الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب0%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبدالباقي قرنة الجزائري
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: الصفحات: 564
المشاهدات: 79684
تحميل: 5199

توضيحات:

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79684 / تحميل: 5199
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يعمل على تحريف القرءان تفسيرا وتأويلا بإذن من الدّولة! لأنّ كعبا لم يشهد نزول آية واحدة من الذّكر الحكيم، ولم يكن له صلة بعترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عدل القرآن - لا من قريب ولا من بعيد. فمن أين له التّفسير والفتوى؟! وقد غضب عثمان على أبي ذرّ لأنّه وقف ضدّ التّحريف، وكان أولى به أن ينتهر كعبا، لتقوّله بلا علم وتقدّمه على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكنّ ذلك لا يتناسب مع سياسته الطّبقة الحاكمة وأهدافها.

إنّ مجرّد وصول هذه الحادثة إلينا عن طريق كتب المخالفين لأهل البيت عليهم السلام هو بنفسه آية لمن تدبّر، فإنّ السّلطة الحاكمة آنذاك كانت تمارس التّرغيب والتّرهيب، ولا تتردّد في معاقبة من تسوّل له نفسه إبداء رأي مخالف للرّأي الرّسميّ ولو كان قد تلقّاه من فم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تطوّرت المسألة أكثر في زمن معاوية بحيث مورست رقابة لم يسبق لها مثيل ووضعت أحاديث وأخبار قصد من ورائها إفراغ الدّين من محتواه، حتّى وصلت الخلافة إلى المستهترين والمعربدين، وحكم في الأمّة أراذلها وأوباشها وهي نتيجة منطقيّة لسلوك الدّولة تجاه السّنّة النّبويّة في ظلّ حكم عثمان وقبله وبعده، باستثناء فترة حكم الإمام علي عليه السلام التي تميّزت بالاضطرابات والقلاقل.

عاش كعب الأحبار اليهوديّ عمرا طويلا لم ير فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا قدّم للإسلام والمسلمين شيئا غير المؤامرات والدّسّ، وقد فرّ إلى حمص لأنّه كان متّهما بالمشاركة في مؤامرة قتل عمر، وبقي بها حتى هدأت الأمور ثمّ رجع ليكون من أصحاب عثمان المقرّبين، ثمّ عاد ثانية إلى حمص عندما بدأت الفتنة، وبقي إلى أن مات، كما في هامش الكامل لابن عدي(1) . ومع ذلك لم يتلقّ أذى ولا ضيّق عليه؛ بل كان ينعم بمقام عند الخلفاء لا يحلم به كثير من المهاجرين والأنصار. وعاش أبو ذرّ - وهو من أوائل المسلمين - مسيرا من بلد إلى بلد، وانتهى به الأمر إلى أن يموت منفيّا بالرّبذة.

____________________

(1) الكامل ابن عديّ، ج 1 ص 48.

١٨١

صحابي شهد مع رسول الله المشاهد كلّها على ضعف بدنه، وشبّهه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعيسى بن مريم في ورعه، كان مثالا في الورع والتّقوى والدّفاع عن حقوق المظلومين والمستضعفين ينتهي به الأمر إلى النّفي، لأنّه رفض أن يملي اليهود على المسلمين دينهم، ولأنّه لم يهب أن يقول للحاكم (لا) عندما انحرف الحاكم محييا سيرة الجاهليّة. مثل هذا الصّحابيّ هو الذي يستحقّ أن يدافع عنه، ويغار على حرمته، ويتأسّى به في فعل الخيرات. فهل أنصفه المسلمون حينما همّشوه ورضوا له ما لقيه من عنت الحكّام، والتمسوا لليهوديّ ومقرّبيه المعاذير في تصويب أعمالهم وتوجيهها؟

وعن أم بكر بنت المسور أن عمر بن الخطّاب قال لو كان مسجد قباء في أفق من الآفاق لضربنا إليه أكباد الإبل(1) .

أقول:

هذا موقف عمر بن الخطاب من التبرّك، فعلى ابن تيمية وابن عبد الوهاب أن يحدّدا موقفهما منه ولا ينبغي أن تأخذهما في الله لومة لائم. فإنّ مسجد قباء ليس من المساجد التي تشد لها الرحال وتضرب لها آباط الإبل. وقد قال عمر (لو كان مسجد قباء في أفق من الآفاق..) ولا يخفى ما في هذه العبارات من إرادة بعد المسافة.

قال السيوطي: أخرج الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عمر بن الخطّاب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أذنب آدم بالذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال أسألك بحقّ محمّد إلا غفرت لي، فأوحى الله إليه ومن محمّد؟ فقال تبارك اسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنّه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك. فأوحى الله إليه يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك ولو لا هو ما خلقتك(2) .

____________________

(1) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج 1 ص 245.

(2) الدر المنثور، السيوطي، ج 1 ص 142.

١٨٢

أقول:

مادام عمر بن الخطاب نفسه يروي هذا فهل تعامل مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا المنطلق؟

قالوا: وقد جاء أنه لما ماتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنكر عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه موته حتى احتج عليه أبوبكر الصديق بهذه الآية (إنك ميت..) فرجع إليها(1) .

أقول:

ومع ذلك يعدّونه في المفسّرين.

قال السيوطي: وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وهناد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطّاب أنّه انقطع شسعه فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون فقيل له مالك؟ فقال: انقطع شسعي فساءني، وما ساءك فهو لك مصيبة(2) .

