الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي0%

الاقتصاد الإسلامي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 140

الاقتصاد الإسلامي

مؤلف: الشهيد آية الله محمد حسين بهشتي
تصنيف:

الصفحات: 140
المشاهدات: 36164
تحميل: 5668

توضيحات:

الاقتصاد الإسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 140 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36164 / تحميل: 5668
الحجم الحجم الحجم
الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي

مؤلف:
العربية

هنا ؟ وهل تنحصر بها الانفاقات الواجبة على كل مسلم، أو غير المسلم ممن يعيش ضمن المجتمع الاسلامي ؟

يرى كثير من الفقهاء أن الضرائب الاسلامية هي تلك الضرائب المنصوص عليها في الكتاب والسنُّة، ولو دفعها - في نظام اجتماعي معين - كل الذين وجبت عليهم، فإن ذلك يكفي ولن تبقى بعدئذ أية منطقة فراغ، أي انه لو دفع كل الذين يحصلون على دخول تزيد على مصاريفهم، والذين يستخرجون المعادن، والذين يصطادون اللؤلؤ والمرجان وأمثال ذلك والذين اختلطت أموالهم بالحرام والذين يعثرون على الكنور، ولو دفع الذين وجبت عليهم الزكاة (حتى لو كان فقط في الحالات التسع المعينة(١) ، ووفقاً لشروطها وللحدود المعينة في الاسلام) ما وجب عليهم من هذه الضريبة، فان جميع النواقص سوف تسد، ويعتقد فريق آخر من الفقهاء أنه قد تبرز في المجتمع الاسلامي بعض الحاجات والمصاريف المالية التي لا يمكن تأمينها بهذه الضرائب وفي هذه الحالة يجب على الناس جميعاً الاشتراك في تأمين هذه المصاريف في حدود امكانياتهم، واني أتصور أنه لو بلغ الأمر هذا الحد فإنهم - حتى لو لم يعلنوا ذلك صراحة لحد الآن - يتفقون جميعاً في حالة توجيه هذا السؤال لهم على هذه الاجابة فنحصل تلقائياً على النتيجة نفسها، لنفترض أن زلزلة أو سيلاً قد جاء وهدم بيوت مجموعة من الناس وقضى على كل ما لديهم من أبقار وأغنام ودكاكين وبيوت وبضائع ووسائل عيش، فما هو الواجب في هذه الحالة ؟ لو كان في بيت المال والخزينة مبلغ كاف لعوضهم عن ذلك وإلا وجب على كل مسلم - وجوباً كفائياً - تعويض وسائل المعيشة التي فقدها اخوته المسلمون (وحتى غير المسلمين من مواطني الجمهورية الاسلامية) الى حد ما تقتضيه الضرورة، فهذا واجب كفائي والقيام به غير مشروط أو متعلق بالخمس والزكاة والجزية والخراج ولو لم تكن الواردات الحاصلة من هذه المصادر الأربعة كافية وجب علينا تأمين تلك المصاريف من أموالنا وأملاكنا الخاصة، وأعتقد أن هذه المسألة تحظى بقبول الجميع، أو لنتصور أن حرباً قد قامت وخاصة الحروب

____________________

(١) هنا أربع حالات من هذه الحالات التسع تشمل المحاصيل الزراعية وهي القمح والشعير والتمر والزبيب. وتشمل ثلاث حالات منها : الحيوانات (وليس المنتجات الحيوانية) وهي الأبقار والأغنام والابل، أما الحالتان الأخريان فتشملان الذهب والفضة والمسكوكات التي تبقى مجمدة وغير متداولة خلال العام.

٨١

المعاصرة التي يطلق فيها بعد الضغط على زر معين أربعون صاروخاً من صواريخ الكاتيوشا خلال ما يقارب دقيقة واحدة، وهذه الأربعون صاروخاً التي يطلقها أحد مقاتلينا مضطراً(١) على العدو الذي يهاجمنا بسلاح الخمسة خمسة - المتكون من عدة صفوف ويشبه الكاتيوشا - تكلفنا خمس مئة ألف تومان، أي أن ضغط الزر لمرة واحدة يساوي خمس مئة ألف تومان وهذا فقط ثمن الصواريخ دون حساب المصاريف الأخرى.

فمن أين يتم تأمين هذه المصاريف ؟ إنهم لو جمعوا المبالغ المستحقة على كل الايرانيين الذين وجبت عليهم الزكاة والخمس، والجزية (التي لا وجود لها الآن) والخراج (حيث لا وجود للاراضي الخزاجية بتلك الصورة) وأرادوا تأمين مصاريف هذه الحرب التي فرضها العدو علينا، فهل كان ذلك ممكناً ؟ ان ايران تملك النفط حالياً، وتؤمن ببيعه هذه المصاريف، ولكن لو أن بلداً إسلامياً، وشعباً مسلماً لا يملك النفط قد هوجم من قبل مجنون كصدام، فمن أين يجب تأمين هذه المصاريف ؟ ولو جمعت جميع الضرائب المقدرة في الاسلام فوق بعضها لما كانت تكفي لتأمين نفقات عدة شهور من الحرب، فتحية إكبار لأبناء شعبنا الملتزم الذين لم يتركوا حكومتهم وقواتهم المسلحة ومتضرري الحرب لوحدهم، وما زالوا يسعون متكاتفين في بذل كل ما لديهم من أجل أن يبلغوا بهذه الحرب نهايتها، ولو لم نكن نملك النفط، لتضاعفت هذه الجهود والتضحيات خمسة أمثال ما هي عليه الآن، ولدخلنا ميدان القتال بما يتوفر لدينا، فهذا نوع من الانفاق الواجب.

جاء في القرآن الكريم :( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) (٢) أي الزيادة، وهذا يعني أنه يجب على كل شخص أن يساهم في نفقات القتال بما زاد عن حاجاته المعاشية الضرورية، وقد كان الأمر على هذا النحو في جميع غزوات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ومن جملتها غزوة تبوك، ففي معركة تبوك التي كان قد عُبِّئَ فيها اكبر عدد من قوات المسلمين(٣) وجب على جميع القادرين على حمل السلاح والقتال التحرك بجميع امكانياتهم، وكان يجب على المسلمين تأمين نفقات هذه التعبئة،

____________________

(١) الاضطرار هنا يعني أننا لم نهاجم العدو بل هو الذي هاجمنا ولا يزال كذلك.

(٢) البقرة ٢١٩.

