الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي28%

الاقتصاد الإسلامي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 140

الاقتصاد الإسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 140 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38505 / تحميل: 6653
الحجم الحجم الحجم
الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

هنا ؟ وهل تنحصر بها الانفاقات الواجبة على كل مسلم، أو غير المسلم ممن يعيش ضمن المجتمع الاسلامي ؟

يرى كثير من الفقهاء أن الضرائب الاسلامية هي تلك الضرائب المنصوص عليها في الكتاب والسنُّة، ولو دفعها - في نظام اجتماعي معين - كل الذين وجبت عليهم، فإن ذلك يكفي ولن تبقى بعدئذ أية منطقة فراغ، أي انه لو دفع كل الذين يحصلون على دخول تزيد على مصاريفهم، والذين يستخرجون المعادن، والذين يصطادون اللؤلؤ والمرجان وأمثال ذلك والذين اختلطت أموالهم بالحرام والذين يعثرون على الكنور، ولو دفع الذين وجبت عليهم الزكاة (حتى لو كان فقط في الحالات التسع المعينة(١) ، ووفقاً لشروطها وللحدود المعينة في الاسلام) ما وجب عليهم من هذه الضريبة، فان جميع النواقص سوف تسد، ويعتقد فريق آخر من الفقهاء أنه قد تبرز في المجتمع الاسلامي بعض الحاجات والمصاريف المالية التي لا يمكن تأمينها بهذه الضرائب وفي هذه الحالة يجب على الناس جميعاً الاشتراك في تأمين هذه المصاريف في حدود امكانياتهم، واني أتصور أنه لو بلغ الأمر هذا الحد فإنهم - حتى لو لم يعلنوا ذلك صراحة لحد الآن - يتفقون جميعاً في حالة توجيه هذا السؤال لهم على هذه الاجابة فنحصل تلقائياً على النتيجة نفسها، لنفترض أن زلزلة أو سيلاً قد جاء وهدم بيوت مجموعة من الناس وقضى على كل ما لديهم من أبقار وأغنام ودكاكين وبيوت وبضائع ووسائل عيش، فما هو الواجب في هذه الحالة ؟ لو كان في بيت المال والخزينة مبلغ كاف لعوضهم عن ذلك وإلا وجب على كل مسلم - وجوباً كفائياً - تعويض وسائل المعيشة التي فقدها اخوته المسلمون (وحتى غير المسلمين من مواطني الجمهورية الاسلامية) الى حد ما تقتضيه الضرورة، فهذا واجب كفائي والقيام به غير مشروط أو متعلق بالخمس والزكاة والجزية والخراج ولو لم تكن الواردات الحاصلة من هذه المصادر الأربعة كافية وجب علينا تأمين تلك المصاريف من أموالنا وأملاكنا الخاصة، وأعتقد أن هذه المسألة تحظى بقبول الجميع، أو لنتصور أن حرباً قد قامت وخاصة الحروب

____________________

(١) هنا أربع حالات من هذه الحالات التسع تشمل المحاصيل الزراعية وهي القمح والشعير والتمر والزبيب. وتشمل ثلاث حالات منها : الحيوانات (وليس المنتجات الحيوانية) وهي الأبقار والأغنام والابل، أما الحالتان الأخريان فتشملان الذهب والفضة والمسكوكات التي تبقى مجمدة وغير متداولة خلال العام.

٨١

المعاصرة التي يطلق فيها بعد الضغط على زر معين أربعون صاروخاً من صواريخ الكاتيوشا خلال ما يقارب دقيقة واحدة، وهذه الأربعون صاروخاً التي يطلقها أحد مقاتلينا مضطراً(١) على العدو الذي يهاجمنا بسلاح الخمسة خمسة - المتكون من عدة صفوف ويشبه الكاتيوشا - تكلفنا خمس مئة ألف تومان، أي أن ضغط الزر لمرة واحدة يساوي خمس مئة ألف تومان وهذا فقط ثمن الصواريخ دون حساب المصاريف الأخرى.

فمن أين يتم تأمين هذه المصاريف ؟ إنهم لو جمعوا المبالغ المستحقة على كل الايرانيين الذين وجبت عليهم الزكاة والخمس، والجزية (التي لا وجود لها الآن) والخراج (حيث لا وجود للاراضي الخزاجية بتلك الصورة) وأرادوا تأمين مصاريف هذه الحرب التي فرضها العدو علينا، فهل كان ذلك ممكناً ؟ ان ايران تملك النفط حالياً، وتؤمن ببيعه هذه المصاريف، ولكن لو أن بلداً إسلامياً، وشعباً مسلماً لا يملك النفط قد هوجم من قبل مجنون كصدام، فمن أين يجب تأمين هذه المصاريف ؟ ولو جمعت جميع الضرائب المقدرة في الاسلام فوق بعضها لما كانت تكفي لتأمين نفقات عدة شهور من الحرب، فتحية إكبار لأبناء شعبنا الملتزم الذين لم يتركوا حكومتهم وقواتهم المسلحة ومتضرري الحرب لوحدهم، وما زالوا يسعون متكاتفين في بذل كل ما لديهم من أجل أن يبلغوا بهذه الحرب نهايتها، ولو لم نكن نملك النفط، لتضاعفت هذه الجهود والتضحيات خمسة أمثال ما هي عليه الآن، ولدخلنا ميدان القتال بما يتوفر لدينا، فهذا نوع من الانفاق الواجب.

جاء في القرآن الكريم :( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) (٢) أي الزيادة، وهذا يعني أنه يجب على كل شخص أن يساهم في نفقات القتال بما زاد عن حاجاته المعاشية الضرورية، وقد كان الأمر على هذا النحو في جميع غزوات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ومن جملتها غزوة تبوك، ففي معركة تبوك التي كان قد عُبِّئَ فيها اكبر عدد من قوات المسلمين(٣) وجب على جميع القادرين على حمل السلاح والقتال التحرك بجميع امكانياتهم، وكان يجب على المسلمين تأمين نفقات هذه التعبئة،

____________________

(١) الاضطرار هنا يعني أننا لم نهاجم العدو بل هو الذي هاجمنا ولا يزال كذلك.

(٢) البقرة ٢١٩.

(٣) يذكر التاريخ أن عدد القوات المعبأة قد بلغ ثلاثين ألفاً مما لم يسبق له مثيل في عصر النبي صلى الله عليه وآله

٨٢

وهكذا لم تكن الضرائب المقدرة لتكفي ذلك بل كان يجب على كل من يملك مبلغاً - فائضاً عن ضروراته - ان يتبرَّعَ به لتأمين المصاريف اللازمة.

صحيح أن بعض المفسرين قد فسر كلمة العفو في هذه الآية بالمعنى نفسه الذي نفهمه منها لأول مرة، أي العفو عن المسيء كما هو الحال في آية :( وأن تعفوا أقرب للتقوى ) (١) ، ولكنني لا أعتقد أن هذا المعنى يتناسب كثيراً مع نص الآية، وقد قال عدد من المفسرين بالمعنى الأول الذي يتوافق أكثر مع الموضوع ككل.

وبناءً على ما تقدم، فان هناك مسألة تبرز في المجتمع الاسلامي وهي أنه كلما وجدت هناك حاجات تقتضي صرف مبلغ اكبر من المال، وجب على كل مسلم أن يُسهم تطوعاً بما زاد عن حاجته الضرورية، ويجب عليه اعطاؤه. فلو كان يملك - مثلاً - معطفين، وزوجين من الأحذية، وأربع بطانيات، فإن واحداً من كل منها زائد عن حاجته، ويجب عليه إعطاؤه، ولو كان يملك مصاريف شهر واحد ولديه مصاريف شهر آخر إضافة الى ذلك، وجب عليه دفعها، وهكذا. وعلى هذا الأساس فإن جميع المسلمين مسؤولون عن تأمين جميع مصاريف المجتمع الاسلامي. الى هذا القسم من البحث يعتمد موضوعنا على أساس فقهي واضح بحيث لو سئل أي فقيه عن ذلك لقبل به، والنقاش هنا يدور حول هل يجب على كل فرد - في هذا النوع من الانفاق - أن يدخل الميدان بكل ما يستطيع، وبشكل كفائي من تلقاء نفسه، أم أنهم لو لم يفعلوا ذلك تلقائياً فسوف يحق للدولة أن تجبرهم على ذلك ؟ فلو حصلت الآن حرب، أو اجتاحتنا السيول، وطلب من الجميع مساعدة المتضررين بالحرب أو السيول بكل ما يستطيعون فهل يحق للدولة أن تجمع هذه المساعدات قسراً، أم أن ذلك واجب تقع على عاتق الأفراد مسؤولية أدائه اختيارياً ومن تلقاء أنفسهم ؟

وهذا بحد ذاته بحث مفصل، ففي هذه الحالات لو شاهدت الدولة الاسلامية (أو الإمام وولي أمر المسلمين) عدم كفاية عدد الذين يدفعون هذه المساعدات تلقائياً لزم فرض نسبة معينة يجب على الجميع دفعها، وإن لم يدفعوا جاز استحصالها منهم بالقوة، وهذه هي الضرائب بعينها، اذ تقتضي مبادئنا الفقهية العامة - فيما يخص ولاية الفقيه وولاية أمر المسلمين - بأن لو وجد ولي أمر

____________________

(١) البقرة : ٢٧٣.

٨٣

المسلمين أن أمراً واجباً لم يتم أداؤه لحاجة ذلك الى المال، فعليه أن يطلب من الناس أن يدفع كل منهم ما يستطيع دفعه، ولو وجد عدد الذين يدفعون من تلقاء أنفسهم لا يكفي لذلك، أو شاهد عدم كفاية الكمية التي يدفعونها، جاز له أن يعين نسباً خاصة، أي أن يفرض ضرائب معينة ويستحصلها منهم، وهذا مما تقتضيه الأدلة العامة للولاية، لأن ولي الأمر مسؤول عن إدارة شؤون المجتمع الاسلامي، وتوفير مستلزمات هذه الادارة أيضاً، وطبيعي أن المال يشكل جزءاً من هذه المستلزمات، فلو لم تدفع رواتب العاملين في وزارة الاقتصاد والمالية أو موظفي الدوائر الأخرى فهل يستطيعون بعد ذلك الاستمرار في عملهم ؟ وان لم يحصل القاضي أو ساعي البريد على راتبه فهل يستطيع العمل ؟ من المؤكد أنه لا يمكن ادارة أي بلد دون وجود المال.

وإن لم تكن الضرائب الاسلامية الأربع المقررة كافية لتأمين النفقات العامة للحكومة الاسلامية وطلبت هذه الحكومة من الجميع أن يقدم كل منهم من المساعدات ما يستطيع تقديمه، فانبرى بعض الناس للتبرع لكن ذلك لم يكف أيضاً، فهل يمكن لولي الأمر أن يتخلى عن مسؤولياته ويقول : إنّ المسلمين قد فقدوا همتهم فلا يمكن اذاً ادارة البلاد ؟ وان لم يقم هو بادارة البلاد فمن ذا الذي يديرها ؟ اننا حين نعجز عن ادارة بلادنا فسوف نحتاج الى قيِّمٍ علينا، فإمّا أن يكون هذا القيّم روسيا أو انكلترا أو أمريكا أو فرنسا أو المانيا أو اليابان وبالنتيجة يجب على احدى القوى الكبرى في العالم أن تكون قيِّمَةً علينا نحن الصغار إلا إذا صرنا نحن كباراً - كما هو حالنا اليوم - اذ نعلن أن شعبنا شعب بالغ وكبير يدير نفسه بنفسه ويطلق صرخته الخالدة : «يانكي : عد الى بيتك» وهو خطاب يوجه للجميع.

