الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة0%

الأسرار الفاطميّة مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 1420
الصفحات: 534

الأسرار الفاطميّة

مؤلف: الشيخ محمد فاضل المسعودي
تصنيف:

ISBN: 1420
الصفحات: 534
المشاهدات: 128486
تحميل: 6815

توضيحات:

الأسرار الفاطميّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128486 / تحميل: 6815
الحجم الحجم الحجم
الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة

مؤلف:
ISBN: 1420
العربية

عبد الحسين صادق العاملي

أنائحة مثلي على العرصةِ القَفرا

تعالىٰ أُقاسمكِ المناحةَ والذكرىٰ

حديث الجوى يا ورقُ يرويهِ كلُّنا

عن العَبرةِ الوطفاءِ والكبدِ الحرّىٰ

كلانا كئيبٌ يُتبعُ النوحَ أنّةً

إذا ما وعاها الصخرُ صدّعتِ الصخرا

خذي لك شطراً من رسيسٍ مبرّحٍ

ولي منهُ يا ذاتَ الجناحِ ذري شطرا

خلا إنّها تبكي وما فاضَ دمْعُها

وأرسلتُها من مقلتي أدمعاً حمرا

فلا جمرُ أحشائي يجففُ عبرتي

ولا عبرتي في صوبها تُخمد الجمرا

وقائلةٍ وهيَّ الخليةَ من جوىً

معرّسُهُ أضحىٰ في الحيازَم والصدرا

رويدكَ نهنهْ عن غرامِكَ واتخذْ

شعاريكَ في الخطبِ التجلدَ والصبرا

فقلت ولكنْ فاتني الصبر كلّهُ

لرزءٍ أُصيبتْ فيهِ فاطمةُ الزهرا

غداةَ تبدْت مستباحاً خباؤها

ومهتوكةً حجُب الخفارةِ والسترا

على حينَ لاعينُ النّبي أمامها

لتُبصرَ ما عانتهُ بضعتهُ قَسرا

على حينَ لا سيفُ الرسولِ بمنتضىٰ

الغرارِ ولم تنظر لرايتهِ نشرا

بنحلتها جائتْ تطالبُ معشراً

بدا كفرهمْ من بعدِ ما أضمروا الكفرا

عَموُا عنْ هواها ثمَّ صمّوا كثيرُهم

كأنّ بسمع القومِ من قولِها وَقرا

لقدْ أرعشتْ بالوعظِ صلَّ ضغونِهمْ

فثاروا لها والصلُّ إنْ يرتعشْ يضرا

فلو أنهمْ أوصىٰ النبيُّ بظلمهمْ

لها ما استطاعوا غيرَ ما ارتكبوا أمرا

وأنّى وهمْ طوراً عليها تراثَها

أبوا وأبوا منها البُكا تارةً أُخرى

وهمْ وشموها تارةً بسياطهمْ

وآونةً قدْ أوسعوا ضلعَها كسرا

وخلي حديثَ البابِ ناحيةً فما

تمثلتُهُ إلا جرتْ مقلتي نهرا

بنفسي التي ليلاً توارتْ بلحدها

وكان بعينِ الله أنْ دُفنتْ سرّا

بنفسي التي أوصتْ باخفاءِ قبرها

ولولاهُم كانتْ بأظهارِهِ أحرىٰ

٤١
٤٢

البحث الثاني

حقيقة السر المستودع

* كتمان الأسرار :

أكد القرآن الكريم في كثير من آياته المباركة على اطلاع الباري عز وجل على خائنة العين وما تخفي الصدور ، ويعني هذا أن الله يعلم السر وما أخفى ، وهو ما أضمره الإنسان وأسرّه ثمّ نسيه( وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ) (1) ، وأيضاً جاء قوله تعالى( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) (2) . ليؤكد هذه الحقيقة ، حقيقة السر الذي يكتمه الإنسان على غيره ولكن لا يخفى على الله تعالى أي سرٌ لأنّ الله تعالى خالق الإنسان في هذا العالم وإلى ذلك أشار القرآن( قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (3) ، فيعلم الله تعال حقيقة أسرار الناس وما يكتمون ، إلاّ أنّه هناك اسرار مودعة من قبل الله تعالى عند كثير من الأولياء وخصوصاً الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين حيث أمرهم بحفظها ولا يظهروها إلا لمن هو أهل لها ، ولنعم ما قيل في الشعر المنسوب الىٰ مولىٰ الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام حيث قال :

لا تَفْشِ سِرَّا ما استطعت الىٰ امرىءٍ

يُفشِي اليك سَرَائراً يُستودَعُ

فكما تراه بِسِرِّ غيرك صانعاً

فكذا بِسِرِّكَ لا محالة يصنع

وإلى ذلك أشار الفرزدق :

لا يكْتُم السّرَّ إلا من له شَرفُ

والسِّرُّ عند كرام الناس مكتُومُ

__________________

(1) النحل : 19.

(2) الملك 13.

(3) الفرقان 6.

٤٣

السِّرُّ عندي في بيت له غلقٌ

ضلت مفاتيحه والباب مَردُومُ

اذن الأسرار المودعة من قبل الله تعالى عند الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين هي أمانات وكما ورد في المثل الذي يقول « السر أمانة فانظر عند من تضع أمانتك ».

وقال الله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا ) (1) .

وأسرار الله تعالى كلها أماناته في أرضه وقلوب أوليائه ولا إجازة لهتكها وكشف قناعها إلا بين يدي صاحبها الذي هو أهلٌ لها وهذا أمرٌ أمر الله تعالى به عباده المخلصين من الأنبياء والأولياء ـعليهم‌السلام ـ وبالغ معهم ، وأمرهم ايضاً ان يأمروا بذلك المؤمنين ويبالغوا فيه ، حتى قالوا « افشاء سر الربوبية كفر وهتك استار الألوهية زندقة » وقالوا « لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها ، فتظلموها ، ولا تمنعوها من أهلها فتظلموهم كونوا كالطبيب الشفيق يضع الدواء موضع الداء ».

