طبّ الإمام الصادق عليه السلام

طبّ الإمام الصادق عليه السلام0%

طبّ الإمام الصادق عليه السلام مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 102

طبّ الإمام الصادق عليه السلام

مؤلف: محمّد الخليلي
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف:

الصفحات: 102
المشاهدات: 57579
تحميل: 4855

توضيحات:

طبّ الإمام الصادق عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 102 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57579 / تحميل: 4855
الحجم الحجم الحجم
طبّ الإمام الصادق عليه السلام

طبّ الإمام الصادق عليه السلام

مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
العربية

مكارم الاخلاق الاسلامية الفاضلة في نفوس الأمة ، وينير لها الطريق إلى الحياة السعيدة روحاً وجسماً حتى رفعه الله تعالى إليه ، فلم يهمل هذة الناس سدى بل خلف فيهم الثقلين : كتاب الله وعترته ، فكان القرآن المجيد كتاب الله الصامت والعترة النبوية كتابه الناطق الذي يوضح للناس ماخفي عليهم من تعاليمه الأصلاحية ويرشدهم بتوضيحه إلى ما لم يدركه سواهم من الكنوز القرآنية الخفية.

فكانوا هم الأدلاء على الخير والهدى والمرشدين إلى طريق الحياة الحقة ، كما كانوا هم أطباء النفوس بكل ما تحتاج من العلاجات الروحية والمداواة النفسية لذلك ترى كل إمام من أولئك العترة الطاهرة كان يعالج بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أدواء أهل عصره بنوع من العلاج الروحي يوافق عقولهم ويلائم مداركهم ، كطبيب يوصي مرضاه بكل عطف وحنان ورأفة حتى يوصلهم إلى ساحل الصحة والهناء.

ولما كان عصر الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عصراً مليئاً بالأهواء المتعاكسة والآراء المختلفة والأخلاق المتفاوتة والمذاهب المتشعبة عصراً تفسخت فيه الأخلاق الاسلامية وتسممت فيه النفوس وانحرفت صحة الأرواح. كان الامام «ع» يرى نفسه بطبيعة الحال وحسب وظيفته السماوية هو الطبيب المسؤول أمام الدين عن صحتها والمتكفل بعلاجها.

وكيف لا يرى نفسه كذلك وهو كتاب الله الناطق الذي قال النبي (ص) فيه وفي آبائه وفي القرآن : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً.

نعم كان «ع» يرى نفسه هو المسؤول الأول عن علاج هذه الامة ومداواة أمراضها الروحية التي إنتابت نفوسها بطغيان الرذائل على الفضائل فكان «ع» يطبها بأنواع من أقواله الحكيمة ومختلف إرشاداته القيمة وتعاليمه الشافية ، حسب مداركهم وشعورهم. شأن الفيلسوف المداري والطبيب المداوي. وإليك نموذجاً من طبه الروحي ومعالجته النفسية التي أراد بها شفاء النفوس

٨١

من أسقامها الفتاكة بالفرد والمجتمع ، مكتفين بالقليل لعدم إتساع هذا الجزء لكل ما ورد عنه «ع» في هذا الباب ، فنقول :

[[ 1 ـ الغضب ]]

الغضب حالة في النفس تثيرها أمور منتظرة أو غير منتظرة فتخرج العقل عن إستقامته وتصد الغضوب عن رشده وصوابه ، وتفقده سلطانه على فكره وإدراكه فيختل مزاج الذهن ، وتتهيأ الأعضاء فيها للفتك والانتقام ، ذلك لأن الدم يثور فيها فيسرع إلى القلب ثم ينتشر منه في العروق ويرتفع الى أعالي الرأس فيحمر الوجه وتنتفخ الودجان ثم يجيش في الصدر فيعبس الوجه وتنكمش الشفتان عن الأسنان وهناك تتأهب الأعضاء بسبب هذا الثوران في الدم للفتك والانتقام وقد قيل فيه :

ولم أر في الأعداء حين إختبرتهم

عدواً لعقل المرء أعدى من الغضب

وأهم أسبابه الوراثة والامراض. أما الأسباب المهيئة له فكثيرة ، منها المزاج العصي والتسممات الحادثة من المآكل الحادة والمشروبات الروحية ، كما أن للمحيط والبيئة والتربية الأثر البليغ في أحداث الغضب وشدة وطأته.

قال بعضهم : إن الأسباب المهيجة للغضب الزهو والعجب والمزاح والهزء والممارت والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه ، وهي باجمعها أخلاق رديئة مذمومة. ولاخلاص منه مع بقاء هذه الاسباب إلا بازالتها إلى أضدادها.

