حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام0%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: دار البلاغة
تصنيف:

الصفحات: 530
المشاهدات: 199621
تحميل: 6679


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199621 / تحميل: 6679
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

« إذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه ».

واندفع الصحابي العظيم عمار بن ياسر فأيد مقالة الامام ، وأعلن نقمته على عثمان فقال :

« أشهد ان أنفى أول راغم من ذلك »

ولما منح سعيد بن العاص مائة الف درهم ، انطلق الامام أمير المؤمنين مع جماعة من اعلام الصحابة فعابوا عليه عمله ، وانكروا عليه هذا العطاء فقال لهم :

« إن له قرابة ورحما »

فردوا عليه حجته ، وقالوا له :

« أفما كان لأبي بكر وعمر قرابة؟ »

فأجابهم :

« ان ابا بكر ، وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما وأنا أحتسب في اعطاء قرابتى »(1)

لقد نقم المسلمون من عثمان ، وسخط عليه خيارهم لأنه استأثر بالفيء ، ومنح أموال المسلمين الى بني أميّة ، ولم يطبق فى سياسته العدل الاجتماعى الذي جاء به الاسلام.

اعتذار عثمان

واعتذر عثمان للناقدين لسياسته بأنه أوصل رحمه ، وبرّ بذي قرباه وليس فى ذلك مأثم عليه او مخالفة للشرع ـ كما يراه ـ ولا بد لنا من وقفة قصيرة أمام هذا الاعتذار لنعرف مدى واقعيته ، وصحته ، والذي

__________________

(1) الانساب 5 / 28

٢٢١

يقتضيه النظر أنه منطق مفلوج لا يتفق مع الشرع ، ولا يلتقي بصالح الامة وذلك ـ أولا ـ ان الاموال التي منحها لأسرته لم تكن من أمواله الخاصة لتكون له مندوحة في انفاقها عليهم ، وانما هي أموال المسلمين فيجب انفاقها عليهم ، وليس لرئيس الدولة أن يتصرف فيها بقليل ، ولا بكثير فقد ورد عقيل من يثرب وهو بائس مضطر الى أخيه أمير المؤمنين7 فطلب منه وفاء دينه ، فقال له الامام :

ـ كم دينك؟

ـ أربعون الفا

ـ ما هي عندي ، ولكن اصبر حتى يخرج عطائي فادفعه إليك ـ بيوت المال بيدك وأنت تسوفنى بعطائك؟

ـ أتأمرني ان أدفع إليك أموال المسلمين ، وقد ائتمنوني عليها.(1)

هذا هو منطق الاسلام ، وهذا عدله ، وهذه مساواته إنه لا يفرق بين القريب والبعيد فالجميع سواسية في العطاء وغيره.

و ـ ثانيا ـ إن اسرته التي برّ بها خليقة بالقطيعة وجديرة بأن لا توصل لأنها ناهضت الاسلام وناجزته الحرب ، وهي الشجرة الملعونة في القرآن فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو ان النبي6 قال : رأيت ولد الحكم بن ابي العاص على المنابر كأنهم القردة فانزل الله : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة : يعنى الحكم وولده(2) وقالت عائشة لمروان سمعت رسول الله6 يقول

__________________

(1) اسد الغابة 3 / 423

(2) تفسير الطبري 15 / 77 ، تفسير القرطبي 10 / 283

٢٢٢

لأبيك : « أبي العاص بن أميّة » انكم الشجرة الملعونة في القرآن(1) وقد نهى الله عن موادة المعادين له ، وحرم مواصلتهم قال تعالى : « لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم »(2)

لقد كان عثمان شديد الحب للامويين فقد قال : « لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بنى أميّة حتى يدخلوا عن آخرهم »(3) وهذا الحب العارم لأسرته هو الذي اجهز عليه ، وحفز القوى الاسلامية الى الثورة عليه والاطاحة بحكمه وقتله.

2 ـ منحه للاعيان

ووهب عثمان أموال المسلمين الى الوجوه والاعيان ، وذوي النفوذ السياسى ممن يحذر جانبهم ، فوصل طلحة بمائتي الف دينار(4) وكانت له عليه خمسون الفا ، فقال له طلحة : تهيأ مالك فاقبضه ، فوهبه له ، وقال : هو لك يا أبا محمد على مروءتك(5) ووصل الزبير بستمائة الف ، ولما قبضها جعل يسأل عن خير المال ليستغل صلته فدل على اتخاذ الدور فى الاقاليم والامصار(6) فبنى احدى عشرة دارا بالمدينة ، ودارين بالبصرة

