الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ0%

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: 209

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف: علي موسى الكعبي
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف:

ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: 209
المشاهدات: 85276
تحميل: 4250

توضيحات:

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 209 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85276 / تحميل: 4250
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: 964-8629-10-2
العربية

١
٢

٣
٤

مقدمة المركز

إن دراسة سيرة الأئمة المعصومينعليهم‌السلام تعتبر من الاسس القويمة للبناء الفكري والمنهج السلوكي لديننا الحنيف ، لأنهم الامتداد الحقيقي لنهج النبوة وسيرتها المعطاء ، والحُماة الاُمناء لمفاهيم الرسالة وعقائدها من حالة التردي والتحريف والضلال.

إننا في رحاب سيرتهم نتواصل مع القدوة الحسنة بكلّ تجلياتها الروحيه والفكرية والعلمية ، وامتداداتها التي تستغرق كلّ مفردات الحياة وتسير نحو سُلّم الكمال المطلوب على صعيد الفرد والمجتمع.

من هنا فاننا بحاجة إلى دراسة متأملة وقراءة متأنية تلمّ بأطراف تلك السيرة المشرقة بالعطاء ، لنجعلها نصب أعيننا فنستجلي مواطن العبرة فيها ، ونستلهم دروس العظمة منها ، ونتعاطى مع دلالتها المتناغمة مع مسيرة الحياة بما تحمله من متطلبات ومستجدات على كافة مستويات الفكر والمنهج والسلوك.

ولعل في تنوع ادوار تلك السيرة بحسب طبيعة المرحلة والظروف السياسية المحيطة بقادتنا المعصومينعليه‌السلام ما يزيل الرتابة منها ويجعلها تتواصل مع مختلف المواقف والظروف نحو هدفٍ اسمى وهمّ مشترك ، وذلك هو حفظ الكتاب الكريم وسنة النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وطلب الاصلاح والهداية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهذا كتاب قراءة في سيرة أحد عظماء أهل البيتعليهم‌السلام ، ذلك هو إمامنا الحادي عشر أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام الذي قال فيه أبوه الهاديعليه‌السلام : « أبو

٥

محمد ابني أنصح آل محمد غريزة وأوثقهم حجة ».

ويبدو أن أهم ما يستوقف الباحث في حياة الإمام العسكريعليه‌السلام هو كونه آخر إمامٍ ختمت به الإمامة الظاهرة ، ليبدأ بعده عصر الغيبة الذي بدأت تباشيره وأوشك زمانه ، لذلك وقع على الإمام العسكريعليه‌السلام العبء الأكبر في ترسيخ مبدأ الغيبة وتأصيله في نفوس شيعته للحفاظ على خطهم الرسالي من الضياع والانهيار. وقد استطاع إمامنا العسكريعليه‌السلام أن ينجز هذه المهمة الخطيرة بكلّ جدارة وقوة ، وأن يحافظ على حياة ولده المهديعليه‌السلام من ملاحقة السلطة وأدوات قمعها ، في وقت عصيب عُزل فيه الإمام عن أصحابه وشدّدت الرقابة عليه.

وفي هذا الاتجاه استطاع أن يهيء ذهنية شيعته لتقبل عصر الغيبة باتباع عين الأسلوب الذي سيتّخذه ولده المهديعليه‌السلام في عصرالغيبة ، وهو الاحتجاب عن الناس واتخاذ الوكلاء الذين يختارهم من خاصته ، والاتصال بأصحابه عن طريق المكاتبات والتواقيع التي صارت سمة بارزة في حياة الإمامين العسكريينعليهما‌السلام .

وهناك صفحات اُخرى مشرقة تستوقف الباحث في سيرة هذا الإمام العظيم الملأى بالعطاء ، نتركها للقارئ الكريم وهو يتحرّاها في فصول هذا الكتاب الذي استطاع مؤلفه أن يوقفنا عند المحطات الرئيسية في سيرة هذا الإمام العظيم ، ضمن دراسة جادة موثقة بالمصادر المعتبرة.

