الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة0%

الأسرار الفاطميّة مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 1420
الصفحات: 534

الأسرار الفاطميّة

مؤلف: الشيخ محمد فاضل المسعودي
تصنيف:

ISBN: 1420
الصفحات: 534
المشاهدات: 128462
تحميل: 6815

توضيحات:

الأسرار الفاطميّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128462 / تحميل: 6815
الحجم الحجم الحجم
الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة

مؤلف:
ISBN: 1420
العربية

فاحتسبي الله(1) ؛ فقالت : حسبي الله ؛ وأمسَكَتْ(2) .

كلامهاعليها‌السلام مع نساء المهاجرين والأنصار عندما يعدنها

روى العلامة المجلسيرحمه‌الله عن الشيخ الثقة الصدوقرحمه‌الله : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، قال : حدثنا عبد الرحمان بن محمد الحسيني ، قال : حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن حميد اللخمي ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمان المهلّبي ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الحسن ، عن اُمه فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام قالت : لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وغلبها الوجع ، اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار ، فقلن لها ، يا بنت رسول الله : كيف أصبحت عن علّتك ؟ فقالتعليها‌السلام : أصبحت والله عائفة لدنياكم(3) ، قالية رجالكم(4) ، لفظتهم قبل أن عجمتهم(5) ، وشنئتهم بعد أن سبرتهم(6) ، فقبحاً

__________________

(1) الاحتساب : الاعتداد. ويقال لمن ينوي بعمله وجه الله تعالى : احتسبه. أي اصبري وادخري ثوابه عند الله تعالى. وفي رواية السيد : « فقال لها امير المؤمنينعليه‌السلام : لا ويل لك ، بل الويل لمن احزنك ؛ نهنهي عن وجدك يا بنية الصفوة وبقية النبوة ، فما ونيت عن حظك ، ولا اخطأت ( مقدرتي ) ، فقد ترين. فان ترزئي حقك ، فرزقك مضمون ، وكفيلك مأمون ، وما عند الله خير لك مما قطع عنك. فرفعت يدها الكريمة وقالت : رضيت وسلمت ». قال في القاموس : « رزأه ماله ـ كجعله وعلمه ـ رزءاً بالضم : اصاب منه شيئاً ».

(2) « بحار الانوار » ج 8 ، ص 109 ـ 112 ، ط الكمباني. وانما اوردنا الخطبة من نفس المصدر لا من « الاحتجاج » لأن الالفاظ المفسرة كانت على نسخة المؤلف (ره) ، ولها اختلاف معتد به مع النسخة المطبوعة من « الاحتجاج » وقد اشير إلى موارده في ضمن الشرح.

(3) عائفة : أي كارهة ، يقال : عاف الرجل الطعام يعافه عيافاً اذا كرهه.

(4) القالية : المبغظة ، قال تعالى :( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ) .

(5) لفظت الشيء من فمي : أي رميته وطرحته ، العجم : العض ، تقول : عجمت العود اعجمه ـ بالضم ـ اذا عضضته.

(6) شنأة ، كمنعه وسمعه : أبغضه ، وسبرتهم : أي اختبرتهم. فعلى ما في اكثر الروايات المعنى : طرحتهم وأبغضتهم بعد امتحانهم ومشاهدة سيرتهم واطوارهم. وعلى رواية الصدوق المعنى : اني كنت عالمة بقبح سيرتهم وسوء سريرتهم فطرحتهم ثم لما اختبرتهم شنأتهم وأبغضتهم ، أي تأكد انكاري بعد الاختبار. ويحتمل ان يكون الأوّل اشارة إلى شناعة اطوارهم الظاهرة ، والثاني إلى خبث سرائرهم الباطنة.

٥٠١

لفلول الحد(1) ، وخور القناة(2) ، وخطل الرأي(3) ،( بِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (4) لا جرم لقد قلدتهم ربقتها ، وشننت عليهم غارها(5) ، فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين(6) .

ويحهم أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة(7) ، وقواعد النبوة ، ومهبط الوحي الأمين ، والطبين بأمر الدنيا والدين(8) ، ألا ذلك هو الخسران المبين ، وما نقموا من أبي الحسن(9) ، نقموا والله منه نكير سيفه(10) ، وشدَّةَ وطئه(11) ، ونكال وقعته(12) ، وتنمّره في ذات الله عزّ وجلّ(13) .

__________________

(1) قبحا ، بالضم ، مصدر حذف فعله ، اما من قولهم : قبحه الله قبحا ، او من قبح بالضم قباحة ، فحرف الجر على الأوّل داخل على المفعول ، وعلى الثاني على الفاعل. والفلول بالضم : جمع فل بالفتح ، وهو الثملة والكسر في حد السيف ، وحكي الخليل في « العين » انه يكون مصدرا ، ولعله انسب بالمقام ، وحد الشيء : شباته ، وحد الرجل باسه.

(2) الخور بالفتح وبالتحريك : الضعف. والقناة : الرمح.

(3) الخطل بالتحريك : المنطق الفاسد المضطرب ، وخطل الرأي : فساده واضطرابه.

(4) المائدة : 80.

(5) الشن : رش الماء رشا متفرقا والسن بالمهملة : الصب المتصل ، ومنه قولهم : شنت عليهم الغارة اذا فرقت عليهم من كل وجه.

(6) الجدع قطع الانف او الاذن او الشفة ، وهو بالانف اخص ، ويكون بمعنى الحبس ، والعقر بالفتح : الجرح ، ويقال في الدعاء على الإنسان : عقراً له وحلقا ، أي عقر الله جسده وأصابه بوجع في حلقه ، واصل العقر : ضرب قوائم البعير او الشاة بالسيف ثم اتسع فيه فاستعمل في القتل والهلاك ، وهذه المصادر يجب حذف الفعل منها. والسحق بالضم : البعد.

(7) ويح كلمة تستعمل في الترحم والتوجع والتعجب ، والزحزحه ، التنحية والتبعيد. والزعزعة : بالتحريك. والرواسي من الجبال : الثوابت الرواسخ. وقواعد البيت : اساسه.