(٣) يذكر التاريخ أن عدد القوات المعبأة قد بلغ ثلاثين ألفاً مما لم يسبق له مثيل في عصر النبي صلى الله عليه وآله

٨٢

وهكذا لم تكن الضرائب المقدرة لتكفي ذلك بل كان يجب على كل من يملك مبلغاً - فائضاً عن ضروراته - ان يتبرَّعَ به لتأمين المصاريف اللازمة.

صحيح أن بعض المفسرين قد فسر كلمة العفو في هذه الآية بالمعنى نفسه الذي نفهمه منها لأول مرة، أي العفو عن المسيء كما هو الحال في آية :( وأن تعفوا أقرب للتقوى ) (١) ، ولكنني لا أعتقد أن هذا المعنى يتناسب كثيراً مع نص الآية، وقد قال عدد من المفسرين بالمعنى الأول الذي يتوافق أكثر مع الموضوع ككل.

وبناءً على ما تقدم، فان هناك مسألة تبرز في المجتمع الاسلامي وهي أنه كلما وجدت هناك حاجات تقتضي صرف مبلغ اكبر من المال، وجب على كل مسلم أن يُسهم تطوعاً بما زاد عن حاجته الضرورية، ويجب عليه اعطاؤه. فلو كان يملك - مثلاً - معطفين، وزوجين من الأحذية، وأربع بطانيات، فإن واحداً من كل منها زائد عن حاجته، ويجب عليه إعطاؤه، ولو كان يملك مصاريف شهر واحد ولديه مصاريف شهر آخر إضافة الى ذلك، وجب عليه دفعها، وهكذا. وعلى هذا الأساس فإن جميع المسلمين مسؤولون عن تأمين جميع مصاريف المجتمع الاسلامي. الى هذا القسم من البحث يعتمد موضوعنا على أساس فقهي واضح بحيث لو سئل أي فقيه عن ذلك لقبل به، والنقاش هنا يدور حول هل يجب على كل فرد - في هذا النوع من الانفاق - أن يدخل الميدان بكل ما يستطيع، وبشكل كفائي من تلقاء نفسه، أم أنهم لو لم يفعلوا ذلك تلقائياً فسوف يحق للدولة أن تجبرهم على ذلك ؟ فلو حصلت الآن حرب، أو اجتاحتنا السيول، وطلب من الجميع مساعدة المتضررين بالحرب أو السيول بكل ما يستطيعون فهل يحق للدولة أن تجمع هذه المساعدات قسراً، أم أن ذلك واجب تقع على عاتق الأفراد مسؤولية أدائه اختيارياً ومن تلقاء أنفسهم ؟

وهذا بحد ذاته بحث مفصل، ففي هذه الحالات لو شاهدت الدولة الاسلامية (أو الإمام وولي أمر المسلمين) عدم كفاية عدد الذين يدفعون هذه المساعدات تلقائياً لزم فرض نسبة معينة يجب على الجميع دفعها، وإن لم يدفعوا جاز استحصالها منهم بالقوة، وهذه هي الضرائب بعينها، اذ تقتضي مبادئنا الفقهية العامة - فيما يخص ولاية الفقيه وولاية أمر المسلمين - بأن لو وجد ولي أمر

____________________

(١) البقرة : ٢٧٣.

٨٣

المسلمين أن أمراً واجباً لم يتم أداؤه لحاجة ذلك الى المال، فعليه أن يطلب من الناس أن يدفع كل منهم ما يستطيع دفعه، ولو وجد عدد الذين يدفعون من تلقاء أنفسهم لا يكفي لذلك، أو شاهد عدم كفاية الكمية التي يدفعونها، جاز له أن يعين نسباً خاصة، أي أن يفرض ضرائب معينة ويستحصلها منهم، وهذا مما تقتضيه الأدلة العامة للولاية، لأن ولي الأمر مسؤول عن إدارة شؤون المجتمع الاسلامي، وتوفير مستلزمات هذه الادارة أيضاً، وطبيعي أن المال يشكل جزءاً من هذه المستلزمات، فلو لم تدفع رواتب العاملين في وزارة الاقتصاد والمالية أو موظفي الدوائر الأخرى فهل يستطيعون بعد ذلك الاستمرار في عملهم ؟ وان لم يحصل القاضي أو ساعي البريد على راتبه فهل يستطيع العمل ؟ من المؤكد أنه لا يمكن ادارة أي بلد دون وجود المال.

وإن لم تكن الضرائب الاسلامية الأربع المقررة كافية لتأمين النفقات العامة للحكومة الاسلامية وطلبت هذه الحكومة من الجميع أن يقدم كل منهم من المساعدات ما يستطيع تقديمه، فانبرى بعض الناس للتبرع لكن ذلك لم يكف أيضاً، فهل يمكن لولي الأمر أن يتخلى عن مسؤولياته ويقول : إنّ المسلمين قد فقدوا همتهم فلا يمكن اذاً ادارة البلاد ؟ وان لم يقم هو بادارة البلاد فمن ذا الذي يديرها ؟ اننا حين نعجز عن ادارة بلادنا فسوف نحتاج الى قيِّمٍ علينا، فإمّا أن يكون هذا القيّم روسيا أو انكلترا أو أمريكا أو فرنسا أو المانيا أو اليابان وبالنتيجة يجب على احدى القوى الكبرى في العالم أن تكون قيِّمَةً علينا نحن الصغار إلا إذا صرنا نحن كباراً - كما هو حالنا اليوم - اذ نعلن أن شعبنا شعب بالغ وكبير يدير نفسه بنفسه ويطلق صرخته الخالدة : «يانكي : عد الى بيتك» وهو خطاب يوجه للجميع.