ومنه تعالى نستمد العون والتوفيق

مركز الرسالة

٦

المُقدَّمة ُ

الحمدلله رب العالمين ، وسلامه على عباده المصطفين محمد وآله الميامين.

وبعد : إن البحث في سيرة الأئمة المعصومينعليهم‌السلام باعتبارهم قادةً رساليين وقدوة حسنة تتمثل بهم خصائص العظمة والاستقامة ، يعكس دورهم الايجابي في تحريك طاقات الأمة باتجاه الوعي الرسالي للشريعة ، وتعميق حركة الإسلام الأصيل في وجدانها ، وحماية الرسالة من حالة التردي بالوقوف في وجه التيارات الفكرية المنحرفة.

ويقابل ذلك البحث في سيرة الزماعات المعاصرة لهمعليهم‌السلام التي نقرأ فيها الوجه المشوّه للرسالة على المستوى النظري والتطبيقي ، على الرغم من تماهي أصحاب السلطة والصولجان في كتابه تاريخهم وإغداقهم أسخي الهبات على كتّابهم وشعرائهم.

من هنا كان نصيب السيرة الأولى الخلود والسمو والمجد رغم إقصاء رموزها المعصومينعليهم‌السلام عن مركزهم في زعامة الأمة ، ورغم كونهم ملاحقين ومعزولين عن قواعدهم وشهداء في نهاية المطاف ، وكان نصيبهم أيضاً أن تمسكت بهم غالبية الأمة ومنحتهم كلّ مظاهر التبجيل والثناء والود والثقة ، لا لأنهم من أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن المنتسبين إليه كثيرون ، بل لما تستشعره الأمة من سيرتهم الغنية بالعطاء ودورهم المشرق في كلّ اتجاه ذلك لأن الأمة لا تمنح ثقتها وحبها اعتباطاً ، يقول الإمام الكاظمعليه‌السلام لهارون الرشيد :« أنا إمام

٧

القلوب وأنت إمام الجسوم » (1) .

ونحن مع إمامنا الحادي عشرعليه‌السلام نستشعر تمسك الأمة بالإمام وعظم محبته في قلوبهم وهيبته في نفوسهم في عدة مواقف لعلّ أبرزها حينما اُشخص العسكري مع أبيهعليهما‌السلام من مدينةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جدهم إلى عاصمة الملك سامراء بأمر المتوكل ، فقد روى المؤرخون والمحدثون عن يحيى بن هرثمة وهو المكلف بإشخاص الإمامعليه‌السلام أنه قال : « فذهبت إلى المدينة ، فلما دخلتها ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله وقامت الدنيا على ساق »(2) وحينما نعاه الناعي إبّان شهادته « صارت سامراء ضجّة واحدة : مات ابن الرضا وعطّلت الأسواق ، وركب سائر الناس إلى جنازته ، فكانت سامراء يومئذٍ شبيها بالقيامة »(3) ولم يكن ذلك إلا لشعور الأمة بعطاء الإمامعليه‌السلام ودوره الفعال في حماية الرسالة ، الأمر الذي جعل حتى أعداءَه من رجال البلاط يذعنون بفضله وهديه ، ومنهم وزير المعتمد عبيد الله بن خاقان الذي قال لابنه أحمد عامل الخراج والضياع في قم في إشارة إلى الإمام العسكريعليه‌السلام : « يا بني لو زالت الإمامة عن خلفائنا بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه »(4) .

ولا ريب أن عطاءات الإمام العسكريعليه‌السلام والأدوار التي قام بها على

__________________

(1) ينابيع المودة / القندوزي 3 : 120.

(2) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 322 ـ مؤسسة أهل البيتعليهم‌السلام ـ بيروت.

(3) إكمال الدين / الشيخ الصدوق : 43 ـ المقدمه ـ جماعة المدرسين ـ قم.

(4) إكمال الدين : 41 ـ المقدمه.

