وفي المرتبة الاولى منها - بنحو يجعل الناس يتجهون نحو العمل الاقتصادي أكثر من أي عمل آخر، وكأن الأعمال الأخرى التي تهتم بنمو الانسان معنوياً، وبذوقه ونموه الذوقي والفني (طبعاً نقصد هنا الفن الأصيل والسامي لا الفن المبتذل) وحتى بصحة الانسان ليست في الحسبان قط، تلاحظون أنهم يرفعون درجة حرارة سوق الانتاج الى حد يجعل الناس يلهثون وراء الحصول على المال، كل ذلك من أجل أن تكون بلادهم في المرتبة الأولى عالمياً من حيث الانتاج، ترى ماذا يجدي ذلك ؟ يجب أن يكن الانتاج في خدمة الانسان، لا أن يكون الانسان في خدمة الانتاج، المسألة المهمة هنا هي هل يجب أن يكون

١١٣

الاقتصاد في خدمة الانسان أم أن يكون الانسان في خدمة الاقتصاد ؟ النظام الاسلامي يؤكد على وجوب خدمة الاقتصاد للانسان وليس العكس، اننا لا نرغب في أن نكون عبيداً وحيوانات اقتصادية، اننا نرغب في أن نكون بشراً نوفر حاجاتنا الاقتصادية بأيدينا وبمساعينا لتوفير اكبر قدر ممكن من الانتاج، ويجب مراعاة هذا الأمر في البرامج الخاصة بالموظفين والعمال العاملين في القطاعين العام والخاص.

مساهمة الافراد في القضايا الاجتماعية

من الطرق المؤدية الى عزل جماهير الناس وابعادهم عن ميدان السياسة، واتخاذ القرار وتقرير المصير هي أن تقوم بعمل يجعلهم يفكرون طوال اليوم بالمسائل الاقتصادية وينسون القضايا السياسية، وقد تمثل هذا الامر في سياسة البيع والشراء بالأقساط التي ورط النظام السابق الموظفين والعمال فيها، واليوم أيضاً يتكرر هذا الأمر، إذ نجد بعض موظفي الدولة - وخاصة المنتمين منهم الى الطبقات المحرومة - حين يبرزون مستندات راتبهم الشهري نجد فيها الراتب (٤٧٠٠) تومان مثلاً ولكنهم يتسلمون في نهاية الشهر (٣٥٠) توماناً فقط أي (٤٣٥٠) منها قد استقطعت مقدماً، ومن الطبيعي أنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً بهذا المبلغ بل يجب عليه تأمين بقية نفقات الشهر بشكل من الاشكال، وهذا يعني الركض الدائم نحو الحصول على المال، فهل صرفت هذه ال(٤٣٥٠) توماناً من أجل توفير ضروريات حياته ؟ كلا بالطبع، فقد اشترى بها تلفزيوناً ملوناً، أو استبدل ثلاجته، باكبر او بأفضل منها أو اشترى مكنسة كهربائية أرقى نوعاً من التي عنده أو استبدل مفروشات بيته، أو أثاثه، أو - في أحسن الأحوال - اشترى بيتاً لينقذ نفسه من شر الايجار، أو اشترى سيارة. يجب علينا القضاء على هذه السياسات الاقتصادية المقيتة التي تجعل الانسان عبداً للاقتصاد، وننفذ بدلاً منها خططاً وسياسات تجعل الاقتصاد في خدمة الانسان، فلو ركب الانسان دراجة هوائية وهو مطمئن البال لكان ذلك أفضل له من أن يملك سيارة بيكان(١) وقد انتابه القلق بشأن دفع أقساطها الى درجة لا يرغب معها في ركوبها، انه لمن واجبنا حقاً أن نحمي الانسان

____________________

(١) اسم لسيارة تصنع في ايران (المترجم).

١١٤

من قلق التفكير بتسديد القسط في آخر الشهر والذي يقضي على لذته في استعماله لهذه الوسائل، كي لا يضطر للرضوخ الى أي عمل من أجل تأمين نفقاته اليومية، فهناك الكثير من الأعمال الرديئة والقذرة التي لا يقبل بها الافراد بكامل رغبتهم، بل يلجؤون اليها وقت الأزمات الاقتصادية التي تعصف بهم فيضحون بانسانيتهم أو يبيعونها، وينبغي لاقتصاد الجمهورية الاسلامية الوقوف بوجه هذه الأمور واعطاء هؤلاء الافراد فرصة المساهمة في تقرير مصائرهم.

من أين يحصل الانسان - الذي يركض طوال النهار وراء مبلغ ضئيل يدبر به أمور معيشته - على فرصة التفكير في المسائل السياسية ؟ من أين له فرصة قراءة الصحف أو الاستماع الى الاخبار ؟ من أين له فرصة الاشتراك في جلسات التحليل السياسي ؟ ينبغي لافراد هذا البلد الاشتراك مرة كل اسبوع على الأقل في جلسة من جلسات البحث والتحليل السياسي، اذ لا يكفي الاستماع الى أخبار الاذاعة والتلفزيون، أو حتى الاستماع الى جلسات النقاش التلفزيوني أو مشاهدتها، يجب عليهم الاشتراك بأنفسهم في جلسات المناقشة لكي تتولد لديهم القدرة على التحليل، وقد حان الوقت لكي نخصص لهم أوقاتاً حرة تمكنهم من الاشتراك في ادارة البلاد، أي أن يؤدوا بشكل صحيح الدور الذي يحق لكل انسان اداؤه في توجيه أمور البلاد السياسية، ولو أرادوا انتخاب بعض الاشخاص لذلك، فسيكون انتخابهم مبنياً على أساس المعرفة والوعي، وتكون لديهم فرصة التحقيق حول المنتجين، وجميع هذه الأمور تحتاج الى تخصيص وقت للتفكير فيها، فينبغي اذن للخطة الاقتصادية منح هؤلاء الأفراد هذا الوقت وحتى فرصة لصفاء الذهن وفراغ البال.

زيادة المهارة والابداع

ها هنا مسألتان : احداهما زيادة المهارة والأخرى هي الابداع، وزيادة المهارة تعني أنه لو كان هناك شخص يعمل في مكان ما ولديه الاستعداد لتعلم أعمال أخرى، وجب منحه فرصة الاشتراك في دورة تدريب ضمن الخدمة ليستطيع بعد ذلك، العمل في اختصاصه بمستوى أعلى ومهارة أجود وخبرة أكثر. اننا لو رتبنا برنامجنا الاقتصادي بنحو يجعل أصحاب طاقات العمل يشتغلون فقط في عملهم اليومي المعتاد، ولو حصلوا على اجازة لمدة شهرين للاشتراك في دورة

١١٥

تدريبية وقد منعتهم من ذلك، الضائقات الاقتصادية، فسوف يصاب هؤلاء الافراد المستعدون لتنمية مهاراتهم وخبراتهم بالركود الذي يؤدي بهم الى الكسل والخمول، ويحرم المجتمع من مهاراتهم الاضافية، وهذه جريمة لا تغتفر، إذ يجب علينا منح الافراد امكانية تنمية مهاراتهم في المجالات الزراعية والصناعية والفنية والتعليمية. أما المسألة الأخرى فهي الابداع، فالابداع والابتكار كلاهما بحاجة الى صرف مقدار من رأس المال، فالذين يصنعون وسائل جديدة ينهمكون أحياناً ستة أشهر أو أكثر في العمل بوسائل بسيطة في البيت أو الورشة ليحصلوا بعد عدة تجارب على نتيجة مرجوة، وهناك أفراد يراجعوننا باستمرار ويقولون : «اننا ننوي رفع مستوى الابداع والابتكار لدينا، ولكن ذلك يؤدي الى اتلاف ما قيمته (٣٠) ألف تومان من المواد، ويجب منحنا الوسائل اللازمة لنجرب عدة مرات حتى نحصل على نتيجة معينة». ان الدول الأخرى تعمل مثل هذا العمل ثم تبيع ابتكاراتها واختراعاتها لنا بثمن فاحش أي نشتري مخترعات الآخرين بأضعاف المبلغ الذي لا نضعه تحت تصرف المخترع والمبتكر الايراني، وهذه أخطاء لا تتفق ورغبتنا في الاستقلال الاقتصادي، ينبغي لتخطيطنا الاقتصادي أن يجري بشكل يضع الاماكن والامكانات المناسبة لانجاز هذه الأعمال والتجارب تحت تصرف المخترعين والمبتكرين، وعليه لا ينبغي أبداً للدولة أو المؤسسات الخاصة والشركات أن تتساءل : لماذا نهدر المبلغ الفلاني من أجل عمل لا تعرف نتيجته وحصيلته ؟ وهل سينتج منه شيء ينفع أم لا ؟ ما دام هذا التفكير يسيطر على اقتصادنا فلن يجد المبتكرون والمخترعون وأصحاب الأدمغة والأفكار ميداناً ومجالاً مناسبين للنمو في هذا البلد وهذا المجتمع.

