الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي0%

الاقتصاد الإسلامي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 140

الاقتصاد الإسلامي

مؤلف: الشهيد آية الله محمد حسين بهشتي
تصنيف:

الصفحات: 140
المشاهدات: 36182
تحميل: 5668

توضيحات:

الاقتصاد الإسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 140 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36182 / تحميل: 5668
الحجم الحجم الحجم
الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي

مؤلف:
العربية

٣ - رأس مال تجاري.

١ - رأس المال في شكل وسائل إنتاج

يمكن افتراض حالتين في هذا النوع من رأس المال. ففي الحالة الأولى يصدر العمل الانتاجي عن مالك الوسيلة نفسه (كما مرّ في المثال السابق) ومن الواضح أنه لا نقاش في ملكية مثل هذا الشخص للدخل الحاصل من رأس مال كهذا في أية وجهة من وجهات النظر، وفي الحالة الثانية يفترض أن تكون وسائل الانتاج المستخدمة كرأس مال بشكل يجعل العمل الانتاجي لا يصدر من مالك هذه الوسائل بل من الآخرين. ويمكن لهذا الافتراض أن يتخذ صورتين :

أ - الايجار : أي أن يطلب مالك وسيلة الانتاج من شخص آخر أن يعمل بها ويعطيه كل يوم مبلغاً من المال كايجاز لهذه الوسيلة.

ب - الصورة الأخرى تتمثل في أن يستأجر المالك شخصاً فيعطيه كل يوم مبلغاً من المال مقابل ما ينتجه من الخيوط بواسطة الماكنة.

حصة العمل ورأس المال

وهنا يفترق منطق كلٍّ من الرأسماليين والاشتراكيين فيعتبر كل طرف منهم فائض الانتاج متعلقاً بالطرف الآخر، إذ يقول الرأسماليون :

(ان العامل الذي يعمل على الماكنة الانتاجية لو غزل الخيوط بيديه لانتج خلال ثماني ساعات عمل ما يعادل كيلوغراماً واحداً من الخيوط، ولكنه إذ يعمل اليوم بالماكنة فانه ينتج (٩) كغم من الخيوط. وعليه فإن هذه ال(٨) كغم الاضافية تعتبر نتاجاً لعمل وسيلة الانتاج).

وهذا كلام منطقي في ظاهره، ولكننا لو دققنا في الأمر لاكتشفنا أن هذه الحسابات غير صحيحة، ولأجل أن يتوضح أكثر عدم اعتماد هذا المنطق على أي أساس، يمكن تشكيل معادلة أخرى كالآتي:

(ان ماكنة الغزل حين كانت معطلة بلا عمل قبل اليوم ولم يكن العامل واقفاً الى جانبها، كان انتاجها صفراً، أما اليوم فقد أصبح انتاج هذه الماكنة اضافة الى عمل العامل (٩) كغم من الخيوط، وعليه فان هذه ال(٩) كغم المنتجة

____________________

(١) الريال =١٠ / ١ التومان وهو اصغر عملة متداولة في الجمهورية الاسلامية في ايران.

٤١

من الخيوط ملك للعامل).

وهذه هي نتيجة أحد اشكالات الاشتراكيين واستدلالاتهم حيث يقولون :

(ان مصدر الانتاج الحقيقي الذي يرتبط به الانتاج ككل هو العمل الحي، فالعمل الميت لا يلد شيئاً، كما أن الدجاجة الميتة لا تبيض).(١)

ولا بد أن نذكر هنا أننا لسنا أسرى هذه المعادلات، فحين نفكر بدقة نكتشف خطأ كلٍّ من المعادلتين السابقتين، وان كلاً منهما يدل على خطأ الأخرى، والحقيقة تتمثل في القول : بأن هناك حصة لكلٍّ من وسيلة الانتاج والعامل في ال(٩) كغم من الخيوط المنتجة، واننا لا يمكننا أن ننسب ولد الحلال لا لأمه وحدها ولا لأبيه وحده، وعلى هذا الأساس، فالقول الصحيح هو أن الخيط المنتج حصيلة لزواج العمل الحي للعامل مع العمل الميت لصاحب وسيلة الانتاج. ولكنا لنقاش يجب أن يدور حول معادلة تعيين الحصص التي يجب أن تقوم على اساس نظام عادل يستند الى الموازين الاسلامية، وتمثل الفقرة الثانية من المادة (٤٣) من دستور الجمهورية الاسلامية(٢) تلك المعادلة الدقيقة والعادلة، فحين تتوفر في المجتمع وسائل الانتاج بكثرة، وتوضع مجاناً تحت تصرف من يحتاج إليها لا تبقى بعدئذ اية أرضية للاستغلال، ولكن ماذا يجب عمله حتى نصل الى تلك المرحلة ؟ لقد دُوِّنَت المادة (٤٩) من دستور الجمهورية الاسلامية، في فصل الاقتصاد منه، لهذا الغرض، اذ تنص هذه المادة على ما يلي :

«الحكومة مسؤولة عن أخذ الثروات الناشئة عن الربا والغصب، والرشوة والاختلاس، والسرقة والقمار، وسوء الاستفادة من الموقوفات، وسوء الاستفادة من المقاولات والمعاملات الحكومية، وبيع الأراضي الموات، والمباحات الاصلية،

____________________

(١) المقصود من العمل الميت هو العمل الذي أنجز من قبل وأصبح اليوم في شكل وسائل انتاج، أو بضاعة، أو استثمارات. أما العمل الحي فيقصد منه العمل الذي انجز الآن وله ناتج معين.

(٢) توفير فرص العمل وامكانياته للجميع بهدف الوصول الى مرحلة انعدام البطالة، ووضع وسائل العمل تحت تصرف كل من هو قادر على العمل ولكنه فاقد لوسائله بصورة تعاونية عن طريق الإقراض بلا فائدة، أو أي طريق مشروع آخر، بحيث لا يؤدي ذلك التي تمركز الثروة وتداولها في أيدي أفراد ومجموعات خاصة، وبحيث لا تتحول الحكومة معه الى رب عمل كبير مطلق، ويجب أن تتم هذه العملية مع ملاحظة الضرورات القائمة في البرامج الاقتصادية العامة للدولة في كل مرحلة من مراحل النمو.

٤٢

وإقامة مراكز الفساد، وسائر الموارد غير المشروعة، واعادتها الى أصحابها، وفي حالة مجهوليتهم تعطى لبيت المال، ويجب تنفيذ هذا الحكم بواسطة الحكومة بعد التحقيق والثبوت الشرعي».

