الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ0%

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: 209

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف: علي موسى الكعبي
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف:

ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: 209
المشاهدات: 85265
تحميل: 4250

توضيحات:

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 209 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85265 / تحميل: 4250
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: 964-8629-10-2
العربية

ومنع الناس من زيارته(1) .

السمة الرابعة ـ تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية

كان نتيجة اضطراب السلطة وضعفها وسوء إدارتها أن تركزت الثروات بيد قلّة من أبناء الاُسرة الحاكمه والمتنفّذين في السلطة ، فتفشّى التفاوت الطبقي بين أبناء الأمة تبعاً للولاء والقرب والبعد من البلاط وحاشيته ، فهناك قلّة متخمة تستأثر برأس المال والثراء الفاحش وتبدّده في حياة البذخ والترف لاشباع شهواتهم وملاذّهم ، وغالبية مسحوقة تعيش حياة البؤس والفقر والحرمان ، وتنهكها النزاعات والحروب ، وتئن تحت وطأة الغلاء وفتك الأوبئة ومختلف الامراض والكوارث الطبيعية التي ازدادت في هذا العصر ، مما ترك آثاراً وخيمة على بنية المجتمع وسلوك أفراده.

فمن تداعيات الحروب الداخلية وعلى رأسها ثورة الزنج ( 255 ـ 270 ه‍ ) التي أثارت الخوف والجوع واستهلكت الأموال والأنفس والثمرات ، أن ارتفعت الأسعار واشتدت المجاعة في سائر ديار الاسلام ، وقلّت البضاعة ، وهجر بعض الناس بلدانهم طلباً للقمة العيش.

فذكروا في حوادث سنة 251 ه‍ أنه بلغ سعر الخبز في مكة ثلاثة أواقٍ بدرهم. واللحم رطل بأربعة دراهم ، وشربة الماء بثلاثة دراهم(2) .

وفي حوادث سنة 251 و 252 ه‍ نتيجة الحرب التي دارت رحاها بين المعتز والمستعين على الكرسي الخلافة شمل أهل بغداد الحصار والغلاء بالأسعار واجتمع

__________________

(1) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 268.

(2) الكامل في التاريخ 6 : 181 ، البداية والنهاية 11 : 10.

٢١

على الناس الخوف والجوع(1) .

وقال اليعقوبي في حوادث سنة 252 ه‍ : وغلت الأسعار ببغداد وسرّ من رأى حتى كان القفيز بمائة درهم ، ودامت الحروب ، وانقطعت الميرة وقلّت الأموال(2) .

وذكر الطبري وغيره حوادث سنة 260 ه‍ أنه في هذه السنة اشتدّ الغلاء في عامة بلاد الاسلام ، فانجلى عن مكة من شدّة الغلاء من كان بها مجاوراً إلى المدينة وغيرها من البلدان ، ورحل عنها عاملها الذي كان بها مقيماً وهو بُريه ، وارتفع السعر ببغداد ، فبلغ الكرّ الشعير عشرين ومائة دينار ، والحنطة خمسين ومائة ، ودام ذلك شهوراً(3) .

أما الأمراض والأوبئة التي غالباً ما تكون من إفرازات الحروب وتردي الأوضاع الاقتصادية ، فقد تحدث عنها المؤرخون كثيراً في هذا العصر. قال السيوطي مشيراً إلى أيام المعتمد ( 256 ـ 279 ) : وفي أيامه دخلت الزنج البصرة وأعمالها وأخربوها وبذلوا السيف وأحرقوا وخربوا وسبوا ، وجرى بينهم وبين عسكره عدة وقعات وأعقب ذلك الوباء الذي لا يكاد يتخلف عن الملاحم بالعراق ، فمات خلق لا يُحصون(4) .

ويبدو أنه قد بلغ التدهور أوجه في أيام المعتمد ، ففي حوادث سنة 258 ه‍

__________________

(1) البداية والنهاية 11 : 9.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 : 499.

(3) تاريخ الطبري 9 : 510 ، الكامل في التاريخ 6 : 248 ، سير أعلام النبلاء 12 : 543 ، البداية والنهاية 11 : 31.

(4) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 282.

٢٢

يقول ابن كثير وغيره : وفيها وقع الناس وباء شديد وموت عريض ببغداد وسامراء وواسط وغيرها من البلاد ، وحصل للناس ببغداد داء يقال له القفاع(1) .

ويقول اليعقوبي : وقع فيها وباء بالعراق ، فمات خلق من الخلق ، وكان الرجل يخرج من منزلة فيموت قبل أن ينصرف ، فيقال أنّه مات ببغداد في يوم واحد اثنا عشر ألف انسان(2) .

