حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام0%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: دار البلاغة
تصنيف:

الصفحات: 530
المشاهدات: 199683
تحميل: 6679


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199683 / تحميل: 6679
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(1)

لريحانة الرسول (ص) وسبطه الأول الإمام الزكي الحسن بن المؤمنين علي (ع) حياة مثالية وسيرة فواحة عطرة تتدفق بها طاقات الاسلام الثرة الندية ، وتتمثل فيها سيرة النبي (ص) واخلاقه واتجاهاته ، وتتجسد فيها جميع عناصر التربية الاسلامية الرفيعة فهي ـ بحق ـ من اروع الشخصيات الفذة التي لمعت في سماء الأمة الإسلامية ، وفي طليعة الذوات الخيرة التي تحلى بها قاموس الإنسانية ، وذلك لما اتصفت به من الحلم والعلم والخلق والسجاحة والسخاء وغير ذلك من الصفات الرفيعة التي شابهت صفات الرسول وحكت اخلاقه.

وحفلت حياة الامام (ع) بالمصاعب والكوارث ، وامتحن امتحانا عسيرا بالامويين الذين جرعوه اقسى الوان الخطوب والآلام فقد ابتلى بهم الامام كما ابتلى بهم جده وأبوه من قبل ، فقد كان الامويون يكنون في دخائل نفوسهم واعماق قلوبهم بغضا عارما للهاشميين ، ومصدر ذلك العداء يرجع الى التنافر الذاتي بين الاسرتين واختلاف طباعهما وتباين اتجاههما ، فقد كان الهاشميون يمثلون الاريحية والشمم والإباء والوفاء وحماية الضعيف وقرى الضيف ، وكانت أندية العرب ومجالسهم تتحدث عن مكارمهم ولين طباعهم ، وعما تركوه فى ربوع مكة من أنظمة للعدل واسباب للنعيم والتجارة ، وأما ( الامويون )

٢١

فقد عرفوا باللؤم والجفاء والغلظة والغدر والخيانة ، وعدم الاستجابة أو المساهمة فى أي عمل من اعمال الخير ، وهم فى جاهليتهم واسلامهم سواء لم تصدر منهم بادرة من بوادر الكرم أو ظاهرة من ظواهر الاصلاح والنفع العام يقول فيهم الجاحظ :

« ليس لهم قدم مذكور ولا يوم مشهود فلا سابقة ولا جهاد ، وإذا كان شيء من هذا فانما يكون فيما يضر الناس ».

ولما أسس الهاشميون فى الجاهلية حلف الفضول الذي كان شعاره مناصرة المظلوم حتى يدفعوا عنه ظلامته ، ومنع القوي من ظلم الضعيف ، والقاطن من الاعتداء على الغريب كان الامويون وحدهم قد تخلفوا عن مناصرة هذا الحلف والانتماء إليه لدوافع أهمها ان هذا الحلف يتنافى مع ميولهم التي طبعت على الظلم والاعتداء ، والغرور والحسد للهاشميين.

(2)

ولما صدع الرسول الاعظم (ص) برسالته الخالدة الداعية الى يقظة الضمير وتحرير العقول ثقل على الامويين هذا المجد الذي اختص بالهاشميين ، وعظم عليهم الأمر فألهبت قلوبهم بالحقد والكراهية ، وقد تحدث الحكم ابن هشام مع قرينه فى الشرك أبي جهل فاعرب له عما يكنه فى قرارة نفسه من البغض العارم للهاشميين وعدم الاستجابة لدعوة الاسلام قائلا :

« تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فاطعمنا ، وحملوا فحملنا حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذا ، واللات لا نؤمن به ولا نصدقه ». وقد اجمعت كلمتهم على مكافحة الدعوة الاسلامية فألّبوا على الرسول (ص) القبائل وقادوا الجيوش لمناجزته ، ولكن الله رد كيدهم فى نحرهم

٢٢

ونصر الاسلام وأعز رسوله فقد تحطمت قوى الامويين ومن تابعهم من شذاذ الآفاق وأعداء الاسلام ، واتجهت الجيوش الاسلامية الظافرة الى احتلال مكة المكرمة ، وقد وقع أبو سفيان أسيرا هو والعباس بيد القوات الاسلامية الزاحفة فأمر الرسول (ص) بحبسهما في المضيق ليشاهد أبو سفيان قوة المسلمين وضخامة جيشهم ، واجتازت عليه القوات العسكرية الهائلة فوقف مذهولا مبهوتا قد انهارت قواه وانطلق يقول للعباس :

« لقد اصبح ملك ابن اخيك اليوم عظيما!! »

