الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب0%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبدالباقي قرنة الجزائري
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: الصفحات: 564
المشاهدات: 79683
تحميل: 5199

توضيحات:

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79683 / تحميل: 5199
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يديه على صدغيه وقال: وانبياه! واخليلاه! صدق الله ورسوله قال الله تعالى (إنك ميت وإنهم ميتون) وقال (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) (كل نفس ذائقة الموت) ثم غطّاه وخرج فقال: ألا من كان يعبد محمّدا فإن محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت قال الله عزوجل (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت) فقال عمر: يا أبا بكر أفي كتاب الله هذا؟! قال: نعم(1) .

يسأل عمر بن الخطاب أبابكر بن أبي قحافة: يا أبا بكر أفي كتاب الله هذا؟!.

قال عمر بن الخطاب فيما يرويه ابن حبان: إنما أتخوف أحد رجلين إما رجل يرى أنه أحق بالملك من صاحبه فيقاتله أو رجل يتأول القرآن. في كتاب الله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم. ألا فلا تهلكوا عن آية الرجم فقد رجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا معه، ولو لا أنيقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي، فقد قرأناها بكتاب الله(2) .

أقول:

ولا تنقضي عجائب قرآن عمر بن الخطاب.

قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن شيبان حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال ما سمعت عمر بن الخطاب يقرؤها إلاّ فامضوا إلى ذكر الله(3) .

إذا سمع عمر بن الخطاب قراءة تخالف قراءته يتّهم القارئ، ويلبّبه ويعنّفه؛ لكنه لا يبالي أن يخالف هو جميع الصحابة بقراءة لا توجد في أي مصحف!

وعن ابن أبي مليكة أنّ عمر بن الخطّاب (تلا هذه الآية (أيود أحدكم أن تكون له

____________________

(1) مسند إسحاق بن راهويه، ج 3 ص 727.

(2) الثقات، ابن حبان، ج 2 ص 239.

(3) السنن الكبرى، البيهقي، ج 3 ص 227.

٢٢١

جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات إلى هاهنا فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) فسأل عنها القوم وقال: فيم ترون أنزلت أيود أحدكم أن تكون له جنة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم؛ فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم! فقال: ابن عباس: في نفسيشيء منها يا أمير المؤمنين..(1) .

أقول:

حينما يسأل صبيغ عن معنى آية قرآنيّة يستحقّ الجلد بجريد النّخل، وينكّل به بما يفوق حدّ الزّاني ح لكن حينما يسأل عمر لا حرج ولا تثريب، لأنّ ثقافة الكرسي قضت أن يكون للدّين حكمان في واقعة واحدة، حكم خاصّ بالسّلطان وحكم لبقية المسلمين!.

وروى عبد الرزاق عن معمر بن جدعان عن يوسف بن مهران أنه سمع بن عباس يقول: أمر عمر بن الخطّاب مناديا فنادى أن الصلاة جامعة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيّها الناس لا تخدعنّ عن آية الرّجم فإنّها قد نزلت في كتاب الله عزّ وجلّ وقرأناها ولكنّها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وآية ذلك أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رجم وأنّ أبا بكر قد رجم ورجمت بعدهما؛ وإنّه سيجيء قوم من هذه الأمّة يكذّبون بالرّجم ويكذّبون بطلوع الشّمس من مغربها، ويكذّبون بالشّفاعة، ويكذّبون بالحوض، ويكذبون بالدّجال، ويكذّبون بعذاب القبر، ويكذبون بقوم يخرجون من النّار بعد ما أدخلوها(2) .

أقول: ههنا كلمة خطيرة هي قوله: قرآن كثير ذهب مع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثمّ إنّ في هذا الكلام ما يفنّد مزاعم السّلفيين الذين يكذّبون بالشّفاعة.

وأخرج سفيان وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن

____________________

(1) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 542 و 543.

(2) مصنف عبد الرزاق ج 7 ص 330 رقم 13364.

٢٢٢

المنذر والبيهقي عن عكرمة قال كان عمر بن الخطّاب يقرؤها ولا يضارر كاتب ولا شهيد يعني بالبناء للمفعول(1) .

عن سالم بن عبد الله قال كان عمر (يقرؤها فامضوا إلى ذكر الله(2) .

قال ابن حجر: وفي الموطّأ عن مالك أنّه سأل ابن شهاب عن هذه الآية فقال كان عمر يقرؤها إذا نودي للصلاة فامضوا وكأنّه فسّر السّعي بالذّهاب. قال مالك: وإنّما السّعي العمل لقول الله تعالى (وإذا تولى سعى في الأرض) وقال (وأما من جاءك يسعى) قال مالك: وليس السّعي الاشتداد(3) .

وفي نفس الباب قال ابن تيمية: وقد قرأ عمر بن الخطّاب فامضوا إلى ذكر الله فالسّعي المأمور به إلى الجمعة هو المضيّ إليها والذّهاب إليها(4) .

قال ابن تيمية: وعن ابن عبّاس أنّ عمر بن الخطّاب كان إذا أدخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه، فدخل ذات يوم فقرأ، فأتى على هذه الآية (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) إلى آخر الآية فانتعل وأخذ رداءه ثم أتى إلى أبي بن كعب فقال: يا أبا المنذر أتيت قبل على هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وقد نرى أنا نظلم ونفعل! فقال: يا أمير المؤمنين إن هذا ليس بذلك يقول الله (أنّ الشّرك لظلم عظيم) إنّما ذلك الشّرك(5) .

