الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة0%

الأسرار الفاطميّة مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 1420
الصفحات: 534

الأسرار الفاطميّة

مؤلف: الشيخ محمد فاضل المسعودي
تصنيف:

ISBN: 1420
الصفحات: 534
المشاهدات: 128441
تحميل: 6815

توضيحات:

الأسرار الفاطميّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128441 / تحميل: 6815
الحجم الحجم الحجم
الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة

مؤلف:
ISBN: 1420
العربية

١

٢

٣

٤

الإهداء

إلى مصباح الهدى وسفينة النجاة

إلى الموعود بشهادته قبل ولادته

إلى الذي بكاه رسول الله حين ولادته

إلى الذي قضى ضمآن بجنب الفرات

إلى الذي بكت عليه ملائكة السماء

إلى خضيب الشيبة بالدماء

إلى ساكن طفوف كربلاء

إلى من تطلب بدمه سيدة النساء بعرصات يوم القيامة

« لابدّ ان ترِدَّ القيامةَ فاطمٌ

وقميصها بدم الحسين ملطخ »

إلى خامس اصحاب حديث الكساء

إليك يا سيدي يا أبا عبد الله الحسين بن علي7 ...

أرفع لك هذا المجهود القليل راجياً من الله القبول

والغفران لي ولوالدي ولمن ينتفع بهذا الكتاب

يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى بقلب سليم

محمد فاضل المسعودي

٥

٦

تقريض

تزيينا لكتابنا وتبيينا لعام الطبع طلبنا من الخطيب سماحة الشيخ محمد سعيد المنصوري « حفظه الله ورعاه » ان يتفضل علينا بتوشيح لكتابنا الأسرار الفاطمية وتأريخ يعرف به زمان طبعه فاستجاب لنا سماحته بهذه المقطوعة الشعرية المشتملة على معاني لطيفة وخفيفة على الطبع والذوق امد الله في عمره الشريف ووفقنا الله واياه وصالح المؤمنين لخدمة الائمة الأطهار لا سيما فاطمة الزهراءعليها‌السلام أنالنا الله شفاعتها يوم القيامة وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

( محمدٌ ) بالاسرارِ جاء ولم يجئ

الينا بأسرارٍ سِواهُ مؤلفُ

على أنّها بالفاطميةِ عُرّفَت

وكلُّ الذي يُعزى لفاطمة يُعرفُ

وهذا كتابٌ في سليلةِ ( احمد )

ومِن ذُكرُها الذكرَ الجَمِيل المُشرِّفُ

بهِ قَد جَلى بالبحثِ عَن كلّ غامضٍ

وعرّف عمّا فيهِ حارَ المعرِّفُ

ابانَ وفي « مُستودَع السر » ما به

تُقرطُ اذانُ الورى وتُشنَّفُ

فأبوابُهُ باباً فبَاباً وبحثُهُ

لأبينُ مِن فجرٍ ضحَوُكٍ وألطَفُ

كتابٌ بِهِ ما لَيسَ يحوِيه غيرُهُ

وكلٌّ على قدرٍ من الدوح يَقطفُ

وفكرتُهُ فيما نرى من بَيانِه

يميلُ اليها العبقَرِي المُثقَفُ

وفاطمةٌ مهما نقوُل بشأنها

فتلكَ من الأقوال اسمى واشرفُ

فطوبى لمن مالوا اليها بودِّهِم

وويلٌ لمن قالوا وفي القوَلِ اسرفُوا

فظلوا طرِيقا كان فيه نجَاتهم

اظلّهم عنه الهَوى والتَعجرُفُ

فيا نِعمَ ما دبجّتَ يا نَجلَ « فاضِلٍ »

بِمَن قد اتى فِيها من « الله » مصحفُ

غدا سوف يأتيكَ الجزاءُ مضاعَفاً

فأرّخهُ « ان نعم التُقى والتعففُ »

51 + 160 + 541 + 667

= 1419 هجرية

٧
٨

تقديم العلاّمة آية الله

سماحة السيّد عادل العلوي

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرّة البهيّة

في الأسرار الفاطميّة

الحمد لله فاطر السماوات والأرضين ، خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، والصلاة والسلام على أبيها محمّد الأمين ، سيد الأنبياء والمرسلين ، حبيب الله وخاتم النبيّين ، وعلى بعلها أمير المؤمنين عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين ، وعلى أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم من بدء الخلق إلى قيام يوم الدين.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم ومبرم خطابه العظيم :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم. فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »(2) .