٨

مستوى الرسالة ، تمتاز بالخصوصية والاستثناء نظراً للمقطع الزماني الخطير الذي عاشهعليه‌السلام والذي يمتثل في شدة السلطان وإمعانه في عزل الإمام ومراقبة حركاته وسكناته ، بل ولجوئه إلى شتى وسائل القمع لانهائه والاجهاز عليه والحاقه بمن سبقه من سلالة هذا البيت الكرامعليهم‌السلام ، وذلك لكونه والد الإمام الحجةعليهما‌السلام الذي عرفوا بما أثر عندهم من الأحاديث والآثار انه يقيم دولة الحق ويقوّض اُسس الباطل ، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت جوراً وظلماً.

قال الإمام العسكريعليه‌السلام :« زعموا انهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل ، وقد كذّب اللهُ قولَهم ، والحمد لله » (1) لقد ظنوا أنهم يستطيعون النيل من حجة الله المودع بعين الله وحفظه ، فخيب الله ظنّهم.

ورغم الظروف السياسية الحالكة استطاع إمامنا العسكريعليه‌السلام أن يقدّم للامة عطاءً واسعاً ، ويمثل دوراً فاعلاً في إيصال سنن جدّه المصطفيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآبائه المعصومينعليهم‌السلام أن يعدّ جيشاً عقائدياً وطليعة واعية تؤمن بالغيبة كمبدأ عقائدي أصيل يعيش في وجدانها ، وتمكن بالاشراف على شيعته عن طريق التواقيع والمراسلات الوكلاء أن يخطط لسلوكها ويحمي وجودها وينمي وعيها ويمدها بكلّ الأساليب التي تساعد على صمودها وارتقائها إلى مستوى الحاجة الاسلامية.

وتمكن الإمام العسكريعليه‌السلام من إنقاذ الأمة من حالة التعثّر في مهاوي الضلال والتيه ، عن طريق مقاومة التيارات الفكرية المنحرفة عن الجادة وجسّ مواقع تأثيرها وتشخيصها وهي في بدايتها تقديراً لشدّة مضاعفاتها وتخطيطاً

__________________

(1) إكمال الدين : 407 ـ باب 38.

٩

للقضاء عليها ، ولعلّ خير مصاديق ذلك هو اهتمام الإمام العسكريعليه‌السلام بمشروع كتاب يصنفه الكندي حول متناقضات ادّعاها في القرآن الكريم ، إذا إتصل به عن طريق بعض المنتسبين إلى مدرسته ، فاحبط المحاولة وأقنع مدرسة الكندي بأنها على خطأ.(1)

وسنعيش مع فصول هذا الكتاب السبعة أدواراً اُخرى وعطاءات كثيرة امتدت منذ نشأة الإمامعليه‌السلام حتى وفاته في سامراء شهيداً وشاهداً على الأمة بعد سنين من المحنة وفصولٍ من الجهاد.

ولسنا ندّعي هنا بأنّنا قد أحطنا بكلّ جوانب حياة هذا الإمام الهمام وسيرته المعطاء ، ولكنّا قدّمنا جهداً متواضعاً نرجو أن يفي بعض الحق الذي في أعناقنا لأئمتنا الهداة الميامين ، سائلين المولى العزيز أن يسدد خطانا ، ويلهمنا الصواب في القول والعمل ، ومنه تعالى نستمد العون والتوفيق ، وهو من وراء القصد.

__________________

(1) راجع : المناقب / ابن شهر آشوب 4 : 457 ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ 1421 ه‍.