أليس هو أحد المفسرين الكبار؟ فلم يذهب إلى أبيّ بن كعب وهو أعلم منه وأفضل؟

ومرّ (عمر) يوما بشاب من فتيان الأنصار وهو ظمآن، فاستسقاه، فجدح له ماء بعسل فلم يشربه، وقال: إن الله تعالى يقول (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) فقال له الفتى:

____________________

(1) الدر المنثور، السيوطي، ج 2 ص 122.

(2) تفسير الطبري ج 28 ص 100.

(3) فتح الباري، ابن حجر، ج 2 ص 390.

(4) مجموع الفتاوى، ج 22 ص 260.

(5) مجموع الفتاوى، ج 7، ص 328.

٢٢٣

يا أمير المؤمنين، إنها ليست لك ولا لأحد من هذه القبيلة، اقرأ ما قبلها (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) فقال عمر: كل النّاس أفقه من عمر(1) .

عمر والتوراة

قال الرّازيّ: روي أنّ عمر بن الخطّاب قال يا رسول الله إن أناسا من أهل الكتاب يحدّثوننا بما يعجبنا فلو كتبناه فغضب النبي وقال أمتهوّكون أنتم يا ابن الخطّاب كما تهوّكت اليهود؟! قال الحسن متحيّرون متردّدون. أما والذي نفسي بيده لقد أتيتكم بها بيضاء نقيّة. وفي رواية أخرى قال عند ذلك إنّكم لم تكلّفوا أن تعملوا بما في التّوراة والإنجيل وإنّما أمرتم أن تؤمنوا بهما وتفوّضوا علمهما إلى الله تعالى وكلّفتم أن تؤمنوا بما أنزل عليّ في هذا الوحي غدوة وعشيا. والذي نفس محمّد بيده لو أدركني إبراهيم وموسى وعيسى لآمنوا بي واتّبعوني. فهذا الخبر يدلّ على أنّ الثّبات على هذا الدّين واجب وعدم التّعلّق بغيره واجب، فلا جرم مدحهم الله في هذه الآية بذلك فقال من أهل الكتاب أمّة قائمة(2) .

وفي الطبقات: أخرج الدّارمي عن جابر انّه قال: إنّ عمر بن الخطّاب أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنسخة من التّوراة فقال يا رسول الله هذه نسخة من التّوراة فسكت، فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغيّر فقال له أبو بكر: ثكلتك الثّواكل، ما ترى ما بوجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فنظر عمر إلى وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيّا. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده لو بدا لكم موسى فاتّبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السّبيل، ولو كان حيّا وأدرك نبوّتي لاتّبعني(3) .

____________________

(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 182.

(2) لتفسير الكبير، الرازي، ج 8 ص 164 - 165.

(3) طبقات ابن سعد، ج 2 ص 41.

٢٢٤

وفي مصنف ابن أبي شيبة: أخرج عبد الرزّاق عن الشعبي عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر فقال يا رسول الله إنّي مررت بأخ لي من يهود من قريظة (فكتب لي) وكتب لي جوامع من التّوراة قال أفلا أعرضها عليك؟ قال فتغيّر وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عبد الله: مسخ الله عقلك! أما ترى ما بوجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال عمر: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا. قال: فسري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال: والذي نفسي بيده لو أصبح في كم موسى فاتّبعتموه وتركتموني لضللتم، إنّكم حظّي من الأمم وأنا حظّكم من النبيّين(1) .

مثل هذا الحديث في النّهاية في غريب الحديث، وفي مجمع الزوائد وجمع الفوائد من جامع الأصول، ومجمع الزوائد، ودلائل النّبوّة(2) . فالذي لا شك فيه أنّ الصّحابيّ عمر بن الخطّاب كان له أخ من يهود، كما صرّح به هو نفسه غير مكره، وكان يهتمّ بالتّوراة الموجودة عند اليهود وهو الذي مات ولم يحفظ القرآن، مع أنّه قد تنزّل الوحي مرارا يخبر مؤكّدا بتحريف أهل الكتاب لكتابهم، ولو أنّ عمر استشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يفعل لكان معذورا، لكن يبدو أنّه لم يكن يرى أنّ عليه أن يستشير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى في ما يتعلق بالدّين، فكيف يكون حينما يخلو له الجوّ وما من معترض!

هذا عمر يقول عن اليهودي أخ لي من قريظة.. والقرءان الكريم يهتف:( لاَ يَتّخِدِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِيْ شَيْ‏ءٍ إِلّا أَنْ تَتّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) (آل عمران 28).

ألم ينه القرءان الكريم عن اتخاذهم أولياء؟ وعمر يصرح بأنه أخ له من يهود:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى‏ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلّهُم

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة ج 10 ص 313 - 314.

(2) النّهاية في غريب الحديث رقم 2825 ومجمع الزوائد ج 1 ص 174 الطبعة 2 القاهرة 1967) جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد 1 42 رقم الحديث 150 ط مؤسسة علوم القرءان بيروت) ودلائل النّبوّة ج 1 ص 50 نشر مكتبة التّراث الإسلامي حلب 1970).

٢٢٥

مِنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ) (المائدة 51).