فالحكومة تأخذ هذه الأموال وتضعها تحت تصرف الأفراد المستعدين للعمل والفاقدين لرأس المال في شكل تعاونيات، وعليه فاننا لا نواجه في الاسلام طريقاً مسدوداً. ولو رفعنا من قدرتنا على التخطيط والتنفيذ فسوف يرتفع مستوى الانتاج في المجتمع الايراني خلال خطة تستغرق عشر سنوات، وذلك بتطبيق المادتين (٤٣) و(٤٩) من دستور الجمهورية الاسلامية، وبهذا نقضي على الارتزاق الذي يتم عن طريق الاستغلال.

٢ - رأس المال في شكل استثمارات

وهذا النوع من رأس المال نجده في شكل عمل مخزون قابل للاستثمار، فمثلاً بيني شخص ما بيتاً أو كوخاً ويعيش فيه، ولكنه يضعه ليلة أو ليلتين تحت تصرف المسافرين، أو تحت تصرف من لا يملك سكناً لمدة معينة، ويأخذ منه ايجاراً، ففي هذه الحالة يكون رأس المال في شكل عين خارجية قابلة للاستخدام، وهو بحد ذاته بضاعة قابلة للاستثمار، وهنا نجد رأس المال يتألف من مخزون عمل البنَّاء والآخرين.

٣ - رأس المال التجاري

وهو رأس المال الذي لا يعطي أيّاً من نوعي الربح، أي انه لا يرفع من مستوى الانتاج، ولا يمكن استهلاكه، ولا يمكنه عمل أي شيء، وكمثال على ذلك : هنالك تاجر يأتي بمئة طن من الرز الى المستودع بثمن مليون تومان، ثم يريد باعتباره مالكاً لمليون تومان (مئة طن من الرز) أن يحصل على ربح مقداره عشرون ألف تومان.

الربح الناتج عن الأشكال الثلاثة لرأس المال

١ - في الحالة الأولى : أي رأس المال في شكل وسائل انتاج، حين يضاف رأس المال الى العمل تبرز قيمة استهلاكية جديدة. مثلاً :

٤٣

(١٠٠) ساعة عمل لغزل القطن + ماكنة الغزل -- ١٠٠ كغم من الخيوط.

(١٠) ساعات عمل لغزل القطن - ماكنة الغزل -- كيلوغراماً واحداً من الخيوط.

فلو قيل في هذه الحالة ان ماكنة الغزل هذه تسببت في زيادة انتاج الخيوط وعليه يجب اعطاء رأس المال حصة من هذه القيمة الاستهلاكية الجديدة، فإن هذا الكلام جدير بالقبول طبقاً للقوانين التي اتفقنا عليها لحد الآن من وجهة نظر المنطق الفطري فيما يخص مصدر المالكية. إن مبدأ الربح الناتج عن رأس المال المتخِذ شكل وسائل إنتاج - ولو بمقدار ضئيل - مقبول من الناحية المنطقية، فالربح الناتج عن رأس المال (شريطة أن يكون معقولاً) لا يؤدي الى الاستغلال، ولا يثير نقاشاً حول القيمة الفائضة، بل يكون عاملاً مساعداً في أن يستفيد الذين يملكون طاقة عمل اكثر، وهو مما يساعد على الابداع.

٢ - في الحالة الثانية التي يكون فيها رأس المال في شكل استثمارات فإن العمل الميت المخزون لا يرافق أي عمل آخر سوى الاستهلاك، وبذلك لا يعتبر رأس المال الاستثماري مصدراً لانتاج قيمة استهلاكية جديدة، بل هو بحد ذاته وسيلة يمكن استخدامها كقيمة استهلاكية، وكما ذكرنا سابقاً، يأتي شخص ويبني بيتاً لنفسه وينشئ فيه غرفة اضافية تمكنه من اسكان المسافرين فيها لليلة واحدة ليأخذ منهم أجراً في مقابل ذلك وهكذا يصبح هذا البيت رأس مال استثمارياً.

ولنضرب مثالاً آخر : يصنع الشخص (أ) دراجة لنفسه ليستطيع بواسطتها التنقل من مكان الى آخر وحين لا يرغب في استخدامها يؤجرها الى الشخص (ب) الذي لو سار على قدميه لقطع المسافة في يومين ولكنه يقطعها في ساعات بواسطة هذه الدراجة.

٣ - الحالة الثالثة هي الربح الناتج عن رأس المال التجاري، وكما قيل سابقاً يكون رأس المال في هذه الحالة عقيماً لأنه غير قابل للاستهلاك بنفسه ولا ينتج قيمة استهلاكية جديدة لذا يمكنه أن يؤدي الى عمليات استغلال متسلسلة ومتواصلة وخفية، والى فوارق في امتلاك الثروة، وإلى فوارق طبقية، وهو لا يملك أي أساس يمكن تبريره منطقياً طبقاً لما قيل لحد الآن حول مصدر الملكية، وفي المثال الذي ذكرناه بهذا الصدد فان الفرد يشتري مئة طن من الرز بمليون تومان بقصد بيعها

٤٤

بمليون وعشرين ألف تومان، والسؤال هنا : هل يحق له قبض هذه العشرين ألف تومان وفقاً لما قيل حول الملكية ؟

الجواب : إنه لو قبض هذا المبلغ في مقابل عملية البيع والشراء (الخدمات) فلن يعود ربحاً لرأس المال بل هو بعنوان حق التعب الحاصل من عملية البيع والشراء. وفي هذه الصورة يطرح سؤال يقول:

وأي مقدار من العمل استهلكته عملية بيع مئة طن من الرز وشرائها لكي يخصص لها هذا المبلغ ؟

الجواب : قد يقول قائل : إن عمل التاجر لا يختلف عن عمل البقال، ولكن الذي يمكن القبول به هو عمل التاجر الخدمي والذي يجب أن يكون متناسباً مع أجرة جهوده التي تعطى له، فلو ربح تاجر الجملة عشرة ملايين تومان خلال سنة واحدة فإننا نتساءل : في مقابل أي شيء حصل على هذا المبلغ؟ وبماذا يختلف تاجر الجملة هذا عن بائع المفرد ذاك ؟ إن تاجر الجملة يطالب المجتمع بهذا المبلغ الاضافي مدعياً بأن رأسماله يجب أن يربح شيئاً، وهذا ما لا يقبله المنطق الفطري، وفي هذا المثال يمكن تقدير الربح اللازم في ظروفنا الحالية ب(٢٠٠) تومان مثلاً، وعليه فما هو مسوغ الربح البالغ (٢٠٠٠٠) تومان ؟ ولو حلَّلنا هذا المبلغ لوجدنا أن (٢٠٠) تومان منه أجرة عمل في مقابل الخدمة التجارية أما الباقي الذي يبلغ (١٩٨٠٠) تومان فيمثل القيمة الفائضة التي تطرح في البحوث الاقتصادية والتي رفضت في الاقتصاد التحليلي حتى قبل ماركس أيضاً، وهي اغتصاب غير مباشر لجهود العمال.