السمة الخامسة ـ التدهور وعدم الاستقرار

سادت الكثير من مظاهر الفوضى والشغب والاضطراب في هذا المقطع التاريخي من عمر الدولة العباسية ، تتمثل في انتقاض أطرافها ، واستقلال بعض ولاياتها ، والعدوان الأجنبي على بعض أعمالها ، وكثرة الثورات الداخلية وعلى رأسها ثورة الزنج والخوارج إلى غير ذلك من مظاهر عدم الاستقرار السياسي الأمني الناجمة عن ضعف القدرة المركزية للسلطة وتلاشي هيبتها وتعدد الارادات السياسية فيها لتدخل قادة الجند الأتراك والمغاربة والفراغنة في شؤونها وإشاعتهم الظلم والقهر والاستبداد. وفيما يلي نعرض لأهم تلك المظاهر ، ونذكر بعض الأمثلة من المصادر التي أرّخت لهذا العصر :

أولاً : انتقاض أطراف الدولة

صار أغلب العمال والولاة في هذا العصر غير مقيدين بالارتباط الوثيق بعاصمة الملك أو الموالاة للدولة ، فكان بإمكانهم الانفصال ومناجزة الآخرين

__________________

(1) البداية والنهاية 11 : 30 ، الكامل في التاريخ 6 : 238.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 : 510.

٢٣

القتال ، فكانت الحروب سجالاً بين اُمراء الجند والولاة والعمال في أطراف الدولة ، فكثر المتغلّبون فيها ، وأصبحت المدن الاسلامية تستقبل كلّ فترة عاملاً جديداً يحكمها ويدير شؤونها ويجبي خراجها.

فمثلاً كانت الأندلس تحت سيطرة الأمويين(1) ، والشمال الأفريقي تحت إمرة آل الأغلب(2) ، ومصر تحت سيطرة أحمد بن طولون التركي(3) ، كما تغلب يعقوب بن الليث الصفار على خراسان ونيسابور حتى بلغت شوكته أن حارب جيش المعتمد في دير العاقول بعد أن استولى على واسط(4) ، وسيطر الحسن بن زيد العلوي على طبرستان وأسس الدولة العلوية هناك(5) ، وتغلب على آذربيجان محمد بن البعيث في زمان المتوكل(6) ، وعلى تفليس إسحاق بن إسماعيل مولى بني أميه(7) ، كما تغلب البطارقة على أرمينية(8) ، واستحوذ محمد

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 8 : 260 ـ 263.

(2) الكامل في التاريخ 6 : 66 و 89 و 102 و 126 و 132 و 155.

(3) الكامل في التاريخ 6 : 195 و 213 و 227 و 238 ، سير أعلام النبلاء 13 : 94 / 53.

(4) تاريخ اليعقوبي 2 : 504 ، الكامل في التاريخ 6 : 114 و 151 و 193 و 197 و 232 و 242 و 246 ، سير أعلام النبلاء 12 : 513 / 191.

(5) تاريخ الطبري 9 : 271 ، ومروج الذهب 4 : 410 ، 426 ، 431 و 542 ، والكامل في التاريخ 6 : 158 و 204 و 227 و 233 و 238 و 246 و 336 ، البداية والنهاية 11 : 6 و 15 و 24 و 30.

(6) االكامل في التاريخ 6 : 100 و 104 ، البداية والنهاية 10 : 312.

(7) تاريخ اليعقوبي 2 : 489 ، الكامل في التاريخ 6 : 116.

(8) تاريخ اليعقوبي 2 : 489.

٢٤

ابن واصل التميمي على الأهواز ثم على بلاد فارس(1) ، كما خضعت مرو لشركب الحمّار وقيل : الجمّال(2) ، وقد حصل كلّ هذا في الفترة من سنة 238 إلى سنة 259 ه‍ الأمر الذي يشير إلى تدهور السلطة في هذا العصر إلى حد بعيد.

ثانياً : ضعف الثغور الاسلامية

ومن مظاهر التدهور السياسي الكبير في هذا العصر إهمال المتصدين لقيادة الدولة للثغور الاسلامية إهمالاً أدى بالنتيجة إلى تعرض أطراف الدولة إلى غزوات راح ضحيتها آلاف المسلمين ونهبت أموالهم وانتكهت أعراضهم وسبيت نساؤهم ، كما في غزو مصر من قبل الافرنج والسودان والروم مرات عديدة بما لا حاجة إلى تفصيلها(3) .

ثالثا : أعمال الشغب والعصيان

وتمثل تلك الأعمال مظهراً آخر من مظاهر عدم الاستقرار الأمني والسياسي للدولة ، وهي أعمال كثيرة في هذا العصر أدت إلى تفاقم الأوضاع وتدهورها.