ألم ينه القرءان الكريم عن اتخاذ بطانة منهم؟( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدّوا مَا عَنِتّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِن أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِيْ صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيّنّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُوْلاَءِ تُحِبّونَهُمْ وَلاَ يُحِبّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْا عَضّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ * إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبُروا وَتَتّقُوا لاَ يَضُرّكُمْ كَيْدُكُمْ شَيْئاً إِنّ اللّهَ بِمَا يَعْلَمُونَ مُحِيطٌ ) (1) .

وقال تعالى:( وَدّت طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلّونَكُمْ وَمَا يُضِلّونَ إِلّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) (آل عمران 69).

ألم يخبر القرءان الكريم أن اليهود أعداء المؤمنين؟( لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لِلّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالّذِينَ أَشْرَكُوا ) المائدة 82.

ألم يخبر أنهم يحرّفون الكلم عن مواضعه، بل أخبر سبحانه وتعالى أنّهم ماهرون في فنّ التّحريف ولبس الحقّ بالباطل.

( وإِنّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى‏ اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (آل عمران 78)

( فَبِمَا نَقْضِهِم مِيثَاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمّا ذُكّرُوا بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطّلِعُ عَلَى‏ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ ) (المائدة 13)

يتوالى نزول القرءان الكريم يحذّر من كيد اليهود في الدّين، ولكنّ ذلك كلّه لا

____________________

(1) آل عمران 118 - 120.

٢٢٦

يمنع الصّحابيّ عمر من البقاء معهم وحضور مجالسهم التي لم تكن تخلو من المؤامرات على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين.( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوا وَلَعِباً مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتّقُوا اللّهَ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ ) . (المائدة 57).

والقرءان الكريم قد وجّه من المطاعن والتّأنيب والتّوبيخ إلى اليهود ما لم يوجّهه إلى أحد من الأمم المذكورة فيه، وليس ذلك إلاّ لأنّ الكفر قد رسخ في هم حتّى أصبح دينهم. وماذا يتوقّع عمر من التّوراة الموجودة عند اليهود؟ أليس في القرءان قوله تعالى( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمّا جَاءَكَ مِنَ الحَقّ لِكُلّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَلكِن لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (المائدة 48)؟

وفي شعب الإيمان عن الزّهريّ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عبّاس قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله عزّ وجلّ على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدث الأخبار تقرؤونه محضا لم يشب؟ ثمّ يخبركم الله في كتابه أنّهم قد غيّروا كتاب الله وبدّلوه وكتبوا الكتاب بأيديهم ثمّ قالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا! ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم عن مسألتهم؟ والله ما رأينا رجلا منهم قطّ سألكم عمّا أنزل الله إليكم. وعن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس قال يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم أحدث الأخبار بالله تقرؤونه فذكر نحوه. رواه البخاريّ في الصحيح عن يحيى بن بكير وعن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد وقد روينا عن مجالد عن الشّعبيّ عن جابر بن عبد الله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن عمر أتاه فقال: إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها فقال أمتهوّكون أنتم كما تهوّكت اليهود والنّصارى؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة ولو كان موسى حيّا ما وسعه إلاّ اتّباعي. قال أبو عبيد وحدّثنا معاذ

٢٢٧

عن ابن عون عن الحسن يرفعه نحو ذلك. وقال قال ابن عون فقلت للحسن: متهوكون قال متحيّرون. وعن الشّعبيّ عن جابر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلّوا. زاد القاضي في روايته والله لو كان موسى عليه السّلام حيّا ما حلّ له إلاّ أن يتّبعني. وروي عن جبير بن نفير عن عمر بن الخطّاب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في محو ما كتب من قول اليهود بريقه والنّهي عن ذلك(1) .

أقول:

إنّ هذا السّلوك قد انفرد به عمر، ومع أنّ سلمان الفارسيّ قد عرف أحبار اليهود ورهبانهم من قريب، واطّلع على كثير من أخبارهم المتعلّقة بالتّوراة وغيرها إلا أنّنا لا نراه يحضر مجالسهم، ولا يهتمّ بتوراتهم ولا يذكر للنّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ ما يعود على المسلمين بالفائدة. نعم إنّه يسأل، لكن يسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال السيوطي في الخصائص: أخرج ابن سعد عن أبي هريرة قال أتى رسول الله بيت المدراس فقال أخرجوا إليّ أعلمكم فقالوا عبد الله بن صوريا فخلا به رسول الله فناشده بدينه وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المنّ والسّلوى وظلّلهم به من الغمام أتعلم أنّي رسول الله قال اللّهم نعم وإنّ القوم ليعرفون ما أعرف وإنّ صفتك ونعتك لمبيّن في التّوراة ولكنّهم حسدوك. قال فما يمنعك أنت؟ قال: أكره خلاف قومي وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم(2) .

وبعد هذا، هل توقّف الأمر عند هذا الحدّ بحيث أعرض عمر عن التّوراة المحرّفة وأهل الكتاب؟

عمر والصلاة

قال الرازي: المسألة الرابعة عشرة إذا ثبت أن قراءة الفاتحة شرط من شرائط الصلاة فله

____________________

(1) شعب الإيمان، البيهقي، ج 1 ص 200 / رقم 175. دار الكتب العلمية بيروت 1410 هـ.

(2) الخصائص الكبرى، السيوطي، ج 1 ص 29.

