الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام0%

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 216

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف:

الصفحات: 216
المشاهدات: 59496
تحميل: 4931

توضيحات:

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59496 / تحميل: 4931
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف:
العربية

5 ـ بل إننا نجد بعض المؤلفين في الأصول ، قد عقد باباً في كتابه ، لكون قول الصحابي فيما يمكن فيه الرأي ملحق بالنسبة لغيره ، أي لغير الصحابي بالسنة. وقيل : إن ذلك خاص بقول الشيخين : أبي بكر ، وعمر(1) .

6 ـ وحينما أُخبِرَ عمر بقضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المرأة التي قتلت أخرى بعمود : « كبّر. وأخذ عمر بذلك ، وقال : لو لم أسمع بهذا لقلت فيه »(2) .

7 ـ ثم هو يصر على رأيه فيمن تحيض بعد الأفاضة ، رغم إخبارهم إياه بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها(3) .

8 ـ وفي قصة التكنية بأبي عيسى ، نرى عمر لا يتزحزح عن موقفه ، رغم إخبارهم إياه : بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أذن لهم بذلك ، وتصديق عمر لهم لكنه عده ذنباً مغفوراً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (4) .

9 ـ وقال عمر بن عبد العزيز : « ألا إن ، ما سنه أبو بكر وعمر ، فهو دين نأخذ به ، وندعو إليه ». وزاد المتقي الهندي : « وما سن سواهما فإنا نرجيه »(5) .

__________________

1 ـ فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت المطبوع مع المستصفى ج 2 ص 186 وراجع التراتيب الإدارية ج 2 ص 366 / 367.

2 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 10 ص 57.

3 ـ الغدير ج 6 ص 111 / 112 عن عدة مصادر.

4 ـ راجع : سنن أبي داود ج 4 ص 291 وسنن البيهقي ج 9 ص 310 وتيسير الوصول ط الهند ج 1 ص 25 والنهية لابن الأثير ج 1 ص 283 والإصابة ج 3 ص 388 والغدير ج 6 ص 319 / 310 عنهم وعن الأسماء والكنى للدولابي ج 1 ص 85.

5 ـ كنز العمال ج 1 ص 332 عن ابن عساكر وكشف الغمة للشعراني ج 1 ص 6 والنص له

وفي رسالة عمر بن عبد العزيز لأبي بكر ، ومحمد بن عمرو بن حزم : « اكتب إلي بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله ، وبحديث عمر ، فإني الخ » سنن الدارمي ج 1 ص 126. لكن في تقييد العلم ص 105 و 106 وهوامش : « أو حديث عمرة بنت عبد الرحمن » وهي امرأة أنصارية أكثر ما تروى عن عائشة.

وراجع : السنة قبل التدوين ص 328 ـ 333 ، وتاريخ السنة المشرفة ص 226

=

١٠١

وذكر في كنز العمال : أن فتوى عمر تصير سنة.

10 ـ وفي حادثة أخرى : نجد عمر لا يرتدع عن مخالفته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى يستدل عليه ذلك الرجل بقوله تعالى :( لقد كان لكم في رسول الله أسوة ) (1) .

11 ـ وقد رووا : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين »(2) .

وبهذا استدل الشافعي على حجية قول أبي بكر وعمر.

مع أن المقصود بالخلفاء الراشدين هو الأئمة الإثنا عشر ،عليهم‌السلام لكن هذا اللقب سرق منهم (ع).

12 ـ وعثمان بن عفان يقول : « إن السنة سنة رسول الله ، وسنة صاحبيه »(3) .

13 ـ كما أن عبد الرحمن بن عوف يعرض على أمير المؤمنين : أن يبايعه على العمل بسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسنة الشيخين أبي بكر وعمر ، فيأبىعليه‌السلام ذلك ، ويقبل عثمان ، فيفوز بالأمر(4) .

14 ـ وخطب عثمان حينما بويع ، فقال : « إن لكم عليّ بعد كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه صلى عليه وآله ثلاثاً : إتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم

__________________

=

و 227 وتاريخ الخلفاء ص 241 والجزء الأول من كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم.

1 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 2 ص 382.

2 ـ راجع : الثقات لابن حبان ج 1 ص 4 وحياة الصحابة ج 1 ص 12 ، وعن كشف الغمة للشعراني ج 1 ص 6.

3 ـ سنن البيهقي ج 3 ص 144 ، والغدير ج 8 ص 100 عنه.

ولتراجع رواية صالح بن كيسان والزهري في تقييد العلم ص 106 / 107 وفي هامشه عن العديد من المصادر وطبقات ابن سعد ج 2 ص 135.

4 ـ راجع قصة الشورى في أي كتاب تاريخي شئت

١٠٢

عليه ، وسننتم ، وسنّ سنة أهل الخير فيما لم تسنّوا عن ملأ »(1) .

15 ـ وبعد فإن الأمويين يصرون على معاوية : أن يصلي بهم صلاة عثمان بن عفان في منى تماماً ، ويرفضون الاستمرار على صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رغم اعترافهم بذلك

وعثمان نفسه يصر على رأيه في مقابل سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رغم اعترافه بأن ذلك رأي رآه(2) .

وقد عرض عثمان على أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يصلي بالناس في منى ، فلم يقبلعليه‌السلام إلا أن يصلي بهم صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيأبى عثمان ذلك ، ويأبى هو القبول : « وقد استمر الأمراء على صلاة عثمان فيما بعد ذلك »(3) !.

16 ـ بل إننا لنجد ربيعة بن شداد لا يرضى بأن يبايع أمير المؤمنينعليه‌السلام . على كتاب الله وسنة رسوله ، وقال : على سنة أبي بكر وعمر. فقال له عليعليه‌السلام : « ويلك ، لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسوله لم يكونا على شيء الخ »(4) .