١٠

الفصل الأوّل

الحياة السياسية

في عصر الإمام العسكري عليه‌السلام ( 232 ـ 260 ه‍ )

لا ريب أنّ الحالة السياسية السائدة في عصرٍ ما تشكّل المفصل الأساسي الذي تتحرك عليه مجمل الأوضاع الفكرية والاجتماعية والاقتصادية لذلك العصر ، وتنعكس عليه سلباً وإيجاباً ، ذلك لأن الحاكم يمتلك ـ بسلطته وسطوته وسيطرته على منابع الثروة ـ مفاتيح التغيير الاجتماعي والفكري ببسط اسباب الحرية أو الاستبداد ، ويمتلك عوامل الرخاء أو الفساد الاقتصادي بعدله أو جوره ، وكلّ ذلك منوط بنوع الجهاز الحاكم وسلوك أجهزتة التنفيذية ، وفيما يتعلق بتاريخ الإمام أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام الذي عاش في العصر العباسي الثاني سنقدم قراءة تاريخية للحكام الذين عاصروا الإمامعليه‌السلام منذ الولادة حتى الشهادة ، ثمّ نذكر أهمّ السمات التي طبعت ذلك العصر.

الحكام المعاصرون للإمام عليه‌السلام :

ولد الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في الثامن من الربيع الآخر سنة 232 ه‍ على القول المشهور في ولادتهعليه‌السلام وذلك في آخر ملك الواثق بالله بن المعتصم ( 227 ـ 132 ه‍ ) وبويع بعده لأخيه جعفربن المعتصم المعروف

١١

بالمتوكل لست بقين من ذي الحجة سنة 232 ه‍ ، وكان عمر الإمام العسكريعليه‌السلام نحو ثمانية أشهر ونصف ، وقتل المتوكل سنة 247 ه‍ ، وتولى بعده ابنه المنتصر بالله زمام السلطة العباسية لستة أشهر ويومين فقط ، ومات سنة 248 ه‍ ، فتولى بعده المستعين بالله أحمد بن محمد المعتصم سنة 248 ه‍ ، وخلع نفسه بعد فتنة طويلة وحروب كثيرة سنة 251 ه‍ ، وتولى بعده المعتز بالله بن المتوكل واسمه محمد وقيل : الزبير ( 252 ـ 255 ه‍ ) واستشهد حجة الله الإمام أبو الحسن علي الهاديعليه‌السلام بعد مضي نحو سنتين ونصف من أيام حكم المعتز بالله ، وذلك في الثالث من رجب سنة 254 ه‍ ، وتولى الإمام العسكري مهام الإمامة الإلهية.

ثم جاء إلى السلطة المهتدي بالله محمد بن الواثق بعد خلع المعتز وقتله سنة 255 ه‍ ، وحكم نحو سنة واحدة ، ثمّ قتله الأتراك سنة 256 ه‍ ، وتولى بعده أحمد ابن جعفر المتوكل المعروف بالمعتمد نحو ثلاث وعشرين سنة حيث قتل سنة 279 ه‍ ، وهكذا استغرقت حياة إمامنا العسكريعليه‌السلام الأيام الأخيرة من حكم الواثق ، ثم تمام حكم المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي مع أربع سنين من حكم المعتمد ، حيث استشهد إمامناعليه‌السلام يوم الجمعة الثامن من ربيع الأول سنة 260 ه‍ ، على القول المشهور في وفاتهعليه‌السلام (1) .

__________________

(1) راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : 267 ـ 282 ـ دار الكتاب العربي ـ 1422 ه‍ ، تاريخ اليعقوبي 2 : 484 ـ 507 ـ دار صادر ـ 1415 ه‍ ، إعلام الورى / الطبرسي 2 : 111 ـ 131 ـ مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث ـ 1417 ه‍ ، الجوهر الثمين / ابن دقماق 1 : 146 ـ 157 ـ عالم الكتب ـ 1405 ه‍ ، دلائل الإمامة ، الطبري : 409 و 324 ـ مؤسسة البعثة ـ 1413 ه‍ ، التتمة في

١٢

أهم سمات هذا العصر

يعتبر هذا العصر بداية لضعف سلطة الدولة العباسية وسقوط هيبتها وانحلالها ، بسبب استيلاء الأتراك على عاصمة الملك ، وانتقاض أطراف الدولة واستيلاء العمال والولاة عليها ، واعتزال الخلفاء عن شؤون الحكم وانصراف غالبيتهم إلى أسباب اللهو والترف والمجون ، وقد انعكست آثار ذلك على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل مباشر ، وفيما يلي أهم خصائص هذا العصر :

