الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب0%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبدالباقي قرنة الجزائري
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: الصفحات: 564
المشاهدات: 83423
تحميل: 6165

توضيحات:

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83423 / تحميل: 6165
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعن أبي هلال عن بن بريدة قال: قال عمر: ما تعلّم الرجل الفارسية إلا خبث ولا خبث إلا نقصت مروءته(4) .

أقول: لقد كان الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام يتكلّم الفارسية وهو أشرف أهل زمانه باعتراف علماء الرّجال والمؤرّخين. وقد كان خلفاء بني العباس السّفاح فمن بعده يتكلّمون الفارسيّة وكان حجّابهم وكتّابهم من الفرس، ولم يقل عنهم إنّهم كانوا خبثاء! لكن يبدو أنّ عمر صار يتأدّى من كل ما هو فارسي من يوم سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لو كان الدّين في الثّريّا لنا له رجال من فارس.

وعن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت على عمر فقال: يا عبد الرحمن بن عوف أتخشى أن يترك الناس الإسلام ويخرجون منه قلت لا إن شاء الله وكيف يتركونه وفيهم كتاب الله وسنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: لئن كان من ذلك شيء ليكونن بنو فلان. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح(1) .

أقول: من هم بنو فلان؟

وعن الحسن عن عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه أنه ذكر الكعبة فقال والله ما هي إلا أحجار نصبها الله قبلة لأحيائنا ونوجه إليها موتانا(2) .

عن علقمة قال: بينما نحن مع ابن الخطاب في أحفل ما يكون المجلس إذ نهض وبيده الدرة فمر بأبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صانع يضرب بمطرقته فقال عمر يا أبا رافع أقول ثلاث مرار فقال أبو رافع يا أمير المؤمنين قل ثلاث مرار، فقال: ويل للصّانع وويل للتّاجر من لا والله وبلى والله! يا معشر التّجار، إنّ التّجارة يحضرها الأيمان فشوبوها بالصّدقة. إلا إنّ كل يمين فاجرة تذهب بالبركة وتثبت الذنب فاتقوا لا والله وبلى والله فإنهن يمين سخطة(3) .

____________________

(1) مجمع الزوائد ج 1 ص 113.

(2) سنن البيهقي الكبرى، ج 3 ص 409.

(3) تهذيب الآثار، ج 3 ص 52.

٣٦١

ومن أقوال عمر كما في تفسير الطبري: أخشوشنوا، وتمعددوا، وانزوا على الخيل نزوا، واقطعوا الرّكب، وامشوا حفاة. قال الطبري: يأمرهم في ذلك بالتّخشّن في عيشهم لئلا يتنعّموا فيركنوا إلى خفض العيش ويميلوا إلى الدّعة فيجبنواويحتملوا عن أعدائهم(1) .

أقول: لكن الله تعالى يقول ك ( قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ الّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطّيّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ.. ).

وعن عاصم الأحول قال حدثنا الشعبي أن أبا بكر قال في الكلالة: أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله هو ما دون الولد والوالد قال فلما كان عمر قال إني لأستحيي من الله أن أخالف أبابكر(2) !

أقول: يستحي أن يخالف أبابكر ولا يستحي أن يخالف الله ورسوله. بل قد خالف أبابكر في كثير من المسائل كما أشير إليه في المحصول، فقدع زوا إلى النظام أنه قال: ثم رويتم أن عمررضي‌الله‌عنه قال إني لأستحيي أن أخالف أبابكر قال النظام فإن كان عمر استقبح مخالفة أبي بكر فلم خالفه في سائر المسائل فإنه قد خالفه في الجد وفي أهل الردة وقسمة الغنائم(3) . وقد فصل في ذلك ابن القيم فقال: الوجه الثاني أن خلاف عمر لأبي بكر أشهر من أن يذكر كما خالفه في سبي أهل الردة فسباهم أبوبكر وخالفه عمر وبلغ خلافه إلى أن ردهن حرائر إلى أهلهن إلا من ولدت لسيدها منهن ونقض حكمه

____________________

(1) تفسير الطبري، ج 2 ص 178.

(2) تفسير الطبري ج 4 ص 284. وأضواء البيان ج 7 ص 316 وأضواء البيان ج 7 ص 325 والتفسير الكبير ج 9 ص 179 والدر المنثور ج 2 ص 756 وتفسير ابن كثير ج 1 ص 461 وتفسير الطبري ج 4 ص 284 وأحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 17 وتفسير الثعلبي ج 3 ص 269 وتفسير الثعلبي ج 3 ص 421 وسنن البيهقي الكبرى ج 6 ص 224 ومصنف عبد الرزاق ج 10 ص 304 ومعرفة السنن والآثار ج 5 ص 49 وكنز العمال ج 11 ص 36 والتمهيد لابن عبد البر ج 5 ص 195 وتخريج الأحاديث والآثار ج 1 ص 291 والمحلى ج 9 ص 298 وإعلام الموقعين ج 2 ص 202 و

(2) فتح الباري ج 7 ص 99 تحت رقم 3544.

(3) فتح الباري ج 8 ص 635.