وعليه يجب أن تحظى الدولة الاسلامية بدعم مالي يمكِّنها من تأمين النفقات اللازمة، ولو قال لنا بعضهم : وفقاً لما قيل : يمكن أن نسير بالدولة بعض الطريق فلتأخذ الحكومة أولاً هذه الضرائب المقررة، فان لم تكفها فلتحمل عدة مرات في السنة كشكول الاستجداء وتعلن للناس أنها لم تحصل على ما يكفي لكي يعينوها من تلقاء أنفسهم، وان لم تكفها هذه المساعدات التلقائية إضافة الى الضرائب المقررة الاربع، فلا ضير عندئذ في أن تفرض بعض الضرائب فبماذا ينبغي لنا أن نجيبهم؟

٨٤

ان جوابنا لهم هو أنه لا بد للحكومة من خطة تسير وفقها، ولا بد لها من أن تضع خططاً لعدة سنوات من أجل ادارة المجتمع والأعمال المختلفة التي لا بد منها في كل مجتمع حي، فلو أننا استخدمنا قاضياً، وجب علينا أن نعرف أنه سوف يبقى على قيد الحياة لثلاثين عاماً، ولو تقاعد وجب علينا تأمين عيشه حتى آخر العمر، ولو أردنا أن ننتصر في قتالنا الذي نخوضه اليوم في جبهات الحرب، فعلينا أن نكون قد أعددنا السلاح والرجال منذ عشر سنين. هكذا يعلمنا القرآن. إنه لا يأمرنا أن ننتظر حتى تبلغ المشاكل اعناقنا وتخنقنا حتى تكاد تقتلنا وحينئذ نفكر في العلاج. انه يأمرنا باعداد القوة والسلاح للتصدي للمعتدين بقوله :

( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اللّه وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، اللّه يعلمهم... ) .(١)

فالقرآن يقول لنا : أيها المسلمون ! إنكم بدل أن تفكروا في قتال العدو حين يهاجمكم، يجب عليكم أن تستعدوا لقتال الاعداء الحاليين والأعداء المحتملين - الذين لا تعلمونهم واللّه يعلمهم - بشكل يمكِّن مقاتليكم من الدفاع او الهجوم في أي وقت، فهل يتوافق هذا الأمر مع الحياة بالعيش الكفاف ؟ القرآن يطلب منا أن نُعِدَّ لهؤلاء الأعداء القوة والخيل المرابطة، فإذا كانوا في ذلك اليوم يحتاجون الى الخيل المرابطة فإننا اليوم بحاجة الى الدبابات المستعدة والطائرات الجاثمة في المطارات أو المخابئ، والبوارج الراسية عند السواحل، والمدافع المعدة للاطلاق، إننا لو كنا نملك في شهريور عام ١٣٥٩ ه. ش (ايلول ١٩٨٠ م) هذه المدافع المنصوبة الآن على قمم الجبال، لكان مقاتلونا قد وصلوا الآن الى بغداد، ولكن مدافعنا كانت حينئذ في اصفهان وشيراز، فحافظوا على هذه الاشياء مستعدة للعمل، وأعدوا من القوة ما ترهبون به عدو اللّه وعدوكم، فالدرس الذي يعطيه لنا القرآن يتطلب منا أن نكون أقوياء الى الحد الذي يعرف العدو بقوتنا، فلا تسوِّلُ له نفسه الهجوم علينا، وأن لا تكون قوتنا بمقدار ما يكفي لمقابلة الاعداء المعروفين - الذين يجب علينا ايجاد توازن أو تفوق عسكري عليهم - بل يجب أن نبلغ من القوة مبلغاً يحسب لنا الاعداء غير المعروفين وغير المحتملين حساباً أيضاً، هكذا جاء بيان القرآن، وهل يمكن لشعب حي أن ينظم برامجه ويؤمِّنَ نفقاته بحيث ينجز مقداراً

____________________

(١) الأنفال : ٦٠.

٨٥

من العمل يتناسب مع البضائع المخزونة في المستودعات، وكلما وقعت كارثة (كالسيول مثلاً) يطلب من الناس تقديم المساعدات وان لم يحصل ذلك ولم يقدم الناس شيئاً حينئذ يحق للدولة وضع بعض الضرائب ؟ هل يا ترى يمكن أن يحصل مثل هذا ؟

فهكذا الحال في الحروب والسيول والزلازل وأمثالها، فحين يأتي سيل ويجرف قرية تتألف من خمسين عائلة، ففي هذه الحالة لو تحرك سكان ايران، البالغ عددهم (٣٦) مليوناً، فانهم بالتأكيد سوف يعوضون هذه العوائل الخمسين، ولكن حين اجتاح السيل مدن وقرى محافظة خوزستان في العام الماضي(١) وقضى على وسائل عيش عدد كبير من الناس، أُرسِلَ كل ما كان موجوداً من الخيام الى متضرري ذلك السيل ولكن ذلك لم يكف. يجب علينا إذاً أن نمتلك الكثير من الخيام محفوظة في المخازن، فلو وقعت زلازل في منطقة حارة في فصل البرد ولم يكن لدينا مقدار كاف من الخيام وسيارات الاسعاف فسوف يؤدي ذلك الى موت المصابين بهذه الزلازل، وعليه فان الأُسلوب الفقهي يذهب بنا بعيداً في هذا الاتجاه إذ يوجب علينا أن نوفر الاستعدادات الكافية مع ما يلزم من التخطيط، ولهذا لا ينبغي لنا أن ننتظر حتى تحدث المشاكل، والدولة الاسلامية تحسب كل حساب من أجل ادارة المجتمع بأفضل ما يكون، آخذة بنظر الاعتبار الحاجات والتوقعات المتعلقة بهذا الأمر، فلو لاحظت أن الضرائب الأربع تكفي فلا شيء إذن، وإلا فسوف تطلب من الناس أن يدفع كل منهم طوعاً ما يستطيع دفعه الى بيت المال، وإذا وجدت أن مقدار ذلك لا يكفي - وقد دلت التجارب السابقة على عدم كفايتها - فهل يسمح لها الآن بفرض بعض الضرائب ؟

ان مقاييسنا وأسسنا الفكرية والفقهية فيما يخص الادلة العامة للحكومة والولاية تسمح لنا بفرض ضرائب اضافية لتأمين حاجات المجتمع الضرورية وعليه تقتضي وجهة نظر فريق من الفقهاء أنه لو لاحظت الدولة الاسلامية نقصاً في المبالغ اللازمة لتأمين المصاريف التي تتطلبها الخطط العامة، جاز لها - بعد حساب الضرائب المستحصلة من الطرق الأربعة - أن تفرض ضرائب جديدة غير منصوص عليها في الروايات، وهذا في نظرنا أساس فقهي واضح تمام الوضوح

____________________

(١) وقع هذا السيل في ربيع عام ١٣٥٩ ه. ش (١٩٨٠ م).

٨٦

لتجويز فرض ضرائب جديدة في النظام الاسلامي.

وقد ناقشنا مؤخراً أثناء اعداد الدستور، وبعد ذلك حين كنا نتطرق الى هذا الحديث مع بعض أصحاب الرأي مسألة فرض الضرائب، كانوا يسألوننا قائلين : ما هو المجوز الشرعي لذلك ؟

لقد جاء أحد الذين وجب عليهم دفع الضمان الاجتماعي واستقتى أحد الفقهاء قائلاً : هل صحيح أن يستحصلوا منا ١٨ الى ٢٠ % كضمان اجتماعي في الجمهورية الاسلامية كما كانوا يفعلون ابان النظام البهلوي ؟ فأجاب ذلك الفقيه أنهم كانوا يأخذونها بالقوة في ذلك العهد وكذلك الآن، فهي لا تجوز اذن.

ونحن نقول له : الآن الامر ليس كذلك. إنّ لهذه العملة وجهين، فهذا الضمان الذي يؤخذ من رب العمل نوع من الضرائب، إذ يجب على النظام الاسلامي أن يفكر لضمان مستقبل هؤلاء العمال فمن أين يجب توفير ذلك ؟ ان الضرائب الأربع لا تكفي ذلك بالتأكيد، وكذلك الحال بالنسبة للمساعدات التلقائية التي تدفع للحكومة، وعليه فلا بد لحكومة الجمهورية الاسلامية من أن تعمد الى هذا الأمر، ولو قررت فرض بعض الضرائب فلا بد وأن تستحصلها بالقوة، والقرآن أيضاً يخاطب النبي قائلاً :

( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم واللّه سميع عليم ) . (التوبة : ١٠٣).

وعليكم انتم أيضاً يا جباة وزارة المالية أن تعتادوا حين تأخذون الضرائب أن تقولوا بعد ذلك قولاً جميلاً من قبيل : (بارك اللّه فيك) ولتكن العلاقة بين مستحصل الضرائب ودافعها علاقة رحمة ومودة، لا علاقة بطش وقوة، وهذا الأسلوب الحسن يتطابق تماماً مع تعاليم القرآن، صحيح أن هذه الآية قد نزلت في موضع خاص، ولكن محتواها ذو مفهوم عام، وكما يقول الاصطلاح الفقهي ورد منطوقها حول موضوع خاص ولكن مفهومها أوسع. فهذه ضريبة تؤخذ بالقوة وهنا نوجه حديثنا الى أرباب العمل وأصحاب المؤسسات هؤلاء ونسألهم : لماذا تدفعونها بالقوة ؟ إنها إن كانت تدفع أمس بالقوة فلأنها كانت تنفق في بناء قصر، او تبنى بها البلاجات على ساحل البحر لموظفي هذه الوزارة أو تلك، البلاجات التي لم يكن يستخدمها إلا الخواص المقربون، أما الموظفون الصغار والعمال والمستخدمون فلم يكونوا يرون هذه الأماكن مطلقاً، ولم تكن هذه الاماكن مجرد أماكن للاستراحة،

٨٧

بل كانت في كثير من الأحيان مراكز للفساد أيضاً، أما اليوم فليس الأمر كذلك، فحكومة الجمهورية الاسلامية تسعى اليوم لكي تصرف المبالغ لما يستحق أن تصرف له، ولا نقصد بذلك عدم وجود مبالغ تصرف جزافاً اليوم، بل نقصد أن الإطار العام يسير نحو وضع المبالغ في مواضعها الصحيحة، وإننا نسير يوماً بعد يوم وباذن اللّه وبمساعدتكم جميعاً بتخطيط أفضل نحو صرف كل ما نحصل عليه لما يستحق الصرف دونما اسراف أو تبذير، وبعيداً عن أي انحراف في الصرف، ونحو فرض ضرائب عادلة واستحصالها وصرفها بعدالة أيضاً، فلماذا إذن يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة تقولان : إننا نأخذها بالقوة ؟ لماذا لا تدفعها أنت بكل رغبة وعن طيب خاطر ؟

وحديثنا الذي نوجهه الى الفقهاء العظام هو أننا بالتأكيد نحترم آراءهم باعتبارها آراء فقهاء، ولكننا ندخل معهم في نقاش فقهي - كما اعتدنا أن نفعل في الحوزة - فننقد رأيهم ونبدي وجهة نظرنا التي تقول : إننا يمكننا طبقاً للموازين الاسلامية أن نفرض بعض الضرائب من أجل تلبية الحاجات الضرورية للمجتمع، وما هذا الضمان الذي يؤخذ من رب العمل إلا نوع من الضرائب، فاذا قيل إنهم كانوا يأخذونه سابقاً بالقوة فكان حراماً وكذلك الأمر حالياً، فليس ذلك كلاماً صحيحاً، فالفرق كبير بين الحالتين اذ ان ثورة قد حدثت وغيرت نظام الحكم، ولكن تغيير النظام لا يعني أنه ينبغي على المستشفيات التي كانت تقوم بخدمات للناس أن تترك هذا الأمر، وأن المدارس والمستشفيات التي كانت تُنشأ في ذلك العهد في القرى والمدن يجب أن لا تُنشأ اليوم، ان تغييراً كهذا لا يعتبر بالتأكيد تغييراً جيداً، إذ يجب الآن الاستمرار في بناء تلك المرافق الحيوية وبشكل أبسط وأكثر عمومية، وبمراعاة قدر اكبر من الأولويات، ولا يتم ذلك الا عن طريق فرض هذه الضرائب، وعلى هذا فاننا مع جزيل احترامنا للفقيه ولرأيه، ننقد رأيه نقداً منطقياً، وبكل انصاف واحترام فنقول : إنه لا يمكن ادارة المجتمع في الجمهورية الاسلامية دون نظام ضريبي يشمل - بشكل مؤكد - فرض ضرائب جديدة لم تصرح بها الآيات والروايات، ولم يرد لها اسم في أي منها.(١)

____________________

(١) من الطبيعي ان المبادئ والأسس الكلية التي وردت في الآيات والروايات تعطي للفقيه مثل هذا الحق حيث قال الأئمة لرواة أحاديثهم : اننا نلقي عليكم الأصول، ونذكر لكم الاحاديث والقواعد العامة، وعليكم أن تستخرجوا منها الفروع، وهذا هو بالضبط عمل الفقيه.

٨٨

ونحن نؤمن - بشأن الضرائب - أن فرض الضرائب العادلة والمنصفة لتنفيذ الخطط المهمة للجمهورية الاسلامية، أمر يتطابق مع المبادئ والأسس والقواعد العامة للنظام الاسلامي.

كيفية فرض الضرائب

بقي أن نتحدث عن كيفية فرض الضرائب حيث تقتضي الموازين الاسلامية أن يدفع هذه الضرائب الذين يملكون أكثر، حصةً أكثر منها، فهذا ما تقتضيه العدالة الاسلامية. ويشمل هذا الأمر كلاً من الضرائب على الدخل الصافي والتي هي أفضلها، والضرائب على الدخل الاجمالي، فهناك نوعان من الضرائب الاسلامية المحددة وهما :

الزكاة : التي هي ضريبة علي الدخل الاجمالي، أي انها ليست ضريبة على الربح، فكل مزارع يبلغ محصوله من القمح الحد المقرر تشمله هذا الضريبة.

الخمس (على فائض المؤونة) : وهي ضريبة على الدخل الصافي.

