الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب0%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبدالباقي قرنة الجزائري
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: الصفحات: 564
المشاهدات: 83451
تحميل: 6165

توضيحات:

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83451 / تحميل: 6165
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أصلحك الله إنّ الشّاهد يرى مالا يرى الغائب، إنّ صاحب الرّوم قد جمع لنا جموعا لم يجمعها هو ولا أحد كان قبله لأحد كان قبلنا، ولقد جاء بعض عيوننا إلى عسكر واحد من عساكرهم أمر بالعسكر في أصل الجبل فهبطوا من الثّنية نصف النّهار إلى عسكرهم فما تكاملوا فيها حتى أمسوا، ثمّ تكاملوا حين ذهب أوّل الليل، هذا عسكر واحد من عساكرهم، فما ظنك بمن قد بقي؟ فقال عمر: لو لا أنّي ربّما كرهت الشّيء من أمرهم يصنعونه فإذا الله يخير لهم في عواقبه لكان هذا رأيا أنا له كاره. أخبرني أجمع رأي جماعتهم على التّحوّل؟ قال قلت: نعم؛ قال: فإنّ الله إن شاء الله لم يكن يجمع رأيهم إلاّ على ما هو خير لهم(1) .

وعن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطّاب يذكر له جموعا من الروموما يتخوف منهم فكتب إليه عمر: أما بعد فإنّه مهما ينزل بعبد مؤمن من شدّة يجعل الله بعدها فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإنّ الله يقول في كتابه:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (2) .

أقول:

ههنا يأمر غيره بالصّبر في الجهاد، لكنّه لا يلتزم بذلك حين يكون هو على رأس الجيش، وقصّة يجبّنهم ويجبّنونه أشهر من نار على علم. هذا مع أنّ الإسلام قد أجاز للجيش أن يناور وينسحب إذا كان عدد العدوّ يفوق بأضعاف كثيرة عدد المسلمين.

على أنّهم قد رووا في قضية مشابهة ما يخالف ما سبق ذكره. قال الجصّاص: قال عمر بن الخطّاب لمّا بلغه أنّ أبا عبيد بن مسعود استقتل يوم الجيش حتى قتل ولم

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ج 21 ص 347.

(2) موطأ مالك، ج 2 ص 446، ومصنف ابن أبي شيبة، ج 4 ص 222 وتفسير القرطبي، ج 4 ص 323 وتفسير الطبري، ج 4 ص 221 والجهاد لابن المبارك، ج 1 ص 164 والدرّ المنثور، ج 2 ص 418 وتاريخ مدينة دمشق، ج 2 ص 143 وج 25 ص 477 وتخريج الأحاديث والآثار، ج 4 ص 236 والمقاصد الحسنة، ج 1 ص 539 وكشف الخفاء، ج 2 ص 196 والاستذكار، ج 5 ص 18 وشعب الإيمان، ج 7 ص 205 وشرح الزرقاني، ج 3 ص 13 والفائق، ج 4 ص 127 والنّهاية في غريب الأثر، ج 3 ص 235.

١٦١

ينهزم: رحم الله أبا عبيد، لو انحاز إليّ لكنت له فئة؛ فلمّا رجع إليه أصحاب أبي عبيد قال: أنا فئة لكم ولم يعنّفهم(1) .

قال الشّوكانيّ: وأخرج ابن المنذر عن كليب قال: خطبنا عمر بن الخطّاب فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول: إنها أحديّة ثمّ قال: تفرّقنا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد فصعدت الجبل(2) فسمعت يهوديّا يقول: قتل محمّد فقلت: لا أسمع أحدا يقول قتل محمّد إلاّ ضربت عنقه، فنظرت فإذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنّاس يتراجعون إليه فنزلت هذه الآية( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ ) (3) .

أقول:

هذا عمر يعترف بفراره وصعوده الجبل وتركه رسول الله بين سيوف الأعداء.!

وأجرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة [..] عن ابن عبّاس عن عمر بن الخطّاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفرّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدّم على وجهه، فأنزل الله عزوجل:( أَوَلَمّا أَصَابَتْكُم مُصِيبَةٌ ) الآية(4) ..

أقول:

يتحدّث عمر عن الصّحابة يوم أحد ولا يدخل نفسه في الفارّين مع أنه كان أوّلهم فرارا، وقد شهد عليه بذلك قتادة وشهد هو على نفسه كما في صحيح البخاريّ. ومع ذلك فقد أدخل نفسه في الفارين يوما من الأيام وهو يخطب. أخرج ابن جرير عن كليب قال خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها فلما انتهى إلى قوله( إِنّ الّذِينَ تَوَلّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) قال: لما كان يوم أحد

____________________

(1) أحكام القرآن، للجصاص، ج 4 ص 227.

(2) فيه شهادة عمر على نفسه بالفرار وترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الأعداء.

(3) فتح القدير، ج 1 ص 583. والدر المنثور، ج 2 ص 334 وكنز العمال، ج 2 ص 162.

(4) فتح القدير، ج 1 ص 598.

١٦٢

هزمنا ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى(1) والناس يقولون قتل محمد فقلت: لا أجد أحدا يقول قتل محمد إلا قتلته، حتى اجتمعنا على الجبل.(2) ..

