حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام0%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: دار البلاغة
تصنيف:

الصفحات: 530
المشاهدات: 199980
تحميل: 6696


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199980 / تحميل: 6696
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

فلم يخف لنصرته ، ولم يستجب له ولم يسعفه بشيء ، ولو كان يروم المطالبة بدمه لكان اولى الناس بالعقوبة والتنكيل مستشاره ووزيره عمرو بن العاص فهو الذي سعر الدنيا نارا على عثمان وكان يقول : « والله لالفى الراعى فاحرضه على عثمان فضلا عن الرؤساء والوجوه »(1) فمطالبته بدم عثمان ليست الا وسيلة لتحقيق غايته والظفر بالملك الذي يحلم به.

هذه بعض الاسباب والبواعث التي دعت معاوية لمناجزة الامام واعلانه للحرب عليه.

ايفاد جرير :

ولما اعلن معاوية تمرده على حكومة الامام طلب أصحاب الامام أن ينهض بهم لحربه بعد فراغهم من حرب الجمل وكأنهم أرادوا أن يحوزوا لنصرهم نصرا فابى الامام لأن خطته كانت المسالمة وايثار العافية فرأى أن يبعث إليه السفراء يدعونه الى الطاعة والدخول فيما دخل فيه الناس فاوفد للقياه جرير بن عيد الله البجلى(2)

__________________

(1) شرح النهج 1 / 163

(2) جرير بن عبد الله البجلي اختلف فى وقت اسلامه قيل انه اسلم حينما بعث النبي وقيل ان اسلامه كان قبل وفاة النبي باربعين يوما ، وقيل غير ذلك ، وكان جميل الصورة قال فيه عمر : هو يوسف هذه الامة ، وقدمه فى حروب العراق على جميع بجيلة وكان لهم الاثر فى فتح القادسية وقد سكن الكوفة ولما ارسله الامام سفيرا الى معاوية اخفق فى سفارته فاعتزل الفريقين وآثر العافية فسكن فى قرقيسيا حتى توفى بها سنة احدى وخمسين وقيل اربع وخمسين ، الاصابة 1 / 232

٤٢١

وزوده بهذه الرسالة :

« أما بعد فان بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، لانه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد. وانما الشورى للمهاجرين والانصار فاذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضا ، فان خرج من امرهم خارج بطعن او رغبة ردوه الى ما خرج منه ، فان أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا ، وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي ، وكان نقضهما كردهما ، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، فان أحب الامور إلى فيك العافية ، إلا أن تتعرض للبلاء ، فان تعرضت له قاتلتك واستعنت الله عليك. وقد اكثرت فى قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، ثم حاكم القوم إلىّ أحملك وإياهم على كتاب الله. فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن ، ولعمرى لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان. واعلم أنك من الطلقاء(1) اللذين لا تحل لهم الخلافة ، ولا تعرض فيهم الشورى. وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله ، وهو من أهل الايمان والهجرة. فبايع ولا قوة إلا بالله(2)

وكانت هذه الرسالة رسالة حق داعية واعية. دعت الى الحق من

__________________

(1) الطلقاء : جمع طليق ، وهو الاسير الذي اطلق سراحه ، ويراد بهم فى المقام الاسراء الذين خلى عنهم رسول الله (ص) يوم فتح مكة ولم يسترقهم.

(2) وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 34.

٤٢٢

أقصر سبله ، وبأوضح أساليبه. ووعت قصة الاستخلاف التي أثارت كل هذا الخلاف ، بما سبقها وما لحقها من المقدمات والخواتيم.

وكانت فوق هذا وذاك عظة جارية ، وحكمة هادية لمن أراد الهداية وشرح الله صدره وفجر في فؤاده ينبوع النور ، فلم يغفل الامام فيها أمرا جرت ألسن الناس بذكره إلا بينه. ولم يدع ثغرة ينفذ منها خصمه إلا سدها دونه وما من شيء كان معاوية يستطيع أن يحتال به ، أو يدعيه حجة تؤيد خلافه وتسند انحرافه الا مد له الامام معولا من سطورها ـ حديدا شديدا ـ يدمر باطله ويقوض معاقله ، كما قال الاستاذ السيد عبد الفتاح مقصود(1) :

وطوى جرير البيداء حتى وصل الى بلاط معاوية ، فانطلق يتكلم معه قائلا :