وخلاصة القول : إن الفقرة الثالثة تعتمد على المسائل الآتية : شكل العمل، ومحتواه، وساعاته، وزيادة المهارة والابتكار.

١ - شكل العمل : ويرتبط بشكل العمل، كيفية انجازه، هل هي بالمعدات والاجهزة اللازمة، أم بدونها؟ وهل هي بشكل جماعي أو فردي ؟ وهل يجب أن يكون لدينا خط إنتاجي أم لا ؟.

٢ - محتوى العمل : أحياناً يكون محتوى العمل متعباً ومرهقاً الى درجة لو عمل معها الانسان أربع ساعات فسوف يظل منهوك القوى عشرين ساعة، إذن ينبغي مراعاة هذه المسائل أيضاً.

١١٦

كنت قبل فترة ذاهباً في استطلاع لمطابع الجريدة الرسمية (جمهورى اسلامى)، فرأيت عن كثب العمل الشاق الذي ينجزه منضِّدو الحروف، فقد كان عملهم الدقيق مع تلك الحروف المعدنية، وذلك الصوت الهادر الذي كانت تولده مكائن الطباعة بشكل لو عمل معه هؤلاء سبع ساعات فسوف تتعرض أعصابهم لدرجة من الضغط الشديد وستؤثر تلك النفايات السامة على أعصابهم وسلامتهم تأثيراً يستبعد معه تمكنهم بعد انتهاء عملهم من التوجه بنشاط وبهجة نحو بناء ذواتهم، ونحو البرامج السياسية، وعليه ينبغي مراعاة كيفية ومحتوى العمل بدقة.

٣ - ساعات العمل : يجب أن تنظم ساعات العمل بنحو لا يضطر أحد معه للعمل (١٢) أو (١٦) ساعة (في اليوم).

ينبغي لشكل العمل ومحتواه وساعاته أن تكون بصورة تسنح لكل فرد - اضافة لجهوده العملية - الفرصة والقدرة الكافية - النشاط والقوة - من أجل بناء ذاته معنوياً ليفكر في نفسه وفي العالم قليلاً، وليطالع تفسير القرآن، والأحاديث، ونهج البلاغة، وبقية الكتب النافعة، ويمارس العبادة، ويأتي بالمستحبات من الدعاء، والزيارة، والانفاق، وخدمة الناس، ويشترك في الجلسات ويؤثر بمساهمته الفعالة في المجالس المحلية في قيادة الدولة بما يتناسب مع حجمه، أو تكون له - بشكل غير مباشر - فرصة انتخاب الآخرين لذلك.

٤ - زيادة المهارة : أي أن يقدر على رفع مستوى خبرته العملية.

٥ - الابتكار والابداع.

تلك هي الأمور التي تقرر مصير تخطيطنا الاقتصادي.

أسئلة وأجوبة

س - طبقاً للمادة السابعة والأربعين، تعتبر الملكية الخاصة الحاصلة عن طريق مشروع، محترمة، وتقضي جميع مواد الدستور بأن يكون كل مبدأ منطبقاً تماماً على الموازين الاسلامية، فمتى تشخص الضوابط التي ذكرت حولها عبارة «وفق ما يقرره القانون» لكي لا تسمي جماعة جماعة أخرى بالطواغيت والرأسماليين ؟

ج - يجب في هذا المجال اعداد الكثير من القوانين المتعلقة بالملكية

١١٧

الخاصة والتي تعين للانسان - فيما لو تملّك شيئاً - الطرق التي يكون فيها تملكه هذا حلالاً ومشروعاً والطرق التي يكون فيها غير مشروع، اننا الآن وبعد مرور سنتين على انتصار الثورة نجد في اقتصادنا طرقاً محرّمة، ولازلنا نرى الفوائد تفرض على المال المقترض والربا سواء في البنوك أو في المؤسسات الخاصة، وتوجد أيضاً أشكال أخرى من الاستغلال، وينبغي بالتأكيد أن أذكر أن الاستغلال قد قل كثيراً ولكن لم يُقض عليه تماماً، فما زال غلاء الأسعار موجوداً، وقد ارتفعت أصوات شعبنا تشكو من هذا الغلاء، وتأثير الموعظة والنصيحة قليل جداً، والمحاكم المهنية الخاصة تعمل بحدود معينة - مع أنها لم تتوسع بعد بالقدر الكافي -. يجب قطع الماء عن جذور هذه الثروات المحرمة، وعليه ينبغي على المسؤولين عن اعداد هذه القوانين واقرارها - أعني الحكومة واللجان الفرعية المختلفة للمجلس التي يرتبط عملها بالاقتصاد - انجاز هذا العمل المهم طبقاً للموازين الاسلامية، آخذة بنظر الاعتبار جميع القضايا الاقتصادية الدقيقة، وتلك الحيل والألاعيب والمكائد التي تستعمل في الاقتصاد لإظهار كثير من المحرمات بمظهر الحلال كما يفعل المرابون الذين يسعون في اظهار الربا بمظهر الشيء المحلل بحيل لا يخدعون بها إلا أنفسهم.

وفيما يخص الجزء الثاني من السؤال ينبغي القول : إن كلمتي الطواغيت والمستكبرين الآن من

الكلمات التي تستعمل في محلها في كثير من الحالات، وفي بعضها تستعمل في غير محلها، أما حين

لا تستعمل في محلها فهناك عيبان : أولهما أن الذين يسمونهم بالمستكبرين والطواغيت ليسوا في الحقيقة مستكبرين ولا طواغيت، بل هم يتعذبون فهذا ظلم يجري بحقهم، والثاني أن الطواغيت والمستكبرين

الحقيقيين يتخفون وراء أفراد معروفين في بيئتهم بالطهارة والبراءة، ويتخذونهم واجهة لهم، فيقللون من

قيمة هذه الكلمات، ويحدُّون من النهي عن المنكر ليبرئوا أنفسهم، وهكذا ينبغي تشخيص المعايير الخاصة بهذا الأمر ليعرف المستكبر من غيره.

س - العلاقات التجارية الخارجية تعتمد حالياً على الربح فقط، أي أن التجار يستوردون ما يدر

عليهم ربحاً أكبر، ويكفي لاثبات ذلك ملاحظة البضائع التي استوردت - خلال الفترة الماضية - من الدول المجاورة حيث نجدها تقتصر على المدافئ النفطية والمطاحن الصغيرة لطحن التوابل وأمثالها، أفلا يجب على

١١٨

الدولة تأميم التجارة الخارجية لتستورد بنفسها البضائع الضرورية ؟ هل يصح أن يفتقر القروي الى قرص من الاسبرين يعالج به نفسه بينما يملك أشخاص آخرون مكانس كهربائية، وغسالات ملابس وأواني، وغيرها من الوسائل الأجنبية في بيوتهم ؟ ألا ينبغي العمل على تطبيق الانصاف والعدالة على الجميع ؟

ج - لقد بدأ بعض الأشخاص المطلعين والخبراء دراسة مسألة تأميم التجارة الخارجية، وعلى مستوى التطبيق أيضاً ظهرت بعض الانجازات في هذا السبيل، ولكن العمل الفني دقيق ومعقد جداً، أي لا بد للمؤسسات الحكومية من أن تنمو يوماً بعد يوم، من حيث القوى البشرية الخبيرة بالتجارة الخارجية، وتجذب الأشخاص الخبراء والمجربين وتنظمهم لكي تستورد في كل مجال توفق فيه، البضائع التي تحتاج إليها البلاد من الخارج، فتتولى استيرادها بدلاً من القطاع الخاص، وقد سار هذا الأمر لحد الآن سيراً بطيئاً جداً، لأن الوضع كان وضعاً مؤقتاً، أما الآن وحيث أصبح وضعنا ثابتاً، إذ انعقد مجلس الشورى، وتشكلت حكومة اختارها هذا المجلس، فمن الطبيعي أن تتحمل وزارة التجارة مسؤولية القيام بهذا العمل، وقد طرح هذا الموضوع في المحافل الاقتصادية والاجتماعية مرات ومرات، ونحن نرى أن وزارة التجارة تعمل من أجل تحقيق ذلك بكل رغبة وشوق.