(8) الطبين : هو بالطاء المهملة والباء الموحدة : الفطن الحاذق.

(9) في كشف الغمة : « وما الذي نقموا من ابي الحسن ». يقال : نقمت على الرجل كضربت ، وقال الكسائي : كعلمت لغة ، أي عتبت عليه وكرهت شيئا منه.

(10) التنكير : الانكار ، والتنكير : التغير عن حال يسرك إلى حال تكرهها ، والاسم : النكير ، وما هنا يحتمل المعنين ، والأوّل اظهر أي انكار سيفه فانهعليه‌السلام كان لا يسل سيفه إلاّ لتغيير المنكرات.

(11) الوطأة : الأخذة الشديدة والضغطة ، وأصل الوطيء : الدوس بالقدم ويطلق على الغزو والقتل لأنّ من يطأ الشيء فقد استقصى في هلاكه واهانته.

(12) النكال : العقوبة التي تنكل الناس. والوقعة : صدمة الحرب.

(13) تنمر فلان : أي تغير وتنكر واوعد ، لأنّ النمر لا تلقاه ابداً إلاّ متنكراً غضبان. « في ذات الله » ، قال الطيبي : ذات الشيء : نفسه وحقيقته ، والمراد ما اضيف إليه ، وقال الطبرسي في قوله

٥٠٢

والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليه لاعتلقه(1) ، ولسار بهم سيراً سُجُحاً(2) ، لا يكلم خشاشه(3) ، ولا يتعتع راكبه(4) ، ولأوزدهم منهلاً نميراً فضفاضاً(5) تطفح ضفّتاه(6) ولأصدرهم بطاناً(7) ، قد تحيرّ بهم الريّ(8) غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء(9) وردعة شررة الساغب(10) ، ولفتحت عليهم بركات من

____________

تعالى :( وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) : كناية عن المنازعة والخصومة ، والذات : هي الخلقة والبينة ، يقال : فلان في ذاته صالح : أي في خلقته وبينته ، يعني اصلحوا نفس كل شيء بينكم ، او اصلحوا حال كل نفس بينكم ، وقيل : معناه : واصلحوا حقيقة وصلكم ، وكذلك معنى اللهم اصلح ذات البين : أي اصلح الحال التي بها مجتمع المسلمون. انتهى.اقول فالمراد بقولها : في ذات الله ، أي في الله ولله ، بناء على ان المراد بالذات الحقيقة ، او في الامور والاحوال التي تتعلق بالله من دينه وشرعه وغير ذلك كقوله تعالى : ( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) أي المضمرات التي في الصدور.

(1) التكاف ، تفاعل من الكف : هو الدفع والصرف ، والزمام ككتاب : الخيط الذي يشد في البرة والخشاش ثم يشد في طرفه المقود ، وقد يسمى المقود زماماً ، ونبذه : أي طرحه. وفي « الصحاح » : « اعتلقه : أي احبه » ولعله هنا بمعنى تعلق به وان لم اجد فيم عندنا من كتب اللغة.

(2) السجح ، بضمتين : اللين السهل.

(3) الكلم : الجرح والخشاش بكسر الخاء المعجمة : ما يجعل في انف البعير من خشب ويشد به الزمام ليكون اسرع لانقياده. (4) تعتعت الرجل : أي اقلقته وازعجته.

(5) المنهل : المورد ، وهو عين ماء ترده الابل في المراعي ، وتسمى المنازل التي في المفاوز على طرق السفار : مناهل ، لأنّ فيه ماء ، قاله الجوهري ، وقال : ماء نمير : أي ناجع ، عذباً كان او غيره. وقال الصدوق نقلا عن الحسين بن عبد الله بن سعيد العسكري : النمير : الماء النامي في الجسد ( في الحشد ـ ظ ). وقال الجوهري : « الروي سحابة عظيمة القطر ، شديدة الوقع ويقال : شربت شرباً روياً » والفضفاض : الواسع ، يقال : ثوب فضفاض ، وعيش فضفاض ، ودرع فضفاضة.

(6) تطفح : أي تمتلئ حتى تفيض. وضفتا النهر بالكسر وقيل : وبالفتح ايضاً : جانباه.

(7) بطن كعلم : عظم بطنه من الشبع ، ومنه الحديث : تغدو خماصاً وتروح بطاناً ، والمراد عظم بطنهم من الشرب.

(8) تحير الماء : أي اجتمع ودار كالمتحير ، يرجع اقصاه إلى ادناه ، ويقال : تحيرت الأرض بالماء ، اذا امتلأت ، ولعل الباء بمعنى في ، أي تحير فيهم الري ، او للتعدية ، أي صاروا حيارى لكثرة الري. والري بالكسر والفتح : ضد العطش. وفي رواية الشيخ : « قد خثر » بالخاء المعجمة والثاء المثلثة : أي اثقلهم ، من قولك : اصبح فلا خاثر النفس أي ثقيل النفس غير طيب ولا نشيط.

(9) حلي منه بخير : كرضي : أي اصاب خيراً ، وقال الجوهري : « قولهم : لم يحل منها بطائل ، أي يستفاد منها كثير فائدة ». والتحلي : التزين ، والطائل : الغناء والمزية والسعة والفضل.

(10) الردع : الكف والدفع. والردعة : الدفعة منه ، وفي جميع الروايات سوى معاني : الاخبار : « سورة الساغب » وفيه « شررة الساغب » ، ولعله من تصحيف النساخ. والشرر : ما يتطاير من

٥٠٣

السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.

ألا هلمّ فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب(1) ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث ! إلى أيّ سناد استندوا ، وبأيّ عروة تمسّكوا ، استبدلوا الذّنابى والله بالقوادم(2) ، والعجز بالكاهل(3) ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون(4) ،( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (5) . أما لعمر إلهك(6) لقد لقحت(7) فنظرة ريث ما

__________________

النار ، ولا يبعد ان يكون من الشره بمعنى الحرص ، وسورة الشيء بالفتح : حدته وشدته. والسغب : الجوع.