وقالوا في الشعر المنسوب الفارسي « فمن منع الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم » ، وأقوالهم الشاهدة بذلك واشاراتهم الدالة عليه أشهر وأظهر من أن تخفى على أحد ، ومع ذلك نحن نذكر بعض ذلك استظهاراً لك ولغيرك لئلا يهمله أحد ويوقع نفسه في الهلاك الأبدي والشقاء السرمدي ، حيث جاء قوله تعالى تعليماً لعباده وتأكيداً لهم في أداء الأمانة التي هي أسراره إلى أهلها( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ) (2) .

والمراد انه يقول : الذي هم الملائكة والجن والحيوانات والوحوش والطيور وغير ذلك ـ أو على استعداد كل واحد من السماوات والأرض والجبال بنفسها ، لانها عند الأكثرين شاعرة بذاتها ـ لاجل ايداع أمانتنا التي هي أسرارنا فما وجدنا أهلاً لها ومستعدين لحملها لعدم قابليتهم وضعف استعدادهم لأن حمل الشيء وقبوله موقوف على قابليه ذلك الشيء واستعداده ووجدنا الإنسان أهلاً لها ومستعداً لحملها فأمرناه بحملها وأشرنا إليه بقبولها لأنّه كان « ظلوما جهولاً » أي بسبب أنه كان مستعداً لها ومستحقاً لحملها « بظلوميته وجهوليته ».

__________________

(1) النساء : آية 58.

(2) الأحزاب : آية 72.

٤٤

فكأنه يقول : ان السبب الأعظم والمُمَد الأعلى في أهليته لهذه الأمانة المعروضة على السماوات والأرض والجبال وما فيها من المخلوقات كان « ظلوميته وجهوليته » لانه لو لم يكن مستحقا لحملها ومستعداً لقبولها لكان كغيره من الموجودات لعدم هاتين الصفتين فيه ، وعلى هذا التقدير تكون صفتا « الظلومية والجهولية » مدحاً له « يعني للإنسان » لا مذمة كما ذهب إليه أكثر المفسرين(1) ، ولا شك انه كذلك واللام في « لانه » لام التعليل لا غير ، ليعرف به هذا المعنى والمراد بالإنسان نوعه وبالحمل استعداده للحمل وقابليته له. وهذا هو المعنى المطابق للامانة والعرض والحمل والقبول والإباء اجمالا لا غير ، وإلاّ الأمانة ما كانت شيئاً محسوساً معروضاً على كل واحد من الموجوادات حساً وشهادة ولا كان آباؤهم عنها قولاً وفعلاً ، كما يرسخ في اذهان المحجوبين عنها. اذن بما أنه تعالى مع عظمة شأنه وجلالة قدره لم يضع ويدع الأمانة إلا عند أهلها ، ولم يأذن بها إلا إلىٰ صاحبها فلا ينبغي ان يفعل غيره بخلاف ذلك وإلا يكون مخالفاً لأمره سالكاً غيره طريقه وايضاً لو لم تكن رعاية الأمانة عنده عظيمة ما مدح بنفسه للراغبين أمانته ، وما سلكهم في سلك المصلين الصلاة الحقيقية ، وما جعلهم من الوارثين( قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) إلى قوله تعالى( أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ *الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) فحيث مدحهم على ذلك وسلكهم في سلك هؤلاء المعظمين بل قدمهم عليهم وجعلهم من الوارثين « الذين يرثون الفردوس » فعرفنا ان رعايتها « يعني رعاية الأمانة » معتبرة وقدرها جليل وشأنها عظيم وبالجملة الخيانة في هذه الأمانة هي إيداعها عند غير أهلها ، وامساكها عن أهلها ، وكلاهما غير جائز وإليه أشار جل ذكره في قوله( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي « لا تخونوا الله والرسول » بإيداع أسرارهم عند غير أهلها « وأنتم تعلمون » عاقبة الخائن وصعوبة عذابه وشدة عقوبته :( ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) اي ذلك القول « وصاكم به

__________________

(1) راجع تفسير الميزان : 16 / 356 ، حيث فيه القول الفصل لهذا الموضوع.

٤٥

لعلكم تتقون » عنها أي تحترزون عن الخيانة بعد ذلك وتعظمون مكانتها. جعلنا الله من الحاملين أمانته والراعين عهده ، الموفين به الوارثين جنته ، بمحمد وآله أجمعين.

واذ فرغنا من كلام الله تعالى ، فلنشرع في كلام الأنبياءعليهم‌السلام ومنها قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « من وضع الحكمة في غير أهلها جهل ، ومن منع عن أهلها ظلم » « ان للحكمة حقاً ، وان لها أهلاً : فأعط كل ذي حق حقه » وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « ان من العلم كهيئة المكنون ، لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله ، فاذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله » وغير ذلك من الأقوال المعلومة لأهلها.

والغرض انهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بذلك وفعل بنفسه ، لأنه إذا أراد إيداع مثل هذه الأسرار في قلوب أصحابه وخواصه كان يخلو بهم ويقول في آذانهم ، كما فعل بأمير المؤمنين عليعليه‌السلام وأخبر عنه أمير المؤمنين بقوله « تعلمت من رسول الله ألف باب من العلم ، وفتح الله تعالى لي بكل باب ألف باب » وإلى كتمانه واخفائه بنفسه عن الأغيار أشار أيضاً بقوله « اندمجت على مكنون علم ، لو أبحث به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة ». والىٰ ثمرة أظهاره ـ أعني من الفساد ـ أشار أيضاً وقال « والله لو شئت أن أخبر بكل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكني أخاف أن يكفروا برسول الله » وهذا أمر منه بإخفاء اسرار الله وكتمانها وكناية عن إخفائها ولهذا لما قال له الخصم « أنت تتكلم بالغيب » قال ويحك ! ان هذا ليس بغيب ، ولكنّه علم تعلمتُ من ذي علم » أراد به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكما فعل بسلمان ايضاً ، أي جعله صاحب سرّ وقال فيه : « سلمان منّا أهل البيت » أي من أهل بيت التوحيد والعلم والمعرفة والحكمة لا من أهل بيت النسوان والصبيان والاهل والاولاد ، وقال تأكيداً لهذا المعنى « لو علم أبو ذر ما في بطن سلمان من الحكمة لكفره ! » وروي « لقتله ! » وكلاهما صحيح فأنظر إلى عظمة السر المودع عند سلمان ، وعلى المبالغة في كتمان أسرار الله تعالى حيث عرفت أنّ كبار الصحابة كانوا يخفون بعضهم عن بعض حتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعظمة أن سلمان وقربه إلى حضرة الرحمان قالعليه‌السلام « الجنة أشوق الىٰ سلمان من سلمان الىٰ الجنة » وكذلك لجلالة قدر أويس القرنيرحمه‌الله لاطلاعه على أسرار الله تعالى كشفا وذوقا ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقه حيث كان