__________________

(1) الدر المنثور 4 / 191

(2) سورة المجادلة : آية 22

(3) مسند احمد 1 / 62

(4) طبقات ابن سعد

(5) تأريخ الطبري 5 / 139

(6) طبقات ابن سعد

٢٢٣

ودارا بالكوفة ، ودارا بمصر(1) ووهب أموالا طائلة لزيد بن ثابت حتى بلغ به الثراء انه لما توفى خلف من الذهب والفضة ما يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الاموال والضياع مائة الف دينار(2) ومنح أموالا أخرى الى السائرين في ركابه ، والمؤيدين لسياسته ، وقد ذكر بالتفصيل تلك الهبات شيخ المحققين الاميني في موسوعته الخالدة(3)

وبأي وجه تصحح هذه الهبات وهي أموال المسلمين وقد فرض فيها ان تصرف على اصلاح المجتمع ، وانقاذ الفقير والمحروم من البؤس والفاقة ، لا أن يتاجر بها في شراء الضمائر ، وتأييد الحكم القائم فان ذلك لا يقره الاسلام بحال من الاحوال.

3 ـ استئثاره بالاموال

واستنزف عثمان بيوت الاموال فاصطفى منها ما شاء لنفسه وعياله ، وبالغ في البذخ والاسراف فبنى دارا فى يثرب شيدها بالحجر والكلس ، وجعل أبوابها من الساج والعرعر ، واقتنى أموالا وجنانا وعيونا بالمدينة(4) وكان ينضد اسنانه بالذهب ، ويتلبس بأثواب الملوك ، وانفق اكثر بيت المال في عمارة ضياعه ودوره(5) ولما قتل كان عند خازنه ثلاثون الف الف درهم ، وخمسمائة الف درهم وخمسون ومائة الف دينار ، وترك الف

__________________

(1) صحيح البخاري 5 / 21

(2) مروج الذهب 1 / 334

(3) الغدير الجزء الثامن

(4) مروج الذهب 1 / 433

(5) السيرة الحلبية 2 / 87

٢٢٤

بعير وصدقات ببراديس وخيبر ، ووادي القرى قيمة مائتى الف دينار(1)

إن عثمان قد نهج منهجا خاصا في سياسته المالية ، فلم يتقيد بكتاب الله ، ولا بسنة نبيه ، فتصرف في بيت المال تصرفا كيفيا فأخذ منه ما شاء ومنح من أحب ، ووهب لمن سار في ركابه ، وقد وصف الامام امير المؤمنين هذه السياسة الملتوية بقوله :

« الى ان قام ثالث القوم ـ يعني عثمان ـ نافجا حضنيه(2) بين نثيله ومعتلفه(3) وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع »

وهذا أبدع ما توصف به السياسة المنحرفة التي تتخذ الحكم وسيلة للثراء والتمتع بملاذ الحياة ، ولا تقيم وزنا للامة ، ولا تعتني بمصالحها وأهدافها.

وقد أصدر الامام أمير المؤمنين قراره الحاسم بعد ان استولى على زمام الحكم بمصادرة جميع الاموال التي استأثر بها عثمان لنفسه ، والتي وهبها لخاصته وأقربائه ، وهذا نص قراره :

« الا ان كل قطيعة اقطعها عثمان ، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال ، فان الحق القديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته قد تزوج به النساء ، وفرق في البلدان لرددته الى حاله فان في العدل سعة

__________________

(1) طبقات ابن سعد 3 / 53

(2) نافجا حضنيه : اي رافعا لهما ، والحضن ما بين الابط والكشح ، يقال للمتكبر : جاء نافجا حضنيه ، ويقال لمن امتلأ بطنه طعاما : جاء نافجا حضنيه ، ومراده (ع) هو الثاني.

(3) النثيل : الروث ، والمعتلف : موضع العلف يريد به ان همه الاكل والرجيع ، وهذا من ممض الذم كما يقول ابن ابى الحديد.

٢٢٥

ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق »(1)

وكان هذا الاجراء الذي اتخذه الامام على وفق العدل الاسلامي الذي حدد صلاحية المسئولين ، ولم يطلق لهم العنان فى التصرف بأموال الامة ، والاستئثار بها ، فليس لهم أن يصطفوا منها لأنفسهم ولا لذراريهم فهذا رسول الله6 قد جاءته ابنته الوحيدة التي لا عقب له سواها تطلب منه ان يبغي لها وصيفا يخدمها لأن يديها قد مجلت من الرحى ، فلم يجد6 مجالا لأن يأخذ من بيت المال ما يشتري به وصيفا يعين ابنته فردها ، وعلمها التسبيح الذي ينسب لها ، وقد سار على هذه السيرة وصيه وباب مدينة علمه الامام امير المؤمنين7 فقد جاء أخوه عقيل يستميحه البر ، ويطلب منه السعة والرفاهية فاحمى له حديدة كاد ان يحترق من ميسمها ، هذا هو منطق الاسلام الذي جاء لاسعاد الشعوب واصلاحها وانقاذها من البؤس والفقر والحرمان.