(1) في رواية ابن ابي الحديد : « ألا هلمن فاسمعن ، وما عشتن اراكن الدهر عجبا ، إلى أي لجأوا واستندوا ، وبأي عروة تمسكوا ؟ لبئس المولى ولبئس العشير ولبئس للظالمين بدلا ». قال الجوهري : « هلم يا رجل ، بفتح الميم : بمعنى تعال ، يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث ، في لغة أهل الحجاز ، وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين : هلما ، وللجمع هلموا ، وللمرأة : هلمي ، وللنساء هلممن ، والأوّل افصح ، واذا ادخلت عليه النون الثقيلة قلت : هلمن يا رجل ، وللمرأة هلمن بكسر الميم ، وفي التثنية هلمان للمؤنث والمذكر جميعا ، وهلمن يا رجال بضم الميم ، وهلممنان يا نسوة » انتهى ، وعلى الروايات الاخر الخطاب عام. وما عشتن : أي اراكن الدهر شيئا عجيبا لا يذهب عجبه وغرابته مدة حياتكن ، او يتجدد لكن كل يوم امر عجيب متفرع على هذا الحادث الغريب.

(2) الذنابي : بالضم : ذنب الطائر ، ومنبت الذنب ، والذنابي ، في الطائر اكثر استعمالا من الذنب ، وفي الفرس والبعير ونحوهما الذنب اكثر ، وفي جناح الطائر اربع ذنابي بعد الخوافي وفي الفرس والبعير ونحوهما الذنب اكثر ، وفي جناح الطائر اربع ذنابي بعد الخوافي وهي ما دون الريشات العشر من مقدم الجناح التي تسمى قوادم ، والذنابي من الناس : السفلة والاتباع.

(3) العجز كالعضد : مؤخر الشيء ، يؤنث ويذكر ، وهو للرجل والمرأة جميعا ، والكاهل : الحارك ، وهو ما بين الكتفين ، وكاهل القوم : عمدتهم في المهمات وعدتهم للشدائد والملمات.

(4) رغما ، مثلثة : مصدر رغم انفه أي لصق بالرغام ، بالفتح ، وهو التراب ، ورغم الانف يستعمل في الدل والعجز عن الانتصار ، والانقياد على كره. والمعاطس جمع معطس بالكسر والفتح وهو الانف ، وقال الجوهري : « شعرت بالشيء أشعر به شعرا أي فطنت له ومنه قولهم : ليت شعري ، أي ليتني علمت ». واللجا محركة : الملاذ والمعقل كالملجأ ، ولجأت إلى فلان اذا استندت إليه واعتضدت به. والسند : ما يستند إليه.

(5) يونس : 35.

(6) في بعض نسخ ابن ابي الحديد : « اما لعمر الله » وفي بعضها : « اما لعمر الهكن » ، والعمر بالفتح والضم بمعنى : العيش الطويل ، ولا يستعمل في القسم الا العمَر بالفتح ، ورفعه بالابتداء ، أي لعمر الله قسمي ، ومعنى عمر الله بقاؤه ودوامه.

(7) لقحت كعلمت : أي حملت ، والفاعل فعلتهم ، او فعالهم ، او الفتنة ، او الازمنة.

٥٠٤

تنتج(1) ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً(2) ، وذعافاً ممقراً(3) ، هناك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غب ما سنّ الأولون(4) ، ثم طيبوا عن أنفسكم نفساً(5) . وطأمنوا للفتنة جأشاً(6) ، وأبشروا بسيف صارم(7) ، وهرج شامل(8) ، واستبداد من الظالمين(9) ، يدع فيئكم زهيداً(10) ، وزرعكم حصيداً(11) فياحسرتى لكم وأنّى بكم(12) ، وقد عمِّيت [ قلوبكم ] عليكم أنلزمكموها(13) وأنتم لها كارهون(14) .

__________________

(1) النظرة بفتح النون وكسر الظاء : التأخير ، واسم يقوم مقام الانظار ، ونظرة اما مرفوع بالخبرية والمبتدأ محذوف كما في قوله : « فنظرة إلى ميسرة » أي فالواجب نظرة ونحو ذلك ، واما منصوب بالمصدرية ، أي انتظروا « او انظروا » نظرة قليلة ، والاخير اظهر كما اختاره الصدوق. وريثما تنتج ، أي قدر ما تنتج ، يقال : نتجت الناقة ـ على مالم يسم فاعله ـ تنتج نتاجا وقد نتجها اهلها نتجا ـ وانتجت الفرس : اذا حان نتاجها.

(2) القعب : قدح من خشب يروي الرجل ، او قدح ضخم. واحتلاب طلاع القعب : هو ان يمتلئ من اللبن حتى يطلع عنه ويسيل. والعبيط : الطري.

(3) الذعاف كغراب : السم. والمقر بكسر القاف : الصبر ، وربما يسكن ، وأمقر أي صار مرا.

(4) غب كل شيء : عاقبته.

(5) طاب نفس فلان بكذا : أي رضي به من دون ان يكرهه عليه احد ، وطابت نفسه عن كذا ، أي رضي ببذله ، ونفسا ، منصوب على التمييز.

(6) في كتاب ناظر عين الغريبين : « طأمنته : سكنته فاطمان ». والجأش مهموزا : النفس والقلب ، أي اجعلوا قلوبكم مطمئنة لنزول الفتنة.

(7) الصارم : القاطع. والغشم : الظلم.

(8) الهرج : الفتنة والاختلاط. وفي رواية ابن ابي الحديد : « وقرح شامل » فالمراد بشمول القرح ، اما للافراد او للاعضاء.

(9) الاستبداد بالشيء : التفرد به.

(10) الضمير المرفوع في « يدع » راجع إلى الاستبداد. والفيء : الغنيمة والخراج ما حصل المسلمين من اموال الكفار من غير حرب. والزهيد : القليل.

(11) الحصيد : المحصود ، وعلى رواية « زرعكم » كناية عن اخذ اموالهم بغير حق ، وعلى رواية « جمعكم » يحتمل ذلك ، وان يكون كناية عن قتلهم واستئصالهم.

(12) أي وانى تلحق الهداية بكم.