السمة الأولى ـ نفوذ الأتراك وضعف العباسيين

تميز هذا العصر بغلبة الأتراك والفراغنه والمغاربة وغيرهم من الموالي وتدخّلهم في مقاليد الحكم ، وكان أول ذلك في عصر المعصتم الذي اعتنى منذ توليه الحكم سنة 218 ه‍ ، باقتناء الترك ، فبعث إلى سمرقند وفرغانة والنواحي في شرائهم ، وبذل فيهم الأموال ، وألبسهم أنواع الديباج ومناطق الذهب ، فكانوا يطردون خيلهم في بغداد ويؤذون الناس ، وضاقت بهم البلد ، فاجتمع إليه أهل بغداد وقالوا : إن لم تخرج عنا بجندك حاربناك ، فكان سبب بنائه سرّ من رأى وتحوّله إليها سنة : 220 وقيل : 221 ه‍(1) .

وبعد ذلك ازداد نفوذ الأتراك في عاصمة العسكر سامراء وتسنّموا

__________________

تواريخ الأئمةعليه‌السلام / تاج الدين العاملي : 137 و 142 ـ مؤسسة البعثة ـ 1412 ه‍.

(1) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 259 ، معجم البلدان / ياقوت الحموي ـ المجلد الثالث : 10 ـ 13 ـ ( مدينة سامراء ) دار احياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1417 ه‍.

١٣

مناصب هامة كولاة وعمال وقادة جيش ، ومنهم بغا الكبير ، وابناه موسى ومحمد ، وبابكيال ، وياركوج ، واذكوتكين ، وبغا الصغير الشرابي ، ووصيف بن باغر وغيرهم. وبعد عصر المتوكل ازدادت سيطرتهم على مقاليد الحكم فأهانوا الخلفاء العباسيين وسلبوا إرادتهم ، وتدخلوا في شؤون الملك ، وتلاعبوا ببيوت الأموال ، وانتكهوا مصالح الاُمة ومقدراتها ؛ فقد قتلوا المتوكل والمهتدي ، وخلعوا المعتز والمؤيد ابني المتوكل من ولاية العهد ، واستخلفوا للمستعين ، واستولوا على الأموال في عهده ، وقاتلوه حين غضب عليهم ، فاعتصم ببغداد وبايعوا للمعتز من بعده.

قال ابن طقطقا : كان الأتراك قد استولوا منذ قتل المتوكل على المملكة ، واستضعفوا الخلفاء ، فكان الخليفة في يدهم كالأسير إن شاءوا أبقوه ، وإن شاءوا خلعوه ، وإن شاءوا قتلوه(1) .

وقد وصف بعض الشعراء الحالة التي انتهت إليها الخلافة العباسية في زمن المستعين الذي ليس له حول ولا قوة مع اُمراء الجند الأتراك ومنهم وصيف وبغا بقوله :

خليفة في قفصٍ

بين وصيفٍ وبغا

يقول ما قال لهُ

كما تقول الببغـا(2)

ومن مظاهر سيطرة اُمراء الأتراك على جميع أفراد الدولة بما فيهم الخليفة في زمان المعتزّ بالله ، ما ذكره اليعقوبي في تاريخه حوادث سنة 255 ه‍ ، قال : وثب

__________________

(1) الفخري في الآداب السلطانية / ابن الطقطا : 243 ، نشر الشريف الرضي ، قم.

(2) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 278.