أقول:

كالأروى، أي كتيس الجبل، هكذا يصف عمر بن الخطاب نفسه وهو في حالة الفرار؛ ومن حق كل من يقرأ هذا الكلام أن يتخيل شيخا في حدود الخمسين يطارده مشرك وهو ينزو كما ين زو تيس الجبل! إلى أين كان ذاهبا في فراره ذاك؟ أليس في القرآن الكريم (ففروا إلى الله..)؟

ولقد تفرّس عروة بن مسعود الثقفي في وجوه جماعة كانوا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية وصدقت فراسته: قال عروة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (3) : أي محمّد أرأيت لو استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فو الله إنّي لأرى وجوها وأرى وأرى أوباشا من النّاس خليقا أن يفرّوا ويدعوك! فقال له أبوبكر: امصص بظر اللاّت! أنحن نفرّ عنه وندعه؟ قال: من ذا؟ قال: أبو بكر؛ قال: أما والذي نفسي بيده لو لا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وجعل يكلّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والحقّ أنّ فراسة عروة بن مسعود الثّقفي كانت إذ فرّ أبوبكر وفريقه يوم حنين وتركوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أيدي الأعداء. فلم.

قال ابن قتيبة: وكانت قريش يومئذ ثلاثة آلاف ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سبعمائة وظاهر يومئذ بين در عين وأخذ سيفا فهزه وقال: من يأخذه بحقّه؟ فقال عمر بن الخطّاب: أنا! فأعرض عنه. وقال الزبير: أنا. فأعرض عنه؛ فوجدا في أنفسهما، فقام أبو

____________________

(1) الأروى بفتح الهموة تيس الجبل البري (المصباح المنير، ج 1 ص 247).

(2) الدر المنثور، ج 2، ص 355. وقصة تشبيه عمر نفسه بالأروى أثناء فراره موجودة أيضا في المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج 1 ص 529 وتفسير الطبري، ج 4 ص 144 وتفسير البحر المحيط، ج 3 ص 97 وكنز العمال، ج 2 ص 162.

(3) تفسير السعدي، ج 1 ص 797.

١٦٣

دجانة سماك بن خرشة فقال: وما حقّه يا رسول الله؟ قال: تضرب به حتّى ينثني، فقال: أنا آخذه بحقه فأعطاه إياه(1) .

أقول:

وأنت ترى كيف أعرض النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عمر حين قال: أنا، والإعراض ضدّ الإقبال؛ وفي وسع النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير ذلك وهو صاحب الخلق العظيم؟ لم يعرض عنه؟ نعم، لابدّ من التّذكير انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكيم في أفعاله ولا يحبّ المجاملات على حساب الحقّ. والمقام مقام جدّ وشجاعة، وليس في سجلّ عمر بطولات يستحقّ بموجبها هذا السيف في مثل هذا اليوم. لذلك كان موقف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاسما.

قال الشّوكانيّ: وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطّاب قال: لا تغرنكم هذه الآية فإنما كانت يوم بدر وأنا فئة لكل مسلم(2) .

الفرار من الزحف

قال محمد بن الحسن الشيباني في باب الفرار من الزّحف: لا أحبّ لرجل من المسلمين به قوّة أن يفرّ من رجلين من المشركين. وهذا لقوله تعالى( وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إِلى‏ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) . وفيها تقديم وتأخير معناه: ومن يولّم يومئذ دبره فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير إلاّ متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة، أي سريّة، للقتال بالكرّة على العدوّ من جانب آخر(3) .

قال السيوطي: وأخرج مالك وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أسلم قال كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطّاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر: أما بعد فإنه مهما

____________________

(1) المعارف، ابن قتيبة، ص 159.

(2) فتح القدير، ج 2 ص 429.

(3) السير الكبير، محمد بن الحسن الشيباني، ج 1 ص 123.

١٦٤

ينزل بعبد مؤمن من شدّة يجعل الله بعدها فرجا، وإنّه لن يغلب عسر يسرين، وإنّ الله يقول في كتابه يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلّكم تفلحون(1) .

أقول:

هذا رأي عمر في الصّبر على لقاء العدو حين يكون هو بعيدا عن ساحة القتال، ولم يعمل به حين كان في المواجهة، والدّليل على ذلك تكرّر الفرار منه حتّى أعرض عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال الآلوسيّ: وفي كلام الأمير كرم الله تعالى وجهه ما يقتضي بسوقه خلاف ما عليه الشيعة ففي نهج البلاغة أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه لمّا استشار الأمير كرّم الله تعالى وجهه لانطلاقه لقتال أهل فارس حين تجمّعوا للحرب قال له: إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة، وهو دين الله تعالى الذي أظهره، وجنده الذي أعزّه وأيّده حتّى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله تعالى حيث قال عزّ اسمه( وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنّ لَهُمْ دِينَهُمُ الّذِي ارْتَضَى‏ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنّهُم مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) والله تعالى منجز وعده وناصر جنده؛ ومكان القيّم في الإسلام مكان النّظام من الخرز فإن انقطع النّظام تفرّق وربّ متفرّق لم يجتمع والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب، فإنّك إن شخصت من هذه الأرض تنقّضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهمّ إليك ممّا بين يديك، وكأن قد آن للأعاجم أن ينظروا إليك غدا يقولون هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم، في كون ذلك أشدّ لكلبهم عليك وطعمهم في ك؛ فأمّا ما ذكرت من عددهم فإنّا لم نقاتل في ما مضى بالكثرة وإنّما نقاتل بالنّصر والمعونة(2) .

____________________

(1) الدر المنثور، السيوطي، ج 2 ص 418 والحديث في موطأ مالك ج 2 ص 446 وكنز العمال ج 3 ص 301 وشرح الزرقاني ج 3 ص 13 والاستذكار ج 5 ص 18.