٤٦

يستنشق من طرف اليمن روائح أنفاسه الشريفة من حيث الباطن أو الظاهر : « أني لأستنشق روح الرحمن من طرف اليمن » وورد « من ناحية اليمن » و « من قبل اليمن » وقد سأله سلمان عن هذا الشخص فقال لهعليه‌السلام : « ان باليمن لشخصاً يقال له : « أويس القرني يحشر يوم القيامة أمة وحده يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر ، ألا من رآه منكم فليقرأه عني السلام ، ليأمره أن يدعو لي ».

وإلى غلبة هذه الأسرار بالنسبة إليه في بعض الأوقات قال :

« لي مع الله وقت لا يسعني فيه مقرب ولا نبي مرسل » والمراد أنّ لي مع الله حالات وأوقات لا يمكن ان يطلع عليها أحد ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غيرهم من المخلوقات ، وكأنه يشير الىٰ أنه ما تنكشف عليه هذه الأسرار ولا تتجلى له هذه الأنوار إلاّ عنده تجرده عن جميع التعلقات الروحانية والجسمانية ـ حتى النبوة والرسالة ـ وعن جبرئيل وابلاغه أيضاً لقولهعليه‌السلام : « لو دنوت أنملة لا حترقت » وبالحقيقة المعراج عبارة عن هذا المقام ، إن اُريد به المعراج المعنوي ، وإن اُريد به المعراج الصوري فهو ظاهر وقد عبرعليه‌السلام عن شدة تعلقه بالنبوة والرسالة ومنعهما من الوصول إلى حضرة الحق جل جلاله وقال حين خلاصه عنهم لحظة « لا يسعني فيه ملك مقرب أي جبرئيل وابلاغه « ولا نبي مرسل » أي النبوة ورسالتهما لأن الرسالة ابلاغ ما حصل عن النبوة وإلى هذا المقام أشار ـ جل ذكره ـ « ولن أجد من دونه ملتحداً إلاّ بلاغاً من الله ورسالاته » وأمثال ذلك كثيرة. والغرض منه أنّ إخفاء أسرار الله تعالى ـ خصوصاً الأسرار المتعلقة بهم ـ واجب من غير أهلها لأنها لا زالت كذلك أي مخفية عن غير أهلها ، مودعة عند أهلها ، وإذا عرفت هذا فلنرجع إلى قول الأولياءعليهم‌السلام أعني اكتفينا منهم بأعظمهم وأكملهم الذي هو نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنها قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأقواله في هذا الباب كثيرة نذكر منها أحسنها وألطفها ، وهو ما جرى بينه وبين كميل بن زياد النخعيرحمه‌الله الذي كان من أخص تلامذته وأعظم أصحابه وإليه تنسب خرقة الموحدين وطريقة المتحققين حين سأله عن « الحقيقة » بقوله « ما الحقيقة ! » فقال لهعليه‌السلام : « مالك والحقيقة ؟ » يعني من أنت

٤٧

والسؤال عن الحقيقة ولست بأهلها ! فقال كميل : « أولست بصاحب سرك ؟ » قال : « بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح منّي » يعني أنت صاحب سري ومن أخص تلامذتي ولكن لست بأهل لمثل هذا السر والإطلاع عليه لأنه « يرشح عليك ما يطفح مني » و « إلاّ كان الأمر » يضرك ويضرني لأن ظرفك لا يحتمل فوق قدرك ، وأنا مأمور بوضع الشيء في موضعه ، فقال كميل : « أومثلك يخيب سائلاً ؟ » أي مثلك في العلوم والحقائق والإطلاع على استعداد كل سائل « يخيب سائلاً » أي يمنعه عن حقه ويجعله محروماً عن مراده ، خائباً عن مقصوده ، ساكتاً عن جوابه ؟ لا والله بل يجب عليك وعلى مثلك جواب كل واحد منهم بقدر استعداده وفهمه وادراكه مطاوعة لقوله تعالى :( أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ *وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) وأسوة نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله « كلموا الناس على قدر عقولهم » فشرع الإمامعليه‌السلام بعد ذلك في بيانه وقال : الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة ، فقال كميل : زدني فيه بياناً ، قال الإمامعليه‌السلام : صحو الموهوم مع محو المعلوم.

قال كميل : زدني فيه بياناً ، قال الإمامعليه‌السلام : هتك السر لغلبة الستر. قال كميل : زدني فيه بياناً. قال الإمامعليه‌السلام : نور يشرق من صبح الأزل ، فيلوج على هياكل التوحيد آثاره. قال كميل : زدني فيه بياناً ، قال الإمامعليه‌السلام : أطف السراج ، فقد طلع الصبح.

وهذا الكلام يحتاج إلى شرح طويل وبسط عظيم ، ولكن معنى الكلام الأخير انه يقول : اسكت بعد ذلك أي بعد هذا البيان التام والإظهار الكامل والكشف الجلي ، عن السؤال من لسان العقل ومقام القلب ومرتبة السلوك ، لأنه قد طلع تباشير شمس الحقيقة وظهر شعاعها في الآفاق ، ولست أنت بعد ذلك ، محتاجاً إلى السؤال من لسان العقل الذي كالسراج بالنسبة للشمس.