أما بعد يا معاوية فانه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين(2) وأهل الحجاز وأهل اليمن ، وأهل العروض وعمان وأهل البحرين واليمامة ، فلم يبق إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها ، لو سال عليها سيل من اوديته غرقها وقد أتيتك أدعوك الى ما يرشدك ويهديك الى مبايعة الرجل(3)

ولما سمع معاوية ذلك خارت قواه وبقي مبهور النفس لم يفه بشيء ولكنه بقي يطاوله ، ويسرف في مطاولته لا يجد لنفسه مهربا سوى الامهال والتسويف ، وقد جمع في خلال تلك المدة وجوه أهل الشام وقادة الجيش فجعل يستشيرهم في

__________________

(1) الامام على بن ابي طالب ج 4 ص 27.

(2) الحرمان : مكة والمدينة ، والمصران البصرة والكوفة.

(3) وقعة صفين ص 33

٤٢٣

الخضوع لحكومة الامام والاستجابة لسفيره أو اعلان التمرد والمطالبة بدم عثمان فاظهروا له رغبتهم الملحة في الطلب بدم عثمان ، واعلان العصيان على حكومة الامام.

مراسلة معاوية لعمرو :

وعلم معاوية أن الامر لا يتم له إلا إذا انضم إليه داهية العرب عمرو ابن العاص ليقوم بتسديده ويستعين به في مهامه ، فبعث إليه رسالة يطلب فيها قدومه إليه وهذا نصها :

« أما بعد : فانه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة ، وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي ، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني أقبل أذاكرك أمرا »

ولما قرأ الرسالة تحير في أمره فاستشار ولديه عبد الله ومحمدا فقال له عبد الله وكان رجل صدق وصلاح.

« أرى أن نبي الله قبض وهو عنك راض والخليفتان من بعده ، وقتل عثمان وأنت عنه غائب ، فقر في منزلك فلست مجعولا خليفة ، ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أو شك أن تهلك فتشقى فيها »

وأشار عليه عبد الله بالنصيحة والورع والتقوى وعدم الاستجابة لدواعي الفتن والغرور ، وأما ابنه محمد فقد فتنته الدنيا وطمع بالملك فقد قال له :

« أرى أنك شيخ قريش وصاحب أمرها ، وان تصرم هذا الامر وأنت فيه خامل تصاغر أمرك فالحق بجماعة أهل الشام فكن يدا من ايديها وأطلب بدم عثمان ، فانك قد استلمت فيه الى بني أمية »

وقد دفعه محمد الى هلاك آخرته واصلاح دنياه ، والتفت عمرو الى

٤٢٤

ولده عبد الله فقال له : أما أنت فأمرتني بما هو خير في ديني؟ وقال لولده محمد : أما أنت أمرتني بما هو خير لي فى دنياى؟

حيرة وذهول :

واعتركت الدنيا والآخرة في نفس عمرو وملأت الحيرة اهابه واحاطت به الهواجس ، وقد انفق ليلا ساهرا يفكر فى الامر فهل يلتحق بمعسكر معاوية فيناجز أخا رسول الله ووصيه وباب مدينة علمه فيكون قد فرط في أمر دينه أو يلتحق بعلي فيكون رجلا كسائر الناس له ما لهم وعليه ما عليهم ولكنه يضمن بذلك آخرته ودينه ، وأطال التفكير فى الأمر وسمعه أهله يقول :

تطاول ليلى للهموم الطوارق

وخوف التي تجلو وجوه العوائق

وإن ابن هند سائلي أن أزوره

وتلك التي فيها بنات البوائق

أتاه جرير من على بخطة

أمرّت عليه العيش ذات مضائق

فان نال منى ما يؤمل رده

وإن لم ينله ذل ذل المطابق

فو الله ما ادري وما كنت هكذا

اكون ومهما قادني فهو سائقي

أخادعه إن الخداع دنية

أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق

أم أقعد في بيتي وفي ذاك راحة

لشيخ يخاف الموت في كل شارق

وقد قال عبد الله قولا تعلقت

به النفس إن لم تقتطعني عوائقي

وخالفه فيه أخوه محمد

وانى لصلب العود عند الحقائق

ودل هذا الشعر على تردده وحيرته إلا ان ابنه عبد الله فهم منه الاستجابة لدعوة معاوية فقال :

« بال الشيخ على عقبيه ، وباع دينه بدنياه!! »

ولما اندلع لسان الصبح دعا غلامه وردان وكان ذكيا يقرأ ما فى

٤٢٥

النفوس فقال له : « حط يا وردان ، ثم قال له : ارحل ، ثم قال له حط يا وردان ».

