الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام0%

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 216

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف:

الصفحات: 216
المشاهدات: 59477
تحميل: 4931

توضيحات:

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59477 / تحميل: 4931
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين ، إلى قيام يوم الدين.

وبعد

فإن حياة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ، وحتى عضوياً بحياة أخيه السبط الشهيد الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام

وبالأخص حياتهما السياسية ، فهما شريكان في صنع الأحداث ، أو في التأثير فيها ، سواء على مستوى الموقف ، أو على مستوى نتائجه وآثاره

ولا يقتصر ذلك على الفترة التي عاشاها كإمامين ، يتحملان بالفعل مسؤولية القيادة والهداية للأمة بل وينسحب أيضاً حتى على الفترة التي عاشاها في كنف جدهما الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضلاً عما تلاها من تحولات وتطورات في عهد الخلفاء الثلاثة ، ثم إبان تصدي أبيهما أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه للإمامة الظاهرة

بل إننا حتى بعد استشهاد الإمام الحسنعليه‌السلام ، لنجد ملامح الآثار

٥

المباشرة لمواقفهعليه‌السلام (1) على مجمل المواقف والأحداث التي كان للإمام الحسينعليه‌السلام التأثير فيها ، أو المسؤولية في صنعها

وليس ذلك ـ فقط ـ لأجل أن دور أحدهما ـ كإمام ـ لا بد أن يكون امتداداً لدور الآخر وإنما يضاف إلى ذلك طبيعة الظروف التي رافقت حياتهما ، والمسؤوليات المتميزة التي فرض عليهما القيام بها في تلك الفترة الزمنية ، ذات الطابع الخاص جداً

ولأجل ذلك فإن على من يريد البحث والتعرف على الحياة السياسية لأحدهما عليهما الصلاة والسلام ، أن لا يهمل النظر إلى حياة الآخر ، وملاحظة مواقفه. بل لا بد وأن يبقى على مقربة منها ، إذا أراد أن يستفيد الكثير ممّا يساعده على فهم أعمق لما هو بصدد البحث فيه ، ويهدف إلى التعرف عليه ، وعلى أسبابه ، وعلى آثاره ونتائجه

ونحن في هذا البحث المقتضب ، وإن كنا لم نستطع أن نؤمن ـ حتى الحد الأدنى في مجال الالتزام بهذا الاتجاه ، وذلك بسبب عدم توفر الفرصة ، وكثرة الصوارف إلا أننا لا نُبعد كثيراً إذا قلنا : إن ملامح هذا الاتجاه ليست مطموسة تماماً في بحثنا هذا

وأخيراً فإن هذه الدراسة الموجزة ، قد تكون قادرة ـ ولو جزئياً ـ على رسم صورة تكاد تكون واضحة عن الحياة السياسية للإمام الحسن عليه الصلاة والسلام. كما أنها يمكن أن تساعد بشكل فعال في الحصول على تصورٍ ـ ولو محدود ـ عن بعض التيارات والمناحي السياسية لتلك الفترة فـ :

إلى ما يلي من صفحات

20/ 1 / 1404 هـ. ق

5 / 8 / 1362 هـ. ش

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

__________________

1 ـ كتربيته للعديد من الشخصيات ، وكلماته وخطبه التي ألقاها في المناسبات المختلفة ، ثم صلحه الذي ساهم في حفظ كيان الشيعة ، وفي فضح الأمويين والمنافقين ، وكشف نواياهم من خلال أقوالهم وممارساتهم اللا إسلامية واللا إنسانية تجاه الأمة.

٦

ما هي السياسة ؟ :

قيل :

سأل بعض الناس الإمام الحسنعليه‌السلام عن رأيه في السياسة ، فقالعليه‌السلام :

« هي أن تراعي حقوق الله ، وحقوق الأحياء ، وحقوق الأموات. فأما حقوق الله ، فأداء ما طلب ، والاجتناب عما نهى. وأما حقوق الإحياء ، فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك ، ولا تتأخر عن خدمة أمتك ، وأن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته ، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا حاد عن الطريق السوي. وأما حقوق الأموات ، فهي أن تذكر خيراتهم ، وتتغاضى عن مساوئهم ، فإن لهم رباً يحاسبهم »(1) .