فأجابه العباس : انها النبوة

فقال أبو سفيان بصوت خافض متحجر : نعم اذن

إنها لكلمة يسمعها بأذنه فلا يفقهها قلبه فما كان مثل هذا القلب ليفقه الا معنى الملك والسلطان ، كما يقول السيد قطب :(1)

واطلق رسول الله (ص) سراح أبي سفيان ، ومنحه العفو كما منح أهل مكة فانطلق يهرول قد غمرته عظمة المسلمين وقوتهم وهو يهتف بين قومه. « من دخل داره فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن »

ولما سمعت هند زوجته ذلك وشعرت بخوفه وايثاره العافية وطلبه للسلم جعلت تصيح وهي حانقة مغيضة « اقتلوا الخبيث الدنس الذي لا خير فيه ، قبح من طليعة قوم ، هلا قاتلتم ، ودفعتم عن انفسكم وبلادكم!! » تحرض بذلك قريشا على الحرب ، وتلهب فى نفوسهم نار الثورة ، وروح العصبية ، ودخل رسول الله (ص) مكة فاتحا ، وقام بتطهير البيت الحرام من الاوثان والاصنام ، وقد حطمها امير المؤمنين (ع) فكسر لاتهم وهبلهم ، وصعد بلال فوق ظهر الكعبة يؤذن للصلاة فلما سمعه

__________________

(1) العدالة الاجتماعية فى الاسلام ص 181.

٢٣

أبو سفيان انخلع قلبه وصرخ مناديا بلا اختيار.

« لقد أسعد الله عتبة بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد ».

(3)

ولما اندحرت قوى الإلحاد وانهارت معنوية المشركين لم يجد الامويون بدا من الدخول في حظيرة الاسلام فدخلوا فيه وهم أذلاء صاغرون ، قد كسرت شوكتهم ، واخمدت نارهم ، وقد ظلت قلوبهم مترعة بالحقد والكراهية للاسلام ، وقد شعر الرسول (ص) بذلك فاصدر قراره الحاسم بابعاد رءوسهم عن يثرب عاصمة المسلمين وحرم عليهم الدخول إليها ، وقابلهم بالاستهانة والتحقير ، فقد أقبل أبو سفيان راكبا ومعه معاوية وأخوه أحدهما قائد ، والآخر سائق فلما رآهم النبي (ص) قال :

« اللهم ، ألعن القائد والسائق والراكب »(1)

وأقبلت امرأة الى رسول الله (ص) أرادت التزويج بمعاوية فنهاها عن ذلك وقال لها :

« إنه صعلوك »(2) .

ومتى كان هذا الصعلوك كاتب الوحي أو مقربا عند النبي(3) ـ كما يقولون ـ

__________________

(1) تاريخ الطبري 11 / 357 وقعة صفين 344.

(2) تاريخ الخميس 2 / 296.

(3) ذكر الفيروزآبادي في سفر السعادة ص 149 في فضل ما روى فى فضل معاوية ما نصه : « ليس فيه حديث صحيح » وقال العلامة المحقق محمد بن عقيل! في « النصائح الكافية » ما نصه « اما كتابة معاوية ، للوحي والتنزيل فلم تصح ، ومن ادعى ذلك فليثبت أية آية نزلت فكتبها معاوية ، اللهم الا ان يأتينا بالحديث الموضوع انه كتب آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبرئيل هدية لمعاوية من فوق العرش ،

٢٤

لقد قابل الرسول (ص) عموم الامويين بالاستهانة والتحقير والحط من شأنهم وذلك لأنه استشف من وراء المغيبات أنهم مصدر الفتن والاضطراب والقلق بين المسلمين فباعدهم ، وقد رأى (ص) في منامه أنهم ينزون على منبره نزو القردة والخنازير فانزل الله تعالى عليه قوله :( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) وما رؤي بعد ذلك ضاحكا(1) .

(4)

ولما انقصم ظهر الاسلام وانحسرت روحه بموت الرسول (ص) انصبت الفتن على المسلمين كقطع الليل المظلم حتى فقدوا الرشد والصواب فناصبوا عترة الرسول (ص) الذين هم وديعة النبي فابعدوهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها وسلبوا الخلافة الاسلامية من أيديهم ، وتهالكوا على الإمرة والسلطان ، وقد مهد الخليفة الثاني الحكم للامويين فاستعمل معاوية واليا على الشام واطلق له العنان فلم يحاسبه على إسرافه ، ولم يعاتبه على تبذيره وبذخه كما فعل مع بقية عماله وقد قيل له في ذلك فاعتذر لنفسه ، واعتذر عنه قائلا : ذاك كسرى العرب؟

__________________

نعوذ بالله من الفرية على الله وعلى امينه ورسوله » وقال السيد قطب : في ( العدالة الاجتماعية ) ص 182 إن أبا سفيان حين اسلم رجا النبي (ص) في ان يسند إلى معاوية شيئا يعتز به أمام العرب ، ويعوضه عن سبة التأخر في الاسلام ، وانه من الطلقاء الذين لا سابقة لهم في الاسلام ، فاستخدمه النبي (ص) في الرسائل والحوائج والصدقات ولم يقل احد من الثقات انه كتب للنبي كما اشاع انصاره بعد استقرار الملك كما يصنع سائر الدعاة ، وإن كان استخدام النبي (ص) لمعاوية محل ريب لأن الرسول (ص) كان ينظر إليه وإلى اسرته نظرة ريبة لشكه (ص) فى اسلامهم.