مع الدكتور طه حسين

وتناقضت أقوال الدكتور طه حسين تناقضا صريحا في تصوير السياسة المالية التي انتهجها عثمان ، فتارة يسف في قوله فيزعم انه كان محافظا على سيرة عمر فى سياسة المال فلم يخالفه فى ذلك ، ولم يشذ عنه فى جميع أعماله الادارية والحربية ، وفيما كان يأخذ به عامة المسلمين من الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والتزام السنة الموروثة ، واجتناب التكلف والابتداع(2) واخرى يستقيم فى قوله فيذهب الى أنه انحرف عن سياسة عمر فى الابقاء على بيت المال ، وفى ألا ينفق منه إلا بمقدار الحاجة الى الانفاق ، وأنه

__________________

(1) نهج البلاغة 1 / 46

(2) الفتنة الكبرى 1 / 72

٢٢٦

كان ينكر تشدد عمر ، ويرى أن فى بيت المال ما يسع الناس اكثر مما وسعهم أيام عمر فهو نقد غير مباشر لسيرة عمر فى سياسة بيت المال(1) ومعنى هذا انه لم يتقيد بسيرة عمر ، ولم يطبق سياسته على واقع حكومته وهذا ينافى ما ذكره أولا ، من انه كان يسير على وفق الاهداف التي سار عليها عمر.

وعلى أي حال فقد مال أخيرا الى تصحيح سياسته المالية وانها لم تخالف السنة الموروثة ، ولم تخل من الخير ومراعاة الصالح العام ، ونسوق نص كلامه فى ذلك مع مواقع النظر فيه وهو كما يلي :

أفاد الدكتور ما نصه : « الشيء المحقق هو ان عثمان لم يدهن في دينه والشيء المحقق أيضا هو ان عثمان لم ير في سياسته تلك مخالفة خطيرة او غير خطيرة لسيرة الشيخين ، فهو لم يعتمد الجور ولا المحاباة ، وإنما وسع على الناس من أموالهم ، رأى فى بيت المال غنى فآثر الناس به ، ولم يغل فى الادخار. وأي حرج فى أن يصل اصحاب النبي بشيء من هذا المال قليل او كثير ، وهم أئمة الاسلام وبناة الدولة وأصحاب البلاء الحسن ايام النبيّ ، وهم قد احتملوا من الشدة والحرمان شيئا كثيرا! وقد صدق الله وعده واكثر الخير ، فأي الناس أحق من هؤلاء المهاجرين ان يستمتعوا بشيء من هذا الخير الكثير »(2)

ومواقع النظر فى كلامه ما يلي :

1 ـ انه ذهب الى أن عثمان لم يدهن فى دينه ، وأنه لم ير في سياسته مخالفة خطيرة او غير خطيرة لسيرة الشيخين ، ولم يتعمد الجور ولا المحاباة.

__________________

(1) الفتنة الكبرى 1 / 74

(2) الفتنة الكبرى 1 / 77

٢٢٧

أما ان عثمان لم يدهن فى دينه فيزيفه اعلانه للتوبة ، وانه قد جافى العدل ، وانحرف عن الطريق القويم وهذا نص توبته :

« أما بعد : أيها الناس ، فو الله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله وما جئت إلا وأنا أعرفه ، ولكني منتنى نفسي ، وكذبتني ، وضل عني رشدي ، ولقد سمعت رسول الله6 يقول : من زلّ فليتب(1) ومن أخطأ فليتب ، ولا يتمادى في الهلكة إن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق ، فانا أول من اتعظ ، استغفر الله عما فعلت وأتوب إليه »(2)

وهي صريحة في أنه سلك غير الجادة ، وشذ عن السنة الموروثة ، وأنه على بصيرة من ذلك لم يجهله ، ولم يغب عنه علمه وانما ارتكب ما ارتكب من المخالفات للسنة كهباته للأمويين ، وصلاته لآل أبى معيط ، وتنكيله باعلام الصحابة الناقدين لسياسته ، وغير ذلك من الاحداث الجسام ، انما هو استجابة لعواطفه ورغباته فان نفسه قد منته بذلك حتى ضل عنه رشده وفقد صوابه ـ على حد تعبيره ـ ومع اعترافه بذلك ، وتسجيله على نفسه انه انحرف عن الطريق كيف يمكن ان يقال إنه لم يدهن في دينه ، ولم يتعمد الجور والمحاباة.