اذن هناك في الاسم كلا هذين النوعين من الضرائب ولكن كلاهما ضريبة مباشرة، ونستنبط من ذلك أن أساس نظام الضرائب في الاسلام يعتمد على الضرائب المباشرة، فالضرائب غير المباشرة لا تتناسب مع الخط العام للفكر الاسلامي إلا في حالات معدودة جداً وبشكل محدود، ففي الحالات التي تكلف بها بضاعة معينة بعض المصاريف للدولة، يمكن للدولة أن تضيف كمية هذه المصاريف الى ثمن تلك البضاعة ثم تبيعها للناس، فتكون الضريبة غير مباشرة في هذه الحالة، وكمثال على ذلك : يكلف انتاج السجائر الدولة بعض المصاريف، فتحسب الدولة هنا جميع المصاريف المتعلقة بزراعة التبغ وشرائه، ثم تحويله الى سجائر، ومصاريف جميع الدوائر التي تعمل في اعداد السجائر وانتاجها وتوزيعها، بما في ذلك وزارة الاقتصاد والمالية، ثم تقسم ذلك على السجائر المنتجة. وهذا أمر لا اشكال فيه، وربما لو دققنا في هذا الأمر جيداً لوجدنا أنه ليس ضريبة في أساسه بل هو في الحقيقة عملية بيع بضاعة بسعر الكلفة، ولكنها لو أرادت - اضافة الى هذه المصاريف التي تؤلف سعر الكلفة للسجائر - أن تضيف لكل سيجارة أو

٨٩

لكل عليه سجائر خمسة ريالات مثلاً من أجل تأمين المصاريف الحكومية، العامة، فهذه ضريبة غير مباشرة، وهذا النوع من الضرائب لا يتطابق مع قواعد التفكير الاسلامي، لأن دفع الضريبة سوف يتحمله هنا من يملكون ومن لا يملكون، سوية، ونحن لا نفهم مثل هذا الأمر من النظام العام للضرائب في الاسلام، بل الذي نفهمه أنه ينبغي على من يملك أكثر أن يدفع قدراً أكبر، وعليه يجب الانتباه الى أن ما يطلق عليه ضرائب غير مباشرة فيما يخص أسعار السجائر والسكر والنفط والبنزين وأمثال ذلك على نوعين، فبعضها ليس ضريبة في حقيقته ولكنهم أسموه بذلك، فلو تم حسابها وفقاً للنظام المتبع في خطوط الانتاج بحيث تحسب مصاريف البضاعة وفقاً للمحاسبة الصناعية التي تطبقها الدولة على البنزين، والنفط الأبيض، وزيت الغاز، وزيت المحركات، وأمثالها، ثم يؤخذ ما يساوي هذه المصاريف، فلن تعتبر ضرائب على الاطلاق،(١) ولكن لو تقرر حساب ذلك ضمن سعر الكلفة ثم باعت الدولة البنزين الذي يكلفها اللتر الواحد منه ثلاثة تومانات بخمسة تومانات من أجل تأمين مصاريفها العامة، فهذه ضريبة غير مباشرة، والذي نقوله هنا : ان هذا النوع من الضرائب لا يتوافق كثيراً مع المقاييس الاسلامية، فأساس الضرائب في الاسلام يتمثل في الضرائب المباشرة، وعليه فان هذه الضرائب سوف تكون بالنتيجة تصاعدية بالنسبة الى الدخل، اذ انه لو أخذ ألف تومان ممن يحصل على دخل مقداره خمسة آلاف تومان وعشرين ألفاً ممن يحصل على مئة ألف فالقضية غير منسجمة حسب الظاهر، وعليه ينبغي للضرائب أن تكون مباشرة وتصاعدية، وهذا أمر يتوافق تماماً مع روح تعاليم الاسلام الاقتصادية، من هذا المنطلق جاء موقفنا الفقهي الحاسم يعتمد في ادارة المجتمع الاسلامي وتأمين مصاريفه الضرورية على الضرائب التصاعدية المباشرة التي تفرضها الدولة الاسلامية، وولي أمر المسلمين، ويأخذانها ويصرفانها وفقاً للظروف الزمانية والمكانية، والتي يتلخص أساسها الفقهي فيما مرّ بنا.

____________________

(١) الحقيقة أن الجميع يعلمون أن النفط والبنزين اللذين نستهلكهما الآن (وكنا نستهلكهما من قبل) يمثل المبلغ الذي ندفعه ثمناً لهما عشر ثمن كلفتهما، أما الأعشار التسعة الباقية فتدفعها الدولة، إذن وبعد ما أضيف مؤخراً من الزيادة الى سعر البنزين أصبح سعره عادياً، أي أننا لو أردنا شراء لتر من البنزين الذي تنتجه الكويت دون أن ندفع أية ضريبة لكلفنا السعر نفسه، فالحكومة اذن كانت ولحد الآن بدل أن تأخذ ضريبة تدفع شيئاً من السعر.

٩٠

ملاحظة لأصحاب الرأي

هناك ملاحظة أقدمها لجميع أصحاب الرأي من فقهاء واجتماعيين، والسائلين من الإخوة والأخوات، وهي أنه يجب الانتباه الى أن حمل مسؤولية الدولة اليوم أثقل كثيراً مما كان عليه في الأزمنة السابقة، فلنر ماذا كان يطالب الناس الدولة به قبل مئتي عام ؟ لقد كانت طلبات الناس تنحصر فقط في الأمن والنظام ولا غير، هل كانت الدولة مسؤولة قبل مئتي عام عن توفير الخبز للناس ؟ هل رأيتم دولة قبل مئتي سنة تحملت مسؤولية توفير المدارس ؟ هل وجدتم الناس في تلك الأزمنة يقفون أمام دار الامارة ويقولون بأنه لا توجد مدرسة في قريتهم أو محلتهم، أو يطالبون بشق الطرق واقامة الجسور والسدود؟

ان الناس اليوم بحاجة الى هذه الأمور، ولو لم تنجزها الدولة فسوف لن ينجزها أحد أبداً، ولا يمكن قياس مصاريف الدولة اليوم بما كانت عليه سابقاً، فهي الآن كبيرة جداً، ولا ينبغي - من الناحية الفقهية - أن ننظر الى البلدان النفطية فقط، لأن الفقه لا يختص فقط بهذه البلدان، يقولون قد يحدث بعد ثلاثين أو أربعين عاماً (لا سمح اللّه) أن ينفد نفطنا وحينذاك لن نعود مسلمين، ولكن توجد الآن بلدان مسلمة لا تملك النفط، فمثلاً لو أقيمت جمهورية اسلامية في بنغلادش أو باكستان فماذا يجب عمله حينذاك ؟ فهذان بلدان اسلاميان لا يملكان نفطاً، ويسكنهما عدد كبير من السكان(١) ، فماذا ينبغي ان نعمل في مثل هذه الحالة ؟ هل يمكننا أن نتخلى عن بناء المدارس وشق الطرق وإقامة السدود لعامة الشعب، أو ان نحجم عن مكافحة الأمراض السارية بعدم إنشاء جهاز وقائي واسع ؟ وهل يمكننا أن لا نملك مستشفيات وأدوات علاج، وجيشاً، وجهاز قضاء منظم، وشرطة وقوى المحافظة على النظام في داخل المدن، وخارجها ؟ وأن لا نستعد لتفادي الاضرار الناجمة عن السيول والزلازل وأمثالها ؟ ولو أردنا أن نقوم بكل هذه الاشياء فهل يمكننا ذلك بالاعتماد فقط على الخمس والزكاة والجزية والخراج ؟

ان شيئاً كهذا ليس ممكناً بالتأكيد، فمن السهل جداً أن نحسب ما تحصل

____________________

(١) يبلغ سكان بنغلادش حوال (٩٠) مليوناً يشكل المسلمون ما يقرب ال(٨٠) مليوناً منهم.

٩١

عليه بنغلادش اليوم من دخل وطني وحكومي - والذي نجد جميع أرقامه في متناول أيدينا - لكي يتوضح أنه لا يكفي لانجاز كل ذلك فلو كنت أنا فقيهاً مسلماً ايرانياً أو بنغالياً وجاءني مسلم بنغالي ليسألني عما يجب عمله في هذه الحالة، وهل يحق للدولة أن تفرض ضرائب غير تلك الضرائب المقررة والمنصوص عليها، فبماذا ينبغي لي اجابته ؟ هل ينبغي أن أقول له ان محدودية الضرائب في الاسلام تقتضي أن لا يكون لحكومتكم جواب في مقابل طلبات الشعب واحتياجاته إلا : «لا نملك مالاً» ؟ أم يجب أن اقول له انه لا يوجد لدى الدولة مال حالياً، ولكن بعد مساعدة كافة أبناء الشعب البنغالي المسلم، واشتراك هؤلاء ال(٩٠) مليوناً في دفع الضرائب المباشرة التي تقررها الدولة حسب دخول الافراد - إضافة الى تلك الضرائب الاسلامية المنصوص عليها - سوف تخطط الدولة وتضع برامج تجعل من الشعب البنغالي الفقير شعباً قوياً وغنياً، ومن المؤكد أن مساحة الأرض التي يعيش عليها ال(٩٠) مليون بنغالي أكبر من مساحة اليابان، وأغنى منها من حيث المصادر الطبيعية، وسكانها أقل عدداً من سكان اليابان، وينبغي للنظام الاسلامي الواعي والمقتدر أن يعمل جادّاً في سبيل البلوغ ببنغلادش الى قمة العزة التي أرادها الاسلام والقرآن للمسلمين، ولن يتم ذلك دون فرض ضرائب جديدة لم يرد بشأنها نص خاص في الآيات والروايات (أي لم تذكر صراحة في الآيات والروايات)، ونحن نستنبط ذلك من المبادئ العامة لادارة المجتمع الاسلامي، ونأمل أن يكون استنباطنا هذا - مع ما أوردنا بشأنه من استدلال - مقبولاً لدى جميع من لهم رأي في هذا الامر، إن شاء اللّه.

أسئلة وأجوبة

س - هل ينبغي في عهد الحكم الحالي دفع الخمس الى الدولة الاسلامية، أم يجب صرفه في الطريق السابق نفسه ؟

ج - في الظروف الحالية، لو صرفت الزكاة والخمس بالكيفية نفسها التي كانت تصرف بها سابقاً بحيث يخفف عن الدولة ثقل الأعمال الخاصة بأخذها وصرفها، فإن ذلك أكثر توافقاً مع المصالح العامة لثورتنا ومجتمعنا، فلو سارت الأعمال في وقتٍ ما بالاتجاه الذي يجعل عكس ذلك أكثر توافقاً مع المصالح العامة فلا اشكال في ذلك، إذ يمكن حينئذ اتباع أسلوب آخر، ولكن في

٩٢

الظروف الحالية هناك كثير من الأعمال التي ينجز بعضها بمساعدة الناس ومشاركتهم فيه، وبوجود الشخصيات التي يعتمدون عليها، وحول محور العلماء والقادة الدينيين، وينجز البعض الآخر من قبل الناس أنفسهم.

ومن المبادئ التي نؤكد عليها في نظامنا الاقتصادي والاجتماعي - والتي تعتمد على أساس المعايير والتعاليم الاسلامية - أنه يجب في المجتمع الاسلامي أن تسعى الدولة من جهة الى الاهتمام بمصالح الناس كافة وتحقيقها، وأن تكون الأعمال غير حكومية قدر الامكان من جهة أخرى.

ان مشاركة جماهير الشعب في انجاز الأعمال بشكل لا يؤدي قدر الامكان الى ادارة المجتمع ادارة حكومية مبدأ من مبادئ النظام الاجتماعي والاقتصادي في الاسلام، وعلى هذا الأساس نقول : إن هناك تياراً شعبياً تبنّى القيام بهذا الأمر فيما يخص هذا المجال حالياً بحيث أن الدولة لم تتدخل فيه، وقد أكد الامام الذي هو على رأس الحكومة في جوابه لسؤال ورده بهذا الشأن على استمرار صرف هذه الضرائب بالاتجاه نفسه الذي سارت عليه لحد الآن، ومن المؤكد أن مراقبة الناس تجعل هذه الضرائب تصرف فيما هو أفضل وأكثر مساهمة في البناء، وهذه مسألة تتوافق مع المبادئ العامة الموجودة بهذا الشأن.

س - يلاحظ أن البنوك لا تراعي المبادئ الاسلامية لأن مدراءها لا يعرفون شيئاً عن الاقتصاد الاسلامي، أفليس من الأفضل أن تعين الدولة في البداية مديراً عارفاً بالاقتصاد الاسلامي لكي تراعى هذه المبادئ ؟

ج - ان بحوثنا هذه تهدف الى تعريف العاملين في ادارة اقتصاد البلاد بالمفاهيم الاسلامية تدريجياً.

س - ألا يؤدي دفع غير المسلمين نوعاً واحداً من الضرائب الى نمو رؤوس أموالهم تدريجياً بشكل يؤدي الى بروز نوع من الرأسمالية ؟

ج - تؤخذ من غير المسلمين عدة انواع من الضرائب أيضاً ولكنهم بعد ذلك لا يدفعون الضرائب المختصة بالمسلمين، بل يدفعون الأموال بطريقة أخرى.

س - هل يشمل الخمس المال الحلال ؟

ج - نعم، لو زاد عن المصاريف السنوية فان الخمس يشمل حلاله مرة وحرامه مرتين.