فاليمامة مثلاً عات بها بنو نمير(4) وأهل أرمينية قتلوا عاملهم وأعلنوا

__________________

(1) البداية والنهاية 11 : 24 و 29.

(2) تاريخ الطبري 9 : 502 ، الكامل في التاريخ 6 : 244 ، البداية والنهاية 11 : 31.

(3) راجع في ذلك : تاريخ الطبري 9 : 509 و 511 ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 488 ، والكامل في التاريخ 6 : 117 و 131 و 245 ، والبداية والنهاية 10 : 317 و 324 و 342 و 11 : 31 ، وتاريخ الخلفاء / السيوطي : 269 و 283.

(4) الكامل في التاريخ 6 : 90 ، البداية والنهاية 10 : 308.

٢٥

عصيانهم(1) ، كما تعرض عامل حمص لقتال الحمصيين ، وصارت حمص مسرحاً للقتل والصلب والتحريق(2) ، كما شغب الأتراك والجند في زمان المستعين وقتل خلق كثير ، وانتهبت أماكن كثيرة في عاصمة الدولة سامراء(3) كما تعرضت بغداد إلى شغب كثير في هذا العصر(4) ، ولم تنج الموصل من ذلك أيضاً(5) .

رابعاً : الثورات الشعبية والحركات المتطرفة

تعددت الثورات الشعبية التي قادها الطالبيون ضد الدولة العباسية من جهة ، وتنامت الحركات المتطرفة التي عصفت بالاُمّة من جهة اُخرى ، مما نجم عنه إزهاق نفوس كثيرة ، وتبديد ثروات طائلة ، مع هدر الطاقات وفقدان الأمن ، وشيوع حالة الفوضى والاضطراب.

أما عن الثورات والانتفاضات الشعبية التي انطلقت في هذا العصر لتقف بصلابه في وجه الحكم العباسي ، فقد تزعمها الطالبيون ، وكانت من إفرازات تردّي الأحوال العامة والقهر والاستبداد والطغيان والجور التي عمّت آثارها على الأمة بشكل عام وعلى الطالبيين بشكل خاص ؛ لأنهم يعانون من شدة الوضع العام ، ومن السياسة العباسية القاضية باضطهادهم ومطاردتهم واتباع

__________________

(1) الكامل في التاريخ 6 : 111 ، البداية والنهاية 10 : 315.

(2) الكامل في التاريخ 6 : 120 و 122 و 151 و 161 ، البداية والنهاية 10 : 319 و 323 و 11 : 2 و 6 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 490 و 495.

(3) الكامل في التاريخ 6 : 150 و 154 ، البداية والنهاية 11 : 2.

(4) الكامل في التاريخ 6 : 153 و 201 و 203 ، البداية والنهاية 11 : 3 و 17 و 18.

(5) الكامل في التاريخ 6 : 191 و 247.

٢٦

شتى وسائل الضغط عليهم ، فكانت واعزاً يحفّز الثوار منهم علي الخروج المسلّح بين آونة واُخرى.

وقد تعرضوا في زمان المتوكل لمحنة عظيمة ، إذ فرض عليهم حصاراً جائراً ، واستعمل لهذا الغرض عمر بن الفرج الرخجي ، فمنعهم من التعرض لمسألة الناس ومنع الناس من البرّ بهم ، فكان لا يبلغه أن أحداً أبرّ أحداً منهم بشيء إلا أنهكه عقوبة وأثقله غرماً ، حتى كان القميص يدور بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد اُخرى(1) .

وتعرض الكثير من آل أبي طالب في هذه الفترة لشتى أنواع الاضطهاد والتنكيل ، واُنزلت فيهم أقصى العقوبات ، فتفرّق كثير منهم في النواحي كي يتواروا عن الأنظار أو يعلنوا الثورة المسلحة ضد الدولة ، وشُرّد بعضهم من المدينة إلى سامراء ، وأودع بعضهم السجون حتى ماتوا فيها أو سُمّوا ، هذا فضلاً عمن قُتِلوا على أيدي قادة العباسين ورجال دولتهم كموسى بن بغا على بن أوتامش وصالح بن وصيف وسعيد الحاجب وغيرهم ، ممّا سنشير إليه في الفصل الثاني.

وقد تضمّنت كتب التاريخ أسماء ثمانية عشر ثائراً من الطالبيين في أقلّ من ثلاثين سنة ( 232 ـ 260 ه‍ ) وهو عدد يشير إلى حجم معاناة الطالبيين ومدى الحيف والظلم الذي لحقهم على أيدي السلطات ، وإلا لما تطلّب جميع هذه

__________________

(1) مقاتل الطابيين : 396.

٢٧

التضيحات الجسام(1) .