2 ـ أما ما ذكره من أن عثمان وسع على الناس من أموالهم لأنه رأى فى بيت المال غنى فآثر الناس به ، ولم يغل في الادخار فان هذا لا يمكن المساعدة عليه بوجه فان عثمان لم يوسع على الناس ، ولم يبسط لهم فى العيش وإلا لما ثاروا عليه ، وقتلوه ، وإنما وسع على نفسه وخاصته ،

__________________

(1) في رواية البلاذري من زل فلينب

(2) تاريخ الطبري

٢٢٨

ووسع على بنى أميّة والمؤيدين لسياسته فآثرهم بالفىء ، وخصهم بأموال الدولة الامر الذي اوجب شيوع التذمر ، ونقمة المسلمين عليه في جميع اقطارهم وأقاليمهم حتى أطاحوا بحكمه ، وأردوه قتيلا لم يواروه فى قبره حتى ندم خيار المسلمين على عدم حرق جثته(1)

3 ـ وأما ما أفاده من أنه لا حرج ، ولا اثم على عثمان في صلته لأصحاب النبي6 بالاموال لأنهم أئمة المسلمين ، وأصحاب البلاء الحسن ، فأي الناس احق منهم بالاستمتاع بشيء من هذا الخير. فانه ظاهر البطلان لأن بيت المال ـ كما ذكرنا غير مرة ـ هو للمسلمين جميعا لا يختص به قوم دون آخرين ، ويجب صرفه على مصالحهم ، واصلاح شئونهم ، وليس لطائفة مهما علا شأنها ان تختص به ، وتحرم منه الاكثرية الساحقة ، على ان الاسلام فى ذلك الوقت احوج ما يكون الى بسط عدله الاجتماعي بين الشعوب المتعطشة الى مساواته العادلة التي لا تميز قوما على آخرين ، ولكن عثمان آثر بنى أميّة في كل شيء آثرهم بالاموال والوظائف وحملهم على رقاب الناس الامر الذي أدى الى تحطيم المساواة التي جاء بها الاسلام.

وأما سبق المهاجرين من اصحاب رسول الله6 الى الاسلام ودفاعهم عن حياضه ، وتحملهم للعناء والبلاء فى سبيله فامر لا مجال للشك فيه ، وهم مشكورون عليه ، والله هو الذي يتولى جزاءهم عن ذلك ، ولكن منحهم بالاموال والاغداق عليهم بالنعم فامر لا مساغ له لأن فيه إحياء للطبقية التي حاربها الاسلام وشجب جميع مظاهرها.

ويمضى الدكتور فى تصحيح سياسة عثمان ، ومشروعية هباته للصحابة

__________________

(1) قال ذلك الصحابي العظيم عمار بن ياسر انظر الغدير 9 / 216

٢٢٩

وانه لم يخالف بذلك السنة الموروثة ، وإنما جرى على طبعه السخي ، ولم يذكر هباته الضخمة ، وعطاياه الوافرة للامويين وآل أبي معيط فقد اعرض سيادته عن ذلك ولم يذكره بقليل ولا بكثير ، وهو فيما نحسب من أهم الاسباب التي أدت الى الانكار عليه ، لقد أهمل الدكتور هذه الناحية أما لأنه لم يجد مجالا للاعتذار عنها أو انه لا يرى بأسا في ذلك كما لا يرى بأسا في عطاياه للصحابة ، ومن المؤسف ان يسف فى ذلك ، ويبرر ما خالف السنة.

ولاته على الامصار

ويحتم الاسلام على خليفة المسلمين ، وولي أمرهم أن يجهد نفسه في اختيار ذوي القابليات والمواهب ممن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة من العدالة والتقوى ، والنزاهة ، والنصح للرعية ، والسهر على صالحها ، ورعاية شئونها بأمانة واخلاص ليجعلهم ولاة على الامصار والاقاليم ، ولا يجوز ان يولي أي احد مهما كان قريبا له محاباة او اثرة فان ذلك خيانة لله ولرسوله ، وللمسلمين لأن الولاة يتحملون مسئولية الحكم ، والقضاء بين الناس ، وادارة شئونهم والاصلاح فيما بينهم ، والائتمان على أموالهم ودمائهم فلا بد ان يكونوا من خيرة الرجال ومن اكثرهم دينا ، ووقوفا في الشبهات ، وأبعدهم عن الطمع والحرص ، واصبرهم على تكشف الامور هذا هو رأي الاسلام ، وهذه خطته التي حفل بها نظامه الخالد ، وقد ابتعد عثمان عن ذلك فعمد الى توظيف اسرته وذوى قرباه الذين حاربوا الله ورسوله وسعوا في الارض فسادا فحملهم على رقاب المسلمين وأسند إليهم اهم الوظائف فجعلهم أمراء على الامصار والاقاليم ، ونشير الى بعضهم مع بيان تراجمهم وهم :

1 ـ الوليد بن عقبة

٢٣٠

وكان على الكوفة واليا سعد بن أبي وقاص الزهري فعزله عثمان عنها وولى عليها الوليد بن عقبة بن ابي معيط ولم يعهد الى اهل الكفاية والقدرة من المهاجرين والانصار الذين احسنوا البلاء فى الاسلام ليتولوا شئون هذا المصر الذي هو من اعظم امصار المسلمين أهمية وأكثرها ثغورا.

