حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام0%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: دار البلاغة
تصنيف:

الصفحات: 530
المشاهدات: 199738
تحميل: 6679


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199738 / تحميل: 6679
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

وكان أحسن منها إعتاقها(1) .

8 ـ ومن مكارمه (ع) أن مروان بن الحكم قال : إني لمشغوف ببغلة الحسن بن علي فمن يأتيني بها؟ فأنبرى إليه ابن أبي عتيق قائلا :

ـ أنا آتيك بها لكن بشرط أن تقضي لي ثلاثين حاجة؟

ـ التزم لك بذلك.

فقال ابن أبي عتيق لمروان : إذا اجتمع الناس عندك العشية فاني آخذ في مآثر قريش وأمسك عن الحسن فلمنى على ذلك ، فلما اجتمع الناسى أخذ ابن أبي عتيق في مآثر قريش وسكت عن ذكر فضائل الامام الحسن (ع) ، فقال له مروان ألا تذكر أولية أبي محمد ، وله فى هذا ما ليس لأحد منا ، فقال ابن أبي عتيق : إنما كنا في ذكر الاشراف ولو كنا في ذكر الأنبياء لذكرنا فضائل أبي محمد ، ولما خرج الامام (ع) تبعه ابن ابي عتيق فلما نظر إليه الحسن (ع) تبسم وعرف الغاية من مديحه فقال (ع) له : ألك حاجة؟ فقال : نعم ذكرت البغلة ، فنزل (ع) عنها ودفعها إليه(2) .

9 ـ ومن جوده (ع) أن رجلا سأله أن يعطيه شيئا فقال له (ع) إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح(3) أو فقر مدقع أو حمالة مفظعة(4) فقال ما جئت إلا فى إحداهن ، فأمر (ع) له بمائة دينار ،

__________________

(1) المناقب 2 / 23.

(2) الكامل للمبرد 2 / 13.

(3) الغرم الفادح هو لدين الثقيل.

(4) الحمالة. بالفتح هو ما يتحمله الشخص من الدية والغرامة عن قومه ، المفظعة الشيء الشديد.

٣٠١

ثم انعطف الرجل نحو الحسين (ع) فسأله مثل سؤال اخيه فأعطاه مائة دينار سوى دينار لأنه كره أن يساوى أخاه في عطائه وانعطف الرجل بعد ذلك إلى عبد الله بن عمر فسأله فأعطاه سبعة دنانير ، فقال الرجل : لعبد الله إني أتيت الحسن والحسين وحكى له ما جرى له معهما فقال ابن عمر : ويحك أنى تجعلني مثلهما؟! انهما غرا العلم(1) . غرا المال(2) .

10 ـ ومن مكارمه (ع) أنه ما اشترى من أحد حائطا ثم أفتقر البائع إلا ورده عليه وأردفه بالثمن معه(3) .

11 ـ وجاءه فقير يشكو حاله ولم يك عنده (ع) في ذلك اليوم شيء فعز عليه الامر واستحى من رده فقال (ع) له : إني أدلك على شيء يحصل لك منه الخير ، فقال الفقير يا بن رسول الله ما هو؟! قال7 اذهب إلى الخليفة فان ابنته قد توفيت وانقطع عليها وما سمع من أحد تعزية بليغة فعزه بهذه الكلمات يحصل لك منه الخير ، قال يا بن رسول الله حفظني إياها ، قال (ع) قل له الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها ولم يهتكها بجلوسها على قبرك ، وحفظ الفقير هذه الكلمات وجاء إلى الخليفة فعزاه بها ، فذهب عنه حزنه وأمر له بجائزة وقال له :

أكلامك هذا؟

ـ لا : وإنما هو كلام الامام الحسن.

الخليفة : صدقت فانه معدن الكلام الفصيح وأمر له بجائزة أخرى(4) .

__________________

(1) غرا العلم اي القما العلم ومنه حديث معاوية كان النبي يغر عليا بالعلم.

(2) عيون الاخبار لابن قتيبة 3 / 140.

(3) الطبقات الكبرى للشعرانى 1 / 23.