(0) شرح فتح القدير ج 4 ص 406.

(5) المحصول، الرازي، ج 4 ص 479.

٣٦٢

ومن جملتهن خولة الحنفية أم محمد بن علي فأين هذا من فعل المقلدين بمتبوعهم وخالفه في أرض العنوة فقسمها أبوبكر ووقفها عمر وخالفه في المفاضلة في العطاء فرأي أبوبكر التسوية ورأي عمر المفاضلة ومن ذلك مخالفته له في الاستخلاف وصرح بذلك فقال إن أستخلف فقد استخلف أبوبكر وإن لم أستخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف... وخلافه له في الجد والإخوة معلوم أيضا(1) .

قال ابن حجر: قوله كان عمر يقول أبوبكر سيدنا واعتق سيدنا يعني بلالا. قال ابن التين يعني أنّ بلالا من السّادة ولم يرد أنّه أفضل من عمر. وقال غيره: السيّد الأوّل حقيقة والثّاني قاله تواضعا على سبيل المجاز، أو أنّ السيادة لا تثبت الأفضلية فقد قال بن عمر: ما رأيت اسود من معاوية مع أنه رأى أبابكر وعمر(2) .

جاء في فتح الباري قوله: ويبطله أن القوم خافوا من العقوبة بعد حتى كان عمر يقول يا حذيفة بالله هل أنا منهم(3) .

وعن الأعمش عن إبراهيم قال كان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة قال ما كنا نغير في ديننا بشهادة امرأة فهذا شاهد على انه كان الدين المعروف المشهور وجوب النفقة والسكنى فينزل حديث فاطمة من ذلك منزلة الشاذ والثقة إذا شذ لا يقبل ما شذ فيه(4) .

أقول: لكنه قبل ما شذ به أبوبكر في ميراث الأنبياء مع خلافته لصريح القرآن (وورث سليمان داوود)!

وفي فيض القدير: قال عمر فيما رواه الحاكم إنكم تؤنسون مني شدة وغلظة إني كنت مع رسول الله عبده وخادمه فكان كما قال الله تعالى بالمؤمنين رؤوف رحيم (التوبة 128) فكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني لمكان لينه. قال

____________________

(1) إعلام الموقعين ج 2 ص 235.

(2 فتح الباري ج 7 ص 99.

(3) فتح الباري ج 8 ص 635.

(4) مرقاة المفاتيح ج 6 ص 448 وشرح فتح القدير ج 4 ص 406.

٣٦٣

الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي(1) .

أقول:

أين كان السّيف المسلول يوم الأحزاب حين كان عمرو بن عبد ودّ يزأر فيهم ويزمجر؟! ولماذا كان السّيف المسلول يعدو يوم أحد كالأروى هاربا من الشّهادة في سبيل الله؟!!

وعن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمررضي‌الله‌عنه قال: اللّهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقال ابن زريع عن روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن أبيه عن حفصة بنت عمررضي‌الله‌عنه قالت سمعت عمر نحوه وقال هشام عن زيد عن أبيه عن حفصة سمعت عمر رضي الله عنه(2) .

أقول:

قد رزقه الله فرصة الشّهادة في أحد ففرّ ينزو كالأروى، ورزقه إيّاها يوم حنين فتولّى، ورزقه إيّاها يوم خيبر فرجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه(3) ، ورزقه إياها يوم الأحزاب حين كان عمرو بن عبد ود ينادي هل من مبارز فتجاهل النداء..

قال جابر كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا(4) .

أقول:

فلماذا قال (سيّدنا الله) حينما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأنصار: (قوموا إلى سيدكم)؟!

وقال عمر: علي أقضانا وأبي أقرؤنا وقال يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن(5) .

قالوا: كان عمر بن الخطّاب إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه قال خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد(6) .

____________________

(1) فيض القدير ج 6 ص 207.

(2) صحيح البخاري، ج 2 ص 668 تحت رقم 1791.

(3) يجبّنونه: أي يقولون له: يا جبان أو أنت جبان.

(4) مرقاة المفاتيح، ج 11 ص 344.

(5) تهذيب التهذيب، ج 7 ص 296.

(6) سير أعلام النبلاء ج 3 ص 73.

٣٦٤

وقال ابن تيمية في السّياسة الشّرعية: قال عمر بن الخطّاب: من ولى من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودّة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين وهذا واجب عليه، فيجب عليه البحث عن المستحقّين للولايات من نوّابه على الأمصار من الأمراء الذين هم نواب ذي السلّطان والقضاة، ومن أمراء الأجناد ومقدّمي العساكر والصّغار والكبار وولاة الأموال من الوزراء والكتاب والشّادين والسّعاة على الخراج والصّدقات وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين وعلى كلّ واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده(1) .

أقول:

لكنّ أكثر ولاته كانوا من الطلقاء ومن تأخّر إسلامهم، وقد أمّر قدامة بن مطعون الذي كان أخا زوجته زينب بنت مظعون، ثمّ تبيّن أنه شرب الخمر واعترف عمر أنّه ولاّه محاباة!