إن ما يعتبر سرقة تؤدي بمجموعة من الناس الى ايجاد طرق خفية، وخزنها من أجل جذب القيم الانتاجية الناتجة عن الجهود الفكرية والجسدية للآخرين، ما هو إلا هذا الربح الناتج عن رأس المال التجاري، ففي الربح الناتج عن البيع والشراء لا مجال للاشكال حول مقدار الربح المستحصل في مقابل جهود البائع والمشتري والكاتب والمحاسب والعامل ومصاريف الهاتف وأمثال ذلك، ولكن الذي يطالب بمقدار من الربح لأنه باع أو اشترى ألف طن - من البضاعة - مثلاً ولو كانت الكمية مئة طن وبالجهد نفسه ويطالب ب ١٠ % من المقدار السابق فان مطالبته هذه غير صحيحة، لأن هذا هو الربح المجحف، وهو شيء مرفوض من قِبَلِنا، وسواء اشترى هذا الشخص نقداً أو نسيئة فإنه يريد ربحاً في مقابل رأسماله،

٤٥

والنقد والنسيئة يتناسبان هنا مع الزمن وتكون معادلة احتسابهما بهذا الشكل على سبيل المثال :

المدة بالأيام مقدار الربح

١ ١٠ ريالات

٢٠ ٣٠ ريالاً

فهو قد أضاف عامل الزمن في هذه الحالة وهو على أية حال يريد أن يأخذ ربحاً بحجة أن رأسماله قد تجمد مدة معينة(١) ، وفي هذه الحالة اعتبر رأس المال التجاري شرطاً من شروط العمل الخدمي لا سبباً له، ولم تمنح له أية مصدرية، في الوقت الذي تملك وسائل الانتاج هذه المصدرية حقاً، والفرق هنا هو أننا لو أوجدنا نظاماً يقضي بأن يعطي منتج البضاعة بضاعته لأي بائع ويطلب منه أن يبيعها ويأخذ أجرته ثم يعيد المبلغ المتبقي اليه، فان ذلك لا يحدث أي تغيير (وفي هذه الصورة حذف رأس المال التجاري للبائع) ولا فرق بين وجود رأس المال أو عدم وجوده في الوقت الذي لو حذفت (في الحالة الأولى) وسائل الانتاج لكان ذلك مؤثراً.

يعتبر ما يصطلح عليه في علم الاقتصاد بالقيمة الفائضة من الامور التي تؤدي الى سرقة حصيلة أتعاب الآخرين وهي تتعلق من وجهة نظر التحليل الاقتصادي برأس المال الذي لا يظهر في شكل وسائل إنتاج وعوامله (وفي شكل استثمارات) بل في شكل رأسمال متداول في الوحدات الانتاجية والخدمية، بما في ذلك السوق.

____________________

(١) ينبغي الالتفات الى أننا في المثال الذي أوردناه سلفاً لم نحتسب أي ربح في مقابل ال(٥٠٠) كغم من القطن في كل الأحوال، في الوقت الذي احتسبنا ربحاً لماكنة الغزل وعمل العامل.

وجهة نظر الاسلام حول الارباح ورأس المال التجاري

ان ما بحثناه لحد الآن كان من الناحية الاقتصادية فقط، ويمكن - وفقاً لوجهة النظر الاسلامية - أن ننظر الى هذه المسألة عن طريقين :

١ - أن يقال : ان البائع يملك بضائعه، ولأنه يملكها فهو وفقاً للقاعدة الفقهية المعروفة : «لا يحل مال امرئ مسلمٍ إلا عن طيب نفسه» وكذلك طبقاً

٤٦

للآية الكريمة :( ... لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض... ) (١) مسموح له بأخذ أي مقدار من الربح، فمثلاً لو اشترى السكر بثلاثة تومانات للكيلوغرام الواحد ثم باعه بثلاث مئة تومان بدلاً من خمسة تومانات فلا ضير في ذلك ! ولأن الحالتين تشملهما هذه الأدلة فان حكمهما واحد.

٢ - وفي وجهة النظر الثانية توضع هذه الأدلة الى جانب القول بأن الإجحاف حرام في الاسلام، وأنه ينبغي الانصاف هنا، ولو تتبعنا ما عندنا من الروايات عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة سلام اللّه عليهم أجمعين حول آداب التجارة، لأدركنا جيداً أن البائع الملتزم بالاخلاق والمبادئ الاسلامية يأخذ لنفسه ربحاً يساوي حق أتعابه وبصورة عادلة، أما البائع الذي يريد إضافة الى ذلك أن يحصل على معجزة من رأسماله (الذي يعتبر غير منتج من وجهة النظر الاقتصادية) ويريد منه أن ينتج ربحاً فاحشاً فإنه شخص غير منصف، ولا توجد أية شكوك حول هذا الأمر طبقاً للمقاييس الاسلامية.

____________________

(١) النساء : ٢٩

٤٧

البيع والربا

حين نزلت الآيات القرآنية الكريمة تأمر بتحريم الربا في المجتمع الاسلامي، طرح المرابون سؤالاً يقول : ما الفرق بين الربح الناتج عن الربا والربح الناتج عن البيع والشراء ؟

( ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا... ) .(٢)

مثال : في البيع والشراء يعطي الانسان عشرة أطنان من الرز ليحصل على ربح معين، فلو أعطى - بدلاً من هذه الأطنان العشرة من الرز - مبلغاً قدره عشرة آلاف أو مئة ألف تومان، وطلب منه أن يعيده اليه بعد شهرين مضيفاً اليه مبلغاً معيناً فهو في هذه الحالة قد أعطى نقوده ليأخذ ربحاً في مقابل ذلك، فما هو الفرق بين الربح الناتج عن البيع والشراء والربح الناتج عن الربا ؟ ويجيب القرآن هنا قائلاً :( أحل اللّه البيع وحرَّمَ الربا... ) .(٣)

____________________

(٢) و(٣) البقرة : ٢٧٥.