وأما عن الحركات المتطرفة التي ظهرت في هذا العصر ، فتتمثل بحركة الزنج ( 255 ـ 270 ه‍ ) التي كانت من أشد الحركات المتطرفة التي عصفت بالحكم العباسي ، فضلاً عن عدم مراعاة تلك الحركة لمثل الاسلام وقيمه العليا ، نظراً لما قامت به تلك الحركة من انتها كانت خطيرة بحيث حرقت فيها حتى دور العبادة كالمساجد والجوامع فضلاً عن القتل الذريع وسبي النساء وفعل كلّ قبيح.

وكان صاحب الزنج من الأدعياء الذين زعموا الانتساب إلى الذرية الطاهرة في حين اجمع العلماء على كذبه ودجله وأنه دعيّ لا غير(2) .

ويؤيد ذلك ما كتبه الإمام العسكريعليه‌السلام إلى محمد بن صالح الخثعمي في خصوص فرية صاحب الزنج ، حيث بينعليه‌السلام في كتابه كذب هذا المفترى ، إذ

__________________

(1) راجع أسماء الثائرين ( الثمانية عشر ) على بني العباس في تلك الفترة في تاريخ الطبري 6 : 158 و 204 و 227 و 238 و 246 و 336 ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 497 و 506 ، ومروج الذهب 4 : 406 ـ 410 ـ 424 ـ 428 ـ 429 ، ومقاتل الطالبيين : 397 و 406 و 419 ـ 424 و429 ـ 432 و 435 ، والفخري في الآداب السلطانية : 240 ، والكامل في التاريخ 6 : 107 و 156 ـ 158 و 161 و 179 ـ 181 و 192 و 213 و 226 ـ 227 و 242 ، والبداية والنهاية 10 : 314 و 11 : 5 ـ 6 و 9 و 12 و 15 ـ 16 و 24 و 30.

(2) راجع أخبار ثورة الزنج في : مروج الذهب / المسعودي 4 : 438 ، تاريخ الخلفاء / السيوطي : 282 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 507 ، الفخري في الآداب السلطانية : 250 ، البداية والنهاية 11 : 18 وما بعدها ، وأحداث سنة 255 ـ 270 في تاريخ الطبري والكامل وسائر التواريخ.

٢٨

جاء في الكتاب : « صاحب الزنج ليس من أهل البيت »(1) . وفي هذا دليل قاطع على كذب وافتراء صاحب الزنج لعنه الله في انتسابه إلى الذرية الطاهرة.

ومن تلك الحركات المتطرفه التي عبثت كثيراً ، هي حركة الخوارج الشراة الذين زعموا أنهم شروا الآخرة بالدنيا ! فشنّوا حرباً شعواء على كلّ من خالفهم الرأي لا يفرقون في هذا بين العباسيين وغيرهم ، وكانوا صورة لاسلافهم الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

وقد ظهروا في هذا العصر في الموصل سنة 248 ه‍ وقويت شوكتهم حتى وصلوا قرب العاصمة سامراء واشتبكوا مع العباسيين في معارك طاحنة ، واستولوا على مناطق كثيرة من السواد ، مما ترك هذا أثره البالغ في تدهور الأمن وضياع الهدوء والاستقرار(2) .

* * *

__________________

(1) المناقب / ابن شهر آشوب 4 : 462 ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ ط 1 ـ 1421 ه‍.

(2) راجع حركة الخوارج تلك في : تاريخ اليعقوبي 2 : 497 و 502 ، والكامل في التاريخ 6 : 186 و 190 و 195 و 205 و 212 و 219 و 234 و 272 و 345 و 346 والبداية والنهاية 11 : 22 و 30.

٢٩
٣٠

الفصل الثّاني

الإمام عليه‌السلام والسلطة

على الرغم من الضعف الذي انتاب هيكل الخلافة في هذا العصر ، والانحلال الذي بدأ يستشري في أوصال الدولة العباسية ، فقد بقي العباسيون على نفس المنوال الذي سار عليه أسلافهم إبان عصر القوة والازدهار في التصدّي لمدرسة الأئمةعليه‌السلام وشيعتهم والنكاية بهم ؛ ذلك لأن علاقة الحاكم بالإمام تقوم على أساس ثابت ، وهو الخوف من نشاط الإمام ودوره الايجابي في الحياة الاسلامية ، والشعور بخطورة هذا الدور حتى وصل لدى الزعامات العباسية في هذا الفترة إلى درجة الرعب ، فطوقوا الإمام بحصار شديد ورقابة صارمة عليه ، وتربصوا به وبأصحابه ، وأخيراً تآمروا على حياته فسقط شهيداً في محراب الجهاد ولمّا يبلغ الثلاثين.