(13) عميت عليكم ، بالتخفيف : أي خفيف والتبست ، وبالتشديد على صيغة المجهول أي ، لبست ، وقرئ في الآية بهما ، والضمائر فيها ، قيل : هي راجعة إلى الرحمة المعبر عن النبوة بها ، وقيل إلى البينة وهي المعجزة ، او اليقين والبصيرة في امر الله ، وفي المقام يحتمل رجوعها إلى رحمة الله الشاملة للامامة والاهتداء إلى الصراط المستقيم بطاعة امام العدل ، او إلى الإمامة الحقة ، وطاعة من اختاره الله وفرض طاعته ، او إلى البصيرة في الدين ونحوها.

(14) « البحار » 43 / 158 ـ 159. وقد اخذنا الشرح منه مع حذف الزوايد والمكررات واوردناه كالتعليقة كما فعلنا ذلك بشرح الخطبة الفدكية ، وقد اورد هذا الكلام جمع من الافذاذ

٥٠٥

إن هذه الخطبة الفاطمية والدرة البيضاء لفي غاية الفصاحة ونهاية البلاغة من ناحية عذوبة ألفاظها وجميل محتواها وعظيم مضمونها الذي لابد للموالي والمخالف من الوقوف على مضمونها وطبيعة أهدافها التي أنشدتها الصديقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام والتي لم تخرج فيها عن حد الشرع المقدس بل سارت مع كل ما دعى إليه الرسول وأهل بيته الأطهار ، ففيها من الجلالة والنور بحيث لابد من الإستضاءة من نورها الذي لو عُرض على الظلمات لأضاءت منه ، ولو خوطب بها الجبال الشامخات لرأيتها خاشعة من بهاءها وجلالها ، وان كانت لم تترك الأثر الواضح على القلوب القاسية التي لم تمل إلى هداية بل كانت كالحجارة بل أن من الحجارة لما يتفجر منها الماء الذي فيه حياة القلوب والنفوس ، فكانت سلام الله عليها في هذه الخطبة مظهرة لنور ثمار النبوة وعبق أرج الرسالة فهي غصن الدوحة المحمدية وحليلة العصمة العلوية ومجمع الأنوار الولائية فهي كلمة الله التامة وأم أبيها التي يفرغ لسانها عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي الصديقة الكبرى التي فطمت الخلق عن معرفتها فضلاً عن معرفة أنوارها وكلامها الذي لابد من الوقوف معه وتجلية أنواره ، ومعرفة أركانه وأهدافه فلذا لابد من التعرض لأهداف هذه الخطبة لكي يتضح لنا برهانها الظاهر ، وكلامها المؤثر الذي ينبع من مشكاة النبوة المحمدية وظهر على لسان الأسرار الفاطمية.

__________________

من الخاصة والعامة وهم :

1 ـ ابن ابي الحديد المعتزلي المتوفى 655 في « شرح النهج » : 16 / 234.

2 ـ ابن ابي طيفور احمد بن طاهر المتوفى 280 في « بلاغات النساء » 19.

3 ـ ابن جرير بن رستم الطبري ، من اعلام القرن الرابع في « دلائل الإمامة » : 40 ـ 41.

4 ـ الشيخ الثقة الصدوق ابن بابويه المتوفى 381 في « معاني الأخبار » : 354 ـ 355.

5 ـ العلامة علي بن عيسى الاربليقدس‌سره المتوفى 693 في « كشف الغمة » : 1 / 492 ـ 494.

6 ـ الشيخ الجليل أبو منصور الطبرسي من اعلام القرن السادس ، في « الاحتجاج » : 1 / 147 ـ 149.

٥٠٦

أهداف خطبة الزهراءعليها‌السلام

هناك مجموعة أهداف لتصلّب الزهراء في مواقفها :

أوّلاً ـ أرادت الزهراء استرجاع حقها المغصوب ، وهذا أمر طبيعي لكل إنسان غصب حقّه أن يطالب به بالطرق المشروعة.

ثانياً ـ كان الحزب الحاكم قد استولى على جميع الحقوق السياسية والإقتصادية لبني هاشم ، وألغى جميع امتيازاتهم المادية والمعنوية ، فهذا عمر بن الخطاب يقول لابن عباس : أتدري ما منع قومكم ( أي قريش ) منكم بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووُفّقت(1) ، هذا بالنسبة للخلافة ، وبالنسبة للأموال فقد منعوا بني هاشم فدك والميراث والخمس ـ أي سهم ذوي القربى ـ واعتبروهم كسائر الناس.

وكان بنو هاشم وفي مقدّمتهم عليعليه‌السلام لا يقدرون على المطالبة بحقوقهم المغصوبة بأنفسهم ، فجعلت الزهراء من نفسها مطالبة بحق بني هاشم وحقها ، ومدافعة عنهم اعتماداً على فضلها وشرفها وقربها من رسول الله ، واستناداً إلى أنوثتها حيث النساء أقدر من الرجال في بعض المواقف. ومعلوم أن الزهراء إذا استردّت حقوقها استردّت حينئذ حقوق بني هاشم معها.

ثالثاً ـ استهدفت الزهراء من مطالبتها الحثيثة بفدك فسح المجل أمامها للمطالبة بحق زوجها المغلوب على أمره ، والواقع أنّ فدك صارت تتمشّى مع الخلافة جنباً إلى جنب ، كما صار لها عنوان كبير وسعة في المعنى ، فلم تبق فدك قرية زراعية محدودة بحدودها في عصر الرسول ، بل صار معانها الخلافة والرقعة الإسلامية بكاملها.

ومما يدل على هذا تحديد الأئمة لفدك ، فقد حدها عليعليه‌السلام في زمانه بقوله : حدٌّ منها جبل أحد ، وحدٌّ منها عريش مصر ، وحدٌّ منها سيف البحر ، وحدٌّ منها دومة الجندل(2) . وهذه الحدود التقريبية للعالم الإسلامي آنذاك.

__________________

(1) ذكره ابن ابي الحديد في شرح النهج : 12 / 53 ، والطبري في تأريخه : 5 / 31.