وعليه يجب أن تحظى الدولة الاسلامية بدعم مالي يمكِّنها من تأمين النفقات اللازمة، ولو قال لنا بعضهم : وفقاً لما قيل : يمكن أن نسير بالدولة بعض الطريق فلتأخذ الحكومة أولاً هذه الضرائب المقررة، فان لم تكفها فلتحمل عدة مرات في السنة كشكول الاستجداء وتعلن للناس أنها لم تحصل على ما يكفي لكي يعينوها من تلقاء أنفسهم، وان لم تكفها هذه المساعدات التلقائية إضافة الى الضرائب المقررة الاربع، فلا ضير عندئذ في أن تفرض بعض الضرائب فبماذا ينبغي لنا أن نجيبهم؟

٨٤

ان جوابنا لهم هو أنه لا بد للحكومة من خطة تسير وفقها، ولا بد لها من أن تضع خططاً لعدة سنوات من أجل ادارة المجتمع والأعمال المختلفة التي لا بد منها في كل مجتمع حي، فلو أننا استخدمنا قاضياً، وجب علينا أن نعرف أنه سوف يبقى على قيد الحياة لثلاثين عاماً، ولو تقاعد وجب علينا تأمين عيشه حتى آخر العمر، ولو أردنا أن ننتصر في قتالنا الذي نخوضه اليوم في جبهات الحرب، فعلينا أن نكون قد أعددنا السلاح والرجال منذ عشر سنين. هكذا يعلمنا القرآن. إنه لا يأمرنا أن ننتظر حتى تبلغ المشاكل اعناقنا وتخنقنا حتى تكاد تقتلنا وحينئذ نفكر في العلاج. انه يأمرنا باعداد القوة والسلاح للتصدي للمعتدين بقوله :

( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اللّه وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، اللّه يعلمهم... ) .(١)

فالقرآن يقول لنا : أيها المسلمون ! إنكم بدل أن تفكروا في قتال العدو حين يهاجمكم، يجب عليكم أن تستعدوا لقتال الاعداء الحاليين والأعداء المحتملين - الذين لا تعلمونهم واللّه يعلمهم - بشكل يمكِّن مقاتليكم من الدفاع او الهجوم في أي وقت، فهل يتوافق هذا الأمر مع الحياة بالعيش الكفاف ؟ القرآن يطلب منا أن نُعِدَّ لهؤلاء الأعداء القوة والخيل المرابطة، فإذا كانوا في ذلك اليوم يحتاجون الى الخيل المرابطة فإننا اليوم بحاجة الى الدبابات المستعدة والطائرات الجاثمة في المطارات أو المخابئ، والبوارج الراسية عند السواحل، والمدافع المعدة للاطلاق، إننا لو كنا نملك في شهريور عام ١٣٥٩ ه. ش (ايلول ١٩٨٠ م) هذه المدافع المنصوبة الآن على قمم الجبال، لكان مقاتلونا قد وصلوا الآن الى بغداد، ولكن مدافعنا كانت حينئذ في اصفهان وشيراز، فحافظوا على هذه الاشياء مستعدة للعمل، وأعدوا من القوة ما ترهبون به عدو اللّه وعدوكم، فالدرس الذي يعطيه لنا القرآن يتطلب منا أن نكون أقوياء الى الحد الذي يعرف العدو بقوتنا، فلا تسوِّلُ له نفسه الهجوم علينا، وأن لا تكون قوتنا بمقدار ما يكفي لمقابلة الاعداء المعروفين - الذين يجب علينا ايجاد توازن أو تفوق عسكري عليهم - بل يجب أن نبلغ من القوة مبلغاً يحسب لنا الاعداء غير المعروفين وغير المحتملين حساباً أيضاً، هكذا جاء بيان القرآن، وهل يمكن لشعب حي أن ينظم برامجه ويؤمِّنَ نفقاته بحيث ينجز مقداراً

____________________

(١) الأنفال : ٦٠.

٨٥

من العمل يتناسب مع البضائع المخزونة في المستودعات، وكلما وقعت كارثة (كالسيول مثلاً) يطلب من الناس تقديم المساعدات وان لم يحصل ذلك ولم يقدم الناس شيئاً حينئذ يحق للدولة وضع بعض الضرائب ؟ هل يا ترى يمكن أن يحصل مثل هذا ؟

فهكذا الحال في الحروب والسيول والزلازل وأمثالها، فحين يأتي سيل ويجرف قرية تتألف من خمسين عائلة، ففي هذه الحالة لو تحرك سكان ايران، البالغ عددهم (٣٦) مليوناً، فانهم بالتأكيد سوف يعوضون هذه العوائل الخمسين، ولكن حين اجتاح السيل مدن وقرى محافظة خوزستان في العام الماضي(١) وقضى على وسائل عيش عدد كبير من الناس، أُرسِلَ كل ما كان موجوداً من الخيام الى متضرري ذلك السيل ولكن ذلك لم يكف. يجب علينا إذاً أن نمتلك الكثير من الخيام محفوظة في المخازن، فلو وقعت زلازل في منطقة حارة في فصل البرد ولم يكن لدينا مقدار كاف من الخيام وسيارات الاسعاف فسوف يؤدي ذلك الى موت المصابين بهذه الزلازل، وعليه فان الأُسلوب الفقهي يذهب بنا بعيداً في هذا الاتجاه إذ يوجب علينا أن نوفر الاستعدادات الكافية مع ما يلزم من التخطيط، ولهذا لا ينبغي لنا أن ننتظر حتى تحدث المشاكل، والدولة الاسلامية تحسب كل حساب من أجل ادارة المجتمع بأفضل ما يكون، آخذة بنظر الاعتبار الحاجات والتوقعات المتعلقة بهذا الأمر، فلو لاحظت أن الضرائب الأربع تكفي فلا شيء إذن، وإلا فسوف تطلب من الناس أن يدفع كل منهم طوعاً ما يستطيع دفعه الى بيت المال، وإذا وجدت أن مقدار ذلك لا يكفي - وقد دلت التجارب السابقة على عدم كفايتها - فهل يسمح لها الآن بفرض بعض الضرائب ؟

ان مقاييسنا وأسسنا الفكرية والفقهية فيما يخص الادلة العامة للحكومة والولاية تسمح لنا بفرض ضرائب اضافية لتأمين حاجات المجتمع الضرورية وعليه تقتضي وجهة نظر فريق من الفقهاء أنه لو لاحظت الدولة الاسلامية نقصاً في المبالغ اللازمة لتأمين المصاريف التي تتطلبها الخطط العامة، جاز لها - بعد حساب الضرائب المستحصلة من الطرق الأربعة - أن تفرض ضرائب جديدة غير منصوص عليها في الروايات، وهذا في نظرنا أساس فقهي واضح تمام الوضوح

____________________

(١) وقع هذا السيل في ربيع عام ١٣٥٩ ه. ش (١٩٨٠ م).

٨٦

لتجويز فرض ضرائب جديدة في النظام الاسلامي.