أقول:

هذا معنى المصيبة عند عمر بن الخطّاب. إذا انقطع شسع النعل فهي مصيبة، وإذا انكسر القلم فهي مصيبة أيضا، وإذا انثقبت عجلة السيارة السيارة فهي مصيبة، وكذلك الشأن بالنسبة لأزرار القميص..، فنحن بحمد الله تعالى في مصائب متجدّدة حسب رأي عمر بن الخطاب.

قال الآلوسيّ: أخرج عبد بن حميد وغيره عن عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه أنه سمع رجلا يقرأ هل أتى على الإنسان شيء من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فقال: (ليتها تمّت)(3) .

أقول:

وهذا معناه أنّ عمر يتمنّى لو لم يكن هناك رسالات ولا عبادة ولا جنّة ولا نار،

____________________

(1) التسهيل لعلوم التنزيل، الغرناطي الكلبي، ج 3 ص 195.

(2) الدر المنثور، السيوطي، ج 1 ص 380.

(3) روح المعاني، الآلوسيّ، ج 29 ص 151.

١٨٣

وهذا لا ينسجم مع قوله تعالى( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالْإِنسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ ) . ولا يختلف العقلاء في أنّ الوجود خير من العدم، لكنّ عمر يرى غير ذلك! وإذا أضيف هذا القول إلى أقوال عمر الأخرى (ليتني كنت كبش أهلي، وليتني كنت هذه التّبنة! يتبيّن أنّ عمر بن الخطّاب لم يسمع بحديث العشرة المبشّرين، وأن هذا الحديث قد اختلق بعده بزمان.

قال ابن الجوزي: وعن عبد الله بن مغفل قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الشّجرة يبايع النّاس وإنّي لأرفع أغصانها عن رأسه وقال بكير بن الأشج كانت الشجرة بفجّ نحو مكّة. قال نافع: كان النّاس يأتون تلك الشّجرة فيصلّون عندها، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فأوعدهم فيها وأمر بها فقطعت(1) .

أقول:

هل خاف عمر على الصّحابة الشّرك لأنّهم كانوا يتّبركون بالصّلاة عند الشّجرة التي بايعوا رسول الله تحتها؟

المقطع الأخير من الكلام ليس لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما هو من استنباط الصنعاني ولا دليل عليه من كلام رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورسول الله أجلّ من أن يجيب بما لا علاقة له بالسؤال، ورؤية الأعمال لا تحتاج إلى سؤال عند من قرأ قوله تعالى( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) .

قال النّحاس: وقال خالد: سمع عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه رجلا يقول:

(يا ذا القرنين)، فقال عمر: اللهمّ غفرا أما رضيتم أن تسمّوا بالنبيين حتّى تسمّيتم بالملائكة(2) .

أقول:

المعلوم أنّ ذا القرنين المذكور في سورة الكهف بشر ولم يكن من الملائكة. ولعلّ

____________________

(1) زاد المسير، ابن الجوزي، ج 7 ص 434.

(2) معاني القرآن، ج 4 ص 284.

١٨٤

قراءة عمر لتوراة أثّرت عليه

وروى عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث أن عاملا لعمر بن الخطّاب كتب إليه أن ناسا من السامرة يقرؤون التوراة ويسبتون السبت ولا يؤمنون بالبعث فما ترى فكتب إليه عمر أنهم طائفة من أهل الكتاب(1) .

وفي كتاب الناسخ والمنسوخ: قال عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي فقلت ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أوليس كنت قد وعدتنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال لا! قال فإنك تأتيه وتطوف به. قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيّها الرّجل إنّه رسول الله وليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه حتى تموت، فو الله إنّه لعلى الحقّ. قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال بلى؛ أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قال لا! قال فإنّك آتيه وتطوف به. قال الزّهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا(2) .

ههنا لا يقتنع بكلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يمضي إلى أبي بكر، ثم هو بقوله والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ يعترف ويقرّ أنّه شكّ في الإسلام.

وهذه قصة رويت بصيغ متعددة تكشف عنة موقف عمر من التسمي بأسماء الأنبياء. عن زيد بن أسلم عن أبيه قال جاءت أم ولد لابن عمر بن الخطّاب إلى عمر فقالت: أكسني! فقال: من سيدك لا يكسوك؟! قالت: أبو عيسى. قال: أبو عيسى؟! قال أسلم فقيل لي اذهب وادعه ولا تخبره لم تدعوه وقد كان يقول لنا إذا أرسلتكم إلى أحد تدعونه فلا تخبروه لم أدعوه فإنّ الشيطان يعلّمه كذبة فيأتيني بها. فجئته فدعوته فقال:

____________________

(1) أحكام القرآن، الجصاص، ج 3 ص 321.

(2) الناسخ والمنسوخ، النحاس، ج 1 ص 723.

١٨٥

لم تدعوني؟ قال: لا أدري. قال: فأقبل معي وجعل يسألني وأنا أخبره حتى جئنا الباب وقد وجدت له دجاجا عظيما قال وأعطاني منهنّ دجاجة على أن أخبره فأخبرته؛ قال: ودخلت ودخل في أثري قال: أخبرك لم أرسلت إليك؟ قال: نعم. قال: ودعاني فجمع يدي في يده اليسرى ثم جعل يضربني بالدّرّة وجعلت أنزوي! قال أسلم ويقول إنه لحديد. قال ثم أرسلني وقال: والله إنّكم تحملوني على أنفسكم وأنا كاره ثم قام إلى ابنه فلوا أراده في عنقه ثم جعل يضربه بالدرة حتى فتر فقال هل تدري ما أسماء العرب لا أمّ لك؟ عامر وعويمر ومالك وصرما ومويلك وسررة ومرّة! ثمّ جعل يضربه ويقول له ذلك هل تدري ما أسماء العرب؟ ثمّ يردّد عليه ذلك مثل مقالته الأولى مرتين أو ثلاثا ثم قال دع عنك عيسى فإنّا والله ما نعلم لعيسى أبا(1) .