٩٣

س - ما هو رأيكم في الرأسماليين الكبار الموجودين في أسواقنا ومجتمعنا ؟ وكيف يمكن موازنة الثروة ؟

ج - بتنفيذ المادة (٤٩) من الدستور يمكن حل الكثير من المسائل شريطة أن يكون لدينا جهاز قضائي وثقافي جيد، مع جهاز تدقيق وتفتيش مناسب، وهنا أود أن أقول لجميع الذين انهمكوا في المطالعة وتحصيل العلم وبناء الذات ، إن الجمهورية الاسلامية تواجه نقصاً في المحاسبين والمدققين،(١) فنحن بحاجة شديدة - في تطبيق المادة (٤٩) من الدستور - الى محاسبين ومدققين يوضحون لنا - حسب ما نعطيهم من مقاييس - مقدار الجزء غير المحلل من أموال هؤلاء لكي نسترجعه منهم، ثم نشركهم في تحمل قسط من نفقات الدولة يدفعونه من المقدار الباقي والمحلل من اموالهم وذلك باخضاعهم لنظام ضرائبي تصاعدي. سيقولون لنا : انكم وأمثالكم تقولون ما لا تفعلون وهذا ما يؤدي الى شيوع القلق واضطراب الأوضاع، وهذه مشكلة بالطبع، ولكننا لو لم نجب عن هذا النوع من الاسئلة فقد يؤدي ذلك الى أن تفقد الجماهير - التي فجرت الثورة - ثقتها بالاسلام والثورة الاسلامية، وتتصور أننا لم نضع حلولاً لهذه المشاكل والامور. أيها الإخوة والأخوات ! إننا قد وضعنا حلولاً إسلامية لجميع هذه الأمور، ولكننا يجب علينا جميعاً أن نتحدث بأقل ما يمكن، ونعمل بأكبر قدر ممكن، ولو اعتمدنا جميعاً على العمل المنظم المترافق مع التخطيط اللازم، فسوف نحد من المشاكل.

س - هل يمكن في المجتمع الاسلامي، مع وجود مجلس اقتصادي للبلاد

____________________

(١) فمن الوحدات الأولى التي يجب على مجلس الثورة الثقافية إنشاؤها، وحدات يمكنها وبأسلوب ثوري جديد تربية المحاسبين والمدققين، ولن تتم هذه القضية بشكل عاجل بحيث تجتمع مجموعة من الأفراد في مكان واحد وتستدعي بعض الأساتذة من البنوك والوزارات ثم تقرأ عليهم كراساً معيناً، لأن هذا أمر لا يجدي شيئاً، بل يجب علينا أن نعمل بأسلوب ثوري من أجل تربية فريق من المدققين مع حضورهم في ميدان العمل، ونأمل من المتخصصين المؤمنين والثوريين المضحين أن يخصصوا مقداراً من أوقاتهم لهذا العمل، ويتعاونوا مع مجلس الثورة الثقافية لانجازه بأسلوب دروس المراسلة المتبع منذ القدم، أو بالاستفادة من شبكات التلفزيون الواسعة الانتشار، بأسلوب صحيح وبعد تشخيص افراد ملتزمين وجديرين بالثقة، ثم الاعتماد عليهم في انجاز ذلك، فالمسألة هذه تشبه أن نأتي بطبيب ليعالج أبناءنا حيث لا نأتي به ان لم نثق بأنه يعالجهم بإخلاص ولا يخوننا في ذلك (كالطبيب الذي لا يهمه الا جمع المال وكتابة وصفة دواء طويلة وعريضة تحتوي على أدوية غير نافعة)، وهكذا الحال بالنسبة للمعلم والقاضي وأمثالهما، وكذلك بالنسبة للمحاسب والمدقق، إذ ينبغي أن يحظى كل منهم بثقتنا، وسواء أدى القسم أم لم يؤده، فان هذا من المراسم الثانوية.

٩٤

أن نستحصل بتشخيص هذا المجلس ضرائب حتى بنسبة ٩٩ % ؟ وهل هذا أمر يتطابق مع الشرع ؟

ج - لقد وضعنا ضريبة خاصة بالموارد المالية لكتّاب العدل تصل نسبتها الى ٩٥ % فحين جئنا الى السلطة القضائية كانت هناك مشكلة تمثلت في وجود خلاف بين هؤلاء الكتاب والعاملين في مكاتبهم بحيث قام هؤلاء باضرابات، وشكلوا طوابير طويلة، فقلنا : إن الاضراب وتشكيل الصفوف لن يثنيانا عن تنفيذ القانون، فقد أقررنا لائحة قانونية تصاعدية تقضي بأنه لو بلغ الدخل الاجمالي الشهري لكاتب العدل من رسوم التسجيل - الذي يشكل المبلغ الرئيس لدخله - أربعين ألف تومان، توجّب عليه أن يدفع ١٥ % منه من أجل سد احتياجات العاملين في مكاتبهم، وتصل هذه النسبة الى ٢٥ % فيما لو وصل الدخل إلى ما بين (٤٠) و(٥٠) ألف تومان، وهكذا تتصاعد هذه النسبة حتى اذا بلغ الدخل اكثر من مئة ألف تومان أصبحت ٩٥ % وتقرر تأسيس صندوق تودع فيه هذه المبالغ ثم يوزع قسم منها وفقاً لنظام داخلي خاص بين العاملين في هذه المكاتب من مستخدمين وموظفين وكتاب وأمثالهم، ويصرف البعض الآخر للاغراض الخاصة بسكن هؤلاء وتقاعدهم ومصاريفهم الأخرى، وعلى كل حال فقد طبقنا نموذجاً من هذا العمل، وفي نهاية عام ١٣٥٩ ه - ش (١٩٨٠ م) أبلغنا مسؤول كتاب العدل - الذي يشغل منصب معاون وزير العدل أيضاً وفي اجتماع حضره ممثلو كتاب العدل ومسؤولوهم في المحافظات - أنه اذا لم يقم أيّ من كتاب العدل بتصفية حساباته حتى تاريخ معين عندئذٍ يجب التحقيق في قضيته ومعاقبته والغاء امتيازه، اذن العمل هو الأساس ولكن يجب أن يكون هذا العمل منطلقاً في الحقيقة من تلك الدوافع التي أرادها الاسلام للحياة، فالاسلام يريد من أعضاء المجتمع الاسلامي ان يعيشوا معاً برحمة وشفقة، ونحن أيضاً نهدف الى تحقيق تلك الحلول التي تمكننا من أن نعيش برحمة وشفقة، فمن لم يقبل بهذه الحلول الرحيمة فسوف نخاصمه، وفيما عدا ذلك ليس صحيحاً أن نستعمل معه منذ الآن الفؤوس والحجارة اذ لا يتطابق ذلك مع المعايير الاسلامية، فالاسلام يدعو الدولة الاسلامية الى رعاية هذه المعايير والضوابط من أجل اعداد حلول معقولة ومنطقية وبناءة وتطبيقها، ولو وقف أحد في طريقها وجبت عندها معاقبته، أما بداية العمل في النظام السلامي فليست بالحرب والخصام بل بالارشاد والترغيب والتوجيه والتحفيز وحين يصطدم هذا

٩٥

لتصفية حسابه تكون ملكيته عشرة ملايين تومان، وعندما يفارقنا يجد ملكيته قد هبطت الى (١٥) ألف تومان، ولكنه أخونا على كل حال. أمّا لو أراد الالتفاف على دعوة الاسلام الحقة، والوقوف في وجه هذه الحلول الأخوية والودية، واتجه الى عبادة المال بدل عبادة اللّه - مما يعتبر نوعاً من الشرك والميل الى مخالفة اللّه - فيجب علينا حينئذٍ ارشاده بالأساليب والدرجات المختلفة التي وردت حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم توجيه اللوم اليه، وتوبيخه، وبعدها نقده أمام الملأ، ثم معاقبته أمام الناس، فإن لم يؤثر كل ذلك وجب علينا تضييق الخناق عليه، فإن لم يُجدِ معه ذلك أجبرناه على العمل بما يجب عليه، أي أن نطبق الدرجات نفسها التي أوجبها الاسلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعليه يجب عليكم أن تبلغوا كل الذين يرغبون في أن يكونوا اخوة أعضاء في مجتمع الجمهورية الاسلامية النداء الذي يدعوهم الى المجيء لكشف حساباتهم وتصفيتها، وتسديد الديون المستحقة عليهم، ووضع ما لديهم من مبالغ إضافية تحت تصرف الامة، ونحن أيضاً نود أن يتآخى الجميع، وأن نتحدث إليهم بلغة الأخوة، ونطلب من الذين لا يفهمون من الثورة الا أنها تخاطبهم بلغة القوة والعنف، أن يعيدوا النظر في أقوالهم وأفكارهم، فالاسلام يتحدث بالقوة والعنف، ولكن ذلك ليس في المرحلة الابتدائية، واننا لن نتخلى عن هذه القيم الاسلامية بأية صورة كانت.

لو توهم البعض أن بامكانهم جرنا الى الأساليب المستوردة، وجعل لغة الثورة الاسلامية مقتصرة على لغة العنف، بحجة ان النظام الفلاني لا يتحدث إلا بالعنف، فإننا نقول لهم بأننا مسلمون، وُلِدنا مسلمين وسنموت مسلمين.

وعليه يجب بعد مراعاة أكمل الأساليب والحلول الاسلامية والالتزام بها، حل هذه المشكلة المستعصية، والمتمثلة في وجود الثروات التي جمعت من الحرام وذلك بتطبيق المادة (٤٩) من الدستور، وكذلك الثروات المحلّلة الضخمة بفرض ضرائب تصاعدية عليها من أجل تلبية الحاجات الضرورية للمجتمع الاسلامي وتنفيذ الخطط اللازمة لذلك.

نسأل اللّه أن يرزق جميع أبناء شعبنا، اليقظة والصبر، وقوة التدبير والتخطيط والتطبيق اللازمة لتنفيذ هذه المبادئ الاسلامية.

الابعاد الاساسية لفصل الاقتصاد في دستور الجمهورية الاسلامية

٩٦

٩٧

٩٨

٩٩

سبعة أبعاد أساسية

ان قضية توضيح الدستور وشرحه والأهداف التي يجب علينا بلوغها من ذلك، قضية مهمة لدى شعبنا البطل، وانني لسعيد إذ أولى التلفزيون التعليمي هذه القضية اهتماماً كبيراً منذ فترة من الزمن، فخصص برامج تهدف الى تعليم مبادئ الدستور وشرحها للجميع.

يعتبر فصل الاقتصاد من دستور الجمهورية الاسلامية واحداً من فصوله المهمة والحساسة، فقد سعى بشكل عام في هذا الفصل الى تحقيق أهداف سوف أذكرها أوّلاً، ثم أذكر شيئاً من التوضيح حول المادة (٤٣) من الدستور والتي أعدت ووضعت لتحقيق هذه الأهداف.

وقد قصدت بشكل مجمل سبعة أهداف أساسية من فصل الاقتصاد والشؤون المالية في الدستور وهي :

١ - مكافحة الفقر وتلبية الحاجات الأساس لكل فرد على ضوء عمله المبدع وقيمته الفائضة التي ينتجها في المجتمع.

٢ - منح الفرد فترة من الوقت حرة ليحصل على فرصة مناسبة لبناء ذاته، ونموه الانساني، ورفع معنوياته، وبتعبير آخر لا ينبغي في النظام الاقتصادي للجمهورية الاسلامية - للسعي نحو تلبية الحاجات الاقتصادية - أن يستهلك كل

١٠٠

وقت أبناء شعبنا البطل، بل يجب أن يبقى بعضه حراً من أجل بناء ذواتهم الانسانية، وسمو معنوياتهم الالهية.

٣ - الاعتدال في الاستهلاك، ومكافحة الاسراف، ورفض أي نوع من أنواع الاقتصاد المفني للامكانيات التي وفرها اللّه في الطبيعة وجعلها تحت تصرفنا من أجل تمشية أمورنا المعاشية.

٤ - الحفاظ على حرية الانسان فيما يخص العامل الاقتصادي، في مقابل الذين يعتبرون الانسان حيواناً اقتصادياً فيتخذون منه عبداً للاقتصاد الرأسمالي الخاص أو الاقتصاد الحكومي أو بتعبير أصح، عبداً للرأسمالية الخاصة أو لرأسمالية الدولة، اذ يجب الحفاظ على حرية الانسان فيما يرتبط بالعامل الاقتصادي.

٥ - التأكيد على استقلال البلاد اقتصادياً بحيث يقف مجتمعنا على قدميه - من الناحية الاقتصادية - بشكل حقيقي، فينتج بنفسه، ويستهلك ما يناسب حاجاته، ولا يكون تابعاً للآخرين اذ أن التبعية الاقتصادية أصبحت اليوم أساساً وجذراً لجميع أنواع التبعية الأخرى، وهي مما لا يتلاءم مع استقلال المجتمع.

٦ - التأكيد على التكامل الفني والصناعي، لأن التقدم الصناعي دليل نمو الانسان ولا ينبغي التغافل عنه في أي وقت من الأوقات، ويجب التأكيد عليه في التخطيط الاقتصادي للمجتمع.

٧ - اقامة العدالة الاقتصادية في الامور التي لم تراع فيها العدالة الاقتصادية سابقاً، فقد تعرض الكثير من الأموال العامة سابقاً للنهب والسلب - سواء من بيت المال أو من المصادر الطبيعية التي خلقها اللّه لنا جميعاً - إذاً يجب استعادة جميع هذه الأموال المغصوبة.