17 ـ وحتى معاوية فإنه يصر على رأيه ، ويرفض الحكم النبوي بشكل

__________________

1 ـ حياة الصحابة ج 3 ص 505 عن تاريخ الطبري ج 3 ص 446.

2 ـ راجع البداية والنهاية ج 3 ص 154 وحياة الصحابة ج 3 ص 507 / 508 عن كنز العمال ج 4 ص 239 عن ابن عساكر والبيهقي ، والغدير ج 8 ص 101 / 102 عن المصادر التالية : أنساب الأشراف ج 5 ص 39 والطبري ج 5 ص 56 حوادث سنة 29 ، والكامل لابن الأثير ج 3 ص 42 والبداية والنهاية جح 7 ص 154 ، وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 386.

3 ـ راجع : الكافي ج 4 ص 518 / 519 والوسائل ج 5 ص 500 / 501 وحاشية ابن التركماني ذيل سنن البيهقي ج 3 ص 144 / 145 والغدير ج 8 ص 100 عنه وعن المحلى ج 4 ص 270 وليراجع الغدير ج 8 ص 98 ـ 116.

4 ـ بهج الصباغة ج 12 ص 203.

١٠٣

صريح(1) .

18 ـ وحينما ينكر أبو الدرداء على معاوية بعض قبائحه ، ويذكر بنهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، نجده يقول : أما أنا فلا أرى به بأساً(2) .

19 ـ وقد كتب ابن الزبير إلى قاضيه يأمره بأن يعمل بفتوى أبي بكر في الجد ، فيجعله أباً لأن النبي صلى عليه وآله قال : لو كنت متخذاً خليلاً دون ربي لاتخذت أبا بكر إلى أن قال : « وأحق ما أخذناه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه »(3) .

20 ـ كما أن عطاء قد استدل بقضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العُمْرَى ، فاعترض عليه رجل ـ وقد صرحت بعض النصوص بأنه : الزهري!! ـ بقوله : «لكن عبد الملك بن مروان لم يقض بهذا » أو قال : « إن الخلفاء لا يقضون بذلك » فقال : بل قضى بها عبد الملك في بني فلان(4)

21 ـ واعترض البعض على مروان : بانه أخرج المنبر ، ولم يكن يخرج ، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة ، وجلس في الخطبة. فقال له مروان : « إن تلك السنة قد تركت »(5) .

22 ـ بل لقد بلغ بهم الأمر : أن ادعى البعض : أن من خالف الحجاج فقد

__________________

1 ـ راجع : المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 201.

2 ـ راجع : شرح النهج للمعتزلي ج 5 ص 130 والموطأ المطبوع مع تنوير الحوالك ج 2 ص 135 ، وسنن البيهقي ج 5 ص 280 وسنن النسائي ج 7 ص 277 ، واختلاف الحديث للشافعي بهامش الأم ج 7 ص 23 والغدير ج 10 ص 184 عن بعض من تقدم.

3 ـ مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 4 وراجع ص 5.

4 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 9 ص 188 وسنن البيهقي ج 6 ص 174.

5 ـ لسان الميزان ج 6 ص 89.

١٠٤

23 ـ وعن ابن عباس : السنة سنتان : من نبي ، أو من إمام عادل(1) .

24 ـ وقضية إمضاء عمر للطلاق ثلاثاً ، لأنهم استعجلوا ذلك تدل على أنه كان يرى أن لهم الحق في ذلك(2) .

إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه(3) .

هذا كله عدا عن ادعائهم :

نزول الوحي على الخلفاء ،

وأفضلية الخليفة على الرسول ،

ونزول الوحي على الحجاج ، والخلفاء وغير ذلك

ولقد صدق أمير المؤمنينعليه‌السلام حينما قال في كتابه للأشتر : « فإن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار ، يعمل فيه بالهوى ، وتطلب به الدنيا »(4) .

الأئمة عليهم‌السلام في مواجهة الخطة :

إنما نتحدث هنا عن موضوع مواجهة هذه الخطة بمقدار ما يرتبط بمواقف الإمام الحسنعليه‌السلام منها وإن كانت الأساليب التي اتبعها الأئمة في هذا الصدد كثيرة ومتنوعة.

وقد تقدم بعض ما يرتبط بمواقف الأئمةعليهم‌السلام من قضية التمييز

__________________

1 ـ كنز العمال ج 1 ص 160.

2 ـ راجع : تفسير القرآن العظيم ( الخاتمة ) ، ج 4 ص 22 والغدير ج 6 ص 178 ـ 183 عن مصادر كثيرة.

3 ـ راجع أيضاً المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 258 / 259 و ج 88 و 475 / 476 وطبقات ابن سعد ج 2 قسم 2 ص 134 ـ 136.

4 ـ راجع عهد الأشتر في نهج البلاغة ، بشرح عبده ج 3 ص 105 وعهد الاشتر موجود في كثير من المصادر.