والمراد أن الشخص إذا وصل إلى مقام المشاهدة والكشف فلا ينبغي له أن يطلب المقصود من طريق المجادلة والمباحثة لأنّ الكشفيات والذوقيات غير قابلة للعبارة والاشارة والسؤال والجواب كما أشار إليه أولا : « كشف سبحات الجلال من غير اشارة » فكأنه أمره بالسكوت والصمت والتوجه إلى حضرته تعالى حتى يدرك مقصوده بالذوق الذي هو أعلى مراتب الوصول إلى الله تعالى ، وعن هذا المقام قال

٤٨

العارف : « من عرف الله كلَّ لسانه » أي « من عرف الله » على سبيل المشاهدة والذوق « كلَّ لسانه » عن العبارة والاشارة والغرض من هذا كله ان الإمامعليه‌السلام اذا كان بإفشاء الأسرار الإلهية من أعظم خواصه وأكبر تلامذته بهذه المثابة ، فلا يجوز لغيره افشاؤها مع كل أحد من العوام والجهال ، فاذن عليك بكلتمانها واخفائها عن غير أهلها اتباعاً لله تعالى ولرسوله ولإمام المسلمين كافة.

ويروىٰ عن كميلرضي‌الله‌عنه مثل ذلك أيضاً وأبلغ في كتمان الأسرار واخفائها ، كما هو مذكور في نهج البلاغة ، وهو أنه قالرضي‌الله‌عنه : « أخذ بيدي أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فأخرجني الىٰ الجبّانة فلمّا أصحر ، تنفس الصعداء ، ثم قال لي : يا كميل بن زياد ! « إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها فأحفظ عنّي ما أقول لك : الناس ثلاثة : فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.

يا كميل : العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق وصنيع المال يزول بزواله ، يا كميل ! معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد وفاته ، العلم حاكم والمال محكوم عليه ، يا كميل بن زياد : هلك خزان الاموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ؟ إنّ ههنا لعلماً جماً ـ وأشار بيده إلى صدره ـ لو أصبت له حملة ! بلى ! أصبت لقناً غير مأمون عليه ، مستعملاً آلة الدين للدنيا ، ومستظهراً بنعم الله تعالى على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقاداً لحملة الحقّ لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشك في قلبه لاول عارض من شبهة : ألا ! لاذا ولاذاك ، أو منهوماً باللذة ـ سلس القيادة للشهوة ، أو مغرماً بالجمع والادخار ليس من رعاة الدين في شيء أقرب شيء شبهاً بهما الانعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى : لا تخلو الأرض من قائم الله بحججه ، إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً ، لئلا تبطل حجج الله وبيّناته ، ولم ذا ؟ وأين أُولئك ـ لا والله ـ الاقلون عدداً. والاعظمون عند الله قدراً ، بهم يحفظ الله تعالى حججه وبيناته ، حتى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباهههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ،

٤٩

وباشروا ردح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وانسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحها معلقة بالمحل الاعلى أولائك خلفاء الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه ، آه ، آه ! شوقاً الىٰ رؤيتهم ».

واذ فرغنا من كلامه في كتمان الأسرار والمبالغة فيه بقدر هذا المقام ، فلنشرع فيه من كلام الأئمة المعصومين من أولادهعليهم‌السلام ومبالغة في هذه المقدمة ، وان قيل : يكفي في هذه المقدمة ما قدمتم من آية أو آيتين ، وخبر أو خبرين لأنّ المقصود يحصل منهما ، فلا فائدة في التطويل وزيادة في الكلام ؟ أجيب عنه بأن المراد ليس نفس الاخفاء ولا الكتمان ، بل هناك غرض آخر يفهم من البحث الاتي في آخر هذه العجالة وهو معرفة حقيقة السر المستودع في فاطمة وهل هو ظاهر أم مستور ستره الله عن جميع البشر إلا الأولياء الخلص ، وبقية الأغراض سوف تظهر من بعد ذلك.

ومنها قول الأئمة المعصومين من أهل بيت النبي ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وهو أنّه مرويٌّ برواية صحيحة عن احدهمعليهم‌السلام قال : « أن أمرنا صعب مستعصب ، لا يحتمله إلاّ ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان » ، وقال : « خالطوا الناس بما يعرفون ودعوهم بما ينكرون ،ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا ، أنّ أمرنا صعب مستعصب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان »(1) .

وروى محمد بن عبد الجبار عن الحسين بن الحسين اللؤلؤي عن محمد بن الهيثم ، عن أبيه ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : « سمعت أبا جعفر « يعني الإمام الباقر » ـ يقول : أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحنه الله قلبه للإيمان. ثم قال : يا أبا حمزة ! ألست تعلم أنّ من الملائكة مقرباً وغير مقرب ؟ ومن النبيين مرسلاً ، وغير مرسل ؟ وفي المؤمنين ممتحناً وغير ممتحن ؟ قال : قلت بلىٰ ؟ ألا ترى صعوبة أمرنا ؟ ان الله تعالى اختار له من الملائكة المقرب ومن النبيين المرسل ومن المؤمنين الممتحن ».

__________________

(1) بصائر الدرجات : 1 / 48.