(2) مجمع البحرين : مادة فدك.

٥٠٧

أما الإمام الكاظمعليه‌السلام فقد حدها للرشيد بعد أن ألحّ عليه الرشيد أن يأخذ فدكاً ، فقال له الإمام : ما آخذها إلا بحدودها ، قال الرشيد : وما حدودها ؟ قال : الحدُّ الأول عدن ، والحدُّ الثاني سمرقند ، والحدُّ الثالث أفريقيّة ، والحدُّ الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية ، فقال له الرشيد : فلم يبق لنا شيء فتحوَّل في مجلسي(1) ، أي أنّك طالبت بالرقعة الإسلامية في العصر العباسي بكاملها.

فقال الإمام : قد أعلمتك أني إن حدّدتها لم تردّها.

ففدك تعبير ثانٍ عن الخلافة الإسلامية ، والزهراء جعلت فدكاً مقدمة للوصول إلى الخلافة ، فأرادت استرداد الخلافة عن طريق استرداد فدك.

ومما يدل على هذا تصريحات الزهراء في خطبتها بحق علي وكفاءته وجهاده ، فهي القائلة في خطبتها الكبيرة التي ألقتها في مسجد رسول الله : « فأنقذكم الله بأبي محمد بعد اللّتيّا والّتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومرده أهل الكتاب ، كُلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله أو نجم قرن للشيطان ، أو فغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه ( أي عليّاً ) في لهواتها ، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيد أولياء الله ، مُشمِّراً ناصحاً ، مجدّاً كادحاً ، وأنتم في رفاهيةٍ من العيش وادعون فاكهون آمنون ، تتربّصون بنا الدوائر وتوكّفون الأخبار ، وتنكصون عن النزال ، وتفرُّون من القتال ».

وتقول أيضاً : « ألا وقد أرى والله أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ». وهو أمير المؤمنين.

وكان لإشادة الزهراء بفضل عليعليه‌السلام في خطبتها أثر بالغ في نفوس الأنصار حتى هتف قسم منهم باسمه ، فاستشعر أبوبكر الخطر من هذه البادرة ، وشقّ عليه مقالتها ، فصعد المنبر وقال :« أيها الناس ما هذه الرعة إلى كلّ قالة ، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ألا من سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلّم ، إنّما هو ثعالة :

__________________

(1) أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين : القسم الثالث من الجزء الرابع : 47 ، عن ربيع الأبرار ، للزمخشري.

٥٠٨

شهيده ذَنَبه ، مربٍّ لكلِّ فتنة. هو الذي يقول كرُّوها جذعة بعدما هرمت ، يستعينون بالضعفة ، ويستنصرون بالنساء كأمّ طحال أحبُّ أهلها اليها البغي ، ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلت ، ولو قلت لحبت ، إنّي ساكت ما تُركت ».

ثم التفت إلى الأنصار فقال :« قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم ، وأحقُّ من لزم عهد رسول الله أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، ألا إنّي لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحقَّ ذلك منّا » . ثم نزل(1) .

قال ابن ابي الحديد : قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصريّ وقلت له : بمن يعرّض ؟ فقال : بل يصرّح ، قلت : لو صرّح لم أسألك ، فضحك وقال : بعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . قلت : هذا الكلام كلّه لعليّ يقوله ؟ قال : نعم إنّه الملك يا بنيَّ ، قلت : فما مقالة الأنصار ؟ قال : هتفوا بذكر عليّ ، فخاف من اضطراب الأمر عليهم ـ انتهى.

لهذا قلت : إن الزهراء اتّخذت من فدك ذريعةً للوصول إلى استرداد خلافة عليعليه‌السلام ، وإلا فما الذي حداها وهي تطالب بميراثها أن تشيّد بمواقف الإمام وأحقّيته بالخلافة حتى أثارث الأنصار ، فهتفوا بذكر علي ؟ وما الذي حدا أبا بكر أن يذكر عليّاً بسوء في خطبته كقوله : إنّما هو ثعالة شهيده ذَنَبه ، مربٍّ لكل فتنة.

رابعاً : أرادت الزهراءعليها‌السلام بمنازعة أبي بكر إظهار حاله وحال أصحابه للناس ، وكشفهم على حقيقتهم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حيّ عن بيّنة ، وإلاّ فبضعة الرسول أجل قدراً وأعلى شأناً من أن تقلب الدنيا على أبي بكر حرصاً على الدنيا ، ولا سيّما أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به ، ولذا لم ينهها عليٌّعليه‌السلام عن منازعة أبي بكر في فدك وهو القائل : « وما أصنع بفدك وغير فدك ،

__________________

(1) شرح ابن ابي الحديد : 16 / 214 ـ الرعة : بالتخفيف أي الاستماع والاصغاء ، القالة : القول ، فعالة : اسم الثعلب تحكم غير معروف ، شهيده ذنبه : أي لا شاهد له على ما يدعي إلاّ بعضه وجزء منه ، واصله مثل ، قالوا : ان الثعلب اراد ان يغري الاسد بالذئب فقال الثعلب : انه قد اكل الشاة التي كنت قد اعددتها لنفسك وكنت حاضرا قال : فمن يشهد لك بذلك ؟ فرفع ذنبه وعليه دم ، وكان الاسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته وقتل الذئب.

٥٠٩

والنفس مكانها في غد جدث »(1) ، ولم تكن الزهراء أقلّ من علي تُقىً وزهداً في الدنيا. ثم إنّ عليّاًعليه‌السلام كان بإمكانه أن يعوّض الزهراء عن ما غصب منها بما يملكه من الأموال ، ويمنعها من الهوان ، فإنّ ممّا يملك إرثي البغيبغة وأبي نيزر ، وهما أكثر قيمة من فدك ، وقد جعلهماعليه‌السلام قبل وفاته وقفاً على الفقراء ، وكان واردهما السنويّ 470 ألف درهم.