٤٨

فهناك فرق بين البيع والربا هو انك في البيع تؤدي - حقاً - خدمة يحتاج اليها الآخرون، لأن البيع عبارة عن توزيع البضاعة (أي إيصالها من الانتاج الى الاستهلاك) وهو أمر لا بد منه في الحياة الاجتماعية لأفراد البشر، ولكن الربا بغير هذا الشكل، فإنك في الربا لا تؤدي أي عمل نافع، بل إن العمل النافع يؤديه من تعطيه النقود، وهو لا يستطيع الاستفادة من هذه النقود التي وضعتها تحت تصرفه بحد ذاتها، وعلى هذا الأساس فان وضع النقود تحت تصرف الآخرين لا يؤدي إلى أية نتيجة، فهي وسيلة لا يعتبر مجرد توزيعها وإيصالها الى الاشخاص خدمة من الخدمات، والآن يطرح سؤال يقول : أي نوع من الربح يحلِّله القرآن ؟ إننا نفهم من آية :( أحل اللّه البيع وحرّم الرب ) حدوداً للربح المعقول الذي يعادل أجرة أتعاب البائع، أما ما تجاوز ذلك فهو من الناحية الاقتصادية نوع من أنواع الظلم لا يختلف عن الربا بأي شكل من الاشكال.

الأرباح ونسبة التضخم

المسألة الأخرى التي تطرح نفسها بهذا الخصوص هي معالجة التضخم، أي سد النقص الحاصل في القدرة الشرائية للنقد (نسبة التضخم). ففي المثال نفسه الذي ذكرناه يشتري الشخص مئة طن من الرز بمليون تومان ويريد بيعه بمليون ومئتي تومان لتكون هذه المئتا تومان حلالاً له، ولتكون مصداقاً للحديث القائل : «الكاسب حبيب اللّه». وحين يبيع المئة طن من الرز يذهب ليشتري مرة أخرى مئة طن بمليون تومان ولكنهم لا يعطونه ذلك لأن الرزّ قد غلا ثمنه ويقولون له : إنهم يعطون (٩٩) طناً من الرز بدل المئة. فمن أين يجب توفير هذا الطن الواحد من الرز الذي خسره هذا الشخص ؟ وهناك ما يشبه هذه القضية فيما يخص النقد، فمثلاً تقترض أنت اليوم مئة ألف تومان من النقود من ابن عمك الذي يريد شراء دار بهذا المبلغ ولكنك تطلب منه أن يصبر مدة من الزمن لأنك تحتاج اليها لأمر أهم من ذلك، وحين يذهب بعد انقضاء تلك المدة ليشتري داراً يخبرونه بأن الدور قد غلا ثمنها، فما العمل تجاه هذه الخسارة ؟ وهنا أيضاً لا يوجد فرق بين البيع والربا، فحين تبرز نسبة للتضخم يجب التفكير بحل لها سواء في القروض أو في البيع الشراء.

ولو اتفقنا على أن الفسح في المجال لنسبة التضخم يؤدي في حد ذاته الى

٤٩

دفع المجتمع نحو تنمية الثروة وتراكمها لتوجبت علينا مقارعة التضخم، وعوامل التضخم كثيرة جداً ولكن أهمها يتمثل في ذلك الربح الناتج عن رأس المال المتداول، ولو أننا قضينا - في نظام اقتصادي معين - على الربح الناتج عن رأس المال المتداول، لما وجدنا بعد ذلك نسبة تضخم جديرة بالاهتمام، ولو تفحصنا هذا الأمر من جميع جوانبه فمن المحتمل أن تكون جميع أسباب التضخم الأخرى نتيجة لهذا السبب، اذ ان مصدر التضخم في جميع الاسباب والعوامل التي تنسب اليه هو بالضبط هذا الربح الناتج عن رأس المال المتداول الذي ليس في شكل وسائل انتاج ولا في شكل بضاعة قابلة للاستثمار بل هو مجرد رأس مال متداول يطالب أصحابه بربح له، ولو كان الأمر كما يدعون من ان الربح الرأسمالي واحد من مجموعة أسباب للتضخم، وأن هناك عوامل أخرى ترافقه أيضاً وتجعله غير قابل لتجنبه، فانه ينبغي في هذه الحالة أن نسميه «تعويض التضخم» وهو شيء يشبه تعويض الخسارة الناشئة عن الاستهلاك، ولو أعطي ما يعادله للبائع فان ذلك من الأعمال الصحيحة.

ان جميع هذه الأمور تعود الى «السعر»، فمن العوامل التي قيل انها تؤثر في ظهور التضخم هو «السعر»، وان الخطأ في التسعير - أي تعيين وحدة قياس القيمة - يؤدي الى ظهور التضخم، وتعتبر وحدة القيمة من أعقد المسائل الاقتصادية، وينشأ التضخم حين يكون مقدار امكانيات الاستثمار الحاصلة أقل من القدرة الشرائية المعطاة للناس، فمثلاً ان الربح الناتج عن رأس المال التجاري الذي يحصل عليه رأسمالي معين يعطيه قدرة شرائية في الوقت الذي لم تحصل امكانية اضافية للاستثمار (في المجتمع) حتى بمقدار تومان واحد، وهذا ما يؤدي الى التضخم، وفي هذه الحالة يفكر العامل - مع نفسه - أنه تسلّم أجوره كاملة ولكن قدرته الشرائية أقل مما يحصل عليه، وهذا يمثل بالضبط سرقة من جيب العامل واستغلالاً له.(١)

____________________

(١) وحين يريد صاحب المصنع أن يدرج أرباحاً في ميزانيته فانه يحسب هكذا :

يقول : إنه يملك في مصنعه مئة ميليون تومان كرأسمال مكوّن من : البناء (ميليوني تومان) والمكائن والآلات (ثمانية ملايين تومان) والمواد الأولية والأجور التي يجب اعطاؤها للعمال خلال شهر (تسعون مليون تومان) وهكذا نراه يعتبر عشرة ملايين تومان من رأسماله مخصصة للبناء والمكائن والآلات، والتسعين مليوناً

٥٠

ان ما يطرح قضية القيمة الفائضة في دور الاقتصاد الرأسمالي ويبين دورها المخرِّبَ، شيء يعود إلى الربح الناتج عن رأس المال التجاري، وإلا فان الربح الناتج عن رأس المال في شكل وسائل انتاج واستثمارات لا يؤدي على الاطلاق الى ظهور مسألة القيمة الفائضة المخرِّبة.(١)

ولنطرح الآن ما جاء في الاقتصاد الاسلامي بصدد التقسيم الثلاثي الذي ذكرناه لرأس المال :