(2) روح المعاني، الآلوسيّ، ج 18 ص 207.

١٦٥

أقول:

كلام الإمام عليّ عليه السلام مبنيّ على علمه بجبن الرّجل وتكرّر فراره من المعارك، وإلاّ فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان دائما على رأس الجيش، وكذلك الإمام عليّ عليه السلام في ما بعد في النهروان والجمل وصفين، ولا شكّ أن الكفّار أشدّ رغبة في قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم في قتل عمر. ولا يعقل أن ينهى علي بن أبي طالب عليه السلام عن شيء ثم يكون أول المقدمين عليه.

وعن عون بن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه عنه أمة أسلمت قبله يقال لها زنيرة فكانرضي‌الله‌عنه يضربها على إسلامها، وكان كفّار قريش يقولون: لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة، فأنزل الله تعالى في شأنها (وقال الذين كفروا... الآية) ولعلهم لم يريدوا زنيرة بخصوصها بل من شابهها أيضا، وفي الآية تغليب المذكر على المؤنث(1) .

وجاء في تفسير الثعالبي أنّ أبا الفضل الله الجوهري سمع على المنبر يقول وقد سئل أن يتكلّم في شيء من فضائل الصّحابة فأطرق ثمّ رفع رأسه وأنشد:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن مقتد

ماذا تريد من قوم قرنهم الله بنبيّه وخصّهم بمشاهدة وحيه، وقد أثنى الله تعالى على رجل مؤمن ومن آل فرعون كتم إيمانه وأسرّه فجعله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه إذ جرّد سيفه بمكّة وقال والله لا أعبد الله سرّا بعد اليوم(2) .

أقول:

أين كان هذا السيف في بدر وأحد وخيبر وحنين...، فلعلّه أصابه الصّدأ فلم يعد يصلح للقتال! مثل هذه الروايات إن دلت على شيء فإنّما تدّل على تفاهة عقول

____________________

(1) روح المعاني، الآلوسيّ، ج 26 ص 14.

(2) تفسير الثعالبي ج 4 ص 73.

١٦٦

أصحابها! وإلاّ فإنّ الثعالبيّ نفسه روى أنّ النّبيّ أراد بعث عمر بن الخطّاب إلى مكّة فقال له عمر: يا رسول الله إنّي أخاف قريشا على نفسي وليس بمكّة من بني عديّ أحد يحميني(1) ! فكيف انتقل من الشّجاع الذي يتحدّى قريشا في بطن مكّة إلى الشّخص الذي يخاف قريشا على نفسه وهو خارج مكّة، وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.

قال السيوطي: وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن المغيرة بن شعبة قال: كنا في غزاة فتقدّم رجل فقاتل حتّى قتل فقالوا: ألقى بيده إلى التّهلكة فكتب فيه غلى عمر فكتب عمر ليس كما قالوا هو من الذين قال الله في هم( وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ ) (2) .

أقول: هذه الآية لم يعمل بها عمر مرة واحدة في حياته.

ولأنّ سجلّ عمر الحربي خال من البطولات فإنّه تعيّن على محبيه أن يبحثوا له عن بطولات مع الملائكة والجنّ. أخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشّيطان عن ابن مسعود قال: خرج رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقيه الشّيطان فاتّخذا فاصطرعا فصرعه الذي من أصحاب محمّد، فقال الشيطان أرسلني أحدّثك حديثا فأرسله، قال: لا. فاتّخذ الثّانية فاصطرعا فصرعه الذي من أصحاب محمّد فقال: أرسلني فلأحدّثنّك حديثا يعجبك فأرسله فقال: حدّثني، قال: لا. فاتّخذ الثّالثة فصرعه الذي من أصحاب محمّد ثمّ جلس على صدره وأخذ بإبهامه يلوكها فقال أرسلني فقال: لا أرسلك حتّى تحدّثني، قال سورة البقرة فإنّه ليس من آية منها تقرأ في وسط الشّياطين إلاّ تفرّقوا، أو لا تقرأ في بيت في دخل ذلك البيت شيطان. قالوا: يا أبا عبد الرحمن فمن ذلك الرّجل؟ قال: فمن ترونه إلاّ عمر بن الخطّاب(3) .

____________________

(1) تفسير الثعالبيّ، ج 4، ص 176 وتفسير البغوي ج 1، ص 304.

(2) الدر المنثور، السيوطي، ج 1 ص 576.

(3) الدر المنثور، السيوطي، ج 1 ص 52.

١٦٧

أقول:

هذا عمر يصارع الجنّي ويتغلب عليه، ويتعلّم منه حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخصوص سور القرآن، وعليه فقد بدأت رواية الحديث في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروادها من الجنّ!

وعن أبي غطفان عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف أنت يا عمر إذا انتهى بك إلى الأرض فحفر لك ثلاثة أذرع وشبر ثم أتاك منكر ونكير أسودان يجران أشعارهما كأن أصواتهما الرعد القاصف، وكأن أعينهما البرق الخاطف، يحفران الأرض بانيابهما، فأجلساك فزعا فتلتلاك وتوهّلاك؟ قال: يا رسول الله وأنا يومئذ على ما أنا عليه؟ قال: نعم؛ قال أكفيكهما بإذن الله يا رسول الله(1) .!