__________________

1 ـ حياة الحسنعليه‌السلام للقرشي : ج 1 ص 142 / 143 عن مجلة العرفان : ج 4 جزء 3 نقلاً عن التذكرة المعلوفية : ج 9 والإمام الحسن بن علي ، لمحمد علي دخيل ص 52 / 53 ، وسيرة الأئمة الأثني عشر : ج 1 ص 525.

ويرى بعض المحققين : أن هذا الخبر منقول بالمعنى ، وأنه غير صحيح أصلاً. ولكنني لم أفهم سر حكمه هذا؟!.

٧
٨

الفصل الأول :

في عهد الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

روي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال في حديث له : « لو كان العقل رجلاً لكان الحسن »

( فرائد السمطين ج 2 ص 68 وعن مقتل الحسين للخوارزمي )

٩
١٠

بداية :

لقد ولد الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام في حياة جده الرّسول الأكرم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبالذات في النصف من شهر رمضان المبارك ، من السنة الثالثة للهجرة النبوية ، على المشهور وعاش في كنف جده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله سبع سنوات من عمره الشريف ، وكانت تلك السنوات على قلتها ، كافية لأن تجعل منه الصورة المصغرة عن شخصية الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم ، الذي حباه به جده ، حينما قال له ـ حسبما روي :

« أشبهت خلْقي وَخُلُقي »(1) .

وقال المحقق العلامة الأحمدي : « أضف إلى ذلك ما لصحبة العظماء من الأثر الروحي على الإنسان ، فمن عاشر كبيراً ، وصاحب عظيما ، فيشرق عليه من نوره ، ويلفح عليه من عطره المعنوي ما تَغْنى به نفسه ، وتسمو به ذاته وقد ألمحت الأحاديث الكثيرة الورادة في العِشْرة ، واختيار الصديق إلى هذا

__________________

1 ـ حياة الحسنعليه‌السلام للقرشي : ج 1 ص 29 ، وسيرة الأئمة الاثني عشر للحسني : ج 1 ص 513 ، وصلح الإمام الحسنعليه‌السلام لفضل الله ص 15 عن الغزالي في إحياء العلوم. وحول شبههعليه‌السلام بجده راجع : تاريخ اليعقوبي ط صادر : ج 2 ص 226 والبحار ج 10 وأعيان الشيعة ج 9 وذكر ذلك العلامة المحقق الأحمدي عن : كشف الغمة ص 154 والفصول المهمة للمالكي ، والإصابة ج 1 ص 328 وكفاية الطالب ص 267 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 202 وينابيع المودة ص 137 وتاريخ الخلفاء ص 126 / 127 والتنبيه والاشراف ص 261 والبحار عن الإرشاد ، والروضة وأعلام الورى ، والعكبري ، والترمذي ، وشرف النبوة.

١١

المعنى، وأشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى صحبته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته القاصعة ، فقال : « ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به الخ ».

أضف إلى ذلك : أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نحل الحسنينعليهما‌السلام نحلة سامية ، حينما قال : أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي ، وأما الحسين فله جودي وشجاعتي »(1) انتهى.