من الأمور التي يمكن فيها الاستغلال من ناحيتين هي التجارة الخارجية، ولا نقصد بذلك أن جميع العاملين في التجارة الخارجية يستغلون مواقعهم لمصلحتهم، ولا نقصد ذلك في أي مجال من المجالات الأخرى، ولكن طبيعة هذا العمل تهيئ للأفراد أرضية الاستفادة الشخصية الفاحشة، في الوقت الذي يجب أن تكون هذه الاستفادة ملكاً للشعب - هناك مشروع مناسب لذلك يقضي بأن يتبادل التجار - الراغبون في تطبيق مواد الدستور وخدمة الناس عن طريق التجارة - وجهات النظر مع وزارة التجارة، ويضعوا مهاراتهم ومعلوماتهم في هذا المجال تحت تصرف الشعب، واذا كانوا يعملون حتى الآن من أجل أنفسهم، فليعملوا من الآن من أجل الشعب وليحصلوا على دخل قليل يكفي لتمشية أمور معاشهم، ويغضوا النظر عن الدخول الفاحشة، نأمل بتنفيذ هذا المشرع حل مسألة تأميم التجارة الخارجية لكي لا يبقى الكثير من العوائل - كما ورد في السؤال - في كثير من القرى وحتى المدن في ضائقة من الحصول على قليل من الدواء، ولا نجد في مقابل هؤلاء أناساً

١١٩

تستورد لهم حاجاتهم الكمالية وأدواتهم الاحتياطية من الخارج وتخزن، فهو أمر غير عادل وغير مقبول بالتأكيد، ينبغي السعي بإخلاص لحل هذه المسائل، وإنني كمواطن عادي مطلع على المسائل الاقتصادية الى حد معين آمل أن تحل هذه المسائل.

بحث في الضمان الاجتماعي

١٢٠

١٢١

١٢٢

هذا عنوان محاضرة ألقيت في شهر تير من عام ١٣٥٩ ه ش. (حزيران / ١٩٨٠ م) في ندوة الضمان الاجتماعي وتنشر لأول مرة ضمن هذه المجموعة.

١٢٣

كلمة في الحاضرين

تعتبر اقامة مثل هذه البحوث من ضروريات نمو مجتمع معين، فلا شك في وجوب مواصلة هذه البرامج بأوسع ما يكون وفي مختلف المسائل، مع المساهمة الفعالة والمبدعة لجميع أصحاب الرأي. ولهذا ومع ضيق الوقت الذي أعاني منه فانني اشتركت بكل شوق ورغبة في اجتماعكم هذا وندوتكم هذه بسبب رغبتي القلبية، والضرورة الاجتماعية، والدور المؤثر الذي نجده لهذه البرامج في تقدم مجتمعنا، لكي ألقي حديثاً قصيراً.

في ثقافتنا المعاصرة، حينما يقال : أصحاب الرأي فلا يقصد بذلك أصحاب الشهادات، بل يقصد بالتأكيد أولئك الذين لهم خبرة في المسائل الحيوية المعاصرة لمجتمعنا، ولو لم يكونوا قد أكملوا دراسات منتظمة، ولم يحصلوا على وثائق وألقاب خاصة(١) .

____________________

(١) سيكون ذلك من أوائل ضرورات ثورتنا الثقافية، فالشهادة ذات قيمة بلا شك فهي توضح وجود مقدار من المعلومات وتأييداً لقدر من التجرية والمهارة ولكنها ليست كل شيء، فهي ليست لا شيء كما انها ليست كل شيء، فكلا هاتين التسميتين نوع من الافراط، وحين نقول : إنه لا ينبغي لمجتمعنا أن يفكر في الشهادة فليس الغرض من ذلك أن الشهادة لا تعني شيئاً، إذ سوف نرى أن أي مجتمع لا يستطيع العيش دون شهادات، ولكن لا ينبغي للشهادة كذلك أن تكون كل شيء، بل ينبغي لها أن تكون (حقاً) شهادة على القيم والمعلومات والمعارف والمهارات. ان ما نواجهه اليوم هو أن الشهادات قلماً تدل على المعارف والقيم والمهارات، فقد أصبحت الشهادات في نظامنا الاجتماعي والثقافي المتردي - وللأسف - في اكثر الأحوال، شهادة على مجموعة من المحفوظات الذهنية المعطاة للاستاذ والتي فرت من الأذهان بعد عدة سنوات، وهناك ما نملكه من شهادات حقيقية، ولكنها شهادات على ما لا يحتاج اليه المجتمع، ومع أن هذا الموضوع يتناسب مع الثورة الثقافية ولكني أوردته فقط لتوضيح عبارة «أصحاب الرأي».

١٢٤

لا أعرف هل دعي الذين لهم علاقة بالضمان (ويجب أن يبدوا وجهة نظرهم حول تأثير الضمان في حياتهم وكيف ينبغي أن يكون هذا التأثير) لحضور هذه الجلسة التي يجري فيها النقاش حول الضمان. أم لا ؟ هل دعي أحد من العمال ليبين ما هي العينية الخارجية لضمان العمال في ايران حالياً ؟ هل دعي أحد من الطلاب والتلاميذ ليوضح لنا ما هي العينية الخارجية لضمان الطلاب والتلاميذ في مجتمعنا وماذا يفهم هؤلاء من الضمان ؟ أو من المعلمين لكي يوضح لنا معنى ضمان السلك التعليمي، وكذلك من موظفي الدولة وأصحاب الحرف والمهن الحرة وأولئك المبتلين بالضمان في أعمال البيع والشراء ؟ هل جاء أحد من أصحاب وسائط النقل ليتحدث حول مسألة الضمان هيكل السيارة وضمان الشخص الثالث ؟ هل دعي أحد من الذين يطلق عليهم في الاصطلاح الشائع أصحاب الرأي - وليس أنا الذي لي علاقة مختصرة بالأمر - أم لا ؟ فاذا لم يُدعَ هؤلاء فاني أرى مكانهم خالياً في هذه الندوة.

تعريف الضمان

الضمان هو بالضبط ما نطلق عليه ب«التأمين» وهي الترجمة الدقيقة لمرادفاتها الاوروبية المختلفة مثل ( Insurance ) و ( Versicherung )، ويمكن حقاً معرفة كثير من مجالات أهميته من اسمه فقط، فحياة الانسان الاجتماعية المليئة بالحركة والنشاط تحتاج في كل الأحوال الى شكل من أشكال التأمين والأمن في الابعاد المختلفة للحياة.