أقول:

لقد كان على ما هو عليه آنذاك ومع ذلك فرّ من مرحب ورجع مع أصحابه يجبّنهم ويجبّنونه، وكان على ما هو عليه وفرّ يوم أحد ويوم حنين! يخشى اليهود الذين هم أحرص الناس على حياة، ويخشى المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث والنّشور ولا يخشى ملائكة غلاظا شدادا لا يعصون الله ما أمرهم! لعل منكرا ونكيرا أهون شأنا من مرحب والمشركين في نظر عمر بن الخطاب؟!. والعجيب أنّ عمر بن الخطّاب نفسه يروي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتعوذ من عذاب القبر؛ فقد روى البيهقي عن عمرو بن ميمون الأودي عن عمر بن الخطّاب أنه قال: سمعت رسول الله فوق المنبر يتعوذ من خمس اللهم إنّي أعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من سوء العمر وأعوذ بك فتنة الصدر وأعوذ بك من عذاب القبر(2) .

وعن محمد بن إسحاق عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قلت لأبي: من الرّجل الذي خلّصك من المشركين يوم ضربوك؟ قال: ذاك العاص بن وائل السهمي(3) .

____________________

(1) إثبات عذاب القبر، البيقهي ج 1 ص 81 حديث رقم 104.

(2) إثبات عذاب القبر، البيقهي، ج 1 ص 114.

(3) المعجم الكبير، الطبراني، ج 1 ص 72 رقم 83.

١٦٨

أقول:

كيف يصحّ أن يكون أعزّ الله به الإسلام وهو لا يخلص نفسه من ضرب المشركين إيّاه إلاّ بواسطة العاص بن وائل السّهميّ الذي سمّاه القرآن الكريم الأبتر؟

وعن عدي بن سهيل قال: لما استمدّ أهل الشّام عمر على أهل فلسطين استخلف عليّا وخرج ممدّا لهم فقال له علي: أين تخرج بنفسك؟ إنّك تريد عدوّا كلبا. فقال: إنّي أبادر بجهاد العدوّ موت العبّاس. إنّكم لو قد فقدتم العباس لا نتقض بكم الشرّ كما يتنقض الحبل. فمات العبّاس لستّ سنين خلت من إمارة عثمان فانتقض والله بالنّاس الشّرّ(1) .

أقول:

لا يخفى على من تتبّع سيرة عمر بن الخطّاب أن الإمام عليا عليه السلام إنّما نصحه بعدم الخروج لأنه يعرف سوابقه في أحد وحنين وخيبر، وجبنه يوم الأحزاب، وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خيبر في حقّ علي عليه السلام كرّار غير فرّار بعد فرار الرّجلين وبعد أن قيل في عمر يجبّهم ويجبّنونه. وأمّا قولهم انتقض بالنّاس الشرّ بعد وفاة العباس فتعتيم على الحقيقة، لأن الشّرّ انتقض بالنّاس يوم السّقيفة بشهادة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى الحاكم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطّاب لما فرض للناس فرض لعبد الله بن حنظلة ألفي درهم فأتاه حنظلة بابن أخ له ففرض له دون ذلك فقال له: يا أمير المؤمنين فضلت هذا الأنصاري على ابن أخي؟ فقال: نعم، لأني رأيت أباه يوم أحد يستن بسيفه كما يستن الجمل(2) .

أقول:

رآه عمر، ولكن على أية حال كان عمر حين رأى الرّجل يستنّ بسيفه كما يستنّ

____________________

(1) تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج 26 ص 372.

(2) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 205.

١٦٩

الجمل؟ محاربا أم متفرّجا؟! أمّا الشّواهد فتثبت أن عمر فر يوم أحد.

وعن أسامة بن زيد الليثي عن نافع أنه كان في سيف عمر بن الخطّاب الذي شهد به بدرا سبيكة أو سبيكتان من ذهب(1) .

أقول: لا عجب، لأنه سيف تحفة لا سيف جلاد.

وعن الشعبي عن مسروق قال: إنّ الشهداء ذكروا عند عمر بن الخطّاب قال فقال عمر للقوم: ما ترون الشهداء؟ قال القوم: يا أمير المؤمنين هم ممّن يقتل في هذه المغازي. قال فقال عمر عند ذلك: إن شهداء كم إذن لكثير إني أخبركم عن ذلك، إنّ الشّجاعة والجبن غرائز في النّاس يضعها الله حيث يشاء، فالشّجاع يقاتل من وراء لا يبالي أن لا يؤوب إلى أهله والجبان فارّ عن خليلته، ولكنّ الشّهيد من احتسب بنفسه والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده(2) .

أقول:

في قوله يضعها الله حيث يشاء مغالطة لا تخفى، ويستشعر منها سلب الإرادة عن المكلّف، وقد أمر الله تعالى عباده بالقتال والغلظة على الكفّار، ومدح الذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص، وذمّ الجبناء الذين يولّون الأدبار وتوعّدهم بالنّار، ولو لا أن الشّجاعة والجبن أمور قابلة للتّحوّل والتّغيّر شدّة وضعفا لما كان ذلك المدح وجيها ولا ذلك الذّم مقبولا. وكيف يضع الله غريزة الجبن في شخص ثم يذمّه عليها؟! أهكذا يكون فعل الحكيم؟

قال الطبري: ثمّ دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر بن الخطّاب ليبعثه إلى مكة في بلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول الله، إنّي أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدى بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها (!) ولكنّي أدلّك على رجل هو أعزّ بها منّي عثمان بن عفان فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عثمان فبعثه إلى

____________________

(1) الجامع في الحديث، عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، ج 2 ص 698 رقم 602..

(2) مصنف ابن أبي شيبة ج 4 ص 226 رقم 19519.