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومستقبل الأمة :

والرسول الأعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ذلك الشخص الذي يتحمل مسؤولية هداية ورعاية الأمة ، ومسؤولية تبليغ وحماية مستقبل الرسالة ، ثم وضع الضمانات التي لا بد منها في هذا المجال

وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المطلع عن طريق الوحي على ما ينتظر هذا الوليد الجديد ، الإمام الحسنعليه‌السلام من دَور قيادي هام على هذا الصعيد كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله مأمور بأن يساهم هو شخصياً ، وبما هو ممثل للإرادة الإلهية بالإعداد لهذا الدور ، سواء فيما يرتبط ببناء شخصية هذا الوليد اليافع ، ليكون الإنسان الكامل الذي يمتلك الصفات الإنسانية المتميزة ، أو فيما يرتبط ببنائه بناء فذّاً يتناسب مع المهام الجسام ، التي يؤهل للاضطلاع بها على صعيد هداية ورعاية وقيادة الأمة.

وإذا كانت هذه المهام هي ـ تقريباً ـ نفس المهام التي كان يضطلع بها الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن من الطبيعي أن تتجلى في

__________________

1 ـ راجع هذا الحديث في : روضة الواعظين ، وكفاية الطالب ص 277 ، وحلية الأولياء ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 214 ، وكشف الغمة ص 154 وينابيع المودة ص 259 ، والبحار عن قرب الإسناد. وإسعاف الراغبين ، بهامش نور الأبصار ص 116

١٢

شخصية من يخلفه نفس الصفات والمؤهلات التي كانت للشخصية النبوية المباركة

وهكذا فإنه يتّضح المراد من قوله فإن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام الحسنعليه‌السلام : أشبهت خَلْقي وَخُلُقي فأما شبهه له في الخلق ، فذلك أمر واقع ، كما عن أبي جحيفة(1) وأما شبهه له في الخُلُق فلا بد أن يعتبر وسام الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي ، الذي هو وراثة وخلافة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم وصيه علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.

نعم لابد من ذلك ، سواء بالنسبة لما يرتبط بشخصية ذلك الوليد أو بالنسبة إلى خلق المناخ النفسي الملائم لدى الأمة ، التي يفترض فيها أن لا تستسلم لمحاولات الابتزاز لحقها المشروع في الاحتفاظ بقيادتها الإلهية ، التي فرضها الله تعالى لها أو على الأقل أن لا تتأثر بعمليات التمويه والتشويه ، وحتى الإعدام والنسف للمنطلقات والركائز ، التي تقوم عليها رؤيتها العقائدية والسياسية ، التي يعمل الإسلام على تعميقها وترسيخها في ضمير الأمة ووجدانها

ومن هنا نعرف السر والهدف الذي يرمي إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تأكيداته المتكررة ، تصريحاً ، أو تلويحاً على ذلك الدور الذي ينتظر الإمام الحسن وأخاهعليهما‌السلام ، وإلى المهمات الجلّى التي يتم إعدادهما لها ، حتى ليصرح بأنهماعليهما‌السلام : إمامان قاما أو قعدا(2) كما أنه يقول

__________________

1 ـ راجع : ذكر أخبار أصبهان ج 1 ص 291 وتاريخ الخلفاء ص 188 و 189 عن عبد الله ابن الزبير.

2 ـ أهل البيت ، تأليف توفيق أبو علم ص 307 والارشاد للمفيد ص 220 ومجمع البيان ج 2 ص 453 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 159 وروضة الواعظين ص 156 ، وحياة الحسن بن عليعليه‌السلام للقرشي ج 1 ص 42 ، والبحار ج 44 ص 2 ، وعلل الشرايع ج 1 ص 211 ، وإثبات الهداة ج 5 ص 142 و 137 و 135 والمناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 367 وعبر عنه بالخبر المشهور ، وقال ص 394 : « اجتمع أهل

=

١٣

لهما : أنتما الإمامان ، ولأمكما الشفاعة(1) .

وفي مودة القربى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للحسينعليه‌السلام : « أنت سيد ، ابن سيد ، أخو سيد ، وأنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، وأنت حجة ، ابن حجة ، أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة ، تاسعهم قائمهم »(2) .