٢٢٨

فروع. الفرع الأول: قد بينا أنه لو ترك قراءة الفاتحة أو ترك حرفا من حروفها عمدا بطلت صلاته، أمّا لو تركها سهوا قال الشافعي في القديم: لا تفسد صلاته؛ واحتج بما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن قال صلّى بنا عمر بن الخطّاب (المغرب فترك القراءة [!] فلمّا انقضت الصلاة قيل له: تركت القراءة. قال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا حسنا! قال فلا باس. قال الشّافعيّ فلما وقعت هذه الواقعة بمحضر من الصّحابة كان ذلك إجماعا (!)(1) ح ورجع الشّافعيّ عنه في الجديد وقال: تفسد صلاته لأن الدّلائل المذكورة عامّة في العمد والسّهو، ثم أجاب عن قصّة عمر من وجهين: الأوّل أنّ الشعبيّ روى أن عمر أعاد الصلاة، والثاني أنّه لعلّه ترك الجهر بالقراءة لا نفس القراءة. قال الشافعي: هذا هو الظن بعمر(2) !

أقول:

لكنّ الصّحابة المعترضين على عمر لم يقولوا له تركت الجهر بالقراءة وإنما قالوا تركت القراءة! فتكلموا عن أصل القراءة لا عن الجهر. ولو كان عمر أسرّ القراءة لقال لهم بكلّ بساطة: إنّي قرأت وإنّما تركت الجهر بالقراءة لكنّه أقرّهم على ما قالوا، فدلّ هذا على موافقته عليه؛ غير أنّ الشّافعيّ ومن على نهجه من مدرسة المصوّبين مولعون بتبرير أعمال عمر مهما بلغت.

وفي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال: جاء عمر يوم الخندق فجعل يسبّ كفّار قريش ويقول: يا رسول الله ما صلّيت العصر حتى كادت الشّمس أن تغيب فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنا والله ما صلّيتها بعد؛ قال: فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلّى العصر بعد ما غابت الشّمس، ثمّ صلّى المغرب بعدها(3) .

أقول:

وأنت ترى أنّ عمر في هذه القصّة كان أحرص على الصّلاة في وقتها من رسول

____________________

(1) [كأنّ الصحابة جميعا يوحى إليهم فردا فردا].

(2) التفسير الكبير، فخر الدين، ج 1 ص 177.

(3) صحيح البخاري ج 1 ص 321. الحديث رقم 903.

٢٢٩

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن عمر صلّى العصر قبل أن تغيب الشّمس، وصلاّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ما غابت الشمس!

وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى قال كنا عند عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه فأتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين إنا نمكث الشّهر والشّهرين لا نجد الماء. فقال عمر: أمّا أنا فلو لم أجد الماء لم أكن لأصلّي حتّى أجد الماء؛ فقال عمار بن ياسر: أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنا بمكان كذا وكذا ونحن نرعى الإبل فتعلمأنا أجنبنا؟ قال: نعم. فأما أنا فتمرغت في التراب فأتينا النبي فقال إن كان الصعيد لكافيك وضرب بكفيه الأرض ثم نفخ فيهما ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه فقال اتق الله يا عمار فقال يا أمير المؤمنين إن شئت لم أذكره فقال: لا ولكن نوليك من ذلك ما توليت(1) .

وإلى ذلك أشار الغرناطي في التسهيل قال: ولا يجوز التيمم للجنب وقد قال بذلك عمر بن الخطّاب(2) ، والثعالبي حيث قال في تفسيره: قال عمر بن الخطّاب وغيره لا يتيمّم الجنب البتّة بل يدع الصّلاة حتى يجد الماء(3) .

أقول: هذا مع أن القرآن الكريم يقول: فتيمّموا، وآية التيمم واضحة ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى‏ حَتّى‏ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتّى‏ تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَرْضَى‏ أَوْ عَلَى‏ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمّمُوا صَعِيداً طَيّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً )(4) . وليت الثعالبي جاء باسم واحد حين قال وغيره.

وقال ابن كثير: قال سفيان الثوري: قرأ عمر بن الخطّاب سورة مريم فسجد وقال: هذا السجود فأين البكي؟ يريد البكاء(5) .

____________________

(1) تفسير الطبري ج 5 ص 113 وسنن النسائي الكبرى ج 1 ص 133 وسنن النسائي المجتبى) ج 1 ص 168.

(2) التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 ص 143.

(3) تفسير الثعالبي ج 1 ص 449.

(4) النساء: 3.

(5) مختصر ابن كثير، ج 2 ص 648. قال ابن كثير: رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

٢٣٠

أقول: إنّما يكون البكاء حين تخشع القلوب.

قال الزمخشري: وروي أن مجمع بن حارثة كان إمامهم في مسجد الضرار فكلّم بنو عمرو بن عوف أصحاب مسجد قباء عمر بن الخطّاب في خلافته أن يأذن لمجمع فيؤمّهم في مسجدهم فقال: لا ولا نعمة عين، أليس بإمام مسجد الضّرار؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا تعجل علي فو الله لقد صلّيت بهم والله يعلم أنّي لا أعلم ما أضمروا فيه، ولو علمت ما صلّيت معهم فيه؛ كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا لا يقرؤون من القرآن شيئا! فعذره وصدّقه وأمره بالصلاة بقومه(1) .