١٧٠

أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب وإنّما جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحرمته(1) .

أقول:

هذا عمر بن الخطاب نفسه يقول: (أدلّك على رجل هو أعزّ بها منّي عثمان بن عفان)، وهو اعتراف منه أن عثمان كان أعز منه، وعثمان فرّ من المعركة مسير ثلاثة أيام حتى قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمن معه: (لقد ذهبتم بها عريضة)، فكيف يقال بعد هذا إنّ عمر أعزّ الله به الإسلام، ولماذا لم يظهر عزّه حين دعاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليرسله إلى مكة؟

وعن أبي محمد مولى أبي قتادة أو أبا قتادة قال: لما كان يوم حنين... وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطّاب في الناس فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. ثم تراجع الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) .

أقول: ينهزم عمر يوم حنين ويدّعي أنه أمر الله وهو يعلم أنّ الله تعالى أمر بالثّبات ولم يأمر بالانهزام!

قال السيوطي: أخرج ابن عساكر عن عليّ قال: ما علمت أحدا هاجر إلا مختفيا إلا عمر بن الخطّاب فإنّه لما هم بالهجرة تقلّد سيفه وتنكّب قوسه وانتضى في يده أسهما وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها فطاف سبعا، ثمّ صلّى ركعتين عند المقام، ثمّ أتى حلقهم واحدة واحدة فقال: شاهت الوجوه من أراد أن تثكله أمّه وييتم ولده وترمّل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي، فما تبعه منهم أحد(3) !

أقول:

قد مرّ بك سابقا قوله يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي، وهو ما لا ينسجم مع ما أخرجه ابن عساكر؛ وحتى يقوّوا القصّة ويمرّروها بسلام نسبوا الرّواية إلى علي عليه السلام وهو أعلم الناس بجبن عمر.

____________________

(1) تاريخ الطبري، ج 2 ص 278.

(2) صحيح البخاريّ، ج 4 ص 1570. والبداية والنهاية، ج 4 ص 329.

(3) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 115.

١٧١

قال محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة: كان عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه يقدّم درجة الكسب على درجة الجهاد في قول: لأن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحبّ إليّ من أن أقتل مجاهدا في سبيل الله، لأنّ الله تعالى قدّم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين بقوله تعالى( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (1) .

أقول:

هذا استنباط سقيم، لأنّ الله تعالى حثّ على الجهاد وفضّل المجاهدين على القاعدين، وأخبر أنّه يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، وحسم المسألة في سورة التّوبة بقوله جلّ ذكره( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبّ إِلَيْكُم مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبّصُوا حَتّى‏ يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (2) . فمن كانت التّجارة أحبّ إليه من الجهاد فليتربّص.

قال ابن تيمية: كما أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه كتب إليه أبو عبيدة بن الجراح عام اليرموك يستنصره على الكفّار ويخبره أنّه قد نزل بهم جموع لا طاقة لهم بها، فلمّا وصل كتابه بكى النّاس وكان من أشدّهم عبد الرّحمن بن عوف وأشار علي عمر أن يخرج بالنّاس، فرأى عمر أنّ ذلك لا يمكن، وكتب إلى أبي عبيدة: مهما ينزل بامرئ مسلم من شدّة في نزلها بالله يجعل الله له فرجا ومخرجا؛ فإذا جاءك كتابي هذا فاستعن بالله وقاتلهم بأخبره أنه لا يمكنه أن يعاونه في هذه(3) .

قال تعالى:( الآنَ خَفّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِنكُم مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَينِ وَإِن يَكُن مِنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ ) (4) . وليت

____________________

(1) الكسب، محمد بن الحسن الشيباني، ج 1 ص 33.

(2) التوبة: 24.

(3) الرد على البكري، ابن تيمية، ج 1 ص 393.

(4) الأنفال: 66.

١٧٢

عمر بن الخطّاب أنزل شدّته بالله يوم خيبر ليجعل له فرجا ومخرجا!

قال ابن تيمية: ذكر أحمد أنّه كان لعمر بن الخطّاب سيف فيه سبائك من ذهب(1) .

أقول:

وما هي إنجازات السيف المذهّب؟!

قال ابن هشام: وكان ضرار بن الخطّاب لحق عمر بن الخطّاب يوم أحد فجعل يضربه بعرض الرّمح ويقول: انج يا ابن الخطّاب لا أقتلك! فكان عمر يعرفها له بعد الإسلام(2) !

أقول:

ومعنى هذا أنّ ضرار بن الخطّاب كان يلاحق عمر بن الخطّاب وعمر بن الخطّاب في حالة فرار، وبدل أن يقتله كما هو شأن غيره من المقاتلين سمح له بالنجاة! فكيف يقال بعد هذا إن الله تعالى أعزّ الإسلام بعمر؟ وأي عز يأتي على يد الفرّار؟! وللقارئ أن يتخيّل كهلا في سنّ عمر وطوله وهو يفرّ من عدوّ مشرك ولا يلوي على شيء! وانظر إلى هذا المؤرخ العظيم كيف هوّن من شأن الحادثة واكتفى بقوله فكان عمر يعرفها له بعد الإسلامرضي‌الله‌عنه ما! ومن يدري ما الذي كان يحدث بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو أن ضرار بن الخطاب قتل عمر بن الخطاب يومها.