فعرف غلامه حيرته وذهوله فقال له :

ـ خلطت أبا عبد الله؟! أما إن شئت أنبأتك بما فى نفسك؟

ـ هات ويحك!!

ـ اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك ، فقلت : على معه الآخرة فى غير دنيا ، وفى الآخرة عوض من الدنيا. ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة وليس في الدنيا عوض الآخرة فانت واقف بينهما.

ـ إنك والله ما أخطأت!! ما ترى؟

ـ أرى أن تقيم في بيتك فان ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك.

ولم يستجب لنصحه وصمم على الالتحاق بمعاوية وهو يقول :

يا قاتل الله وردانا وفطنته

أبدى لعمرك ما فى النفس وردان

لما تعرضت الدنيا عرضت لها

بحرص نفسى وفي الاطباع ادهان

نفس تعف واخرى الحرص يغلبها

والمرء يأكل تبنا وهو غرثان(1)

أما علي فدين ليس يشركه

دنيا وذاك له دنيا وسلطان

فاخترت من طمعي دنيا علي بصر

وما معي بالذي اختار برهان

اني لاعرف ما فيها وأبصره

وفي أيضا لما أهواه الوان

لكن نفسي تحب العيش في شرف

وليس يرضى بذل العيش انسان

عمرو لعمر أبيه غير مشتبه

والمرء يعطس والوسنان وسنان

لقد استجاب لعاطفته فآثر الدنيا على الآخرة ، وعزم على الالتحاق

__________________

(1) الغرثان : الجائع.

٤٢٦

بمعسكر معاوية ليحارب امير المؤمنين الذي هو نفس رسول الله ومن هو منه بمنزلة هارون من موسى.

قدومه الى الشام :

وارتحل ابن العاص ومعه ابناه الى دمشق فلما بلغها جعل يبكي كما تبكي المرأة وهو يقول :

« وا عثماناه انعى الحياء والدين!! »(1)

لقد اصطنع البكاء ليغري السذج ويظهر الاخلاص والطاعة لمعاوية ولما التقى به تذاكر معه معاوية في الوسائل والطرق التي يسلكها في حربه مع الامام ، فقال له ابن العاص :

« أما علي فو الله لا تساوي العرب بينك وبينه في شيء من الاشياء وإن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش الا أن تظلمه »

وانطلق معاوية يبين له الدوافع في حربه وعصيانه قائلا :

« صدقت. ولكنا نقاتله على ما في أيدينا ، ونلزمه قتلة عثمان!! »

إنه إنما يقاتل الامام من أجل السلطة والامرة والثراء العريض الذي اختلسه من بيت المال ، واندفع ابن العاص يبين له وهن المطالبة بدم عثمان قائلا :

ـ وا سوأتاه إن احق الناس أن لا يذكر عثمان!!

ـ ولم ويحك؟!!

ـ أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتى استغاث بيزيد بن اسد

__________________

(1) تأريخ ابن الأثير 3 / 129

٤٢٧

البجلي فسار إليه ، وأما أنا فتركته عيانا وهربت الى فلسطين!!(1)

فلم يلتفت معاوية الى قوله لأنه لم يجد وسيلة يتمسك بها في عصيانه سوى المطالبة بدم عثمان.

المساومة الرخيصة :

وكان ابن العاص يحن الى مصر حنينا متصلا وقد باع دينه وضميره على معاويه من اجلها فقد قال له معاوية :

ـ أتحبني يا عمرو؟

ـ لما ذا؟ للآخرة فو الله ما معك آخرة ، أم للدنيا. فو الله لا كان حتى أكون شريك فيها!!

ـ أنت شريكي فيها

ـ فاكتب لي مصر وكورها

ـ لك ما تريد

فكتب له ولاية مصر وكتب في آخر الوثيقة وعلى عمرو السمع والطاعة فقال له عمرو :

ـ إن السمع والطاعة لا ينقصان من الشرط شيئا.

ـ نعم ، ولا ينظر الناس الى هذا.