وعلى أي حال فهل ان الوليد كان خليقا لأن يعهد إليه بهذا المنصب الخطير الذي يوكل إليه القضاء بين الناس وإتمامهم به في الصلاة ، والائتمان على بيت المال وغير ذلك من الشؤون التي تتوقف على العدالة والتقوى والحريجة فى الدين ونقدم عرضا موجزا لبعض شئونه ليتضح حاله وهي :

أ ـ نشأته

نشأ فى مجتمع جاهلي ، وتربى تربية جاهلية ، ولم يدخل بصيص من نور الاسلام فى قلبه ، كان ابوه من ألد اعداء رسول الله6 روت عائشة عن رسول الله6 قال : كنت بين شرّ جارين بين أبي لهب وبين عقبة بن ابي معيط ، إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي حتى أنهم ليأتون ببعض ما يطرحونه من الاذى فيطرحونه على بابي(1) وقد بصق هذا اللعين فى وجه رسول الله6 وشتمه ، فقال له النبي : إن وجدتك خارجا من جبال مكة اضرب عنقك صبرا ، فلما كان يوم بدر وخرج اصحابه امتنع من الخروج فقال له اصحابه اخرج معنا ، قال وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة ان يضرب عنقى صبرا ، فقالوا له : لك جمل احمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه فخرج معهم ، فلما هزم الله المشركين حمل به جمله في جدود من الارض فأخذه رسول الله6

__________________

(1) طبقات ابن سعد 1 / 186 ط مصر

٢٣١

أسيرا في سبعين من قريش فقدم إليه فقال عقبة أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال نعم بما بزقت في وجهي ، ثم أمر عليا فضرب عنقه(1) وقد اترعت نفس الوليد بالحقد والكراهية من النبيّ6 لأنه قد وتره بأبيه ، ولما لم يجد بدا من الدخول فى الاسلام اسلم ولكن قلبه كان مطمئنا بالكفر والنفاق.

ب ـ فسقه

ونطق القرآن الكريم بفسقه ، وعدم ايمانه مرتين « الاولى » انه جرت بينه وبين امير المؤمنين مشادة ، فقال الوليد له : اسكت فانك صبي وأنا شيخ ، والله اني ابسط منك لسانا ، وأحد منك سنانا ، واشجع منك جنانا ، وأملأ منك حشوا في الكثيبة ، فقال له علي : اسكت فانك فاسق فانزل الله تعالى فيهما قوله :( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً ) (2) وقد نظم ذلك حسان بن ثابت بقوله :

أنزل الله والكتاب عزيز

في علي وفى الوليد قرانا

فتبوا الوليد من ذاك فسقا

وعلي مبوأ إيمانا

ليس من كان مؤمنا عرف الله

كمن كان فاسقا خوانا

فعلي يلقى لدى الله عزا

ووليد يلقى هناك هوانا

سوف يجزى الوليد خزيا ونارا

وعلي لا شك يجزى جنانا(3)

« الثانية » أنه غش النبيّ وكذب عليه وذلك حينما ارسله في بنى المصطلق ، فعاد الى النبيّ يزعم انهم منعوه الصدقة ، فخرج النبي

__________________

(1) الغدير 8 / 273

(2) تفسير الطبري 21 / 62

(3) تذكرة الخواص ص 115

٢٣٢

6 إليهم غازيا فتبين له كذب الوليد ، ونزلت عليه الآية بفسقه قال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (1)

ومع اعلان القرآن بفسقه وأثمه كيف يجوز أن يجعل حاكما على المسلمين واماما لهم ومؤتمنا على أموالهم ودمائهم.

ج ـ ولايته على الكوفة

واستعمله عثمان واليا على الكوفة بعد عزله لسعد ، فسار فيها سيرة عبث ومجون وتهتك ، ولم يرع للدين حرمة ووقارا ، وأخذ يعيث فسادا في الارض حتى ضجت الكوفة من مجونه واستهتاره وتذمر الاخيار والصلحاء من سوء سيرته.

د ـ شربه للخمر

واقترف الوليد افحش جريمة ، وافظع ذنب فقد ثمل وصلى بالناس صلاة الصبح أربع ركعات ، وصار يقول : في ركوعه وسجوده : اشرب واسقنى. ثم قاء فى المحراب وسلم ، وقال هل ازيدكم؟ فقال له ابن مسعود : لا زادك الله خيرا ، ولا من بعثك إلينا ، وأخذ فردة نعله ، وضرب به وجه الوليد ، وحصبه الناس فدخل القصر والحصباء تأخذه ، وهو مترنح(2) وفي فعله يقول الحطيئة جرول بن أوس العبسي :

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه

إن الوليد أحق بالعذر

نادى وقد تمت صلاتهم

أأزيدكم؟ ثملا ولا يدرى

__________________

(1) سورة الحجرات : آية 6 يقول ابن عبد البر فى الاستيعاب 2 / 62 لا خلاف بين اهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت ان الآية نزلت فى الوليد.