وللغضب عواقب كثيرة من الأمراض التي لا يستهان بها كالاصابة بالسل الرئوي وسوء الهضم وإلتهاب الأعصاب والنزيف الدموية بأنواعه ، وقيل ان الغضوب قد يصاب بحالة شبيهة بداء الكلب بحيث إذا عض أحداً أدى إلى موته وهذا مما يدل على أن في ريق الغضبان سماً زعافاً لا يؤثر على صاحبه فقط بل يؤثر على من يقع عليه.

فالغضب داء روحي ومرض خطير يضر بصاحبه أولاً وكثيراً ما يتعداه

٨٢

إلى غيره ويوقع صاحبه في إرتكاب الجرائم من غير وعي أو إدراك.

وكم عالج الحكماء والفلاسفة والاطباء والعلماء هذا الداء بأنواع العلاجات رجاء شفائه فلم يفلحوا ولكن الدين الإسلامي الحكيم قد عالجه باخف العلاجات وأنجعها وصده صداً بمختلف الواقيات كما في الحديث الشريف قوله (ص) :

إذا وجد أحدكم من ذلك ( الغضب ) سيئاً فان كان قائماً فليجلس أو جالساً فليقم ، فان لم يزل بذلك فليتوضأ بالماء البارد أو يغتسل فان النار لا يطفيها إلا الماء(1) .

وقال الإمام الصادق «ع» : الغضب مفتاح كل شر(2) .

وقال «ع» : الغضب ممحقة لقلب الحكيم(3) .

وقال «ع» : من لم يملك غضبه لم يملك عقله(4) .

وقال «ع» : إذا لم تكن حليماً فتحلم. وفي حديث آخر : كفى بالحلم ناصراً(5) .

وقال «ع» : من ظهر غضبه ظهر كيده ، ومن قوي هواه ضعف حزمه(6) .

[[ 2 ـ الكذب ]]

الكذب إنحراف النفس عن صحة الصدق والتواء الروح عن أداء وأجبها الانساني وهو مرض فردي وأجتماعي خطير إذ يحدث في صاحبه الكثير من أعراض الرذائل كالغش والنفاق والمداهنة والغدر والخيانة والرياء وخلف الوعد ونقض العهد مما كان الصدق واقياً منها وحافظاً للنفس من الوقوع فيها. على أن الكذب هو نفسه لا يليق بالانسان معتدل المزاج أن يتصف به فيكون عضوا فاسداً في مجتمعه ، يهلك نفسه ويعدي الآخرين فيمرض بمرضه.

__________________

(1) البحار وكشف الاخطار.

(2 ، 3 ، 4 ، 5) الكافي.

(6) البحار ج 14.

٨٣

وقد قال الامام «ع» فيه : لا داء أدوى من الكذب(1) .

وقال «ع» : من كثر كذبه ذهب بهاؤه(2) .

وقال «ع» : من صدق لسانه زكا عمله(3) .

وقال «ع» : إن الله خلق للشر أقفالاً ومفاتيح تلك الاقفال الشراب والكذب شر من الشراب(4) .

وقال «ع» : إياك وصحبة الكذاب ، فان الكذاب يريد أن ينفعك فيضرك ويقرب لك البعيد ، ويبعد لك القريب(5) .

[[ 3 ـ الحسد ]]

الحسد كراهة نعمة الآخرين وحب زوالها ، وإن الحاسد لم يزل يتطلع إلى نعم الله جل جلاله على عباده فلا يهنأ له حال. وما ألطف ما وصف الحساد أبو الحسن التهامي بقوله :

إني لأرحم حاسدي لشر ما

ضمت صدورهم من الاوغار

نظروا صنيع الله بي فعيونهم

في جنة وقلوبهم في نار

وهو داء في النفس أشد من داء البخل ، لأن البخيل يضن بماله على غيره أما الحسود فانه يضن بمال الله ونعمه على عباده ، ويتألم من وصولها إلى غيره فهو العدو بلا سبب وطالب زوال النعمة عن غيره وإن لم تصل إليه ، ولقد قال رسول الله (ص) : إن لنعم الله أعداء ، قيل له ومن هم يا رسول الله ؟ قال (ص) :

__________________

(1) الحلية ج 7.

(2) الوسائل.

(3) الكافي.

(4) جامع السعادات.

(5) كتاب العترة.

٨٤

الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.