أقول: يعذر إمام مسجد الضّرار الذي نزل قرآن بذمّه ولا يعذر صبيغ بن عسل الذي كان سيدا شريفاً في قومه قبل أن يعامله بتلك الطريقة.

وقال ابن عاشور في تفسيره: روي أنّ عمر بن الخطّاب أطال صلاة الضّحى يوما فقيل له: صنعت شيئاً لم تكن تصنعه؟ فقال: إنّه بقي عليّ من وردي شيء فأحببت أن أقضيه وتلا قوله تعالى( وَهُوَ الّذِي جَعَلَ الّيْلَ وَالنّهَارَ خِلْفَةً ) الآية(2) .

وفي صلاة الضحى هذه كلام. ففي الجمع بين الصحيحين عن مورق العجلي قال: قلت لابن عمر تصلّي الضحى؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال لا. قلت: فأبوبكر؟ قال: لا. قلت: فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: لا أخاله. وليس لمورق العجلي في صحيح البخاريّ عن ابن عمر غير هذا الحديث(3) . وهناك بحث مفصّل عند وللسّيوطي بحث مفصل بعنوان جزء في صلاة الضحى(4) .

وعن محمد بن سيرين قال: كان عمر بن الخطاب قد اعتراه نسيان في الصلاة، فجعل رجل خلفه يلقّنه فإذا أومأ إليه أن يسجد أن يقوم فعل(5) .

____________________

(1) الكشّاف، الزمخشري، ج 1 ص 504.

(2) التحرير والتنوير، ج 1 ص 2984.

(3) الجمع بين الصحيحين، الحميدي، ج 2 ص 294 رقم 1490.

(4) طالع الحاوي للفتاوي، ج 1 ص 59 إلى 73.

(5) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج 3 ص 286.

٢٣١

أقول:

لقد كان أولى به في هذه الحال أن ينيب غيره يصلّي بالناس. ويبقى تصوّر المشهد محيّرا، لأنّه إذا كان الرّجل خلفه فكيف يومئ إليه وعمر ينظر أمامه؟!

وعن يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمر بن الخطّاب أنّه صلّى صلاة العشاء فاستفتح آل عمران فقرأ الم الله لا اله إلاّ هو الحيّ القيّوم فقرأ في ركعة بمائة آية، وفي الثانية بالمائة الباقية(1) .

أقول:

أهل العلم من شتى المذاهب على خلاف هذا، فقد رووا أنّ معاذ بن جبل قام فصلّى العشاء فطوّل فقال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفتان أنت يا معاذ!(2) . بل إنّ عمر نفسه يقول لا تبغضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما في طوّل عليهم ما هم فيه(3) .

وأخرج البيهقيّ من طريق سفيان الثوريّ عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أنّ عمر بن الخطّاب قنت بعد الركوع فقال بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم اللّهمّ إيّاك نعبد، ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى نقمتك إن عذابك بالكافرين ملحق(4) .

وعن عمر بن الخطّاب أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة والتين والزيتون وطور سينين ثم رفع صوته فقال: وهذا البلد الأمين(5) .

قال الزرقاني: وقد قرأ عمر بن الخطّاب في الركعة الأولى من الصبح بالكهف وفي

____________________

(1) معاني القرآن، ج 1 ص 340.

(2) صحيح ابن حبان ج 6 ص 160 وصحيح ابن خزيمة ج 3 ص 51 وسنن البيهقي الصغرى ج 1 ص 323 وسنن البيهقي الكبرى ج 3 ص 85 ومسند الشافعي ج 1 ص 56 ومصنف ابن أبي شيبة ج 1 ص 315 ومسند الحميدي ج 2 ص 524.

(3) مصنف ابن أبي شيبة، ج 5 ص 321.

(4) الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 1 ص 178.

(5) الإتقان في علوم القرآن، ج 1 ص 298.

٢٣٢

الثانية بيوسف(1) .

وفي كتاب الصلاة من صحيح البخاري باب عنوانه: باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وما يكره من الصلاة في القبور ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال: القبر القبر. ولم يأمره بالإعادة(2) .

وفي سنن البيهقي الكبرى عن قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدّثه قال: مر عمر بن الخطاب في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فركع ركعة واحدة ثم انطلق فلحقه رجل فقال يا أمير المؤمنين ما ركعت إلا ركعة واحدة! قال: هو التطوّع، فمن شاء زاد ومن شاء نقص. رواه الشّافعيّ عن بعض أصحابه عن سفيان الثوري عن قابوس(3) . قال الجصّاص بخصوص هذه القصّة مدافعا عن عمر: فإن قيل قد روي عن أبي الدّرداء وجابر أنّهما كانا لا يريان بالإفطار في صيام التّطوع بأسا وأنّ عمر بن الخطّاب دخل المسجد فصلّى ركعة ثمّ انصرف فتبعه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صلّيت ركعة واحدة! فقال: هو التّطوّع فمن شاء زاد ومن شاء نقص، قيل له: قد روينا عن ابن عبّاس وابن عمر إيجاب القضاء على من أفطر في صيام التّطوّع، وأمّا ما روي عن أبي الدّرداء وجابر فليس فيه نفي القضاء وإنّما فيه إباحة الإفطار، وحديث عمر يحتمل أن يريد به من دخل في صلاة يظنّ أنّها عليه ثمّ ذكر أنّها ليست عليه أنّها تكون تطوّعا وجائز أن يقطعها ولم يجب عليه القضاء(4) .