وقال الحافظ ضياء الدين المقدسي في (المختارة): وعن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه ضرب ابنا له تكنى أبا عيسى وأنّ المغيرة بن شعبة تكنّى بأبي عيسى فقال له عمر: أما يكفيك أن تكنّى بأبي عبد الله؟ فقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّاني. فقال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (!) وإنّا في جلجتنا! فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك. كذا رواه أبو داود في سننه وهو بمسند المغيرة بن شعبة أشبه لكن بعضهم أخرجه في مسند عمر بن الخطّاب وقد رواه حبيب الشهيد عن زبد بن أسلم إسناده صحيح(2) .

وروى الحاكم القصّة نفسها عن حاد بن سلمة عن زيد بن أسلم أن رجلا جاء فنادى يستأذن أبو عيسى على أمير المؤمنين عمر. فقال عمر: ومن أبو عيسى؟ قال المغيرة بن شعبة: أنا. فقال عمر: وهل لعيسى من أب؟ أما في كنى العرب ما تكتنون بها أبو عبد الله وأبو عبد الرحمن؟ فقال رجل: أشهد لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنى بها المغيرة. فقال عمر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا في خلج ما

____________________

(1) الجامع في الحديث، عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، ج 1 ص 112.

(2) الأحاديث المختارة، ضياء الدين المقدسي، ج 1 ص 178.

١٨٦

ندري ما يفعل بنا فكنّاه بأبي عبد الله(1) .

أقول:

ماذا يقصد عمر بقوله (إنّ النّبيّ قد غفر له ما تقدّم من ذنبه)؟ هل يقصد أنّه ما كان ينبغي للنّبيّ أن يسمّي أحدا بأسماء الأنبياء؟ إذا فعمر يعلّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ينبغي وما لا ينبغي في الإسلام! ولماذا لم يقله للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته؟ لماذا لم يقل له. (لا ينبغي لك يا رسول الله أن تسمي الناس بأسماء الأنبياء)؟! أوليس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول من سنّ للمسلمين هذه السنّة حين سمى ابنه عليه السلام إبراهيم؟! ألا تكون فكرة عمر هذه من وحي كعب الأحبار اليهودي؟!.

وروى ابن عساكر عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب قال لابنه عبد الرحمن: ما أبو عيسى؟ قال: يا أمير المؤمنين اكتنى بها المغيرة بن شعبة على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) .

قال ابن الأثير: ومنه حديث أسلم أنّ المغيرة بن شعبة تكنّى أبا عيسى فقال له عمر: أما يكفيك أن تكنّى بأبي عبد الله؟ فقال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّاني أبا عيسى فقال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر وإنا بعد في جلجتنا! فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك(3) .

نسخ عمر فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال كلاما لا يصحّ في مقابل قوله تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً)

وروى الطبراني عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس أن عمر خرج يستسقي وخرج بالعباس معه يستسقي فيقول اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توسلنا إليك بنبينا عليه السلام وإنا نتوسل إليك بعم نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (4) .

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 509 رقم 5896.

(2) تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج 60 ص 20.

(3) النهاية في غريب الأثر، ابن الاثير، ج 1 ص 785 ولسان العرب ج 2 ص 224.

(4) المعجم الكبير، الطبراني، ج 1 ص 72 رقم 84.

١٨٧

أقول:

يوهم عمر بن الخطّاب المسلمين أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد فقد مقامه بخروجه من الدّنيا، والحال عكس ما يقول، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخروجه من الدّنيا تخلّص من كدوراتها، وخسر المسلمون وجوده بدليل قوله تعالى( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ، ولعلّ عقائد ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهاب مبنيّة على تصرفات عمر. وقد كان الصّحابة يخالفون عمر في مسألة التّبرّك والتّوسّل بشهادة أحاديث رواها كل من أبي أيوب الأنصاري وعائشة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهما. ومن زعم أنّ مقام العباس بن عبد المطّلب في دار الدّنيا أعظم لدى الله تعالى من مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مليك مقتدر فقد ضلّ سواء السبيل. ثمّ ما دام عمر أفضل من العبّاس في التّرتيب - ثاني الخلفاء وثاني المبشرين بالجنة - فلماذا لا يتوسّلون به هو؟

والحقّ أنّ عمر يعلم أنّ للعبّاس جاهليّة وربا، وأنه ليس من المطهّرين بنص الكتاب الكريم، ويعلم أيضا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهل بعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ولم يباهل بالعبّاس، ومع ذلك يستسقي بالعبّاس لأنّه يريد أن يغيّب عصمة وطهارة أهل البيت عليهم السّلام. ومع هذا فإنّني لا أستبعد أن يكون هذا الحديث ممّا وضع في أيّام الدّولة العباسية، فإنّ الحكّام العبّاسيّين يهتمّون لكلّ رواية في فضل جدّهم العباس يعتّمون بها على أهل البيت عليهم السلام وحقّهم الشرعيّ.