وهذا الداء النفساني لم يحدث إلا عن خبث في الروح وإنطراء النفس على الشر فاذا ما تمكن من إمريء أفسد أخلاقه ، وساقه إلى القبائح والجرائم ، وأوقع صاحبه في أشد الآلام النفسية والاسقام البدنية كما قيل :

أفسدت نفسك بالحسد

وهدمت أركان الجسد

فاذا حصل في أمة أوقعها في الشقاق والنفاق ثم الدمار ، وإذا أستولى على أحد أرجع عذابه على صحابه ، لأن الحسود دائم العذاب مستمر الألم ، ولذا قال «ع» : لا يطمع لحسود في راحة القلب(1) .

وقال «ع» : ليس الحسود غنى(2) .

وقال «ع» : الحسود ذو نفس دائم وقلب هائم وحزن لازم ، وإنه لكثير الحسرات متضاعف السيئات ، دائم الغم وإن كان صحيح البدن.

وقال «ع» : إن الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب(3) .

[[ 4 ـ الكبر ]]

الكبر في الانسان حالة تعتري النفس تدعو إلى مجاوزة الحد في إعظامها واحتقار غيرها ، وبعبارة أوضح : هو إستعظام النفس ورؤية قدرها فوق قدر الغير.

وهو داء عضال في النفوس الواطئة يحدث عن ضيق دائرة نظر المتكبر إلى نفسه ، عندما يرى فيها فضيلة ليست عند غيره ، دون أن ينظر إلى نقصه وكمال غيره وإن لهذا الداء من العوارض المرضية النفسية ما يوقع صاحبه في كثير من الرذال المستقبحة ، كاغتراره بالظلم وعدم إحتفائه بحقوق الناس والحقد والحسد

__________________

(1) الخصال باب العشرة.

(2) الحادي عشر.

(3) الكافي في باب الحسد.

٨٥

الانقياد للحق ، وعدم قبول النصيحة وإعراضه عن الارشاد ، وغير ذلك مما يلجي تكبر المتكبر إلى إرتكابها والابتعاد عن مكارم الأخلاق. وقد أشار الامام «ع» إلى تعريفة بقوله : ما من أحد يتيه من ذلة يجدها في نفسه(1) .

وقال «ع» : لا يطمع ذو كبر في الثناء الحسن(2) .

وقال «ع» : لا جهل أضر من العجب(3) .

وقال «ع» : رأس الحزم التواضع(4) .

وقال «ع» : ثلاثة مكسبة البغضاء : العجب والنفاق والظلم(5) .

[[ 5 ـ خلف الوعد ]]

خلف النفس حالة تتصف بها النفس الخسيسة ، وتستسيغها الروح الواطئة وهو داء نفساني إذا إبتلى به المرء حرم ثقة الناس به ، وجر إلى نفسه في مجتمعه ومحيطه الويل وفقد في أصحابه وإخوانه التعرف وللحبة ، هذا ضرره في صاحبه أما إذا ما فشا ـ خلف الوعد ـ في المجتمع كان داءاً إجتماعياً خطيراً يقف سداً دون سعادة ذلك المجتمع وإنتظام معاملاته وحصول الثقة بين أفراده.

ومن المعلوم أن مثل هذا الداء العضال إذا ما تعلق بالنفوس الواطئة لم يجد لشفائه عقار الطبيب مجالاً ولا ذكاء الفيلسوف سبيلاً إذا لم يردعه وازع ديني أو واعظ داخلي ، يقيم أود تلك النفس الخسيسة ويرفعها إلى مستوى الانسانية الفاضلة لذلك ترى الامامعليه‌السلام جاء لعلاج أمثال تلك النفوس من هذا الطريق المستقيم فقالعليه‌السلام :

__________________

(1) الكافي باب الكبر.

(2) الكافي في باب العشرة.

(3) تحف العقول.

(4) البحار ج 17.

(5) تحف العقول.

٨٦

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف بالوعد(1) .

وقال «ع» : ثلاثة من كن فيه فهو منافق وإن صام وإن صلى : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان(2) إلى غير ذلك.

[[ 6 ـ الحرص ]]

الحرص شدة الكدح والاسراف في الطلب ، وفوقه الشره ، وكلاهما داء ينتاب الروح والنفس بسبب غلبة القوة البهيمية على العقل وإندحار العقل أمامها مغلوباً وما الحريص المصاب بهذا الداء إلا فقير كلما إزداد حرصه إزداد فقره ، لأن الفقر هو الحاجة ، والحريص والشره ما زالا محتاجين ، إذ لم يقنعا بكل ما أعطيا ولم تفتأ نفساهما تطلب الزيادة على ما في أيديهما فهما فقيران على وقد قيل : الغنى هو غنى النفس والقناعة كنز لا يفنى.