وأيضاً هذا هو السبب في حمل عليّ الزهراء على بغلة ، والمرور بها على دور المهاجرين والأنصار ، ومطالبتهم بنصرتها مع علمها بخذلانهم ، كلّ ذلك لاطّلاع الناس أبد الدهر على حقيقة الأمر ، وإظهار حال الغاصبين وحال أصحابهم

قال ابن أبي الحديد : قلت لمتكلّم من متكلّمي الإماميّة يعرف بعليّ ابن تقي من بلدة النيل : وهل كان فدك إلا نخلاً يسيراً وعقاراً ليس بذلك الخطير ؟ فقال لي : ليس الأمر كذلك ، بل كانت جليلةً جدّاً ، وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن. ( أي في القرن السادس الهجري ) ، وما قصد أبوبكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا ألاّ يتقوّى بحاصلها وغلّتها على المنازعة في الخلافة ، ولهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني المطّلب حقّهم في الخمس ، فإنّ الفقير الذي لا مال له تضعف همّته ، ويتصاغر عند نفسه ، ويكون مشغولاً بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرئاسة(2) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام للمفضّل بن عمر : « لمّا بويع أبو بكر أشار عليه عمر أن يمنع علياً وأهل بيته الخمس والفيء وفدكاً ، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوه ، وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا ، فصرفهم أبو بكر عن جميع ما هو لهم ».

وثمّة سبب اخر وهو إرادة التظاهر بالقوّة أمام أهل البيت ، وسدّ الطريق أمامهم ، وقطع أيّ أملٍ في نفوسهم للوصول إلى غايتهم(3) .

قال العلامة المجلسيرحمه‌الله : إنّ طلب الحقّ والمبالغة فيه وإن لم يكن منافياً للعصمة لكنّ زهدها صلوات الله عليها وتركها للدنيا ، وعدم اعتدادها بنعيمها ولذّتها ، وكمال عرفانا

__________________

(1) نهج البلاغة : قسم الكتب ، 45.

(2) شرح نهج البلاغة : 16 / 236.

(3) فدك : 166 ـ 174.

٥١٠

ويقينها بفناء الدنيا ، وتوجّه نفسها القدسيّة وانصراف همّتها العالية دائماً إلى اللذات المعنويّة والدرجات الاُخروية ، لا تناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك ، والخروج إلى مجمع الناس ، والمنازعة مع المنافقين في تحصيله.

والجواب عنه من وجهين ، الأوّل : أن ذلك لم يك حقّاً مخصوصاً لها ، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه ، فلم يكن يجوز لها المداهنة والمساهلة والمحاباة وعدم المبالاة في ذلك ليصير سبباً لتضييع حقوق جماعة من الأئمة الأعلام والأشراف الكرام. نعم لو كان مختصاً بها كان لها تركه والزهد فيه وعدم التأثّر من فوته.

والثاني : إنّ تلك الاُمور لم تكن لمحبّة فدك وحبّ الدنيا ، بل كان الغرض إظهار ظلمهم وجورهم وكفرهم ونفاقهم ، وهذا كان من أهمّ اُمور الدين وأعظم الحقوق على المسلمين ، ويؤيّده أنّها صلوات الله عليها صرَّحت في آخر الكلام حيث قال : « قلت ما قلت على معرفةٍ منّي بالخذلة » ، وكفى بهذه الخطبة بيّنة على كفرهم ونفاقهم(1) .

قال المحقق الفاضل الألمعي عبدالزهراء عثمان محمد : ربما يعترض البعض على موقف فاطمة فيقول : لماذا إذن تقف فاطمة هذا الموقف الصلب في مطالبتها بفدك ، فلو لم يكن هناك هدف آخر تبتغيه من ورائه ، لما طالبت هذه المطالبة الحقيقيّة به.

ولأجل أن نبرز الحقائق التي دفعت الصديقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام للمطالبة بفدك نضع أمامنا النقاط الآتية :

1 ـ إنّهاعليها‌السلام رأت أنّ تأميم فدك قد هيّأ لها فرصةً ذهبيّةً في الإدلاء برأيها حول الحكومة القائمة ، وكان لابدَّ لها أن تدلي بتصريحاتها أمام الجماهير ، وقد هيّأت لها قضيّة فدك هذه الملابسات المناسبة ، فحضرت دار الحكومة في المسجد النبويصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وألقت بتصريحاتها التي لا تنطوي على أيّ لبس أو غموض.

2 ـ تبيان أحقيّة عليّ في قيادة الاُمة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد تجلّى ذلك في خطبتها التي ألقتها في مسجد

__________________

(1) البحار : 8 / 127 ـ 128.

٥١١

أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله على مسمع ومرأى من المسلمين ، وبضمنهم الحكومة الجديدة ، فكان من بعض أقوالها : « أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ » وقولها : « وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ». حيث أو ضحت أنّ عليّاًعليه‌السلام أعلم الناس بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بمعرفة الرسالة وأحكامها وقوانينها ، وهو ذلك أحقّ برعاية شئون الاُمّة التي صنعها الوحي المقدّس.

3 ـ كشف ألاعيب الحكومة الجديدة على الشرع المقدّس ، واجتهاداتهم التي لا علاقة لها بأهداف الرسالة وهذه النقاط الثلاث هي التي استهدفتها فاطمةعليها‌السلام في مطالبتها الحثيثة بفدك ، ليس غير ، وليس لها وراء ذلك هدف ماديٌّ رخيص ، كما يعتقد البعض من مورّخي حياتها ، فهي ـ لعمر الحقّ ـ قد تصرَّفت ما من شأنه أن يحفظ الرسالة من شبح الإنحراف الذي تنبّأت بوقوعه بعد انتخاب الحكومة الجديدة ، فاتّخذت من فدك خير فرصةٍ لخدمة المبدأ ، وإلقاء الحجّة على الاُمّة تأديةً للمسؤوليّة ، ونصراً للرسالة ، وحفظاً لبيضة الإسلام(1) .