ونفذ له ما أراد(2) وبذلك فقد باع دينه على معاوية ، وسمع وهو يقول :

معاوي لا اعطيك ديني ولم أنل

به منك دنيا فانظرن كيف تصنع

__________________

(1) تأريخ اليعقوبي 2 / 162

(2) العقد الفريد 3 / 113

٤٢٨

فان تعطنى مصر فاربح بصفقة

أخذت بها شيخا يضر. وينفع

وما الدين والدنيا سواء وإنني

لآخذ ما أعطي ورأسي مقنع

ولكنني أعطيك هذا وإنني

لأخدع نفسي والمخادع يخدع

أأعطيك أمرا فيه للملك قوة

وأبقى له إن زلت النعل اضرع

وتمنعني مصر وليست برغبة

وان ثرى القنوع يوما لمولع(1)

لقد ظفر معاوية بأهم سياسي ماكر مخادع يجيد اللعب على الحبل ويتغلب على الأحداث وهو القائل عن دهائه أنا أبو عبد الله ما حككت قرحة إلا أدميتها.

رد جدير :

ولما اجتمع لمعاوية امره واحكم وضعه رد سفير الامام ( جرير ) الى الكوفة ولم يجبه الى شيء ، وأرسل معه رسالة الى الامام جاء فيها :

« اما بعد. لو بايعك الذين ذكرت وأنت برىء من دم عثمان لكنت كأبي بكر وعمر وعثمان ، ولكنك اغريت بدم عثمان ، وخذلت الانصار فأطاعك الجاهل ، وقوى بك الضعيف ، وقد أبى اهل الشام إلا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان فان فعلت كانت شورى بين المسلمين وانما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحق فيهم ، فلما فارقوه كان الحكام على الناس اهل الشام ، ولعمري ما حجتك على اهل الشام كحجتك على طلحة والزبير إن كانا بايعاك فلم ابايعك انا ، فأما فضلك في الاسلام وقرابتك من رسول الله فلست ادفعه »

__________________

(1) في البيت الأخير اضطراب ورواه ابن ابي الحديد في شرح النهج 1 / 137 بما يلي « وإني بذا الممنوع قدما لمولع »

٤٢٩

وكانت هذه الرسالة حاملة للبهتان والاباطيل ففيها اتهام الامام بدم عثمان ، وهو يعلم أن الامام برىء منه ، ولكنه لم يجد حجة يتعلق بها سوى هذه الاكاذيب.

وهبط جرير على الامام وهو خافق فى سفارته ، ومعه رسالة معاوية فاطلع عليها الامام وعرف ما يرومه معاوية من البغي والخروج عليه ، وقد رأى أن يقيم عليه الحجة مرة اخرى فبعث إليه السفراء يدعونه الى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون فلم يجد ذلك شيئا وأصر على عناده.

زحف معاوية لصفين :

وأخذ معاوية البيعة من أهل الشام على المطالبة بدم عثمان والأخذ بثأره ، وتوفرت لديه الامكانيات والقوى العسكرية ، وانضم إليه كل من لم تنطبع في نفسه العقيدة الدينية من ذوى الاطماع والمنحرفين عن الحق والباغين على الاسلام ، ولما تم أمره زحف بجيوشه الى صفين(1) لمحاربة السلطة الشرعية والاطاحة بالحكم الاسلامي واعادة المثل الجاهلية ، ولما انتهى في مسيره الى صفين نزل بها واحتل الفرات وعد هذا أول الفتح لانه حبس الماء على عدوه ، وبقيت جيوشه رابضة هناك تصلح امرها ، وتنضم قواها لتستعد للحرب.

__________________

(1) صفين ـ بكسرتين وتشديد الفاء ـ موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي بين الرقة وبالسن وبه كانت الواقعة بين الامام ومعاوية فى سنة 37 فى غرة صفر واختلف فى عدة اصحاب الفريقين فقيل كان معاوية في مائة وعشرين الفا وكان مع الامام تسعون الفا وقيل بالعكس ، معجم البلدان 3 / 414 ط دار صادر بيروت.