وعن محمد بن جعفر قال أخبرني زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه قال للركن: أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولو لا أني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استلمك ما استلمتك فاستلمه ثم قال: فما لنا والرمل؟ إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله، ثم قال: شيء صنعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا نحبّ أن نتركه(1) .

____________________

(1) صحيح البخاريّ، ج 2 ص 161.

١٨٨

أقول:

قوله للركن أما والله إني لأعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع لو قاله للصّنم أيّام كان ينحني له لكان أبلغ وأصوب.

عن طاووس قال كان عمر يقبل الحجر ثم يسجد عليه ثلاث مرات ويقول لو لا أني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبلك ما قبلت(1) .

أقول:

هذا شأن كل المسلمين؛ كل مسلم يقبل الحجر لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبله، وكل مسلم يصلي الظّهر أربعا لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاها كذلك، فأين الخصوصية لعمر في قوله لو لا أني....

وفي سنن البيهقيّ عن محمّد بن مسلم بن خباب قال: جاء أنس بن مالك فقعد مكانك فقال: تدرون ما هذا العود؟ قلنا: لا. قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا قام إلى الصّلاة أخذه بيمينه فقال: اعتدلوا سووا صفوفكم فلمّا هدم المسجد فقد، فالتمسه عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه فوجده قد أخذه بنو عمرو بن عوف فجعلوه في مسجدهم فأخذه فأعاده.

لماذا أخذه بنو عمرو بن عوف؟ ولماذا أعاده عمر؟ وإذا كان الركن لا يضرّ ولا ينفع فمن باب أولى أن يكون العود المذكور لا يضر ولا ينفع، فلماذا حرص عمر على إعادته؟

قال السّيوطي: وأخرج (ابن سعد) عن معمر عن ليث بن أبي سليم أن عمر بن الخطّاب قال لا تسمّوا الحكم ولا أبا الحكم فإن الله هو الحكم ولا تسموا الطّريق السكة.

____________________

(1) كنز العمال ج 5 ص 69 رقم 12515.

١٨٩

أقول:

فإن الله تعالى يقول( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا .. ) (1) . وهو يتحدّث عن بشر لا غير! وكان في معاصري رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل من بني أمية اسمه الحكم، وهو والد مروان بن الحكم، وقد لعنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطرده من المدينة ولم يأمر بتغيير اسمه، فكيف يلعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب هذا الاسم إن صحّ ما يقوله عمر؟ ولا زالت إيحاءات كعب الأحبار تؤثر على عقائد عمر حتى انفرد بأمور تدعو إلى العجب.

وقال الرازي في ترجمة مسروق بن الأجدع بن مالك: يقال إن عمر بن الخطّاب غيّر اسم أبيه وسمّاه عبد الرحمن(2) .

أقول:

إنّ عمر مولع باسم عبد الرحمن ولذلك سمى ثلاثة من أولاده عبد الرّحمن ولم يسمّ أحدا منهم محمّدا ولا عليّا، وكان أمين سرّه عبد الرحمن بن عوف، وأوصى عمرو بن العاص بعبد الرحمن بن ملجم..

قال البخاريّ: عاصم بن عدي أخي بني العجلان سمع عبد الرحمن بن يزيد بن جارية أخا بني عمرو بن عوف وكان إمام مسجد قومه كان عمر يأتي مسجدنا هذا وكان أدركه وعقل زمانه كلّه وقال: اعمروا مسجدكم فو الذي نفس عمر بيده لو كان ببعض الآفاق لضربنا إليه أكباد الإبل(3) .

أقول:

يعني بمسجد قومه مسجد قباء كما أشار إليه المفسرون، وكلام عمر السّابق يعارض ما استنبطه ابن تيمية من حديث (شدّ الرحال)، فإنّ مسجد قباء ليس من المساجد

____________________

(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 142.

(2) التعديل والتجريح، الرازي، ج 2، ص 747 رقم 685.

(3) التاريخ الكبير، البخاريّ، ج 1 ص 401.

١٩٠

الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال، وقد عبّر عمر بن الخطّاب بعبارة شديدة الوقع على سمع ابن تيمية حيث قال لضربنا إليه أكباد الإبل.

قال ابن تيمية:

وأما ما فعله بحكم الاتّفاق ولم يقصده مثل أن ينزل بمكان ويصلّي فيه لكونه نزله لا قصدا لتخصيصه به بالصّلاة والنّزول فيه فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصّلاة فيه أو النّزول لم نكن متّبعين بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطّاب، كما ثبت بالإسناد الصّحيح من حديث شعبة عن سليمان التّيمي عن المعروف بن سويد قال: كان عمر بن الخطّاب في سفر فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه فيقولون: صلّى فيه النّبيّ، فقال عمر: إنّما هلك أهل الكتاب أنّهم اتبعوا آثار أنبيائهم فاتّخذوها كنائس وبيعا فمن عرضت له الصّلاة فليصلّ وإلاّ فليمض(1) .

أقول: مكان صلى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حقّ النّاس أن يعتبروه مباركا ويصلّوا فيه تبرّكا وتيمّنا؛ وإذا كان عمر بن الخطّاب صادقا في قوله فلماذا أصرّ على أن يدفن في نفس المكان الذي دفن فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الذي يشنّع على الناس أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم؟ كان المفروض أن يدفن في البقيع أو في بيته لا أن يتبع لا أن يتبع أثر نبيّه. على أن الله تعالى يقول:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً ) ولم يقل (لقد كان لكم في عمر بن الخطاب...).