قال المحقق المتتبع السيد كاظم القزويني : من الممكن أن يقال : إنَّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام الزاهدة عن الدنيا وزخارفها ، والتي كانت بمعزل عن الدنيا ومغريات الحياة ، ما الذي دعاها إلى هذه النهضة وإلى هذا السعي المتواصل ، والجهود المستمرّة في طلب حقوقها ؟ وما سبب هذا الإصرار والمتابعة بطلب فدك والاهتمام بتلك الأراضي والنخيل ، مع ما كانت تتمتّع به السيّدة فاطمة من علوّ النفس وسموِّ المقام ؟ وما الداعي إلى طلب الدنيا التي كانت أزهد عندهم من عفطة عنز ، وأحقر من عظم خنزير في فم مجذوم ، وأهون من جناح بعوضة ؟ وما الدافع بسيّدة نساء العالمين أن تتكلّف هذا التكليف وتتجشّم هذه الصعوبات المجهدة للمطالبة بأراضيها ، وهي تعلم أنّ مساعيها تبوء بالفشل ، وأنّها لا تستطيع التغلُّب على الموقف ، ولا تتمكَّن من انتزاع تلك الأراضي من المغتصبين ؟ هذه تصوّرات يمكن أن تتبادر إلى الأذهان حول الموضوع.

__________________

(1) الزهراءعليها‌السلام : 118 ـ 120.

٥١٢

أوّلاً : إنّ السلطة حينما صادرت أموال السيدة فاطمة الزهراء ، وجعلتها في ميزانيّة الدولة ( بالاصطلاح الحديث ) كان هدفهم تضعيف جانب أهل البيت ، أرادوا أن يحاربوا عليّاً محاربة اقتصاديّة ، أرادوا أن يكون علي فقيراً حتّى لا يلتفَّ الناس حوله ، ولا يكون له شأن على الصعيد الاقتصادي(1) .

وهذه سياسة أراد المنافقون تنفيذها في حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قالوا :( لا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ) (2) .

ثانياً : لم تكن أراضي فدك قليلة الإنتاج ، ضئيلة الغلاّت ، بل كان لها وارد كثير يعبأ به ، بل ذكر ابن أبي الحديد أنّ نخيلها كانت تمثل نخيل الكوفة في زمان ابن أبي الحديد ؛ وذكر الشيخ المجلسي عن « كشف المحجّة » أنّ وارد فدك كان أربعة وعشرين ألف دينار في كلّ سنة ؛ وفي رواية اُخرى : سبعين ألف دينار ، ولعلّ هذا الاختلاف في واردها بسبب اختلاف السنين. وعلى كلّ تقدير فهذه ثروة طائلة واسعة لا يصحّ التغاضي عنها.

ثالثاً : إنّها كانت تطالب من وراء المطالبة بفدك الخلافة والسلطة لزوجها عليّ بن أبي طالب ، تلك السلطة العامّة والولاية الكبرى التي كانت لأبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ، قال : سألت عليم بن الفارقي مدّرس مدرسة الغربيّة ببغداد ، فقلت له : أكانت فاطمة صادقة ؟ قال : نعم قلت : فلِمَ لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة ؟ فتبسّم ، ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلّة دعابته ، قال : لو أعطاها اليوم فدك بمجرَّد دعواها ، لجاءت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة ، وزحزحته عن مقامه ؛ ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء ، لأنّه يكون قد أسجل على نفسه بأنّها صادقة فيما تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا

__________________

(1) قال العلامة المجلسيرحمه‌الله : روى العلامة في كشكوله المنسوب إليه عن المفضل بن عمر قال : قال مولاي جعفر الصادقعليه‌السلام : لما ولي أبو بكر بن أبي قحافة ، قال له عمر : إنّ الناس عبيد هذه الدنيا ، لا يريدون غيرها ، فامنع عن علي وأهل بيته الخمس والفيء وفدكاً ، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوا عليّاً ، وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا وإيثاراً ومحاماةً عليها ( البحار : ج 8 ، ص 104 ، ص الكمباني ).

(2) المنافقون : 7.

٥١٣

شهود. وهذا كلام صحيح وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل(1) .

... لهذه الأسباب قامت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وتوجَّهت نحو مسجد أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأجل المطالبة بحقّها. إنّها لم تذهب إلى دار أبي بكر ليقع الحوار بينها وبينه فقطُّ ، بل اختارت المكان الأنسب وهو المركز الإسلامي يومذاك ، ومجمع المسلمين حينذاك ، وهو مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما وأنّها اختارت الزمان المناسب أيضاً ليكون المسجد غاصّاً بالناس على اختلاف طبقاتهم من المهاجرين والأنصار ؛ ولم تخرج وحدها إلى المسجد بل خرجت في جماعة من النساء ، وكأنّها في مسيرة نسائية ، وقبل ذلك تقرر اختيار موضع من المسجد لجلوس بضعة رسول الله وحبيبته ، وعلّقوا ستراً لتجلس السيدة فاطمة خلف الستر ، إذ هي فخر المخدّرات ، وسيدة المحجّبات. كانت هذه النقاط مهمّة جدّاً واستعدّ أبو بكر لاستماع احتجاج سيدة نساء العالمين ، وابنة أفصح من نطق بالضاد ، وأعلم امرأة في العالم كلّه.

خطبت السيدة فاطمة الزهراء خطبة ارتجاليّة منظَّمة منسَّقة بعيدة عن الاضطراب في الكلام ، ومنزَّهة عن المغالطة والمراوغة والتهريج والتشنيع ، بل وعن كلِّ ما لا يلائم عظمتها وشخصيّتها الفذّة ، ومكانتها السامية ، وتعتبر هذه الخطبة معجزة خالدة للسيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وآية باهرة تدلُّ على جانب عظيم من الثقافة الدينيّة التي كانت تتمتّع بها الصدّيقة فاطمة الزهراء.

وأمّا الفصاحة والبلاغة ، وحلاوة البيان ، وعذوبة المنطق ، وقوة الحجة ، ومتانة الدليل ، وتنسيق الكلام ، وإيراد أنواع الإستعارة بالكناية ، وعلوّ المستوى ، والتركيز على الهدف ، وتنوّع البحث(2) .

__________________

(1) شرح النهج : 16 / 284.

(2) فاطمة الزهراء من المهد اللحد : 353 ـ 359.