وعلى هذا قال الامام «ع» : أغنى غنى من لم يكن للحرص أسيراً(3) .

وقال «ع» : من قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس(4) .

وقال «ع» : الحرص مفتاح التعب ومطية النصب ، وداع إلى التقحم في الذنوب والشره جامع للعيوب(5) .

وقال «ع» : حرم الحريص خصلتين. ولزمته خصلتان. حرم القناعة فأفتقد الراحة ، وحرم الرضا فافتقد اليقين(6) .

__________________

(1) كشف الأخطار.

(2) تحف العقول.

(3) الكافي في باب حب الدنيا.

(4) الكافي في القناعة.

(5) الفصول المهمة.

(6) خصال الصدوق باب الثاني.

٨٧

[[ 7 ـ المراء والجدل ]]

المراء والجدل داءان مذمومان مهلكان ، وشهوتان باطنيتان يعتريان النفس مفادهما الاعتراض على الآخرين باظهار الخلل في قوله أو فعله من باب الطعن والاستحقار له طلباً للتفوق عليه بابراز الكياسة والمعرفة.

وهما داءن خطران أقل ما يحدث منهما في النفس ، حصول التباغض والعداء والنفرة بين المتحابين ، وهذا ما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

ولقد عالجهما الامام الصادق «ع» بارشاداته القيمة ونصائحه الدينية إذ قال «ع» المؤمن يداري ولا يماري(1) .

وقال «ع» : الجهل في ثلاث : شدة المراء ، والكبر ، والجهل بالله(2) .

ومن حديث عنه «ع» : سبعة يفسدون أعمالهم ، سابعهم الذي لا يزال يجادل أخاه مخاصماً له(3) .

إلى هنا ننهى البحث في هذا الموضوع الوسيع الذي لو أردنا ذكر كلما ورد عن الإمام «ع» فيه لضاقت في هذه الرسالة المختصرة به وقد سلكنا فيها الاختصار الايجاز ، ولم يكن قصدنا بها إلا أن نقدم للقارئ الكريم إضمامة من تلك الرياض الزاهرة التي تزهو بتعاليم الامام العالم والمرشد الحكيم ، والمقتدي الناصح ، أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه وعلى آله الطاهرين أفضل التحية والسلام ، مرجئين التفصيل فيها إلى الكتب المفصلة.

والآن وبعد أن ذكرنا لك شيئاً من طب الامام «ع» وهو بلا ريب غيض من فيض وقطرة من بحر علومه ومعارفه ، إرتأينا ان نذكر لك ترجمة أشهر

__________________

(1) البحار ج 17.

(2) البحار ج 1.

(3) خصال الصدق وبات السبعة.

٨٨

الاطباء في ذلك العصر ، أي عصر الامام ، وذلك لما كان لهم من الأثر في إنتشار الطب يومذاك وبالطبع إنا سنجمل تراجمهم سيراً على منهجنا في الاختصار.

[[الأطباء في عصر الامام عليه‌السلام ]]

ليس القصد من تخصيص هذا العصر بالبحث والعناية لكونه عصر إنقراض دولة وتأسيس أخرى فحسب ، ولا لأنه مليء بالحوادث التاريخية والوقائع الحربية والتغييرات السياسية الزمنية. بل لأنه عصر النهضة العلمية في الجزيرة وربوع الرافدين بالخصوص ، وإبتداء عهد الحضارة الاسلامية ، والمعارف والعلوم العربية من طب وفلسفة وأدب وغيرها من الفنون التي أخذت منها أرقى ما وصل إليه الأولون من الأمم المتمدنة ، ثم قدمته بعد التنقيح العلمي وبعد الصقل العقلي ، لقمة سائغة مرية إلى الأجيال المتأخرة بقوالبها العربية الجذابة وبيانها الفصيح الخالي من شوائب النقص والتعسف ، والمشتمل على تلك الآراء الجبارة المطابقة للعقل والوجدان والدين والفطرة ، فقد صادفت بذرة العلوم يومذاك من مفكري العرب وفلاسفة الاسلام أطيب أرض صالحة أثمرت للأجيال المتعاقبة أشهى الثمر وأمراه فهو والحق يقال ، كان كحلقة وصل بين الثقافتين القديمة والحديثة ، وواسطة العقد بين العقلية البشرية لدى الأمم السالفة وهذا العصر الحديث.