وقال أيضا: قال عمر بن الخطّاب: احترسوا في الناس بسوء الظن فهذا أمر عمر مع أنه لا يجوز عقوبة المسلم بسوء الظن(2) .

قال ابن كثير: وقد ثبت عن عمر انه كان يقول: (عليّ أقضانا وأبي أقرؤنا للقرآن وكان عمر يقول أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها)(3) .

قال ابن أبي الحديد: أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن حاتم، عن رجاله، عن ابن عباس، قال: مر عمر بعلي، وأنا معه بفناء داره فسلم عليه، فقال له على. أي تريد؟ قال: البقيع، قال: أفلا تصل صاحبك، ويقوم معك؟ قال: بلى، فقال لي على: قم معه، فقمت فمشيت إلى جانبه، فشبك أصابعه في أصابعي، ومشينا قليلا، حتى إذا خلفنا البقيع قال لي يابن عباس ما والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلا أنا خفناه على اثنين، قال ابن عباس: فجاء بكلام لم

____________________

(1) السياسة الشرعية، ابن تيمية، ج 1 ص 17.

(2) السياسة الشرعية، ج 1 ص 159.

(3) البداية والنهاية، ج 7 ص 360.

٣٦٥

أجد بدا من مسألته عنه، فقلت: ما هما يا أمير المؤمنين؟ قال: خفناه على حداثة سنه، وحبه بنى عبد المطلب(1) .

أقول:

لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا يحبّ بني عبد المطلب، ولم يخرجه حبّهم من رضي ولم يدخله في سخط، لأنّه كان من حيث المعاملة يساوي بينهم وبين سائر الناس، وكان علي عليه السلام على منهاجه. ولبني عبد المطلب في ذمم الناس حقوق، وليس لأحد عليهم حقّ.

عن محمد بن سيرين قال: لما طعن عمر جعل الناس يدخلون عليه فقال لرجل انظر فأدخل يده فنظر فقال ما وجدت فقال إني أجده قد بقي لك من وتينك ما تقضي فيه حاجتك قال أنت خيرهم وأصدقهم قال فقال رجل والله غني لأرجو أن لا تمس النار جلدك قال فنظر إليه حتى رثينا أو أوينا له ثم قال إن علمك بذلك يا ابن فلان لقليل لو أن لي ما في الأرض لي لافتديت به من هول المطلع(2) .

قال السيوطي: أخرج ابن سعد عن الأحنف بن قيس قال: كنا جلوسا بباب عمر فمرت جارية فقالوا: سرية أمير المؤمنين فقال: ما هي لأمير المؤمنين بسرية ولا تحل له إنها من مال الله فقلنا: فماذا يحل له من مال الله تعالى؟ قال: إنه لا يحلّ لعمر من مال الله إلا حلّتان: حلّة للشتاء وحلّة للصّيف، وما أحجّ به وأعتمر، وقوتي وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم! ثم أنا بعد رجل من المسلمين. وقال خزيمة ابن ثابت: كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب له واشترط عليه أن لا يركب برذونا ولا يأكل نقيا ولا يلبس رقيقا ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات فإن فعل فقد حلّت عليه العقوبة. وقال أسلم: قال عمر: لقد خطر على قلبي شهوة السّمك الطّريّ، قال: فرحل يرفأ راحلته وسار أربعا مقبلا وأربعا مدبرا واشترى مكتلا، فجاء به وعمد إلى

____________________

(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 6 ص 50 - 51.

(2) تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر، ج 44 ص 430.

٣٦٦

الراحلة فغسلها فأتى عمر فقال: انطلق حتى أنظر إلى الرّاحلة فنظر وقال: أنسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنيها؟ عذّبت بهيمة في شهوة عمر؟! لا والله، لا يذوق عمر مكتلك. وقال عبد الله بن عيسى: كان في وجه عمر بن الخطّاب خطان أسودان من البكاء! وقال أنس: دخلت حائطا فسمعت عمر يقول وبيني وبينه جدار: عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين بخ! والله لتتّقينّ الله يا ابن الخطّاب أو ليعذّبنّك الله. وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه التّبنة يا ليتني لم أكن شيئا، ليت أمّي لم تلدني! وقال عبيد الله بن عمر بن حفص: حمل عمر بن الخطّاب قربة على عنقه فقيل له في ذلك فقال: إنّ نفسي أعجبتني فأردت أن أذلّها. وقال محمد سيرين: قدم صهر لعمر عليه فطلب أن يعطيه من بيت المال فانتهره عمر وقال: أردت أن ألقى الله ملكا خائنا؟ ثمّ أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم. وقال سفيان بن عيينة: قال عمر بن الخطّاب: أحبّ الناس إليّ من رفع إلي عيوبي(1) .

____________________

(1) تاريخ الخلفاء، ج 1 ص 116.