وفي حديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه عن الإمام الحسنعليه‌السلام : « وهو سيد شباب أهل الجنة ، وحجة الله على الأمة ، أمره أمري ، وقوله قولي ، من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فإنه ليس مني الخ »(3) وثمة أحاديث أخرى تدل على إمامتهما ، وإمامة التسعة من ذرية الحسينعليه‌السلام : فلتراجع(4) .

فكل ما تقدم إنما يعني : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بث في الحسنينعليهما‌السلام من العلوم النافعة ، والحكمة الساطعة ، وربى فيهما من المؤهلات ما يكفي لأن يجعلهما ، جديرين بمقام خلافته ، وهداية الأمة بعده

كما أننا نلاحظ حرصهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ربط قضاياهما عقيدة وتشريعاً ، وحتى عاطفياً ووجدانياً بنفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله شخصياً ، حتى

__________________

=

القبلة على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الخ » وسيرة الأئمة الاثني عشر للحسني ج 1 ص 554 و 544 وقال : « بإجماع المحدثين ».

1 ـ نزهة المجالس ج 2 ص 184 وحياة الحسن بن علي للقرشي ج 1 ص 42 عنه وعن الاتحاف بحب الاشراف ص 129 وإثبات الهداة ج 5 ص 52.

2 ـ ينابيع المودة ص 168 وراجع منهاج السنة لابن تيمية ج 4 ص 209 وإثبات الهداة ج5 ص 129 والبحار ج 36 ص 290 و 291 عن كفاية الأثر.

3 ـ فرائد السمطين ج 2 ص 35 وأمالي الصدوق ص 101 وحول ما يثبت إمامة الإمام الحسنعليه‌السلام راجع : ينابيع المودة ص 441 و 442 و 443 و 487 عن المناقب. وفرائد السمطين ج 2 ص 140 و 134 و 153 و 259 وفي هوامشه عن المصادر التالية : غاية المرام ص 39 وكفاية الأثر المطبوع في آخر الخرائج والجرائح ص 289 عيون أخبار الرضا باب 6 ص 32 والبحار ج 3 ص 303 و ج 36 ص 283 و ج 43 ص 248 وأمالي الصدوق ص 359 المجلس رقم 63.

4 ـ راجع : ينابيع المودة ص 369 و372 و373 و 374 حتى 399 وإثبات الهداة ج 5 ص 132.

١٤

ليقول لهما : أنما سلم لمن سالمتم ، وحربٌ لمن حاربتم(1) والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جداً لا مجال لاستقصائها.

وفي نص آخر عن أنس بن مالك قال : دخل الحسن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأردت أن أمطيه عنه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ويحك ياأنس ، دع ابني ، وثمرة فؤادي ، فإن من آذى هذا آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله »(2) .

بل إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليخبر الناس بما يجري على الإمام الحسنعليه‌السلام بعده ، فيقول حسبما روي : « إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين »(3) .

__________________

1 ـ راجع سنن الترمذي ج 5 ص 699 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 52 وينابيع المودة ص 165 عنهما و ص 230 و 261 و 370 عن جامع الأصول وغيره وروضة الواعظين ص 158 وذخائر العقبى ص 25 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 5 و 61 وترجمة الإمام الحسن لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص 97 / 98 وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص 100 والصواعق المحرقة ص 142 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 211 وأُسد الغابة ج 5 ص 523 ومجمع الزوائد ج 9 ص 169 ، والمناقب للخوارزمي ص 91 و 211 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 149 ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص 63 والبداية والنهاية ج 8 ص 205 وتايخ بغداد ج 7 ص 137 ومسند أحمد ج 1 ص 442 وفرائد السمطين ج 2 ص 38 و 40 وفي هامشه عن الرياض النضرة ج 2 ص 189 وعن المعجم الصغير للطبراني ج 2 ص 3 وعن المعجم الكبير ج 3 ص 30 ط 1 وعن سمط النجوم ج 2 ص 488 ، وفي بعض الهوامش الأخرى عن تهذيب الكمال.