١٠٥

العنصري البغيض ، وتقدم كذلك بعض اللمحات عن موقف أمير المؤمنين وغيره من الأئمة ، ومنهم الإمام الحسنعليه‌السلام من قضية الحديث والرواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وحيث إننا لا نستطيع الإلمام ـ في عجالة كهذه ـ بكل ما يرتبط بمواقف الأئمة الهادفة إلى إفشال تلك الخطة ، لأن ذلك يستدعي تأليف كتاب مستقل ، وقد لا يكفي له العديد من المجلدات وبما أن أهم عنصر تستهدفه تلك الخطة هو عنصر الإمامة والخلافة ، والأحقية بالأمر. وبمعالجتها ، واتخاذ الموقف الصحيح منها ، لا يبقى لمجمل تلك الخطة تأثير يذكر ، ولا خطر يخاف. ـ من أجل ذلك فإننا سوف نقتصر هنا على الإشارة إلى لمحات من مواقفهمعليهم‌السلام ـ وبالأخص موقف الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام ـ من هذه القضية بالذات فنقول :

قضية الإمامة هي الأساس :

ليس خافياً على أحد مدى خطورة النتائج التي سوف تتمخض عنها تلك السياسة ، التي تقدمت لمحات خاطفة وسريعة عن بعض خيوطها وفقراتها سواء على الإسلام ، أو على المسلمين ، في الحاضر ، أو في المستقبل. والأخطار المستقبلية هي الأعظم ، وهي الأدهى وقد أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث معروف : بأن في كل خلف عدول ينفون عنه ( أي عن الإسلام ) تحريف الغالين.

وقد عودنا الأئمةعليهم‌السلام : أنهم باستمرار يعيشون بالقرب من الأحداث ، ويتواجدون دائماً وأبداً في صميمها وفي العمق منها ، حتى إن المطالع للتاريخ ليجد ـ نتيجة لذلك التواجد ـ أن قضايا أهل البيت بصورة عامة ، وقضية أحقيتهم بالأمر ، وإمامتهم على الخصوص ، تبقى على الدوام محتفظة بحيويتها وعمقها في ضمير الأمة وفي وجدانها.

وأن كل صراع ، فإنما له ارتباط مباشر أحياناً ، أو غير مباشر أحياناً أخرى بهذه القضية بالذات ، حتى ليصرح الشهرستاني بقوله :

١٠٦

« وأعظم خلاف بين الأمَّة خلاف الإمامة ، إذ ما سُلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان »(1) .

وقد رأينا أن تلك الخطة الملعونة التي أسلفنا الإشارة إليها ، إنما كانت تستهدف بالدرجة الأولى قضية الإمامة بالذات ، الأمر الذي يعني : أن الخصوم قد أدركوا مدى خطورة هذه القضية ، على مجمل خطهم ، على المدى البعيد

كما أننا نجد في المقابل : أن تواجد أئمة أهل البيتعليهم‌السلام على الساحة ، ورصدهم الأحداث بدقة ووعي ، وإحساسهم العميق بالمسؤولية الإلهية والإنسانية الملقاة على عواتقهم تجاه هذه السياسة ، التي رأوا فيها خطراً داهماً ، يتهدد كيان الإسلام ومصيره على المدى البعيد إن كل ذلك لم يترك لهم أي خيار ، سوى خخيار المواجهة لهذه السياسة ، والعمل على إفشالها ، فإن ذلك واجب شرعي ، ومسؤولية إلهية ، لا يمكن التساهل ولا التواني فيها على الإطلاق : إذ على حد تعبير العبد الصالح حجر بن عدي الكندي : « إن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل علي بن أبي طالب »(2) .

نعم وقد أدوا عليهم الصلاة والسلام ، وشيعتهم الأبرار وضوان الله تعالى عليهم واجباتهم على أكمل وجه في هذا المجال ، وفي كل مجال وبذلوا جهوداً جبارة ، وتعرضوا لمختلف أنواع القهر ، والاضطهاد والبلاء ، نتيجة لمواقفهم ومواجهاتهم تلك وبذلوا مهجهم الغالية في هذا السبيل

وذلك لأن قضية الإمامة بنظرهم هي قضية الإسلام الكبرى ، وعلى أساس الاعتقاد بها يتحدد اتجاه الإنسان ، وخطه الفكري ، ثم السياسي ، بل وحتى الاجتماعي في الحياة. فهي المنطلق والأساس لكل المفاهيم ، والاعتقادات ، والقضايا التي يؤمن بها ، والمواقف التي يتخذها ، والمصير الذي ينتهي إليه ـ.

وعلى هذا الأساس ، فإننا نجد الأئمةعليهم‌السلام على استعداد للاستفادة

__________________

1 ـ الملل والنحل ج 1 ص 24.

2 ـ البداية والنهاية ج 8 ص 51.

١٠٧

من عنصر التقية الإيجابية البناءة ، وإيثار الله عند مداحض الباطل في مكان التقية بحسن الروية ، على حد تعبير الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام(1) وهو يؤبن أخاه الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه.

ـ إنهمعليهم‌السلام يستفيدون من عنصر التقية في كل القضايا ، باستثناء قضية الإمامة ، وشؤونها لأنهم أدركوا : أن التقية من شأنها أن تحفظ كل تلك القضايا إلا قضية الإمامة ، وأحقيتهم بالأمر ، فإنها يمكن أن تضيعها

وإذن ومن أجل درء الخطر الذي يتهدد كيان الإسلام ووجوده من الأساس فقد كان لا بد من بذل المهج ، وخوض اللجج ، من أجل أن( يحق الله الحق بكلماته ، ولو كره المجرمون ) (2)

ومن الأمثلة على ذلك قول الإمام الكاظمعليه‌السلام : السلام عليك يا أبة ، وذلك حينما جاء الرشيد إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : السلام عليك يا ابن عم ، في محاولة منه لإظهار : أن خلافته تتسم بالشرعية ، لاتصاله نسباً بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكونه ابن عمه ـ وقد نشأ عن هذا الموقف اعتقال الإمام موسى الكاظم عليه الصلاة والسلام وإيداعه السجن ، حيث قضىعليه‌السلام مسموماً ، شهيداً ، صابراً ، محتسباً ـ.

وحتى حينما يضطر الإمام الحسنعليه‌السلام للصلح مع معاوية ، إيثاراً

__________________

1 ـ راجع : تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 230 ، وعيون الأخبار لابن قتيبة ج 2 ص 314 ، وحياة الحسن بن عليعليه‌السلام للقرشي ج 1 ص 439 عنه ، وليراجع حول التقية كتابنا : الصحيح من سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ج 2 ص 40 ـ 46.