٤٣٠

تهيؤ الامام للحرب :

ولما اخفقت جميع الوسائل التي اتخذها الامام من أجل السلم تهيأ للحرب بعد ما علم أن خصمه قد زحف الى صفين لمناجزته ، وقد استدعى المهاجرين والانصار الذين خفوا لنجدته فقال لهم :

« إنكم ميامين الرأي ، مراجيح الحلم ، مقاويل بالحق ، مباركو الفعل والامر ، وقد أردنا المسير الى عدونا فاشيروا علينا برأيكم؟ »

فانطلق هاشم بن عتبة فقال له :

« يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير ، هم لك ولأشياعك أعداء وهم لمن يطلب حرث الدنيا اولياء ، وهم مقاتلوك ومجاهدوك(1) لا يبقون جهدا ، مشاحة على الدنيا ، وضنا بما في أيديهم منها وليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان بن عفان ، كذبوا ليسوا بدمه يثأرون ، ولكن الدنيا يطلبون فسر بنا إليهم ، فان اجابوا الى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال. وإن أبوا الا الشقاق فذلك الظن بهم والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى ويسمع إذا أمر »(2)

إن هاشما كان خبيرا بنفوس القوم ، وعالما باتجاههم وميولهم فانهم يطلبون حرث الدنيا ، وهم يقاتلون الامام من اجل مطامعهم ، وقد تذرعوا بدم عثمان واتخذوه وسيلة لعصيانهم ، ولا يتركون نفاقهم وغيهم ما دام لهم شاخص يتمتع بالنفوذ والقوة ، فلا بد من مناجزتهم والزحف إليهم للقضاء على غيهم وتمردهم وانبرى غير واحد من اعلام المهاجرين والانصار

__________________

(1) وفي رواية ومجادلوك

(2) وقعة صفين : ص 103

٤٣١

فاعلنوا تأييدهم لمقالة هاشم ، وأظهروا الطاعة والانقياد للامام ، وقد اتجه بعد ذلك الى الاستعداد للحرب فراسل الوجوه وامراء القبائل وقادة الجنود يستحثهم على نصرته والخروج معه لحرب البغاة ، واستجاب الجميع لنداء الحق واعربوا عن استعدادهم الشامل لنصرته.

خطبة الحسن :

وأخذ الامام الحسن يوقظ الهمم ، ويبعث الحزم والنشاط في النفوس ويحثها على الخروج لحرب معاوية كما فعل ذلك من قبل في معركة الجمل وقد قام خطيبا بين الجماهير يدعوهم الى الجهاد وهذا نص خطابه.

« الحمد لله لا إله غيره ، وحده لا شريك له ، واثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال :

إن مما عظم الله عليكم من حقه ، وأسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره ، ولا يؤدى شكره ، ولا يبلغه صفة ولا قول ونحن إنما غضبنا لله ولكم ، فانه منّ علينا بما هو أهله ان نشكر فيه آلاءه وبلاءه ونعماءه ، قولا يصعد الى الله فيه الرضا ، وتنتشر فيه عارفة الصدق يصدق الله فيه قولنا ، ونستوجب فيه المزيد من ربنا ، قولا يزيد ولا يبيد ، فانه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد امرهم ، واستحكمت عقدتهم. فاحتشدوا فى قتال عدوكم معاوية وجنوده ، فانه قد حضر. ولا تخاذلوا فان الخذلان يقطع نياط القلوب ، وإن الاقدام على الاسنة نجدة وعصمة لأنه لم يمتنع(1) قوم قط الا رفع الله عنهم العلة ، وكفاهم جوائح(2) الذلة ، وهداهم الى معالم الملة ، ثم انشد.

__________________

(1) الامتناع : العزة والقوة.

(2) الجوائح : ـ جمع مفردة جائحة ـ وهي الدواهي والشدائد

٤٣٢

والصلح تأخذ منه ما رضيت به

والحرب يكفيك من انفاسها جرع(1)

وحفل خطابه البليغ بالدعوة الى الوحدة والتعاون ، وبذل الجهود لمحاربة القوى الباغية ، وقد استجاب الناس لدعوته فخفوا سراعا لنصرة الحق والدفاع عن الاسلام.

الحسن مع سليمان :

وكان بعض زعماء العراق قد اعتزل معركة الجمل ، ولم يقم بنجدة الامام ومن بينهم سليمان بن صرد الخزاعي(2) وقد وجه الامام امير المؤمنين إليه ـ بعد انقضاء الحرب ـ أعنف اللوم والتقريع فقد قال له :

« أرتبت وتربصت وراوغت ، وقد كنت من أوثق الناس في نفسي وأسرعهم ـ فيما أظن ـ الى نصرتي فما قعد بك عن أهل بيت نبيك ، وما زهدك في نصرهم؟؟ »

__________________

(1) البيت للعباس بن مرداس السلمى كما في الخزانة ( 2 / 82 )