إذن فلا غرو إذا ما خصص هذا العصر بالبحث ، وأعطى من الأهمية والعناية ما هو جدير بهما ، سيما وقد بذر الامام أبو عبداللهعليه‌السلام في نفوس أصحابه وتلاميذه والوافدين عليه من العلماء والحكماء والمفكرين ، تلك البذرة التي لم يدرك مغزاها ولم يصل إلى معرفتها إلا جهابذة هذا العصر الحديث بعد تقدم الطب والتجارب العلمية مدة قرون وقرون. وإليك تراجم أولئك الأطباء :

٨٩

[[ 1 ـ جرجيس بن جبرائيل (1) ]]

هو جرجيس بن جبرائيل الجنديسابوري(2) كان في صدر الدولة العباسية وكانت له خبرة كاملة وإطلاع تام بصناعة الطب وإطلاع وافر بمداواة المرضى وعلاجهم وكان فاضلاً رئيساً لمدرسة جنديسابور.

إستدعاه المنصور العباسي لمداواته من علته التي عجز أطباء بغداد عن علاجها وهي فساد معدته كما تقدم ، ولما ورد بغداد ومثل بين يديه أعجب به لحلاوة منطقه ورزانة عقله. ولما ذكر له العلة طمنه ، ثم عالجه حتى بريء بسرعة.

بقي جرجيس عند الخليفة مدة ، ثم أراد الرجوع إلى بلده ، فلم يأذن له الخليفة وطلب إليه البقاء في بغداد ، بعد أن أغدق عليه الأموال والعطايا ، فاضطر للبقاء في بغداد يعالج المرضى. وفي هذه المدة التي كان في العاصمة ، أخذ ينقل للمنصور كتباً كثيرة في الطب إلى اللغة العربية فعظم مقامه عند الخليفة والناس ثم مرض سنة 152 ه‍ وطلب من الخليفة الرجوع إلى أهله ليرى عياله وأطفاله وليدفن في وطنه إذا مات ، فاذن له بعد أن خلف تلميذه ـ عيسى بن شهلافا ـ مكانه ، فأرسل المنصور معه خادماً خاصاً وأمره أن جرجيس إذا مات في الطريق حمله إلى أهله ليدفن عندهم كما أراد لكنه وصل إلى بلاده حياً وبقي تلميذه بخدمة الخليفة كطبيب خاص للبلاط.

[[ 2 ـ عيسى بن شهلافا (3) ]]

عيسى بن شهلافا الجنديسابوري تلميذ جرجيس جاء مع أستاذه إلى بغداد

__________________

(1) عيون الأنباء والقفطي.

(2) وفي تاريخ الحكماء جورجيس بن بختيشوع.

(3) القفطي ص 165.

٩٠

لعلاج المنصور ثم بقي بعده طبيباً للخليفة باشارة من أستاذه كما مر ، ولكن هذا بدأ يبسط يده بالأذية خاصة بالأساقفة والبطارقة ويطالبهم بأخذ الرشى والأموال ، وكانت فيه شرارة طبع.

ولما خرج المنصور في بعض سفراته ، ووصل إلى نصيبين كتب عيسى هذا إلى مطران نصيبين يهدده ويتوعده إن منع عنه ما إلتمسه منه ، وكان قد إلتمس منه أن ينفذ إليه من آلات البيعة أشياء جليلة ثمينة ، وكتب في كتابه ـ أليس تعلم أن أمر الملك بيدي إن أردت أمرضته وإن أردت شفيته ، فلما وقف المطران على الكتابة إحتال في التوصل إلى الربيع وزير المنصور ، وشرح له الحال وأقرأه الكتاب ، فأوصله الربيع ألى الخليفة وأوقفه على حقيقة الأمر فأمر المنصور بأخذ جميع ما يملك عيسى وتأديبه ، ثم نفيه أقبح نفي ، وكان هذا هو ثمرة الشر وعاقبة صاحبه.

[[ 3 ـ ابن البطريق (1) ]]

وسماه البعض البطريق تخفيفاً. هذا الطبيب كان في أيام المنصور ، وقد أمره المنصور بنقل أشياء كثيرة من الكتب القديمة فنقلها له ، وكان نقله جيداً إلا أن نقله كان دون نقل الطبيب حنين الذي جاء بعده ، والذي كان نقله بعد هذا هو المعول عليه لدى الأطباء والحكماء. وستجد ترجمته في كتابنا ـ معجم أدباء الأطباء ـ.