الحديث عن الزهراءعليها‌السلام إنّما هو حديث عمّا سوى الله سبحانه ، فهي الكون

__________________

(1) الأحزاب : 33.

(2) فرائد السمطين 2 : 68.

٩

الجامع بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، والله المحسن وهو الجميل ومطلق الجمال والحسن ، وإنّه يحبّ الجمال ، ولو كان الحسن والجمال شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فهي جمال الله وحسنه ، وإنّها الحوراء الإنسيّة ، فهي خير أهل الأرض عنصراً ، فإنّها نور الله جلّ جلاله اشتُقّت من نور أبيها وبعلها ، وفارقتهما في القوس النزولي ، فكان أبوها وبعلها في صلب آدم إلى عبد المطلب وأبي طالب ، وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق العرش ، ثمّ انتقل إلى الجنّة ، وبقي في رياضها محبوراً ، ثمّ أودعه الله في شجرة من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها ، حتى إذا عرج النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السماء ودخل الجنّة ، وأكل من تفّاحها ورطبها ، فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمةعليها‌السلام فتحوّلت نوراً في صلبه ، ثمّ هبط إلى الأرض ، فواقع خديجة الكبرى لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة ، ومن ثمّ كان النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة.

ففاطمةعليها‌السلام من صلب خاتم النّبيّين وأشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة ومن دون واسطة ، دون غيرها ، فكانوا من صلب آدم7 . فهي خير أهل الأرض عنصراً ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً ، وأكرم منزلاً.

فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم بآلاف من السنين ، خلقت حوريّة في صورة إنسيّة ، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي الجنّة ، ونطقت وتحدّثت في بطن أُمّها ، وقال جبرئيل عنها أنّها النسلة الطاهرة الميمونة ، وسجدت ونطقت بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكيّة الرضيّة المرضيّة المحدّثة الزهراء البتول الحرّة ، العذراء الحوراء النوريّة السماويّة الحانية ، اُمّ الحسنين ، أُمّ أبيها ، أُمّ الأئمة النجباء ، فهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى. ومن عرفها حقيقةً فقد أدرك ليلة القدر.

والمعرفة أساس الحياة وروحها ، فمن لا معرفة له ـ كالكافر ـ فلا حياة له ، وكان ميّتاً يمشي بين الأحياء. وبالمعرفة يتمّ الإيمان ويزداد بزيادتها ، وإنّها تأخذ حيّزاً كبيراً في الحياة الإنسانيّة بكلّ أبعادها وجوانبها ، حتّى الشريعة المقدّسة التي هي عبارة عن قوانين الحياة التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة ، فالمعرفة لها الحظّ الأوفر على

١٠

مستوى الاُصول والفروع والأخلاق ، وإنّما يفضّل الناس بعضهم على البعض في المقياس الإلهي بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوى والعلم النافع والعمل الصالح ، كما جاء في الحديث الشريف : « أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة »(1) .

فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة والاستهانة بها مطلقاً ، بل جاء عن الإمام الصادق7 : « لا يقبل الله عملاً إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له »(2) .

فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة ، حتّى قال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام لكميل ابن زياد :

« يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة »(3) .

ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك القضايا وفهمها ، دركاً صحيحاً وفهماً كاملاً ، بدراسات حقّه ميدانيّة وتحقيقيّة ، والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة ، والحجج العمليّة الواضحة.

فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم العميق والدرك الصحيح ، وقيمة الإنسان بمعرفته.

يقول الإمام الباقر لولده الصادقعليه‌السلام « يا بني ، إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ».

فالرواية نقل الحديث الشريف عن المعصومينعليهم‌السلام ، والدراية تفقّه الحديث وفهمه :

« وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ». و « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه ». و« قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته ».

فالواحب علينا أن نفهم القرآن والروايات بتفهّم وعمق ، وتدبّر وتفكّر ، وإلاّ فهمّة السفهاء الرواية ، وهمّة العلماء الدراية.

فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء على ما هي عليها بحسب الطاقة البشريّة ،

__________________

(1) البحار 3 : 14.

(2) الكافي 1 : 44.

(3) ميزان الحكمة : الحديث رقم 7421.

١١

وأولى شيء بالمعرفة ، وإنّه مقدّم على كلّ المعارف والعلوم هو معرفة اُصول الدين بالبرهان واليقين ، وبدءاً بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة.

ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر. ألا إنّها سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.