٥٠

وروى محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن جابر عن أبي عبد الله يعني الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ـ أنه قال : « أمرنا سرٌّ مستور في سرّ ، وسرّ مستسرّ ، وسرّ لا يفيده إلا سرّ وسرّ على سرّ ، مقنّع بسرّ » وروي ايضاً أنّه قال : « أمرنا سرّ مستور في سرّ ، مقنع بالميثاق : من هتكه أذله الله »(1) . وروى ابن محبوب ، عن مرازم ، قال « قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : « أمرنا هو الحق وحقّ الحقّ ، وهو الظاهر ، وباطن الباطن ، وهو السرّ ، وسرّ السرّ ، والسر المستتر ، وسرّ مقنع بسرّ ». وإلى كتمان هذا السر ، أشار بقولهعليه‌السلام : « التقية ديني ودين آبائي ، فمن لا تقية له ، لا دين له »(2) يعني : الإتقاء والإحتراز من افشاء الأسرار الإلهية ، « ديني ودين آبائي » من الأنبياء والأولياءعليهم‌السلام « فمن لا تقية له » في إخفائها « لا دين له » وإلى هذا أشار علماؤنا في كتبهم وقالوا : التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج الإمام القائم الذي يظهر الدين كله ويكون من المشرق إلى المغرب علىٰ ملّة واحدة كما كان الشأن في زمان آدمعليه‌السلام ، فمن تركها « يعني التقية » قبل خروجه فقد خرج من دين الإمامية ، وخالف الله تعالى ورسوله والأئمةعليهم‌السلام وهذا الكلام منقول من « اعتقادات ابن بابويهرحمه‌الله ».

وروىٰ عمران بن موسىٰ عن محمد بن علي وغيره ، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيهعليهما‌السلام قال : « ذكر عليّعليه‌السلام التقية في يوم عيد ».

« قال والله لو علم أبو ذر ماذا في قلب سلمان ، لقتله ! » ، ولقد آخي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينهما ، فما ظنك بسائر الخلق ؟ « ان علم العلماء صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل ، أو عبد مؤمن ، امتحن الله قلبه للإيمان ». قال : « وإنما صار سلمان من العلماء ، لأنه امرؤ منّا أهل البيت ». فلذلك نسبته الينا(3) . وإلى هذا كله أشار الإمام المعصوم زين العابدينعليه‌السلام في أبيات منسوبة إليه ، وهو قوله :

اني لاكتم من علمي جواهره

كيلا يرى الحقَّ ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدمّنا فيها أبو حسن

مع الحسين ووصّىٰ بها قبلها الحسنا

__________________

(1) بصائر الدرجات : 1 / 48.

(2) راجع التقية بين الأعلام ، بقلم سيّد عادل العلوي.

(3) بصائر الدرجات 1 / 45.

٥١

يا رب جوهر علم لو أبوح به

لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثنا !

ولاستحل رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا

وعلى هذا الاساس نجد ان الأئمة من آل محمد ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كانوا يحملون الأسرار الربانية التي أفاضها الباري عليهم منذ أن خلقهم أنواراً وجعلهم بعرشه محدقين وإلى أن مَنَّ بهم علينا ، ولكن لا يظهرون هذه الأسرار إلا لمن وجدوه أهلاً لحمل الأمانة ، ومستودعاً لها ، وإلى هذا الأمر ـ أعني حمل الأسرار ـ ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة لأئمة المؤمنينعليهم‌السلام ما نصهُ : (السلام على ٰمحال معرفة الله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظه سر الله اصطفاكم بعلمه ، وارتضاكم لغيبه ، واختاركم لسره وأنصاراً لدينه ، وحفظة لسره ومستودعاً لحكمته ).

وغير ذلك من الاقوال والزيارات الواردة والتي تصفهمعليهم‌السلام بأنهم المستودع لسرّ الله ، وان هذه الأسرار لا يعطوها إلا إلى أهلها وإلى ذلك أشار الحديث المروي عن أبي بصير قال : « قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا أبا محمد ، إن عندنا والله سراً من سرّ الله وعلماً من علم الله ، والله لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ، والله ما كلف الله ذلك ، أحداً غيرنا ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا ، وان عندنا سراً من سر الله ، وعلما من علم الله أمرنا بتبليغه فبلّغنا عن الله عزّ وجل ما أمرنا بتبليغه ، فلم نجد موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواماً ، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريتهعليهم‌السلام ، ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته وضعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمداً وذرّيتَهُ ، فبلّغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك « فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه » وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا ، وحديثنا فلولا أنهم من هذا لما كانوا كذلك ، لا والله ما احتملوه ، ثم قال : إنّ الله خلق أقواماً لجهنم والنار ، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم ، وأشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه ، وكذبوا به وقالوا ساحرٌ كذاب ، فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك ، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ، ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته ، ولو لا ذلك ما عُبدَ الله في أرضه ، فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان ، فاكتموا عمّن أمر الله بالكف عنه واستروا عمن أمر الله

٥٢

بالستر والكتمان عنه ، قال : ثمّ رفع يده وبكى وقال : اللهم إن هؤلاء لشر ذمة قليلون ، فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم ، فانك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك وصلىٰ الله على محمد وآله وسلم تسليماً(1) ».

أقول : يظهر من هذا الحديث عدة أمور أهمها :

إنّ أهل البيتعليهم‌السلام عندهم أسرار قد آمنهم عليها رب العزة لا يتحملها غيرهم ولا يخرجونها إلى أحد منهم مكلفون بها وبحملها والحفاظ عليها وهذا هو معنى « حفظة سرّ الله » الوارد في الزيارة الجامعة الكبيرة ، وايضاً قولهعليه‌السلام ان عندنا وعلماً من علم الله يعني حكمة الله تعالى انهم هم الودائع لها وهذا معنى قوله في الزيارة ومستودعاً لحكمته ، وعلى هذا تكون هذه الأسرار خاصة بهم لا يخرجونها إلى غيرهم فهم أولى بحملها من غيرهم لانهم فقط الذين يحتملونها. وكذلك عندهم سرّ من أسرار الله تعالى وعلماً من علم الله تعالى احتمله نبيٌ مرسل وملك مقرب وعبد امتحن الله قلبه للايمان وقد عبرت الرواية ان هذه الأسرار والعلوم لا يحتملها إلا من هو مخلوق من طينتهم وهم الشيعة الحقيقيين ، الذي بشرهم هذا الحديث بالدعاء من قبل الإمامعليه‌السلام لهم بأن تكون حياتهم مثل حياة أهل البيتعليهم‌السلام .