____________________

الباقية تخص المواد الأولية والأجور التي يجب دفعها للعاملين لتطوي البضاعة مراحل تداولها. لأنه يجب أن ينتظر ستة أشهر حتى يمكنه شراء المواد الأولية ثم تحويلها الى بضاعة مصنَّعة يسلِّمها للبائع ليقبض منه ثمنها، وعلى هذا الأساس فانه لا يطالب في ميزانية الأرباح بعشرة ملايين تومان بل بمئة مليون، وهنا يشبه الربحُ البالغ (٩٠) مليوناً، الربح الناتج عن رأس المال التجاري، والربح الوحيد المعقول والممكن تبريره هو الربح المتعلق بحصة وسائل الانتاج المؤثرة في زيادة القيمة الاستهلاكية المنتجة بالعمل، وسائر الاستثمارات. ويمكن أن نضيف الى ذلك الكمية المتعلقة بعمله الخدمي وما يتعلق بنسبة التضخم التي لا مفر منها (على فرض وجود هذه النسبة) كما في تعويض الاستهلاك، وما زاد على ذلك فهو من الناحية الاقتصادية لا يختلف عن «الربا» ولا يمكن القبول به، والنظام الرأسمالي هو الذي يعطي لرأس المال مثل هذا الدور.

(١) وهنا تطرح مسائل عديدة على النحو التالي :

ترى من أين ينشأ التضخم في المجتمعات الاشتراكية ؟ هل ان هذا التضخم سببه العلاقات التجارية لتلك المجتمعات بالمجتمعات الرأسمالية ؟ أم الميكانيكية الخاطئة لدور العمل عندهم؟ أليس سبب التضخم في المجتمعات الاشتراكية يكمن في أن الاتحاد السوفياتي مثلاً يريد تأمين مصارف الأقمار الصناعية من المصاريف المخصصة للانتاج الزراعي وانتاج البضائع الاستهلاكية مما يؤدي الى ظهور التضخم؟ وحقيقة الأمر هنا أن الربح الذي يريد «الرأسمالي» في أمريكا الحصول عليه من رأس المال، هو نفسه الذي تريد «الدولة» في الاتحاد السوفياتي الحصول عليه، وان لم يكن الأمر هكذا فهو فليس تضخماً، وفي التضخم تظهر آثار ربح رأس المال المتداول مع الضرائب التي لا داعي لها، وقد تفرض الحكومة نوعين من الضرائب : أولها الضرائب التي توفر في مقابلها خدمات للعمال، والنوع الثاني الذي لا يقدم أية خدمة للعمال، ومن هذا النوع التسلح الاضافي الا اذا اعتبرنا «الامن» الذي يُوفَّر للعامل عادلاً حقاً لأن الأمن يتطلب بدوره بعض المصاريف، تلك هي الابحاث الدقيقة التي تطرح بهذا الصدد. أما الناحية الشرعية فلا ينبغي لأحد أن يعتقد بأية صورة كانت بأنه يستطيع أن يجني من أعماله أرباحاً فاحشة. فالأرباح الفاحشة - من أي عمل جاءت - تعتبر في أقل تقدير أمراً مخالفاً للانصاف وفقاً لما جاء في نصوصنا الاسلامية القاطعة، ولكنه لو انتفع بمقدار متوسط فلا يعد مخالفاً للانصاف، وهذه - على كل حال - ميكانيكية الأسعار التي هي ميكانيكية معقدة جداً، وجميع محاسن الأنظمة الاقتصادية ومساوئها تعود - في اعتقادي - الى النظام الذي يبين كيفية الوصول الى أكثر الأسعار عدالة، فالاسعار العادلة عدالة مطلقة لم تتحقق حتى اليوم لا في الانظمة الماركسية ولا في الانظمة الرأسمالية ولا في الاسلام، فهي بحاجة الى ميكانيكية، وهذا عمل من أعمال «علم الاقتصاد» ومع أهمية عامل الاخلاق لكننا لا يمكننا ابعاد العامل العلمي عن أنظارنا.

٥١

١ - الايجار

ان ايجار الأشياء (كإيجار البيت والمتجر والسيارة والدراجة و...) الذي ورد في فقهنا يتعلق بالحالة الثانية (أي الربح الناتج عن رأس المال المتخذ شكل الاستثمارات) وهو - بناء على ما ذكرناه سابقاً - يمتلك تبريراً اقتصادياً ومنطقياً يمكن القبول به ولا يعتبر بحد ذاته ظلماً اقتصادياً، وقد يقال : لو فتحنا الباب أمام الايجار فسوف تطرح قضايا المؤجر والمستأجر وتزايد ضغوط الذين يملكون على أولئك الذين لا يملكون، وعلاج هذه المسألة يتمثل في القضاء على الضائقات بنظامنا الاقتصادي الذي نضعه للمجتمع، أي أن نوسع من أعمال بناء البيوت ليكون كل فرد أقل حاجة الى استئجار البيت، ويصبح الأفراد أنفسهم أصحاب بيوت وفي هذه الصورة يكون الأفراد هم من أصحاب البيوت عامة، وكذلك لا يبقى أحد ممن قد يعيشون في مكان ما بشكل مؤقت (في حالة ايفادهم للدراسة أو العمل مثلاً) في ضائقة من حيث السكن إذ يحصلون على امكانيات سكن بشكل دور تؤجر لهم، وكمثال على ذلك : انني لا احتاج الى سيارة طوال العام ولكني أسافر أحياناً لعدة أيام خلال السنة، فلو كان هناك مكان استأجر منه سيارة لعدة أيام وأدفع أجرتها كي أسافر وأعود لكان ذلك اكثر اقتصاداً أو عدالة لي وللمجتمع من أن أشتري سيارة وأضعها في البيت لغرض استعمالها في هذه الأيام القليلة من السنة، ولكن هذه الأجرة يجب أن تكون منخفضة وهذا مما يحتاج الى ميكانيكية تحافظ على انخفاض مستوى الأسعار، وعلى الحكومة مراقبة عدالة الاسعار في كافة المجالات، وأن تحافظ إضافة الى ذلك على انخفاض مستوى الاسعار بميكانيكية خاصة، وعلى هذا الأساس فلمواجهة سوء استعمال تجويز الايجار والأجرة في نظام اقتصادي معين ولضمان أن لا يؤدي هذا التجويز الى فوارق كبيرة بين دخول الأفراد، لا بُدَّ من اتخاذ أمرين :

أ - العمل على توفير هذه الأشياء لمن يحتاج اليها.

ب - استخدام الأساليب المؤدية الى المحافظة على انخفاض مستوى الاسعار.

اذن لا يعني تجويز الايجار واعطاء الأشياء بالأجرة في نظام اقتصادي معين، انتهاكاً لمبادئ العدالة الاقتصادية، ولا يؤدي هذا الأمر الى مسألة القيمة

٥٢

الفائضة التي طرحت في الاقتصاد الماركسي وما قبله.