١٤

صالح بن وصيف التركي على أحمد بن اسرائيل الكاتب وزير المعتز ، وعلى الحسن بن مخلد صاحب ديوان الضياع ، وعلى عيسىٰ بن إبراهيم بن نوح وعلى ابن نوح ، فحبسهم وأخذ أموالهم وضياعهم وعذّبهم بأنواع العذاب ، وغلب على الأمر ، فهمّ المعتزّ بجمع الأتراك ، ثمّ دخل إليه فأزاله من مجلسه ، وصُيّر في بيت ، وأخذ رقعته بخلع نفسه ، وتوفي بعد يومين ، وصلّى عليه المهتدي(1) .

السمة الثانية ـ استئثار رجال السلطة بالأموال العامة

السمة الغالبة في حياة سلاطين هذا العصر ومن سار في ركابهم من القادة والولاة والامراء والقضاء هي الاستئثار ببيت المال وتسخيره لخدمة مصالحهم الخاصه وحرمان الأغلبية الساحقة منه ، ومن مظاهر ذلك الاستئثار ان اُمّ شجاع والدة المتوكل حينما ماتت قبله بسنة خلفت أموالاً لا تُحصر ؛ من ذلك خمسة آلاف ألف دينار من العين وحده(2) . ونقل المؤرخون في أحداث سنة 249 أن المستعين أطلق يد والدته ويد أتامش وشاهك الخادم في بيوت الأموال ، وأباحهم فعل ما أرادوا ، فكانت الأموال التي ترد من الآفاق يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة وما يفضل من هؤلاء الثلاثة يأخذه أتامش للعباس بن المستعين فيصرفه في نفقاته(3) .

وذكروا أنه حينما خرج المستعين من سامراء وبويع للمعتز سنة 252 ه‍

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي : 2 : 504 ، سير أعلام النبلاء / الذهبي 12 : 535 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1419 ه‍.

(2) سير أعلام النبلاء 12 : 41.

(3) الكامل في التاريخ / ابن الأثير 6 : 154 ـ دار الكتاب العلمية ـ 1415 ه‍ ، البداية والنهاية / ابن كثير 11 : 3 ـ مكتبة المعارف ـ 1414 ه‍.

١٥

خلّف في بيت المال بسامراء نحو خمسائة ألف دينار ، وفي بيت مال أم المستعين ألف ألف دينار ، وفي بيت المال العباس ابنه ستمائة ألف دينار(1) .

وفي أحداث سنة 255 ه‍ ذكروا أنه ظُفِر لقبيحة اُمّ المعتز وزوجة المتوكل بعد خلع المعتز وقتله ، بخزائن تحت الأرض فيها أموال كثيرة ، ومن جملتها دار تحت الأرض وجدوا فيها ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار ، ووجدوا في سفط قدر مكوك زمرد لم ير الناس مثله ، وفي سفط آخر مقدار مكوك من اللؤلؤ الكبار ، وفي سفط آخر مقداركليجة من الياقوت الأحمر الذي لم يوجد مثله ، فقوّمت الأسفاط بالفي ألف دينار(2) .

أما استعراض تفاصيل أموال وضياع الامراء والولاة والقضاء وكتاب الدواوين والجواري والمغنين والشعراء وغيرهم من المقربين إلى البلاط ، فمما يخرج بنا عن الغرض ، ويكفي مثالاً على ذلك أن بغا الكبير حينما مات سنة 248 ه‍ ترك من المتاع والضياع ما قيمته عشرة آلاف ألف دينار ، وترك عشر حبّات جوهر قيمتها ثلاثة آلاف ألف دينار(3) .

وكانت مؤونة أحمد بن طولون ألف دينار في اليوم وحينما مات خلّف من العين عشرة ألف دينار ، وأربعة وعشرين ألف مملوك(4) .

__________________

(1) الكامل في التاريخ 6 : 166 ، البلادية والنهاية 11 : 7.

(2) تاريخ الطبري 9 : 395 بتحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم ـ بيروت ، الكامل في التاريخ 6 : 202 ، البداية والنهاية 11 : 17 ، تاريخ الخلفاء / السيوطي : 280.

(3) البداية والنهاية 11 : 2.

(4) سير أعلام النبلاء 12 : 94 ـ 95.