إذن يظهر من هذا الحديث وأحاديث مأثورة عنهمعليهم‌السلام أنهم كانوا يحملون أسرار الله تعالى قد أودعها الباري عز وجل فيهم وكما بينت ذلك الفقرات الواردة في الزيارة الجامعة ، وبما أنهم ذرية الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها والتي قد أُقر بفضلها ومحبتها جميع الأنبياء والبشر وانها كانت مفروضة الطاعة وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ، تكون عندئذ ايضاً حاملة للاسرار الالهية لانه كيف تكون حجة الله على الأئمة وكما ورد ذلك في الحديث المأثور عن الإمام الحسن العسكري « نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا » وهم حاملين للاسرار وهي تكون غير حاملة له ؟ ولكن السؤال الذي ينقدح في المقام هو كيف كانت مستودعاً للسر الالهي وما هو حقيقة هذا السر المستودع ؟ كل هذه الأسئلة لابد

__________________

(1) اصول الكافي : 1 / 467 ح 5.

٥٣

من ادراكها وعلى ما تحتمله لكي نعرف فاطمة ولو معشار عُشر المعرفة التي فُطمنا عنها ـ أي عن معرفة فاطمةعليها‌السلام .

أقول : قبل أن ندخل في تفاصيل السر المستودع وحقيقة ماهيته لابد أن نرى كيف إقتضت ذات الزهراء لحمل الأمانة الالهية التي جعلها مستودعاً لها ، وهذا يظهر لنا من خلال مراجعة واستقراء الاحاديث المأثورة فيها والزيارات الواردة في علو مقامها وشأنها ونستنطقها الحال ونستقرئها الجواب لكي نفهم كيف اقتضت المشيئة الربانية ذلك ، وان أول ما يظهر من الجواب على ذلك من خلال الزيارة الواردة في شأنها في يوم الاحد والتي تقول الزيارة : « السلام عليك يا ممتحنة إمتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك وكنت لما امتحنك صابرة ».

والذي يظهر من هذه الزيارة المخصوصة للصديقة الشهيدة انها أُمتحنت من قبل الباري عز وجل وقبل خلقها أي عندما كانت نوراً من الانوار التي خلقها الله تعالى قبل الخلق بالف عام والتي كانت بعرشه محدقة ، والامتحان كان لها لاجل إظهار مقامها السامي ومنزلتها الحقيقية حيث كانت نتيجة الامتحان صابرة ، والمعروف عند العرف العقلائي ان الامتحان يمتحن فيه الشخص ليُعرف مدى استعداداته وقابلياته « عند الامتحان يكرم المرء أو » ، لذا نجد من باب ان الباري عز وجل الذي هو سيد العقلاء بل هو خالق العقل أجرى الامتحان الرباني للزهراء حيث امتحنها ، ونحن نعرف ان الامتحان يكون للمرء إما لزيادة منزلة ومقام أو لأجل شيء آخر ، ولكن الزهراءعليها‌السلام إمتحنها الله تعالى لكي تكون حاملة للأسرار الالهية وذلك ما إقتضته المشيئة الربانية فيها ، لذا كانت ناجحة في الامتحان الرباني قبل خلقها حيث استحقت لقب الصابرة ، اما ماهية هذا الامتحان وفي أي موضوع كان ، وكيف أجراه الله تعالى عليها ؟ فهذا ما أشارت إليه بعض الروايات والتي نستفيد من خلال التمعن فيها والتدقيق في مدلولاتها انها امتحنت في حمل الأمانة الربانية فوجدها الباري عز وجل صابرة على حمل العلم والأمانة الربانية ، لذا استحقت حمل الأسرار الربانية ، ولكن ينقدح السؤال المهم في المقام ما هو حقيقة هذا السر المستودع في فاطمة ؟.

أقول : قبل الاجابة على حقيقة هذا السر ، أود أن أشير إلى مسألة مهمة تظهر لنا من

٥٤

خلال عرض الروايات التي تقول ان الاسرار التي كان يحملها أهل البيت لا يتحملها إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد امتحن الله قلبه للايمان ، أي من خلال عرض هذه الروايات الواردة في حمل أسرار الأئمة وانه لا يحملها إلا الممتحن ومطابقتها مع الزيارة الخاصة بالصديقة الطاهرة والتي تقول « السلام عليك يا ممتحنة » يظهر لنا من خلال هذه المطابقة ان العبد الممتحن هو الوحيد الذي يستطيع حمل الأسرار والعلوم الربانية فأفهم تغنم فان في الأمر اشارات لا يسع المقام أن يُظهرها من خلال القلم أو الكتاب.

أما حقيقة السر المستودع فيظهر لنا من خلال عدة احتمالات نحتملها في كونها هي مفاد السر المستودع ، ولا نقصد من ان ظهور هذه الاحتمالات يكون بالقطع اليقيني ، كلا فان الأمر أعلى وأجل من أن يظهره قلم أو يخطر على ذهن كاتب ، أو عالم ، وانما الأمر يتجاوز المقام ، فان من الأسرار التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام مالم يخطر على بال بشر، وكيف لا وهم الذين اصطفاهم الله تعالى ليكونوا الدالين على مرضاته وهم الصراط الاقوم ، اما هذه الاحتمالات فلها شواهد ولها قرائن تدل عليها ولا يعني انها هي السر المستودع في فاطمةعليها‌السلام بل نترك ذلك للمؤمن لكي يتبحر في عرفان الصديقة الطاهرة سلام الله عليها عسى ولعل يصل الىٰ حقيقة الأمر ، اما هذه الاحتمالات مع بعض القرائن والشواهد عليها :

1 ـ السر المستودع هو المهدي (عج) : قد يكون السر هو صاحب الزمان عج الذي سوف يُظهِر الله الدين كله على يديه في آخر الزمان ، لكون ان الزهراءعليها‌السلام جدّته ، وخصوصا نحن نعلم أن الأئمة من ولدها ، فعليه قد يكون السر الذي سوف يُظهِرهُ الله في وقته هو الإمام الحجة ، ويدل على كون المهدي هو من ولد فاطمةعليها‌السلام ، في الحديث المروي عن أبي أيوب الأنصاري والذي من جملته كان الخطاب لفاطمةعليها‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله « ومنا سبطا هذه الأمة وسيّدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وهما ابناك ، والذي نفسي بيده منا مهدي هذه الأمة وهو من ولدك »(1) .