فمن يعرفها ؟! وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى ، وما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى اُمر بفضلها ومحبّتها(1) .

ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ، ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراءعليها‌السلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها ، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ورسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والجنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّهعليهما‌السلام .

ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ورعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة الله الكبرى ، وآية الله العظمى.

لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهيّة الكبرى ، كما عليه الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة العلم والمعرفة ، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى.

كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة على ذلك ، يكفيك شاهداً آية التطهير ، وما أدراك ما آية التطهير ، فمن أنكر ذلك فهو كالأعمى الذي ينكر نور الشمس.

والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في نفس المعصومعليه‌السلام ، تعصمه وتحفظه من كلّ شين ، كما تزيّنه بكلّ زين ، فيعصم من

__________________

(1) البحار 42 : 105 ، عن تفسير الفرات.

١٢

الذنوب والمعاصي والآثام والسهو والنسيان والغفلة ، وما شابه ذلك ، ومن كان معصوماً في دهره لا يصدر منه الشين مطلقاً.

وفاطمة الزهراءعليها‌السلام إنّها المعصومة بعصمة الله سبحانه ، كما عصم أولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان بعد رسول الله لن يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية ، ومنها العصمة.

مفطومة من زلل الأهواءِ

معصومةٌ من وصمة الخطاءِ

فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراءعليها‌السلام ، ولمّا كان الأذان والأقامة للصلوات اليوميّة إعلان وإعلام في بيان العقيدة ، ولمّا كانت الحياة عقيدة وجهاد ، فلا مانع ، بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة ، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد الله ، كما يؤمن برسول الله ونبوّته ، ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة الله ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده الطاهرين ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته ، يخبر عن معتقده في المعصومين الأربعة عشرعليهم‌السلام . فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة ، فنقول فيها ما نقول في الشهادة الثالثة ، ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة ، وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة.

فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله )(1) مرّتان أو مرة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد أنّ عليّاً وليّ الله وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله ) ، فتدبّر.

وممّا يدلّ على مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة الكلّية كما في الأنبياء

__________________

(1) لقد سبقني في هذا المعنى والفتوى شيخنا الاُستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي دام ظلّه في ( حكمة عصمتيّة في كلمة فاطميّة : 14 ) قائلاً : كانت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نصّ كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتهاعليها‌السلام بالآيات والروايات ، والحقّ معهم ، والمكابر محجوج ومفلوج ، وكانتعليها‌السلام جوهرة قدسيّة في تعيّنٍ إنسيّ ، فهي إنسيّة حوراء ، وعصمة الله الكبرى ، وحقيقة العصمة ، إنّها قوّة نوريّة ملكوتيّة تعصم صاحبها عن كلّ ما يشينه من رجس الذنوب والأدناس والسهو النسيان ونحوها من الرذائل النفسانيّة وإذا دريت أنّ بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة وليّ الله وكلمة الله التامّة فاطمةعليها‌السلام ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلاً :( أشهد أنّ فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرى ) ، ونحوها.

١٣

والأوصياءعليهم‌السلام أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما ورد مستفيضاً عند الفريقين السنّة والشيعة ـ فإنّ الله سبحانه لم يغضب لنبيّ من أنبيائه :( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) .

ولكن يغضب لغضب فاطمةعليها‌السلام .

ثمّ لا تجد معصوماً تروّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فإنّ الرجال قوّامون على النساء ، فلا يكون غير معصوم قوّاماً على المعصومة ، ومن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى رسول الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين والتشريع ، وإنّه من زواج النور من النور ، كما ورد في الأخبار ، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصومعليها‌السلام .

وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث الكساء وأصحابه الخمسة المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمةعليهم‌السلام .

وربّما قدّم المباهلة النساء والأبناء على الأنفس للإشارة إلى أنّ الأنفس فداها.

« فداها أبوها ».

وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب ، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من البرهان والكسب وحسب ، وليس العيان كالبيان.

وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ رشحات من بحر معرفتها ، وإنّما عرفناها وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن وأهله ، وإلاّ فقد فطم الخلق عن كنه معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف أسرارها ؟ وما يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند الكاتب ، لا ما عند المكتوب عنه ، فالأسرار الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها ، فإنّ حقيقة فاطمةعليها‌السلام حقيقة ليلة القدر ، حقيقة

١٤

الكون وما فيه.