أقول:

انظر - رحمك الله - إلى هذا الفقيه الفاضل يتكلّم على لسان عمر بما لم يخطر على بال عمر. فكلام عمر صريح في أنّه لا فرق بين الواحدة والاثنتين والثلاث.. في التّطوّع،

____________________

(1) مناهل العرفان، الزرقاني، ج 1 ص 248.

(2) صحيح البخاري ج 1 ص 165.

(3) السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 24.

(4) أحكام القرآن، الجصاص، ج 1 ص 298.

٢٣٣

ولم يقل إنّي كنت دخلت في الصّلاة وأنا أظنّ أنّها عليّ - أي واجبة - ثمّ ذكرت أن ليس عليّ صلاة فقطعتها. لم يقل عمر شيئا من هذا، لكنّ الفقيه الفاضل قوّله حتى لا ينسب إلى عمر التّسامح في قضيّة الصلاة؛ وهنا يقال له: هل صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة واحدة ركعة واحدة على النحو الذي قام به عمر؟ وعلى فرض أن صلاة عمر تشبه صلاة الوتر، هل صلّى الوتر منفردة بحيث لم يصلّ قبلها شيئا؟!

قال النووي: وقد قرأ عمر بن الخطّاب في الركعة الأولى من الصبح بالكهف وفي الثانية بيوسف وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف(1) .

أقول:

يهتمّون بما في صلاة عمر من رعاية ترتيب المصحف ولا يهتمّون بما فيه من المشقّة والحرج، فإنّ قراءة الكهف ويوسف جميعا في الصّلاة تأخذ أكثر من نصف ساعة، وفي المأمومين الكبير والمريض والمرضع..، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خلاف هذا؛ ففي صحيح البخاريّ عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي لأقوم إلى الصّلاة وأنا أريد أن أطوّل فيها فأسمع بكاء الصّبيّ فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشقّ على أمّه(2) . وقد مرّ بك قول عمر نفسه لا تبغضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما في طوّل عليهم ما هم فيه(3) . وروى الطبراني عن محمد بن سعيد بن عبد الملك عن المغيرة بن شعبة قال: قال عثمان بن أبي العاص وكان شابّا: وفدنا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدني أفضلهم أخذا للقرآن وقد فضلتهم بسورة البقرة فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد أمّرتك على أصحابك وأنت أصغرهم، فإذا أممت قوما فأمّهم بأضعفهم، فإنّ وراءك الكبير والصّغير والضّعيف وذا الحاجة؛ وإذا كنت مصدّقا فلا تأخذ الشّافع وهي الماخض ولا الرّبى ولا فحل الغنم وحزرة الرجل هو أحقّ بها منك.

____________________

(1) التبيان في آداب حملة القرآن، النووي، ج 1 ص 37.

(2) صحيح البخاريّ، ج 1 ص 296 الحديث رقم 830.

(3) مصنف ابن أبي شيبة، ج 5 ص 321.

٢٣٤

ولا تمسّ القرآن إلاّ وأنت طاهر، وأعلم أنّ العمرة هي الحجّ الأصغر، وأنّ عمرة خير من الدّنيا وما فيها وحجّة خير من عمرة(1) . ومع ذلك يصرّ عمر بن الخطاب على الإطالة في القراءة، ويخالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قول في كتاب كتبه إلى عامله أبي موسى الأشعري صل الظهر حتى تزول الشمس وصل العصر والشمس حية بيضاء نقية وصل المغرب حتى تغيب الشمس أو حين تغرب الشمس وصل العشاء حين يغيب الشفق إلى نصف الليل الأوّل وإن ذلك سنّة. وأقم الفجر بسواد أو بغلس أو بسواد وأطل القراءة(2) . عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني سليمان بن عتيق أن عمر بن الخطّاب قرأ في الصبح سورة آل عمران(3) .

أقول: وهو بهذا متعمد مخالفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: فإذا أممت قوما فأمّهم بأضعفهم فإنّ وراءك الكبير والصّغير وذا الحاجة(4) ، وعمر يقول وأطل القراءة.

وعن ربيعة بن دراج أن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه سبح بعد العصر ركعتين في طريق مكة فرآه عمررضي‌الله‌عنه فتغيظ عليه ثم قال أما والله لقد علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها(5) .

وعن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطّاب (كان يعلم النّاس التّشهّد في الصّلاة وهو يخطب النّاس على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قول إذا تشهّد أحدكم فليقل بسم الله خير الأسماء التّحيات الزّاكيات الصّلوات الطّيبات لله السّلام عليك أيّها النّبي ورحمة الله وبركاته السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله. قال عمر: (ابدؤوا بأنفسكم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(1) المعجم الكبير، الطبراني، ج 9 ص 44 رقم 8336.

(2) مسند الحارث زوائد الهيثمي، ج 1 ص 242 رقم 113.

(3) مصنف عبد الرزاق، ج 2 ص 115 رقم 2718.

(4) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 3 ص 74 والمعجم الكبير ج 9 ص 44 رقم 8336.

(5) مسند أحمد، ج 1، ص 17.

٢٣٥

وسلّموا على عباد الله الصالحين). رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن الزّهريّ وهشام بن عروة عن عروة عن عبد الرّحمن بن عبد القاري عن عمرو، ذكر فيه التّسمية وزاد وقدّم وأخر(1) .