الأمن ذو أبعاد مختلفة

حينما يطلب من عامل البناء مثلاً أن يتسلق بنايه ليصل الى طابقها

١٢٥

السابع فيعمل باللحام، أو الدهان، أو تنظيف الزجاج، أو نصب المظلات، فانه يشعر منذ شروعه بالتسلق بأنه قد أقدم على عمل خطر، وهو بحاجة الى شيء من راحة البال لكي ينجز هذا العمل برغبة أكبر، فيطمئن على مستقبل زوجته وأطفاله فيما لو تسلق البناية ثم سقط الى الأرض، وكذلك يحتاج مسؤول شركة البناء الذي يطلب من هذا العامل تسلق البناية، الى الأمن، قد يحدث في مؤسسة لديها (١٠٠) عامل أن يعمل (٨٠) من عمالها أعمالاً محفوفة بالمخاطر، فلو تضرر هؤلاء العمال باستمرار، وأراد صاحب المؤسسة التأمين عليهم من جيبه الخاص فلنحسب كم يجب أن يتقاضى عن كل عمل ينجزه ليتحمل مسؤولية الأخطار المتوقعة ؟ والذي يريد قيادة واسطة النقل في الشوارع المختلفة - وخاصة شوارعنا التي تشبه القيادة فيها لعبة جر الحبل وهي أكثر منها شبهاً بقيادة السيارات - فانه يفكر في ما ينبغي له عمل لو اصطدم بسيارة في مكان، أو صدمت سيارته سيارة أخرى، أو شرد ذهنه فدهس أحد المارة، إذ لا يمكن له أن لا يبالي بهذه الأمور وحتى لو لم يبال هو فان ذلك هو فان ذلك الشخص أو ورثته لن يرضوا عنه، وسوف يقولون له : ما دمت قد ألحقت به فانه لو بقي حياً وجب عليك دفع مصاريف علاجه واذا توفي - لا سمح اللّه - فلا بدّ أن تدفع فديته وتساعد ورثته.

فالذي لا يملك هذه الامكانات ويريد قيادة السيارة في الشوارع، وذلك الشخص المار يحتاجان كلاهما الى راحة البال، فمن الأمور التي تنظم المرور تنظيماً ذاتياً - في الدول التي انتظمت حياتها أكثر - هو الضمان الاجتماعي الموجود هناك. بمعنى أن سائق السيارة حين يجلس خلف مقود السيارة ويسير وفقاً للتعليمات ثم يصطدم بسيارةٍ ما فلن يُزعجه التفكير في اتلاف الكثير من الوقت، فهو يقول في نفسه : لو اصطدمت بسيارة وكان سائقها هو المقصر فان كل شيء عندي مضمون، فمصاريف سيارتي ينبغي دفعها من قبل المؤمن على تلك السيارة، وكذلك أجور أو دخل كل يوم أبقى فيه عاطلاً وحتى الساعة التي أتعطل فيها - لكي يشخص الوضع - وحتى لو حدث ضرر ما وجب على شركة التأمين دفعه، ولكنه لو كان ضرراً بالغاً يكمن فيه خطر شديد على الحياة فقد خسرت أنا، وعليه فانه يتحرك بجرأة أكبر، ولا يجد ضرراً من الاصطدام بالآخرين، وبالنتيجة يسعى الطرف الآخر أيضاً الى أن لا يواجه وضعاً كهذاً، ولقد لاحظت بنفسي وبكل دقة ان هذه الجرأة المتولدة لدى كل سائق على التحرك وفقاً للتعليمات من

١٢٦

العوامل التي تجعل الآخرين كذلك يتحركون وفقاً لها ولا شك في أن هذا الأمن وراحة البال ومعرفة الانسان أنه في كثير من المسائل لن يتركوه وشأنه - قائلين له : في أمان اللّه - من ضرورات الحياة الاجتماعية.

وكما تعلمون فقد انبثقت فكرة التأمين في العالم - وعلى مر التاريخ - من نوعين من الشعور أحدهما الشعور بحب الخير، والآخر الشعور بالمصير المشترك والشعور المهني، فقد كان الذين يرسلون بضائعهم من «فينيسيا»(١) بواسطة البواخر الى أرجاء العالم المختلفة يعرفون أنهم قد وضعوا رؤوس أموالهم ومدّخراتهم على الماء عرضة للأمواج الزاخرة، فليس رجوعها من الأمور المؤكدة لذا فقد فكروا في أنه : لو وضع أحد زملائنا رأسماله في الباخرة وعلى الماء ولم يعد اليه وأصبح لا يملك شيئاً، فماذا ينبغي لنا صنعه من أجله ؟ يجب أن نجتمع الى بعضنا ويدفع كل منا مقداراً معيناً من المال فنجمعه ثم نقدمه له ليكون مالكاً لرأسمال معين. واعجباه !! اذن يمكن أن تجمع مجموعة من الناس كمية من المال لتخلص انساناً متضرراً من الافلاس والفناء وهي طريقة عملية، فإن كان الأمر كذلك فما أحرانا أن نعمد الى توسيع هذا الأمر أكثر لكي نعمل قبل وقوع الحادث، وهكذا دفع كل منهم مبلغاً من المال وأوجدوا صندوقاً للتأمين على هذه الخسائر المحتملة فأصبح هذا الأمر تدريجياً أرضية لنوع من التأمين.

وقد كانت هناك أرضيات متوفرة بأشكال مختلفة في المجتمعات المختلفة، وكذلك جرى الوضع حالياً في قراناً بحيث لو أراد فتى وفتاة الزواج، فلن يحملوا قدراً كبيراً من هموم إعداد المستلزمات اللازمة لذلك، فقد جرت العادة على أنه لو أراد الولد والبنت الاقدام على الزواج وفّر أهل القرية - وفق سنة متبعة لديهم - لوازم البيت ومصاريف العروس والعريس والذي يساهم في الأمر اليوم يعرف أن ولده وبنته سوف ينتفعان من هذه السنّةِ وسوف يتصرف الآخرون معه التصرف الرؤوف نفسه الذي يتصرفه اليوم تجاه زواج ابن جاره وقريبه وبنتهما، وهذه تمثل أرضية طبيعية للضمان.

الضمان في الحقيقة عبارة عن دفع مبالغ جزئية (ولكن على مستوى واسع وكثير الانتشار) لتوفير صندوق من أجل بعث الاطمئنان لدى أولئك الذين

____________________

(١) من المدن والموانئ التجارية القديمة الواقعة في شرق ايطاليا.

١٢٧

يحتمل أن يلحق بهم ضرر أو خسارة في العمل والتجارة وتشغيل رأس المال، والمرور والحركة والسفر، والحرائق والغرق وأمثال ذلك. ومن أطرف أنواع التأمين التي لم تبرز الى الوجود في ايران لحد الآن ويصعب بروزها قريباً، هو التأمين ضد السرقة والحريق والغريق وأمثالها. أتذكر أن في أحد أنواع التأمين كانت هناك سبعة أنواع من التأمين مجتمعة معاً، فمثلاً لو انكسرت أنبوب المياه وجرى الماء في البيت، أو حطموا الباب وسرقوا أثاث البيت ولو حدث حريق أو تحطم الزجاج المطل على الشارع فسقط منها أحدهم الى الأرض وأصابه ضرر الى غير ذلك من أمور لا اتذكرها الآن، لأصبح مجموع ما يدفع من المال مقابل كل هذه الأنواع من التأمين لعائلة واحدة (تملك ما يعادل ٥٠ ألف تومان من الأثاث) ما يعادل سنوياً (٩٠) ألف تومان، أي أن أحدهم كان يدفع (٩٠) ألف تومان للتأمين ضد جميع هذه الحوادث، وعليه لم تعد به هناك حاجة الى الحارس أثناء السفر، بل كان يغلق الباب ويذهب، فلا بد اذن لجهاز معين أن يعمل بكل جد في المجتمع بحيث لو كسر باب البيت وسرق أثاث البيت كله فلن يخسر مالكه أي شيءٍ من ثمنه (فشركة التأمين ملزمة بتعويضه الثمن كاملاً)، ومن أجل تأمين كهذا - مع جميع ما ذكر من أرقام - يعتبر مبلغ ال(٩٠) ألف تومان ضئيلاً حقاً، فكم يا ترى يصبح الضمان مفيداً ومؤثراً في مجال الاطمئنان وراحة البال بالنسبة لشخص يملك داراً أو شقة ذات ثلاث غرف وكمية من لوازم البيت، وتراوده شكوك الحريق والسرقة وتحطم الزجاج وأمثال ذلك أثناء غيابه أو سفره، وعلى هذا الاساس فالضمان، أي التأمين وايجاد نوع من الأمن تجاه الحوادث المضرة والقاصمة للظهور، ضرورة من ضرورات الحياة.