(2) السيرة الحلبية 2 / 314

٢٣٣

ليزيدهم خيرا ولو قبلوا

منه لزادهم على عشر

فأبوا أبا وهب ولو فعلوا

لقرنت بين الشفع والوتر

حبسوا عنانك اذ جريت

ولو خلوا عنانك لم تزل تجري(1)

وقال الحطيئة فيه أيضا :

تكلم في الصلاة وزاد فيها

علانية وجاهر بالنفاق

ومج الخمر عن سنن المصلي

ونادى والجميع الى افتراق

أزيدكم على أن تحمدوني

فما لكم وما لي من خلاق(2)

وهذه البادرة قد دلت على تهتكه ، وتماديه فى الاثم والفسوق ، فلم يرع حرمة للصلاة التي هي من اهم الشعائر الدينية ، واعظمها حرمة عند الله رأي طه حسين

ويعتقد طه حسين ان صلاة الوليد بالمسلمين ، وهو ثمل وزيادته فيها قصة مخترعة لا نصيب لها من الصحة قد وضعها خصوم الوليد والصقوها به ويستدل على ذلك أنه لو زاد فيها لما تبعته جماعة المسلمين من اهل الكوفة ، وفيهم نفر من اصحاب النبي ، وفيهم القراء والصالحون ، ولما رضى المسلمون من عثمان بما اقام عليه من حد الخمر ، فان الزيادة في الصلاة والعبث بها اعظم خطرا عند الله وعند المسلمين من شرب الخمر ، كما يذهب الى ان الشعر الذي هجي به الوليد لم يقله الحطيئة ، وانما قال الحطيئة شعرا يمدح به الوليد مدح حب حريص على رضاه ، وذكر أبياتا قالها في مدحه والثناء عليه(3) والذي ذكره الدكتور لا يمكن المساعدة

__________________

(1) الاغاني 4 / 178 ـ 179

(2) الاغاني 4 / 178 ، الاستيعاب

(3) الفتنة الكبرى 1 / 96 ـ 97

٢٣٤

عليه بوجه وذلك ـ أولا ـ ان النصوص قد تضافرت بذلك ودونها الكثير ممن ترجم الوليد أو تعرض لأحداث عثمان فقد قال ابو عمر في الاستيعاب : « ان صلاته ـ اي الوليد ـ بهم وهو سكران ، وقوله ازيدكم؟ بعد ان صلى الصبح اربعا مشهورة من رواية الثقات من أهل الحديث وأهل الاخبار » وقال ابن حجر في الاصابة : « قصة صلاته بالناس الصبح وهو سكران مشهورة مخرجة » وحكى أبو الفرج في الاغاني ( 14 / 178 ) عن ابى عبيد والكلبي والاصمعي ان الوليد بن عقبة كان زانيا شريب خمر فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح فى المسجد الجامع فصلى بهم اربع ركعات ثم التفت إليهم ، وقال لهم ازيدكم؟ وتقيأ في المحراب ، وقرأ بهم في الصلاة :

علق القلب الربابا

بعد ما شابت وشابا

إن التشكيك في هذا الحادث والاعتقاد بأنه من الموضوعات انكار للضروريات ، وتشكيك في البديهيات وفي الهامش ثبت الى المصادر التي دونت ذلك ، وهي توجب القطع بصحته ، وعدم الريب فيه(1) ـ وثانيا ـ إن الله تعالى هو العالم بسرائر عباده ونياتهم ، وقد اعلن في كتابه الكريم فسق الوليد وفجوره في آيتين فلا يستبعد منه بعد ذلك أن تصدر منه افحش الموبقات واعظم الجرائم ـ وثالثا ـ ان صلحاء المسلمين وخيارهم

__________________

(1) مسند احمد 1 / 144 ، سنن البيهقي 8 / 318 ، اسد الغابة 5 / 91 ـ 92 ، مروج الذهب 2 / 224 ، الكامل لابن الاثير 3 / 42 ، تأريخ ابى الفدا 2 / 176 ، تأريخ الخلفاء للسيوطي ص 104 ، تأريخ اليعقوبي 2 / 142 ، الاصابة 3 / 638 ، هذه بعض المصادر التي نصت على ذلك ، فعلى اي مصدر اعتمد الدكتور فى افتعال القصة وعدم صحتها.