وكلمات الإمام الحسينعليه‌السلام عند قبر أخيه ـ حسب نص ابن قتيبة هي : « رحمك الله أبا محمد ، إن كنت لتباصر الحق مظانَّة ، وتؤثر الله عند تداحض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية ، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة ، وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف ، نقية الأسرة ، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة ، ولا غرو وأنت ابن سلالة النبوة ورضيع لبان الحكمة ، فإلى روح وريحان وجنة نعيم ، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه ، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الأسى عنه ».

2 ـ سورة يونس : آية 82.

١٠٨

لطاعة الله في مداحض الباطل ، في مكان التقية ، فإنَّه يحسن الرَّوية ، ويهتم في أن لا يقدم تنزلاً في قضية الإمامة ـ وإن توهم ذلك ابن قتيبة ـ ولا في قضية الخلافة ـ وإن توهم ذلك آخر ـ وإنما تنازل عن الأمر(1) وإنما يقصد معاوية من الأمر : الأمرة والملك ، فإنه لم يقاتلهم ليصموا ولا ليصلوا ، « وإنما ليتأمر عليهم » أو « ليلي رقابهم »!! كما قال(2) .

ويقول معاوية بعد صلحه مع الإمام الحسنعليه‌السلام : « رضينا بها ملكاً »(3) .

وقد عبَّر عن ذلك هو وغيره في عدة مناسبات(4) .

وكان معاوية يقول عن نفسه : « أنا أول الملوك »(5) .

كما أن سعد بن أبي وقاص يقول لمعاوية : «السلام عليك أيها الملك»(6) .

والإمام الحسنعليه‌السلام يقول مشيراً إلى ذلك : « ليس الخليفة من سار بالجور ، ذاك ملك ملكاً يتمتع به قليلاً ، ثم تنقطع لذته ، وتبقى تبعته »(7) .

هذا وقد اشترط عليه : السلام على معاوية أن لا يقيم عنده شهادة!! وأن لا يسميه « أمير المؤمنين »(8) . الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على ما ذكرناه..

وليس موقف الإمام الحسنعليه‌السلام هنا ، وتعبيره بكلمة : « الأمر » ،

__________________

1 ـ الإمام الحسن لآل يس ص 108 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 22 وعن الإمامة والسياسة ج 1 ص 150 و 156 وعن الصواعق المحرقة ص 81.

2 ـ راجع شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 15 و 46 ومقاتل الطالبيين.

3 ـ البداية والنهاية ج 6 ص 200.

4 ـ الإمام الحسن بن علي لآل يس ص 110 ـ 114 عن المصادر التالية : تاريخ الطبري ج 5 ص 534 و 536 / 537 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 205 والبداية والنهاية ج 6 ص 221 و 220 وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 183 ومروج الذهب ج 2 ص 340.

5 ـ تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 232.

6 ـ المصنف ج 1 ص 291.

7 ـ تقدمت المصادر لذلك.

8 ـ البحار ج 44 ص 2 وليراجع كلام الصدوق رضوان الله تعالى عليه في البحار ج 44 ص 2 ـ 19 وفي علل الشرايع ج 1 ص 212 فما بعدها

١٠٩

واشتراطه ماذكر إلا كتعبير النبي صلى عليه وآله عن حاكم الروم بـ « عظيم الروم » ، وعن حاكم القبط والفرس بـ « عظيم القبط »(1) و« عظيم فارس »(2) . ولم يقل : ملك الروم ، ولا ملك القبط وفارس ، لئلا يكون ذلك تقريراً لملكهما.

وما يدل على ذلك في كلمات أمير المؤمنينعليه‌السلام وغيره من الأئمة ، كثير ، لا مجال لتتبعه

فالإمام الحسنعليه‌السلام لم يستعمل التقية في أمر الأمامة ، وإنما سلَّم إلى معاوية الأمر النيوي الذي أُشيرَ إليه بقوله تعالى :( وشاورهم في الأمر ) . وهو حكم الدنيا وسلطانها ، والملك المحض ، ولم يعترف له بالإمامة الدينية والبيعة ، والخلافة الشرعية(3) .

هذا وقد صرح الإمام الحسنعليه‌السلام في كتبه وخطبه ، بأنه لم يكن يرى معاوية للخلافة أهلاً ، وإنما صالحه من أجل حقن دماء المسلمين ، وحفاظاً على شيعة أمير المؤمنين بل لقد قال له فور تسليمه الأمر إليه :

« إن معاوية بن صخر زعم إني رأيته للخلافة أهلاً ، ولم أرَ نفسي لها أهلاً ، فكذب معاوية. وأيم الله ، لأنا أولى الناس بالناس في كتاب الله ، وعلى لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين ، مضطهدين ، منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا الخ »(4) .

وقد كتب له أيضاً فور البيعة لهعليه‌السلام : « فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله »(5) .

__________________

1 ـ راجع التراتيب الإدارية ج 1 ص 142.

2 ـ كنز العمال ج 4 ص 274.

3 ـ راجع : الإمام الحسن بن علي ، لآل يس ص 110 و 114 وعن شرح نهج البلاغة

4 ـ أمالي الشيخ الطوسي ج 2 ص 172 والاحتجاج ج 2 ص 8 والبحار ج 44 ص 22 و 63 و ج 10 ص 142 وبهج الصباغة ج 3 ص 448.

5 ـ راجع : شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 34 وستأتي بقية المصادر حين الكلام تحت

=

١١٠

وسيأتي قولهعليه‌السلام : « نحن أولى الناس بالناس ، في كتاب الله ، وعلى لسان نبيه ». ومثل ذلك كثير عنه.