وقد ناقشنا مؤخراً أثناء اعداد الدستور، وبعد ذلك حين كنا نتطرق الى هذا الحديث مع بعض أصحاب الرأي مسألة فرض الضرائب، كانوا يسألوننا قائلين : ما هو المجوز الشرعي لذلك ؟

لقد جاء أحد الذين وجب عليهم دفع الضمان الاجتماعي واستقتى أحد الفقهاء قائلاً : هل صحيح أن يستحصلوا منا ١٨ الى ٢٠ % كضمان اجتماعي في الجمهورية الاسلامية كما كانوا يفعلون ابان النظام البهلوي ؟ فأجاب ذلك الفقيه أنهم كانوا يأخذونها بالقوة في ذلك العهد وكذلك الآن، فهي لا تجوز اذن.

ونحن نقول له : الآن الامر ليس كذلك. إنّ لهذه العملة وجهين، فهذا الضمان الذي يؤخذ من رب العمل نوع من الضرائب، إذ يجب على النظام الاسلامي أن يفكر لضمان مستقبل هؤلاء العمال فمن أين يجب توفير ذلك ؟ ان الضرائب الأربع لا تكفي ذلك بالتأكيد، وكذلك الحال بالنسبة للمساعدات التلقائية التي تدفع للحكومة، وعليه فلا بد لحكومة الجمهورية الاسلامية من أن تعمد الى هذا الأمر، ولو قررت فرض بعض الضرائب فلا بد وأن تستحصلها بالقوة، والقرآن أيضاً يخاطب النبي قائلاً :

( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم واللّه سميع عليم ) . (التوبة : ١٠٣).

وعليكم انتم أيضاً يا جباة وزارة المالية أن تعتادوا حين تأخذون الضرائب أن تقولوا بعد ذلك قولاً جميلاً من قبيل : (بارك اللّه فيك) ولتكن العلاقة بين مستحصل الضرائب ودافعها علاقة رحمة ومودة، لا علاقة بطش وقوة، وهذا الأسلوب الحسن يتطابق تماماً مع تعاليم القرآن، صحيح أن هذه الآية قد نزلت في موضع خاص، ولكن محتواها ذو مفهوم عام، وكما يقول الاصطلاح الفقهي ورد منطوقها حول موضوع خاص ولكن مفهومها أوسع. فهذه ضريبة تؤخذ بالقوة وهنا نوجه حديثنا الى أرباب العمل وأصحاب المؤسسات هؤلاء ونسألهم : لماذا تدفعونها بالقوة ؟ إنها إن كانت تدفع أمس بالقوة فلأنها كانت تنفق في بناء قصر، او تبنى بها البلاجات على ساحل البحر لموظفي هذه الوزارة أو تلك، البلاجات التي لم يكن يستخدمها إلا الخواص المقربون، أما الموظفون الصغار والعمال والمستخدمون فلم يكونوا يرون هذه الأماكن مطلقاً، ولم تكن هذه الاماكن مجرد أماكن للاستراحة،

٨٧

بل كانت في كثير من الأحيان مراكز للفساد أيضاً، أما اليوم فليس الأمر كذلك، فحكومة الجمهورية الاسلامية تسعى اليوم لكي تصرف المبالغ لما يستحق أن تصرف له، ولا نقصد بذلك عدم وجود مبالغ تصرف جزافاً اليوم، بل نقصد أن الإطار العام يسير نحو وضع المبالغ في مواضعها الصحيحة، وإننا نسير يوماً بعد يوم وباذن اللّه وبمساعدتكم جميعاً بتخطيط أفضل نحو صرف كل ما نحصل عليه لما يستحق الصرف دونما اسراف أو تبذير، وبعيداً عن أي انحراف في الصرف، ونحو فرض ضرائب عادلة واستحصالها وصرفها بعدالة أيضاً، فلماذا إذن يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة تقولان : إننا نأخذها بالقوة ؟ لماذا لا تدفعها أنت بكل رغبة وعن طيب خاطر ؟

وحديثنا الذي نوجهه الى الفقهاء العظام هو أننا بالتأكيد نحترم آراءهم باعتبارها آراء فقهاء، ولكننا ندخل معهم في نقاش فقهي - كما اعتدنا أن نفعل في الحوزة - فننقد رأيهم ونبدي وجهة نظرنا التي تقول : إننا يمكننا طبقاً للموازين الاسلامية أن نفرض بعض الضرائب من أجل تلبية الحاجات الضرورية للمجتمع، وما هذا الضمان الذي يؤخذ من رب العمل إلا نوع من الضرائب، فاذا قيل إنهم كانوا يأخذونه سابقاً بالقوة فكان حراماً وكذلك الأمر حالياً، فليس ذلك كلاماً صحيحاً، فالفرق كبير بين الحالتين اذ ان ثورة قد حدثت وغيرت نظام الحكم، ولكن تغيير النظام لا يعني أنه ينبغي على المستشفيات التي كانت تقوم بخدمات للناس أن تترك هذا الأمر، وأن المدارس والمستشفيات التي كانت تُنشأ في ذلك العهد في القرى والمدن يجب أن لا تُنشأ اليوم، ان تغييراً كهذا لا يعتبر بالتأكيد تغييراً جيداً، إذ يجب الآن الاستمرار في بناء تلك المرافق الحيوية وبشكل أبسط وأكثر عمومية، وبمراعاة قدر اكبر من الأولويات، ولا يتم ذلك الا عن طريق فرض هذه الضرائب، وعلى هذا فاننا مع جزيل احترامنا للفقيه ولرأيه، ننقد رأيه نقداً منطقياً، وبكل انصاف واحترام فنقول : إنه لا يمكن ادارة المجتمع في الجمهورية الاسلامية دون نظام ضريبي يشمل - بشكل مؤكد - فرض ضرائب جديدة لم تصرح بها الآيات والروايات، ولم يرد لها اسم في أي منها.(١)

____________________

(١) من الطبيعي ان المبادئ والأسس الكلية التي وردت في الآيات والروايات تعطي للفقيه مثل هذا الحق حيث قال الأئمة لرواة أحاديثهم : اننا نلقي عليكم الأصول، ونذكر لكم الاحاديث والقواعد العامة، وعليكم أن تستخرجوا منها الفروع، وهذا هو بالضبط عمل الفقيه.

٨٨

ونحن نؤمن - بشأن الضرائب - أن فرض الضرائب العادلة والمنصفة لتنفيذ الخطط المهمة للجمهورية الاسلامية، أمر يتطابق مع المبادئ والأسس والقواعد العامة للنظام الاسلامي.