[[ 4 ـ فرات بن شحناثا (2) ]]

طبيب يهودي فاضل كامل في وقته متقدم العهد من تلاميذ الطبيب الشهير ( تياذق ) طبيب الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقد كان أستاذه يرفعه على ساير تلاميذه خدم في حداثته الحجاج أيضاً ، ولما كبر وشاخ صحب الأمير ـ عيسى ابن موسى العباسي ـ ولي العهد أيام المنصور ـ وكان عيسى هذا يشاوره في كل

__________________

(1) القفطي 169.

(2) عيون الأنباء ص 162.

٩١

الامور ، ويعجبه عقله وصواب رأيه فيما كان ينذر به أيام خلافة المنصور ، فكان عيسى يتذكره بعد وفاته كل ما وقع له شيء من الأمور التي ينذره بوقوعها ويقول : سقى عهدك أبا فرات ، كانك كنت شاهداً يومنا هذا.

[[ 5 ـ موسى بن إسرائيل الكوفي (1) ]]

هذا الرجل طبيب من أهل الكوفة ولد سنة 129هـ وتوفي سنة 222 ه‍. خدم في أواخر أيامه أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي واختص بخدمته وتقدم عنده وله ذكر مشهور بين الأطباء. وكان قليل العلم بالطب إذا قيس بمن كان في وقته من مشاهير مشايخ المتطببين ، إلا أنه كان أملأ لمجلسه منهم لخصال إجتمعت فيه. كفصاحة اللهجة مع علم بالنجوم ومعرفة بايام الناس ورواية للأشعار.

وكان أبو إسحاق أبراهيم يحتمله لهذه الخلال ، ولأنه طيب العشرة جداً يدخل في منادمي الملوك.

وكان ابن إسرائيل هذا في حداثته بخدمة الأمير عيسى بن موسى العباسي وكان قد خدم معه المتطبب اليهودي فرات بن شحناثا ، وهو يروي عنه أي عن فرات حكايات كثيرة من مشاورات عيسى له وإرشاداته إياه بالآراء الصائبة.

قال الطبيب موسى(2) : لما عقد المنصور لعيسى بن موسى على محاربة ( محمد بن عبدالله العلوي ) وسار باللواء من داره قال لفرات : ما تقول في هذا اللواء ؟ قال فرات : أقول إنه لواء الشحناء بينك وبين أهلك إلى يوم القيامة. ألا أني أرى لك نقل أهلك من الكوفة إلى أي البلدان أحببت ، فان الكوفة بلد أهلها شيعة من تحارب ، فان فللت لم يكن لمن تخلف بها من أهلك بقيا ، وإن فللث وأصبت من تتوجه إليه زاد ذلك في أضغانهم عليك ، فان سلمت منهم في حياتك لم يسلم منهم عقبك بعد وفاتك. فقال عيسى ويحك إن أمير المؤمنين غير مفارق

__________________

(1) القفطي 208.

(2) عيون الانباء ج 2 ص 148.

٩٢

الكوفة فلم أنقل أهلي منها وهم بعد في داره ؟ فقال : إن الفيصل في مخرجك فان كانت الحرب لك فالخليفة مقيم بالكوفة ، وإن كانت عليك لم تكن الكوفة له بدار وسيهرب منها ويخلف حرمه فضلاً عن حرمك.