(4) نور الابصار ص 111.

٣٠٢

وذكر المترجمون للإمام صورا كثيرة من ألوان بره ومعروفه على الفقراء وقيامه بانقاذهم من كابوس الحاجة والفقر الى الدعة والسعة فى العيش ، وجميع تلك المبرات التي أسداها عليهم كانت خالصة لوجه الله ، ولم تكن مشفوعة بأي غرض من الاغراض فإنه كان يمنحهم العطاء والبر قبل أن يبوحوا بحاجاتهم ، ويذكروا مديحهم وثناءهم لئلا يظهر عليهم ذل السؤال والاحتياج.

عبادته وتقواه

ان الانسان كلما ازداد معرفة بالله ازداد إيمانا به ، وحبا له ، وانقيادا لأوامره وطاعته ، وسعيا في جميع الوسائل التي تقربه إليه.

والامام الحسن قد تغذى بلباب المعرفة ، وبجوهر الايمان ، وبواقع الدين وانطبعت مثله في دخائل نفسه واعماق ذاته ، فكان من اشد الناس إيمانا ، ومن اكثرهم اخلاصا وطاعة لله ، وقد حدث الرواة عن مدى طاعته فقالوا : إنه لم ير في وقت من الاوقات إلا وهو يلهج بذكر الله ،(1) وانه اذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم(2) فسأل الله الجنة وتعوذ من النار ، واذا ذكر الموت وما يعقبه من البعث والنشور بكى بكاء الخائفين والمنيبين(3) واذا ذكر العرض على الله شهق شهقة يغشى عليه منها(4) ، وكان من اشد المعتبرين بالموت فاذا حضر جنازة

__________________

(1) أمالي الصدوق صفحة 108

(2) السليم : من لسعه العقرب

(3) اعيان الشيعة 4 / 11

(4) أمالي الصدوق : صفحة 108

٣٠٣

ظهرت عليه السكينة أياما ، واذا مات فى جواره ميت سمع منه النحيب والبكاء كما يسمع من دار الميت(1) ودلت هذه الامور على عظيم طاعته وخوفه من الله ، ونسوق الى القراء بعض مظاهر عبادته :

1 ـ وضوؤه وصلاته

كان الامام اذا اراد الوضوء تغير حاله ، وداخله خوف عميق حتى يصفر لونه وترتعد فرائصه ، وسئل عن سر ذلك فقال :

« حق على من وقف بين يدي رب العرش أن ترتعد فرائصه ، ويصفر لونه »

واذا فرغ من الوضوء وأراد الدخول الى المسجد رفع صوته قائلا :

« إلهي : ضيفك ببابك ، يا محسن قد أتاك المسيء ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم »(2)

واذا اقبل على صلاته بدا عليه الخضوع والخشوع ، وظهر عليه الخوف حتى ترتعد جميع فرائصه واعضائه(3) واذا فرغ من صلاة الفجر لا يتكلم الا بذكر الله حتى تطلع الشمس(4)

2 ـ حجه

ومن مظاهر عبادته وعظيم اخلاصه وطاعته لله تعالى انه حج بيت الله الحرام خمسا وعشرين حجة ماشيا على قدميه وكانت النجائب(5) ،

__________________

(1) مجموعة ورام صفحة 317

(2) البحار 10 / 93 ، أمالي الصدوق صفحة 108 ، روضة الواعظين

(3) أمالي الصدوق صفحة 108

(4) البحار 10 / 93

(5) النجائب : جمع ، مفرده نجيبة وهي الفاضل من الحيوانات وفي بعض ـ

٣٠٤

تقاد بين يديه(1) وسئل عن كثرة حجه ماشيا فأجاب : « اني استحي من ربي أن لا امضي الى بيته ماشيا على قدمي(2)

3 ـ تلاوته للقرآن

كان الامام يتلو الذكر الحكيم تلاوة امعان وتدبر فلا يمر بآية تشتمل على نداء المؤمنين إلا قال : لبيك. اللهم لبيك(3) وكان يقرأ في كل ليلة سورة الكهف(4)

4 ـ التصدق بأمواله

وقدم الامام في سبيل مرضاة الله كل غال ونفيس ، فقد خرج عن جميع ما يملك مرتين ، وشاطر الله أمواله ثلاث مرات حتى أعطى نعلا وامسك اخرى(5)

زهده

ورفض الامام جميع مباهج الحياة ، وزهد في ملاذها ونعيمها ، واتجه الى الدار الآخرة التي أعدها الله للمتقين من عباده ، وقد تحدث7

__________________

ـ المصادر وان الجنائب لتقاد بين يديه ، والجنائب. جمع جنيبة وهي الدابة التي تقاد.