٢ - المزارعة

المزارعة تعني أن يعمل الشخص (أ) ويعدَّ قطعة من الأرض لزراعتها. فهو يشق الأنهار والسواقي ويجري فيها الماء فيسقي الأرض ليعدها للاستثمار الزراعي، ولكنه لا يتمكن لسبب ما (المرض أو السفر مثلاً) أن يزرعها بنفسه. فبإمكانه هنا أن يسلك أحد طريقين : إما أن يعطي الأرض والماء إيجاراً للشخص (ب) وبذلك تحصل الحالة الأولى التي ذكرناها قبل قليل، وإمّا أن يطلب من (ب) أن يستخدم هذه الأرض ثم يقسما بينهما ما يحصل لديهما في نهاية الموسم بنسبة معينة، وهذه قضية مقبولة تماماً من الناحية الاقتصادية، وعدم وجوب ارتفاع السعر ليكون مجحفاً مسألة أخرى، ولكن هذه المسألة لاتواجه - من حيث المبدأ - أي دليل منطقي اقتصادي يرفضها، إذ لو عمل الشخص (ب) لمدة سنة كاملة على أرض غير معدة وبلا ماء فقد تعادل حصيلته منها ربع ما يحصل عليه من الأرض المعدة للزراعة، ولو كان الشخص (ب) يعمل (٣٠٠٠) ساعة في السنة فحينما يصرف هذه الساعات على الأرض التي أعدت سلفاً من قبل الشخص (أ) وسُحب اليها الماء فانه يحصل على (٣٠) طناً من القمح مثلاً، في الوقت الذي لو صرف المقدار نفسه من ساعات العمل على أرض غير مُعدة فقد لا يحصل على أكثر من(١٠) أطنان من القمح.

اننا لا نقول هنا بأنه يجب عليه أن يأخذ فقط عشرة أطنان ويعطي العشرين الباقية للشخص (أ) اذ ان ذلك مما يفعله الرأسماليون الطامعون، ولكننا نقول : إن الشخص (أ) يملك حصته من هذا القمح أيضاً. وقد تذهب المزارعة الى أبعد من ذلك، كأن يعد الشخص (أ) أرضه ويسحب اليها الماء ثم يبذر فيها البذور وتنبت هذه البذور، وفي هذه الاثناء يصاب بالمرض فيضعها بعد هذه المرحلة تحت تصرف الشخص (ب) ليقتسما معاً ما يحصلان عليه بنحو معين، فهل هناك اشكال في هذا ؟ ان المزارعة - بناءً على ما تقدم - تستند الى أساس منطقي.

وقد يقول قائل ان المزارعة تؤدي الى ظهور أناس ذوي دخول عالية، وآخرين ذوي دخول واطئة، وعلاج القضية سهل أيضاً يتمثل في ايجاد نظام يؤدي بالمزارع الى عدم اضطراره الى بيع طاقة عمله لمن يملك الأرض الزراعية والماء

٥٣

والبذور والمكائن لعدم ملكيته لهذه الأشياء. وهذا بالضبط ما جاء في الفقرة(٢) من المادة (٤٣) من دستور الجمهورية الاسلامية.(١)

تمثل هذه الفقرة أطروحة اقتصادية جديدة وفق الموازين الاسلامية، وقد أسميتها أنا أطروحة «وفرة وسائل الانتاج وامكانياته». وهناك فقرة أخرى أيضاً للمادة نفسها تتعلق بأطروحة وفرة الامكانيات العلاجية، وعلى أساس الأطروحة الأولى يمكن في وقت واحد منح حرية للافراد في المجتمع تمكنهم بعد اعدادهم الأرض وبذر البذور وانباتها من أن يضعوها تحت تصرف الآخرين، وأن يحسب هؤلاء الآخرون هل أن هذه القضية تجديهم أم لا، كي لا يضطروا الى بيع طاقات عملهم لعدة أشهر بأجرة قليلة.

وبهذه الطريقة نقضي على اضطرار الناس الى بيع طاقات عملهم بأثمان رخيصة، ونبقي على هذه الفوارق الاقتصادية التي تمنح الطرفين - تلقائياً - مقداراً من حرية المعيشة، فاقتصادنا الاسلامي اقتصاد ذو بعدين، فهو يهتم بالحرية ويرفض الاستغلال في آن واحد.

٣ - المساقاة

تنحصر المساقاة في الامور المتعلقة بالسقي، وفي اكثر الأحيان سقي الأشجار، وما الى ذلك، وكمثال على المساقاة : غرس الشخص (أ) بستاناً وهو ينوي السفر. فيتفق مع (ب) على أن يسقيه في غيابه ويراقب الأشجار (وهنا لا دخل للشخص (ب) في الزراعة) وفي مقابل ذلك يقتسمان ما يعطي هذا البستان في نهاية الموسم بنسبة معقولة. وهذا العمل يشبه ما ذكرناه بصدد المزارعة.

٤ - المضاربة

المضاربة عبارة عن تزاوج بين العمل الانتاجي والعمل الخدمي (في صورة مبادلة). ويعتبر عمل البائع المتجول مصداقاً من مصاديق المضاربة فالقروي ينتج مثلاً البيض والفاكهة والقمح والأغنام ولكنه لا تسنح له الفرصة

____________________

(١) لمزيد من الايضاح راجع شرح هذه المادة في فصل «الأبعاد الأساس لفصل الاقتصاد من دستور الجمهورية الاسلامية» من هذا الكتاب.

٥٤

للحصول على القماش أو صناعة الأواني النحاسية، أو أنه بحاجة الى تلك الأواني ولكنه ليس نحّاساً ولا وجود لنحّاس في قريته، بل ان النحاس في مركز الناحية أو في المدينة، وهناك في المقابل نحّاس يعمل منذ الصباح وحتى المساء ولكن زبائنه ليسوا جميعاً من أهل المدينة، بل ان مجموعة من زبائنه الحقيقيين هم القرويون، فليس من المجدي أن يحمل النحّاس بنفسه الأواني النحاسية ليبيعها في القرية، ولا يجدي القروي أيضاً أن يتناول كل يوم عشر بيضات (ويترك عمله الذي يقتات منه) لكي يذهب بها الى المدينة، فعمل البائع المتجول هنا يتمثل في أنه يجلب الى القروي الأواني والجوارب والملابس والأحذية وأمثالها من جهة ويذهب بالدجاج والبيض والجبن واللبن والقمح الى المدينة من جهة أخرى، وهنا اما أن يبادل البضاعة بالبضاعة، أو تدخل النقود الى الميدان فتسهل عملية التبادل.