٣٦٧

٣٦٨

الفصل الخامس

عمر والنساء

٣٦٩

٣٧٠

عمر والنساء

ماذا تمثّل المرأة في نظر عمر بن الخطّاب؟

روى ابن شبّة النّميريّ في أخبار المدينة عن هلال بن أميّة قصّة فيها أنّ امرأة عمر قال لعمر: يا أمير المؤمنين فيم وجدت على عياض؟ قال: يا عدوّة الله، وفيم أنت وهذا؟ ومتى كنت تدخلين بيني وبين المسلمين؟ إنّما أنت لعبة يلعب بك ثمّ تتركين(1) !

هذه هي المرأة في نظر عمر؛ لعبة يلعب بها ثمّ تترك. لكنّ الله تعالى ضرب بالمرأة المثل في الإيمان فقال جل شأنه ( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنّةِ وَنَجّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا وَصَدّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ )(2) . ثمّ ما رأي من يطّلع على عبارة عمر هذه من غير المسلمين؟ وكأنّي بقائل يقول: (نحن لا نبالي برأي غير المسلمين)، ولا شكّ أنّه يكون صادقا في قوله، لأنّ هناك فعلا من لا يبالون بشيء وهم يشوّهون صورة الإسلام عند غير المسلمين.

ونظرا لأوصاف عمر الخلقيّة والخلقيّة فإنّه يصعب القول إنّه كان له شيء من المحبوبية لدى النّساء، سواء في ذلك الحرائر والإماء! ولا يلام النّساء في ذلك، فإنّ المرأة إما أن تحبّ الرجل لخلقه وإما أن تحبّه لخلقه، وقد يكون من حسن حظّها أن يجتمع الأمران؛ أمّا حين يكون رصيد الرجل خاليا ممّا ذكر فإنّه ليس من الإنصاف أن يطلب منها أن ترضى بحياة قاسية خالية مما تتوق إليه النساء! وقد كان عمر على علم بذلك، ومن هذا المنظور قولته للرّجل الذي همّ بالطّلاق، في قصّة سجّلها الأدباء وأهملها المحدثون والمفسرون في كثير مما أهملوا أو كلّ البيوت بنيت على الحبّ؟(3) .

____________________

(1) أخبار المدينة، ابن شبة النميري ج 2 ص 21.

(2) التحريم: 11 و 12.

(3) قال عمر لرجل همّ بطلاق امرأته لم تطلّقها؟ قال: لا أحبها قال: أو كل البيوت بنيت على الحب؟! فأين الرعاية والذمّم؟! البيان والتبيين ج 1 ص 257 ومحاضرات الأدباء ج 2 ص 33.

٣٧١

وقصّة عنف عمر مع النّساء لم تبدأ بعد إسلامه، فإنّ المعروف في تراث العرب أنّ عمر بن الخطّاب ممّن وأدوا بناتهم في الجاهليّة، وهذا أمر فظيع شنيع تشمئزّ النّفوس لمجرّد سماعه فكيف بالإقدام عليه؛ لكنّ عمر بن الخطّاب أقدم عليه بكلّ برودة دم! دفن ابنته في التّراب حيّة تتنفّس كما لو كان يدفن عظام بعير! قال العقّاد: لقد كان عمر شديدا على النّساء فقد قالوا: إنّهرضي‌الله‌عنه كان جالسا مع بعض الصّحابة إذ ضحك قليلا ثمّ بكى، فسأله من حضر، فقال: كنّا في الجاهليّة، نصنع صنما من العجوة فنعبده، ثمّ نأكله، وهذا سبب ضحكي؛ أمّا بكائي فلأنّه كانت لي ابنة، فأردت وأدها، فأخذتها معي، وحفرت لها حفرة فصارت تنفض التراب عن لحيتي، فدفنتها حية(1) .

وقد استبشع الإسلام هذا الفعل الشنيع الذي يكشف عن قسوة قلب لا تكاد توصف(2) .

وبما أنّ الأوضاع في المدينة تختلف عنها في مكّة، وأنّ الأوس والخزرج ومن حولهم من اليهود وغيرهم لم يكونوا يئدون البنات، أو على الأقل ليس بذلك الشّكل الذي تمارسه قريش - في حال ثبوته وهوما لم يثبت -، فإنّ عمر بن الخطّاب لم يكن مرتاحا إلى اختلاط نساء الأنصار بنساء المهاجرين، لأنّ مثل هذا الاختلاط يسمح لنساء المهاجرين بالاطّلاع على عيش آخر للنّساء في جزيرة العرب، فيه شيء من الفسحة

____________________

(1) عبقرية عمر، عباس محمود العقاد ص 214.

(2) قال القرطبي: وروي أن رجلا من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان لا يزال مغتما بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مالك تكون محزونا؟ فقال: يا رسول الله، إني أذنبت ذنبا في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت. فقال له: أخبرني عن ذنبك، فقال: يا رسول الله، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم، فولدت لي بنت فتشفعت إلى امرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت، وصارت من أجمل النساء فخطبوها، فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زواج، فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب غلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي، فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي، وأخذت على المواثيق بألا أخونها. فذهبت إلى رأس بئر فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر فالتزمتني، وجعلت تبكي وتقول: يا أبت إي شيء تريد أن تفعل بي؟ فرحمتها، ثم نظرت في البئر فدخلت علي الحمية، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبت لا تضيع أمانة أمي ن فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة، وهي تنادي في البئر: يا أبت، قتلتني. فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت. فبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه، وقال: لو أمرت أن أعاقب أحدا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك (22) القرطبي، تفسير سورة التكوير، الآية الثامنة، ج 19 ص 232 - 234.