كيفية فرض الضرائب

بقي أن نتحدث عن كيفية فرض الضرائب حيث تقتضي الموازين الاسلامية أن يدفع هذه الضرائب الذين يملكون أكثر، حصةً أكثر منها، فهذا ما تقتضيه العدالة الاسلامية. ويشمل هذا الأمر كلاً من الضرائب على الدخل الصافي والتي هي أفضلها، والضرائب على الدخل الاجمالي، فهناك نوعان من الضرائب الاسلامية المحددة وهما :

الزكاة : التي هي ضريبة علي الدخل الاجمالي، أي انها ليست ضريبة على الربح، فكل مزارع يبلغ محصوله من القمح الحد المقرر تشمله هذا الضريبة.

الخمس (على فائض المؤونة) : وهي ضريبة على الدخل الصافي.

اذن هناك في الاسم كلا هذين النوعين من الضرائب ولكن كلاهما ضريبة مباشرة، ونستنبط من ذلك أن أساس نظام الضرائب في الاسلام يعتمد على الضرائب المباشرة، فالضرائب غير المباشرة لا تتناسب مع الخط العام للفكر الاسلامي إلا في حالات معدودة جداً وبشكل محدود، ففي الحالات التي تكلف بها بضاعة معينة بعض المصاريف للدولة، يمكن للدولة أن تضيف كمية هذه المصاريف الى ثمن تلك البضاعة ثم تبيعها للناس، فتكون الضريبة غير مباشرة في هذه الحالة، وكمثال على ذلك : يكلف انتاج السجائر الدولة بعض المصاريف، فتحسب الدولة هنا جميع المصاريف المتعلقة بزراعة التبغ وشرائه، ثم تحويله الى سجائر، ومصاريف جميع الدوائر التي تعمل في اعداد السجائر وانتاجها وتوزيعها، بما في ذلك وزارة الاقتصاد والمالية، ثم تقسم ذلك على السجائر المنتجة. وهذا أمر لا اشكال فيه، وربما لو دققنا في هذا الأمر جيداً لوجدنا أنه ليس ضريبة في أساسه بل هو في الحقيقة عملية بيع بضاعة بسعر الكلفة، ولكنها لو أرادت - اضافة الى هذه المصاريف التي تؤلف سعر الكلفة للسجائر - أن تضيف لكل سيجارة أو

٨٩

لكل عليه سجائر خمسة ريالات مثلاً من أجل تأمين المصاريف الحكومية، العامة، فهذه ضريبة غير مباشرة، وهذا النوع من الضرائب لا يتطابق مع قواعد التفكير الاسلامي، لأن دفع الضريبة سوف يتحمله هنا من يملكون ومن لا يملكون، سوية، ونحن لا نفهم مثل هذا الأمر من النظام العام للضرائب في الاسلام، بل الذي نفهمه أنه ينبغي على من يملك أكثر أن يدفع قدراً أكبر، وعليه يجب الانتباه الى أن ما يطلق عليه ضرائب غير مباشرة فيما يخص أسعار السجائر والسكر والنفط والبنزين وأمثال ذلك على نوعين، فبعضها ليس ضريبة في حقيقته ولكنهم أسموه بذلك، فلو تم حسابها وفقاً للنظام المتبع في خطوط الانتاج بحيث تحسب مصاريف البضاعة وفقاً للمحاسبة الصناعية التي تطبقها الدولة على البنزين، والنفط الأبيض، وزيت الغاز، وزيت المحركات، وأمثالها، ثم يؤخذ ما يساوي هذه المصاريف، فلن تعتبر ضرائب على الاطلاق،(١) ولكن لو تقرر حساب ذلك ضمن سعر الكلفة ثم باعت الدولة البنزين الذي يكلفها اللتر الواحد منه ثلاثة تومانات بخمسة تومانات من أجل تأمين مصاريفها العامة، فهذه ضريبة غير مباشرة، والذي نقوله هنا : ان هذا النوع من الضرائب لا يتوافق كثيراً مع المقاييس الاسلامية، فأساس الضرائب في الاسلام يتمثل في الضرائب المباشرة، وعليه فان هذه الضرائب سوف تكون بالنتيجة تصاعدية بالنسبة الى الدخل، اذ انه لو أخذ ألف تومان ممن يحصل على دخل مقداره خمسة آلاف تومان وعشرين ألفاً ممن يحصل على مئة ألف فالقضية غير منسجمة حسب الظاهر، وعليه ينبغي للضرائب أن تكون مباشرة وتصاعدية، وهذا أمر يتوافق تماماً مع روح تعاليم الاسلام الاقتصادية، من هذا المنطلق جاء موقفنا الفقهي الحاسم يعتمد في ادارة المجتمع الاسلامي وتأمين مصاريفه الضرورية على الضرائب التصاعدية المباشرة التي تفرضها الدولة الاسلامية، وولي أمر المسلمين، ويأخذانها ويصرفانها وفقاً للظروف الزمانية والمكانية، والتي يتلخص أساسها الفقهي فيما مرّ بنا.

____________________

(١) الحقيقة أن الجميع يعلمون أن النفط والبنزين اللذين نستهلكهما الآن (وكنا نستهلكهما من قبل) يمثل المبلغ الذي ندفعه ثمناً لهما عشر ثمن كلفتهما، أما الأعشار التسعة الباقية فتدفعها الدولة، إذن وبعد ما أضيف مؤخراً من الزيادة الى سعر البنزين أصبح سعره عادياً، أي أننا لو أردنا شراء لتر من البنزين الذي تنتجه الكويت دون أن ندفع أية ضريبة لكلفنا السعر نفسه، فالحكومة اذن كانت ولحد الآن بدل أن تأخذ ضريبة تدفع شيئاً من السعر.

٩٠

ملاحظة لأصحاب الرأي

هناك ملاحظة أقدمها لجميع أصحاب الرأي من فقهاء واجتماعيين، والسائلين من الإخوة والأخوات، وهي أنه يجب الانتباه الى أن حمل مسؤولية الدولة اليوم أثقل كثيراً مما كان عليه في الأزمنة السابقة، فلنر ماذا كان يطالب الناس الدولة به قبل مئتي عام ؟ لقد كانت طلبات الناس تنحصر فقط في الأمن والنظام ولا غير، هل كانت الدولة مسؤولة قبل مئتي عام عن توفير الخبز للناس ؟ هل رأيتم دولة قبل مئتي سنة تحملت مسؤولية توفير المدارس ؟ هل وجدتم الناس في تلك الأزمنة يقفون أمام دار الامارة ويقولون بأنه لا توجد مدرسة في قريتهم أو محلتهم، أو يطالبون بشق الطرق واقامة الجسور والسدود؟