(1) اللمعة كتاب الحج واعيان الشيعة ، وقيل انه حج خمس عشرة حجة ، وقيل عشرون ، وذكر الصدوق فى أماليه انه ربما مشى حافيا الى بيت الله.

(2) اعيان الشيعة 4 / 11

(3) أمالي الصدوق ص 108

(4) تاريخ ابن كثير 8 / 37

(5) اسد الغابة 2 / 13 ، البحار 10 / 94

٣٠٥

عن عزوفه عن الدنيا ، واقتناعه بالقليل منها يقول :

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني

وشربة من قراح الماء تكفيني

وطرة من دقيق الثوب(1) تسترني

حيا وان مت تكفيني لتكفيني(2)

ورسم على خاتمه بيتين من الشعر يلمس فيهما مدى زهده وهما :

قدم لنفسك ما استطعت من التقى

إن المنية نازل بك يا فتى

أصبحت ذا فرح كأنك لا ترى

أحباب قلبك في المقابر والبلى(3)

وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت

يا اهل لذات دنيا لا بقاء لها

ان اغترارا بظل زائل حمق(4)

ومما ينسب له في ذم المغرور في الدنيا والمفتون بحبها قوله :

قل للمقيم بغير دار اقامة

حان الرحيل فودع الاحبابا

ان الذين لقيتهم وصحبتهم

صاروا جميعا في القبور ترابا(5)

ومن مظاهر زهده ما حدث به مدرك بن زياد(6) قال : كنا في حيطان ابن عباس فجاء الحسن والحسين ، وابنا العباس فطافوا فى تلك البساتين ثم جلسوا على ضفاف بعض السواقي ، فقال الحسن : يا مدرك : هل عندك غذاء؟ فقلت له : نعم ثم انطلقت فجئته بخبز وشيء من الملح

__________________

(1) الدقيق : الحقير من الثياب

(2) البحار 10 / 94

(3) تاريخ ابن عساكر 4 / 219

(4) الفصول المهمة لابن الصباغ : ص 162

(5) المناقب 2 / 145

(6) مدرك بن زياد احد الصحابة ، توفى في دمشق بقرية يقال لها « راوية » وهو اول مسلم دفن فيها ، الاصابة 3 / 394

٣٠٦

مع طاقتين من بقل فأكل منه ، وقال يا مدرك ما أطيب هذا؟

وجيء بعد ذلك بالطعام وكان في منتهى الحسن والجودة فالتفت7 الى مدرك وأمره بأن يجمع الغلمان ويقدم لهم الطعام ، فدعاهم مدرك فأكلوا منه ولم يأكل الامام منه شيئا فقال له مدرك : لما ذا لا تأكل منه؟ فقال7 : ان ذاك الطعام أحب عندي(1) لأنه طعام الفقراء والمحرومين ، ومما يدل على عظيم زهده أنه زهد في الملك طلبا لمرضاة الله ، وخوفا على دماء المسلمين ، وقد الف فى زهده محمد ابن بابويه القمي(2) كتابا اسماه زهد الحسن وأجمع المترجمون له انه كان أزهد الناس وأفضلهم بعد جده وأبيه

هيبته ووقاره

إن شخصية الامام كانت تملأ العيون وتهيمن على النفوس لأنه قد التقت بها عناصر النبوة والامامة ، وتمثلت فيها هيبة النبيّ ، وقد حدث واصل بن عطاء(3) قال :