١٦

وكانت غُريب جارية المعتمد ذات أموال جزيلة(1) .

السمة الثالثة ـ ميل العباسيين إلى البذخ والترف واللهو

كان رجال الدولة وعلى رأسهم السلطان ينفقون الأموال الطائلة لشؤونهم الخاصة كاقتناء الجواري والسراري والقيان والمغنين وجميع وسائل اللهو والمجون المتاحة في ذلك العصر ، وكانوا يسرفون في الانفاق على الشعراء وبناء القصور ، بينما تعيش الأكثرية الساحقة من الناس على الكفاف وينهكها الجوع والفقر وتفتك بها الأمراض والأوبئة.

فقد كان المتوكل كثير الانفاق على الشعراء حتى قيل : ما أعطى خليفة شاعراً ما أعطى المتوكل(2) ، فأجاز مروان بن أبي الجنوب علي قصيدة في مدحه بمائة وعشرين ألف درهم ، وأعطاه حتى أثرى كثيراً فقال :

فأمسك ندى كفيك عني ولا تزد

فقد خفت أن أطغى وأن اتجبرا

فقال : لا أمسك حتى يغرقك جودي(3) .

وقرّب المتوكل أبا شبل عاصم بن وهب البرجمي ، وكان شاعراً ماجناً ، وأنفق عليه حتى أثرى ، قال أبو الفرج : نَفَق عند المتوكل بايثاره العبث وخدمه وخُصّ به فأثرى ، وأمر له بثلاثين ألف درهم على قصيدة من ثلاثين بيتاً(4) .

وأجاز عبيد الله بن يحيى بن خاقان أبا شبل البرجمي أيضاً على قصيدة في

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 12 : 552.

(2) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 270.

(3) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 270.

(4) الأغاني / ابو الفرج الاصفهاني 14 : 193 ـ دار إحياء التراث العربي.

١٧

مدحه خمسة آلاف درهم ودابة وخلع عليه(1) .

وعن أحمد بن المكي ، قال : غنيت المتوكل صوتاً شعره لأبي شبل البرجمي ، فأمر لي بعشرين ألف درهم ، فقلت : يا سيدي أسأل الله أن يبلّغك الهُنيدة. فسأل عنها الفتح ، فقال : يعني مائة سنة ، فأمر لي بعشرة آلاف اُخرى(2) .

وأجاز المتوكل الحسين بن الضحاك الخليع على أربعة أبيات أربعة آلاف دينار(3) .

وكان المتوكل مغرماً بالجواري اللاتي يجلبن من أنحاء البلاد بأموال طائلة ، فقد روي عن المسعودي أنه قال : كان المتوكل منهمكاً في اللذات والشراب ، وكان له أربعة آلاف سُرّية ووطئ الجميع(4) .

كما كان ميالاً إلى التأنّق في تشييد القصورالضخمة التي تعجّ بألوانٍ من مظاهر الترف والبذخ والعبث اللهو والمجون ، قال اليعقوبي : بني المتوكل قصوراً أنفق عليها أموالاً عظاماً منها : الشاه ، والعروس ، والشِّبندار ، والبديع ، والغريب ، والبرج ، وأنفق على البرج ألف ألف وسبعمائة ألف دينار(5) .

وقيل : أنفق على الجوسق والجعفري والهاروني أكثر من مئتي ألف ألف

__________________

(1) الأغاني 14 : 199.

(2) الأغاني 14 : 193 ـ 194.

(3) مروج الذهب / المسعودي 4 : 388 ـ دار إحياء التراث العربي ـ 1422 ه‍ ، سير أعلام النبلاء 12 : 40.

(4) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 271 ، سير أعلام النبلاء 12 : 40.

(5) تاريخ اليعقوبي 2 : 491.

١٨

درهم(1) .