هذه هي الابعاد الأساسية السبعة لفصل الاقتصاد، وقد أولت المادة (٤٣) - في الحقيقة - اهتماماً عظيماً بكثير من هذه الأبعاد، وها نحن نستعرض معاً هذه المادة :

المادة الثالثة والأربعون

من أجل ضمان الاستقلال الاقتصادي للمجتمع، واجتثاث جذور الفقر

١٠١

والحرمان، وتوفير كافة متطلبات الانسان في طريق التكامل والنمو - مع حفظ حريته - يقوم اقتصاد جمهورية ايران الاسلامية على أساس القواعد التالية :

١ - توفير الحاجات الأساسية للجميع : السكن، والغذاء، والملبس، والصحة، والعلاج، والتربية والتعليم، والامكانيات اللازمة لتشكيل الاسرة.

٢ - توفير فرص العمل وامكانياته للجميع، بهدف الوصول الى مرحلة انعدام البطالة ووضع وسائل العمل تحت تصرف كل من هو قادر عليه ولكنه فاقد لوسائله بصورة تعاونية عن طريق الإقراض بلا فائدة، أو عن أي طريق مشروع آخر، بحيث لا ينتهي الى تمركز الثروة وتداولها بأيدي أفراد ومجموعات خاصة، وبحيث لا تتحول الحكومة معه الى رب عمل كبير مطلق، وهذه العملية يجب أن تتم مع ملاحظة الضرورات القائمة في البرامج الاقتصادية العامة للدولة في كل مرحلة من مراحل النمو.

٣ - تنظيم البرنامج الاقتصادي للدولة بصورة يكون معها شكل العمل ومحتواه وساعاته بنحو يمنح كل فرد بالاضافة الى جهوده العملية، الفرصة والقدرة الكافيتين لبناء ذاته معنوياً وسياسياً واجتماعياً، والمساهمة الفعالة في قيادة الدولة، وتنمية مهاراته ومواهبه.

٤ - توفير الحرية في اختيار العمل، وعدم اجبار الافراد على مزاولة أعمال معينة، ومنع أي استغلال لعمل الآخرين.

٥ - منع الإضرار بالغير، والاحتكار والربا، وبقية المعاملات الباطلة والمحرمة.

٦ - منع الاسراف والتبذير في كافة الشؤون المتعلقة بالاقتصاد، والتي تشمل الاستهلاك والاستثمار والانتاج والتوزيع والخدمات.

٧ - الاستفادة من العلوم والفنون، وتربية متخصصين مهرة حسب الحاجة اليهم، من أجل توسع الاقتصاد الوطني وتقدمه.

٨ - منع تسلط الاقتصاد الأجنبي على الاقتصاد الوطني.

٩ - التأكيد على مضاعفة الانتاج الزراعي والحيواني والصناعي بما يسد الحاجات العامة، ويوصل الدولة الى حد الاكتفاء الذاتي، ويحررها من التبعية.

نلاحظ أن هذه الفقرات التسع للمادة (٤٣) التي تتصدر (١٣) مادة وردت حول الاقتصاد والشؤون المالية في الفصل الرابع من الدستور، تبين الأبعاد

١٠٢

الأساسية السبعة التي ذكرناها، وقد ورد البعد السابع والأخير منفرداً في المادة (٤٩) وسوف نوضحه في حينه.

كان هذا شرحاً مجملاً حول أهداف هذه المادة من الدستور وأبعادها، وسنقوم الآن بشرح كل من تلك الأهداف والأبعاد :

لقد طرحت في بداية المادة (٤٣) ثلاثة أبعاد اعتبرت أبعاداً أساسية وهي : الاستقلال الاقتصادي، ومكافحة الفقر والحرمان وتأمين الحاجات، وأخيراً الحفاظ على حرية الانسان فيما يخص الاقتصاد، ولكن ولأهمية الأبعاد الأربعة الأخرى التي وردت في بنود هذه المادة فقد وضعتها منذ البدء الى جانب هذه الابعاد الثلاثة لكي تحظى الابعاد السبعة باهتمام أكبر ويجب التخطيط لاقتصاد الجمهورية الاسلامية في ايران على أساس الضوابط التسع.

الفقرة الأولى

حينما يريد الانسان الاستمرار في الحياة، هناك بعض الحاجات الأساسية التي يمكنه العيش بدونها، فلو خلا البيت من الاشياء الكمالية لأمكن الاستمرار في الحياة ولكن هناك بعض الاشياء لو لم تكن موجودة لأصبحت الحياة صعبة حقاً. انه لشيء جيد جداً أن تكون هناك مزهرية في البيت ولكنها لا تعد من الحاجات الأساسية للانسان أو بتعبير أفضل ليست من حاجات الانسان الأولية، حيث نقصد هنا بالحاجات الاساسية الحاجات الأولية، أما السبب الذي جعلنا نقصد بالحاجات الأساسية الحاجات الأولية فهو أن الفن والذوق والحاجات الفنية والذوقية تعتبر من وجهة نظرنا من الحاجات الأساسية والأصلية للانسان، ولكنها ليست من حاجاته الأولية التي هي عبارة عن : المسكن والمأكل والملبس والوقاية والعلاج والتربية والتعليم والامكانات اللازمة لتشكيل الأسرة.

المأكل : الانسان بحاجة الى المأكل. أي ان الغذاء حاجة من حاجاته الأولية، وحينما نتحدث عن «الغذاء» نقصد بذلك الغذاء الذي يحتاج اليه الانسان، لا تلك الموائد الملونة المليئة بأنواع الطعام والشراب، والتي تتجاوز كثيراً حاجة الانسان، وتعرِّضُ صحته للخطر، وتصيبه بأمراض جهازي الهضم والدوران، فالغذاء يعني ذلك الغذاء العام الذي يحتاج اليه الجميع.

الملبس : الكل يحتاج الى الملبس. أي انه بحاجة الى كمية من الملابس تقل في فصل الحر وتزداد في فصل البرد، وتتخذ في البيت شكلاً وفي خارجه شكلاً

١٠٣

آخر وكمية أكبر، وهذه حاجة من حاجات الانسان الأولية.

المسكن : الكل يحتاج الى مكان يتمكن من الاستراحة فيه بمقدار كاف، فقد يملك الانسان مكاناً جيداً ولكنه لا استراحة له فيه، أو يغط في النوم نتيجة التعب وهذا لا يكفي، المسكن يعني المكان الذي يسكن فيه الانسان، أي انه يأتي بعد أن ينتهي من سعيه اليومي ليسكن فيه ويهدأ باله، يجب ان يكون له - على الأقل - مكان يستطيع فيه أن يخلد الى الهدوء والسكينة، وحقاً ينبغي لهذا السكون والهدوء الجسمي أن يرافقه الاطمئنان النفسي، وعليه فهو بحاجة الى المسكن الذي يوفر له الاستقرار والهدوء، بعد السعي وعدم الاستقرار الذي يلاقيه طوال اليوم.

الصحة والعلاج : ينبغي للانسان أن يكون سليم الجسم، فالمرض غير مرغوب فيه من أي إنسان، إذ أنه يتعذب به، وعليه يجب توفير امكانات السلامة والصحة له.

التربية والتعليم : التعليم حاجة من حاجات الانسان الطبيعية والاجتماعية، وهناك مثل دارج في اوساطنا الشعبية يقول : «الانسان الأمي انسان أعمى» وهذا هو عين الصواب، فلو جاء أحدهم مثلاً ودخل احدى المدن لوجب عليه من أجل الحصول على عنوان معين أن يسأل كل من يصادفه في طريقه، ولو كان يحسن القراءة والكتابة ويستطيع الاستفادة من الخارطة لأمكننا أن ندله على ما يريد بخارطة واحدة وقد يحدث حيناً أن يأتي أناس أميون فيتوقفون في الطريق ليسألوا الآخرين عن العنوان الذي يقصدونه.

الامكانات اللازمة لتشكيل الأسرة : الزواج حاجة من حاجات البنين والبنات، فلو وفرنا للولد أو البنت كل شيء بما في ذلك المسكن والمأكل والملبس والتعليم والصحة والعلاج ولكننا لم نهيِّئ لأيٍّ منهما زوجاً أو زوجة، فانه سيشعر بالنقص، فالحاجة الى الزوج أو الزوجة، والحاجة الى تكوين الأسرة ليست فقط حاجة تدعو إليها الغريزة الجنسية، اذ اننا نلاحظ أن أزواجاً وزوجات لا يرزقون أولاداً بعد زواجهم فيشعرون بنقص كبير، فمسألة الزواج ليست لمجرد اشباع الغريزة الجنسية، فالانسان يحتاج الى مركز اشعاع عاطفي تكون فيه علاقاته بالآخرين علاقة عاطفية ودافئة ومليئة بالاخلاص والاطمئنان، وما أفضل أولئك الآباء الذين يفرغون من عملهم اليومي فيقضون ساعة الى جانب ابنائهم وباقي افراد

١٠٤

أسرتهم ليشعروا في تلك الساعة بالهدوء والراحة والدفء التي توفرها الحياة العائلية ويلتذوا بها.

فمسألة الحاجة الى تشكيل الاسرة مسألة مطروحة، ولهذا لم نذكر هنا مجرد اعداد الامكانات اللازمة للزواج وتوفيرها، لأن ذلك ناقص لذا فقد ثُبِّت في الدستور وجوب توفير الامكانات اللازمة للجميع لتشكيل الأسرة حيث أخذ بنظر الاعتبار في الحقيقة هدف الزواج على اساس المعارف الاسلامية أيضاً.

فالفقرةالأولى تقول : ينبغي لاقتصادنا، ونظامنا الاقتصادي، وقوانيننا الاقتصادية التي يقرها المجلس، والخطط التي تضعها الدوائر المختلفة، أن تسير جميعاً باتجاه تأمين هذه الحاجات للجميع.

وحين كنا نطرح هذه المادة في بعض الأماكن كان يُتصوَّرُ أن تحقيق هذه الأمور ميسور جداً في الجمهورية الاسلامية والحمد للّه، اذ سوف تشرع أجهزة الدولة بالعمل فتبني لكل منا مسكناً، وتعد لنا الطعام في المطاعم وتهيِّئ لنا في كل سنة ما نحتاج اليه من الملابس لصغارنا وكبارنا وتوزعها علينا في بيوتنا، وتوفر المتطلبات الصحية والعلاجية للجميع، وكذلك الظروف التعليمية، وفيما يختص بتشكيل الأسرة تسعى لتوفير زوج لكل فتاة وزوجة لكل فتى وتوفير جميع المصاريف اللازمة لحفل زفاف بسيط، فهل المقصود (بهذه المادة) أن تنجز الدولة بنفسها وبشكل مباشر جميع هذه الأعمال ؟ لو أريد لاقتصادنا يوماً أن يسير باتجاه يجعل الدولة توفر لنا جميع هذه الامكانات وتسلمها لنا، لكان هذه أسوأ نوع من أنواع الاقتصاد، اذ لم يكن يخطر بالبال شيء من هذا القبيل عند تدوين الدستور. إنّ ما حظي باهتمام الدستور هو أن يتجه الهيكل الاقتصادي وتوزيع الدخل وتوفير فرص العمل وعمليات التخطيط الاقتصادي باتجاه يوفر هذه الحاجات بواسطة العمل المبدع والفعال للناس أنفسهم، وأن لا يكون هناك من يكدح منذ الصباح وحتى المساء ثم لا يملك غرفة واحدة بعد ثلاثين سنة من هذا الكدح فهذه من دلالات مرض النظام الاقتصادي، اننا نشاهد الآن الكثير ممن يملكون في بيوتهم غرفاً خالية يستفيدون منها عدة أشهر أحياناً بينما هناك الكثير ممن لا يملكون حتى غرفة عرضها ثلاثة أمتار وطولها أربعة وهم يشكلون أسرة تتألف من ثمانية أشخاص بل يسكنون غرفة صغيرة يجب عليهم أن يدفعوا لمالكها مبلغاً كبيراً من المال أجرة عنها، اننا نقول بوجوب القضاء على هذا الأمر المتمثل في امتلاك البعض عدة غرف

١٠٥

للضيوف بينما لا يملك البعض الآخر حتى غرفة واحدة، حيث توجد في بلادنا من هذه الحالات ما لا يعد ولا يحصى، فتوفير المسكن يعني اذن أن تتجه سياسة الجمهورية الاسلامية باتجاه بناء المساكن وتوزيعها بشكل يمكن الجميع من اعداد مساكن لأنفسهم تناسب قابلياتهم لا أن تبني الحكومة مساكن للجميع وتوزعها عليهم بالبطاقات والحصص.

وكذلك الأمر بشأن المأكل والملبس، إذ ينبغي لسياسة الدولة تبنّي توزيع الدخل والبضائع التي تستعمل كأغذية وملابس بشكل يمكّنُ الجميع من توفير ذلك لأنفسهم، لا أن تتمكن طبقة معينة ومجموعة محدودة من تناول عشرات أنواع الاطعمة، ويعجز الكثير عن اعداد نوع واحد منها، ويملك البعض أكثر من ثلاثين نوعاً من الملابس المختلفة الألوان يستغنون عنها بعد استعمالها مرتين فقط، ولا يتمكن الكثيرون من توفير الملابس اللازمة لوقايتهم ووقاية أطفالهم من الاصابة بالبرد، وهكذا ينبغي تخطيط وتنظيم أسلوب توزيع الثروة والبضائع الخاصة بالملابس.