(1) تأريخ الخطيب 9 / 44 ، تفسير الطبري 5 / 77 ، اسد الغابة 3 / 14.

٢٥

ولم يكتف بهذا المد للأمويين ، وبهذا الاحسان الذي أسداه إليهم فقد فتل حبل الشورى الذي انتج فوزهم بالخلافة وتلاعبهم بمقدرات الأمة وامكانياتها ، وجر الخطوب والويلات لها ، وانتهاك كرامة النبي (ص) في عترته وذريته.

ولما استولى الامويون على زمام الحكم كان هدفهم طوي هذا الدين ، وقلع جذوره ، ومحو سطوره ، وابادة معالمه وآثاره ، ولو لا فيض عارم في مبادئه ، وقوة كامنة في طاقاته ، وتضحيات العلويين لانتشاله ، وعناية قبل كل شيء فيه من الله تعالى لا صبح الاسلام معدوم الأثر من دنيا الوجود لأنه حينما استتب لهم الأمر وصفا لهم الجو ظهر مدى حقدهم البالغ على الاسلام ، وظهرت رغباتهم فى الملك والسلطان فكانوا لا يفكرون الا بذلك ولا يحلمون الا بأن تكون دولة المسلمين العوبة بأيدي ابنائهم وصبيانهم ، وقد ادلى بذلك أبو سفيان بكلمته التي القاها أمام أسرته وذويه قائلا لهم :

« يا بني أمية ، تلاقفوها تلقف الكرة فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار وما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة »(1) .

قال هذه الكلمة أبو سفيان : بمرأى ومسمع من عثمان وهي صريحة في ارتداده وظاهرة في الحاده والواجب الشرعي يحتم على عثمان أن يقيم عليه الحد باعتباره خليفة المسلمين ، وهو مسئول عن تنفيذ احكام الدين وتطبيق حدوده ولكنه اعار ذلك أذنا صماء ، واهمل ما وجب عليه.

وحينما نشبت اظفار معاوية بالملك اتضح عداؤه السافر للاسلام والمسلمين ، وقد برز ذلك في أقواله وأعماله واتجاهاته فقد خطب في النخيلة وكانت نشوة الظفر عليه بادية فقال :

« يا أهل العراق ، والله إني ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ،

__________________

(1) مروج الذهب 1 / 440.

٢٦

ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطانى الله ذلك »(1)

وأي قيمة للصلاة والصوم والزكاة والحج ، واي أثر لسائر الطقوس الدينية عند ابن هند التي نهشت كبد سيد الشهداء حمزة ، انه ما قاتلهم من اجل ذلك ولا من اجل المطالبة بدم عثمان الذي أقام الدنيا وأقعدها بسببه ، وانما قاتلهم من اجل الظفر بالملك والسلطان.

لقد منيت البلاد الاسلامية أيام حكمه وسلطانه بالظلم والجور والاستبداد ، ومني المسلمون بالاستعباد والاستغلال ، فقد قضت سياسته الارهابية الملتوية بارسال الاخيار والمصلحين الى ساحات الاعدام وظلمات السجون ، فقد اعدم الصحابى العظيم حجر بن عدي وإخوانه الصالحين لأنهم انكروا على ولاته سبهم لامير المؤمنين وسيد المتقين.

إن البارز في سياسة معاوية نشر الارهاب والخوف ، واشاعة الفتن والاضطراب ، واباحة الغدر والخيانة ، والولوغ في دماء المسلمين فقد أسرف هو وعماله فى ذلك حتى قتلوا الاطفال الصغار والشيوخ العاجزين بعد ما تجاوزوا الحد فى قتل الرجال وسجن النساء ، وقد ارتطمت البلاد بالفتن وضج الناس من الظلم والجور.

وقد ساند سياسته فريق من المرتزقة وباعة الضمير الذين وضعوا دنياهم فوق رءوسهم ودينهم تحت أقدامهم فراحوا يلقون عليه التقديس ، ويخلعون عليه النعوت الحسنة ويبررون جرائمه وموبقاته ، وهم ما بين راو وخطيب وزعيم فاخذوا يذيعون بين الشاميين قربه من الرسول وانه وارثه حتى انقضى ردح من الزمن وهم لا يظنون ان هناك احدا أقرب إلى النبي (ص) من معاوية وبني أميّة ، كما افتعلوا الاحاديث الكثيرة في

__________________

(1) شرح النهج 4 / 16.