أقول:

لاحظ في الرّواية حذف الصّلاة على محمّد وآل محمّد. ولا ينقضي العجب من قولهم يعلم الناس التّشهد في الصّلاة! أي يعلّمهم شيئا كانوا يمارسونه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من مرة في كل يوم. ونسي الراوي أن في ما يروي طعنا في الصّحابة ومدى قابليتهم لنقل الأمور البسيطة مما كانوا يفعلونه يوميا في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ لا يعقل أن يتشهد الناس في صلواتهم تسع مرّات كل يوم مدّة عشر سنين في الفرض دون النافلة، فيكون عدد التشهد الذي تلفظوا به 31860 مرة! ثمّ إذا بهم ينسون ذلك فجأة ويحتاجون إلى أن يعلّمهم إيّاه عمر بن الخطاب الذي لا ينسى! هذا مع أنّ التشهّد كلّه لا يتجاوز ثلاثة أسطر.

وعن يزيد بن شريك أنّه سأل عمر عن القراءة خلف الإمام فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب. قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا. قلت: وإن جهرت؟ قال: وإن جهرت(2) .

وعن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أنّ عمر بن الخطّاب صلى الصبح بالناس ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلاما فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام وأعاد الصلاة(3) .

وعن أبي الزبير عن مكحول عن عمر بن الخطّاب أنه أوتر بثلاث ركعات لم يفصل بينهن بسلام(4) .

____________________

(1) السنن الكبرى، البيهقي، ج 2 ص 142.

(2) السنن الكبرى، البيهقي، ج 2 ص 167.

(3) السنن الكبرى، البيهقي، ج 1 ص 170.

(4) مصنف ابن أبي شيبة، ج 2 ص 90 رقم 6831.

٢٣٦

وعن يحيى بن غسان المرادي عن عمرو بن ميمون أن عمر بن الخطّاب لم يقنت في الفجر(1) . وعن أبي الضحى عن سعيد بن جبير أن عمر كان لا يقنتفي الفجر. وعن وكيع قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم أن عمر بن الخطّاب كان لا يقنت في الفجر(2) .

أقول:

مرة يقنت بسورة اسمها سورة الحفد لا وجود لها في المصحف

ومرة لا يقنت أصلا. ولهذا رووا في ما بعد عن وكيع قال سمعت سفيان يقول: من قنت فحسن ومن لم يقنت فحسن ومن قنت فإنما القنوت على الإمام وليس على من وراءه قنوت(3) . وإليك بعض روايات القنوت:

عن يحيى بن سعيد عن العوام بن حمزة قال سألت أبا عثمان عن القنوت فقال بعد الركوع فقلت عمن فقال عن أبي بكر وعثمان. وعن عوف عن أبي رجاء قال صليت مع بن عباس في مسجد البصرة صلاة الغداة فقنت بنا قبل الركوع. وعن مروان بن معاوية عن عوف قال ذكرت ذلك لأبي المنهال فحدثني عن أبي العالية عن بن عباس بمثله. وعن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان قال قنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعين صباحا في صلاة الصبح بعد الركوع. وعن عياش العامري عن ابن مغفل أن عمر وعليا وأبا موسى قنتوا في الفجر قبل الركوع. وعن مطرف عن أبي الجهم عن البراء أنه كان يقنت قبل الركعة. وعن يزيد بن أبي زياد قال حدثنا زيد بن وهب أن عمر بن الخطّاب قنت في صلاة الصبح قبل الرّكوع. وأبو عثمان النهدي قال صليت خلف عمر بن الخطّاب صلاة الصبح فقنت قبل الركوع.

وعن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عليا كان يقنت في صلاة

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة، ج 2 ص 101 تحت رقم 6962.

(2) مصنف ابن أبي شيبة، ج 2 ص 102 رقم 6972 و 6973.

(3) مصنف ابن أبي شيبة، ج 2 ص 105، رقم 7011.

٢٣٧

الصبح قبل الركوع. وعن عطاء عن عبيد بن عمير قال صليت خلف عمر الغداة قال فقنت فيها قبل الركوع. وعن عطاء عن عبيد بن عمير عن عمر مثله. وعن سفيان عن نسير بن ذعلوق قال صليت خلف ربيع بن خثيم فقنت قبل الركعة. وعن وكيع قال حدثنا سفيان عن النعمان بن قيس قال صليت خلف عبيدة الفجر فقنت قبل الرّكعة(1) .

وعن وكيع بن الجراح قال حدثنا سفيان عن مخارق عن طارق بن شهاب أنه صلى خلف عمر بن الخطّاب الفجر فلما فرغ من القراءة كبر ثم قنت ثم كبر ثم ركع(2) .

حدثنا إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن الأسود قال كان عمر بن الخطّاب يقتل القملة في الصلاة حتى يظهر دمها على يده(3) .

عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر قال حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطّاب صلى صلاة فلم يقرأ فيها فقيل له ذلك فقال أتممت الركوع والسجود قالوا نعم قال فلم يعد تلك الصلاة(4) .

أقول:

لم يعد عمر بن الخطاب الصلاة لأن الركوع في نظره يغني عن القراءة.