__________________

(1) ينابيع المودة : 436 ، منتخب الاثر : 192.

٥٥

وعن أُم سلمة ، قالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « المهدي من عترتي من ولد فاطمة »(1) .

وقد يرد على هذا الاحتمال بأنه اذا كان المهدي (عج) سراً من الأسرار المستودعة في فاطمة في ذلك الزمان ولم يعرف ولم يُظهر لأحدنا فان هذا القول الآن يصبح منتفي لكون مسألة الإمام المهدي والوعد الالهي فيه أصبحت من المتسالمات عند أكثر المسلمين ، هذا من جهة ، وكون الدعاء يقول اللهم أي أتوسل بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ولفظة بنيها تشمل كل أبناء الزهراء المعصومين والدعاء في ختامه يقول والسر المستودع ، فانه لا معنى ان يتوسل المؤمن بالسر المستودع الذي يكون المهدي (عج) وفي نفس الوقت يتوسل ببنيها ، الذي هو منهم ومشترك معهم ، وربما يجاب أنّه من باب ذكر الخاص بعد العام ليفيد الحصر أو الإختصاص ؟!!!

2 ـ وقد يكون السر المستودع إشارة الىٰ ان ولاية الله تعالى سوف تكون في ولد فاطمة وان الأئمة المعصومين منها سلام الله عليها ، وقد وردت عدة شواهد روائية تدل على أن الأئمة من ولد فاطمةعليها‌السلام وان الولاية فيهم والإمامة منحصرة في وجودهم المبارك وهذا ما اثبته القرآن الكريم والسنة الشريفة ويكفي في اثبات ولايتهم ما جاء في كتاب الغدير للعلامة الاميني ، ولكن ننقل لك بعض الشواهد في هذا الأمر المهم والتي كان منها ما جاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث طويل قال : « إن الله عز وجل نظر إلى الأرض ثالثة فاختار منها أحد عشر إماماً وأمّهم فاطمة ابنتي »(2) .

وفي حديث آخر عن جابر بن عبد الله الانصاري قال : « أشهد بالله لقد دخلت على فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهنئها بولدها الحسين ، فاذا بيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء فيه كتاب أنور من الشمس فقلت : ما هذا يا بنت رسول الله ؟ فقالت : هذا لوح أهداه الله عز وجل إلىٰ أبي ، فيه اسم ابي واسم بعلي واسم الاوصياء

__________________

(1) من سنن أبي داود عن العوالم : 1031.

(2) احقاق الحق 5 / 40.

٥٦

بعدي من ولدي ، فسألتها ان تدفعه إلي لأنسخه ففعلت(1) ».

وهذا الاحتمال يرد عليه بكون الدعاء ، يقول بفاطمة وبنيها والسر المستودع فيكون تكرار للقسم بالأئمة الذين هم بنيها وكذلك بالسر المستودع الذي هو الأئمة.

3 ـ السر المستودع هو أمرهم كما في بصائر الدرجات عن الصادقعليه‌السلام : « إن أمرنا سرّ مستتر وسرّ لا يفيده إلا سرّ وسرّ على سرّ وسرّ مقنع بسر ».

وعنهعليه‌السلام أيضاً : « إن أمرنا هذا مستور مقنع بالميثاق من هتكه أذله الله ».

وعنهعليه‌السلام : « أن أمرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السرّ وسرّ السرّ وسرّ مستسر وسرّ مقنع بالسر ».

فالزهراء بما أنها أم الأئمة وهي حجة الله عليهم وانها مفروضة الطاعة على جميع البشر كما ورد ذلك في الاحاديث المأثورة تكون الأسرار التي مودعة فيها معروفة عند الأئمة وهم يحافظون عليها وقائمون بمقتضاها ، أو تعلقاتها أو تبليغ دواعيها ومحافظين على هذه الأسرار ولا يظهرونها لأحد إلا من كان محتمل لعلمهم واسرارهم ولذلك ظهر الشيء القليل منها ، لسلمان وكميل وأبي ذر وغيرهم من المؤمنين الممتحنين ، فامرهم هو سر الله تعالى المودع في فاطمةعليها‌السلام والأئمة يحافظون على اسرار هذا الأمر وان كان تفسير الأمر في الروايات المأثورة هو أمر الولاية ،« السلام على محال معرفة اله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظة سر الله » (2) .

4 ـ السر المستودع هو العلوم الربانية المودعة في فاطمةعليها‌السلام ، وهذا ما نستطيع فهمه من خلال الأحاديث المروية في شأنها سلام الله عليها حيث كانت المحدَّثة من قبل الملائكة وكان لها مصحف يتوارثه الأئمة واحداً بعد واحد وفيه كل ما يحتاجونه من الذي يجري على البشر وفيه أسماء الحكام الذين يحكمون وحكموا من زمن آدم الىٰ آخر يوم من الدنيا ، وعليه نحتمل ان يكون المصحف هو السر المودع في فاطمة وهذا فيه من الأمور التي لم يطلع عليها سوى ابناء الزهراء الأئمة المعصومين الذين يتوارثون هذا المصحف وينظرون فيه وهو من املاء رسول الله وربما من املاء الإمام علي بن

__________________

(1) النصوص على الأئمة الإثني عشر : 67 ، ح 5 عن أمالي الطوسي ، وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

(2) الزيارة الجامعة الكبيرة.

٥٧

أبي طالبعليه‌السلام ، وهذا ما أشارت إليه جملة من الروايات الواردة في المقام ومنها :

* « ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول عندي الجفر الأبيض قال قلنا وأي شيء فيه ، قال : فقال لي زبور داود ، وتوراة موسى ، وانجيل عيسى ، وصحف ابراهيم والحلال والحرام ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآنا وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج إلى أحد حتىٰ أنّ فيه الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة »(1) .