قال ابن تيمية: ولما ظهر قبر دانيال بتستر كتب فيه أبو موسى إلى عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه ، فكتب إليه عمر: (إذا كان بالنّهار فاحفر ثلاثة عشر قبرا ثم أدفنه بالليل في واحد منها وعفّر قبره لئلا يفتتن به الناس)(2) .

أقول:

ذهب عمر بن الخطاب وبقي دانيال، والقبر موجود إلى يومنا هذا في المدينة

____________________

(1) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 1 ص 280.

(2) مجموع الفتاوى، ج 15 ص 154.

١٩١

المذكورة في إيران، والنّاس يزورونه ويدعون الله تعالى عنده غير فاتنين ولا مفتونين. ولئن استكثر عمر بن الخطاب الزيارة في نبي الله دانيال عليه السلام فإنّ المسلمين عبر العصور أعيانهم وعوامّهم كانوا ولا زالوا يزورون الصالحين الذين صحّ عندهم أنّهم خدموا الإسلام، غير ملتفتين إلى قول عمر وفعله. فهذا الشافعي ولد سنة 150 هـ، في اليوم الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة وتوفي بمصر - بعد العصر - يوم الجمعة سنة 204 هـ ودفن بالقرافة الصغرى وقبره يزار بها(1) . وهذا مسلم بن الحجاج النيسابوري صاحب الصحيح مات في رجب سنة إحدى وستين ومائتين وقبره يزار(2) . وذاك إبراهيم الهروي - بقزوين - قبره يزار ويتبرك به(3) ، وأحمد بن عمر بن سريج الشافعي قبره يزار(4) ، وخلق كثير من أهل العلم والعبادة(5) .

قال ابن تيمية: وقد بلغ عمر بن الخطّاب أن قوما يقصدون الصلاة عند الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان التي بايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحتها فأمر بتلك الشجرة فقطعت(6) .

أقول: وأنت ترى أن بقيّة الصحابة يخالفون عمر، وإنّما يخالفهم هو باعتباره حاكما صاحب نفوذ لا لأنّ لديه دليلا شرعيّا على فعله، وإذا جاز لكلّ من كان حاكما أن يستند على منصبه في قبول الأمور وردّها فعلى شريعة الإسلام السّلام!

وروى الحاكم: عن موسى بن عليّ بن رباح اللحمي عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب خطب النّاس فقال من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب! ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل! ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني! فإنّ الله تعالى جعلني خازنا.

____________________

(1) كنز العمال، ج 2 ص 260 ومرآة الجنان ج 2 ص 25.

(2) تذكرة الحفاظ، ج 2 ص 588.

(3) التدوين في أخبار قزوين ج 2 ص 133.

(4) البداية والنهاية ج 11 ص 129.

(5) ذكر ابن حبان في كتابه الثقات عددا من العلماء والصالحين الذين زارقبورهم.

(6) الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ج 2 ص 440.

١٩٢

أقول:

هناك تشابه كبير بين عقائد معاوية وعقائد عمر، فمعاوية يقول: قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، وعمر يقول: إن الله جعلني خازنا! ولعل الرجلين ينهلان من معين واحد ساقيه هو كعب الأحبار. إذ متى نصبه الله خازنا؟! فالمعلوم أنّ أبابكر هو الذي نصبه على المسلمين، ولم يدّع أبوبكر أن الله تعالى أوحى إليه أن ينصّب عمر. وهناك قولة مشهورة لعلي بن أبي طالب عليه السلام تكشف حقيقة الأمر لمن خفي عليه ذلك وهي قوله له يوم السّقيفة: (احلب حلبا لك شطره يا عمر! اشدد له أمره اليوم يردده إليك غدا! لشدّ ما تشطّرتم ضرعيها)!

ثمّ لينظر النّاظر إليه كيف غيّب باب مدينة العلم وجعل مكانه أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وهو يعلم أنّهما فاتهما قرآن كثير! أمّا أبي بن كعب فمدنيّ فاته القرآن المكي كله، وأمّا معاذ بن جبل فقد كان من المقربين عند عمر لموقفه من علي عليه السلام. ومع ذلك فإن عمر كان يقول: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن(1) . فمادام القرآن عند أبي بن كعب، والحلال والحرام عند معاذ فإنه ينبغي لعمر أن يقول: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا معاذ أو أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا معاذ أو أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبي بن كعب.

وقال ابن تيمية في مناهجه: كان عمر بن الخطّاب إذا رآهم يتناوبون مكانا يصلون فيه لكونه موضع نبيّ ينهاهم عن ذلك ويقول إنّما هلك من كان قبلكم باتّخاذ آثار أنبيائهم مساجد من أدركته الصلاة فيه فليصلّ وإلا فليذهب(2) .

وقال أيضا: روى محمد بن وضّاح وغيره أن عمر بن الخطّاب أمر بقطع الشّجرة التي بويع تحتها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيعة الرّضوان لأنّ النّاس كانوا يذهبون تحتها فخاف عمر الفتنة

____________________

(1) روح المعاني ج 9 ص 109 والتفسير الكبير، الرازي، ج 32 ص 11 و كنز العمال ج 5 ص 69 وكنز العمال ج 5 ص 330 وعمدة القاري ج 9 ص 240 وشرح فتح القدير ج 2 ص 449 وسبل السلام ج 2 ص 206 والسيرة الحلبية ج 1 ص 257 وسمط النجوم العوالي ج 3 ص 69.

(2) منهاج السنة النبوية [ج 1، ص 481].

١٩٣

عليهم(1) .