__________________

(1) تاريخ ابن عساكر 4 / 212

(2) محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، من اعظم علماء الشيعة ، ورئيس المحدثين لم ير فى القميين مثله في حفظه وكثرة علمه ، وهو استاذ الشيخ المفيد ، له من المؤلفات ثلاث مائة مؤلف توفى بالري سنة 381 ه‍ جاء ذلك في الكنى والالقاب 1 / 212

(3) واصل بن عطاء البصري : كان متكلما بليغا متشدقا ، وكان يلثغ بالراء نقل عنه انه هجر الراء وتجنبها فى خطابه وقيل فيه

ويجعل البر قمحا فى تصرفه

وخالف الراء حتى احتال للشعر ـ

٣٠٧

« كانت على الحسن سيماء الأنبياء وبهاء الملوك »(1)

وقال ابن الزبير :

« والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي في هيبته وسمو منزلته »(2)

وبلغ من عظيم هيبته انه كان يفرش له على باب البيت فاذا خرج وجلس انقطع الطريق لأنه لا يمر أحد إلا جلس اجلالا واكبارا له ، فاذا علم ذلك قام ودخل البيت(3)

ومن عظيم هيبته وسمو مكانته في نفوس المسلمين أنه ما أجتاز مع أخيه على ركب في حال سفرهما إلى بيت الله الحرام ماشيين إلا ترجل ذلك الركب تعظيما واكبارا لهما حتى ثقل المشي على جماهير الحجاج فكلموا سعد بن أبي وقاص في ذلك فبادر إلى الامام وقال له :

« يا أبا محمد ، إن المشي قد ثقل على الحجاج لأنهم إذا رأوا كما لم تطب نفوسهم بالركوب ، فلو ركبتما رحمة لهم »

فاجابه الامام بما ينم عن نفس قد عاهدت الله أن تبذل فى مرضاته

__________________

ـ ولم يطق مطرا والقول يعجله

فعاذ بالغيث اشفاقا من المطر

له من المؤلفات : اصناف المرجئة ، التوبة ، معاني القرآن ، وكان يتوقف من القول بعدالة اهل الجمل ، وهو شيخ المعتزلة ومن اجلائها ، ولد فى يثرب سنة ثمانين ، وتوفى سنة مائة واحدى وثلاثين من الهجرة جاء ذلك فى لسان الميزان 6 / 214

(1) اعيان الشيعة 4 / 12 ، المناقب.

(2) تأريخ ابن كثير 8 / 37.

(3) اعلام الورى فى اعلام الهدى ص 125.

٣٠٨

كل غال ونفيس قائلا :

« لا نركب فقد عاهدنا الله أن نؤم بيته ماشيين ، ولكن نتنكب الطريق »(1)

وسار7 فى بعض طرق يثرب وقد لبس حلة فاخرة ، وركب بغلة فارهة ، ووجهه الشريف يشرق حسنا وجمالا ، وقد حفت به خدمه ، وحاشيته فرآه بعض اغبياء اليهود فبادر إليه وقال له :

يا بن رسول الله عندى سؤال؟

ـ ما هو؟

ـ إن جدك رسول الله (ص) يقول : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، فأنت المؤمن وأنا الكافر ، وما الدنيا إلا جنة لك تتنعم فيها ، وتستلذ بها وأنت مؤمن ، وما أراها الا سجنا قد أهلكني حرها وأجهدني فقرها؟

ـ لو نظرت إلى ما أعد الله لي وللمؤمنين في الدار الآخرة مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر لعلمت أني قبل انتقالي إليها وأنا فى هذه الحالة فى سجن ، ولو نظرت إلى ما أعد الله لك ولكل كافر في دار الآخرة من سعير نار جهنم ، ونكال العذاب الأليم المقيم لرأيت قبل مصيرك إليه أنك في جنة واسعة ونعمة جامعة(2) وتركه الامام ، واليهودي يتميز من الغيظ والحقد.

ورأى هيبة الامام ووقاره بعض الأغبياء من الحاقدين عليه فقال له إن فيك عظمة فاجابه الامام ان في عزة ثم تلا قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ

__________________

(1) المناقب 2 / 142 ، اعيان الشيعة 4 / 20.