قال موسى الطبيب : فحاول عيسى نقل عياله من الكوفة فلم يسوغ المنصور له ذلك ، ولما فتح الله على عيسى ورجع إلى الكوفة وقتل إبراهيم بن عبدالله إنتقل المنصور إلى مدينة دار السلام ، فقال له متطببه : بادر بالانتقال معه إلى مدينته التي قد أحدثها. فاستأذن المنصور بذلك فاعلمه أنه لا سبيل إليه وإنه قد دبر إستخلافه على الكوفة فاخبر عيسى فراتاً متطببه بذلك فقال له : إن إستخلافه أياك على الكوفة حل لعقدك على العهد ، لأنه لو دبر تمام الأمر لك لولاك خراسان بلد شيعتك ، فأما أن يجعلك في الكوفة بلد أعدائك وأعدائه وقد قتلت محمد بن عبدالله فوالله ما دبر فيك إلا قتلك وقتل عقبك ومن المحال أن يوليك خراسان بعد الذي ظهر منه فيك فسله توليتك الجزيرتين أو الشام ، فاخرج إلى أي الولايتين ولاك فاوطنها. فقال له عيسى : أتكره لي ولاية الكوفة وأهلها من شيعة بني هاشم وترغب لي بولاية الشام أو الجزيرتين وأهلها شيعة بني أمية ، فقال له فرات : أهل الكوفة وإن وسموا أنفسهم بالتشيع لبني هاشم فلست وأهلك من بني هاشم الذين يتشيعون لهم ، وإنما تشيعهم لبني أبي طالب ، وقد أصبحت من دمائهم ما قد أكسب أهلها بغضك وأحل لهم عند أنفسهم الاقتياد منك وتشيع الشام والجزيرتين ليس على طريق الديانة ، وإنما ذلك على طريق إحسان بني أمية لهم ، وان إنت أظهرت لهم مودة متى وليتهم وأحسنت إليهم كانوا لك شيعة ، ويدلك على ذلك محاربتهم مع عبدالله ابن علي على ما قد نال من دمائهم ، لما تألفهم وضمن لهم الاحسان إليهم ، فهم إليك لسلامتك من دمائهم أقبل.

قال موسى الطبيب : واستعفي عيسى من ولاية العهد ، وسأل تعويضه عنها فأعلمه المنصور أن الكوفة دار الخلافة ، لا يمكن أن تخلو من خليفة أو ولي العهد

٩٣

ووعده أن يقيم في مدينة السلام سنة وفي الكوفة سنة وأنه إذا صار إلى الكوفة صار عيسى إلى مدينة السلام وأقام بها.

قال ولما طلب أهل خراسان عقد البيعة للمهدي ، قال عيسي لفرات : يا فرات قد دعيت إلى تقديم محمد بن أميرالمؤمنين على نفسي ، فقال له : فتوقع ما أرى أن تسمع وتطيع اليوم وبعد اليوم ، قال عيسي : وما بعد اليوم ؟ قال إذا دعاك محمد إلى خلع نفسك وتسليم الخلافة إلى بعض ولده ، أن تسارع فليس عندك منعة ولا يمكنك مخالفة القوم في شيء يريدونه منك.

قال موسى : فمات المتطبب فرات في خلافة المنصور ، ولما دعا المهدي عيسى إلى خلع نفسه من ولاية العهد وتسليم الأمر إلى الهادي قال : قاتلك الله يا فرات ، ما كان أجود رأيك وأعلمك بما تتقومه كأنك كنت شاهد يومنا هذا.

قال موسى : ولما رأيت مافعل أبو السرايا بمنازل العباسيين في الكوفة قلت مثل ماقال عيسى في فرات.

[[ 6 ـ خصيب المتطبب (1) ]]

كان خصيب هذا طبيباً نصرانيا من أهل البصرة وكان مقامه بها ، ذكره ابن أبي أصيبعة في عداد الأطباء الذين كانوا في إبتداء ظهور بني العباس وكان فاضلاً في صناعة الطب جيد المعالجة.

حدث محمد بن سلام الجمحي قال : مرض الحكم بن محمد بن قنبر المازني الشاعر بالبصرة فأتوه بخصيب ليعالجه فقال فيه :

ولقد قلت لأهلي

إذ أتوني بخصيب

ليس والله خصيب

للذي بي بطبيب

إنما يعرف دائي

من به مثل الذي بي

__________________

(1) عيون الأنباء والقفطي.

٩٤

وحدث أيضاً محمد بن سلام فقال : كان خصيب الطبيب هذا نصرانياً نبيلاً فسقى محمد بن أبي العباس السفاح شربة دواء وهو على البصرة فمرض منها وحمل إلى بغداد فمات بها فاتهم خصيب وحبس حتى مات في الحبس.

[[ 7 ـ ابن اللجاج ]]

قال القفطي : طبيب مذكور كان في زمن المنصور من بني العباس ، ولما حج المنصور حجته التي مات بها كان ابن اللجاج المتطبب هذا في صحبته.