كان العباسيون يعيشون أوضاعاً سلبية على مستوى الالتزام الديني ، وقدّم غالبيتهم نموذجاً سيئاً في هذا الإتجاه ، فكانوا يضيقون ذرعاً بأي إمام من معاصريهم ، لما يتمتع به من سمو المكارم ومن شخصية علمية وروحية فذّة تجتذب مختلف أوساط الاُمّة ، التي ترى في الإمام الممثل الحقيقي لسيرة السلف الصالح والمصداق الأصيل لرسالة السماء ، وعندما ترى تلك الأوساط تذمّر

٣١

الامام في مواقفه تجاه السلطة وعدم رضاه عنها تزداد تمسكاً به ، ومن هنا يبرز تخوف السلطة من الانقلاب على نظامها لمصلحة خط الإمامة ، الأمر الذي تحرص معه على ربط الإمام بالجهاز الحاكم وتقريبه بشتى الوسائل ؛ كالسجن كما فعل الرشيد مع الإمام الكاظمعليه‌السلام ، أو ولاية العهد كما فعل المأمون مع الإمام الرضاعليه‌السلام ، أو الحجز والحصار كما فعل العباسيون من المعتصم إلى المعتمد مع الإمام الجواد والهادي والعسكريعليه‌السلام وذلك لدوام مراقبة الإمام وتحديد حركته وفصله عن أتباعه ومواليه ومحبّيه المؤمنين بمرجعيته الفكرية والروحية.

لقد رافق الإمام العسكريعليه‌السلام أباه في رحلته المضيقة من المدينة المنورة إلى سامراء ولمّا يزل صبياً ، وذلك حينما استُدعي الإمام الهاديعليه‌السلام من قبل المتوكل إلى عاصمة البلاط العباسي انذاك ، ليكون محجوزاً ومراقباً ومعزولاً عن قاعدته العريضة ، وبعد أن وافاه الأجل في سنة ( 254 ه‍ ) استمرّ العباسيون بسياستهم تلك تجاه الإمام العسكريعليه‌السلام وكما يلي :

أولاً : مراقبة الإمام عليه‌السلام وفرض الإقامة الجبرية عليه

فرض العباسيون المعاصرون للإمام العسكريعليه‌السلام الإقامة الجبرية عليه كما فرضوها على أبيهعليه‌السلام ، وعملوا على الحد من حرية حركته ، سوى أنّهم أوجبوا عليه أن يركب إلى دار الخلافة في كلّ اثنين وخميس(1) ، لكفكفة نشاطاته وليكون تحت مرآى ومسمع الخليفة وجهازه الحاكم.

ولم يكن الركوب إلى دار السلطان برضا الإمامعليه‌السلام كما لم يكن طريقه إليه مأموناً ، فقد جاء في الرواية عن أبي الحسن الموسوي الخيبري قال : « حدثني

__________________

(1) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 466 ، الغيبة / الشيخ الطوسي : 215 / 179.

٣٢

أبي ، أنه كان يغشي أبا محمدعليه‌السلام بسرّ من رأى كثيراً ، وأنه أتاه يوماً فوجده وقد قدّمت إليه دابته ليركب إلى دار السلطان ، وهو متغير اللون من الغضب ، وكان يجيئه رجل من العامة ، فإذا ركب دعا له وجاء بأشياء يشنّع بها عليه ، فكانعليه‌السلام يكره ذلك »(1) .

أمّا موقف الإمام العسكريعليه‌السلام إزاء الملاحقة والمحاصرة والمراقبة التي فرضتها السلطة لتقييد تحركاته وشلّ عمله العلمي والحيلولة دون أداء دوره القيادي تجاه قواعده المؤمنة به ، هو إحاطة أعماله بالسرية والكتمان والحيطة إلا بالمقدار الذي تسمح به الظروف ، كما سار على نهج أبيه الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام الذي عانى من الحصار والرقابة أيضاً في اتخاذ الوكلاء والقوّام الثقات الذين يمثّلون خط الإمامة الأصيل في أطراف البلاد الشاسعة ، ليكون الإمامعليه‌السلام قادراً على ممارسة دوره في نشر الوعي الديني والعقائدي ، والحفاظ على مفاهيم الرسالة والقيم الاسلامية المقدسة ، والاتصال مع قواعده الشعبية في ظل تلك الظروف العصيبة.

ومن هنا كانت لهعليه‌السلام امتدادات واسعة في المواقع الاسلامية ، ويدل على ذلك عملية تنظيم الوكلاء والقوّام ، إذ كان له وكيل في كلّ منطقة له فيها أتباع وشيعة يأتمرون بأمره وينضوون تحت ولايته ، وكانوا يتصلون بهعليه‌السلام عن طريق المراسلة أو المكاتبة ، ويجيبهم عن طريق التواقيع الصادرة عنه ، ومن خلالها يمارس أيضاً عملية عزل شخص أو تعيين آخر مكانه ، ويعطي سائر إرشاداته

__________________

(1) الغيبة للشيخ الطوسي : 206 / 174 ـ مؤسسة المعارف الاسلامية ـ قم ـ 1417 ه‍ ، بحارالأنوار 50 : 276 / 50.