2 ـ أهل البيت ، تأليف توفيق أبو علم ص 274 ، وراجع سنن ابي ماجة ج 1 ص 51.

3 ـ أُسد الغابة ج 2 ص 13 والبدء والتاريخ ج 5 ص 238 ودلائل الإمامة ص 64 وسنن الترمذي ج 5 ص 658 وقال عنه : هذا حديث حسن صحيح ، وتاريخ الخلفاء ص 188 وعن سنن أبي داود ص 219 ، و 520.

ولكن قد جاء في مصادر كثيرة التعبير بـ « فئتين من المسلمين » أو « من المؤمنين » ونحسب أنها من تزيد الرواة ، من أجل هدف سياسي خاص هو إثبات الإيمان والإسلام للخارجين على إمام زمانهم. ولعل أول من زادها هو معاوية نفسه كما تدل عليه قصة ذكرها المسعودي ، وفيها إشارة صريحة للهدف السياسي المشار إليه ، قال في مروج الذهب ج 2 ص 430 : إن معاوية حينما أتاه البشير بصلح الحسن كبّر ، فسألته زوجته

=

١٥

أما إخباراتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أخيه السبط الشهيد الإمام الحسينعليه‌السلام ، فهي كثيرة أيضاً ، وليس هنا موضع التعرض لها.

وبعد ذلك كله ، فإننا نجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقَبّل الإمام الحسنعليه‌السلام في فَمِه ، يُقَبل الإمام الحسينعليه‌السلام في نحره ، في إشارة صريحة منه إلى سبب استشهادهماعليهما‌السلام ، واعلاماً منه عن تعاطفه معهما ، وعن تأييده لهما في مواقفهما وقضاياهما

هذا كله ، بالإضافة الى كثير من النصوص التي تحدثت عن دور الأئمة وموقعهم بشكل عام ، ككونهم باب حطة ، وربانيي هذه الأمة ، ومعادن العلم ، وأحد الثقلين ، بالإضافة الى الأحاديث التي تشير الى ما سوف يلاقونه من الأمة ، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه

وعلى كل حال فإن الشواهد على أن الرسول الأعظم ، محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يهتم في إعطاءالملامح الواضحة للركائز والمنطلقات ، التي لا بد منها لتكوين الرؤية العقائدية والسياسية الصحيحة والكاملة ، تجاه الدور الذي ينتظر السبطين الشهيدين صلوات الله وسلامه عليهما ، والتي تمثل الضمانات الكافية ، والحصانة القوية لضمير الأمة ضد كل تمويه او تشويه ـ هذه الشواهد ـ كثيرة جداً لا مجال لا ستقصائها ، ولكننا نؤكد بالإضافة الى ما تقدم على الأمور التالية :

ألف : العاطفة قد تعني موقفاً :

لقد كان الإمام الحسنعليه‌السلام أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه

__________________

= عن سبب ذلك فقال : « أتاني البشير بصلح الحسن وانقياده ، فذكرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن ابني هذا سيد أهل الجنة ، وسيصلح له بين فئتين عظيمتين من المؤمنين ، فالحمد لله الذي جعل فئتي إحدى الفئتين » انتهى.

١٦

وآله وسلم(1) بل لقد بلغ من حبهصلى‌الله‌عليه‌وآله له ولأخيهعليهما‌السلام : أنه يقطع خطبته في المسجد ، وينزل عن المنبر ليحتضنهما ، بالإضافة الى بعض ما تقدم وما سيأتي من النصوص الكثيرة ، والتي ذكرنا بعضها ، حيث لا مجال لتتبعها جميعاً في عجالة كهذه