٣٧٢

وشيء من الاحترام، وهما الأمران الضروريان لاستمرار حياة زوجيّة متوازنة؛ وقد مرّ بك قول عمر لإحدى نسائه (إنّما أنت لعبة يلعب بك ثمّ تتركين)، وهذا يعني أن المرأة لا تعني عنده شيئا، بل هي بعض ما في البيت من متاع وانتهى الكلام، ومن كانت هذه نظرته إلى المرأة كيف يتوقّع منه أن يحترمها ويراعي حقوقها؟ حتّى لو كانت بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنها تبقى امرأة في نظره، ولذلك استحلّ الهجوم على بيتها لإرغامها على القبول في ما دخلت فيه جماعته.

دخل عمر على حفصة فلمّا رأت عاتكة عمر قامت فاستترت، فنظر إليها عمر فإذا امرأة بارعة ذات خلق وجمال، فقال عمر لحفصة: من هذه؟ فقالت: هذه عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل. فقال عمر اخطبيها عليّ؛ قال: فذكرت حفصة لها ذلك، فقالت: إنّ عبد الله بن أبي بكر جعل لي جعلا على أن لا أتزوّج بعده، فقالت ذلك حفصة لعمر، فقال لها عمر: مريها فلتردّي ذلك على ورثته وتزوّجي! قال فذكرت ذلك لها حفصة فقالت لها عاتكة: أنا اشترط عليه ثلاثا، ألاّ يضربني ولا يمنعني من الحقّ، ولا يمنعني عن الصّلاة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العشاء الآخرة فقالت حفصة لعمر ذلك فتزوّجها، فلمّا دخل عليها أولم عليها ودعا أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعا فيهم علي بن أبي طالب...

أقول:

يأتي لاحقا بخصوص هذه القصّة أنّه غلبها على نفسها، ولم تكن راضية بالزّواج منه؛ وليس من المروءة أن يغلب الرّجل المرأة على نفسها. ثمّ انظر إلى شروطها وفق هذه الرّواية يتبيّن لك أنّها كانت على علم بسوء معاملته للنّساء وإلاّ فما معنى أن تشترط عليه ألاّ يضربها؟! ولو لم يكن الأمر كذلك لقالت لها حفصة: (إنه لا يضرب النساء)؛ وتأمّل قولها (ولا يمنعني من الحقّ)! ثمّ ما دخل الورثة وما اتفق عليه الزوجان عبد الله بن أبي بكر وعاتكة بنت زيد؟!

من أجل أن يطفئ عمر بن الخطاب حرارة شهوته دفع امرأة إلى نقض عهد أرملة

٣٧٣

مع زوجها، وللتّذكير فإنّ عبد الله بن أبي بكر توفي في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أثر جرح أصابه في حصار الطّائف. فأين هذا من الزّهد المدّعى؟ وفي المدينة نساء كثير ثيبات وأبكار في وسع عمر أن يختار منهنّ، لكنّه لا يريد إلا عاتكة بنت زيد لأنّه وجدها في بيته تتحدّث مع ابنته حفصة فأعجبته.

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي قلابة قال: (كان عمر بن الخطّاب لا يدع في خلافته أمة تقنّع، ويقول إنّما القناع للحرائر لكيلا يؤذين)(1) .

أقول:

هل يعني ذلك جواز أن تؤذى الإماء؟ وإذا كانت الأمة عفيفة متديّنة راغبة في الخير معرضة عن الشرّ، ألا يشفع لها ذلك؟ لقد كانت هند بنت عتبة تدّعي أنها حرّة، وقالت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الفتح: (أو تزني الحرّة)؟! وضحك عمر حين سمع قولها حتّى استلقى، هكذا تقول الرواية! استلقى أمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شدّة الضّحك. ومن حقّه أن يضحك فإنّ حال هند بنت عتبة الحرّة أشهر من أن تخفى.

وعن سالم بن عبد الله قال: (كان عمر رجلا غيورا فكان إذا خرج إلى الصّلاة اتبعته عاتكة ابنة زيد، فكان يكره خروجها ويكره منعها وكان يحدّث أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا استأذنتكم نساؤكم إلى الصّلاة فلا تمنعوهنّ(2) .

أقول:

لا يغب عنك أنها اشترطت عليه في زواجها منه (ألاّ يمنعها عن صلاة العشاء الآخرة في المسجد)، وهذا يعني أنّه حقّها المشروع لا أنّه تبرّع من عمر كما قد يوهم به ذيل الخبر.

وعن ابن سيرين قال: إن كان عمر بن الخطّاب ليستشير في الأمر حتّى إن كان ليستشير المرأة فربّما أبصر في قولها الشّيء يستحسنه فيأخذ به(3) .

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة ج 2 ص 42.