٢٧

الثناء عليه وضرورة تكريمه وتقديره ، ومضافا لهذا الفريق المرتزق البطانة التي ظفر بها كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه وأضرابهم من دهاة العرب وابالسة الدنيا فقد اخذوا فى تسديده واحكام سلطانه وتخذيل اعدائه حتى اصبحت مقاومة حكمه من الصعوبة بمكان ، فقد عجز أمير المؤمنين (ع) عن مقاومته ومناجزته حيث افسد عليه جيشه وتركه في ارباض الكوفة يتمنى النزوح عن هذه الدنيا ومفارقة ذلك المجتمع المصاب باخلاقه حتى قضى7 شهيدا صابرا.

(5)

ولما فجع الاسلام ونكب المسلمون بقتل وصي الرسول (ص) ، وبايعت الحواضر الاسلامية سبط النبي الامام الحسن اخذ معاوية وعملاؤه يدبّرون نفس الخطة التي دبّروها مع أبيه من قبل فافسدوا عليه جيشه وخواصه بالمال تارة وبالارهاب أخرى حتى بلغ بهم التخاذل والانحطاط مبلغا فظيعا فقد كاتبوا معاوية بتسليم الامام له أسيرا سرا أو علانية إن شاء ذلك وانضمت إلى ذلك عوامل أخرى سنذكرها مشفوعة بالتفصيل فى غضون هذا الكتاب ، فرأى7 أنه إن قاوم معاوية قاومه بيد جذاء ولو ضحى بنفسه لذهبت تضحيته سدى وتعود بالضرر الجسيم على الاسلام والمسلمين فوقف (ع) مع عدوه موقف الحازم اليقظ والبصير المحنك فصالح معاوية وحفظ دمه ودم أهل بيته والبقية الصالحة من المؤمنين ، وقد كشف ذلك عن سمو رأيه وعمق نظره ، ولم يترك (ع) بعد الصلح جهاده المقدس فقد انبرى يعمل في تحطيم عروش الدولة الأموية ، ويبين اخطارها على العقيدة الاسلامية ، وقد تصدى لمعاوية بالذات فذكر مثالبه وموبقاته في بلاطه وذلك حين سافر (ع) الى الشام.

٢٨

وسيقف القارئ الكريم في بحوث هذا الكتاب على مدى الآلام المرهقة التي تجرعها سبط الرسول (ص) وريحانته من معاوية ، ومن جلاوزته ، ويقف على ما ألمّ به من المحن والبلوى ، والاستهانة به حتى من خلص أصحابه وأصحاب أبيه ، فقد جابهوه بعد ابرام الصلح باقسى القول وأمره وكان أشد على نفسه من ضربات السيوف ، وقد صبر سلام الله عليه على ما انتابه من الخطوب ، وبث حزنه وشكواه الى الله.

وبحثنا في هذا الكتاب عن مظاهر شخصيته ، وعن سيرته الندية ، التي هي ـ بحق ـ من اروع ما حفل به تأريخ المسلمين من المآثر والمفاخر ، كما ذكرنا الأدوار التي اجتازت عليه ، وما في عصره من الظواهر الاجتماعية فان الاحاطة بذلك ـ فيما نعلم ـ ضرورة ملزمة يقتضيها البحث ، وقد بحثنا عن ذلك كله ببحث حر جهد ما توصل إليه تتبعنا ، ومن الله التوفيق وهو ولي القصد.

النجف الأشرف : 1 / صفر سنة 1373 هـ

باقر شريف القرشي

٢٩

اجتماع النورين

٣٠

نشأت الصديقة فاطمة سيدة بنات حواء في إبان الدعوة الاسلامية وترعرعت والاسلام في مرحلة الارتقاء ، وقد قام بدور تربيتها منقذ الانسانية وسيد ولد آدم الرسول محمد (ص) فغذاها من حكمه وكماله ، وأفرغ عليها أشعة من روحه المقدسة ، واشبعها من مكرمات نفسه العظيمة ، لتكون قدوة لنساء أمته ، ومثالا للكمال الانساني ، وعنوانا للطهر والعفاف.