عقائد عمر

أوّل ما ينبغي أن يلتفت إليه في مسألة العقائد هو ماضي الشّخص قبل إسلامه، فإنّ الماضي يلعب دورا مهمّا في تقبّل العقائد وترسيخها وهضمها على الوجه الصّحيح. ويكفينا لفهم ذلك تذكّر ما جرى للصّحابة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قصّة ذات أنواط؛ فقد جاء في سيرة ابن هشام أنّ الصّحابة خرجوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حنين وكانت

____________________

(1) شرح العمدة، ج 4 ص 311.

(2) سيرة ابن هشام، ج 2 ص 258.

١٧٣

لكفّار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كلّ سنة يعلّقون عليها أسلحتهم ويذبحون عندها يعكفون عندها يوما. يقول الصحابي الراوي: فرأينا يوما ونحن نسير مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شجرة عظيمة خضراء فسترتنا من جانب الطريق فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبر.. الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنّكم قوم تجهلون(1) .

أقول:

هذه الواقعة كانت في الطّريق إلى حنين، وغزوة حنين كانت بعد فتح مكة في السنّة الثامنة للهجرة، وقد كان مرّ على بعثة النّبيّ وابتداء نزول الوحي يومها عشرون سنة! وهذا يعني أن الذين كانوا حول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كانوا قد قاتلوا كثيرا وغيروا أسلوب حياتهم الشكلي إلا أنهم من ناحية المعتقد لم يحققوا تقدما يستحق الذّكر، بل أسوأ من ذلك أنهم راحوا يطلبون من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يشاركهم في التّشبّه بالمشركين. ومن هؤلاء الذين كانوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر بن الخطّاب العدوي. ولا أحد يستطيع أن ينكر أنّ عمر بن الخطاب عبد الأصنام مدة طويلة من حياته، حتى إنّه هو نفسه يحدّث بذلك؛ ومع الأسف فإن المحدّثين والمفسرين كأنّما أخذوا على أنفسهم أن يئدوا الأخبار الواردة في ذلك كما وأد عمر ابنته. ومع ذلك فقد أفلتت منهم قصص ووقائع تسمح باستشفاف ما كان يجري هناك. أورد العقّاد في كتابه عبقرية عمر أنّ عمر قال: (كنّا في الجاهلية، نصنع صنما من العجوة فنعبده، ثمّ نأكله). ولأنّ الشّرك أمر عظيم فقد وصف الله تعالى المتلبسين به بأبشع الأوصاف فقال( إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ، فالمشرك حال شركه نجس، وهذا هو المعروف لدى الفقهاء، وعليه يكون عمر بن الخطّاب أيام شركه نجسا، ثمّ طهره الإسلام في ما بعد؛ فالذين

____________________

(1) السيرة النبوية، ابن هشام، ج 4 ص 86.

١٧٤

ينسبون إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال (لو لم أبعث في كم لبعث عمر) إنّما يفترون على الله الكذب، ويسيئون معه الأدب، لأنهم يعنون بذلك أنّ الله تعالى قد يبعث نبيّا من قضى عشرات السّنين في نجاسة الجاهليّة وكان هو نفسه نجسا كما يقتضي سياق الآية( إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) !

قال السيوطي: أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عمر بن الخطّاب: أنّه خطب بالجابية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له فقال له فتى بين يديه كلمة بالفارسية فقال عمر لمترجم يترجم له: ما يقول؟ قال: يزعم أن الله لا يضلّ أحدا. فقال عمر: كذبت يا عدوّ الله! بل الله خلقك وهو أضلّك وهو يدخلك النّار إن شاء الله، ولو لا ولث عقد لضربت عنقك! فتفرّق الناس وما يختلفون في القدر والله أعلم(1) .

أقول:

إن صحّ الخبر فإنّ الفتى ذهب إلى غير ما يذهب إليه عمر، فإنّ الإضلال ابتداء لا يجوز على الله سبحانه وتعالى، وفي سورة الفاتحة قوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضّالين ولم يقل المضلّلين. وأما الإضلال بمعنى الجزاء فلا إشكال فيه، ومجرّد خذلانه إيّاهم إضلال لهم هو عدل لا ظلم فيه. وقد قال تعالى( وَمَا كُنتُ مُتّخِذَ الْمُضِلّينَ عَضُداً ) فكيف يكون مضلاّ. ومن أسمائه تعالى الهادي، وفي كلام عمر سوء أدب عند قوله يدخلك النّار إن شاء الله، وموقف عمر ممّن يتكلم بالفارسيّة معلوم، فقد قال في ما قال: وددت أن بيني وبين هذه الحمراء جبلا من نار. وقد أكمل الراوي وضع اللمسات الأخير على روايته بقوله: فتفرّق الناس وما يختلفون في القدر!

قال الشّوكانيّ: وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشّعب عنه نحوه بأطول منه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطّاب أنه قال وهو يطوف بالبيت: اللهمّ إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه فإنّك تمحو ما تشاء

____________________

(1) الدر المنثور، السيوطي، ج 3 ص 619.

١٧٥

وتثبت وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة(1) .

أقول:

وهذا حين يقول بمثله أتباع أهل البيت عليهم السلام ينسبون بسببه إلى الكفر، ويقال عنهم إنّهم ينسبون الجهل إلى الله سبحانه وتعالى، لكن عندما يقوله عمر يصبح دينا غير قابل للنّقاش، مع أنّ المقول واحد وحكم الأمثال واحد!

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطّاب أنه قال: اللّهم اغفر لي ظلمي وكفري فقال قائل: يا أمير المؤمنين هذا الظّلم فما بال الكفر؟ قال: إنّ الإنسان لظلوم كفار(2) .