والله سبحانه خلق عالم الملك ـ وهو عالم الناسوت ـ على وزان عالم الملكوت ـ وهو عالم الأرواح ـ ، والملكوت على وزان الجبروت ـ وهو عالم العقول ـ ، حتّى يستدلّ بالملك على الملكوت ، وبالملكوت على الجبروت.

ثمّ بين العالم العلوي والعالم السفلي قوساً نزوليّاً وصعوديّاً ، وقد عبّر عن القوس النزول في نزول فيض الله ورحمته على الكون بالليل والليالي ، كما عُبّر عن القوس الصعودي باليوم والأيام.

وعصمة الله فاطمة الزهراءعليها‌السلام كما عبّر عنها بليلة القدر ، كذلك هي يوم الله. والإنسان الكامل هو القرآن الناطق ، ففي ليلة القدر نزل القرآن ، ونزل أحد عشر قرآناً ناطقاً في فاطمة الزهراء فهي الكوثر ، وهي الليلة المباركة ، وليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ، أي ألف مؤمن ، فإنّها اُمّ الأئمة الأبرار واُمّ المؤمنين الأخيار ، والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمدعليهم‌السلام وأسرارهم ، وروح القدس فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمرٍ سلامٌ هي حتى مطلع الفجر قائم آل محمدعليه‌السلام (1) .

وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمان ، وإنّه أوسع القلوب ، فروح الأمين في ليلة مباركة يتنزّل بالقرآن فينشرح صدره ، فليلة القدر الصدر النبويّ الوسيع ، ومثله يحمل القرآن العظيم دفعةً واحدةً في ليلةٍ واحدة ، ثمّ طيلة ثلاث وعشرين عاماً ينزل تدريجاً.

فليلة القدر الذي يحمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه ولطائفه هي فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعون ألف معنى ، وإنّ فاطمةعليها‌السلام لتعرف كلّ هذه المعاني فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، فهي القلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب الجامع.

فهي درّة التوحيد وحقيقة القرآن المجيد ، بل وحقيقة النبوّة والإمامة ، وما يجمع بينهما وبين التوحيد ، أي حقيقة الولاية.

__________________

(1) إذا أردت تفصيل ذلك فراجع ( حكمة عصمتية في كلمة فاطميّة ).

١٥

فمن يقدر على الإحاطة بمعرفة فاطمة الزهراءعليها‌السلام بما هي هي ، وبما تحمل في ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ ، هيهات هيهات ، لا يعرفها حقيقة إلاّ مصوّرها وبارؤها وأبوها وبعلهاعليهما‌السلام ، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إجلالاً ويقبّل صدرها ويدها ، ويشمّ منها رائحة الجنّة ، ولا يخرج من المدينة حتّى يودّعها ولا يدخل حتّى يسلّم عليها أوّلاً.

وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة ، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة والأسرار العلويّة.

فمن هي ؟

هي التي كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق من الجنّ والإنس والطير والوحوش.

هي التي لا يذكر الله الحور العين في كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة من مناقبها إجلالاً وتكريماً وتعظيماً لها.

هي الكوثر التي خصّها الله بالخلق النوري من بين النساء ، وبالمهدي من آل محمّدعليهم‌السلام ، وبالذرّية المباركة الطاهرة ، بالحسن والحسين و الأئمة المعصومينعليهم‌السلام .

هي التي اشتقّ اسمها من اسم الله فكان فاطراً وكانت فاطمة ، وإنّها صاحبة السرّ المستودع ، ولها من المناقب والفضائل ما لا يمكن للبشر أن يحصيها ، وإذا كانت ضربة عليّعليه‌السلام يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو أفضل ، فمن يقدر أن يعدّ عبادتهم ؟ وفاطمة كفو لعليّعليهما‌السلام ، فلها ما لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة ، كما كان لعليّ ما لرسول الله إلاّ النبوّة.

والمرأة إذا لم تكن نبيّة ، فإنّ لها أن تصل إلى مقام الولاية العظمى ، فتكون أفضل من الأنبياء كفاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فهي حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، فهي نور المُهج وحجّة الحجج

وهي بضعة المصطفى وبهجة قلبه ، من سرّها فقد سرّ رسول الله ، ومن آذاها فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ، ومن آذى الله ورسوله ، فعليه لعنة الله أبد الآبدين ، وكذلك لمن أغضبها وغضبت عليه ، فارجع إلى التأريخ لتعرف على

١٦

من غضبت فاطمة ؟ وماتت وكانت واجدة عليهم ؟

أصفاها الله وطهّرها تطهيراً ، فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة ، وتمرّ على الصراط ، ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين.

هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ والوصيّ ، وهي أعبد الناس ، حبّها ينفع في مئة موطن من المواطن ، أيسرها الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، ومن أحبّها فهو في الجنّة ، ومن أبغضها وآذاها فهو في النار.

فالويل كلّ الويل لمن ظلمها وظلم بعلها وذرّيتها وشيعتها ، الويل كلّ الويل لمن غصب حقّها وكسر ضلعها وأسقط جنينها ولطم خدّها وأنكر فضلها ومناقبها ومثالب أعدائها.

ثمّ لو تلونا وقرأنا زيارة الجامعة الكبيرة(1) الواردة بسند صحيح عن الإمام الهاديعليه‌السلام ، والتي تعدّ في مضامينها من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدنا أنّها تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، لنعرف الإمام المعصومعليه‌السلام بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهارعليهم‌السلام ، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه ما جاء في فقرات الزيارة ومفرداتها.

إلاّ أنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام لا تزار بهذه الزيارة ، فلا يقال في شأنها أنّها موضع سرّ الله وخزانة علمه وعيبته ، فهذا كلّه من شؤون حجّة الله على الخلق ، وفاطمة الزهراءعليها‌السلام هي حجّة الله على حجج الله ، كما ورد عن الإمام العسكريعليه‌السلام :

« نحن حجج الله على الخلائق ، واُمّنا فاطمة حجّة الله علينا ».

ولهذا يقول صاحب الزمان عجّل الله فرجه الشريف :

« ولي اُسوةٌ باُمّي فاطمة ».

فالأئمة اُسوة الخلق وقادتهم ، وفاطمة اُسوة الأئمةعليهم‌السلام .

إنّهاعليها‌السلام تساوي أبيها في خلقه النوري ، وقال في حقّها : « فاطمة روحي التي بين جنبيّ ».

وربما الجنبان إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل ، فهي تحمل روح النبيّ بعلمه

__________________

(1) وردت في مفاتيح الجنان ، في قسم الزيارات ، فراجع.

١٧

وعمله ، وكلّ كمالاته العلميّة والعمليّة إلاّ النبوّة ، فهي الأحمد الثاني ، وهي روحه التي بين جنبيه.

ويحتمل أن يكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية العامّة ، فقد ورد في الخبر النبويّ الشريف :

« ظاهري النبوّة ، وباطني الولاية ».

مطلقاً التكوينية والتشريعية على كلّ العوالم العلوية والسفلية ، السماوية والأرضية ، كما ورد :

« ظاهري النبوّة ، وباطني غيبٌ لا يدرك ».

وأنفسنا في آية المباهلة تجلّت وظهرت وكان مصداقها الخارجي أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام فالزهراءعليها‌السلام يعني رسول الله وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة والولاية ، وهي مجمع النورين : النور المحمّدي والنور العلويّ ، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيته :( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ) .

بأنّه كالمشكاة ، وورد في تفسيرها وتأويلها أنّ المشكاة فاطمة ، وفي هذا المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنينعليهما‌السلام ، ثمّ نور على نور وإمام بعد إمام ، يهدي الله لنوره من يشاء.

فالنبوّة والإمامة في وجودها النوري ، وهذا من معاني ( السرّ المستودع فيها )(1) ، فهي تحمل أسرار النبوّة والإمامة ، كما تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل أسرار الأئمة الأطهار وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة ، ولولا مثل هذا المعلول المقدّس لما خلق الله النبيّ والوصيّ كما ورد في الحديث الشريف المعراجي :

« يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما ».

__________________

(1) كما من معانيه سيّدنا محسن الشهيد بقرينة ( وبنيها ) ، كما جاء في الدعاء : ( اللهمّ إنّي أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها ) ، فكان المراد من البنين الحسن والحسين لولادتهما وظهورهما في الدعاء ، والسرّ المستودع سيّدنا المحسن الشهيدعليه‌السلام الذي سقط بين الباب والجدار. وليت الكاتب الجليل أشار إلى هذا المعنى في فصل بيان أسرار الدعاء.

١٨

ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات التي غرق فيها كلّ شيء والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة اُمّ أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته وودائعها ، كما تحمل أسرار الممكنات في جواهرها وأعراضها ، وبنورها الزاهر ازدهرت السماوات والأرض ، فالله الفاطر فطر الخلائق بفاطمة الزهراء وبنورها الأزهر

ولمثل هذه الخصائق القدسيّة كان النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : فداها أبوها.