ولو طبق التأمين الصحي في مجتمع ما تطبيقاً جيداً فسوف يكون ذلك من النعم العظيمة حقاً، لا أحد يقول : إن الناس جميعاً يمكنهم توفير مبلغ من المال تحسباً للحوادث الطارئة المؤسفة والعلاجات الباهظة الثمن، فهناك بالتأكيد، الكثير من الأشخاص لا يسدُّ مجموع دخلهم الشهري وحتى السنوي نفقات علاج مرض خطر يحتاج الى الرقاد في المستشفى واجراء عملية جراحية وأمثال ذلك، فالنظام الذي يطمئن فيه الفرد بعد دفع (٥٠) الى (١٠٠) تومان شهرياً الى أنه لو مرض هو أو زوجته وأولاده فسوف يعالجون حتماً ويدخلونهم المستشفى ويضعون تحت تصرفهم الطبيب والامكانات العلاجية الجيدة، لهو حقاً نظام ينفع كثيراً في

١٢٨

توفير المعيشة والحياة الهانئتين وعليه فلا ريب في أن الضمان بمعنى التأمين كنظام يبعث على الاطمئنان وراحة البال ضرورة من ضرورات الحياة الاجتماعية، أما كشيء آخر فاننا نشك فيه بشدة وبسبب هذا الشك فقد أقرَّهُ الشعب مادةً في دستور الجمهورية الاسلامية في ايران. السؤال هنا يقول : هل يبنغي للضمان أن يكون خاصاً ؟ أم عاماً ؟ أم وطنياً ؟ لقد أثبتت تجارب العالم الرأسمالي أن شركات التأمين - وخاصة على ضوء التأمين الاجباري - هي من أغنى الوحدات الاقتصادية دخلاً، ولا شك أن (وجود) هذا التأمين الاجباري أمر ضروري، ولكنه أصبح مصدراً لدخل فاحش لشركات التأمين، لقد اتبعت شركات التأمين نظاماً للتبادل فيما بينها مع ما لها من شبكات اضطرت الى انشائها في انحاء العالم، فهي تعمل في العالم بنظام ونسب خاصة في شكل شبكة تشبه الشبكة المصرفية. وكما أن الشبكة المصرفية تشبه مضخة ماصة تمتص - بفروعها المنتشرة في انحاء العالم كالأوعية الشعرية الدموية - كمية كبيرة من دماء الناس وترسلها الى مستودع الدم لكي يتم هناك سد مجاري الدم والتحكم بالموت الاقتصادي، كذلك الحال بالنسبة لشركات التأمين التي أصبحت اليوم في شكل مضخات ماصة قوية من أجل الحصول على مبالغ التأمين من الافراد، واعطاء مبالغ أقل بكثير مما تحصل عليه. ان شركات التأمين تتعاون مع شرطة الحراسة فتؤثر في ايجاد الأمن الاجتماعي في مجال السرقة، وتتعاون مع شرطة المرور فتؤثر في ايجاد الأمن في الطرق والشوارع، وتتعاون مع المؤسسات الصحية فتؤثر حقاً في توسيع الخدمات العلاجية، وتتعاون بجد مع اجهزة اطفاء الحرائق فتؤثر كثيراً في تقليل حدوث الحرائق والاسراع في اطفائها حين حدوثها، ولكنها في مقابل هذه الخدمات الجيدة جداً تتقاضى مبالغ باهظة جداً أيضاً، وينبغي أن نعالج هذا الأمر كما نعالج بقية الأمور الجيدة التي نرضى بجودتها ولا نرضى بالنهب منها. إننا حين وضعنا الدستور جعلنا الضمان ضمن قطاع الاقتصاد العام والحكومي، ولا ندري هل أحسنا صنعاً في ذلك أم لا. ولكنها على أية حال تجربة واختبار.

كان هناك حديث يدور قبل ما يقارب ال(٢٥) عاماً مفاده أن شركة التأمين الايرانية من شركاتنا الجيدة (لا أعرف شيئاً عن وضعها في الوقت الحاضر) وتعمل جيداً، ولا اتذكر بالضبط النظام الذي كانت تعمل وفقه هذه الشركة، وسوف يوضح ذلك أصدقاؤنا الذين لديهم اطلاع على هذا الأمر، وفي

١٢٩

الوقت نفسه كانت (شركة التأمين الايرانية) مؤسسة حكومية ووطنية عامة. فلو كانت هناك تجربة مؤقتة في مرحلة زمنية معينة تثبت أن التأمين يمكنه أن يكون حكومياً وجيداً في آن واحد، فماذا يضر لو عممنا هذه المسألة في الجمهورية الاسلامية وقطعنا الطريق على التأمين الخاص ؟ من المسائل التي يحسن البحث فيها بدقة في هذه الندوة لتكون لدينا بحوث توجيهية وارشادية وتوضيحية مسألة الدور الذي يلعبه التأمين الخاص والعام والحكومي في تحقيق أهداف التأمين، وأيّ من هذه الوحدات اكثر فعالية في العالم، ويمكنه تحقيق الهدف الأصلي من التأمين بشكل أفضل، سواء من حيث الخدمات أو الادارة أو سرعة العمل أو امكانية اقامة علاقات دولية، إذ لا تسهل عملية التأمين حالياً دون علاقات دولية، أي ان جزءاً كبيراً من التأمين لا يمكن تحقيقه دون الاشتراك في شبكة تأمين دولية، أو هذا ما أفهمه أنا من الأمر على أقل تقدير. لو كان ضمن جدول أعمالكم بحث موضوع حدود أمكانية بقاء التأمين العام والوطني والشعبي تحت تصرف الدولة في نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، وعدم ذهاب النفع الحاصل عنه الى جيوب الأفراد، واستمرار اشتراكه الفعال والخلاق في هذه الشبكات بحيث لا يرسل أمثال هؤلاء الممثلين الذاهبين للترفيه باشتراكهم في هذه الوحدات الدولية، فيجب الاستمرار في هذا البحث بدقة أكبر، وتأكيد أكثر، لأن ذلك من المسائل الجادة التي سنواجهها في اقتصادنا المستقبلي.

الأسس الفقهية والاسلامية للضمان الحكومي

من السهل جداً مناقشة مسألة الأسس الفقهية والاسلامية للضمان الحكومي، ومن المحفزات التي يمكن وجودها في مجتمع اسلامي معين لتأميم الضمان، كون تحقق مشروعية هذا الضمأن أسهل من غيرها في حالة تأميمه، فالسؤال حول مشروعية الضمان الخاص أو عدم مشروعيته سؤال معقد نسبياً وفقاً لمعاييرنا الفقهية، واني أقول لكم بإجمال ان أسس مشروعية الضمان فقهياً تحظى في الأقل بتأييد عدد من الفقهاء والمراجع المعاصرين، وعليه فاني لا أملك الفرصة الكافية لأطرح عليكم الأمور الفقهية الدقيقة المتعلقة بهذا الموضوع، كما أنكم لم تجتمعوا هنا من أجل ذلك، ولذا فسوف اعتمد فقط على أن عدداً من المراجع أصحاب الفتوى في زماننا اعتبروا الضمان واحداً من المعاملات الصحيحة، ومن

١٣٠

المسائل المهمة التي آمل أن تدرج في جدول أعمالكم مسألة هل ينبغي لبعض أنواع التأمين أن تكون من الخدمات المجانية للحكومة، أم ينبغي أن تتخذ حتماً شكل الضمان ؟ فمثلاً هل العلاج بطريق التأمين أفضل أم العلاج الحكومي المجاني ؟ وما الفرق بين الاثنين في حالة التأمين الصحي الحكومي ؟ ماذا سيكون الفرق بين الخدمات العلاجية للتأمين أو مشروع التأمين الحكومي وبين الخدمات العلاجية المجانية للمؤسسات الصحية الحكومية ؟ هذه المسألة أيضاً من المسائل التي ينبغي البحث بشأنها بدقة، ولو عرضت نتيجة البحث فسوف تؤثر كثيراً في الخطط المستقبلية لنظام الجمهورية الاسلامية. هناك بعض انواع التأمين ضد الأخطار المحتملة يجب فيها على المؤمن أن يدفع نسبة تزداد بازدياد احتمال الخطر، وأحياناً توجه بعض الاشكالات حول المشروعية الفقهية للعلاقة بين نسبة التأمين ونسبة الخطر وحجمه، اننا حين نعتبر أصل التأمين أمراً مشروعاً فسوف لا يبقى اشكال حول هذه الأبعاد أيضاً، فهو بيع معقول من حيث العرف والعقل وكذلك من حيث الموازين الفقهية حيث تؤيد ذلك وتصححه الأسس الفقهية نفسها التي تؤيد أصل التأمين.