قال ابن أبي أصيبعة : قال يوسف بن إبراهيم ، حدثني إسماعيل بن أبي سهل ابن نوبخت ، ان أباه أبا سهل حدثه : إن المنصور لما حج حجته التي توفي فيها رافق ابن اللجاج المتطبب المنصور ، فكان متى نام المنصور تنادما وذات يوم سأل ابن اللجاج وقد عمل فيه النبيذ ابا سهل عما بقي من عمر المنصور ( حسب النجوم طبعاً ) فقال إسماعيل ، فعظم ذلك على والدي ، وقطع النبيذ وجعل على نفسه أن لا ينادمه ، وهجره ثلاثة أيام ، ثم إصطلحا بعد ذلك فلما جلسا على نبيذهما قال ابن اللجاج لأبي سهل سألتك عن علمك بعض الأمور فبخلت به وهجرتني ولست أبخل عليك بعلمي فاسمعه ، ثم قال : إن المنصور رجل محرور ، تزداد يبوسته في بدنه كل ما أسن ، وقد حلق رأسه بالحيرة ، وجعل مكان الشعر الذي حلقه غالية وهو في هذا الحجاز يداوم الغالية ، وما يقبل قولي في تركها ولا أحسب أنه يبلغ ( فيد ) حتى يحدث في دماغه من اليبس ما لا يكون عندي ولا عند أحد من المتطببين غيري حيلة في ترطيبه ، فليس يبلغ ( فيد ) إن بلغها إلا مريضاً ولا يبلغ مكة ( إن بلغها ) وبه حياة.

قال إسماعيل قال لي والدي : فوالله ما بلغ المنصور ( فيد ) إلا وهو عليل وما وافى مكة إلا وهو ميت فدفن في بئر ميمون.

٩٥

الدليل

3

الإهداء

53

الأدوية التي وصفها الامام «ع»

4

مقدمة الطبعة الثالثة

55

العمل الجراجي والاستشفاء بالسموم

7

المقدمة

55

أقواله «ع» في خواص بعض النباتات

9

تاريخ الطب ومبدأ ظهوره

56

الثوم

58

البصل

59

الفجل

10

الطب عند العرب

60

الجزر

61

الباذنجان

15

طب الامام «ع» ـ تمهيد

61

القرع ( الدبا )

24

مناظرة الإمام «ع»‌مع‌الطبيب‌الهندي

62

أقواله «ع» في بعض الفواكه والخضر

                 
٩٦

27

سؤال‌النصراني منه عن تعداد عظام الانسان

63

العنب

63

التفاح

28

الدورة الدموية

64

الرمان

65

السفرجل

30

كيفية السماع والأبصار

66

التين

66

التمر

31

العدوى والجراثيم

67

الخس

68

الهندبا

34

الجراثيم ومجمل تاريخها

69

من كلماته الخالدة في الطب

38

حديث الأهليلجة

79

الصادق «ع» والطب الروحي

44

وصفاته الطبية الصداع

82

الغضب

83

الكذب

46

الزكام

84

الحسد

85

الكبر

٩٧

47

ضعف البصر بياض العين

86

خلف الوعد

87

الحرض

48

وجع البطن وإسهالها الاسهال

88

المراء والجدل

48

قراقر البطن مع الألم

89

الأطباء في عصر الامام «ع»

48

الرياح الموجعة

90

جرجيس بن جبرائيل

49

ضعف البدن ، حمى الربع

90

عيسى بن شهلافا

50

المبطون من الألم ، الوضح والبهق

91

ابن البطريق

51

البلغم الكثير ، شدة البول

91

فرات بن شحناثا

51

قلة الولد

92

موسى بن إسرائيل الكوفي

٩٨

52

ضعف الباه

94

خصيب المتطبب

52

الأدواء التي علجلها الامام «ع»

95

ابن اللجاج

٩٩

الفهرس

مقدمة الطبعة الثالثة 4

المقدمة 7

تاريخ الطب ومبدأ ظهوره : 9

الطب عند العرب 10

طب الامام عليه‌السلام 15

[[ مناظرة الإمام «ع» مع الطبيب الهندي(1) ]] 24

[[ سؤال النصراني منه عن تعداد عظام الانسان(1) ]] 27

[[ الدورة الدموية ]] 28

[[ كيفية السماع والأبصار ]] 30

[[ العدوى والجراثيم ]] 31

[[ الجراثيم ومجمل تاريخها ]] 34

[[ حديث الأهليلجة(1) ]] 38

[[ وصفاته الطبية(1) ]] 44

[[ 1 ـ الصداع ]] 44

[[ 2 ـ الزكام ]] 46

[[ 3 ـ ضعف البصر ]] 47

[[ 4 ـ بياض العين ]] 47

[[ 5 ـ وجع البطن وإسهالها ]] 48

[[ 6 ـ الاسهال ]] 48

[[ 7 ـ قراقر البطن مع الألم ]] 48

[[ 8 ـ الرياح الموجعة ]] 48

[[ 9 ـ ضعف البدن ]] 49

١٠٠