هذا وقد تمدَّحه أخوه الإمام الحسينعليه‌السلام على استعماله التقية ، وعلى حسن رويّته فيها ، كما تقدم

كما أنه حينما ذُكر له عدم استجابة الإمام الحسنعليه‌السلام لمن دعاه للثورة على معاوية بعد الصلح ، قالعليه‌السلام : « صدق أبو محمد ، فليكن كل رجل منكم من أحلاس بيته ، ما دام هذا الإنسان حياً »(1) .

كما أنه بعد استشهاد أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام ، يدافع عن موقف أخيه في قضية الصلح ، في رسالة منه لأهل الكوفة ، ويأمرهم بالسكون إلى أن يموت معاوية(2) .

بل إن الإمام الحسنعليه‌السلام نفسه يعتبر صلحه مع معاوية خيراً من ألف شهر ، فقد سئل مرة عن أسباب صلحه مع معاوية ، فأجاب : ليلة القدر خير من ألف شهر(3)

وما ذلك إلا لأن صلحه هذا قد فضح الأمويين ، وفضح معاوية بالذات ، وجعله يعلن عن أهدافه الشريرة ، وفوت عليهم الفرصة لهدم الإسلام ، والقضاء على أهل البيت وشيعتهم(4) . ومهد الطريق لثورة الإمام الحسين ، ثم إلى زوال الحكم الأموي البغيض ، وإلى الأبد

مواقف هامة :

وبعد فإننا نرى : أن مما يدخل في مجال العمل على إفشال تلك الخطة

__________________

= عنوان : هل كان الإمام الحسنعليه‌السلام عثمانياً حين ذكر الشواهد على أنه كان مدافعاً قوياً عن حق أبيه في النموذج رقم 4.

1 ـ الأخبار الطوال ص 221 وراجع ص 220.

2 ـ الأخبار الطوال ص 222.

3 ـ الإمام الحسن بن علي ، لآل يس ص 149.

4 ـ الأخبار الطوال ص 220 و 221 والبحار ج 44 ص 2 وغير ذلك كثير.

١١١

أيضاً ، وإبقاء حق أهل البيتعليهم‌السلام ، وقضيتهم حية في ضمير الأمة ووجدانها ، بالإضافة إلى ما تقدم من تأكيدات الإمام الحسنعليه‌السلام على بنوته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى أنه من أهل البيت ، الذين افترض الله طاعتهم إلى آخر ما تقدم.

ـ إن مما يدخل في هذا المجال : وصيتهعليه‌السلام بأن يدفن عند جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع علمه بعدم رضا عائشة والأمويين بذلك ، حسبما أشار إليه هو نفسهعليه‌السلام في وصيته تلك ، وصدقته الوقايع التالية(1) وكان ذلك هو السبب في ضرب الجدار على القبر الشريف(2) ، فإن تلك الوصية لم تكن إلا

__________________

1 ـ راجع : البحار ج 44 ص 151 و 152 و 156 و 143 و 141 و 142 و 154 عن عيون المعجزات ، والمعتزلي ، والكافي ، وعلل الشرايع ، وأمالي المفيد ، والخرايج والجرايح ، وغير ذلك ، والفتوح لابن أعثم ج 4 ص 207 / 208 عن الترجمة الفارسية ، والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 44 ، وأمالي الشيخ الطوسي ج 1 ص 161 وعلل الشرايع ج 1 ص 225والخرايج والجرايح ص 223 وتذكرة الخواص ص 213 ومقاتل الطالبيين ص 74 و 75 والأخبار الطول 221 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 14 و 15 و 50 / 51 وتاريخ اليعقوبي ج 2 225 وكتاب الفتن لنعيم بي حماد ( مخطوط ) الورقة 40 ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 229 / 230 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص 32 ووفاء الوفاء ج 2 ص 548 وصلح الحسن لآل يس ص 32 ومجمع الزوائد ج 9 ص 178 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 139 وكشف الغمة للاربلي ج 2 ص 211 و 212 والإرشاد للمفيد ص 212 و 213 وحليم أهل البيت الإمام الحسن بن علي ص 252 و ذخائر العقبى ص 142 وإثبات الوصية ص 160 والاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 377 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج 3 ص 62 و 60 و 61 و 64 و 65 غن تاريخ ابن عساكر ج 12 ص 63 و ج 64 ص 99 وغيرها ، ونقل عن إثبات الهداة ج 5 ص 170 وعن الكافي ج 1 ص 304 وعن الخرايج وعن نظم درر السمطين ص 203 والغدير ج 11 ص 14.

2 ـ وفاء الوفاء ج 2 ص 548 عن الكازروني شارح المصابيح.

وقال : إنه سأل جمعاً من العلماء فذكر له بعضهم ذلك.

١١٢

لإظهار صلته بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، التي يجهد الأمويون وأعوانهم لقطعها وطمسها. كما أن هذه الوصية تهدف إلى التأكيد على أنهمعليهم‌السلام مظلومون مقهورون ، مغتصبة حقوقهم ، منتهب براثهم ، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( أرى تراثي نهباً )(1) .

بالأضافة إلى تعريف الناس على ما يكنه أولئك الحكام وأعوانهم من حقد وكره لأهل بيت النبوة ، الذين أمر الله ورسوله مراراً وتكراراً ليس فقط بمحبتهم ، وإنما « بمودتهم أيضاً »(2) .

انزل عن منبر أبي :

ومما يدخل في هذا المجال أيضاً موقف آخر ، هام جداً للإمام الحسنعليه‌السلام في مقابل أبي بكر ، حيث جاء إليه يوماً وهو يخطب على المنبر ، فقال له :

انزل عن منبر أبي.