(2) مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 40 ومجمع الزوائد ج 2 ص 33.

(3) كنز العمال ج 3 ص 317.

٣٧٤

أقول:

وهذا من العجب، لأنّ عمر لم يكن يتورّع أن يخالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته وبعد وفاته، والذي يخالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما يفعل ذلك لأنّه يحتمل صدور الخطإ منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّ القرآن الكريم يهتف( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) ؛ وهل هناك أعجب من احتمال الخطإ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحتمال السّداد من عجوز قضت معظم عمرها في الشّرك؟!

قال ابن تيمية: قال عمر بن الخطّاب احترسوا من النّاس بسوء الظنّ فهذا أمر عمر مع أنه لا تجوز عقوبة المسلم بسوء الظنّ(1) .

أقول:

والنّساء من النّاس، وهذا يعني الاحتراس من النساء بسوء الظّنّ، والعاقل لا يخفى عليه كيف تخرب البيوت إذا أساء الناس الظنّ بنسائهم. وقبل ذلك فإن القرآن الكريم يقول بصريح العبارة( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظّنّ ) ثم يردف بعدها مباشرة( إِنّ بَعْضَ الظّنّ إِثْمٌ ) ، ومع ذلك يقول قائلهم (فهذا أمر عمر)؛ والتّعارض بين كلام الله تعالى وكلام عمر بن الخطاب واضح لا يخفى منه شيء، لكنّه عمر، فعلى النّاس أن يتركوا كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إلى كلام رجل يقول برأيه ما يشاء، ولا مجال للنّقاش. ولأن كلام عمر هذا معارض صراحة للقرآن الكريم، فقد سارع المفسرون والمحدثون كعادتهم إلى نسبة الكلام نفسه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كي تكتمل الفاجعة ويغدو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متناقضا في تبليغه، فبعد أن تلا على الناس قوله تعالى( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظّنّ إِنّ بَعْضَ الظّنّ إِثْمٌ ) ، إذا به يدعوهم علنا إلى سوء الظنّ، وهكذا يتعذر السلوك المناسب لأن الناس إن عملوا في هذه الحالة بالقرآن الكريم خالفوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أمروا بطاعته بلا قيد أو شرط؛ وإن عملوا بالحديث خالفوا القرآن الكريم ووقعوا في العصيان الذي هو محض الضلال. الحديث المزعوم

____________________

(1) مجموع الفتاوى ج 28 ص 372.

٣٧٥

رواه الطبراني في المعجم الأوسط قال: حدثنا أحمد [..] عن سليمان بن مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: (احترسوا من الناس بسوء الظن). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد تفرد به بقية(1) . لكنه في سنن البيهقي الكبرى منسوب إلى مطرف بن عبد الله؛ قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان [..] عن غيلان بن جرير قال: قال مطرف بن عبد الله احترسوا من الناس بسوء الظن. قال الشيخ رحمه الله وروي ذلك عن أنس بن مالك مرفوعا والحذر من أمثاله سنة متبعة(2) . وكذلك الشأن في كتاب الزهد لأحمد بن حنبل(3) وحلية الأولياء لأبي نعيم(4) وتاريخ مدينة دمشق(5) . وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس وبقية رجاله ثقات(6) . وقال ابن حجر العسقلاني: احترسوا من الناس بسوء الظن أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أنس وهو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى وهو ضعيف فله علتان وصح من قول مطرف التابعي الكبير أخرجه مسدد(7) . وأما عند ابن سعد فهو من كلام الحسن البصري(8) .

حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر استعينوا على النساء بالعري إن إحداهن إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتها أعجبها الخروج(9) .

لكن رواية جاءت أيضا عن قتادة عن أنس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال استعينوا على النساء بالعري(10) . وأيضا عن مسلمة بن مخلد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعروا النساء يلزمن الحجال رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه مجمع بن كعب ولم

____________________

(1) المعجم الأوسط، الطبراني، ج 1 ص 189.

(2) سنن البيهقي الكبرى، ج 10 ص 129 رقم 20203.

(3) الزهد لابن حنبل ج 1 ص 242.

(4) حلية الأولياء ج 2 ص 210.

(5) تاريخ مدينة دمشق، ج 58 ص 330.

(6) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 8 ص 89.

(7) فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ج 10 ص 531.

(8) الطبقات الكبرى، ج 7 ص 177.

(9) مصنف ابن أبي شيبة، ج 4 ص 53. رقم 17711.

(10) المعجم الأوسط، الطبراني، ج 8 ص 165 رقم 8287. قال في ذيل الحديث: لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا سعيد ولا عن سعيد إلا إسماعيل تفرد به ذكريا بن يحيى الخزاز.

٣٧٦

اعرفه وبقية رجاله ثقات(1) .

وعن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال استعينوا على النّساء بالعرى. قال الشّيخ: وهذا الحديث بهذا الإسناد منكر لا يرويه عن سعيد غير إسماعيل هذا ولإسماعيل عن سعيد غير ما ذكرت من الحديث بما ينفرد به عنه، وإسماعيل ليس بذلك المعروف(2) .