مشكاة نور الله جلّ جلاله

زيتونة عمّ الورى بركاتها

هي قطب دائرة الوجود ونقطة

لمّا تنزّلت أكثر كثراتها

هي أحمد الثاني وأحمد عصرها

هي عنصر التوحيد في عرصاتها

ـــــ

فاطمةً خير نساء البشر

ومن لها وجه كوجه القمرِ

فضّلك الله على كلّ الورى

بفضل من خصّ بآيّ الزمرِ

زوّجك الله فتىً فاضلاً

أعني عليّاً خير من في الحضرِ

ـــــ

وأخيراً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال « فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها اُمناء ربّي ، وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوى »(1) .

هذا وقد غمرتني الفرحة والبهجة عندما لمست أناملي الداثرة ما خطّه يراع فضيلة مروّج الأحكام حجّة الإسلام الكاتب المعتمد المؤلف السند الخطيب الكامل الشيخ محمّد فاضل المسعودي دام موفّقاً.

وقد أبدع سماحته في سفره هذا القيّم ( الأسرار الفاطميّة ) ، وملأ فراغاً في المكتبة الإسلامية العربية ، من معرفة نورانية حول السيّدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، بقلم سلس وبيان جميل ، وتصوير رائع ، وقد حاول أن يؤدّي ما هو الحقّ في كلّ فصل من فصوله ، فللّه درّه وعليه أجره وكثّر الله من أمثاله.

__________________

(1) فرائد السمطين 2: 66.

١٩

كان سماحته يحضر عندي كفاية الاُصول وأبحاثنا الفقهيّة ـ خارج الفقه ( الاجتهاد والتقليد ) ـ ولا يزال بحمد الله يحضر حضور تفهّم واستيعاب في جمع من طلبة العلوم الإسلامية في حوزة قم العلمية من جاليات مختلفة.

وقد سألت الله في سنين من حياتي في ليالي القدر أن يوفّق جميع أهل العلم ، لا سيّما أولئك الذين حضروا عندي دروسهم الحوزوية ، أن يوفّقهم لخدمة الدين والمذهب في كلّ المجالات العلمية والعملية ، بأقلامهم وألسنتهم ، بالتأليف والتصنيف والتدريس والتبليغ والخطابة والإمامة في المحاريب ، وغير ذلك من المسؤوليات الدينية والاجتماعية الملقاة على عاتق علماء الدين ورجال العلم ، أعزّهم الله في الدارين.

وأرى اليوم مرّةً اُخرى قد أثمرت الجهود ، ولم تذهب الأتعاب ضياعاً ، بل بين حين وحين تؤتي الشجرة الطيّبة اُكُلها ، بل الحوزة المباركة هي البركة والخير المستمرّ والمستقرّ ، وإنّها الكوثر العذب والمنهل الصافي والينبوع المتدفّق

والشيخ الكاتب قد أجاد في هذا الكتاب الرائع بتعريف جملة من أسرار سيّدة النساء فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وما أروع ما كتب وما أجمل ما اختار ، لا سيّما وهذه الهجمات المدسوسة بين حين وحين تتغلغل في صفوفنا ، من قبل الاستعمار والاستكبار العالمي ، ضدّ مقامات أهل البيتعليهم‌السلام ، وفاطمة الزهراءعليها‌السلام ، والعجب أنّها تصدر تارةً من أبناء المذهب ، وممّن ينتسب إلى الذرّية الطاهرة !! ليفرّق بيننا ويمزّقنا كي يسود علينا وينهب خيرات بلادنا ومآرب اُخرى.

ألا أنّهم أرادوا أن يطفئوا نور الله ، والله متمّ نوره ولو كره المشركون والكافرون ، وإنّه يؤيّد دينه برجال تطفح من أقلامهم الإسلامية عبقات الولاء والإخلاص ، ويتدفّق منها المودّة الخالصة في قربى الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أسأل الله سبحانه أن يسدّد خطاهم ، ويبارك لهم في حياتهم العلمية والعملية ، ويوفّقهم لما فيه من الخير من طلب العلم النافع والعمل الصالح وخدمة الدين ونشر معارف الإسلام وحقائق المذهب الناصعة.

عهدي إليهم أن لا أنساهم من الدعاء وأملي بهم أن لا ينسوني من صالح دعواتهم الطيّبة.

٢٠