ان الناس اليوم بحاجة الى هذه الأمور، ولو لم تنجزها الدولة فسوف لن ينجزها أحد أبداً، ولا يمكن قياس مصاريف الدولة اليوم بما كانت عليه سابقاً، فهي الآن كبيرة جداً، ولا ينبغي - من الناحية الفقهية - أن ننظر الى البلدان النفطية فقط، لأن الفقه لا يختص فقط بهذه البلدان، يقولون قد يحدث بعد ثلاثين أو أربعين عاماً (لا سمح اللّه) أن ينفد نفطنا وحينذاك لن نعود مسلمين، ولكن توجد الآن بلدان مسلمة لا تملك النفط، فمثلاً لو أقيمت جمهورية اسلامية في بنغلادش أو باكستان فماذا يجب عمله حينذاك ؟ فهذان بلدان اسلاميان لا يملكان نفطاً، ويسكنهما عدد كبير من السكان(١) ، فماذا ينبغي ان نعمل في مثل هذه الحالة ؟ هل يمكننا أن نتخلى عن بناء المدارس وشق الطرق وإقامة السدود لعامة الشعب، أو ان نحجم عن مكافحة الأمراض السارية بعدم إنشاء جهاز وقائي واسع ؟ وهل يمكننا أن لا نملك مستشفيات وأدوات علاج، وجيشاً، وجهاز قضاء منظم، وشرطة وقوى المحافظة على النظام في داخل المدن، وخارجها ؟ وأن لا نستعد لتفادي الاضرار الناجمة عن السيول والزلازل وأمثالها ؟ ولو أردنا أن نقوم بكل هذه الاشياء فهل يمكننا ذلك بالاعتماد فقط على الخمس والزكاة والجزية والخراج ؟

ان شيئاً كهذا ليس ممكناً بالتأكيد، فمن السهل جداً أن نحسب ما تحصل

____________________

(١) يبلغ سكان بنغلادش حوال (٩٠) مليوناً يشكل المسلمون ما يقرب ال(٨٠) مليوناً منهم.

٩١

عليه بنغلادش اليوم من دخل وطني وحكومي - والذي نجد جميع أرقامه في متناول أيدينا - لكي يتوضح أنه لا يكفي لانجاز كل ذلك فلو كنت أنا فقيهاً مسلماً ايرانياً أو بنغالياً وجاءني مسلم بنغالي ليسألني عما يجب عمله في هذه الحالة، وهل يحق للدولة أن تفرض ضرائب غير تلك الضرائب المقررة والمنصوص عليها، فبماذا ينبغي لي اجابته ؟ هل ينبغي أن أقول له ان محدودية الضرائب في الاسلام تقتضي أن لا يكون لحكومتكم جواب في مقابل طلبات الشعب واحتياجاته إلا : «لا نملك مالاً» ؟ أم يجب أن اقول له انه لا يوجد لدى الدولة مال حالياً، ولكن بعد مساعدة كافة أبناء الشعب البنغالي المسلم، واشتراك هؤلاء ال(٩٠) مليوناً في دفع الضرائب المباشرة التي تقررها الدولة حسب دخول الافراد - إضافة الى تلك الضرائب الاسلامية المنصوص عليها - سوف تخطط الدولة وتضع برامج تجعل من الشعب البنغالي الفقير شعباً قوياً وغنياً، ومن المؤكد أن مساحة الأرض التي يعيش عليها ال(٩٠) مليون بنغالي أكبر من مساحة اليابان، وأغنى منها من حيث المصادر الطبيعية، وسكانها أقل عدداً من سكان اليابان، وينبغي للنظام الاسلامي الواعي والمقتدر أن يعمل جادّاً في سبيل البلوغ ببنغلادش الى قمة العزة التي أرادها الاسلام والقرآن للمسلمين، ولن يتم ذلك دون فرض ضرائب جديدة لم يرد بشأنها نص خاص في الآيات والروايات (أي لم تذكر صراحة في الآيات والروايات)، ونحن نستنبط ذلك من المبادئ العامة لادارة المجتمع الاسلامي، ونأمل أن يكون استنباطنا هذا - مع ما أوردنا بشأنه من استدلال - مقبولاً لدى جميع من لهم رأي في هذا الامر، إن شاء اللّه.

أسئلة وأجوبة

س - هل ينبغي في عهد الحكم الحالي دفع الخمس الى الدولة الاسلامية، أم يجب صرفه في الطريق السابق نفسه ؟

ج - في الظروف الحالية، لو صرفت الزكاة والخمس بالكيفية نفسها التي كانت تصرف بها سابقاً بحيث يخفف عن الدولة ثقل الأعمال الخاصة بأخذها وصرفها، فإن ذلك أكثر توافقاً مع المصالح العامة لثورتنا ومجتمعنا، فلو سارت الأعمال في وقتٍ ما بالاتجاه الذي يجعل عكس ذلك أكثر توافقاً مع المصالح العامة فلا اشكال في ذلك، إذ يمكن حينئذ اتباع أسلوب آخر، ولكن في

٩٢

الظروف الحالية هناك كثير من الأعمال التي ينجز بعضها بمساعدة الناس ومشاركتهم فيه، وبوجود الشخصيات التي يعتمدون عليها، وحول محور العلماء والقادة الدينيين، وينجز البعض الآخر من قبل الناس أنفسهم.

ومن المبادئ التي نؤكد عليها في نظامنا الاقتصادي والاجتماعي - والتي تعتمد على أساس المعايير والتعاليم الاسلامية - أنه يجب في المجتمع الاسلامي أن تسعى الدولة من جهة الى الاهتمام بمصالح الناس كافة وتحقيقها، وأن تكون الأعمال غير حكومية قدر الامكان من جهة أخرى.

ان مشاركة جماهير الشعب في انجاز الأعمال بشكل لا يؤدي قدر الامكان الى ادارة المجتمع ادارة حكومية مبدأ من مبادئ النظام الاجتماعي والاقتصادي في الاسلام، وعلى هذا الأساس نقول : إن هناك تياراً شعبياً تبنّى القيام بهذا الأمر فيما يخص هذا المجال حالياً بحيث أن الدولة لم تتدخل فيه، وقد أكد الامام الذي هو على رأس الحكومة في جوابه لسؤال ورده بهذا الشأن على استمرار صرف هذه الضرائب بالاتجاه نفسه الذي سارت عليه لحد الآن، ومن المؤكد أن مراقبة الناس تجعل هذه الضرائب تصرف فيما هو أفضل وأكثر مساهمة في البناء، وهذه مسألة تتوافق مع المبادئ العامة الموجودة بهذا الشأن.