وحمل الرسول (ص) في نفسه من الحب لها ما لم يحمله لغيرها ذلك لأنها البقية الصالحة من زوجته الطاهرة أم المؤمنين خديجة (رض)(1)

__________________

(1) خديجة بنت خويلد بن اسد القرشية الأسدية زوج النبيّ (ص) واول من آمنت به وصدقته باجماع المسلمين وكانت تدعى فى الجاهلية « الطاهرة » وهي ذات ثراء عريض كانت تستأجر الرجال للتجارة فى اموالها ، وقد بلغها عن رسول الله (ص) صدق حديثه وعظم امانته وكرم اخلاقه فبعثت إليه وعرضت عليه التجارة في اموالها فاجاب الى ذلك وخرج الى الشام مع غلام لها اسمه ميسرة فلما قدم (ص) الى الشام استظل تحت شجرة وكانت قريبة من صومعة راهب فاطل الراهب وقال لميسرة من هذا الرجل؟ فقال له : إنه من قريش من اهل الحرم فقال الراهب. ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، ثم باع رسول الله (ص) الأموال التي جاء بها ، واشترى ما اراد ثم قفل راجعا إلى مكة واعطى خديجة الأموال وقد ربحت ربحا كثيرا ، وحدثها ميسرة عن قول الراهب ، فبعثت خلف النبي فقالت له : إني قد رغبت فيك لقرابتك منى وشرفك في قومك وامانتك عندهم ، وحسن خلقك وصدق حديثك ، وعرضت عليه الزواج بها ، وكانت من اوسط قريش نسبا واعظمهم شرفا واكثرهم مالا ، وخرج الرسول (ص) فعرض مقالتها على اعمامه فخرج عمه حمزة ودخل على ابيها خويلد فخطبها منه فاجابه الى ذلك فتزوج بها رسول الله (ص) وكان عمرها اربعين سنة وعمره الشريف خمس وعشرون سنة وقيل غير ذلك ، ولما بعث رسول الله كانت اول من آمنت به وآزرته ، وكان لا يسمع شيئا يكرهه ـ

٣١

التي منحته بعطفها وحنانها ، وآمنت به قبل غيرها ، ورصدت جميع أموالها وامكانياتها لتقويم دعائم الاسلام وتشييد دعوته حتى نفذ جميع ما عندها من الثراء العريض ، ولم ينس الرسول (ص) تلك اليد البيضاء التي اسدتها على الاسلام فقد قابلها بالشكر الجزيل والثناء العاطر ، فكان بعد موتها دوما يترحم عليها ويذكر وفاءها واحسانها حتى وجدت عليها عائشة ، وانطلقت تقول له :

« ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين(1) قد أبدلك الله خيرا منها » فغضب النبي (ص) من هذا التوهين فقال لها :

« ما أبدلني الله خيرا منها آمنت بي حين كذبني الناس ، وواستني بما لها حين حرمني الناس ، ورزقت منها الولد وحرمته من غيرها »(2)

__________________

من رد عليه وتكذيب له مما يحزنه إلاّ خففت عنه وهونت عليه امر الناس وصدقته ، ولعظم جهادها في الاسلام بشرها رسول الله ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ، وكان جبرئيل يحمل لها السلام من الله ، وقال (ص) في حقها : « خير نساء العالمين اربع : مريم ابنة عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة ابنة خويلد وفاطمة بنت محمد » وما فتئ رسول الله (ص) يذكرها حتى انه إذا ذبح شاة يتتبع رفيقات خديجة فيهدي لهن من لحمها ، وقد توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين وقيل إنها توفيت بعد موت ابي طالب بثلاثة ايام فتتابعت على رسول الله (ص) المصائب بعد فقده لهما. توفيت فى رمضان وكان عمرها خمسا وستين سنة ودفنت بالحجون ، جاء ذلك فى اسد الغابة والاصابة والاستيعاب.

(1) الشدقين : مفرده شدق ـ بالكسر والفتح ـ جانب الفم.

(2) اسعاف الراغبين المطبوع على هامش نور الابصار ص 96 ، وروى ما يقرب من ذلك في مسند احمد 6 / 150 والاستيعاب واسد الغابة والاصابة فى ترجمة خديجة ، وسنن ابن ماجة في باب الغيرة من ابواب النكاح.

٣٢

لقد واسته خديجة حينما وجدت عليه جبابرة قريش ، فوقفت الى جانبه تحميه وتصون دعوته بأموالها الضخمة كما رزق منها الولد ولم يرزقه من غيرها فقد رزق منها سيدة نساء العالمين شبيهة القديسة مريم بنت عمران في عفافها وطهارة ذيلها فاطمة الزهراء3 التي بتلها الله عن النظير وهو السبب في تسميتها « بالبتول » كما ان السبب في تسميتها بفاطمة ان الله قد فطمها وذريتها من النار(1)

سمو منزلتها :

وادلى الرسول (ص) بعظيم منزلة الزهراء3 وسمو مكانتها عند الله فقال (ص) مخاطبا لها :

« إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك »(2)

وأخذ بيدها وقال للمسلمين :

« من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد (ص) وهي بضعة مني ، وهي قلبي ، وهي روحي التي بين جنبي