أقول:

ههنا تمت الحجة على عمر بن الخطاب، فإنه هو نفسه يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي عزّ وجلّ فقال صلّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجّة. رواه أحمد والبخاريّ وأبو داود وابن ماجة وفي لفظ للبخاري وقل عمرة وحجة(2) . وإذا فلا مانع أن يكون مكان ما مباركا. وقد ذكر القرآن الكريم (البقعة المباركة)، وذكر المسجد الأقصى( الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) ، وذكر القرى التي( بَارَكْنَا فِيهَا ) ولكن تناقضات عمر بن الخطّاب لا تكاد تنتهي.

وقال ابن تيمية: وأيضا فلما فتح المسلمون تستر وجدوا فيها قبر دانيال عليه السلام وكان أهل البلد يستسقون به فكيف في ذلك أبو موسى إلى عمر بن الخطّاب فكتب إليه أن احفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا وادفنه في الليل في واحد منها لئلا يفتتن به الناس فيستسقون به(3) .

عمرو القرآن الكريم

قال السيوطي: وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطّاب مرفوعا: القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين. رجاله ثقات إلاّ شيخ الطبراني محمد بن عبيد بن آدم أبي إياس تكلّم فيه الذهبي لهذا الحديث. وقد حمل ذلك على ما نسخ رسمه من القرآن أيضا إذ

____________________

(1) اقتضاء الصراط، ابن تيمية، ج 1 ص 386.

(2) صحيح البخاريّ ج 2 ص 556 وصحيح البخاريّ ج 6 ص 2673 وصحيح ابن خزيمة ج 4 ص 169 والجمع بين الصحيحين ج 1 ص 126 وسنن أبي داود ج 2 ص 159 وسنن ابن ماجه ج 2 ص 991 وسنن البيهقي الكبرى ج 5 ص 13 ومسند عبد بن حميد ج 1 ص 34 ومسند عمر بن الخطّاب ج 1 ص 66 ومشكاة المصابيح ج 2 ص 841 وفتح الباري ج 5 ص 21 شرح العمدة، ج 2 ص 484 وفتح الباري ج 13 ص 311 وتحفة الأحوذي ج 3 ص 468 وتنوير الحوالك ج 1 ص 250 وشرح الزرقاني ج 2 ص 323 وفيض القدير ج 3 ص 235 وميزان الاعتدال في نقد الرجال ج 5 ص 290 ونيل الأوطار ج 5 ص 45 و.

(3) الرد على البكري، ابن تيمية، ج 2 ص 528.

١٩٤

الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد(1) .

أقول:

تكلم فيه الذهبي دفاعا عن عمر، لكن تبقى مشكلة منسوخ التلاوة!

قال الزرقاني: وروى الدارمي وغيره بأسانيدهم عن عمر بن الخطّاب (أنه كان يقول لأبي موسى الأشعري ذكرنا ربنا فيقرأ عنده القرآن(2) .

عن محمد بن المنتشر قال: قال رجل لعمر بن الخطّاب إني لأعرف أشد آية في كتاب الله تعالى فأهوى عمر فضربه بالدرة وقال: مالك نقبت عنها حتى علمتها؟ ما هي؟ قال: من يعمل سوءا يجز به فما منا أحد يعمل سوءا إلا جزي به. فقال عمر: لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب حتى أنزل الله بعد ذلك ورخص ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما(3) .

أقول:

هو كما ترى، ضرب الرجل لأنّه تدبّر القرآن وأعمل فكره لمعرفة أشد آية. وتدبر القرآن أمر مرغّب فيه، ولا يرغب عنه إلا من على قلوبهم أقفالها.

روى البخاريّ عن ابن عبّاس قال: قال عمر بن الخطّاب يوما لأصحاب النبي: في من ترون هذه الآية نزلت أيودّ أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب قالوا الله أعلم فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عبّاس: في نفسي منها شيء. فقال: يابن أخي قل ولا تحقر نفسك. قال: ابن عبّاس: ضربت مثلا لعمل قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عبّاس: لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله(4) .

____________________

(1) الإتقان، السيوطي، ج 1 ص 190.

(2) مناهل العرفان، الزرقاني، ج 1 ص 222.

(3) الإتقان ج 2 ص 430.

(4) الإتقان، ج 2 ص 346.

١٩٥

وفي الإتقان: أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال كان عمر بن الخطّاب إذا ذكر له سورة براءة فقيل سورة التوبة قال هي إلى العذاب أقرب، ما كادت تقلع عن الناس حتى ما كادت تبقي منهم أحدا(1) .

وأخرج نصر في الحجة عن أبي هريرة قال: كنا عند عمر بن الخطّاب إذ جاءه رجل يسأله عن القرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فقام عمر فأخذ بمجامع ثوبه حتى قاده إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أبا الحسن أما تسمع ما يقول هذا؟ قال: وما يقول؟ قال: جاءني يسألني عن القرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فقال: علي هذه كلمة وسيكون لها ثمرة، لو وليت من الأمر ما وليت ضربت عنقه(2) .

أقول: معاذ الله أن يضرب علي عليه السلام عنق سائل، وهو الذي كان يهتف سلوني قبل أن تفقدوني.