كانت هذه النقاط تمثل بعض المواضيع التي خطرت ببالي لكي أعرضها بمناسبة ابتداء هذه الندوة، آمل أن تكون هذه الآراء شأنها شأن سائر الآراء المطروحة في بحث الضمان الواسع، مفتاحاً لمشروع أفضل وأكمل واكبر تأثيراً وأمناً وباعثاً على مقدار أكبر من الثقة والاطمئنان لمجتمعنا الاسلامي.

أسئلة وأجوبة

س - نظراً لكون دعاوى التأمين تنتهي أحياناً الى التحكيم والمحاكم، ومع أن التأمين في ايران يحظى بأربعين سنة من العمر، فاننا نواجه في المحاكم دوماً اضطراب القضاة وتحيرهم بسبب عدم اطلاعهم على هذا الأمر، فماذا يمكن فعله بهذا الصدد ؟

ج - ليس في الدستور أي مانع من ايجاد محاكم يتخصص فيها القضاة في فرع معين، ولا مانع منه من حيث الأسلوب القضائي السائد في العالم، وينبغي تطبيق هذا الأمر في محاكمنا المستقبلية بصورة أوسع.

س - هل يجب ايجاد التأمين طبقاً للقوانين الاسلامية في شكل صندوق

١٣١

أم في شكل شركة، أم يمكن اختيار النوعين معاً ؟

ج - انني لم أفهم الفرق بين الصندوق والشركة، فلا بد من توضيح ذلك لأن الشركة تملك صندوقاً بالنتيجة، قد يكون المقصود كون التأمين حكومياً أو خاصاً، فمن حيث الأسس الفقهية قد أفتى السادة المراجع بجواز التأمين الخاص والحكومي، ولكني شخصياً أفضل - وفقاً للأسس الكلية التي نملكها في الاقتصاد الاسلامي - أن يكون التأمين حكومياً شريطة أن لا يكون أقل فعالية من الوحدات الخاصة، وهذه مسألة من المسائل المهمة.

س - اننا مضطرون في الحسابات الخاصة بالتأمين على الحياة الى تعيين فائدة مقدارها ٦ % مثلاً لكي نستطيع الحصول على غطاء مادي كاف، فماذا يجب فعله تجاه هذه الفائدة ؟

ج - الفائدة في هذا الجانب حرام في الاسلام، والربح المضمون فائدة فهو حرام أيضاً، وهذه مشكلة موجودة الآن في المحاكم أيضاً، ولقد قلت هنا مرة بأننا نأمل في القضاء قريباً على نظام الفوائد المتبع في نظامنا المالي والمصرفي، ولكن هذا الأمر لم يتحقق بعد مع كل الأسف(١) . ان اليوم الذي طرح فيه هذا البحث في لجنة الاقتصاد التابعة لمجلس الثورة كان قد بعث فيّ الفرحة والأمل بامكانية حل هذه المسألة بعون اللّه، ولكنها وللأسف لم تحل لحد الآن.

س - ما هو مفهوم التأمين في الاقتصاد الاسلامي ؟.

ج - التأمين عبارة عن عقد بين المؤمِّن والمؤمَّن له، بحيث يتمكن المؤمّن ضمان تعويض الأخطار المحتملة التي يتعرض لها المؤمَّن له، وهو بهذا الشكل خال من أي إشكال إذ هو اتفاق وعقد بين طرفين، والاشكال الوحيد هو أن أحد طرفي الاتفاق غير مؤكد وهذه هي الشبهة الفقهية الوحيدة الموجودة بهذا الشأن، وقد حلت هذه الشبهة ببعض العقود التي وردت في الفقه الاسلامي مؤكداً (مثل الجعالة)، على كل حال اسمحوا لنا أن لا نبحث هنا بحثاً فقهياً.

س - هل تهتم برامج الدولة بالتأمين التعاوني أكثر حيث يتعامل به كل الناس أم بالتأمين التجاري ؟

ج - ينبغي للدولة أن تبادر الى أي تأمين يسهل إدارة عجلة أعمال

____________________

(١) في عام ١٣٦٢ ه. ش (١٩٨٣ م) أقر مجلس الشورى الاسلامي قانون إلغاء الفائدة المصرفية.

١٣٢

المجتمع بشكل أكثر.

س - هل سوف يُهتم أكثر بالتأمين الضروري أم بالتأمين الكمالي ؟

ج - الدولة تعتبر نفسها مسؤولة فيما يخص التأمين الضروري، أما فيما يخص التأمين الكمالي فيجب الاهتمام به بدفة أكبر.

س - الامام الخميني - كما تعلمون - قد أجاز التأمين الخاص في فتاواه التي وردت في المسألتين (٢٨٦٢) و(٢٨٦٦) من رسالة توضيح المسائل(١) ، مع ما يدره من ربح ودون أي قيد أو شرط، فلو كان هذا الأمر نوعاً من الرأسمالية ويوجد قيمة اضافية فما هي وجهة نظركم حوله ؟

ج - في فتاوى الامام هذه، وكذلك في فتاوى الفقهاء الآخرين، الكثير من الأمور الأخرى ولا تقتصر على هذه المسألة، فقد وردت في تلك الرسالة فتاوى حول البيع والشراء، والايجار والاستثمارات، وكثير من أمثال ذلك، وهذه الفتاوى تعتمد على أساس أرضية المعاملات وادارة عجلة الاقتصاد لمجتمع معين بغض النظر عن كثرة الربح الناتج عنها أو قلته، وينبغي طرح حل شامل لمسألة الربح الفاحش، ويدخل التأمين ضمن ذلك، وقد ورد في الدستور أن التأمين يمكنه أن يكون من تلقاء نفسه خاصاً أو حكومياً، ولكن مصلحة الجمهورية الاسلامية تقتضي أن يكون التأمين حكومياً، وعليه فانكم تجدون بأنه في حد ذاته وحسب ما نعبر عنه ب«الأحكام الأولية» لا إشكال فيه ولكن حسب «الأحكام الثانوية» التي تعني ضرورة التحول الاجتماعي في المجتمع نقول بوجود عموميته، وهذا عمل يشبه الأعمال الأخرى كأنواع الانحصار الحكومي الأخرى. وقد وردت عن الامام في رسالته المسماة تحرير الوسيلة مسألتان بهذا الصدد، فالذين لم

____________________

(١) تنص هاتان المسألتان على ما يلي :

المسألة ٢٨٦٢ : التأمين عقد واتفاق بين المؤمن وبين الشركة أو الشخص الذي يقبل التأمين وهذا العقد شأنه شأن سائر العقود يحتاج الى الايجاب والقبول وتسري عليه الشروط المعتبرة في ايجاب سائر العقود وقبولها وعقدها، ويمكن اجراء هذا العقد بأية لغة.

المسألة ٢٨٦٦ : الظاهر صحة جميع أنواع التأمين مع توفر الشروط المذكورة آنفاً سواء كانت تأميناً على الحياة، أو على البضائع التجارية، أو العمارات والسفن والطائرات، أو على موظفي الدولة والمؤسسات المختلفة، أو على أهل قرية معينة أو مدينة مّا، والتأمين عقد مستقل يمكن إجراؤه كبعض العقود من قبيل عقد الصلح.