__________________

(1) الصواعق المحرقة لابن حجر ص 96 وقد جاء فيه ان عليا سأل رسول الله (ص) لم سميت فاطمة؟ فقال (ص). « إن الله قد فطمها وذريتها من النار » وذكره الحافظ محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص 26 وجاء فيه ان الامام علي بن موسى الرضا روى الحديث في مسنده ولفظه ان رسول الله (ص) قال : « إن الله عز وجل فطم ابنتى فاطمة وولدها ومن احبهم من النار » وعن ابن عباس (رض) قال : قال رسول الله (ص) إن ابنتى فاطمة حوراء إذ لم تحض ولم تطمث وانما سماها فاطمة لأن الله عز وجل فطمها ومحبيها عن النار ، اخرجه النسائي.

(2) ذكر فى كل من اسد الغابة والاصابة وذخائر العقبى ص 39.

٣٣

من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله »(1)

لقد قرن الرسول راحتها براحته وسعادتها بسعادته ، وقد تظافرت الاخبار التي أثرت عن النبي (ص) بذلك فقد قال (ص) :

« إنما فاطمة شجنة مني(2) يبسطني ما يبسطها(3) ويقبضني(4) ما يقبضها »(5) .

وروت عائشة عن مدى حفاوته (ص) وتكريمه للزهراء (ع) فقالت : إنها إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه(6) .

وسئلت عائشة فقيل لها :

ـ أي الناس كان أحب الى رسول الله (ص)؟

فقالت : فاطمة

فقيل لها ، ومن الرجال؟

فقالت : زوجها إن كان ما علمت صواما قواما(7) .

وأخرج الامام احمد بن حنبل في ( مسنده ) ان النبي (ص) قال :

__________________

(1) نور الابصار ص 41.

(2) الشجنة : العضو المشتبك والغصن.

(3) البسط : السرور.

(4) القبض : الاستياء.

(5) مستدرك الحاكم 3 / 154.

(6) مستدرك الحاكم 3 / 157 ، اسعاف الراغبين ص 169.

(7) مستدرك الحاكم 3 / 157 ، وذخائر العقبى ص 35 وجاء فيه زيادة على الرواية جديرا بقول الحق ، وعن بريدة كما في الاستيعاب قال : كان أحب النساء الى رسول الله (ص) فاطمة ومن الرجال علي.

٣٤

( فداؤها أبوها ) قال ذلك ثلاث مرات(1) .

وبلغ من حبه ، وتقديره لها أنه إذا سافر جعلها آخر الناس عهدا به ، وإذا قدم من سفره جعلها أول من يقصده(2) .

وروى أنس بن مالك أن رسول الله (ص) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل البيت ، ويتلو قوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) الآية.

لقد كان كلف النبي (ص) واشفاقه على بضعته الزهراء (ع) فوق كلف الآباء واشفاقهم على أبنائهم(3) ومن المعلوم الذي لا ريب فيه ان الرسول (ص) لم يمنحها هذا العطف ، ولم يفض عليها هذا التكريم لأنها ابنته ولا عقب له سواها فان شأن النبوة بعيد كل البعد عن المحاباة والاندفاع بعاطفة الهوى والحب ، وانما صنع ذلك لتشييد الفضيلة

__________________

(1) الصواعق المحرقة ص 109.

(2) مستدرك الحاكم 3 / 154.

(3) كتب المستشرق « لامنس » فى كتابه « فاطمة وبنات محمد » مغالطات وبحوثا معكوسة يقول عند التحدث عن سيدة النساء فاطمة (ع) ما نصه « ولم يكن شأنها في بيت والدها خطيرا ظاهر الأثر بادي الخطورة ، بل لقد كان خطرها اقل من خطر عائشة وزينب ، وحفصة ، واضاف يقول : ولقد كانت تعامل فى بيت والدها معاملة عادية » ان لا منس معروف بعمالته للاستعمار وبحقده على الاسلام ، فمن اي مصدر استنتج منه هذه النتائج ، وقد طفحت الكتب الاسلامية بالاخبار المتظافرة الواردة عن النبي (ص) فى سمو منزلتها وعظيم شأنها عنده (ص) وما ذكرناه من الاحاديث السابقة التي اجمع المسلمون على روايتها تدل بوضوح على مدى تكريم النبي لها (ص) ، وانما اراد ( لا منس ) تشويه الاسلام والحط من اهم شخصياته الرفيعة.

٣٥

ورفع مستوى القيم الرفيعة فانه (ص) لم يجد في بنات المسلمين ونسائهم من تضارع ابنته في كمالها وعفافها وطهارة ذيلها فقد تجسمت فيها جميع المثل الخيرة من العلم والعبادة والتقوى وغير ذلك من الصفات التي عز وجود بعضها في بنات حواء.