لكن الشّوكاني يقول: حديث (أجيعوا النّساء جوعا غير مضرّ وأعروهن عريا غير مبرح.. إلخ) لا أصل له، وكذا (أعروا النّساء يلزمن الحجال) لا أصل له، وكذا (استعينوا على النّساء بالعري)(3) . وأما الذهبي فيقول: هذه الأحاديث من وضع محمد بن داود ولا يدرى من شيخه ولا من شيخ شيخه(4) . ونفس العبارة في لسان الميزان(5) . وفيه كلام كثير أكتفي منه بهذا القدر، وعليه يغدو صعبا إثبات صدور ذاك الكلام من نبي الرحمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ أنه بسيرة وسلوك عمر بن الخطاب أشبه.

أقول:

وهذا يعني أنّه من قول عمر بن الخطّاب وليس من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي مصنف ابن أبي شيبة: عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر استعينوا على النساء بالعري إن إحداهن إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتها أعجبها الخروج(6) .

وفي الإشراف عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال عمر بن الخطّاب (استعينوا على النساء بالعري فإن المرأة إذا عريت لزمت بيتها)(7) .

لكن الدّيلمي نسب هذا القول في الفردوس إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: عن علي: (استعينوا على النّساء بالعرى فإنّ المرأة إذا عريت لزمت بيتها.

____________________

(1) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 5 ص 138.

(2) الكامل في ضعفاء الرجال، ج 1 ص 312.

(3) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ج 1 ص 135.

(4) ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج 5 ص 14.

(5) لسان الميزان، ج 4 ص 106.

(6) مصنف ابن أبي شيبة ج 4 ص 53.

(7) الإشراف في منازل الاشراف ج 1 ص 177.

٣٧٧

وعليه يكون هذا الكلام منسوبا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة وإلى علي عليه السلام أخرى وإلى عمر ثالثة! فهل ينسجم سلوك رسول الله وعلي صلوات الله عليهما مع هذا القول؟ أم أنّ سلوك عمر مع النّساء وضربه إيّاهن بالدّرة هو الذي ينسجم معه؟! وكيف يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ذلك بعد أن رووا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (استوصوا بالنساء خيرا)؟!

قالوا: حديث استعينوا على النساء بالعري رواه إسماعيل عن عباد المزني السعدي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس وهذا بهذا الإسناد منكر لا يرويه عنه غير إسماعيل هذا وليس بذلك المعروف قال المقدسي والصحيح أنه من كلام عمر رضي الله عنه ثا أحمد بن محمد البزار أنبأ أبو طاهر المخلص ثنا أبو القاسم البغوي ثنا أبو فروة محمد بن زياد البلدي حدثنا أبو الأحوص - يعني سلام بن سليم - عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر استعينوا على النساء بالعري فإن إحداهن إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتها أعجتبها الخروج(1) .

وفي أسنى المطالب: (أستعينوا على النّساء بالعري فإنّ إحداهنّ إذا كثرت ثيابها واستحسنت زينتها أعجبها الخروج) أورده ابن الجوزيّ في الموضوع وفيه يحيى بن زكريا الجزّار وإسماعيل بن عباد الكوفي متروكان. وقال الهيثمي ضعيف(2) .

ضرب النساء

ضرب النساء وتعنيفهنّ أمر ممقوت في كل الثقافات وليس هناك رجل يرضاه لابنته ولا امرأة ترضاه لابنتها بل إنّ من الناس من يشترط على من يطلب يد ابنته ألاّ يضربها. وقد كان ضرب النّساء عادة جارية في مكّة، وكان من المتخصّصين فيه عمر بن الخطاب، فقد كان يعذّب بعض الجواري اللاتي اعتنقن الإسلام، وبقي عنيفا مع النّساء والرّجال بعد إسلامه أيضا ح روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنّ عمر بن الخطّاب كان يضرب النساء والخدم(3) . وعن ابن جريج عن ابن شهاب عن عمر مثله.

____________________

(1) ذخيرة الحفاظ، ج 1 ص 396.

(2) أسنى المطالب، ج 1 ص 53.

(3) مصنف عبد الرزاق، ج 9 ص 441 رقم 17938 و 17939.

٣٧٨

وعلى سيرة عمر سار ابنه عبد الله. فعن معمر عن أيّوب قال: سئل نافع هل كان ابن عمر يضرب رقيقه؟ قال: نعم ويعتق في الساعة الواحدة كذا وكذا(1) .