س - يلاحظ أن البنوك لا تراعي المبادئ الاسلامية لأن مدراءها لا يعرفون شيئاً عن الاقتصاد الاسلامي، أفليس من الأفضل أن تعين الدولة في البداية مديراً عارفاً بالاقتصاد الاسلامي لكي تراعى هذه المبادئ ؟

ج - ان بحوثنا هذه تهدف الى تعريف العاملين في ادارة اقتصاد البلاد بالمفاهيم الاسلامية تدريجياً.

س - ألا يؤدي دفع غير المسلمين نوعاً واحداً من الضرائب الى نمو رؤوس أموالهم تدريجياً بشكل يؤدي الى بروز نوع من الرأسمالية ؟

ج - تؤخذ من غير المسلمين عدة انواع من الضرائب أيضاً ولكنهم بعد ذلك لا يدفعون الضرائب المختصة بالمسلمين، بل يدفعون الأموال بطريقة أخرى.

س - هل يشمل الخمس المال الحلال ؟

ج - نعم، لو زاد عن المصاريف السنوية فان الخمس يشمل حلاله مرة وحرامه مرتين.

٩٣

س - ما هو رأيكم في الرأسماليين الكبار الموجودين في أسواقنا ومجتمعنا ؟ وكيف يمكن موازنة الثروة ؟

ج - بتنفيذ المادة (٤٩) من الدستور يمكن حل الكثير من المسائل شريطة أن يكون لدينا جهاز قضائي وثقافي جيد، مع جهاز تدقيق وتفتيش مناسب، وهنا أود أن أقول لجميع الذين انهمكوا في المطالعة وتحصيل العلم وبناء الذات ، إن الجمهورية الاسلامية تواجه نقصاً في المحاسبين والمدققين،(١) فنحن بحاجة شديدة - في تطبيق المادة (٤٩) من الدستور - الى محاسبين ومدققين يوضحون لنا - حسب ما نعطيهم من مقاييس - مقدار الجزء غير المحلل من أموال هؤلاء لكي نسترجعه منهم، ثم نشركهم في تحمل قسط من نفقات الدولة يدفعونه من المقدار الباقي والمحلل من اموالهم وذلك باخضاعهم لنظام ضرائبي تصاعدي. سيقولون لنا : انكم وأمثالكم تقولون ما لا تفعلون وهذا ما يؤدي الى شيوع القلق واضطراب الأوضاع، وهذه مشكلة بالطبع، ولكننا لو لم نجب عن هذا النوع من الاسئلة فقد يؤدي ذلك الى أن تفقد الجماهير - التي فجرت الثورة - ثقتها بالاسلام والثورة الاسلامية، وتتصور أننا لم نضع حلولاً لهذه المشاكل والامور. أيها الإخوة والأخوات ! إننا قد وضعنا حلولاً إسلامية لجميع هذه الأمور، ولكننا يجب علينا جميعاً أن نتحدث بأقل ما يمكن، ونعمل بأكبر قدر ممكن، ولو اعتمدنا جميعاً على العمل المنظم المترافق مع التخطيط اللازم، فسوف نحد من المشاكل.

س - هل يمكن في المجتمع الاسلامي، مع وجود مجلس اقتصادي للبلاد

____________________

(١) فمن الوحدات الأولى التي يجب على مجلس الثورة الثقافية إنشاؤها، وحدات يمكنها وبأسلوب ثوري جديد تربية المحاسبين والمدققين، ولن تتم هذه القضية بشكل عاجل بحيث تجتمع مجموعة من الأفراد في مكان واحد وتستدعي بعض الأساتذة من البنوك والوزارات ثم تقرأ عليهم كراساً معيناً، لأن هذا أمر لا يجدي شيئاً، بل يجب علينا أن نعمل بأسلوب ثوري من أجل تربية فريق من المدققين مع حضورهم في ميدان العمل، ونأمل من المتخصصين المؤمنين والثوريين المضحين أن يخصصوا مقداراً من أوقاتهم لهذا العمل، ويتعاونوا مع مجلس الثورة الثقافية لانجازه بأسلوب دروس المراسلة المتبع منذ القدم، أو بالاستفادة من شبكات التلفزيون الواسعة الانتشار، بأسلوب صحيح وبعد تشخيص افراد ملتزمين وجديرين بالثقة، ثم الاعتماد عليهم في انجاز ذلك، فالمسألة هذه تشبه أن نأتي بطبيب ليعالج أبناءنا حيث لا نأتي به ان لم نثق بأنه يعالجهم بإخلاص ولا يخوننا في ذلك (كالطبيب الذي لا يهمه الا جمع المال وكتابة وصفة دواء طويلة وعريضة تحتوي على أدوية غير نافعة)، وهكذا الحال بالنسبة للمعلم والقاضي وأمثالهما، وكذلك بالنسبة للمحاسب والمدقق، إذ ينبغي أن يحظى كل منهم بثقتنا، وسواء أدى القسم أم لم يؤده، فان هذا من المراسم الثانوية.