٣٣

لهذا وذلك من أصحابه.

وكانعليه‌السلام يتبع أقصى إجراءات الحذر والاحتراز في إيصال تلك التواقيع إلى أصحابه ومن بين تلك الاجراءات أنه كان يضع بعض كتبه في خشبة مدورة طويلة ملء الكف كأنّها ( رِجل باب ) ليرسلها إلى العمري(1) .

وكان أصحابه أيضاً يدققون في خطّه ويأخذون منه نسخةً لكي لا يقعوا في محذور التزوير ، قال أحمد بن إسحاق : « دخلت إلى أبي محمدعليه‌السلام فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطّه فأعرفه إذا ورد ، فقال :نعم . ثمّ قال :يا أحمد ، إن الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ والقلم الدقيق فلا تشكّن ، ثم دعا بالدواة »(2) .

وكان الوكلاء والقيّمون يحتاطون كثيراً في أيصال المال إلى الإمامعليه‌السلام وفي حمل مكاتباته وتواقيعه ، فتجد أوثق وكلائه وأعظمهم شأناً عثمان بن سعيد العمري السمان ، يتجر بالسمن تغطيةً على هذا الأمر يعني على نشاطه في مصلحة الأئمةعليه‌السلام ـ وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمدعليه‌السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو ، فيجعله في جراب السمن وزقاقه ، ويحمله إلى أبي محمدعليه‌السلام تقيةً وخوفاً(3) .

إن المتتبع لدراسة حياة الإمامين العسكريينعليهما‌السلام يرىٰ أن المكاتيب

__________________

(1) راجع الرواية في مناقب ابن شهر آشوب 4 : 460.

(2) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 466 ، بحار الأنوار 50 : 286.

(3) الغيبة الطوسي : 354 / 314.

٣٤

والتواقيع قد اتخذت حيزاً واسعاً من مساحة تراثهما(1) ، كما يتبين له دورها في تعميق الوعي الاسلامي الأصيل ، وتعزيز مبادي مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتمهيد لغيبة ولده الحجةعليه‌السلام من بعده ، فضلاً عن المزيد من المكاتبات المتعلقة بالأبواب الفقهية والمسائل الشرعية المبثوثة في كتب الفقه والمجاميع الحديثية ، وكان للوكلاء دور رئيسي في إيصالها من وإلى الإمامعليه‌السلام .

ومن بين وكلاء الإمام العسكريعليه‌السلام : إبراهيم بن عبدة النيسابوري(2) ، وأيوب بن نوح بن دراج النخعي(3) ، وجعفر بن سهيل الصيقل(4) ، وحفص بن عمرو العمري المعروف بالجمال(5) ، وعلي بن جعفر الهمّاني البركمي(6) ، والقاسم

__________________

(1) راجع مجلد الثاني من كتاب ( معادن الحكمة في مكاتيب الأئمةعليهم‌السلام ) للمولى محمد علم الهدي ابن الفيض الكاشاني ، المتوفى سنة 1115 ه‍ ، مكتبة الصدوق ـ طهران ـ وبالنظر لكثرة التواقيع والمكاتبات فقد اتخذت مادة للتأليف ، فألف عبد الله بن جعفر الحميري كتاب ( مسائل الرجال ومكاتباتهم أبا الحسن الثالثعليه‌السلام ) وكتاب ( مسائل لأبي الحسن على يد محمد بن عثمان العمري ) و ( مسائل أبي محمد وتوقيعات ). وألف علي بن جعفر الهمّاني مسائل لأبي الحسنعليه‌السلام . راجع : رجال النجاشي : 220 / 573 ترجمة محمد بن جعفر الحميري ، نشر جماعة المدرسين ـ قم ـ 1416 ه‍ ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي 11 : 293 / 7968 ـ ترجمة علي بن جعفر الهماني ـ دار الزهراء ـ بيروت ـ 1403 ه‍.

(2) معجم رجال الحديث 1 : 250 / 205.

(3) رجال النجاشي : 102 / 254.

(4) معجم رجال الحديث 4 : 73 / 2169.

(5) معجم رجال الحديث 6 : 144 / 3800.

(6) معجم رجال الحديث 11 : 293 / 7968.