يعتبر عمل البائع المتجول - كما أسلفنا - مصداقاً من مصاديق المضاربة وذلك يعني أن البائع المتجول لا يعطي نقوداً للنحّاس في مقابل أوانيه النحاسية (حيث أنه لا يملك نقوداً ليعطيها له) بل يتفق معه على أن يأخذها ويبيعها لتكون لكل منهما حصة من المبلغ الذي يحصل نتيجة للبيع، وهو من جهة أخرى يتفق مع القروي على أن يأخذ دجاجه وبيضه الى المدينة لتكون له حصة مما يحصل عليه، وللقروي أيضاً حصة أخرى وهذه هي المضاربة بعينها.

فرأس المال هنا (الذي هو الأواني النحاسية أو الدجاج والبيض) ملك للنحاس أو القروي والعمل الخدمي يأتي من البائع المتجول. وهكذا يحصل تركيب يتألف من كلٍّ من العمل الانتاجي والخدمي، ويجب أن تقسم حصيلة هذا العمل بصورة عادلة بين العمل الانتاجي والخدمي، ونجد هنا أن رأس المال غير المنتج لم يربح شيئاً في هذه المضاربة السليمة. إذ حين يتم الحصول على شيءٍ ما فإنه يقسم بين كلٍّ من البضاعة المنتجة التي تعتبر تجسيداٍ للعمل الانتاجي، وبين العمل الخدمي للبائع المتجول.(١)

وليست المضاربة عملية حصول على ربح ناتج عن رأس المال التجاري، ولو كان رأس المال يدر أرباحاً فذلك لأن (في مثالنا) النحّاس يعطي عشرة

____________________

(١) ما هي شروط المضاربة التي وردت في فقهنا ؟ يقول بعض الفقهاء : إن المضاربة تتحقق فقط في رأس المال الذي يكون في صورة ذهب أو فضة. وهذا في حد ذاته من البحوث الفقهية الطريفة.

٥٥

صحون نحاسية للبائع المتجول وبعد عودته يتقاضى منه «ثمن» أحد عشر صحناً، وهنا يأخذ البائع المتجول عشرة صحون من النحّاس ليبيعها في القرية فيحصل على «ما يعادل» أحد عشر صحناً ثم يأخذ من ذلك ما يعادل قيمة صحن واحد مقابل خدمته، ويعطي الباقي للنحّاس، وعليه فان صحون النحاس العشرة لم تصبح أحد عشر صحناً، وهذه هي حقيقة المضاربة.(١)

هناك قضية مطروحة في علم الاقتصاد تقضي بأن تستند المضاربة الى ميكانيكيّة عادلة، وهذا شيء صحيح وهو يختلف عن القول بأن أصل المضاربة كالربا، وقد سبق القول : ان المضاربة ليست كالربا، بل هي تركيب يتألف من كُلّ من العمل الانتاجي والعمل الخدمي المتمثل بتوزيع البضاعة. ومن الطبيعي أن لا تكون حصيلة المضاربة معادلة للعمل الانتاجي وحده، بل ينبغي لها أن تعادل العمل الانتاجي والعمل التوزيعي معاً، وما يحصل من هذا الاقتران بين العملين الانتاجي والخدمي ليس ربحاً في الحقيقة، بل هو عبارة عما يجب دفعه ازاء الخدمات، ومن هذا القبيل كلّ من عمل البائع المتجول والبقال والخباز وبائع الصحف، إذ لا تعتبر حصيلة أيٍّ من هؤلاء ربحاً ناتجاً عن رأسمال غير انتاجي وغير استثماري.

والمزارعة والمساقاة نوعان من أنواع الاستثمار الانتاجي، ويعتبر الايجار أحياناً رأس مال انتاجياً، وأحياناً أخرى يتخذ شكل رأس المال الاستثماري، وليست المضاربة أيّاً من هذين النوعين، بل هي تركيب بين كلٍّ من العملين الانتاجي والخدمي الأمر الذي لا يعتريه أي إشكال من الناحية الاقتصادية.

ثم ألا تعتبر هذه الأمور في نظام ينعدم فيه الضمان والتقاعد وأجور أيام البطالة، تراكيب صحيحة لمثل هذه الأنواع من الضمان ؟ اننا نستند في حديثنا الى مبدأ عدم وجود من يأكل مجاناً في المجتمع، فمن يعمل يأكل ومن عجز عن العمل ولا يمكنه القيام بأي عمل نحسب له حساباً استثنائياً. والسؤال هنا : هل ان كل من يعمل يستطيع الاستمرار في عمله حتى نهاية عمره ؟ أم أنه سيأتي يوم يعجز فيه عن العمل ؟ اننا نواجه في جميع الأنظمة - سواء في النظام الرأسمالي أو في النظام

____________________

(١) المضاربة مأخوذة من ضرب العمل برأس المال أو من (ضرب في الأرض) أي تشغيل رأس المال ونقله هنا وهناك.

٥٦

الاشتراكي الحالي أو في النظام الاشتراكي المثالي (الذي هو نظام اشتراكي متقدم تنعدم فيه الدولة والذي يستطيع كل انسان فيه الاستفادة بمقدار رغبته في العمل وكما يحلو له) أناساً لا يقدرون على العمل بل هم فقط يستهلكون من القيم المنتجة بواسطة اشخاص يعملون بالفعل، فالناس في مرحلتي الطفولة والشيخوخة (أي عند طرفي حياتهم) مستهلكون لا منتجون، وهذه مسألة طبيعية، اذ لا يمكن أبداً الإدعاء أنه يجب على جميع أفراد مجتمع معين الاستفادة من انتاجهم وعملهم الخاص فقط لأنهم يستطيعون ذلك في فترة معينة من حياتهم. أما في المراحل الأخرى فلا يعملون ولكنهم يستفيدون فقط، فمن أين تأتي هذه الاستفادة ؟ انهم يجيبون على هذا السؤال قائلين بأنهم ينبغي عليهم توفير جزء من القيمة الزائدة عن القيمة المستهلكة التي ينتجونها في سنيِّ عملهم لهذه السنين التي يستهلكون خلالها ولا يُنتجون، ويتخذ هذا التوفير شكلين : اما توفير الدولة وإمّا توفير الفرد نفسه، فما الفرق اذن بين أن يعمد المزارع - الذي صرف في سنيِّ شبابه جميع طاقته في اعداد عشرة أو عشرين هكتاراً من الأرض للزراعة وشراء ماكنة زراعية وكميات من البذور وشق الأنهار لسقي تلك الأرض فبلغ الآن الستين من عمره ولم يعد قادراً على العمل - الى اعطاء هذه الامكانيات الى مزارع شاب ويطلب منه أن يشتغل بها ليحصل على كمية من المحصول الناتج، ويحصل المزارع على كمية أخرى، وبين أن تأخذ الدولة هذه الامكانيات منه وتعطيها لمزارع آخر ؟ وماذا تفعل الدولة هنا ؟ انها تأخذ كمية من القيمة الانتاجية للمزارع الثاني لتعطيها للمزارع الأول، مع فارق وجود جهاز اداري يحسب ويكتب ويأخذ من هذا ليعطي لذاك، ولا يعرف هل بامكان هذه الطريقة البيروقراطية وهذه الرأسمالية الحكومية أن تكون حقاً طريقة أفضل لتقسيم صحيح للقيم الاستهلاكية المنتجة بين الناس، أي أن تتمكن من انجاز عملية التقسيم هذه بعمل خدمي أقل فهذا مما يحتاج الى شيء من التحليل، واننا نؤمن بضرورة ايجاد تجربة اقتصادية جديدة في ايران تستند الى هذه المقاييس.