(2) الفصول المهمة لابن الصباغ ص 161.

٣٠٩

وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (1) ان الحسن كان يحكى جده الرسول (ص) فى هيبته وسؤدده وكريم طباعه.

فصاحته وبلاغته :

وكل ظاهرة من ظواهر الكمال قد تمثلت في الامام أبي محمد ، وتحلت بها شخصيته الكريمة ، ومن أروع صفاته البلاغة والفصاحة في الكلام فقد كان (ع) من أبرع البلغاء في اصابته للمناسبات ، ومن أقدرهم على الايجاز والاعجاز والابداع فى الكلام ، وحقا أن يكون كذلك فقد تفرع من دوحة الفصاحة والبلاغة وفصل الخطاب ، فالجد رسول الله (ص) أفصح من نطق بالضاد ، والأب علي (ع) سيد البلغاء وامير البيان.

إن الحسن (ع) في فصاحته وبلاغته كأبيه ، وقد ترك (ع) تراثا رفيعا وحكما بالغة تحتوى على أصول الآداب الاجتماعية والنصح والارشاد والوعظ الخالد ، قد رصعت بجمال اللفظ وسمو المعنى وإلى القراء بعضها.

الآداب الاجتماعية :

وجه الامام علي (ع) الى الحسن اسئلة تتعلق بأصول الأخلاق والفضائل ، فأجابه الحسن (ع) بما هو عفو البداهة والخاطر فكان الجواب آية من آيات البلاغة والاعجاز :

الامام علي : يا بني ما السداد؟

الحسن : يا أبت السداد دفع المنكر بالمعروف.

ـ ما الشرف؟

ـ اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.

ـ ما المروءة؟

__________________

(1) المناقب 2 / 149.

٣١٠

ـ العفاف واصلاح المرء ماله.

ـ ما الدنيئة؟

ـ النظر في اليسير ومنع الحقير.

ـ ما اللوم؟

ـ احتراز المرء نفسه وبذله عرسه(1) .

ـ ما السماحة؟

ـ البذل في العسر واليسر.

ـ ما الشح؟

ـ أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا.

ـ ما الاخاء؟

ـ الوفاء في الشدة والرخاء.

ـ ما الجبن؟

ـ الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.

ـ ما الغنيمة؟

ـ الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا.

ـ ما الحلم؟

ـ كظم الغيظ وملك النفس.

ـ ما الغنى؟

ـ رضى النفس بما قسم الله وإن قل فانما الغنى غنى النفس.

ـ ما الفقر؟

__________________

(1) وفى رواية انه قال ما اللؤم؟ احتراز المرء ماله وبذله عرضه جاء ذلك فى دائرة المعارف للبستاني 7 / 39.

٣١١

ـ شره النفس في كل شيء.

ـ ما المنعة؟

ـ شدة البأس ومقارعة أشد الناس.

ـ ما الذل؟

ـ الفزع عند المصدوقية؟

ـ ما الجرأة؟

ـ موافقة الأقران.

ـ ما الكلفة؟

ـ كلامك فيما لا يعنيك.

ـ ما المجد؟

ـ أن تعطى في الغرم وأن تعفو عن الجرم.

ـ ما العقل؟

ـ حفظ القلب كل ما استرعيته.(1)

ـ ما الحزق؟

ـ معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.

ـ ما الثناء؟

ـ اتيان الجميل وترك القبيح.

ـ ما الحزم؟

ـ طول الأناة(2) والرفق بالولاة والاحتراس من الناس بسوء الظن

__________________

(1) وفى رواية ابى نعيم في الحلية 2 / 36 حفظ القلب كل ما استوعيته ، وفى رواية اخرى حفظ القلب لكل ما استتر فيه.

(2) الأناة : الوقار والحلم والانتظار.

٣١٢

هو الحزم.

ـ ما الشرف؟

ـ موافقة الاخوان.

ـ ما السفه؟

ـ إتباع الدناة ومصاحبة الغواة.

ـ ما الغفلة؟

ـ تركك المسجد وطاعتك المفسد.