٣٥

ابن العلاء الهمداني(1) ، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ابنه محمد ، اللذان قال فيهما الإمام العسكريعليه‌السلام على ما رواه أحمد بن إسحاق عنهعليه‌السلام :« العمري وابنه ثقتان فما أديّا فعنّي يؤدّيان ، وما قالا فعنّي يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما ، فإنّهما الثقتان المأمونان » (2) . ومنهم أيضاً محمد بن أحمد بن جعفر القمي(3) ، ومحمد بن صالح بن محمد الهمداني(4) ، وغيرهم.

من هنا يتضح أن المراقبة والحصار والإقامة الجبرية وغيرها من الممارسات لم تقطع الإمامعليه‌السلام بشكل كلّي عن المناطق التي يتملك فيها أتباعاً وجماهير تدين بإمامته وتؤمن بمرجعيته ، بل استطاع أن يكسر بعض حاجز الحصار والاحتجاب القسري بالمكاتبة والوكلاء ، وأتاح له هذا الأسلوب أن يمهّد ذهنية شيعته كي تتقبل أمر الغيبة دون مضاعفات وتداعيات قد تكون غير محمودة لولا هذا التمهيد.

ثانياً : إيداعه عليه‌السلام السجن

تعرّض الإمام العسكريعليه‌السلام خلال خلافة المعتز والمهتدي والمعتمد إلى السجن أكثر من مرة ، وكانوا يوكلون به أشخاصاً من ذوي الغلظة على آل أبي طالب والعداء لأهل البيتعليه‌السلام من أمثال : علي بن اوتامش(5) ، وأقتامش(6) ،

__________________

(1) راجع : مصباح المجتهد للشيخ الطوسي : 826 ـ أعمال شعبان ـ بيروت ـ مؤسسة فقه الشيعة ـ 1411 ه‍.

(2) الغيبة للشيخ الطوسي : 360 / 322.

(3) معجم رجال الحديث 14 : 318 / 10080.

(4) معجم رجال الحديث 16 : 184 / 10967.

(5) في بعض المصادر : بارمش أو نارمش.

(6) راجع : أصول الكافي / للشيخ الكليني 1 : 508 / 8 باب مولد أبي محمد الحسن

٣٦

ونحرير(1) ، وعلي بن جرين ، وكان المعتمد يسأل علي بن جرين عن أخبارهعليه‌السلام في كلّ مكان ووقت ، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل(2) ، كما كان العباسيون يدخلون على بعض مسؤولي السجن ومنهم صالح بن وصيف ، فيوصونه بأن يضيق عليه ويؤذيه(3) .

وكانوا لا يفارقونه حتى في الاعتقال حيث كانت الرقابة السرية تطارده وأصحابه بدسّ الجواسيس بين أصحابه في السجن ، وكان أحدهم يدّعي أنه علوي وهو جُمحي ، وقد هيّأ كتاباً جعله في طيات ثيابه كتبه إلى السلطان يخبره بما يقولون ويفعلون(4) .

ويصف أبو يعقوب إسحاق بن أبان طريقة حراسة السجن الذي يودع فيه الإمامعليه‌السلام ومراقبته الصارمة بقوله : « إن الموكلين به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيهعليه‌السلام بالليل والنهار ، وكان يُعزَل الموكلون ويولّى آخرون بعد أن

__________________

بن علي من كتاب الحجة ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ 1405 ه‍ ، الإرشاد للشيخ المفيد 2 : 329 ـ مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام ـ قم ـ 1413 ه‍ ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 462.

(1) راجع : أصول الكافي 1 : 513 / 26 من الباب السابق ، الإرشاد 2 : 334.

(2) إثبات الوصية / المسعودي : 253 ـ انصاريان ـ قم ـ 1417 ه‍ ، مهج الدعوات / السيد ابن طاووس : 343 ، بحارالأنوار 50 : 314.

(3) أصول الكافي 1 : 512 / 23 من الباب السابق ، الإرشاد 2 : 334 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 462.

(4) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 470 ، إعلام الورى 2 : 141 ، الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 2 : 682 / 1 و 2 ـ مدرسة الإمام المهديعليه‌السلام ـ قم ، بحارالأنوار 50 : 54 / 10 و 312 / 10.

٣٧

تجدّد عليهم الوصية بحفظه والتوفّر على ملازمة بابه »(1) .

أما موقف الإمامعليه‌السلام من السجن والسجانين ، فهو إقامة الحجة الواضحة عليهم عن طريق أفعاله وزهده وعبادته وصلاحه ، وقد استطاع من خلال هذا الأسلوب أن يفرض هيبته على غالبيتهم ، حتى أن بعضهم يرتعد خوفاً وفزعاً بمجرد أن ينظر إليه ، قال بعض الأتراك الموكلون به حينما كان في سجن صالح بن وصيف : « ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه ، ولا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا »(2) .