فأجابه أبو بكر : صدقت. والله ، إنه لمنبر أبيك ، لا منبر أبي. فبعث علي إلى أبي بكر : إنَّه غلام حدث ، وإنا لم نأمره. فقال أبو بكر : إنا لم نتهمك(3) .

__________________

1 ـ الخطبة الشقشقية في نهج البلاغة.

2 ـ راجع بحث : الحب في التشريع الاسلامي في كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج 2 للمؤلف.

3 ـ راجع : تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 80 و 143 وتاريخ بغداد ج 1 ص 141 عن أبي نعيم ، وغيره ، وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج 2 ص 26 /27 بسند صحيح عندهم والصواعق المحرقة ص 175 عن الدار قطني ، والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 40 عن فضائل السمعاني ، وأبي السعادات ، وتارسخ الخطيب ، وسير الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 529 ، وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 123 عن الدارقطني ، وشرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 42 / 43 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 93 وينابيع المودة ص 306 وحياة الصحابة ج 2 ص 494 عن الكنز وأبي سعد وأبي نعيم والجابري في جزئه والغدير ج 7 ص 126 عن السيوطي ، وعن الرياض النضرة ج 1

=

١١٣

وليتأمل قولهعليه‌السلام : إنا لم نأمره. فإنه لا يتضمن إنكاراً على الإمام الحسنعليه‌السلام ، ولا إدانة لموقفه.

ولقد صدق أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ؛ فلم يكن الإمام الحسنعليه‌السلام يحتاج إلى أمر ، فلقد أدرك خطة الخصوم بما آتاه الله من فضله ، وبإحساسه المرهف ، وفكره الثاقب. وهو الذي عايش الأحداث عن كثب ، بل كان في صميمها.

وإذن فمن الطبيعي أن يدرك : أن عليه فيه مسؤولية العمل على إفشال تلك الخطة ، وإبقاء حق أهل البيت وقضيتهم على حيويتها في ضمير ووجدان الأمة. وكان علي وصي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحتاط للأمر ، حتى لا تحدث تشنجات حادة ، ليس من مصلحة القضية ، ولا من مصلحة الإسلام المساهمة في حدوثها في تلك الظروف.

والإمام الحسين أيضاً :

ولا عجب إذا رأينا للإمام السبط الشهيد الحسينعليه‌السلام موقفاً مماثلاً تماماً مع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ونجد أن عمر قد أخذه إلى بيته ، وحاول تقريره : إن كان أبوه أمره بهذا ، أو لا. فأجابه عن ذلك بالنفي.

وبعض الروايات تقول : إنه سأله عن ذلك في نفس ذلك الموقف أيضاً ، فنفى ذلك. فقال عمر : منبر أبيك والله ، وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا أنتم(1)

__________________

=

ص 139 ، وعن كنز العمال ج 3 ص 132. وحياة الحسن للقرشي ج 1 ص 84 عن بعض من تقدم. والاتحاف بحب الأشراف ص 23.

1 ـ راجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 145، والإصابة ج 1 ص 333 وقال سنده صحيح وأمالي الطوسي ج 2 ص 313 /314 وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 123 وحياة الصحابة ج 2 ص 495 عن كنز العمال ج 7 ص 105 عن ابن كثير

=

١١٤

فأبو بكر لم يكن يرى : أن اتهام أمير المؤمنين في قضية الإمام الحسن من صالحه أما عمر الذي رأى أنه قد أصبح قوياً في الحكم ، وقد تكرس الموقف لصالح غير أهل البيت على الصعيد السياسي عمر هذا ـ يهتم بالتعرف على مصدر هذه الأرهاصات ، ليعمل على القضاء عليها قبل فوات الأوان ، مادام يملك القدرة على ذلك بنظره.

لقد كانت مواقف الحسنين هذه تعتبر تحدياً عميقاً للسلطة ، في أدقِّ وأخطر قضية عملت من أجل حسم الأمور فيها لصالحها ، ورأت أنها قد وفقت في مقاصدها تلك إلى حدٍ بعيد فجاءت هذه المواقف لتهز من الأعماق ما كاد يعتبر ، أو قد اعتبر بالفعل من الثوابت الراسخة.

والحسنان هما ذانك الفرعان من دوحة الإمامة ، وغرس الرسالة ، اللذان يفهمان الظروف التي تحيط بهما ، ويقيمانها التقييم الصحيح والسليم ، ليتخذا مواقفهما على أساس أنها وظيفة شرعية ، ومسؤولية إلهية.

أما التكليف الشرعي ، والموقف الذي لأبيهما ، فهو وإن كان في ظاهره

__________________

=

وابن عساكر وابن سعد وابن راهويه والخطيب والصواعق المحرقة ص 175 عن ابن سعد ، وغيره، والاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 13 ، والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 40 ، وتاريخ بغداد ج 1 ص 141 ، وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 42 ، وحياة الحسن للقرشي ج 1 ص 84 ، والإمام الحسن للعلايلي ص 305 عن الإصابة ، وصححه ، وينابيع المودة ص 168 ، وتذكرة الخواص 235 ، وسيرة الأئمة الاثني عشر للحسني ج 2 ص 15 وكفاية الطالب ص 224 عن مسند احمد ، وابن سعد وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 324 وتهذيب التهذيب ج 2 ص 346 وصححه ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 ص 369 وهامش أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج 3 ص 27 عن تاريخ دمشق لابن عساكر ج 13 ص 15 ، أو 110 بعدة أسانيد ، وترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ص 141 و 142 وفي هامشه عن ابن سعد ج 8 في ترجمة الإمام الحسين وعن كنز العمال ج 7 ص 105 عن ابن راهويه وغيره والغدير ج 7 ص 126 عن ابن عساكر.