(2) سليمان بن صرد الخزاعي الكوفي كان من ذوى الوجاهة والشرف فى قومه ، وقد روى عن النبي وعن امير المؤمنين والحسن ، وهو احد الذين كتبوا الى سيد الشهداء الامام الحسين (ع) بالقدوم الى الكوفة ، ولما استجاب الامام لندائهم تخلف سليمان عنه ، وبعد ما روع الاسلام بقتل حفيد الرسول ندم سليمان وجماعة من قومه على عدم قيامهم بنصرته فهبوا للطلب بثأره ، وساروا حتى التقوا بالاثيم الوغد عبيد الله بن زياد في موضع يقال له : « عين الوردة » فوقعت الحرب بينهم فقتل سليمان ومن معه وذلك في ربيع الآخر سنة خمس وستين ، وكان عمره ثلاثا وتسعين عاما ، تهذيب التهذيب 4 / 200

٤٣٣

وضاق سليمان ذرعا بتأنيب الامام له فقال له :

« يا أمير المؤمنين لا تردن الأمور على أعقابها ، ولا تؤنبني بما مضى منها ، واستبق مودتي تخلص لك نصيحتي ، وقد بقيت امور تعرف فيها وليك من عدوك »

ثم قام مسرعا إلى الامام الحسن ليعرض عليه حديث أبيه فقال له :

« ألا أعجبك من أمير المؤمنين وما لقيت منه من التبكيت والتوبيخ!! » وانطلق الحسن فتكلم معه برفق ولين ليزيل ما في نفسه من وجد قائلا :

« إنما يعاتب من ترجى مودته ونصيحته »

ولكن سليمان بقي على ثورته فقد لذعته مرارة العتب والتقريع فقال للامام الحسن :

« إنه بقيت أمور سيستوسق فيها القنا(1) وينتضى فيها السيوف ، ويحتاج فيها الى اشباهي ، فلا تستغشوا عتبى ، ولا تهموا نصيحتي »

فهدأ الحسن روعه ، واعرب له عن ثقته به فقال له :

« رحمك الله : ما أنت عندنا بالظنين »(2)

وهدأت ثورة سليمان ، وسكن روعه لما قابله الامام الحسن بالرفق وسجاحة الطبع ، وقد استطاع الحسن أن يزيل ما في نفسه من الم الوجد ويرجعه الى صفوف المجاهدين.

المسير الى صفين :

ولما توفرت القوى العسكرية للامام تهيأ للخروج الى صفين ، وأمر

__________________

(1) الاستيساق : الاجتماع

(2) وقعة صفين : ص 9 ـ 10

٤٣٤

الحارث بن الأعور أن ينادي في الناس بالخروج إلى معسكرهم في النخيلة فنادى فيهم بذلك فعجت الكوفة بالنفار ، وخرج الامام تحف به صحابة النبي وقد زحفت معه الكتائب كأنها السيل وهي ما بين راكب وراجل ، وهم يعرفون القصد في خروجهم فانهم خرجوا لنصرة الحق ومحاربة اعداء الاسلام وخصومه.

ولزمت جيوش الامام الفرات فى زحفها السريع فلما انتهت الى الانبار استقبلها أهلها ثم جاءوا يهرعون إلى الامام فتنكر منهم وقال لهم :

« ما هذه الدواب التي معكم؟ وما أردتم بهذا الذي صنعتم؟ »

فقالوا وهم يبدون عظيم الولاء ومزيد التكريم.

« يا أمير المؤمنين. أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الامراء وأما هذه البراذين فهدية لك ، وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا »

فزجرهم الامام ونهاهم عن ذلك فقال :

« أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الامراء ، فو الله ما ينفع هذا الامراء ، وإنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم ، فلا تعودوا له. وأما دوابكم هذه فان أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم. وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فانا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا الا بثمن »

هذا هو منطق العدل الذي سار عليه ابن أبي طالب فلم يسمح للمهرجانات ولا لسائر المظاهر التي اعتادها الملوك والأمراء لأن فيها جهدا للرعية وتعظيما للامراء وهم في نظر الاسلام لا ميزة لهم على بقية أفراد الشعب واندفع الانباريون فقالوا له :

٤٣٥

« يا أمير المؤمنين نقومه ـ اي الطعام ـ ثم نقبل ثمنه »

« لا تقومونه قيمته »

ثم تركهم وانصرف عنهم(1) وسارت جيوشه تطوى البيداء حتى انتهت الى صفين فانزلها الامام بإزاء اصحاب معاوية.