خطبة الامام لها :

ولما أشرفت كريمة الرسول (ص) على ميعة الشباب تشرفت مشيخة الصحابة بمقابلة الرسول (ص) وعرضوا عليه رغبتهم في التشرف بمصاهرته فقد جاء أبو بكر خاطبا فرده (ص) وقال له : « أنتظر بها القضاء » وأعقبه عمر فرده بمثل ما رد به صاحبه(1) ، ولما علم المسلمون أن أمر الزهراء بيد الله تعالى وليس للنبي (ص) أن يبت فيه ، وجموا عن مذاكرته في ذلك ، ومضت فترة من الزمن اجتمع في خلالها نفر من الصحابة بعلي فذكروا له قربه من الرسول (ص) وشدة بلائه في الاسلام ومناصرته للنبي في جميع المواقف والمشاهد ، وحفزوه على خطبة كريمته ليفوز بمصاهرته ويحوز الى شرف جهاده شرف المصاهرة ، فسار (ع) بين احجام واقدام يمشي في خطو متمهل وئيد حتى دخل على النبي (ص) وقد أخذه صمت رهيب(2) فالتفت (ص) إليه مستفسرا :

__________________

(1) طبقات ابن سعد 8 / 11 ، تأريخ الخميس 1 / 407 ذخائر العقبى ص 29

(2) علل بعض الحاقدين على امير المؤمنين ذلك الصمت انه كان يخاف من النبي (ص) ان يرده لفقره ، وهوتعليل موهوم فان النبي (ص) لا يعني من المسلم الا فضائله وتقواه ولم يعر اي اهتمام للثراء وتضخم الاموال ، ولقد آخى بينه وبين علي مع علمه بفقره ، فقد جاء فى مستدرك الحاكم 3 / 14 وفي الاستيعاب 3 / 35 ما نصه : ان رسول الله (ص) لما آخى بين اصحابه جاءه علي (ع) فقال : آخيت

٣٦

« ما حاجة ابن أبي طالب؟ »

فغالبه الحياء برهة ثم اجاب :

« ذكرت فاطمة يا رسول الله »

فاجابه الرسول والسرور باد على وجهه ، وابتسامة ظاهرة على شفتيه قائلا :

« مرحبا إن الله أمرني أن أزوجك من ابنتي »(1)

وتغمر المسرات قلب الامام بما أراد له الخالق الحكيم من خير الدنيا والآخرة فهو ابن عم الرسول (ص) وسيصبح له صهرا ، وورد في بعض التفاسير انه هو المعنى بهذه الآية « وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا »(2) ويلتفت النبي الى أصحابه فيخبرهم بما أمره الله به قائلا :

« لقد أتاني ملك ، فقال لي : يا نبي الله ، إن الله يقرئك السلام ، ويقول لك : إني زوجت فاطمة من علي في الملأ الأعلى فزوجها منه في الأرض »(3) .

ويدخل الرسول (ص) على ابنته ، وقد اترعت نفسه الشريفة بالافراح فيخبرها بذلك قائلا لها « زوجتك خير أمتي اعلمهم علما وافضلهم

__________________

بين اصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال له رسول الله : « أنت اخي في الدنيا والآخرة » الى غير ذلك من الاخبار التي دلت على أنه نفس النبي (ص) وانه اخوه ووصيه ووزيره وخليفته من بعده على امته ولم يحز الامام هذه المنزلة الا الا لعظيم اتصاله بالله.

(1) نور الابصار ص 42 كنز العمال 6 / 218 ، المستدرك 3 / 153.

(2) مجمع البيان 9 / 175 طبع بيروت.

(3) ذخائر العقبى ص 32.

٣٧

حلما وأولهم سلما »(1) .

ويقول لها مرة اخرى.

« يا فاطمة ، أما علمت أن الله عز وجل اطلع على اهل الارض ، فاختار منهم أباك فبعثه نبيا ، ثم اطلع ثانية فاختار بعلك فاوحي إلي فانكحته ، واتخذته وصيا »(2)

ويقول لها :

« إنه لأول أصحابي اسلاما أو أقدم أمتي سلما ، وأكثرهم علما وأعظمهم حلما »(3) .

ومع توفر هذه المثل الرفيعة والقيم العليا في شخصية الامام (ع) كيف لا يزوجه الرسول (ص) من كريمته التي لا كفؤ لها في المسلمين سوى أمير المؤمنين كما جاء بذلك الحديث الشريف « لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ »(4) .