١١٥

مختلفاً هنا ، إلا أنه ولا شك يخدم نفس الهدف ، ويسير في نفس الإتجاه ، حسبما ألمحنا إليه.

الحسنان وأذان بلال :

ولعلنا لا نبعد كثيراً إذا قلنا : إن قضية أذان بلال كانت كذلك تخدم نفس الهدف ، وتسير في نفس الاتجاه الذي توخياه صلوات الله وسلامه عليهما من موقفيهما من أبي بكر وعمر ، حسبما تقدمت الإشارة إليه

ومجمل تلك القضية هو : أن بلالاً كان في الشام ، فقدم إلى المدينة لزيارة قبر الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لرؤيا رآها.

وفيما هو يناجيه ، وإذا بالحسن والحسين قد أقبلا لزيارة جدهما وأمهما ، فلما رآهما تجددت أحزانه ، وأقبل إليهما يضمهما إلى صدره ، ويقول : كأني بكما رسول الله.

والتفتا إليه ، وقالا : إذا رأيناك ذكرنا صوتك ، وأنت تؤذن لرسول الله ، ونشتهي أن نسمعه الآن بعد غيابك الطويل.

وانطلق بلال من ساعته إلى سطح المسجد ، تلبية لرغبة السبطين ، فأجهش بالبكاء ، وانطلق صوته من ناحية المسجد إلى كل بيت في المدينة : الله أكبر ، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فهز المشاعر ، وارتجت المدينة من أصوات الباكين.

ومضى الذهبي يقول : فلما قال بلال : أشهدُ أنَّ محمداً رسول الله ، خرجت العواتق من خدورهن ، وظن الناس أنَّ رسول الله قد بعث من قبره. وما رؤي يوم أكثر باكياً ولا باكية بعد رسول الله من ذلك اليوم(1) .

__________________

1 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 2 ص 259 وسير أعلام النبلاء ج 1 ص 258 وسيرة الأئمة

=

١١٦

وهذه القضية هي غير قضية أذان بلال ، بطلب من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وذلك لأن الأذان الذي كان بطلب من الحسنينعليهما‌السلام إنَّما كان بعد وفاتها ، كما نصت عليه الرواية آنفاً(1) .

ومهما يكن من أمر ، فإن السياسة قد كانت تتجه إلى تناسي ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمنع من حديثه ومن العمل بسنته(2) وجعل ذكره مجرد أمر روتيني لا أكثر ، فجاءت هذه الهزة لتعيد الربط العاطفي والشعوري بالرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ليكون ذلك بمثابة إدانة للتوجه العام تجاه الرسول وكل ما يرتبط به.

الإمام الحسن عليه‌السلام وأسئلة الأعرابي :

وإذا كانت الإمامة تقوم على ركنين رئيسين ، أحدهما :النص ، والآخر: العلم . فإننا نجد الأئمةعليهم‌السلام يهتمون بإظهار هذاالنص ، والتركيز عليه باستمرار. وقد رأينا الإمام الحسنعليه‌السلام يهتم بهذه الناحية ، في كثير من أقواله ومواقفه ، فلقد ذكر في خطبه : أنهم هم الذين افترض الله طاعتهم ، وأنهم أحد الثقلين ، واستدل بحديث الغدير ، وبالأعلمية(3) وغير ذلك.

وكان هذا دأب الأئمةعليهم‌السلام وشيعتهم الأبرار بصورة عامة ، حتى لقد رأينا الإمام علياًعليه‌السلام يستشهد الناس على حديث الغدير في رحبة

__________________

=

الاثني عشر للسيد هاشم معروف الحسني ج 1 ص 531 / 532 وراجع : أُسد الغابة ج 1 ص 208 ، وقاموس الرجال ج 2 ص 239.

1 ـ راجع قاموس الرجال ج 2 ص 239 / 240.

2 ـ راجع : كتاب الصحيح من سيرة النبي ج 1 ، الطبعة الثانية.

3 ـ راجع : الغدير ج 1 ص 198 عن ابن عقدة ومروج الذهب ج 2 ص 431 و 432 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11 و 12 وينابيع المودة ص 482.

١١٧

الكوفة وغيرها(1) .

والإمام الحسينعليه‌السلام يستشهد الناس على حديث الغدير في منى(2) إلى غير ذلك من مواقف لا مجال لتتبعها هنا.

وكذلك الحال بالنسبة إلى العلم ، فإنهمعليهم‌السلام ما فتئوا يؤكدون على أنهم هم ورثة علم رسول الله صلى عليه وآله ، وعندهم الجفر ، والجامعة ، وغير ذلك(3)

وقد رأينا : أن الإمام علياًعليه‌السلام يهتم في إثبات صفة علم الإمامة للإمام الحسنعليه‌السلام منذ طفولته حتى ليصبح إطلاعه على تلك العلوم ، التي لم ينل الآخرون منها شيئاً دليلاً على إمامته عليه آلاف التحية والسلام

ويلاحظ : أن أمير المومنينعليه‌السلام يهتم في إظهار ذلك لخصوص أولئك الذين استأثروا بالأمر ، وأقصوا أصحاب الحق الحقيقيين عن حقهم الذي جعله الله تعالى لهم ، وما ذلك إلا ليؤكد لهم ، ولكل أحد على أنهم ليسوا أهلاً لما تصدّوا له ، فضلاً عن أن يكون لهم أدنى حق فيه

وقد اتبععليه‌السلام في صياغة الحدث أسلوباً من شأنه أن يتناقله الناس ، ويتندروا به في مجالسهم إذ أن إجابة طفل لم يبلغ عمره العشر سنوات على أسئلة عويصة وغامضة ، لأمر يثير عجبهم ، ويستأثر باهتمامهم.