٩٤

أن نستحصل بتشخيص هذا المجلس ضرائب حتى بنسبة ٩٩ % ؟ وهل هذا أمر يتطابق مع الشرع ؟

ج - لقد وضعنا ضريبة خاصة بالموارد المالية لكتّاب العدل تصل نسبتها الى ٩٥ % فحين جئنا الى السلطة القضائية كانت هناك مشكلة تمثلت في وجود خلاف بين هؤلاء الكتاب والعاملين في مكاتبهم بحيث قام هؤلاء باضرابات، وشكلوا طوابير طويلة، فقلنا : إن الاضراب وتشكيل الصفوف لن يثنيانا عن تنفيذ القانون، فقد أقررنا لائحة قانونية تصاعدية تقضي بأنه لو بلغ الدخل الاجمالي الشهري لكاتب العدل من رسوم التسجيل - الذي يشكل المبلغ الرئيس لدخله - أربعين ألف تومان، توجّب عليه أن يدفع ١٥ % منه من أجل سد احتياجات العاملين في مكاتبهم، وتصل هذه النسبة الى ٢٥ % فيما لو وصل الدخل إلى ما بين (٤٠) و(٥٠) ألف تومان، وهكذا تتصاعد هذه النسبة حتى اذا بلغ الدخل اكثر من مئة ألف تومان أصبحت ٩٥ % وتقرر تأسيس صندوق تودع فيه هذه المبالغ ثم يوزع قسم منها وفقاً لنظام داخلي خاص بين العاملين في هذه المكاتب من مستخدمين وموظفين وكتاب وأمثالهم، ويصرف البعض الآخر للاغراض الخاصة بسكن هؤلاء وتقاعدهم ومصاريفهم الأخرى، وعلى كل حال فقد طبقنا نموذجاً من هذا العمل، وفي نهاية عام ١٣٥٩ ه - ش (١٩٨٠ م) أبلغنا مسؤول كتاب العدل - الذي يشغل منصب معاون وزير العدل أيضاً وفي اجتماع حضره ممثلو كتاب العدل ومسؤولوهم في المحافظات - أنه اذا لم يقم أيّ من كتاب العدل بتصفية حساباته حتى تاريخ معين عندئذٍ يجب التحقيق في قضيته ومعاقبته والغاء امتيازه، اذن العمل هو الأساس ولكن يجب أن يكون هذا العمل منطلقاً في الحقيقة من تلك الدوافع التي أرادها الاسلام للحياة، فالاسلام يريد من أعضاء المجتمع الاسلامي ان يعيشوا معاً برحمة وشفقة، ونحن أيضاً نهدف الى تحقيق تلك الحلول التي تمكننا من أن نعيش برحمة وشفقة، فمن لم يقبل بهذه الحلول الرحيمة فسوف نخاصمه، وفيما عدا ذلك ليس صحيحاً أن نستعمل معه منذ الآن الفؤوس والحجارة اذ لا يتطابق ذلك مع المعايير الاسلامية، فالاسلام يدعو الدولة الاسلامية الى رعاية هذه المعايير والضوابط من أجل اعداد حلول معقولة ومنطقية وبناءة وتطبيقها، ولو وقف أحد في طريقها وجبت عندها معاقبته، أما بداية العمل في النظام السلامي فليست بالحرب والخصام بل بالارشاد والترغيب والتوجيه والتحفيز وحين يصطدم هذا

٩٥

لتصفية حسابه تكون ملكيته عشرة ملايين تومان، وعندما يفارقنا يجد ملكيته قد هبطت الى (١٥) ألف تومان، ولكنه أخونا على كل حال. أمّا لو أراد الالتفاف على دعوة الاسلام الحقة، والوقوف في وجه هذه الحلول الأخوية والودية، واتجه الى عبادة المال بدل عبادة اللّه - مما يعتبر نوعاً من الشرك والميل الى مخالفة اللّه - فيجب علينا حينئذٍ ارشاده بالأساليب والدرجات المختلفة التي وردت حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم توجيه اللوم اليه، وتوبيخه، وبعدها نقده أمام الملأ، ثم معاقبته أمام الناس، فإن لم يؤثر كل ذلك وجب علينا تضييق الخناق عليه، فإن لم يُجدِ معه ذلك أجبرناه على العمل بما يجب عليه، أي أن نطبق الدرجات نفسها التي أوجبها الاسلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعليه يجب عليكم أن تبلغوا كل الذين يرغبون في أن يكونوا اخوة أعضاء في مجتمع الجمهورية الاسلامية النداء الذي يدعوهم الى المجيء لكشف حساباتهم وتصفيتها، وتسديد الديون المستحقة عليهم، ووضع ما لديهم من مبالغ إضافية تحت تصرف الامة، ونحن أيضاً نود أن يتآخى الجميع، وأن نتحدث إليهم بلغة الأخوة، ونطلب من الذين لا يفهمون من الثورة الا أنها تخاطبهم بلغة القوة والعنف، أن يعيدوا النظر في أقوالهم وأفكارهم، فالاسلام يتحدث بالقوة والعنف، ولكن ذلك ليس في المرحلة الابتدائية، واننا لن نتخلى عن هذه القيم الاسلامية بأية صورة كانت.

لو توهم البعض أن بامكانهم جرنا الى الأساليب المستوردة، وجعل لغة الثورة الاسلامية مقتصرة على لغة العنف، بحجة ان النظام الفلاني لا يتحدث إلا بالعنف، فإننا نقول لهم بأننا مسلمون، وُلِدنا مسلمين وسنموت مسلمين.

وعليه يجب بعد مراعاة أكمل الأساليب والحلول الاسلامية والالتزام بها، حل هذه المشكلة المستعصية، والمتمثلة في وجود الثروات التي جمعت من الحرام وذلك بتطبيق المادة (٤٩) من الدستور، وكذلك الثروات المحلّلة الضخمة بفرض ضرائب تصاعدية عليها من أجل تلبية الحاجات الضرورية للمجتمع الاسلامي وتنفيذ الخطط اللازمة لذلك.

نسأل اللّه أن يرزق جميع أبناء شعبنا، اليقظة والصبر، وقوة التدبير والتخطيط والتطبيق اللازمة لتنفيذ هذه المبادئ الاسلامية.

الابعاد الاساسية لفصل الاقتصاد في دستور الجمهورية الاسلامية

٩٦

٩٧

٩٨

٩٩

سبعة أبعاد أساسية

ان قضية توضيح الدستور وشرحه والأهداف التي يجب علينا بلوغها من ذلك، قضية مهمة لدى شعبنا البطل، وانني لسعيد إذ أولى التلفزيون التعليمي هذه القضية اهتماماً كبيراً منذ فترة من الزمن، فخصص برامج تهدف الى تعليم مبادئ الدستور وشرحها للجميع.

يعتبر فصل الاقتصاد من دستور الجمهورية الاسلامية واحداً من فصوله المهمة والحساسة، فقد سعى بشكل عام في هذا الفصل الى تحقيق أهداف سوف أذكرها أوّلاً، ثم أذكر شيئاً من التوضيح حول المادة (٤٣) من الدستور والتي أعدت ووضعت لتحقيق هذه الأهداف.

وقد قصدت بشكل مجمل سبعة أهداف أساسية من فصل الاقتصاد والشؤون المالية في الدستور وهي :

١ - مكافحة الفقر وتلبية الحاجات الأساس لكل فرد على ضوء عمله المبدع وقيمته الفائضة التي ينتجها في المجتمع.

٢ - منح الفرد فترة من الوقت حرة ليحصل على فرصة مناسبة لبناء ذاته، ونموه الانساني، ورفع معنوياته، وبتعبير آخر لا ينبغي في النظام الاقتصادي للجمهورية الاسلامية - للسعي نحو تلبية الحاجات الاقتصادية - أن يستهلك كل

١٠٠