ـ ما الحرمان؟

ـ تركك حظك وقد عرض عليك.

ـ ما السيد؟

ـ الأحمق في ماله المتهاون في ، يشتم فلا يجيب ، المتحزن(1) بأمر العشيرة هو السيد(2) .

إن النفس لتقف حائرة أمام هذا الاسترسال العجيب من الامام الحسن وعدم تكلفه في الجواب واحاطته خبرا بمعانى هذه النقاط الحيوية ، فلن يسع النفس إلا الاكبار والاعجاب والاعتراف بالعظمة والخضوع لتلك المواهب العلمية.

مكارم الأخلاق :

قال جابر : سمعت الحسن (ع) يقول : مكارم الأخلاق عشرة ، صدق اللسان ، وصدق البأس ، واعطاء السائل ، وحسن الخلق ، والمكافاة

__________________

(1) وفى رواية المهتم بأمر عشيرته.

(2) تأريخ ابن كثير ج 8 ص 39.

٣١٣

بالصنائع ، وصلة الرحم ، والتذمم(1) على الجار ، ومعرفة الحق للصاحب ، وقرى الضيف ، ورأسهن الحياء(2) .

والتفت معاوية يوما إلى الامام (ع) قال له : يا أبا محمد ثلاث خلال لم أجد من يجيبني عنها!!!

ـ ما هي؟

ـ المروءة ، الكرم ، النجدة.

ـ أما ( المروءة ) فاصلاح الرجل أمر دينه وحسن قيامه على ماله وإفشاء السلام والتحبب إلى الناس.

( الكرم ) العطية قبل السؤال ، والتبرع بالمعروف والاطعام في المحل.

( النجدة ) الذب عن الجار ، والمحامات في الكريهة ، والصبر عند الشدائد.

وجاء إليه شخص فقال : يا بن رسول الله «ص» من أحسن الناس؟

ـ من أشرك الناس في عيشه.

ـ من أشر الناس؟

ـ من لا يعيش فى عيشه أحد(3) .

الجرائم الاخلاقية :

قال «ع» : هلاك الناس في ثلاث ، الكبر ، الحرص ، الحسد.

« الكبر » به هلاك الدين ، وبه لعن إبليس.

__________________

(1) التذمم ماخوذ من اذمه اي اجاره واخذه تحت حمايته.

(2) تأريخ اليعقوبي 2 / 201.

(3) تأريخ اليعقوبي 2 / 202.

٣١٤

« الحرص » عدو النفس وبه اخرج آدم من الجنة.

« الحسد » رائد السوء وبه قتل هابيل قابيل(1) .

لا شك ان هذه الرذائل الثلاث التي حرض الامام «ع» على اجتنابها واقام الشواهد على اضرارها هي اصول الاجرام وامهات الرذائل.

التحريض على طلب العلم :

قال «ع» : لبنيه تعلموا العلم فانكم صغار القوم ، وكبارهم غدا ، ومن لم يحفظ منكم فليكتب(2) .

وقال «ع» علم الناس ، وتعلم علم غيرك فتكون قد اتقنت علمك وعلمت ما لم تعلم(3) .

وقال «ع» : حسن السؤال نصف العلم(4) .

فضل العقل :

قال «ع» : لا أدب لمن لا عقل له ، ولا مودة لمن لا همة له ، ولا حياء لمن لا دين له ، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل ، وبالعقل تدرك سعادة الدارين ، ومن حرم العقل حرمهما جميعا(5) .

فضل القرآن الكريم :

قال «ع» : إن هذا القرآن فيه مصابيح النور ، وشفاء الصدور ،

__________________

(1) نور الابصار ص 110.

(2) الفصول المهمة لابن الصباغ ص 142.

(3) الاثنى عشرية ص 37.

(4) نور الابصار ص 110.

(5) اعيان الشيعة 4 / 88.

٣١٥

فليجل جال بضوئه ، وليلجم(1) الصفة قلبه ، فان التفكير حياة القلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور(2) .

الدعاء :

قال «ع» ما فتح الله عز وجل على أحد باب مسألة فخزن(3) عنه باب الاجابة ، ولا فتح على رجل باب عمل فخزن عنه باب القبول ، ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب المزيد(4) .