وعن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: قرأت الليلة آية أسهرتني( أَيَوَدّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِن نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ) ما عنى؟ فقال بعض القوم: الله أعلم. فقال: إني أعلم أن الله أعلم، ولكن إنما سألت إن كان عند أحد منكم علم وسمع فيها بشيء أن يخبر بما سمع. فسكتوا. فرآني وأنا أهمس قال: قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك. قلت عنى بها العمل. قال: وما عنى بها العمل؟ قلت: شيء ألقي في روعي فقلته. فتركني وأقبل وهو يفسرها قال: صدقت يا ابن أخي، عنى بها العمل. ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبر سنه وكثرت عياله وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم القيامة صدقت يا ابن أخي(3) .

عبد بن حميد وابن المنذر قال السيوطي: وأخرج ابن مردويه والشيرازي في الألقاب والهروي في فضائله عن ابن عمر أن عمر بن الخطّاب خرج ذات يوم إلى الناس فقال

____________________

(1) الإتقان في علوم القرآن، ج 1 ص 152.

(2) الدر المنثور، السيوطي، ج 2 ص 154.

(3) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 2 ص 154.

١٩٦

أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن وأعدلها وأخوفها وأرجاها؟ فسكت القوم. فقال ابن مسعود: على الخبير سقطت سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول أعظم آية في القرآن( اللّهُ لاَ إِلهَ إِلّا هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ ) وأعدل آية في القرآن( إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) النحل الآية 90 إلى آخرها. وأخوف آية في القرآن( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) الزلزلة الآيتان 7 و 8 وأرجى آية في القرآن( قُلْ يَا عِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى‏ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللّهِ ) الزمر الآية 53(1) .

قصة صبيغ

قصّة صبيغ بن عسل التّميمي مع عمر بن الخطّاب تستحقّ أن يفرد لها كتاب، وذلك لما حوته من التّناقضات والمفارقات التي تكشف عن التوجّه الفكريّ أيّامها، وسيطرة الحكم على الثّقافة والتّفكير بقبضة من حديد. هذه القصّة تبيّن بوضوح كيف كان الخليفة يحاسب النّاس على السّؤال والجواب ويتدخّل في كل صغيرة وكبيرة تدخّلا لا يمتّ إلى الإسلام بصلة. والعجيب أنّ الفقهاء والأصوليّين في ما بعد أخذوا بسلوك الخليفة وجعلوه تشريعا في مقابل شريعة السّماء رغم كونه سلوكا مزاجيّا صادرا من شخص غير معصوم، معروف بكثرة التعثر والتراجع!

زعم أولئك الفقهاء والأصوليون والمفسرون أن في سلوك عمر مع صبيغ التميمي حفاظا على عقائد الناس من التزلزل والاضطراب، لكنهم تجاهلوا فعل الخليفة عمر حين صدر منه نفس ما صدر من صبيغ مرات ومرات، وبذلك قامت عليهم الحجة عند الله تعالى وفقدوا مصداقيتهم عند أولي الألباب، فإنّ حكم الأمثال واحد لا يتغيّر ولا يتبدّل.

أول ما يلفت نظر الباحث هو إصرارهم على تسمية التميمي صبيغا بالفتح، وهو ما جعل الرّجل ينفرد بهذه التسمية بين أبناء عصره ومن جاء بعدهم! ويبدو أن تصرفهم

____________________

(1) الدر المنثور، السيوطي، ج 2 ص 7.

١٩٧

هذا متعمد لأنّ المشتقّ إذا كان على وزن (فعيل) يقصد به عادة (مفعول) كقولهم سجين يقصد به مسجون وطحين يقصد به مطحون و عليل يقصد به معلول وعجين يقصد به معجون ودقيق يقصد به مدقوق وهكذا. فقولهم صبيغ يقصد به مصبوغ. لكنّ ذلك لم يسلم لهم من المعارضة، فإن ابن حجر نفسه يقول في ترجمته في الإصابة: صبيغ بوزن عظيم وآخره معجمة بن عسل بمهملتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة ويقال بالتصغير ويقال بن سهل الحنظلي له إدراك وقصته مع عمر مشهورة(1) . ويقول أيضا في ترجمة سويد بن صبيع:

سويد بن صبيع وقع ذكره في رسالة الغفران لأبي العلاء المعري بما يوهم أن له صحبة وليس كذلك، فقال أبو العلاء ما نصّه: ولو أدرك سويد بن صبيع لشاغبه أيام الربيع وسويد هو الذي يقول إذا طلبوا مني اليمين منحتهم يمينا كبرد الأتحمي الممزق وإن أحلفوني بالطلاق أتيتها على خير ما كنا ولم نتفرق(2) . وابن منظور يقول في لسان العرب: صبيغ وأصبغ وصبيغ أسماء وصبغ اسم رجل كان يتعنّت النّاس بسؤالات في مشكل القرآن فأمر عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه بضربه ونفاه إلى البصرة ونهى عن مجالسته(3) . ويذكر في مقدمة فتح الباري الرباب بنت صبيع بضم الصاد المهملة مصغّرا(4) . في قول: تابعية لها حديث في العقيقة... وهذا يعني أن العرب تسمّي بالمهملة. ويترجم البخاريّ في تاريخه الكبير لربيع بن صبيع بالمهملة أيضا في قول: أبو حفص البصري، سمع الحسن وعطاء، روى عنه الثّوري ووكيع وابن مهديّ، وكان يحيى القطّان لا يحدّث عنه(5) . ويستشهد ياقوت الحموي في معرض حديثه عن الأقيصر(6) . ببيت شعر لربيع بن ضبيع الفزاري وهو قوله:

____________________

(1) الإصابة، ابن حجر العسقلاني، ج 3 ص 458 (تحت رقم 4127) دار الجيل بيروت 1412.