وأيضاً ما رواه أبو بصير بالسند المتصل قال دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلت له إني أسئلك جعلت فداك عن مسئلة ليس هيهنا أحد يسمع كلامي فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام ستراً « وساق الحديث » حتى أجابه الإمام قائلاً : « وان عندنا لمصحف فاطمةعليها‌السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد انما هو شيء املاها الله وأوحى اليها قال قلت هذا والله هو العلم انه لعلم وليس بذاك قال ثم سكت ساعة ثم قال : انّ عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة قال قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم قال انه العلم وما هو بذاك ، قال قلت جعلت فداك ، فأي شيء هو العلم ، قال ما يحدث باللّيل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة(2) .

* وفي حديثٍ عن حمّاد بن عثمان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : « تظهر الزنادقة في سنة ثمانية وعشرين ومائة وذلك لأني نظرت في مصحف فاطمة قال فقلت : وما مصحف فاطمةعليها‌السلام ؟ فقال : ان الله تبارك وتعالى لما قبض نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل فأرسل اليها ملكا يسلّي عنها غمها ويحدثها ، فشكت ذلك الىٰ أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال لها إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي فاعلمته فجعل يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحف قال : ثم قال اما انه ليس فيه من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون(3) .

__________________

(1) بصائر الدرجات : 3 / 170 ح 1.

(2) بصائر الدرجات : 3 / 172 ح 3.

(3) بصائر الدرجات : 3 / 177 ح 18.

٥٨

أقول : يظهر من هذا الحديث وأحاديث أخرى مأثورة عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام ان مصحف فاطمة متوارث من قبل الأئمة وفيه علم ما كان ويكون إلى آخر الزمان ، وفيه الحكام الذين يحكمون والفرق التي تظهر وتبتدع في كل زمان ، ويظهر من هذا المصحف انه من إملاء الإمام عليعليه‌السلام حيث كانت الملائكة تحدث الصديقة الشهيدةعليها‌السلام بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتملي على عليٍّعليه‌السلام ويكتبه ، وعلى هذا الاساس يكون المصحف متأخر رتبة في الوجود والظهور عن الاساس الذي اسسناه في كون السر المستودع في فاطمة كان بعد امتحانها قبل الخلق وكما بيّناه في مقدمة البحث ، فعليه يكون هذا الاحتمال في كون المصحف هو السر المستودع في فاطمةعليها‌السلام بعيد وعلى ضوء الاساس الذي بيناه ، لذا تكون العلوم الربانية ليست هي السر المستودع وخصوصا نحن نعلم ان ورد في الرواية الشريفة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حيث يقول : ( إن عندنا والله سرّاً من سرّ الله ، وعلم من علم الله ، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان والله ما كلّف الله ذلك أحداً غيرنا ، ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا )(1) .

فيتبين من هذه الرواية ان عند أهل البيت بما فيهم فاطمةعليها‌السلام عندهم سراً من سر الله تعالى وهذا غير العلم وإلا لكان الإمام يقول العلم نفسه السر بل انه فصَّل بين السر والعلم فعليه العلم غير السر المستودع فيهمعليهم‌السلام .

5 ـ قد يكون السر هو ما أشارت الرواية المروية في شأن الحديث القدسي المروي عن لسان جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الله تبارك وتعالى أنّه قال : « يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما »(2) .

أي إنه العلة الغائيّة لخلقكما كما يظهر من الحديث القدسي هو وجود فاطمةعليها‌السلام ، أما كيف يكون هذا الأمر فهذا ما سيتبين لنا من خلال بحث هذا الحديث في موضوع

__________________

(1) الكافي : 1 / 467 ح 5.

(2) الجنة العاصمة : 148 / كشف اللآلي : 5 ، مستدرك سفينة البحار : 3 / 334 عن مجمع النورين : 14 عن العوالم : 1 / 44.

٥٩

مستقل انشاء الله.

6 ـ السر المستودع هو اسم الله الأعظم.

عندما نراجع الروايات الواردة في شأن أهل البيتعليهم‌السلام نجد أن مما حظي به الأئمةعليهم‌السلام ، دون غيرهم هو أنهم يحملون اسم الله الأعظم وهذا ما صرحت به الاحاديث المأثورة عنهم ، حيث خصهم الباري عز وجل بهذه الكرامة العظيمة ، وكما تبين لنا من الرواية المتقدمة ان السر الذي بحوزة أهل البيت هو غير العلم والحكمة التي يتملكها أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد يكون السر الذي يملكونه هو نفسه الاسم الاعظم لله تعالى الذي إذا دعي به أجاب ، والذي يدل على أنهم عندهم اسم الله الاعظم جملة من الروايات الواردة في المقام منها ما ورد عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « ان اسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً وانما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخُسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ، ونحن عندنا من الأسم الاعظم اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف واحد عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(1) . وعن النوفلي ، عن أبي الحسن صاحب العسكريعليه‌السلام قال : سمعته يقول « اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ ـ أي مملكة سبأ او مدينة سبأ حيث كان عرش بلقيس ـ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين ، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب(2) .

أقول : وكثيرةٌ هي الأحاديث المأثور عنهمعليهم‌السلام في هذا الباب حيث خصهم الله تبارك وتعالى بهذه الخصوصية والذي يظهر من هذه الأحاديث انهم افضل مقاماً ومنزلةً من الأنبياء السابقين ، بدلالة هذه الاحاديث ، وكل ما ثبت للأئمةعليهم‌السلام فهو ثابت للصديقة الشهيدةعليها‌السلام من حيث كونها أُم الأئمة الاطهار ومن كونها حجة الله على الأئمة وكما

__________________

(1) الكافي : 1 / 286 ح 1 ، بصائر الدرجات : 4 / 228.

(2) نفس المصدر السابق.

٦٠