وروى عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد أن عمر بن الخطّاب صلى العشاء الآخرة بالجابية فلم يقرأ فيها حتى فرغ فلما فرغ دخل فأطاف به عبد الرحمن بن عوف وتنحنح له حتى سمع عمر بن الخطّاب حسّه وعلم أنّه ذو حاجة فقال من هذا؟ قال: عبد الرحمن بن عوف. قال ألك حاجة؟ قال: نعم. قال: فادخل؛ فدخل فقال: أرأيت ما صنعت آنفا عهده إليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم رأيته يصنعه؟ قال: وما هو؟ قال: لم تقرأ في العشاء. قال: أو فعلت؟ قال: نعم. قال فإني سهوت جهزت عيرا من الشام حتى قدمت المدينة قال من المؤذن فأقام الصلاة ثم عاد فصلى العشاء للناس فلما

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة، ج 2 ص 105 و 106. الأحاديث: 7012. إلى 7024.

(2) مصنف ابن أبي شيبة، ج 2 ص 107 رقم 7033.

(3) مصنف ابن أبي شيبة ج 2 ص 144 رقم 7478.

(4) مصنف عبد الرزاق ج 2 ص 122 رقم 2748.

٢٣٨

فرغ خطب قال لا صلاة لمن لم يقرأ فيها. إن الذي صنعت آنفا إني سهوت إني جهزت عيرا من الشّام حتى قدمت المدينة فقسمتها(1) .

وعن جابر وابن عون عن الشعبي أنّ عمر صلى المغرب فلم يقرأ فأمر المؤذّن فأعاد الأذان والإقامة ثمّ أعاد الصلاة.

أقول:

أما إعادة الصّلاة فلا كلام فيها، وأما إعادة الأذان فما هو الوجه فيها؟! هل بطل الأذان الأول؟!

وروى عبد الرزاق أيضا عن مجاهد قال: مرّ عمر بن الخطّاب على ابن له وهو يصلّي ورأسه معقوص فجبذه حتى صرعه(2) .

أقول:

هذا مبلغ احترامه للصّلاة، لم ينتظره حتّى يفرغ من صلاته، بل عامله بعنف وهو في الصلاة وقد كان يكفيه أن يحدثه.

أمهم وهو جنب

وعن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطّاب أمّهم وهو جنب أو على غير وضوء فأعاد الصلاة ولم يعد من وراءه(3) .

أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا بن عيينة عن مسعر عن عمران بن موسى عن أبي الصعبة أن عمر بن الخطّاب قال لرجل وهو على المنبر يوم الجمعة هل اشتريت لنا وهل أتيت لنا بهذا وأشار بأنملة من أصابعه يعني حبا(4) .

وعن الأعمش عن مسيب بن رافع أنّ عمر بن الخطّاب قال: من اشتد عليه الحر

____________________

(1) مصنف عبد الرزاق، ج 2 ص 123 رقم 2752.

(2) مصنف عبد الرزاق ج 2 ص 184 رقم 2992.

(3) مصنف عبد الرزاق، ج 2 ص 348 رقم 3649.

(4) مصنف عبد الرزاق، ج 3 ص 216 رقم 5388.

٢٣٩

يوم الجمعة في المسجد فليصلّ على ثوبه، ومن زحمه النّاس فليسجد على ظهر أخيه(1) .

لم يبيّن عمر إن كان سمع هذا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم أنه من اجتهاداته!

وعن يحيى بن سعيد قال اخبرني يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أوّل من بدأ بالخطبة قبل الصّلاة يوم الفطر عمر بن الخطّاب لما رأى النّاس ينقصون فلما صلّى حبسهم في الخطبة(2) . ولم يثبت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدم الخطبة في العيد على الصلاة؛ ففي شرح الزركشي قوله: قد تضمن هذا الكلام أنّ خطبة العيد تكون بعد الصّلاة وهذا كالإجماع، وقد استفاضت به الأحاديث عن صاحب الشرّع وعن خلفائه الراشدين(3) .

وقال ابن مفلح: ويبدأ بالصلاة قبل الخطبة قال ابن عمر كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوبكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل الخطبة متفق عليه. فلو قدم الخطبة عليها لم يعتد بها قول الأكثر وكما لو خطب في الجمعة(4) . وفي المجموع.

ويستحب للناس استماع الخطبةوليست الخطبة ولا استماعها شرطا لصحة صلاة العيد لكن قال الشافعي لو ترك استماع خطبة العيد او الكسوف أو الاستسقاء أو خطب الحج أو تكلم فيها أو انصرف وتركها كرهته ولا إعادة عليه(5) . وفي روضة الطالبين: ولو خطب الإمام قبل الصلاة فقد أساء وفي الاعتداد بخطبته احتمال لإمام الحرمين. قلت الصواب وظاهر نصه في الأم أنه لا يعتد بها كالسنة الراتبة بعد الفريضة إذا قدمها والله أعلم.(6)

وثبت أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّر الناس بين البقاء والانصراف بعد الصّلاة.

وعن ضمرة بن سعيد قال سمعت عبيد الله بن عتبة يقول خرج عمر بن الخطّاب في

____________________

(1) مصنف عبد الرزاق، ج 3 ص 234 رقم 5469.

(2) مصنف عبد الرزاق، ج 3 ص 283 رقم 5644.

(3) شرح الزركشي، ج 1 ص 289.

(4) المبدع، ابن مفلح، ج 2 ص 183.

(5) المجموع، ج 5 ص 29.

(6) روضة الطالبين، ج 2 ص 74.

٢٤٠