أما الصحة والعلاج فيمكن أن يكونا حكوميين، اننا نعتقد بأن (التأمين الصحي) يجب أن يكون اجبارياً وعاماً، وأن تقوم الدولة بتوسيع هذا التأمين ليشمل الجميع، ومن ناحية أخرى يجب على جميع المؤسسات العلاجية أن ترتبط بالتأمين، فهذا في نظرنا حل معقول، ولكنه لا علاقة له بالدستور، فالدستور ينص على : «توفير الصحة والعلاج للجميع» أما كيفية هذا التوفير فيجب على المجلس والحكومة تعيينها، أي ان على الشعب ولجان البحث والتحقيق دراسة وتعيين هذا الامر بالطرق الحديثة المتطورة ولكننا نقترح نموذجاً جيداً وهو أن يكون التأمين اجبارياً ويتوسع بوساطة الحكومة بحيث تخضع له جميع المؤسسات العلاجية ليتم حل الكثير من المعضلات العلاجية، وتلعب الحكومة دوراً رئيساً فيما يخص الصحة والعلاج، وأهم منه كثيراً دورها في التربية والتعليم، أي انه يجب على الحكومة توفير فرص التعليم المجاني للجميع.

أما الامكانات اللازمة لتشكيل الأسرة فتعني أنه ينبغي على الدولة مكافحة كافة المراسيم والكماليات والمشاكل المختلفة التي تشكل عقبات في طريق الزواج، إذ ينبغي على الحكومة وعلماء الدين والكتاب والخطاب والشعراء وكتاب المسرح وجميع العاملين في أمور الفن والذوق، أن يسعوا جميعاً من أجل تسهيل

١٠٦

وتبسيط الزواج بين أفراد المجتمع، يجب على الحكومة أيضاً أن تسعى من أجل تحقيق ذلك بوضع القوانين والتعليمات والمحفزات اللازمة له، وتتحمل مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الكبرى هذه مسؤولية أكبر من الجميع بهذا الشأن، يجب تسهيل الزواج، ولكنه مهما أصبح بسيطاً فهو بحاجة الى بعض المقدمات التي يجب على الدولة توفيرها، فمثلاً نرى أحياناً بعض الشبان مستعدين للزواج بعد حصولهم على قرض مقداره عشرة آلاف تومان وهنا يجب على الدولة توفير إمكانات منحهم قروض زواج بدون فوائد، على أن يسددوها خلال فترة طويلة الأمد، وتقدم لهم مساعدات اذا تطلّب الأمر ذلك.

لقد شخصت الفقرة الأولى من المادة الثالثة والاربعين أحد الخطوط الاصلية لاقتصاد الجمهورية الاسلامية، فماذا تمكنا من تقديمه بهذا الصدد منذ اقرار الدستور وحتى الآن ؟ بالتأكيد يمكن القول : إنه تم انجاز مقدار من العمل فيما يخص الفقرة الأولى، ولكن هذا المقدار قليل جداً، فعلى حكومة الجمهورية الاسلامية وعلى مجلس الشورى الاسلامي أن يسرعا من أجل تطبيق هذه الفقرة باعداد قوانين وأطروحات وخطط تنفيذية كثيرة وتوفير عوامل التنفيذ، ولكن يمكن القول : إنّ أوضاعنا بعد هذه الشهور العديدة من الحرب أفضل بكثير من أوضاع بلاد قضت مثل هذه الشهور متضرِّرَةً بالحرب، وهذا دليل على ما أنجز من أعمال، وانني أعتقد أن نظام توزيع المواد الضرورية بالحصص الذي بدئ العمل به هو من الأعمال التي انجزت من اجل تطبيق هذه الفقرة من المادة (٤٣) من الدستور.

الفقرة الثانية

لو تقرر أن يوفر الانسان حاجاته في ظل عمله المبدع فسوف تكون مسألته الأصلية هي القدرة على العمل، فهناك الكثير من الأفراد - في نظام اجتماعي معين - يريدون العمل ولكنهم يفتقرون الى امكاناته، وينبغي لحصيلة عمل هؤلاء أن تعود عليهم، فهناك الكثير من الأفراد في بعض الانظمة الاجتماعية يعملون وينتجون قيمة فائضة كبيرة ولكنها لا تكون من نصيبهم اذ يعملون منذ الصباح وحتى المساء دون أن توفر لهم تلك الحاجات الأولية التي ذكرناها، لذا وجب أن يُدوّن دستورنا بشكل يجعل نظامنا الاقتصادي يُمكِّن أولئك القادرين على العمل من أن تتوفر لديهم امكاناته أوّلاً، ويجعل حصيلة اتعابهم تعود عليهم لا

١٠٧

على الآخرين ولا تصرف في الامور غير المفيدة أو قليلة الفائدة والتي لا تمثل إلا مظاهر الأبّهة والعظمة الكاذبة ثانياً. فمن اجل تحقيق الامرين السابقين اقتُرِح تدوين هذه الفقرة. وقد اقترحت أنا تدوين هذه الفقرة حينما كان البحث يدور حول المسألة الاقتصادية، وقد كان يتبادر الى الذهن أنها أحد المفاتيح الأساسية لحل المشكلات الاقتصادية والمحافظة على أسلوب اللاشرقية واللاغربية في نظامنا الاقتصادي، ومنذ بداية اقتراح هذه الفقرة فقد كانت تبدو في نظر بعض الاخوة الذين اشتركوا في تلك المجموعة مجرد اقتراح نظري، ولكن ظهر بعد التوضيحات التي أعطيت بهذا الصدد أن هذه الفقرة سوف تكون واحداً من المبادئ الاقتصادية المهمة لمجتمعنا ونظامنا، وعليه فإنني سعيد إذ سنحت لي الآن هذه الفرصة لكي أوضح هذه الفقرة المقترحة لشعبنا وجماهيرنا، وألفت بشكل خاص انتباه خبراء الاقتصاد الى أن هذا الموضوع ولو أنه ورد على شكل فقرة من فقرات المادة (٤٣) من الدستور الا أنه في حقيقته سوف يكون واحداً من مبادئنا الاقتصادية المستقبلية المهمة.

وها نحن نستعرض معاً هذه الفقرة :

(توفير فرص العمل وإمكانياته للجميع، بغية الوصول الى مرحلة انعدام البطالة، ووضع وسائل العمل تحت تصرف كل من هو قادر عليه - ولكنه فاقد لوسائله - بصورة تعاونية عن طريق الاقراض بدون فوائد أو أي طريق مشروع آخر، بحيث لا ينتهي ذلك الى تمركز الثروة وتداولها بأيدي أفراد ومجموعات خاصة، وبحيث لا تتحول الحكومة معه الى رب عمل كبير مطلق، وهذه العملية يجب أن تتم مع ملاحظة الضرورات القائمة في البرامج الاقتصادية العامة للدولة في كل مرحلة من مراحل النمو).

هناك عدة نقاط مهمة في هذه الفقرة سنبدأ بشرحها فيما يلي :

١ - مكافحة البطالة

يجب على البرنامج الاقتصادي أن يتجه نحو توفير العمل لجميع الأفراد لأن البطالة بحد ذاتها - وبغض النظر عن بعدها الاقتصادي - مرض اجتماعي، فكثير من الأمراض الأخلاقية، والأعمال الشائنة والفاسدة والاجرامية، وليدة البطالة، وهناك الآن مجموعة من الناس تملك كل شيء كالبيت ووسائل العيش

١٠٨

والمأكل والملبس وغيرها ولكن بما أنها قد تربّت في المجتمع بدلال، وتوفرت لها جميع هذه الأشياء دون أن تبذل أي جهد، فقد أصبحت الحياة متعبة بالنسبة لها. فالعمل يضفي على الحياة البهجة والنشاط وهو صانع الحياة والرجال، ولهذا جاءت أهمية العمل من الناحية الاجتماعية والاخلاقية بغض النظر عن أهميته الاقتصادية الفائقة، وقد نصت هذه الفقرة على أنه ينبغي أن يكون نظامنا الاقتصادي وبرامجنا بشكل يوفر للجميع امكانات العمل من أجل الوصول الى مرحلة انعدام البطالة، ويجب على الكل أن يحصلوا على عمل يشتغلون به فلا يبقى بعدئذ في بلادنا عاطل عن العمل او متعطل عنه، والمتعطِّلُ عن العمل عادة هو ذلك الذي ليس لديه استعداد للقيام بأي عمل ولم يكلف نفسه عناء تعلُّم أية مهنة وحتى لو أراد العمل فانه غير قادر عليه، أما العاطل فهو الذي يتقن عملاً معيناً ولكن هذا العمل غير مُيَسّرٍ له، اذن النقطة الأولى هي مكافحة البطالة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية.

٢ - القضاء على البطالة بشكل كامل :

تنتشر البطالة في مجتمعنا الآن انتشاراً واسعاً بشكليها : المقنع والنسبي، فكثير من العاملين في مؤسساتنا الادارية يعملون ظاهراً منذ الصباح وحتى العصر (في السابق كانوا يعملون ٣٥ - ٣٧ ساعة في الأسبوع والآن تقرر أن يعملوا ٤٤ ساعة في الأسبوع) ولكنهم حين يحضرون (٧) ساعات في محل عملهم يومياً فانهم لا يعلمونطوال هذه الساعات السبع، بل يعملون ساعة أو ساعتين ويظلون بقية الساعات بلا عمل، وهناك الكثير ممن يعملون طوال هذه الساعات السبع ولكنهم لا يؤدون عملاً مجدياً، ويطلق على هذه الحالات اسم البطالة المقنّعة وعليه يجب أن يكون الهدف من الخطط الاقتصادية هو الاشتغال الكامل المستوعب(١) . إذن فالنقطة الثانية هي الوصول الى مرحلة القضاء على البطالة بشكل تام وهي تعني وجوب العمل على الجميع طوال ساعات العمل وبشكل مفيد أيضاً.

٣ - هناك أشخاص يعملون ولكن حصيلة أتعابهم لا تعود عليهم، فحين

____________________

(١) لو ذكرت هنا كلمة «المفيد» الى جانب «الكامل المستوعب» لكان أمراً مناسباً جداً ولكن ولان الفائدة هنا تفهم بشكل طبيعي لذلك لم تستعمل هذه الكلمة مع أنها لو استعملت لوضحت المعنى أكثر.

١٠٩

كنت استطلع - برفقة الاخوة من جهاد البناء - الأعمال التي أنجزها جهاد البناء في قم، قال لي هؤلاء الاخوة - ونحن في الطريق - إن هناك مناطق في هذه الأرجاء كان بعض العاملين يعملون فيها بالزراعة وقد تركوا أعمالهم وانصرفوا عنها، لان صاحب هذه المزرعة كان يقول : بأن محصول هذه المزرعة يجب تقسيمه الى خمس حصص فتعطى واحدة منها للفلاح والبقية لي، ولم يكن هذا في الأزمنة القديمة وحسب بل وحتى قبيل الثورة وفي بدايتها، واضافة الى ذلك فان مالك هذه المنطقة شخص يملك في طهران بعض الاستثمارات أيضاً ولا يرى المنطقة سنوات وسنوات، بل يرسل اليها وكيلاً عنه ليأخذ في نهاية كل سنة حصصه الأربع ويذهب بها اليه، وقد قال الفلاحون إننا لا نستطيع البقاء هنا لاننا لا نستطيع ادارة شؤون حياتنا، فبدأ اخوتنا في جهاد البناء بمكافحة هذه القضية بأن خصصوا مقداراً من اعتمادات جهاد البناء وامكاناته لحفر آبار في مساحات شاسعة من الأراضي، ثم قالوا للفلاحين : إنكم اذا كنتم لا ترغبون في العمل هناك - لأن جزءاً كبيراً من حصيلة أعمالكم وأتعابكم يأخذه ذلك الشخص - فتعالوا واجتمعوا كل أربعة أو خمسة معاً لكي نعطيكم الارض والآبار والمياه والمضخات والامكانات الاخرى في شكل قروض طويلة الامد، ونوقِّعُ معكم عقوداً للعمل، فجاء هؤلاء وساهموا بأنفسهم في إعداد الأرض والآبار والمضخات، وانهمكوا في الزراعة، وقد طوينا في طريقنا عدة كيلومترات من تلك المزارع التي أوجدت حديثاً وبلغ تعدادها سبعين مزرعة، أنقذت كل منها خمسة أو ستة من الفلاحين مع أفراد أسرهم، وقد كانت لهذا العمل نتيجة أخرى وهي أنه حينما قيل لأولئك الفلاحين بأن سوف تُعطى لهم الامكانات للزراعة وأنه لا وجود لشخص يأخذ منهم أربع حصص ويعطيهم حصة واحدة بل ان الجهاد مستعد لأخذ حصة أقل من حصتهم واقتُرحت عليهم المناصفة في البداية والآن اقترحت عليهم حصة، واعتقد أن الأمر سيصل به يوماً الى ان يأخذ منهم فقط أجرة الجرارات ومضخة الماء ويقول لهم : بارك اللّه فيكم، وعلى هذا الاساس فان من المسائل المهمة أن تضع الدولة وسائل العمل تحت تصرف العاملين بنحو لا يضطرهم الى أن يكونوا مرتزقة لدى أولئك الاقطاعيين. والحقيقة أن الفقرة الثانية من المادة (٤٣) تمثل اسلوباً جديداً لمكافحة تسلط رأس المال وأصحابه على طاقات العمل وأصحابها، ويجب أن يُقضى على هذا التسلط حيث وضعت هذه الفقرة أساساً لهذا المشروع النافع، اننا

١١٠

نبشر شعبنا العزيز بأن مقداراً من العمل قد انجز خلال السنة الماضية، وقد وفقت لاستطلاع نموذجين من هذا القبيل (احدهما في بروجن الواقعة في محافظة جهار محال وبختياري والآخر في قم الواقعة في المحافظة المركزية) وطبقاً لإحصائية أعطيت قبل فترة فقد أُنشئت أكثر من (٢٧٠٠) شركة تعاونية صغيرة على هذا الأساس ووفقاً لهذه الخطة، اذ تعين نوع انجاز العمل فيها ولا مجال للحديث عنها هنا، ولكن يمكننا أن نقول بصورة عامة ان ميزة الأسلوب التعاوني تتمثل في أنه يبقي - بشكل دائم - وسائل العمل وامكاناته تحت تصرف العاملين، فتبقى دائماً وسائل العمل والمكائن والارض والآبار وأمثالها تحت تصرف الذين يعملون بأنفسهم، ويتم هذا العمل في صورة منح قروض بدون فوائد، أو بصور مشروعة أخرى وقد يستوجب أحياناً أن نملِّك الافراد هذه الامكانات والوسائل.