وتقول أسماء بنت أبي بكر بخصوص كيفية الضرب: (كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير ابن العوامرضي‌الله‌عنه ، فإذا غضب على واحدة منّا ضربها بود المشجب(2) حتى يكسّره عليها)(3) ، والمشجب خشبة توثق في الأرض تنشر عليها الثياب، ولا يبدو في كلام أسماء بنت الخليفة ما يظهر الاستنكار، أو الاستغراب، مما يفعله زوجها بهنّ، لأنّ نساء قريش تعوّدن الضرب، ولكن في المدينة حديث التغيير لما رأينه من حسن معاملة رجال الأنصار لزوجاتهم. يقول عمر بن الخطاب: كنّا معشر المهاجرين قوما نغلب نساءنا فإذا الأنصار قوم تغلبهم نساؤهم فأخذت نساؤنا تتأدّب بأدب نساء الأنصار. المتمعّن في هذا الكلام يستشف من ورائه استياء جدّيّا ينغص الأجواء على عمر، ويشير إلى بوادر حركة للتّغيير ورفض الواقع المرّ الذي كانت تعيشه المهاجرات. ولئن كان نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتعرضن للضرب فإنّ وشائج القرابة والنسب كفيلة أن تجعلهن يشاركن بقية المهاجرات. فليس بعيدا أن يكنّ قد أوصلن شكاوى النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يصلنا ذلك.

وقد كان موقف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّن يضربون النّساء ويشدّدون عليهنّ واضحا حتى إنّ امرأة من قريش ذهبت إليه تستشيره في الزّواج من أحد رجلين فلم يشر عليها بأيّ منهما؛ قالت فاطمة بنت قيس: لما انقضت عدتي خطبني أبو الجهم رجل من قريش ومعاوية بن أبي سفيان فأتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت ذلك له فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما أبو الجهم فهو رجل شديد على النساء وأما معاوية فرجل لا مال له(4) .

____________________

(1) نفس المصدر الحديث رقم 17940.

(2) المشجب وهو بكسر الميم عيدان يضم رؤوسها ويفرج بين قوائمها وتوضع عليها الثياب وقد تعلق عليها الأسقية لتبريد الماء وهو من تشاجب الأمر إذا اختلط (لسان العرب، ابن منظور ج 1 ص 484).

(3) الكشاف ج 1 ص 539 وتفسير البحر المحيط ج 3 ص 252 وتفسير الثعلبي ج 3 ص 303 وروح المعاني ج 5 ص 25.

(4) سنن البيهقي الكبرى ج 7 ص 181 وسنن الترمذي ج 3 ص 441 وسنن سعيد بن منصور، ج 1 ص 190 ومسند أبي عوانة ج 3 ص 155، ومسند الطيالسي، ج 1 ص 228 والتمهيد لابن عبد البر، ج 19 ص 139، وتحفة الأحوذي، ج 4 ص 241، وتهذيب الكمال ج 33 ص 100.

٣٧٩

وقد كان عمر أيضا شديدا على النّساء ولهذا لقي الرّد السلبي أكثر من مرة. ذكروا أنه خطب أمّ كلثوم ابنة أبي بكر بن أبي قحافة إلى عائشة فقالت أمّ كلثوم لا حاجة لي فيه، إنّه خشن العيش شديد على النّساء. فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فقال: أنا اكفيك؛ فأتى عمر فقال بلغني خبر أعيذك بالله منه! قال: ما هو؟ قال: خطبت أمّ كلثوم بنت أبي بكر؟ قال: نعم، أفرغبت بي عنها أم رغبت بها عنّي؟ قال: ولا واحدة ولكنّها حدثة نشأت تحت كنف أمير المؤمنين في لين ورفق وفيك غلظة ونحن نهابك وما نقدر أن نرك عن خلق من أخلاقك فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها كنت قد خلفت أبابكر في ولده بغير ما يحق عليك. قال: فكيف بعائشة وقد كلمتها؟ قال: أنا لك بها وأدلّك على خير منها، أمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب تعلق منها بنسب من رسول الله(1) . وخطب أم أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت يغلق بابه ويمنع خيره ويدخل عابسا ويخرج عابسا(2) .

روى النسائي، والبيهقي، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمي، وابن حبان والحاكم وغيرهم، عن إياس بن عبد اللهبن أبي ذباب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله ذئرن النّساء على أزواجهنّ، فرخّص في ضربهنّ، فأطاف بآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساء كثير يشتكين أزواجهن [!] فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد طاف بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساء كثير يشتكين أزواجهن، ليس أولائك بخياركم!(3) .

____________________

(1) تاريخ الطبري ج 2 ص 564.

(2) الكامل في التاريخ ج 2 ص 450 وتاريخ الطبري ج 2 ص 564.

(3) سنن النسائي الكبرى ج 5 ص 371 وسنن البيهقي الكبرى ج 7 ص 304 و ج 7 ص 305 والسنن الصغرى للبيهقي (نسخة الأعظمي) ج 6 ص 291، وسنن أبي داود، ج 2 ص 245، وسنن ابن ماجه، ج 1 ص 638، وصحيح ابن حبان، ج 9 ص 499، والمستدرك على الصحيحين، ج 2 ص 205 وج 2 ص 208 والمعجم الكبير، ج 1 ص 270، ومصنف عبد الرزاق، ج 9 ص 442، وموارد الظمآن، ج 1 ص 319 وسنن الدارمي، ج 2 ص 198، ومسند الشافعي، ج 1 ص 261، ومعرفة السنن والآثار، ج 5 ص 434 والآحاد والمثاني ج 5 ص 184 ومسند الحميدي ج 2 ص 386.

٣٨٠