والكل يعلم : أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن ينطلق في مواقفه ، وكل أفعاله وتروكه من منطلق المصالح ، أو الأهواء الشخصية ، ولا بتأثير من النزعات والعواطف ، وإنما كان صلى عليه وآله فانياً في الله بكل وجوده ، وبكل عواطفه وأحاسيسه ، وبكل ما يملك من فكر ، ومن طاقات ومواهب ، فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله من الله سبحانه كان ، ومن أجل دينه ورسالته يعيش ، وعلى طريق حبه ، وحال اللقاء معه يموت فالله سبحانه هو البداية ، وهو الاستمرار ، وهو النهاية الأمر الذي يعني : أن كل موقف لا يكون خطوة على طريق خدمة دين الله ، وإعلاء كلمته ، لا يمكن أن يصدر عنه ، أياً كان نوعه ، ومهما كان حجمه.

ولكن ذلك لا يعني أبداً : أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يملك العواطف البشرية ، والأحاسيس الطبيعية ، ولا يمنحها قسطها الطبيعي في مجال التأثير الإيجابي في الحياة ، أو حتى الاستفادة المباحة منها.

وإنما نريد أن نقول : إنه حينما يتخذ ذلك التأثير العاطفي صفة الموقف ، بإعطائه صفة العلنية ، ويصبح واضحاً : أن ثمة إصراراً أكيداً على إبرازه وإظهاره للملأ العام ، وحتى على المنبر أحياناً ، فلابد أن يكون ذلك في خدمة الرسالة ، وعلى طريق الهدف الأسمى.

بل وحتى على صعيد منحهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحاسيسه وعواطفه قسطها الطبيعي في التأثير في مجاله الشخصي البحت فإنه سيحولها إلى عبادة زاخرة بالعطاء ، غنية بالمواهب ، تمنحه المزيد من الطاقة ، وتؤثر المزيد من

__________________

1 ـ نسب قريش لمصعب الزبيري ص 23 ـ 25.

١٧

القرب من الله سبحانه وتعالى

نعم وان هذا الذي ذكرناه هو الذي يفسر لنا ذلك القدر الهائل من النصوص والآثار ، التي وردت عنه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله تجاه العلاقة التي تربطه بالحسنين صلوات الله وسلامه عليهما ، مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالنسبة للإمام الحسنعليه‌السلام : اللهم إن هذا ابني وأنا أحبُّه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه(1) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أحب أهل بيتي إليَّ : الحسن والحسين إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة جداً(2) .

فإن هذا الموقف المتميز من الحسنينعليهما‌السلام ، وتلك الرعاية الفريدة لهما زاخرة ولا شك بالعديد من الدلالات والإشارات الهامة حستما ألمحنا إليه

ولنا أن نخص بالذكر هنا موقف ، ومبادرات ، وأقوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين ولادتهماعليهما‌السلام ، فنجده حين ولادة الإمام الحسنعليه‌السلام يأتي إلى بيت الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ن ويقول : « يا أسماء هاتي ابني » ، أو « هلمي ابني »(3) .

__________________

1 ـ تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 205 و 206 و207 والغدير ج 7 ص 124.

2 ـ راجع الكثير من هذه النصوص في تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 205 ـ 207 و 210 ، والغدير ج 7 ص 124 ـ 129 و ج 10 وسيرتنا وسنتنا ص 11 ـ 15 ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ، وفرائد السمطين ، وتاريخ بغداد ج 1 ص 141 وتاريخ الخلفاء ص 189.

وترحمة الحسن ، وترجمة الحسين من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ، والفصول المهمة للمالكي ، وترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام من أنساب الأشراف ، ونور الأبصار ، والصواعق المحرقة ، والبحار ج 44 و 43 والإرشاد للمفيد ، وأسد الغابة ، والإصابة ، والاستيعاب ترجمة الحسنينعليهما‌السلام ، وحياة الحسنعليه‌السلام للقرشي ، وغير ذلك من المصادر التي تقدمت وستأتي.

3 ـ راجع البحار ، ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام . وغير ذلك من المصادر التي تقدمت في الحاشية السابقة.