(2) الإصابة، ابن حجر، ج 3 ص 306 رقم 3823. دار الجيل بيروت 1412..

(3) لسان العرب، ابن منظور، ج 8 ص 439.

(4) مقدمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ص 207.

(5) التاريخ الكبير، البخاريّ ج 3 ص 278 رقم 952.

(6) قال ياقوت: كان لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام يقال له الأقيصر.

١٩٨

فإنني والذي نعم الأنام له حول الأقيصر تسبيح وتهليل(1)

وتردّد الزّرقاني بين صبغ وصبيغ فقال (.. الأمر الذي نهانا القرآن عنه والذي جعل عمر يفعل ما يفعل بصبغ أو بابن صبيغ وجعل مالكا يقول ما يقول ويفعل ما يفعل بالذي سأله عن الاستواء(2) .

هذا في ما يخصّ التّسمية.

وأما مضمون القصّة فإنّ صبيغا هذا كان يسأل عن تفسير القرآن الكريم، ومعلوم أن فهم القرآن يتوقّف على فهم عباراته، وقد أمر المسلمون بتدبّر القرآن، والتدبّر فرع فهم العبارات، لا يختلف في ذاك عاقلان. لكن الدّولة كانت قد منعت رواية الحديث النبويّ الشّريف وتفسير القرآن الكريم وذكر أسباب النزول، وسمحت بتلاوة وإقراء القرآن لا غير، ومن سوّلت له نفسه تجاوز ما خطّته الدّولة عرّض نفسه للنّكال. وفعلا تعرّض صبيغ المذكور لتنكيل ليس بعده تنكيل حين سأل عن معنى قوله تعالى( وَالذّارِيَاتِ ذَرْواً ) .

تجرّأ صبيغ وسأل عن قوله تعالى( وَالذّارِيَاتِ ذَرْواً ) ، وبلغ خبره الخليفة عمر بن الخطّاب، فتهيأ لمواجهة الخطر الذي يهدّد أمن الدّولة.

ولأنّ الدّولة سخطت على صبيغ فقد تفنّن المؤرّخون وكتاب السّير والتّراجم في وصفه بالحماقة وتبنّي معتقدات الخوارج والمشاركة في الفتن، مبرّرين ما تعرّض له من الأذى. قال السيوطي: وأخرج ابن عساكر عن محمّد بن سيرين قال: كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالس صبيغا وأن يحرم عطاءه ورزقه(3) . وأشار النّووي إلى مثل ذلك فقال في شرح مسلم: وقد اتّفق أصحابنا وغيرهم من المحقّقين على أنّه يستحيل أن يتكلّم الله تعالى بما لا يفيد، والله اعلم. وفي هذا

____________________

(1) معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج 1 ص 238، دار الفكر، بيروت.

(2) مناهل العرفان، ج 10 ص 222.

(3) الدر المنثور، السيوطي، ج 2 ص 153.

١٩٩

الحديث التّحذير من مخالطة أهل الزّيغ وأهل البدع ومن يتّبع المشكلات للفتنة، فأمّا من سأل عمّا أشكل عليه منها للاسترشاد وتلطّف في ذلك فلا بأس عليه، وجوابه واجب. وأمّا الأوّل فلا يجاب بل يزجر ويعزّر كما عزّر عمر بن الخطّاب صبيع بن عسل حين كان يتبع المتشابه، والله اعلم(1) .

قال ابن حجر: صبيغ بوزن عظيم وآخره معجمة بن عسل بمهملتين الأولى مكسورة والثّانية ساكنة ويقال بالتّصغير، ويقال ابن سهل الحنظلي. له إدراك، وقصّته مع عمر مشهورة؛ روى الدّارمي من طريق سليمان بن يسار قال: قدم المدينة رجل يقال له صبيغ بوزن عظيم وآخره مهملة [كذا] بن عسل فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر فأعدّ له عراجين النّخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ. قال: وأنا عبد الله عمر. فضربه حتى أدمى رأسه فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي. وأخرجه من طريق نافع أتمّ منه قال: ثمّ نفاه إلى البصرة. وأخرجه الخطيب وابن عساكر من طريق أنس والسّائب بن زيد وأبي عثمان النّهدي مطوّلا ومختصرا؛ وفي رواية أبي عثمان وكتب إلينا عمر: لا تجالسوه. قال: فلو جاء ونحن مائة لتفرّقنا. وروى إسماعيل القاضي في الأحكام من طريق هشام عن محمّد بن سيرين قال: كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى لا تجالس صبيغا واحرمه عطاءه. وروى الدارمي في حديث نافع أنّ أبا موسى كتب إلى عمر أنّه صلح حاله فعفا عنه. وذكر ابن دريد في كتاب الاشتقاق أنه كان يحمّق (!) وأنّه وفد على معاوية. وروى الخطيب من طريق عسل بن عبد الله بن عسيل التميمي عن عطاء بن أبي رباح عن عمه صبيغ بن عسل قال جئت عمر فذكر قصّة. ومن طريق يحيى بن معين قال: صبيغ بن شريك. قلت: ظاهر السّياق أنّه عمّ عطاء وليس كذلك بل الضمير في قوله عن عمّه يعود على عسل، وذكره بن ماكولا في عسل بكسر أوله وسكون ثانيه والمهملتين وقال مرة عسيل مصغرا؛ وقال الدار قطني في الأفراد بعد رواية سعيد بالإجماع (..) عن أبي بكر بن أبي سبرة عن

____________________

(1) شرح مسلم، النووى، ج 16 ص.

٢٠٠