٥١٤

٥١٥

٥١٦

الشيخ محمد علي اليعقوبي

أى برق حزوى فاستهلت دموعه

وهاج بمن يهواه فيها ولوعه

خليليَّ مالي كلّما صُنْتُ في الحشا

هوايَّ بدا دمعُ الشوونَ يذيعه

أحنُّ لعهدٍ قدْ خلا بعدَما حلىٰ هيهاتَ

يرجىٰ عودُهُ ورجوعُهُ

ليَّ الله كمْ نهنهتُ قلبيَّ عن هوىً

تحمّلَ منهُ فوقَ ما يستطيعُهُ

وكفكفتُ من طرفي الدموعَ فلمْ تكنْ

لغيرِ بني الزهراءِ تُهمي دموعُهُ

وخطبُ جرىٰ بالطفِّ لم يُنسَ وقعُهُ

ولم تلتئمْ طولَ الزمانِ صدوعُهُ

عشيةَ أمسىٰ منزلُ البغيِّ اهلاً

ومنزلُ وحيِّ الله أقوتْ ربوعُهُ

لقدْ كانَ من يومَ السقيفةِ أصلُهُ

وكلُّ الرزايا الحادثاتِ فروعُهُ

فما عذرُهمْ عند النبيِّ ولمْ يزلْ

يرىٰ كلَّ آنِ منهمُ ما يروعُهُ

أفي غصبهمْ حقَّ الوصيِّ وظلمهمْ

لبضعتهِ الزهراءِ يُجزىٰ صنيعُهُ

لو أنَّ رسولَ الله ينظرُ فاطماً

تنوحُ ولمْ تهجعْ لعزّ هجوعُهُ

فلولا جنينٌ أسقطوهُ لما هوىٰ

صريعاً علىٰ صدرِ الحسينِ رضيعُهُ

ومنْ رضّهمْ ضلعَ البتولةِ قدْ غدتْ

تُرضٌّ بجري الصافناتِ ضلوعُهُ

٥١٧

٥١٨

البحث السادس عشر

فاطمةعليها‌السلام وعلاقتها بالحسين عليه‌السلام

للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام عدة أولاد منهم الحسن والحسينعليهم‌السلام ، علما ان علاقتها كانت بهذين الولدين تفوق علاقة أكثر الامهات في تاريخ البشرية وذلك نابع من كونهم ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اضافة إلى كونهم النسل الطاهر لها ، وبمقتضى علاقة الام بأبنائها ولقد حدثنا التاريخ عن نشوء هذه العلاقة بين الام من جهة وبين ابنائها ومن خلال الاحاديث المروية عن أهل البيتعليهم‌السلام من جهة اخرى ، والذي نريد التركيز عليه هنا في هذا الموضوع الختامي لكتابنا هذا هو علاقة الصديقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام بولدها الحسينعليها‌السلام ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي كان يلقمه حباً وحجراً دافأ خلال حياته الشريفة ، كيف لا وكان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ينظر إلى الحسين بأنه حامل فكره على مدى الزمن حياةً وشهادةً لكي يضيء من خلال ذلك للناس حياتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية عبرَ مرَّ العصور ، وعلى أي حال فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استمد من وراء الغيب علمه بأن بضعته الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام سوف يتفرع منها الغصن والثمرة الطيبة لأئمة أهل البيتعليها‌السلام والذين يحملون اعباء الإمامة ويدعون الناس عبر مرَّ السنين والاعوام إلى طريق الهداية والتقوى والصلاح في الدين والدنيا والاخرة لذا كان الرسول يولي اهتماماً بالغاً ببضعته الطاهرةعليها‌السلام وبولديها الحسن والحسينعليهم‌السلام ، وفي الموضوع وعلى هذا الاساس سوف نولي اهتماما بارزاً من خلال النصوص بحياة الصديقة الشهيدة وعلاقتها انذاك بولدها الحسينعليه‌السلام مستمدين ذلك من آثار الرسول وأهل بيته وكلماتهم النورانية التي نشروها خلال سيرة حياتهم الشريفة والتي كلها دروس وعبر للمؤمنين على مر العصور والازمان.

٥١٩

الولادة الميمونة

مضت عدة ايام على ولادة الإمام الحسنعليه‌السلام وامتلأ البيت النبوي سروراً وفرحاً ولم تمض الايام القليلة حددها المؤرخين باثنين وخمسين يوماً حتى علقت سيدة النساء بحمل جديد ظل يتطلع إليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر المسلمين بفارغ الصبر وكلهم رجاء وأمل في أن يشفع الله ذلك الكوكب بكوكب آخر ليضيء في سماء الأمة الاسلامية ويكون امتداداً لحياة المنقذ العظيم(1) . ورأت السيدة ام الفضل بنت الحارث(2) في منامها رؤية غريبة لم تهتد إلى تأويلها ، فهرعت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلة له : « إني رأيت حلماً منكراً كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ؟ » فأزاح النبي مخاوفها وبشرها بخير قائلاً : « خيراً رأيت ، تلد فاطمة ان شاء الله غلاماً فيكون في حجرك » ومضت الايام سريعاً فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها الحسين فكان في حجر أم الفضل كما أخبرها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

إخبار فاطمة بقتل الحسينعليه‌السلام

عن ابي عبد اللهعليه‌السلام : ان جبرئيلعليه‌السلام نزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ، ويبشرك بمولود يولد من فاطمةعليها‌السلام تقتله أُمتك من بعدك.

فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ، لا حاجة لي في مولود تقتله امتي من بعدي ، قال : فعرج جبرئيل إلى السماء ، ثم هبط فقال له مثل ذلك.

فقال : يا جبرئيل وعلى ربي السلام ، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي ، فعرج جبرئيل إلى السماء ، ثم هبط فقال له : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ، ويبشرك انه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية ، فقال : قد رضيت ، ثم أرسل إلى

__________________

(1) حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي : 1 / 25.

(2) راجع ترجمتها في الطبقات الكبرى : 8 / 278 ، والاصابة : 4 / 464.

(3) مستدرك الصحيحين : 3 / 127 عن حياة الإمام الحسين للقرشي : 26.

٥٢٠