مشاكلنا الاقتصادية وطرق حلها

أجل، إن ما يُعمل به في المجتمعات الاسلامية اليوم (مما يؤدي الى الظلم الاقتصادي والى بروز القيمة الفائضة المسروقة أي الاستغلال) على شكلين :

٥٧

١ - الأرباح الناتجة عن رأس المال التجاري غير المنتج الذي يربح بحد ذاته، أي انه (كما في المثال الذي مرّ بنا) يأخذ البائع المتجول عشرة صحون من النّحّاس ويذهب بها الى القروي ليستفيد منه ما يعادل (١٣) صحناً، ثم يأخذ ما يعادل صحنين ويعيد ما يعادل (١١) صحناً الى المنتج، ان هذا رباً يؤدي الى استغلال غير مرئي، والى استغلالات متسلسلة متوالية غير مرئية والى فوارق طبقية وفوارق في امتلاك الثروة ويجب منع هذا الأمر بميكانيكية صحيحة للأسعار. وهذا بحد ذاته يعتبر من أعقد المسائل الاقتصادية.

٢ - قلة توفر رؤوس الأموال ووسائل الانتاج لأصحاب طاقات العمل الانتاجي والخدمي بشكل يضطر فيه هؤلاء الى العمل لدى أصحاب رأس المال الانتاجي والخدمي، والقبول بأية تركيبة يفرضونها عليهم. انها حقاً لمأساة يتمثل علاجها في التنفيذ التام والعاجل للفقرة الثانية من المادة (٤٣) من دستور الجمهورية الاسلامية، فالقضية المهمة في الاقتصاد الايراني تتمثل في حل هذين الأمرين، إذ يجب أن نركز افكارنا هنا ولا نبدد طاقاتنا، إنها بالنسبة لي لمأساة أن أرى عقولاً تستطيع التفكير والابداع في مجال الاقتصاد تصرف أوقاتها في نقاشات جوفاء لا جدوى منها، انهم لو اعتمدوا على هذه الأسس الواضحة والمقبولة فطرياً لانطلقوا الى طرق تنفيذها. ان مشكلتنا الآن تكمن في طرق التنفيذ، وتنحصر هذه المشكلة التنفيذية في أمرين :

١ - في الانتاج : تتمثل قضيتنا مع الانتاج في ماذا نفعل لكي نستطيع اعطاء وسائل الانتاج ورأس المال الانتاجي والخدمي الى من يقدر على العمل سواء بشكل فردي أو على شكل شركات مساهمة أو تعاونيات، إن تنفيذ هذا الأمر يتطلب فكراً وتجربة وحركة وبناءً وحتى تسابقا.

٢ - في جهاز التبادل والتوزيع : وقضيتنا هنا تكمن في ماذا يجب عمله لمنع رأس المال غير المنتج من جني الأرباح، وأن يخرج الناس من أذهانهم فكرة جني الأرباح من رأس المال هذا، ويفهموا أن الربح العادل يجب أن ينتج فقط من خدمات توزيع البضاعة مضافاً إليها الاستهلاك، وأحياناً نسبة التضخم (الى الحد الذي يكون هناك تضخم لدينا) وهذه المسائل تحتاج الى حساب وعمل

٥٨

دقيقين.(١)

____________________

(١) لقد دخلنا في نقاش استمر عدة جلسات مع أصدقاء وصِفوا بأنهم يعملون في الاعمال التنفيذية ويجب أن يدلوا بآرائهم في هذا المجال، فشاهدنا أننا ندور حول الكلمات فقط، وانها حقاً لمشكلة أن يكون أدعياء التخصص التنفيذي في مجتمعنا ممن ينسجون التراكيب، فحين يُعفِّي الزمن على تركيب معين، يقر دستورنا تركيباً جديداً ويجب الاتجاه الى تنفيذه.

٥٩

خلاصة البحث

١ - للملكية أساس فطري.

٢ - الملكية نوعان : إبتدائية وانتقالية.

٣ - مصدر الملكية الابتدائية يتمثل في العمل الانتاجي والخدمي والحيازي.

٤ - الملكلية الانتقالية نوعان : اختيارية وقهرية.

٥ - مصدر الملكية الانتقالية يتمثل في المبادلة والهبة والارث. والمصادر الأخرى التي قد توجد للملكية إنما هي مشتقة من أحد هذه المصادر الستة.

٦ - انواع الملكية هي : الملكية الشخصية، والخاصة، والعامة، وملكية الدولة، ويمكن اعتبار الملكية الجماعية في هذا التقسيم مشتقة من أحد هذه الانواع الاربعة التي ذكرت للملكية.

والملكية الشخصية تطلق اصطلاحاً على ملكية فرد لشيء ما، أو جزءٍ من ذلك الشيء شريطة أن لا يكون من وسائل الانتاج.

والملكية الخاصة تطلق على ملكية شخص (أو مجموعة) لوسائل الانتاج، أو لجزءٍ منها.

وملكية الدولة هي في الحقيقة مظهر آخر من مظاهر الملكية العامة ولو أن لكلٍّ منهما جذره الخاص به.

٧ - ليس هناك أي مبرر اقتصادي يمنع الملكية الخاصة سواء في شكل فردي أو في شكل جماعي (شركة مساهمة أو تعاونيات).

٨ - ليس رأس المال الا عملاً مجمداً (مخزوناً).

٩ - لو اقترن العمل المجمد (المخزون) بالعمل الانتاجي فأصبح مصدراً

٦٠