القتال على الماء :

ولم يجد أصحاب الامام على الفرات شريعة يستقون منها الماء إلا وعليها الحرس الكثير وهم يمانعونهم أشد الممانعة من الوصول إليه فاقبلوا الى الامام يخبرونه بذلك فدعا صعصعة بن صوحان وقال له :

« ائت معاوية فقل : إنا سرنا مسيرنا هذا وأنا أكره قتالكم قبل الاعذار إليكم ، وإنك قدمت بخيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ، ونحتج عليك. وهذه اخرى قد فعلتموها ، حتى حلتم بين الناس وبين الماء. فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم ، وفيما قدمنا له وقدمتم. وان كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا »

وانطلق صعصعة الى معاوية فعرض عليه كلام الامام فاستشار اصحابه فقال له الوليد بن عقبة :

« امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان : حصروه اربعين يوما يمنعونه برد الماء ، ولين الطعام ، اقتلهم عطشا قتلهم الله »

وأشار عليه ابن العاص بالسماح لهم ولكن الوليد اعاد مقالته ،

__________________

(1) وقعة صفين : ص 160 / 161

٤٣٦

وانبرى عبد الله بن سعد بن أبي سرح فقال له :

« امنعهم الماء الى الليل ، فانهم إن لم يقدروا عليه رجعوا ، وكان رجوعهم هزيمتهم. امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة »

فثار صعصعة ولم يسعه السكوت فقال له :

« إنما يمنعه الله يوم القيامة الكفرة الفجرة شربة الخمر ، ضربك وضرب هذا الفاسق ـ واشار الى الوليد ـ » وتواثبوا عليه يشتمونه ويتهددونه ، فأمرهم معاوية بالكف عنه ، ورجع صعصعة ولم تنتج سفارته شيئا ، فخف الى الامام الأشعث بن قيس(1) فقال له :

« يا أمير المؤمنين. أيمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا ومعنا السيوف

__________________

(1) الاشعث بن قيس الكندي وفد على رسول الله (ص) مع قومه وكان زعيمهم في السنة العاشرة من الهجرة فاسلم واسلم معه قومه ، ولما توفى النبيّ ارتد الاشعث عن الاسلام ثم رجع إليه في خلافة ابى بكر ، فزوجه ابو بكر اخته أمّ فروة بنت ابي قحافة ، وهي أمّ محمد بن الاشعث ولما مات ابو بكر خرج الاشعث ، مع سعد بن ابي وقاص الى القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند. وبنى له دارا بالكوفة في محلة كندة فنزلها هلك سنة اثنتين واربعين من الهجرة وقيل سنة اربعين وصلى عليه الامام الحسن الاستيعاب 1 / 110 ، وجاء في شرح النهج 1 / 130 ان الاشعث طمع بالملك بعد وفاة النبي فدعا قومه ان يتوجوه فاجابوه لذلك فحارب المسلمين مع المرتدين حتى حوصر في حصنه اياما ولما يئس من الغلبة استسلم على ان يصان دمه ودم عشرة من اصحابه فاعطاه المسلمون ذلك ونجا من القتل واسف ابو بكر على عدم قتله فقال عند احتضاره : وددت اني يوم جيء بالاشعث كنت ضربت عنقه فانه يخيل لي انه لا يرى شرا الا اعان عليه.

٤٣٧

خل عنا وعن القوم فو الله لا نرجع حتى نرده أو نموت. ومر الاشتر فليعل بخيله فيقف حيث تأمره »

فمنحه الامام الأذن ، ولما ظفر الاشعث بذلك رجع الى قومه وهو يهتف بهم :

« من كان يريد الماء او الموت فميعاده الصبح ، فانى ناهض الى الماء ».