السياسة :

سأله شخص عن رأيه في السياسة؟ فقال «ع» : هي أن ترعى حقوق الله ، وحقوق الاحياء ، وحقوق الأموات ( فأما حقوق الله ) فأداء ما طلب ، والاجتناب عما نهى « وأما حقوق الأحياء » فهي أن تقوم بواجبك نحو اخوانك ، ولا تتأخر عن خدمة أمتك ، وأن تخلص لولى الأمر ما اخلص لأمته ، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السوى « وأما حقوق الأموات » فهي أن تذكر خيراتهم ، وتتغاضى عن مساوئهم فان لهم ربا يحاسبهم(5) .

وقال له معاوية : ما يجب لنا في سلطاننا؟

الامام : ما قال سليمان بن داود!!!

__________________

(1) لجم : اي شد.

(2) كشف الغمة ص 171.

(3) خزن : اغلق وسد.

(4) اعيان الشيعة 4 / 88.

(5) مجلة العرفان الجزء الثالث المجلد الاربعون ص 254 نقلا عن المجلد التاسع من التذكرة المعلوفية.

٣١٦

معاوية : وما قال سليمان؟

الامام : انه قال لبعض أصحابه ، أتدري ما يجب على الملك فى ملكه وما لا يضره إذا أدى الذي عليه منه ، إذا خاف الله في السر والعلانية وعدل في الغضب والرضا ، وقصد في الفقر والغنى ، ولم يأخذ الأموال غصبا ، ولم يأكلها إسرافا وتبذيرا ، ولم يضره ما تمتع به من دنياه إذا كان من خلته(1) .

هذه هي السياسة الصحيحة التي لو سارت عليها الدول لدام لها البقاء وكان الشعب والحكومة في راحة ونعيم ، وقد ادلى الامام «ع» بهذه الآراء القيمة إلى عدوه لأجل المصلحة العامة علّه أن يسير خصمه على ضوء الحق.

الصديق والصاحب :

قال «ع» : ألا اخبركم عن صديق كان لي من اعظم الناس في عيني ، وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه ، كان خارجا من سلطان بطنه فلا يتشهى ما لا يحل ولا يكنز إذا وجد ، وكان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمد يدا إلا على ثقة لمنفعة ، كان لا يتشكى ولا يتبرم ، كان أكثر دهره صامتا فاذا قال بذ(2) القائلين ، كان ضعيفا مستضعفا فاذا جاء الجد فهو الليث عاديا ، كان إذا جامع العلماء على أن يسمع احرص منه على أن يقول ، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت كان لا يقول ما يفعل ويفعل ما لا يقول كان إذا عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحق نظر اقربهما من هواه فخالفه كان

__________________

(1) تأريخ اليعقوبي 2 / 202.

(2) بذ اي تفوق وغلب.

٣١٧

لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله ، كان لا يقول حتى يرى قاضيا عدلا وشهودا عدولا(1)

وقال «ع» لبعض ولده : يا بني لا تواخ احدا حتى تعرف موارده ومصادره القريب من قربته المودة والبعيد من باعدته المودة وإن قرب نسبه.

وسأله رجل أن يكون صديقا له وجليسا ، فقال له «ع» : إياك أن تمدحني فانا اعلم بنفسي منك ، أو تكذبني فانه لا رأى لمكذوب ، أو تغتاب عندى أحدا ، فقال الرجل : ائذن لي في الانصراف قال له : نعم إذا شئت(2) .

السخاء والمعروف :

كان «ع» يطوف في بيت الله الحرام فسأله رجل عن معنى الجواد فقال له : إن لكلامك وجهين ، فان كنت تسأل عن المخلوق فان الجواد الذي يؤدى ما افترض عليه ، والبخيل الذي يبخل بما افترض عليه ، وإن كنت تسأل عن الخالق فهو الجواد إن اعطى وهو الجواد إن منع لأنه إن أعطى عبدا اعطاه ما ليس له وإن منع منع ما ليس له(3) وقال «ع» المعروف ما لم يتقدمه مطل ولا يتبعه منّ ، والاعطاء قبل السؤال من اكبر السؤدد(4) .