ما الهدف ؟

تهدف الفقرة الثانية من المادة (٤٣) من الدستور الى مواجهة نوعي الاقتصاد السائدين في العالم اليوم، وهما النوع الرأسمالي الفردي والجماعي، والنوع الاشتراكي الذي تحول عملياً الى رأسمالية الدولة، فالذي يريد الاقتصاد الاسلامي مكافحته هو تسلّط رأس المال سواء كان هذا التسلط لرأسمال خاص بالأشخاص والجماعات، أو بالدولة، اننا لا بد لنا من القضاء على تسلط رأس المال على العاملين، سواء كان هذا التسلط يجري من قبل الرأسماليين أو من قبل الدولة، فهذه الفقرة تقضي بوضع إمكانات العمل تحت تصرف أصحاب طاقات العمل بنحو يمنع أي شكل من أشكال تسلط أصحاب رؤوس الأموال، فلا تتحول الدولة الى رأسمالي كبير، ولا الاشخاص، والجماعات، وعليه يجب التدقيق والانتباه أكثر لهذه العبارات : «... بحيث لا ينتهي ذلك الى تمركز الثروة وتداولها - أي الى تمركز الثروة وتداولها بين الأيدي - بأيدي أفراد ومجموعات خاصة، وبحيث لا تتحول الحكومة معه الى رب عمل كبير مطلق». ان كلا نوعي تسلط رأس المال خطأ يلحق ضربة بحرية الانسان الاقتصادية أي بذلك الهدف الأساس المتمثل في الحفاظ على حرية الافراد الاقتصادية، ويجب أن ترافق هذا العمل خطة مناسبة له في كل مرحلة من المراحل.

وهناك آصرة قوية جداً بين الفقرة الثانية والفقرة الرابعة التي تنص على

١١١

مراعاة حرية اختيار العمل، وعدم اجبار الافراد على عمل معين، ومنع استغلال جهود الآخرين، ولو أردنا القضاء على الاستغلال لأعمال الآخرين سواء كان حكومياً (استغلال حكومي) أو رأسمالياً (استغلال خاص)، فإنّ من أفضل الحلول في هذا المجال منح وسائل العمل لمن يملك طاقة العمل لكي نمنع تلقائياً استغلال الدولة واستغلال الافراد له، ولتتوفر له حرية اختيار العمل بشكل أكبر، حيث يؤدي ذلك بكل فرد الى الاتجاه حقيقة نحو ما يرغب فيه من عمل، فلا يقول بعدئذ : اني أرغب في العمل بالحدادة ولكن بما أني لا املك الوسائل اللازمة لها، وهناك حاجة لتعيين قراء للمقاييس فسوف أعمل قارئاً للمقاييس. وهذه حالة سائدة الآن، فلو وضعنا تحت تصرفه وسائل العمل وامكاناته فلن يتوجه الى عمل لا يرغب فيه، بل سيتوجه الى عمله المفضل، ولا بد هنا من التخطيط بالطبع. اذ قد نجد في مجتمع معين ألفاً من الذين يرغبون بالحدادة، في وقت لا توجد فيه حاجة لهذا العدد من الحدادين ولا زبائن لهم، وهنا يجب على الدولة أن تخطط لهذا الأمر بشكل لا يؤدي بها الى رفض الحرية بحيث يقال لهؤلاء إن هذه المدينة تحتاج الى (٢٠٠) حداد من مختلف الاختصاصات ولو عمل (٨٠٠) آخرون بالحدادة فلن يشتري أحد منتجاتهم وبهذا سوف يتوجهون من تلقاء أنفسهم وبكل حرية نحو عمل آخر فيختارون المرتبة الثانية من سلم رغباتهم. ومن هذا المنطلق فاننا نولي أهمية لتنفيذ الفقرة (٢) من المادة (٤٣) من الدستور والتي تعتبر في نظرنا حلاً مناسباً لتحقيق أهدافنا الاقتصادية ولكي لا نضطر الى الوقوع في شراك الأنظمة الغربية أو الشرقية، ونؤمن أن الفقرة الرابعة التي تقضي بمراعاة اختيار العمل ومنع الاستغلال فقرة مهمة جداً، ولو أردنا بلوغ مرحلة منع الاستغلال واقتلاع جذوره، وجب علينا الاعتماد على تنفيذ الفقرة (٢) من المادة (٤٣) من الدستور.

آمل ان توفق حكومتنا ومجلسنا ونظامنا الجمهوري الاسلامي وبتعاون أبناء الشعب الى بلوغ مراحل متقدمة من هذا العمل الذي بُدئ بتطبيق نماذج أولية منه وعلى مستويات أوسع، ولو حافظنا على هذا التماسك في اتخاذ القرارات والعمل بها - الذي كان سر انتصارنا - فلن يتأخر نجاحنا في تطبيق هذه الخطط كثيراً.

١١٢

الفقرة الثالثة

(تنظيم البرامج الاقتصادية للدولة بصورة يكون معها شكل العمل ومحتواه وساعاته بنحو يمنح كل فرد - بالاضافة الى جهوده العملية - الفرصة والقدرة الكافيتين لبناء ذاته معنوياً وسياسياً واجتماعياً، والمساهمة الفعالة في قيادة الدولة، وتنمية مهاراته ومواهبه).

كان من الآثار السيئة للنظام الرأسمالي أنه لم يكن يبقي للعامل والموظف (أي العاملين فكرياً ويدوياً) ساعات فراغ كافية من أجل العيش كإنسان، وبناء الذات، وذلك بايجاد دوافع يضطر معها الافراد الى العمل ساعات اضافية خلال أيام الاسبوع، فكانوا يعودون الى بيوتهم أو ربما الى أوكارهم متعبين مرهقين منهوكي القوى. يجب القضاء على هذا الوضع في نظامنا الاقتصادي إذ أنه ما زال قائماً، وينبغي لعمليات التخطيط الاقتصادي مراعاة دخل الموظفين والعمال وذوي المهارات وكل الذين يشتغلون في أعمال معينة لكي تتناسب دخولهم مع نفقاتهم ويحصلوا بالنتيجة على أوقات فراغ خاصة بهم، لا أن يضطروا للركض منذ الفجر وحتى الليل من أجل الحصول على لقمة خبز تشبعهم وتشبع أهليهم، أو من أجل ايجاد مسكن صغير ورخيص يأوون اليه، صحيح أنهم يجب أن يعملوا، ولكن يجب أيضاً أن تكون نسبة دخولهم من العمل الى مصاريفهم العادية نسبة انسانية عادلة ومنصفة.

يتصرفون في بعض الدول - تحت شعار السباق في أعمال التقدم الاقتصادي الملفت للنظر ولكي يكونوا في هذا السباق في مصاف الدول الاقتصادية الاكثر تقدماً وفي المرتبة الاولى منها - بنحو يجعل الناس يتجهون نحو العمل الاقتصادي أكثر من أي عمل آخر، وكأن الأعمال الأخرى التي تهتم بنمو الانسان معنوياً، وبذوقه ونموه الذوقي والفني (طبعاً نقصد هنا الفن الأصيل والسامي لا الفن المبتذل) وحتى بصحة الانسان ليست في الحسبان قط، تلاحظون أنهم يرفعون درجة حرارة سوق الانتاج الى حد يجعل الناس يلهثون وراء الحصول على المال، كل ذلك من أجل أن تكون بلادهم في المرتبة الأولى عالمياً من حيث الانتاج، ترى ماذا يجدي ذلك ؟ يجب أن يكن الانتاج في خدمة الانسان، لا أن يكون الانسان في خدمة الانتاج، المسألة المهمة هنا هي هل يجب أن يكون

١١٣

الاقتصاد في خدمة الانسان أم أن يكون الانسان في خدمة الاقتصاد ؟ النظام الاسلامي يؤكد على وجوب خدمة الاقتصاد للانسان وليس العكس، اننا لا نرغب في أن نكون عبيداً وحيوانات اقتصادية، اننا نرغب في أن نكون بشراً نوفر حاجاتنا الاقتصادية بأيدينا وبمساعينا لتوفير اكبر قدر ممكن من الانتاج، ويجب مراعاة هذا الأمر في البرامج الخاصة بالموظفين والعمال العاملين في القطاعين العام والخاص.

مساهمة الافراد في القضايا الاجتماعية

من الطرق المؤدية الى عزل جماهير الناس وابعادهم عن ميدان السياسة، واتخاذ القرار وتقرير المصير هي أن تقوم بعمل يجعلهم يفكرون طوال اليوم بالمسائل الاقتصادية وينسون القضايا السياسية، وقد تمثل هذا الامر في سياسة البيع والشراء بالأقساط التي ورط النظام السابق الموظفين والعمال فيها، واليوم أيضاً يتكرر هذا الأمر، إذ نجد بعض موظفي الدولة - وخاصة المنتمين منهم الى الطبقات المحرومة - حين يبرزون مستندات راتبهم الشهري نجد فيها الراتب (٤٧٠٠) تومان مثلاً ولكنهم يتسلمون في نهاية الشهر (٣٥٠) توماناً فقط أي (٤٣٥٠) منها قد استقطعت مقدماً، ومن الطبيعي أنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً بهذا المبلغ بل يجب عليه تأمين بقية نفقات الشهر بشكل من الاشكال، وهذا يعني الركض الدائم نحو الحصول على المال، فهل صرفت هذه ال(٤٣٥٠) توماناً من أجل توفير ضروريات حياته ؟ كلا بالطبع، فقد اشترى بها تلفزيوناً ملوناً، أو استبدل ثلاجته، باكبر او بأفضل منها أو اشترى مكنسة كهربائية أرقى نوعاً من التي عنده أو استبدل مفروشات بيته، أو أثاثه، أو - في أحسن الأحوال - اشترى بيتاً لينقذ نفسه من شر الايجار، أو اشترى سيارة. يجب علينا القضاء على هذه السياسات الاقتصادية المقيتة التي تجعل الانسان عبداً للاقتصاد، وننفذ بدلاً منها خططاً وسياسات تجعل الاقتصاد في خدمة الانسان، فلو ركب الانسان دراجة هوائية وهو مطمئن البال لكان ذلك أفضل له من أن يملك سيارة بيكان(١) وقد انتابه القلق بشأن دفع أقساطها الى درجة لا يرغب معها في ركوبها، انه لمن واجبنا حقاً أن نحمي الانسان

____________________

(١) اسم لسيارة تصنع في ايران (المترجم).

١١٤

من قلق التفكير بتسديد القسط في آخر الشهر والذي يقضي على لذته في استعماله لهذه الوسائل، كي لا يضطر للرضوخ الى أي عمل من أجل تأمين نفقاته اليومية، فهناك الكثير من الأعمال الرديئة والقذرة التي لا يقبل بها الافراد بكامل رغبتهم، بل يلجؤون اليها وقت الأزمات الاقتصادية التي تعصف بهم فيضحون بانسانيتهم أو يبيعونها، وينبغي لاقتصاد الجمهورية الاسلامية الوقوف بوجه هذه الأمور واعطاء هؤلاء الافراد فرصة المساهمة في تقرير مصائرهم.

من أين يحصل الانسان - الذي يركض طوال النهار وراء مبلغ ضئيل يدبر به أمور معيشته - على فرصة التفكير في المسائل السياسية ؟ من أين له فرصة قراءة الصحف أو الاستماع الى الاخبار ؟ من أين له فرصة الاشتراك في جلسات التحليل السياسي ؟ ينبغي لافراد هذا البلد الاشتراك مرة كل اسبوع على الأقل في جلسة من جلسات البحث والتحليل السياسي، اذ لا يكفي الاستماع الى أخبار الاذاعة والتلفزيون، أو حتى الاستماع الى جلسات النقاش التلفزيوني أو مشاهدتها، يجب عليهم الاشتراك بأنفسهم في جلسات المناقشة لكي تتولد لديهم القدرة على التحليل، وقد حان الوقت لكي نخصص لهم أوقاتاً حرة تمكنهم من الاشتراك في ادارة البلاد، أي أن يؤدوا بشكل صحيح الدور الذي يحق لكل انسان اداؤه في توجيه أمور البلاد السياسية، ولو أرادوا انتخاب بعض الاشخاص لذلك، فسيكون انتخابهم مبنياً على أساس المعرفة والوعي، وتكون لديهم فرصة التحقيق حول المنتجين، وجميع هذه الأمور تحتاج الى تخصيص وقت للتفكير فيها، فينبغي اذن للخطة الاقتصادية منح هؤلاء الأفراد هذا الوقت وحتى فرصة لصفاء الذهن وفراغ البال.