فأجابه اثنا عشر الفا ، فلما رآهم قام مزهوا يشد عليه لامة حربه وهو يقول :

ميعادنا اليوم بياض الصبح

هل يصلح الزاد بغير ملح

لا لا ، ولا أمر بغير نصح

دبوا الى القوم بطعن سمح

مثل العزالى بطعان نفح(1)

لا صلح للقوم واين صلحى

حسبي من الاقحام قاب رمح

ولما اندلع لسان الصبح دبت جماهير العراقيين الى الاشعث فحمل بهم على أهل الشام وهو يقول لقومه :

« بأبي أنتم وأمي تقدموا قاب رمحي »(2)

ولم يزل يهتف بقومه ، ويبعث في نفوسهم روح العزم والنشاط حتى خالطوا أهل الشام ، وصاح بهم الاشعث :

« خلوا عن الماء »

__________________

(1) العزالى : ـ جمع عزلاء بالفتح ـ فم المزادة شبه بها اتساع الطعنة واندفاق الدماء منها ، النفح : الدفع ، وطعنة نفاحة دفاعة بالدم

(2) قاب رمحي : اي قدره

٤٣٨

فأجابه أبو الأعور السلمي(1) : بعدم السماح لهم ، وهجم الاشعث ومن معه على صفوف أهل الشام فار الوهم عن الفرات والحقوا بهم خسائر فادحة في الاموال والنفوس ، ولما ملك العراقيون الفرات سمح الامام لأهل الشام أن يردوا منه ، ولم يكل لهم صاعا بصاع ولم يعمل معهم الا عمل المحسن الكريم.

ايفاد السفراء الى معاوية :

وقبل أن يدق جرس الحرب أوفد الامام رسل السلام الى معاوية كما اوفدهم من قبل في معركة الجمل رجاء في الصلح وحقن الدماء ، والذين بعثهم للقياهم : عدى بن حاتم ، وشبث بن ربعي ، ويزيد بن قيس ، وزياد بن حفصة ، فتكلم معه عدى بن حاتم فقال له :

« أما بعد : فانا أتيناك لندعوك الى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمتنا ويحقن به دماء المسلمين ، وندعوك الى افضلها سابقة واحسنها في الاسلام آثارا(2) وقد اجتمع له الناس ، وقد ارشدهم الله بالذي رأوا ، فلم يبق احد غيرك وغير من معك ، فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك الله واصحابك بمثل يوم الجمل »

__________________

(1) ابو الأعور السلمي : هو عمرو بن سفيان قال ابو حاتم الرازي لا يعد من الصحابة ولا تصح روايته ، شهد حنينا وهو كافر ثم اسلم ، وكان من اشد الناس على الامام في صفين ، وكان الامام يدعو عليه في قنوته في صلاة الغداة الاستيعاب 4 / 14

(2) وجاء في تأريخ الطبري : ان ابن عمك سيد المسلمين افضلها سابقة واحسنها في الاسلام آثارا.

٤٣٩

وهي دعوة حق لو وعاها ابن هند واستجاب لها لحقن دماء المسلمين وجمع كلمتهم ولكنه آثر مصالحه على ذلك فقال لعدى :

« كأنك إنما جئت متهددا ولم تأت مصلحا. هيهات يا عدي. كلا والله لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان(1) أما والله إنك لمن المجلبين على ابن عفان ، وانك لممن قتلته ، وإني لارجو أن تكون ممن يقتله الله. هيهات يا عدى قد حلبت بالساعد الاشد »

لقد اظهر له الغي والتمرد والإيثار للحرب وذلك لما يتمتع به من القوى العسكرية والقدرة على مناجزة الامام وتكلم معه يزيد بن قيس فقال له :

« إنا لم نأتك الا لنبلغك ما بعثنا به إليك ، ولنؤدى عنك ما سمعنا منك ، لن ندع أن ننصح لك ، وأن نذكر ما ظننا أن لنا به عليك حجة او أنه راجع بك الى الالفة والجماعة. إن صاحبنا لمن قد عرفت وعرف المسلمون فضله ، ولا أظنه يخفى عليك : إن أهل الدين والفضل لن يعدلوك بعلي ولن يميلوا بينك وبينه(2) فاتق الله يا معاوية ، ولا تخالف عليا ، فانا والله ما رأينا رجلا قط اعمل بالتقوى ، ولا ازهد في الدنيا ، ولا أجمع لخصال الخير كلها منه »

إن معاوية يعلم فضل أمير المؤمنين ولكن احقاده واطماعه يحولان بينه وبين الحق فآثر حربه ومناجزته فاجاب القوم قائلا :

« أما بعد : فانكم دعوتم الى الطاعة والجماعة. فأما الجماعة التي

__________________

(1) الشنان : جمع شن ، وهو القربة الخلق فقد كانوا يحركونها اذا ارادوا حث الابل على المسير.

(2) التمييل بين الشيئين الترجيح بينهما.

٤٤٠