المهر :

وأنبرى الرسول (ص) وقد غمرته موجات من السرور الى الامام قائلا له :

« ما عندك من المهر؟ »

اجابه الامام أنه لا يملك شيئا من متع الدنيا سوى فرسه ، ودرعه ، وكانت الدرع مما أفاء الله بها عليه من غنائم بدر ، فقال له النبي (ص) :

__________________

(1) اخرجه الخطيب فى المتفق والسيوطي في جمع الجوامع 6 / 398.

(2) كنز العمال 6 / 153.

(3) مسند أحمد 5 / 26 ، مجمع الزوائد 6 / 101 ، الرياض النضرة 2 / 194.

(4) كنوز الحقائق للمناوي ص 124 ، من لا يحضره الفقيه 3 / 249.

٣٨

« أما فرسك فلا بد لك منها ، وأما درعك فبعه ».

وانطلق الامام الى السوق فباع درعه باربعمائة وثمانين درهما ، وجاء بالثمن معقودا في طرف ثوبه(1) فوضعه بين يدي الرسول (ص) وقد غلبه الحياء حيث يعلم ان هذا المهر هو اقل ما يبذله الفقراء مهرا لازواجهم ولكن الرسول (ص) أحب مصاهرته لا لشيء من حطام الدنيا ولا لغير ذلك مما يئول أمره الى التراب بل انما خصه بهذه المكرمة لأنه الفرد الاول في أمته الذي امتاز على غيره بسبقه الى الاسلام(2) وجهاده عن حياض هذا الدين بالاضافة الى عبقرياته الاخرى التي لا تتوفر بعضها في أي انسان.

الجهاز :

وعند ما قبض الرسول (ص) المهر ناول بعضا منه بلالا ليشتري شيئا من الطيب والروائح وناول بعضه الآخر سلمان وأم سلمة ليشتريا بقية الأثاث ، وما هي إلا ساعة حتى تم جهاز العرس وكان إهاب كبش إذا ارادا أن يناما قلباه على صوفه ، ووسادة من أدم حشوها ليف(3)

__________________

(1) كنز العمال 7 / 114 ، وجاء في تأريخ الخميس 1 / 407 انه باع بعيرا له وبعض أمتعته وأعطاه مهرا وهو مخالف لما عليه المشهور من أنه باع درعه واعطى ثمنه مهرا لفاطمة.

(2) جاء فى كل من المستدرك 3 / 112 والاستيعاب 3 / 31 أنه بعث النبي (ص) يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء ، وكذا جاء فى غيرهما من المصادر وقد اجمع المسلمون انه اول من اسلم وآمن بالرسول (ص).

(3) الطبقات الكبرى 8 / 14 رواه بسنده عن جعفر بن محمد عن ابيه (ع)

٣٩

وسريرا مشروطا(1) ورحيين وسقاء وجرتين(2) وغير ذلك مما هو زهيد في بادئ الرأي ولكنه في نظر الاسلام أثمن من الجوهر واعلى من الأمتعة الثمينة التي توجد عند الملوك وذوي الثراء العريض ، وقد استنتج المستشرق الانگليزي « لامنس » من هذا الجهاز المقدس نتيجة معكوسة يقول :

« وبالاحرى أن هذا الجهاز الذي أمر به محمد (ص) دليل على الكراهية التي في نفس محمد (ص) لابنته فاطمة ولزوجها وكانت كراهيته له لا تقل عنها »(3)

ولحقد « لامنس » على الاسلام وجهله بحكم تشاريعه استنتج ذلك فقد اعتقد أن مظاهر الحب من الوالد تجاه ولده تتجلى فيما اذا اكثر له من ملاذ الحياة ونعيمها ومباهجها ، ولم يعلم أن مقام الرسول (ص) اسمى من أن يخضع لعاطفة الحب التي تجر إلى زخارف الحياة ، فانه في عمله هذا كان في مقام التشريع والتأسيس لأهم نقطة حيوية في الاسلام تبتنى عليها سعادة المسلمين وهي تسهيل الزواج وعدم تعقيده بزيادة المهر ، فان المهر الذي ارتضاه لابنته ، وهذا الجهاز الزهيد الذي هيأه لها مع أنها أعز ابنائه وبناته انما هو سنة من نظامه الرفيع الخالد الذي كره المغالاة في المهر فان

__________________

(1) مشروطا : اي مشدودا بشريط ، وهو خوص مفتول ـ يشرط ، اي : يشد ويربط به السرير والرواية ذكرها ابو نعيم فى حلية الاولياء 3 / 329 رواها بسنده عن عكرمة.

(2) مسند احمد بن حنبل 1 / 104 ، كنز العمال 7 / 113 ، وجاء فى مستدرك الحاكم 2 / 185 قال جهز رسول الله (ص) : فاطمة فى خميل وقربة ووسادة حشوها ليف ، وجاء في ذخائر العقبى ص 35 ان عليا (ع) قال : لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار.

(3) فاطمة وبنات محمد.

٤٠