__________________

(1) عيون الاخبار لابن قتيبة ج 2 ص 55 ، وذكره غيره مع اختلاف فى التعبير.

(2) تحف العقول ص 55.

(3) مجمع البحرين مادة جود.

(4) اعيان الشيعة ج 4 ص 88.

٣١٨

البخل :

قال «ع» البخل جامع للمساوئ والعيوب ، وقاطع للمودات من القلوب.

وسئل «ع» عن البخل فقال : هو أن يرى الرجل ما انفقه تلفا وما امسكه شرفا(1) .

التواضع :

قال «ع» : أعرف الناس بحقوق اخوانه واشدهم قضاء لها اعظمهم عند الله شأنا ، ومن تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عند الله من الصديقين ومن شيعة علي بن أبي طالب «ع»(2) .

التوكل على الله :

قيل له «ع» : إن أبا ذر كان يقول الفقر أحب إلى من الغنى ، والسقم أحب إلى من الصحة. فقال : رحم الله أبا ذر ، أما أنا فأقول من اتكل على حسن اختيار الله لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختارها الله له(3) .

ابطال الجبر :

ورفع أهالي البصرة إليه «ع» رسالة يطلبون منه رأيه في مسألة الجبر(4) فأجابهم7 :

__________________

(1) نهاية الارب في فنون الادب ج 3 ص 398.

(2) مجموعة ورام ص 312.

(3) تأريخ ابن كثير ج 8 ص 39.

(4) مبحث الجبر والتفويض من اهم المسائل الكلامية واشكلها ، وقد اضطربت فيها اقوال العلماء واختلفت إلى ابعد الحدود ، وقد شاعت فكرة الجبر في البصرة بسبب الحسن البصري وابي الحسن الاشعري حفيد ابي موسى الاشعري ، ومجمل

٣١٩

من لم يؤمن بالله وقضائه وقدره فقد كفر ، ومن حمل ذنبه على ربه فقد فجر ، إن الله لا يطاع استكراها ، ولا يعصى لغلبة لأنه المليك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم فان عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا فاذا لم يفعلوا فليس هو الذي أجبرهم على ذلك ، فلو اجبر الله الخلق على الطاعة لأسقط عنهم الثواب ، ولو أجبرهم على المعاصي لاسقط عنهم العقاب ، ولو اهملهم لكان عجزا فى القدرة ولكن له فيهم المشيئة التي غيبها عنهم فان عملوا بالطاعات كانت له المنة عليهم ، وإن عملوا بالمعصية كانت الحجة عليهم(1) .

تقوى الله :

قال «ع» إن الله لم يخلقكم عبثا وليس بتارككم سدى ، كتب آجالكم وقسم بينكم معايشكم ليعرف كل ذى منزلة منزلته وإن ما قدر له أصابه وما صرف عنه فلن يصيبه قد كفاكم مئونة الدنيا وفرغكم لعبادته وحثكم على الشكر وافترض عليكم الذكر وأوصاكم بالتقوى وجعل التقوى منتهى رضاه ، والتقوى باب كل توبة ورأس كل حكمة وشرف كل عمل بالتقوى فاز من فاز من المتقين ، قال الله تبارك وتعالى :( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ

__________________

فكرة الجبر ان الفعل الصادر من العبد ليس مخلوقا له وإنما هو مخلوق لله تعالى ، وإن ارادة العبد وقدرته لا مدخل لهما في ايجاد الفعل سواء كان الفعل الصادر من العبد باختياره او مضطرا عليه ، وقد تعرض آية الله الأستاذ السيد ابو القاسم الخوئي سلمه الله فى بحثه إلى المسألة فأوفاها بالتحقيق وبين فساد الجبر والتفويض واثبت ( ان الأمر بين الأمرين ) وهي الفكرة التي تذهب إليها الشيعة وقد كتبنا ما افاده سلمه الله برسالة مستقلة.

(1) رسائل جمهرة العرب ج 2 ص 25.

٣٢٠