٢٣٥

قد انكروا عليه ونقموا منه وثاروا في وجهه ، فقد ضربه عبد الله بن مسعود بنعله ، وحصبه الناس ـ كما تقدم ـ وخرج رهط من الكوفة فاستجاروا باعلام الصحابة ، لينقذوهم من امارة الوليد واستهتاره ـ كما سنذكر ذلك ـ وما زعمه الدكتور طه حسين ان جماعة من المسلمين من أهل الكوفة قد تبعته وفيهم من أصحاب النبيّ والصالحين ، قد غالط بذلك الحقائق التأريخية التي نصت على ما ذكرناه ـ ورابعا ـ ان الحطيئة وان كان قد مدح الوليد واخلص له فانه لا ينافي أنه نقم منه وهجاه على ارتكابه هذه الجريمة النكراء التي سود بها وجه التأريخ الاسلامى والعربي.

إن الحطيئة عرف بالهجاء والمدح فهو قد يمدح شخصا يأمل منه البر والخير فاذا لم يعطه هجاه وذمه فقد قصد بنى ذهل يسترفدهم ، ويستميحهم العطاء ، ويقول في مدحهم :

إن اليمامة خير ساكنها

أهل القرية من بني ذهل

قوم اذا انتسبوا ففرعهم

فرعي وأثبت أصلهم اصلي

فلم يعطوه شيئا فقال يهجوهم :

ان اليمامة شر ساكنها

أهل القرية من بني ذهل

وكان اذا غضب على بنى عبس يهجوهم ويقول انا من بنى ذهل وإذا غضب على بنى ذهل يهجوهم ويقول لهم : أنا من بنى عبس ، وقد غضب على أمه فهجاها بقوله :

تنحي فاجلسى منى بعيدا

أراح الله منك العالمينا

أغربالا اذا استودعت سرا

وكانونا على المحدثينا

حياتك ما علمت حياة سوء

وموتك قد يسر الصالحينا

٢٣٦

والتمس انسانا يهجوه فلم يجده فانشأ يقول :

أبت شفتاي اليوم إلا تكلما

بشر فما ادري لمن انا قائله

وجعل يردد البيت ، ولا يرى انسانا حتى اذا طلع على حوض فرأى وجهه فقال :

أرى لي وجها شوه الله خلقه

فقبح من وجه وقبح حامله(1)

هذا هو الحطيئة فهل خفى حاله على الدكتور حتى يستبعد منه ان يمدح الوليد ويهجوه؟

وعلى أي حال فان طه حسين قد حاول تبرير الوليد ، وتنزيهه عن الموبقات والآثام وإلحاقه بالامراء الصالحين الذين لم يجوروا عن القصد فى حكمهم وقد قال فيه ما نصه :

« إن الوليد قد سار في اثناء ولايته على الكوفة سيرة فيها كثير جدا من الغناء وحسن البلاء. فهو لم يقصر في سد الثغور والامعان فى الفتح ، وإنما بلغ من ذلك غاية عرفت له وتحدث بها الناس في حياته وبعد موته وهو قد ساس الكوفة سياسة حزم وعزم ومضاء ، فاقر الامن ، وضرب على ايدي المفسدين من الاحداث والذين لا يرعون للنظام حرمة ، ولا يرجون للدين وقارا. »(2)

وهل يستطيع الدكتور ان يثبت ذلك ويدلنا على معالم تلك السياسة الرشيدة التي سار عليها الوليد وتحدث الناس بها في حياته وبعد وفاته ، ولو كان الامر كما ذكره لما قام سعيد بن العاص ـ الذي عينه عثمان واليا على الكوفة بعد عزله للوليد ـ بغسل المنبر تحرجا من موبقات الوليد

__________________

(1) الاغاني المجلد الثانى القسم الاول ص 76 ـ 84 ط دار الفكر

(2) الفتنة الكبرى 1 / 94 ـ 95

٢٣٧

وآثامه. نعم لقد تحدث الناس ، ولا زالوا يتحدثون عن مهازل الحكم الاموي الذي بنى على الاثرة والاستغلال والتحكم فى رقاب المسلمين ، وخيانة الامة ، وقهرها واذلالها باستعمال الوليد وأمثاله من الماجنين والمستهترين حكاما وولاة عليها وإنا لنأسف من الدكتور ان يدافع عن هؤلاء الخونة الذين هم صفحة عار وخزي على الامة العربية والاسلامية.