أقول:

لا شك أنّ عمر بن الخطّاب يعلم أنّ الله لا يغفر الكفر حال التلبّس به، وأما بعد تركه فالإسلام يجبّ ما قبله ولا معنى حينئذ لطلب المغفرة بخصوصه!.

وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق ابن عبّاس أن عمر بن الخطّاب قال: كنت أتأوّل هذه الآية( وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (3) فو الله إن كنت لأظنّ أنّه سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها وأنّه هو الّذي حملني على أن قلت ما قلت(4) .

هذا مبلغ فهم عمر بن الخطّاب للقرآن الكريم، وهذا معتقده في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقرآن الكريم يهتف:( كُلّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) .

ألم يقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم عرفة يوشك أن أدعى فأجيب؟ ألم يقل يومها لعلّي لا ألقاكم بعد يومي هذا؟ ألم يقل إنه لم يكن نبي إلاّ عمّر...؟).

ورووا أن عمر بن الخطّاب لما سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يناديهم فقال: يا رسول الله تناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون؟ يقول الله إنك لا تسمع الموتى فقال: والذي نفسي بيده ما

____________________

(1) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج 3 ص 126.

(2) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج 3 ص 157.

(3) البقرة: 143.

(4) قاله السيوطي في الدر المنثور، ج 2 ص 337.

١٧٦

أنتم بأسمع منهم ولكنهم لا يطيقون أن يجيبوا(1) . وأمّا البخاري فقد روى القصة عن ابن عمر بالبناء للمجهول، مع أن البقية صرّحوا باسم عمر وأنه هو القائل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وفي هذا تفنيد لمزاعم الوهابية الذين يدّعون أن كل من خرج من هذه الدنيا حجب عن السمع والمشاهدة.

وفي هذا الباب أيضا أورد الصنعاني في تفسيره أن عمر بن الخطّاب قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف يسمع يا نبي الله قوم أموات؟ قال النبي: ما أنتم بأعلم بما أقول منهم. أي أنّهم قد رأوا أمالهم(2) .

وعن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدرك عمر بن الخطّاب وهو يسير في ركب وهو يحلف بأبيه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت(3) .

أقول:

يحلف بالخطّاب وهو يعلم أنّه مات على الكفر.

وقال عمر - في قصة صلح الحديبية -: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ(4) .

أقول:

هذا عمر يشهد على نفسه بالشك. فإمّا أن يكون شكّ في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإما أن يكون شكّ في وعد الله تعالى. وهو في كلا الأمرين على خطر عظيم.

____________________

(1) مسند أحم بن حنبل ج 3 ص 287. ومسند الطيالسي ج 1 ص 9 ودلائل النبوة ج 3 ص 48 والدر المنثور ج 6 ص 500 وفتح القدير، ج 4 ص 331.

(2) تفسير الصنعاني، ج 2 ص 254.

(3) صحيح البخاري ج 5 ص 2265 وصحيح البخاري ج 6 ص 2449 وصحيح مسلم ج 3 ص 1266 وصحيح مسلم ج 3 ص 1267 وصحيح ابن حبان ج 10 ص 201.

(4) صحيح ابن حبان ج 11 ص 224 ومصنف عبد الرزاق ج 5 ص 339 والمعجم الكبير ج 20 ص 14 وتاريخ مدينة دمشق ج 57 ص 229 وتاريخ الإسلام ج 2 ص 371.

١٧٧

مع أهل الكتاب

هل أعرض عمر عن التّوراة وعن أهل الكتاب بعد أن نهاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو مذكور في صحيح البخاري وغيره؟

الواقع يوقفنا على خلاف ذلك. فإنّه بعد وصول عمر إلى الخلافة، وجد أهل الكتاب منفذا إلى شؤون المسلمين عن طريق كعب الأحبار خاصّة، وآخرين من أمثال وهب بن منبه وتميم الدّاريّ وزيد بن ثابت..

جاء في تاريخ المدينة: عن ابن شهاب قال: أوّل من قصّ في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تميم الدّاريّ: استأذن عمررضي‌الله‌عنه أن يذكر الله مرّة فأبى عليه، ثمّ استأذن أخرى، فأبى عليه، حتّى كان آخر ولايته، فأذن له أن يذكر يوم الجمعة قبل أن يخرج عمر. فاستأذن تميم في ذلك عثمان بن عفان فأذن له أن يذكر يومين من جمعة(1) .

هذا في ما يخصّ الدّاريّ. أمّا كعب الأحبار فقد كان حرّا مطلق اليد يتحدّث بما شاء متى شاء ولا أحد يعترض عليه، لأنّه كان محميّا من طرف الدّولة - حصانة دبلوماسيّة باللّسان المعاصر - وإن كان عمر قد تنبّه إلى خطورة ذلك في وقت معيّن حينما بالغ كعب وتجاوز الحدّ المسموح به، فنهاه عن الإكثار من الحديث عن الأوّل الكتاب الأوّل والواقع أنّه حدث ذلك بعد أن بثّ كعب ما أراد من الخرافات والأساطير، وأعانه في ذلك آخرون اصبحوا تلامذة له، من أمثال أبي هريرة، وعبد اللهبن عمرو بن العاص، في وقت كانت الدّولة قد منعت كتابة ورواية الحديث النبويّ الشّريف!! ولقد كان كعب ذكيّا في تمرير افتراءاته حتّى قال بعض أهل العلم ممن أخذ عن أبي هريرة كما ينقل ابن كثير: اتّقوا الله وتحفّظوا في الحديث فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة في حدّث عن رسول الله ويحدّث عن كعب الأحبار، ثمّ يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كعب وحديث كعب عن

____________________

(1) تاريخ المدينة ابن شبّة النّميريّ، ج 1 ص 11.