أما الإسراف في مراسم البلاط الخاصه باولاد الخلفاء وغيرهم فمما يطول به الحديث ، ومن شواهد ذلك ما نقله ابن كثير عن مراسم تسليم المعتز على أبيه بالخلافة ، قال : لما جلس [ المعتزّ ] وهو صبي على المنبر وسلم على أبيه بالخلافة ، وخطب الناس ، نثرت الجواهر والذهب والدراهم على الخواص والعوام بدار الخلافة ، وكان قيمة ما نثر من الجواهر يساوي مائة ألف دينار ، ومثلها ذهباً ، وألف وألف درهم غير ما كان من خلع وأسمطة وأقمشة مما يفوت الحصر(2) .

أمّا المستعين فقد قالوا عنه : إنه كان متلافاً للمال مبذراً ، فرّق الجواهر وفاخر الثياب ، واختلّت الخلافه بولايته واضطربت الاُمور(3) .

وذكروا أنّ اُم المهتدي محمد بن الواثق ، التي ماتت قبل استخلافه ، أنّها كانت تحت المستعين ، فلمّا قُتل المستعين صيّرها المعتزّ في قصر الرصافة الذي فيه الحرم ، فلمّا ولي المهتدي الخلافة قال يوماً لجماعة من الموالي : أمّا أنا فليس لي اُمّ أحتاج لها إلى غلّة عشرة آلاف ألف في كلّ سنة لجواريها وخدمها والمتّصلين بها(4) .

وأمثلة ذلك كثيرة في التاريخ ، وهي تحكي عن حجم التبذير في بيوت

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 12 : 40 ، وراجع : معجم البلدان / ياقوت 2 : 60 ـ دار إحياء التراث العربي ـ عند ترجمة الجعفري ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 492 ، والبداية والنهاية 10 : 346 ، والكامل في التاريخ 6 : 130.

(2) البداية والنهاية 11 : 17.

(3) سير أعلام النبلاء 12 : 46.

(4) تاريخ الطبري 9 : 396 ، الكامل في التاريخ 6 : 203 ، البداية والنهاية 11 : 18.

١٩

الأموال والإسراف في النفقات الخاصه على حساب الأغلبية المحرومة ، وكان من نتائج ذلك أن ابتعد الخليفة عن الرعية وأهمل شؤونهم فكرهه غالبية الناس.

قال ابن كثير في حوادث سنة 249 ـ خلافة المستعين ـ : قد ضعف جانب الخلافة ، واشتغلوا بالقيان والملاهي ، فعند ذلك غضبت العوام من ذلك(1) .

اما المعتمد الذي مات بالقصر الحسني مع الندماء والمطربين وكان يكسر ويعربد على الندماء(2) ، فقد قال السيوطي وغيره : انهمك باللهو واللذات ، واشتغل عن الرعية فكرهه الناس(3) .

ولعلّ ذلك هو أحد الاسباب في تعاطف عامة الناس سيما أهل بغداد مع بعض الطالبيين الثائرين بوجه الظلم والاستئثار ، ومنهم يحيى بن عمر الشهيد سنة 250 ه‍ فضلاً عن حسن سيرته ، قال أبو الفرج : كان هوى أهل بغداد مع يحيى ، ولم يُروَ قطّ أنّهم مالوا إلى طالبي خرج غيره(4) .

وقال ابن الأثير : تولاه العامة من أهل بغداد ، ولا يعلم أنّهم تولوا أحداً من [ أهل ] بيته سواه(5) .

كما أنكر أهل بغداد على المتوكل وكتبوا شتمه على الحيطان والمساجد وهجاه الشعراء ، وحينما أمر بهدم قبر الإمام الحسينعليه‌السلام وهدم ما حوله من الدور

__________________

(1) البداية والنهاية 11 : 3.

(2) سير أعلام النبلاء 12 : 552.

(3) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 282 ، سير أعلام النبلاء 12 : 540.

(4) مقاتل الطالبيين / أبو الفرج الاصفهاني : 421 ـ المكتبة الحيدرية ـ النجف.

(5) الكامل في التاريخ 6 : 157.

٢٠