١٣٣

يطلعوا على فنون الفقه وتحولاته ولا يعرفون شيئاً عن دور الأحكام الأولية والثانوية ومسألة تطبيق حكم الفقيه والحاكم وولي الأمر يقولون بأن هاتين المسألتين متناقضتان مع بعضهما في الوقت الذي لا مناقضة أبداً بين هذين الكلامين، فهو يقول في المسألة الأولى : في الأحوال الاعتيادية ما زالت لم تحدث مسائل جديدة، فهكذا الحال في مرحلة زمنية معينة وفي الظروف الطبيعية، ولكن بمجرد أن تكون هذه الأمور مسببة لمشاكل اقتصادية واجتماعية للمجتمع يحق حينئذ لامام المسلمين تحديد الأسعار، ويمنع البيع بأكثر من السعر المقرر، شريطة أن يكون تحديد الأسعار لصالح المسلمين. والمسألة المهمة المطروحة هنا هي : هل يمكن كبح جماح الأسعار عن طريق تحديدها واجبار الباعة على مراعاة الأسعار المقررة، أم لا ؟ هذه مسألة اقتصادية فنية لا يتدخل فيها الفقيه، لأن هذا السؤال ليس له جواب مطلقاً، إذ يجب أن نحدد في أي نظام ؟ وأين ؟ وتحت أية ظروف انتاج وعرض وطلب ؟ فالظروف تختلف من حالة الى أخرى، ولا يمكن عرض حل ومعادلة ذات وتيرة واحدة لجميع الأماكن والأزمنة والظروف، وعليه فان ما قيل في المسألة الأولى يشمل المسير والنسق الطبيعي. أما ما يقال في المسألة الثانية فهو أنّ ولي المسلمين لو رأى مصلحة في تحديد الأسعار، أو رأى ضرورة الانحصار (الحكومي) في هذه المسألة، أي انه ينبغي أن يكون للدولة فقط فعل ذلك، وما جاء في الدستور بهذا الصدد جاء باعتبار تطبيق الولاية، وقد شخص واضعو الدستور أنه لو قيل في هذه المرحلة الزمنية من تاريخ ايران بضرورة كون التأمين حكومياً بشكل عام فإن ذلك سيكون من صالح المجتمع، هكذا كان تشخيصهم، ولو تبين يوماً أنهم أخطأوا في هذا التشخيص فمن الطبيعي أن نعيد النظر في ذلك.

س - هل يجوز لوكيل التأمين عرض محفزات كاذبة ليرغب بها المؤمَّن عليه في التأمين ؟

ج - الوكلاء في كل الأحوال فريقان : فريق من الوكلاء الذين يصدقون الحديث وهم قليلون جداً. وفريق من الوكلاء الكاذبين وما اكثرهم، ان عرض المحفزات الكاذبة، يعني أنهم يكذبون وأني لا أوافقهم في ذلك بأي شكل من الأشكال. النقطة الأخرى التي أذكر بها هي أن الوكيل و(الفزتر : الزائر) من الاصطلاحات الجديدة، ولكن هذه مسألة قديمة في ثقافتنا وتعني الدلال، فالدلال عبارة عن الوكيل نفسه، ترى ما هو عمل الدلال في السوق والشارع ؟ انه يعمل

١٣٤

العمل نفسه الذي يعمله الوكيل، أي انه يأخذ نموذجاً من البضاعة ويدور به على التجار ويعرضه عليهم ويقول عندي مثلاً رز بهذه المواصفات (النوع الفلاني من الرز يباع الكليوغرام الواحد منه بمبلغ كذا) أو عندي النوع الفلاني من القماش (الذي يباع المتر الواحد منه بالسعر الفلاني) فالوكيل اذن ليس أمراً جديداً بل يعني الدلاَّل بالضبط، ولكن الدلاّل يعني الدليل وهي كلمة تبدو أروع من كلمة الوكيل (الباحث عن الأسواق) التي تشم منها في نظري رائحة المال فقط، أما كلمة الدلال فتشم منها رائحة الخدمة أيضاً، و(الفزتر) أيضاً تعني الزائر الذي يطلب منك استقباله أيضاً.

س - هل يمكن للوحدات والمؤسسات الحكومية ضمان الخدمات الشعبية؟

ج - لكي أكون منصفاً لا بد لي أن أقول: إننا لا نملك تجربة ايجابية في هذا المجال، واننا ذاهبون الى ميدان التجربة لنرى ماذا سيحدث. نسألُ اللّه أن تكون هذه التجربة تجربة ايجابية.

س - الى الحد الذي نعرفه، فقد عملت شركة التأمين الايرانية لصالحها فقط وليس لصالح الناس، فأي زمان قصدت بحديثك عنها؟.

ج - ان كلامي يعود الى ما قبل (٢٤) عاماً مضت، فقد تقرر أن أجري قبل ما يقارب (٢٤) سنة بعض المطالعة والتحقيق حول الخدمات التعاونية، وقد كان هذا الفرع يقسم الى تعاونيات الاغاثة والتعاونيات الاقتصادية، وقد كان موضوع تحقيقي هو الخدمات الاقتصادية للتعاونيات الاقتصادية التي يدخل ضمنها التأمين وأمثاله والشركات التعاونية وأمثالها، ولكني بحثت في تعاونيات الاغاثة أيضاً، ومن أفضل أيامي ذلكما الشهران أو الثلاثة التي كنت أتنقل فيها بين الوحدات المختلفة لغرض الحصول على مصادر مكتوبة ومصادر عينية لهذه التعاونيات، ومن الذكريات الرائعة التي ما زلت أحتفظ بها، أنني كنت معمماً وقصدت هذا النوع من البحث والتحقيق، فكنت في كل مكان تقريباً أواجه مساعدة خالصة وتعاوناً جاداً من الذين كنت أطلب منهم المصادر والاحصائيات وأمثالها، وكنت أيضاً أواجه مسألة تمثلت في أن الوحدات التي كانت تعمل في المؤسسات الحكومية تحت عنوان: «الاحصاء ومصادر المعلومات» لم تنجز الا القليل من الأعمال، فكلتا هاتين المسألتين ما زالتا في ذاكرتي، احداهما بسبب المودة التي

١٣٥

كان يبديها الناس، والثانية بسبب النقص الكبير الذي كان موجوداً في أعمالنا الاحصائية ولم يزل كذلك، فقد ذهبت الى وزارة العمل من أجل الحصول على بعض الاحصائيات فأحالوني الى وحدة الاحصاء، فواجهت هناك اخلاص العاملين الذين وضعوا تحت تصرفي كل ما كان لديهم ولكن صدقوا أن ما كان لديهم كان يقارب الصفر وهي مسألة أزعجتني كثيراً.

س - هل ينبغي في نظركم ادارة التأمين في الاقتصاد الاسلامي بصورة تعاونية أم بصورة اقتصادية؟

ج - لو صار التأمين حكومياً فسوف يتخذ شكلاً آخر، فالتأمين الحكومي نوع من الضرائب في الحقيقة، فالحكومة الشعبية تسعى دائماً لاستحصال الضرائب بحدود تعرض في مقابلها الخدمات بشكل يحقق الصالح لعامة الشعب.

س - الآن وبعد أن صوت الشعب الايراني باغلبية ساحقة لصالح دستور الجمهورية الاسلامية الذي تنص المادة (٤٤) منه على أن التأمين ينبغي أن يكون حكومياً، ألا تتصورون طرح مسألة فوائد التأمين الخاص أمراً غير مرغوب فيه، ويؤدي الى شكوك غير لائقة؟ وخاصة أن فعالية المؤسسات الحكومية يمكن معرفتها بسهولة؟

ج - حول مسألة كون هذا البحث مناسباً أو غير مناسب يجب أن نقول: إننا حين نتحدث عن وجود اللّه تعالى اعتدنا أن نقول: «وماذا لو قال أحدهم إن اللّه غير موجود»؟ وعليه فان مسألة تأميم التأمين التي ليست أكثر رسوخاً في مجتمعنا من مسألة وجود اللّه، لو بحثت فسوف تؤدي الى اضطرابات، فيجب علينا أن نعتاد البحث والنقاش، فالايمان لا يمنع من البحث والتنقيب في الاسلام، وفضل الاسلام يكمن في وجود الايمان وقطعيته، والصمود في العقيدة، والدافع القوي في الاعتقاد القلبي وتجسده في العمل الصالح، وكذلك القدرة على التحليل الذي يسمح لنا بسماع الأفكار والآراء المناقضة لايماننا وبحثها وتحليلها لنبلغ التكامل في المعرفة، وهذه من أمور الاسلام الرائعة جداً. وعليه فاني لا أجد أية سلبية في هذا البحث، أما القول: بأن فعالية المؤسسات الحكومية يمكن معرفتها بسهولة، فإني أقول كما يقول العامة: «ليسمع اللّه من لسانك» واني أؤمن وآمل كثيراً بأننا سوف نبلغ هذا الهدف باتباع أسلوب سليم، وسواء كان التأميم حكومياً أو خاصاً، فاننا نملك مجموعة من المؤسسات الحكومية التي لو فعلنا شيئاً بشأنها فسوف نفعل

١٣٦

الشيء نفسه بالتأمين.