١٧٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وفي لفظ يجعل ما قاله كعب عن رسول الله وما قاله رسول الله عن كعب. فاتّقوا الله وتحفّظوا في الحديث(1) .

لم يكن كعب الأحبار قد رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو سمع منه، لكنّه مع ذلك أصبح من أكثر النّاس رواية، ومن طبقة عالية بحيث يروي عنه صحابة من أمثال أبي هريرة وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر. وقد صار في ما بعد المستشار أن يشير إليه بتهمة على الدّين، لأنّ إشاراته وتوجيهاته كانت دائما متناغمة مع هوى الموجودين في السّلطة، المدعومين من طرف حاربوا الإسلام بكلّ ما استطاعوا ولم يدخلوا فيه إلاّ مكرهين؛ والذين تبرّموا بأبي ذرّ حينما صدع بفضح كعب على مرأى ومسمع من الملإ قائلا له في مجلس عثمان: يا بن اليهوديّين...، فو الله ما خرجت اليهودية من قلبك! ووقفت السّلطة إلى جنب كعب الأحبار، ودفع أبوذرّ ثمن ذلك. إنّ كعب الأحبار لم يكن ليصل غلى هذا المقام لو لا ما كان له من الوجاهة في حياة عمر، مع أنّه لم يكن أحد من المسلمين يجهل يهوديّته، ولو كان قد اعتنق الإسلام فعلا كما كان يزعم لتخلّى عن التّوراة المحرّفة، لكنّه لم يكتف بالبقاء عليها، بل فتح على النّاس منها سيلا لا تزال آثاره إلى اليوم. وهل نال كعب ذلك المقام إلاّ بدعواه العلم بما في الكتاب الأوّل؟ هذا مع العلم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدع فيهم قائلا: أنا مدينة العلم وعليّ بابها. عليّ الذي أشير غليه في القرءان الكريم بقوله تعالى( مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ، ألم يكن لديه ما يغني عن إسرائيليات كعب؟ إنّهم لم يكونوا يتوجّهون إلى باب مدينة العلم إلاّ عند الضّرورة الملحّة حيث لا يغني عنهم كعبهم شيئا!!

لم يتخلّ عمر عن اعتقاده بالتّوراة الموجودة عند اليهود، وقد أخبره كعب يوما أنّه يجده فيها، فسأله عمر: تجدني فيها باسمي؟ فقال لا ولكن بصفتك. ولعلّه بهذا القول يريد أن يوهم بشرعيّة خلافة عمر. وبما أنّ القرءان الكريم يصرّح بوجود اسم

____________________

(1) البداية والنهاية ابن كثير، ج 8 ص 109.

١٧٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفاته:( النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّورَاةِ... ) فلم تأخّر كعب ولم يسلم على عهد رسول الله؟ ألا يكون كلام كعب منطويا على شيء من الكيد اليهودي؟

ومن حقّ المسلم أن يتساءل عن سرّ موافقة اعتقادات المسلمين لاعتقادات أهل الكتاب في ما يخصّ التّوحيد بأقسامه، وعصمة الأنبياء والقيامة، وأشياء من هذا القبيل ممّا يتعارض قطعا مع ما جاء به القرءان الكريم. ومن المهمّ أيضا أن يدرك كيف تسرّب التيّار المشكّك الذي يستند إلى الآيات المتشابهات، ونقل أخبار الكتاب الأوّل على لسان أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر، ويتساءل عن مدى شرعيّة وجود تميم الدّاريّ وكعب الأحبار في حاضرة الخلافة الإسلاميّة وهما يرويان من الإسرائيليّات ما يروق لهما في المسجد النّبوي نفسه، بينما كان الحصار الفكريّ مضروبا على أهل بدر وأحد يمنعهم من رواية الحديث. وعلى كلّ حال هذا أمر لا يتمّ إلاّ في ظل تحرّر فكريّ من التعصّب المقيت، وصمود في وجه المتلبّسين بالدّين الذين يدافعون عن اليهوديّة المحرّفة المتستّرة بلباس الإسلام.

وقد فضح العلم كثيرا من مرويّات كعب الأحبار، وهذا وحده كاف للتّنبّه لخطر هذا اليهوديّ على تراث المسلمين، وكفيل بتوجيه الباحثين والمحققين إلى إعادة النّظر فيه بصورة موضوعيّة نزيهة.

لقد كان كعب يحضر مجالس يكون فيها تلميذه أبو هريرة، فربّما حدّث أبو هريرة بشيء ينفرد به، فيسارع كعب الأحبار غلى تصديقه ولا ينكر عليه أحد، وليس بأيدينا اليوم استنكارات صارمة متوجّهة إليه سوى ما كان من أبي ذرّ الذي لا تأخذه في الله لومة لائم بشهادة الفريقين. ولو كان كعب مؤتمنا على الدّين لما واجهه أبو ذرّ رضي الله تعالى عنه بتلك الطّريقة. والمتمعّن في الموقف يفهم من سلوك أبي ذرّرضي‌الله‌عنه خطابا تحذيريّا موجّها إلى المسلمين ينبّههم فيه إلى مسألتين اثنتين، أولاهما انحراف الدّولة حيث أصبح اليهوديّ لديها مكينا أمينا، والثّانية تتمثّل في وجود تيّار تخريبيّ

١٨٠