ه ـ اقامة الحد عليه

واسرع قوم من الكوفيين ممن يهمهم الاصلاح الى يثرب ليعرضوا على عثمان جريمة الوليد ، وانتهاكه لحرمة الاسلام ، وقد صحبوا معهم خاتمه الذي انتزعوه منه وهو في حالة السكر ، ولما انتهوا الى يثرب قابلوا عثمان ، وشهدوا عنده ان الوليد قد شرب الخمر فزجرهم عثمان وقال لهم :

« وما يدريكما أنه شرب خمرا؟. »

« هى الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية »

وأخرجوا له خاتمه الذي انتزعوه منه ، فثار عثمان ، وقام فدفع في صدورهم ، وقابلهم بأمر القول ، فانطلقوا الى امير المؤمنين(1) وأخبروه بالامر فأقبل الامام الى عثمان وقال له :

__________________

(1) وذكر ابو الفرج فى الاغاني 4 / 179 ان القوم فزعوا الى عائشة فاستجاروا بها واصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال : اما يجد مراق اهل العراق وفساقهم ملجأ الا بيت عائشة ، فسمعت فرفعت نعل رسول الله «ص» وقالت تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل. فتسامع الناس فجاءوا حتى ملأوا المسجد فمن قائل : احسنت ، ومن قائل ما للنساء ولهذا؟ حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال ودخل رهط من اصحاب رسول الله على عثمان فقالوا له : اتّق الله لا تعطل الحد واعزل اخاك.

٢٣٨

« دفعت الشهود وأبطلت الحدود؟ »

« ما ترى؟ »

« أرى ان تبعث الى صاحبك فان اقاما الشهادة في وجهه ، ولم يدل بحجة أقمت عليه الحد. »

ولم يجد عثمان بدا من الاذعان ، والاستجابة لقول الامام فكتب الى الوليد يأمره بالشخوص إليه ، ولما وصلت رسالته إليه نزح عن الكوفة فانتهى الى يثرب ، ودعا عثمان الشهود فأقاموا عليه الشهادة ، ولم يدل الوليد بأي حجة يدافع بها عن نفسه ، وامتنع حضار المجلس من القيام بحده نظرا لقربه من عثمان ، فانبرى امير المؤمنين فأخذ السوط ودنا منه فسبه الوليد ، وقال : يا صاحب مكس(1) فاندفع عقيل بن أبي طالب ، فرد على الوليد قائلا :

« إنك لتتكلم يا بن ابي معيط ، كأنك لا تدري من أنت ، وأنت علج من أهل صفورية ـ وهى قرية بين عكة واللجون من اعمال الاردن من بلاد طبرية ، كان ذكوان اباه يهوديا منها ـ

وجعل الوليد يروغ من الامام فاجتذبه ، وضرب به الارض وعلاه بالسوط ، فثار عثمان ، وقد علاه الغضب فقال للامام :

« ليس لك ان تفعل به هذا »

« بلى وشر من هذا اذا فسق ومنع حق الله ان يؤخذ منه »(2)

واقام الامام عليه الحد وكان اللازم بعد هذا الحادث أن يبعده عثمان ولا يقربه إليه حتى يرتدع هو وغيره من ارتكاب المنكر والفساد ولكنه

__________________

(1) المكس : النقص والظلم.

(2) مروج الذهب 2 / 225

٢٣٩

لم يلبث ان رق عليه وولاه صدقات كلب ، وبلقين(1) وكيف يؤتمن هذا الخليع الفاسق على صدقات المسلمين وأموالهم؟

إن الامصار الاسلامية التي استجد تأسيس بعضها ، والتي لم يستجد تأسيسها كان يقيم فيها العربي وغيره من النازحين عن أوطانهم لطلب الرزق والعيش ، والاسرى الذين كانوا يقيمون مع الفاتحين وكل اولئك كانوا جديدى عهد بالاسلام فكانوا ينتظرون من خليفة المسلمين وولي أمرهم ان يستعمل عليهم رجالا اترعت نفوسهم بالتقوى والصلاح ، وتوفرت فيهم النزعات الخيرة ليكونوا قدوة لهم وهداة قبل ان يكونوا حكاما وامراء ولكن عثمان آثر في الحكم بنى أميّة وآل أبي معيط وهم لا يمثلون إلا الترف والدعارة والبطالة والفراغ والتهالك على اللذة والمجون.

2 ـ سعيد بن العاص

وبعد ان اقترف الوليد تلك الجريمة النكراء اقصاه عثمان عن امارة الكوفة على كره منه ، وكان من المتوقع ان يسند الحكم الى أحد اعلام الصحابة من الذين أبلوا فى الاسلام بلاء حسنا ، ولكنه عمد الى سعيد ابن العاص فولاه هذا المصر العظيم ، وقد استقبله الكوفيون بالكراهية وعدم الرضا لأنه كان شابا مترفا(2) لا يتحرج من الاثم ولا يتورع من الإفك روى ابن سعد أنه قال مرة في فطر رمضان ـ بعد أن ولي المصر ـ من رأى منكم الهلال؟ فقال إليه هاشم بن عتبة الصحابي العظيم « انا رأيته »

فوجه إليه لاذع القول وأقساه قائلا :

« بعينك هذه العوراء رأيته؟! »

__________________

(1) تأريخ اليعقوبي 2 / 142

(2) طبقات ابن سعد 5 / 21 ، تاريخ ابن عساكر 6 / 135

٢٤٠