وحينما حلّ في سجن علي بن أوتامش ، وكان شديد العداوة لآل البيتعليهم‌السلام غليظاً على آل أبي طالب ، فضلاً عن أنه اُوصي من قبل السلطة بأن يفعل به ويفعل على ما جاء في الرواية ، لكنه تأثر بهدي الإمامعليه‌السلام ومكارم أخلاقه ، فوضع خده على الأرض تواضعاً له ، وكان لا يرفع بصره إليه اجلالاً وإعظاماً ، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة واحسنهم فيه قولاً(3) .

وحينما أوصى العباسيون صالح بن وصيف عندما حبس أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام عنده بأن يضيق عليه ، قال لهم صالح وهو يعلن اعتذاره وعجزه عن هذا الأمر : « ما أصنع به وقد وكلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه ، فقد

__________________

(1) بحارالأنوار 50 : 304 / 80 عن عيون المعجزات.

(2) الكافي 1 : 512 / 23 من الباب السابق ، الإرشاد 2 : 334.

(3) الكافي 1 : 508 / 8من الباب المتقدم ، الإرشاد 2 : 329.

٣٨

صاروا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم »(1) .

ثالثاً : ملاحقة شيعته ومواليه

طاردت السلطة شيعة الإمام باعتبارهم قاعدته ، ولاحقت أصحابه ورواد مدرسته باعتبارهم عمقة القادر على التأثير والاستقطاب ، وتعرضوا للسجن والتشريد والقتل ، وكانوا يعرضون على السيف لمجرد اعتقادهم بإمامته بشهادة أبرز وزراء البلاط آنذاك ، وهو عبيد الله بن يحيىٰ بن خاقان ، فقد روى عنه ابنه وهو أحمد بن عبيد الله الذي كان يتولى الضياع والخراج في قم أنه قال : « لما دفن ( الامام العسكريعليه‌السلام ) جاء جعفر بن علي أخوه إلى أبي ( عبيد الله بن خاقان ) فقال : اجعل لي مرتبة أخي وأنا أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار ، فزبره أبي وقال له : يا أحمق ، إن السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك »(2) .

وفي ربيع الأول سنة 254 ه‍ قتلوا الكثير من أصحاب الأئمة وشيعتهم في قم التي تشكل قاعدة مهمة من قواعد الإمامعليه‌السلام ، فقد نقل المؤرخون أنّ مفلحاً وباجور أوقعا بأهل قم في هذه السنة فقتلا منهم مقتلة عظيمة(3) .

وكان بعض الأصحاب يكتبون إلى الإمامعليه‌السلام مستغيثين من ضيق الحبس

__________________

(1) الكافي 1 : 512 / 23 من الباب المتقدم ، الإرشاد 2 : 334.

(2) أصول الكافي 1 : 505 / 1 من الباب المتقدم ، الإرشاد 2 : 324.

(3) تاريخ الطبري 9 : 381 ، الكامل في التاريخ 6 : 196. حوادث سنة 254 ه‍.

٣٩

وثقل الحديد(1) ، وقسوة العمال وظلمهم(2) ، والفقر وقلّة ذات اليد(3) ، فيهرععليه‌السلام إلى سلاح الأنبياء ليعينهم بالدعاء على نوائب الدهر.

وبلغت قسوة العمال أشدّها معهم ، فكان موسى بن بغا يعاقب بألف سوط أو القتل(4) ، وللإمامعليه‌السلام دعاء طويل قنت فيه عليه لما شكاه أهل قم لظلمه وجوره ، وطلب منهم أن يقنتوا عليه كذلك(5) .

وتعرّض كثير منهم للمطاردة والسجن ، وقد أشار ابن الصباغ المالكي إلى ذلك في معرض حديثه عن الخلف الحجةعليه‌السلام حيث قال : « خلّف أبو محمد الحسن من الولد ابنه الحجة القائم المنتظر لدولة الحقّ ، وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وشدّة طلب السلطان وتطلّبه للشيعة وحبسهم والقبض عليهم »(6) .

وسجن بعضهم مع الإمام العسكريعليه‌السلام ، وكان منهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ، والقاسم بن محمد العباسي ، ومحمد بن عبيد الله ، ومحمد بن

__________________

(1) راجع : أصول الكافي 1 : 508 / 10 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام ـ من كتاب الحجة.

(2) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 466.

(3) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 468 ، كشف الغمة / الاربلي 3 : 314 ـ دار الأضواء ـ بيروت ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي 2 : 1083 ـ دار الحديث ـ قم ـ 1422 ه‍ ، بحارالأنوار 50 : 292 / 66.

(4) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 460 ، بحارالأنوار 50 : 282 / 59.

(5) مهج الدعوات : 67 ، بحارالأنوار 85 : 230.

(6) الفصول المهمة 2 : 1091.

٤٠