__________________

1 ـ راجع : الغدير ج 1 ودلائل الصدق ج 3 وغير ذلك كثير

2 ـ راجع : الغدير ج 1 ودلائل الصدق ج 3 وغير ذلك كثير

3 ـ راجع مكاتيب الرسول ج 1 ص 59 حتى ص 89 فقد أسهب القول حول هذه الكتب واستشهادات الأئمة بها ، وغير ذلك.

ومن الطريف في الأمر : أننا وجدنا العباسيين يحاولون أن يدَّعوا : أن عندهم صحيفة الدولة ، ولكنها تنتهي إلى محمد بن الحنفية ، ثم إلى عليعليه‌السلام . وقد أشرنا إلى ذلك في كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضاعليه‌السلام

بل لقد حاول الأمويون أن يدَّعوا مثل ذلك أيضاً راجع : محاضرات الراغب ج 2 ص 343.

١١٨

فقد ذكر القاضي النعمان في شرح الأخبار ، بإسناده عن عبادة بن الصامت ، ورواه جماعة عن غيره : أن أعرابياً سأل أبا بكر ، فقال : إني أصبت بيض نعام ، فشويته ، وأكلته وأنا مُحرم ، فما يجب عليّ؟

فقال له : يا أعرابي ، أشكلت عليّ في قضيتك. فدلهّ على عمر ، ودلَّه عمر على عبد الرحمن بن عوف. فلما عجزوا قالوا : عليك بالأصلع.

فقال أمير المؤمنين : سل أي الغلامين شئت. ( وأشار إلى الحسن والحسينعليهما‌السلام ).

فقال الحسن : يا أعرابي ، ألك إبل؟

قال : نعم.

قال : فاعمد إلي عدد ما أكلت من البيض نوقاً ، فاضربهن بالفحول ، فما فصل منها فأهده إلى بيت الله العتيق الذي حجبت إليه.

فقال أمير المؤمنين : إن من النوق السلوب. ومنها ما يزلق(1) .

فقال : إن يكن من النوق السلوب وما يزلق ، فإن من البيض ما يمرق(2) .

قال : فسمع صوت : أيها الناس ، إن الذي فهًّم هذا الغلام هو الذي فهًّمها سليمان بن داود(3) .

__________________

1 ـ الناقة السلوب : التي مات ولدها ، أو القته لغير تمام ، وأزلقت الفرس : أجهضت ، أي ألقت ولدها قبل تمامه..

2 ـ مرقت البيضة : فسدت.

3 ـ المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 354 / 355 و 335 عنه وعن العدد ، وحياة الحسنعليه‌السلام للقرشي ج 1 ص 86 / 87.

وقد ذكر القضية لكن بدون إحالة السؤال على الإمام الحسن كل من : ذخائر العقبى ص 82 وإحقاق الحق ج 8 ص 207 وفرائد السمطين ج 1 ص 342 / 343 والغدير ج 6 ص 43 عن بعض من تقدم ، وعن كفاية الشنقيطي ص 57 والرياض النضرة ج 2 ص 50 و 194 وفي هامش ترجمة أمير المؤمنين لابن عساكر ج 49 ص 83 ، أو 498 ترجمة محمد بن الزبير.

١١٩

وثمة قضية أخرى ، وهي قضية ذلك الذي أقرّ على نفسه بالقتل ، حينما رأى : أن بريئاً سيقتل ، فحكم عليه أمير المؤمنينعليه‌السلام بعدم وجوب القَود ، فإنه إن كان قتل فعلاً ، فقد أحيا نفساً ، و من أحيا نفساً ، فلا قَوَد عليه.

قال ابن شهرآشوب : « وفي الكافي والتهذيب : أبو جعفر : إن أمير المؤمنينعليه‌السلام سأل فتوى ذلك الحسن ، فقال : يطلق كلاهما ، والدية من بيت المال. قال : ولم؟ قال : لقوله : ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً »(1) .

وهناك أيضاً أسئلة الإمامعليه‌السلام لولده الإمام الحسنعليه‌السلام عن السداد ، والشرف ، والمروّة ، وغير ذلك من صفات فأجاب عنها ، فلتراجع(2) .

وأيضاً فهناك أسئلة ذلك الرجل عن الناس ، أشباه الناس ، وعن النسناس ، فأحاله الإمام على ولده الإمام الحسنعليه‌السلام : فأجابه عنها(3) .

وسأل أمير المؤمنينعليه‌السلام ولده الإمام الحسنعليه‌السلام : كم بين الإيمان واليقين؟ قال : أربع أصابع. قال : كيف ذلك؟ قال : الإيمان كل ما سمعته أذناك الخ(4)

وجاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فسأله عن الرجل ، إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى ، وعن الرجل كيف يشبه الأعمام

__________________

1 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11. والآية في سورة المائدة آية 34.

2 ـ راجع : نور الأبصار ص 121 وتهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 220 / 221 وحلية الأولياء ج 2 ص 36 والبداية والنهاية ج 8 ص 39 وحياة الحسنعليه‌السلام للقرشي ج 1 ص 138 ـ 140 وكشف الغمة ج 2 ص 194 / 195 ، والفصول المهمة للمالكي 144 ومعاني الأخبار ص 243 و 245 وتحف العقول ص 158 / 159 وعن شرح النهج للمعتزلي ج 4 ص 250 وعن البحار ج 17 وعن إرشاد القلوب للديلمي ج 1 ص 116 وعن مطالب السؤل.

3 ـ تفسير فرات ص 8 وعن البحار ج 7 ص 150 ط عبد الرحيم.

4 ـ العقد الفريد ج 6 ص 268 وليراجع البحار ج 43 ص 357.

١٢٠