١٨

ثم إنه لم يكن ليسبق ربه في تسمية المولود الجديد ، فينزل الوحي لينبئه عن الخالق الحكيم قوله له : « سمه حسناً » ثم يعق عنه بكبش ويتولى بنفسه حلق شعره ، والتصدق بزنته فضة ، وطلي رأسه بالخلوق بيده المباركة وقطع سرته إلى آخر ما هنالك مما جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الواقعة(1) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أسماء هاتي ابني وذلك في أول يوم من عمر الإمام الحسنعليه‌السلام له مغزى عميق ، وهدف بعيد ، سنلمح إليه في الفترة التالية إن شاء الله تعالى.

ب ـ قضية المباهلة :

ومما يدخل في الحياة السياسية للإمام الحسنعليه‌السلام في عهد جده النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قضية المباهلة.

ويرجح العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه ، أن هذه القضية قد كانت في سنة ست من الهجرة ، أو قبلها(2) .

ومجملها :

ان علماء نصارى نجران وفدوا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وناظروه في عيسى ، فأقام عليهم الحجة فلم يقبلوا ثم اتفقوا على المباهلة(3) أمام الله ، فيجعلوا لعنة الله الخالدة ، وعذابه المعجل على الكاذبين

__________________

1 ـ تاريخ الخميس ج 1 ص 418 ، والإمام الحسن بن علي ، لآل ياسين ص 16 و 17 وحياة الحسنعليه‌السلام للقرشي ج 1 ص 24 حتى ص 28 عن بعض المصادر والمصادر المتقدمة في الحاشية ما قبل السابقة ، وفير ذلك مما سيأتي مما يتعرض لترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام .

2 ـ تفسير الميزان ج 3 ص 368.

3 ـ من البهلة ، وهي اللعنة ، ثم كثر استعمال الابتهال في المسألة والدعاء ،

=

١٩

قال تعالى :( إنَّ مَثَلَ عيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ. الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، فَلاَ تَكُنْ مِنَ المُمْتَرينَ. فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ العِلمِ ، فَقُلْ : تَعَالُوا ، نَدْعُ أَبنَاءَنَا وَأَبْنَاءكُمْ ، وُنِسَاءنَا وِنسَاءكُمْ ، وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ، ثمَّ نَبتَهِل ، فَنَجعل لَعنَةَ اللهِ عَلَى الكاذِبين ) (1) .

فلما رجعوا الى منازلهم قال رؤساؤهم ، السيد ، والعاقب ، والأهتم : إن باهلنا بقومه باهلناه : فإنه ليس نبياً ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة لم نباهله ، فإنه لايُقدِمُ الى أهل بيته إلا وهو صادق.

وفي اليوم المحدد خرج إليهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه علي ، وفاطمة ، والحسنانعليهم‌السلام ، فسألوا عنهم ، فقيل لهم : هذا ابن عمه ، ووصيه ، وختنه علي بن أبي طالب ، وهذه ابيته فاطمة ، وهذان ابناه الحسن والحسين ، ففرِقوا : فقالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة. فصالحهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الجزية ، وانصرفوا

هذه خلاصة ما ذكره القميرحمه‌الله في تفسيره.

وفي بعض النصوص أنهم قالوا له : لم لا تباهلنا بأهل الكرامة والكبر ، وأهل الشارة ممن أمن بك واتبعك؟! فقاصلى‌الله‌عليه‌وآله : أجل ، أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض ، وأفضل الخلق.

ثم تذكر الرواية قول الأسقف لأصحابه : « أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله إلى أن قال : أفلا ترون الشمس قد تغير لونها ، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة ، والريح تهب هائجة سوداء ، حمراء ، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان؟! لقد أطلَّ علينا العذاب! انظروا إلى الطير وهي تقيء حواصلها ، وإلى الشجر كيف يتساقط أوراقها ،

__________________

= إذا كان إلحاح.

1 ـ آل عمران : 59 ـ 61.

٢٠