س - نطلب منكم أن توصوا بالاستفادة من الشباب على مستوى اتخاذ القرار وتنفيذه ورفض أنواع الاحتكار في هذا الجانب الاقتصادي، لأن التأمين في طريقه الى الفناء بسبب عدم الاهتمام به، في الوقت الذي يوجد الكثير من الأفراد الذين يمكنهم التأثير في ذلك ولكنهم لا يجدون الى ذلك سبيلاً.

ج - انني لم أوصِ بهذا فحسب، بل هو شيء عملت به دوماً، فأينما ذهبت في تلك الوحدات رافقت مجموعة من هؤلاء الشباب غير الناضجين وغير المجربين لكي أكون قد عملت بما أوصيتُ به، وقد كانت النتيجة في ذلك ايجابية في جميع المجالات، وهؤلاء الشباب منتشرون الآن ويؤلفون شبكة واسعة، حيث يشكلون النواة الأصلية لدوران عجلة العمل في عدة وحدات. الوحدة الأولى كانت أمانة سر مجلس قيادة الثورة، حيث قلت فور ذهابي الى هناك: اننا نريد انشاء أمانة سر مجلس الثورة بمجموعة من الشباب غير الناضجين، أولئك الأصدقاء الذين لم تكن لديهم أية خبرة بهذه الأعمال المكتبية بل كان عملهم يعتريه شيء من النقص أيضاً، ولو أدى ذلك الى ضياع أربع لوائح قانونية فليكن، فهذا هو معنى الثورة، وما أكثر الذين جاؤونا قائلين: إن اللائحة الفلانية قد ضاعت وتلك وصلت متأخرة، ولكني لم أواجه أولئك الأصدقاء الا بمنطق واحد لا أكثر وهو أن الشباب غير الناضجين منشغلون بعملهم، ولكننا الآن نجني ثمار ذلك وهي أنهم استطاعوا النفوذ في ثلاث أو أربع وحدات أوجدوا فيها الحركة وبثوا فيها الثقة اذ لا بدّ لنا من شبان يبادرون للعمل لكي يتعلموه. أية ثورة هذه التي صنعت جميع قواها وكوادرها من قبل، ثم خزنتهم في مستودع كبير حسب الأرقام، لكي تعلن بمجرد انتصارها أن الشخص المرقم (١٤٥٠) مثلاً مطلوب لانجاز العمل الفلاني؟ فالثورات عامة بهذا الشكل، فكيف الحال بثورتنا مع ما تتميز به من خصوصيات؟ يجب علينا أن ندخل الجيل الشاب المؤمن الى ميدان العمل وننضجهم لنلتذ ببنائهم ذواتهم ونوكل اليهم أمر المستقبل، اذ لا وجود لأي حلٍّ آخر نصلح به مؤسساتنا الادارية.

س - استناداً الى ما أشرتم ايه حول انحصار التأمين، هل تؤيدون الانحصار بالشكل المتبع في الدول الاشتراكية والشرقية؟

ج - كلا. اننا قلنا بأن يكون اسلامياً، الاسلام لا شرقي ولا غربي، اننا

١٣٧

نملك مجموعة قليلة من التجارب وسوف تكون لدينا تجارب أكثر بعون اللّه، آمل أن تنجح تجاربنا الى درجة تجعل العالم يأتي الينا ويسألنا عما فعلناه فأسعدنا به مجتمعنا، وسوف يكون ذلك أفضل تبليغ للاسلام، اتذكر تلك السنين التي ذهبت فيها الى ألمانيا لممارسة النشاطات الاسلامية بدعوة من مراجع التقليد، فقد كنت مع أصدقائنا الشباب نعتمد على النقطة التي تقضي بأن أفضل تبليغ للاسلام هي ايجاد مجتمع اسلامي نموذجي في أي مكان كان من العالم، افعلوا ذلك ليأتي الجميع اليكم ولن تحتاجوا بعد ذلك الى مصاريف التبليغ هذه، رجائي من جميع الاخوة والأخوات أن يكون لدينا تعاون، وتفكير مشترك يؤديان بنا الى بناء مجتمع اسلامي نموذجي.

مصادر البحث

البينات : نشرة تصدرها الجمعية الاسلامية للعاملين في وزارة الاقتصاد والمالية - طهران شهر تير عام ١٣٦٠ ه ش (حزيران / ١٩٨٣ م).

تحرير الوسيلة : الامام الخميني، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.

التهذيب : الشيخ الطوسي ج ٧ ط ٣ دار الكتب الاسلامية طهران.

شرائع الاسلام : المحقق الحلي ج ٢ ط ١ مطبعة الآداب، النجف ١٣٨٩ هجري ق

دستور الاتحاد السوفياتي : الناشر (مجهول) طهران، ١٣٥٨ ه ش.

وسائل الشيعة : ج ٤ ، ط ٢ ، المكتبة الاسلامية، طهران، ١٣٨٧ ه ق.

مكتب تشيع : مجموعة من الكتاب، السنة السادسة ١٣٤٣ ه ق. قم.

مواقفنا : الحزب الجمهوري الاسلامي، ١٣٦٠ ه ش. طهران.

المكاسب : الشيخ مرتضى الانصاري، مطبعة اطلاعات تبريز.

دستور الجمهورية الاسلامية في ايران.

رسالة الأحكام : الامام الخميني.

شرح اللمعة : الشهيد الثاني، ج٢ ، منشورات الطباطبائي، قم.

١٣٨

الفهرس

الاقتصاد الإسلامي تأليف الشهيد آية الله محمّد حسين بهشتي١

مقدمة٥

الملكية في الاسلام تعريف الملكية٦

تعريف المال والملك تعريف القيمة الاستهلاكية٩

ملكية اللّه ومصدرها١١

حدود ملكية اللّه ملكية الانسان ومصدرها وحدودها١٣

مصادر ملكية الانسان ١٥

الخدمات والملكية٢٥

ثلاثة مصادر أخرى للملكية٢٦

أنواع الملكية٣١

ما يترتب على الملكية٣٣

رأس المال ٣٩

أنواع رأس المال ٤٠

الربح الناتج عن الأشكال الثلاثة لرأس المال ٤٣

وجهة نظر الاسلام حول الارباح ورأس المال التجاري ٤٦

البيع والربا ٤٨

الأرباح ونسبة التضخم٤٩

مشاكلنا الاقتصادية وطرق حلها٥٧

خلاصة البحث ٦٠

العمليات المصرفية والقوانين المالية في الاسلام (الربا في الاسلام)٦٣

البنك ٦٨

نتيجة البحث ٧٥

١٣٩

الضرائب في الاسلام٧٥

الضرائب في الاسلام٧٩

كيفية فرض الضرائب ٨٩

ملاحظة لأصحاب الرأي ٩١

أسئلة وأجوبة٩٢

الابعاد الاساسية لفصل الاقتصاد في دستور الجمهورية الاسلامية٩٦

مساهمة الافراد في القضايا الاجتماعية١١٤

بحث في الضمان الاجتماعي ١٢٠

الأمن ذو أبعاد مختلفة١٢٥

الأسس الفقهية والاسلامية للضمان الحكومي ١٣٠

مصادر البحث ١٣٨

الفهرس ١٣٩

١٤٠