زيادة المهارة والابداع

ها هنا مسألتان : احداهما زيادة المهارة والأخرى هي الابداع، وزيادة المهارة تعني أنه لو كان هناك شخص يعمل في مكان ما ولديه الاستعداد لتعلم أعمال أخرى، وجب منحه فرصة الاشتراك في دورة تدريب ضمن الخدمة ليستطيع بعد ذلك، العمل في اختصاصه بمستوى أعلى ومهارة أجود وخبرة أكثر. اننا لو رتبنا برنامجنا الاقتصادي بنحو يجعل أصحاب طاقات العمل يشتغلون فقط في عملهم اليومي المعتاد، ولو حصلوا على اجازة لمدة شهرين للاشتراك في دورة

١١٥

تدريبية وقد منعتهم من ذلك، الضائقات الاقتصادية، فسوف يصاب هؤلاء الافراد المستعدون لتنمية مهاراتهم وخبراتهم بالركود الذي يؤدي بهم الى الكسل والخمول، ويحرم المجتمع من مهاراتهم الاضافية، وهذه جريمة لا تغتفر، إذ يجب علينا منح الافراد امكانية تنمية مهاراتهم في المجالات الزراعية والصناعية والفنية والتعليمية. أما المسألة الأخرى فهي الابداع، فالابداع والابتكار كلاهما بحاجة الى صرف مقدار من رأس المال، فالذين يصنعون وسائل جديدة ينهمكون أحياناً ستة أشهر أو أكثر في العمل بوسائل بسيطة في البيت أو الورشة ليحصلوا بعد عدة تجارب على نتيجة مرجوة، وهناك أفراد يراجعوننا باستمرار ويقولون : «اننا ننوي رفع مستوى الابداع والابتكار لدينا، ولكن ذلك يؤدي الى اتلاف ما قيمته (٣٠) ألف تومان من المواد، ويجب منحنا الوسائل اللازمة لنجرب عدة مرات حتى نحصل على نتيجة معينة». ان الدول الأخرى تعمل مثل هذا العمل ثم تبيع ابتكاراتها واختراعاتها لنا بثمن فاحش أي نشتري مخترعات الآخرين بأضعاف المبلغ الذي لا نضعه تحت تصرف المخترع والمبتكر الايراني، وهذه أخطاء لا تتفق ورغبتنا في الاستقلال الاقتصادي، ينبغي لتخطيطنا الاقتصادي أن يجري بشكل يضع الاماكن والامكانات المناسبة لانجاز هذه الأعمال والتجارب تحت تصرف المخترعين والمبتكرين، وعليه لا ينبغي أبداً للدولة أو المؤسسات الخاصة والشركات أن تتساءل : لماذا نهدر المبلغ الفلاني من أجل عمل لا تعرف نتيجته وحصيلته ؟ وهل سينتج منه شيء ينفع أم لا ؟ ما دام هذا التفكير يسيطر على اقتصادنا فلن يجد المبتكرون والمخترعون وأصحاب الأدمغة والأفكار ميداناً ومجالاً مناسبين للنمو في هذا البلد وهذا المجتمع.

وخلاصة القول : إن الفقرة الثالثة تعتمد على المسائل الآتية : شكل العمل، ومحتواه، وساعاته، وزيادة المهارة والابتكار.

١ - شكل العمل : ويرتبط بشكل العمل، كيفية انجازه، هل هي بالمعدات والاجهزة اللازمة، أم بدونها؟ وهل هي بشكل جماعي أو فردي ؟ وهل يجب أن يكون لدينا خط إنتاجي أم لا ؟.

٢ - محتوى العمل : أحياناً يكون محتوى العمل متعباً ومرهقاً الى درجة لو عمل معها الانسان أربع ساعات فسوف يظل منهوك القوى عشرين ساعة، إذن ينبغي مراعاة هذه المسائل أيضاً.

١١٦

كنت قبل فترة ذاهباً في استطلاع لمطابع الجريدة الرسمية (جمهورى اسلامى)، فرأيت عن كثب العمل الشاق الذي ينجزه منضِّدو الحروف، فقد كان عملهم الدقيق مع تلك الحروف المعدنية، وذلك الصوت الهادر الذي كانت تولده مكائن الطباعة بشكل لو عمل معه هؤلاء سبع ساعات فسوف تتعرض أعصابهم لدرجة من الضغط الشديد وستؤثر تلك النفايات السامة على أعصابهم وسلامتهم تأثيراً يستبعد معه تمكنهم بعد انتهاء عملهم من التوجه بنشاط وبهجة نحو بناء ذواتهم، ونحو البرامج السياسية، وعليه ينبغي مراعاة كيفية ومحتوى العمل بدقة.

٣ - ساعات العمل : يجب أن تنظم ساعات العمل بنحو لا يضطر أحد معه للعمل (١٢) أو (١٦) ساعة (في اليوم).

ينبغي لشكل العمل ومحتواه وساعاته أن تكون بصورة تسنح لكل فرد - اضافة لجهوده العملية - الفرصة والقدرة الكافية - النشاط والقوة - من أجل بناء ذاته معنوياً ليفكر في نفسه وفي العالم قليلاً، وليطالع تفسير القرآن، والأحاديث، ونهج البلاغة، وبقية الكتب النافعة، ويمارس العبادة، ويأتي بالمستحبات من الدعاء، والزيارة، والانفاق، وخدمة الناس، ويشترك في الجلسات ويؤثر بمساهمته الفعالة في المجالس المحلية في قيادة الدولة بما يتناسب مع حجمه، أو تكون له - بشكل غير مباشر - فرصة انتخاب الآخرين لذلك.

٤ - زيادة المهارة : أي أن يقدر على رفع مستوى خبرته العملية.

٥ - الابتكار والابداع.

تلك هي الأمور التي تقرر مصير تخطيطنا الاقتصادي.

أسئلة وأجوبة

س - طبقاً للمادة السابعة والأربعين، تعتبر الملكية الخاصة الحاصلة عن طريق مشروع، محترمة، وتقضي جميع مواد الدستور بأن يكون كل مبدأ منطبقاً تماماً على الموازين الاسلامية، فمتى تشخص الضوابط التي ذكرت حولها عبارة «وفق ما يقرره القانون» لكي لا تسمي جماعة جماعة أخرى بالطواغيت والرأسماليين ؟

ج - يجب في هذا المجال اعداد الكثير من القوانين المتعلقة بالملكية

١١٧

الخاصة والتي تعين للانسان - فيما لو تملّك شيئاً - الطرق التي يكون فيها تملكه هذا حلالاً ومشروعاً والطرق التي يكون فيها غير مشروع، اننا الآن وبعد مرور سنتين على انتصار الثورة نجد في اقتصادنا طرقاً محرّمة، ولازلنا نرى الفوائد تفرض على المال المقترض والربا سواء في البنوك أو في المؤسسات الخاصة، وتوجد أيضاً أشكال أخرى من الاستغلال، وينبغي بالتأكيد أن أذكر أن الاستغلال قد قل كثيراً ولكن لم يُقض عليه تماماً، فما زال غلاء الأسعار موجوداً، وقد ارتفعت أصوات شعبنا تشكو من هذا الغلاء، وتأثير الموعظة والنصيحة قليل جداً، والمحاكم المهنية الخاصة تعمل بحدود معينة - مع أنها لم تتوسع بعد بالقدر الكافي -. يجب قطع الماء عن جذور هذه الثروات المحرمة، وعليه ينبغي على المسؤولين عن اعداد هذه القوانين واقرارها - أعني الحكومة واللجان الفرعية المختلفة للمجلس التي يرتبط عملها بالاقتصاد - انجاز هذا العمل المهم طبقاً للموازين الاسلامية، آخذة بنظر الاعتبار جميع القضايا الاقتصادية الدقيقة، وتلك الحيل والألاعيب والمكائد التي تستعمل في الاقتصاد لإظهار كثير من المحرمات بمظهر الحلال كما يفعل المرابون الذين يسعون في اظهار الربا بمظهر الشيء المحلل بحيل لا يخدعون بها إلا أنفسهم.

وفيما يخص الجزء الثاني من السؤال ينبغي القول : إن كلمتي الطواغيت والمستكبرين الآن من

الكلمات التي تستعمل في محلها في كثير من الحالات، وفي بعضها تستعمل في غير محلها، أما حين

لا تستعمل في محلها فهناك عيبان : أولهما أن الذين يسمونهم بالمستكبرين والطواغيت ليسوا في الحقيقة مستكبرين ولا طواغيت، بل هم يتعذبون فهذا ظلم يجري بحقهم، والثاني أن الطواغيت والمستكبرين

الحقيقيين يتخفون وراء أفراد معروفين في بيئتهم بالطهارة والبراءة، ويتخذونهم واجهة لهم، فيقللون من

قيمة هذه الكلمات، ويحدُّون من النهي عن المنكر ليبرئوا أنفسهم، وهكذا ينبغي تشخيص المعايير الخاصة بهذا الأمر ليعرف المستكبر من غيره.

س - العلاقات التجارية الخارجية تعتمد حالياً على الربح فقط، أي أن التجار يستوردون ما يدر

عليهم ربحاً أكبر، ويكفي لاثبات ذلك ملاحظة البضائع التي استوردت - خلال الفترة الماضية - من الدول المجاورة حيث نجدها تقتصر على المدافئ النفطية والمطاحن الصغيرة لطحن التوابل وأمثالها، أفلا يجب على

١١٨

الدولة تأميم التجارة الخارجية لتستورد بنفسها البضائع الضرورية ؟ هل يصح أن يفتقر القروي الى قرص من الاسبرين يعالج به نفسه بينما يملك أشخاص آخرون مكانس كهربائية، وغسالات ملابس وأواني، وغيرها من الوسائل الأجنبية في بيوتهم ؟ ألا ينبغي العمل على تطبيق الانصاف والعدالة على الجميع ؟

ج - لقد بدأ بعض الأشخاص المطلعين والخبراء دراسة مسألة تأميم التجارة الخارجية، وعلى مستوى التطبيق أيضاً ظهرت بعض الانجازات في هذا السبيل، ولكن العمل الفني دقيق ومعقد جداً، أي لا بد للمؤسسات الحكومية من أن تنمو يوماً بعد يوم، من حيث القوى البشرية الخبيرة بالتجارة الخارجية، وتجذب الأشخاص الخبراء والمجربين وتنظمهم لكي تستورد في كل مجال توفق فيه، البضائع التي تحتاج إليها البلاد من الخارج، فتتولى استيرادها بدلاً من القطاع الخاص، وقد سار هذا الأمر لحد الآن سيراً بطيئاً جداً، لأن الوضع كان وضعاً مؤقتاً، أما الآن وحيث أصبح وضعنا ثابتاً، إذ انعقد مجلس الشورى، وتشكلت حكومة اختارها هذا المجلس، فمن الطبيعي أن تتحمل وزارة التجارة مسؤولية القيام بهذا العمل، وقد طرح هذا الموضوع في المحافل الاقتصادية والاجتماعية مرات ومرات، ونحن نرى أن وزارة التجارة تعمل من أجل تحقيق ذلك بكل رغبة وشوق.

من الأمور التي يمكن فيها الاستغلال من ناحيتين هي التجارة الخارجية، ولا نقصد بذلك أن جميع العاملين في التجارة الخارجية يستغلون مواقعهم لمصلحتهم، ولا نقصد ذلك في أي مجال من المجالات الأخرى، ولكن طبيعة هذا العمل تهيئ للأفراد أرضية الاستفادة الشخصية الفاحشة، في الوقت الذي يجب أن تكون هذه الاستفادة ملكاً للشعب - هناك مشروع مناسب لذلك يقضي بأن يتبادل التجار - الراغبون في تطبيق مواد الدستور وخدمة الناس عن طريق التجارة - وجهات النظر مع وزارة التجارة، ويضعوا مهاراتهم ومعلوماتهم في هذا المجال تحت تصرف الشعب، واذا كانوا يعملون حتى الآن من أجل أنفسهم، فليعملوا من الآن من أجل الشعب وليحصلوا على دخل قليل يكفي لتمشية أمور معاشهم، ويغضوا النظر عن الدخول الفاحشة، نأمل بتنفيذ هذا المشرع حل مسألة تأميم التجارة الخارجية لكي لا يبقى الكثير من العوائل - كما ورد في السؤال - في كثير من القرى وحتى المدن في ضائقة من الحصول على قليل من الدواء، ولا نجد في مقابل هؤلاء أناساً

١١٩

تستورد لهم حاجاتهم الكمالية وأدواتهم الاحتياطية من الخارج وتخزن، فهو أمر غير عادل وغير مقبول بالتأكيد، ينبغي السعي بإخلاص لحل هذه المسائل، وإنني كمواطن عادي مطلع على المسائل الاقتصادية الى حد معين آمل أن تحل هذه المسائل.

بحث في الضمان الاجتماعي

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140