الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب0%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبدالباقي قرنة الجزائري
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: الصفحات: 564
المشاهدات: 83552
تحميل: 6180

توضيحات:

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83552 / تحميل: 6180
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد فإني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين فأعطاه ذا البأس وذا الشّرف وذا اللّسان فنزعته وأمرت أبا عبيدة بن الجراح. فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: لقد نزعت عاملا استعمله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأغمدت سيفا سلّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضعت لواء نصبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقد قطعت الرّحم وحسدت ابن العمّ فقال عمر: إنك قريب القرابة حديث السنّ مغضب في ابن عمّك(1) .

وعن نصر بن عاصم أن عمر بن الخطّاب سمع نواحة بالمدينة ليلا فأتى عليها فدخل ففرّق النّساء فأدرك النّائحة فجعل يضربها بالدرّة فوقع خمارها فقالوا: شعرها يا أمير المؤمنين، فقال: أجل، فلا حرمة لها(2) .

وعن أبي عمرو الشيباني قال: كنّا عند عمر بن الخطّاب فأتي بطعام له فاعتزل رجل من القوم فقال: ما له؟ قالوا: إنّه صائم. قال: وما صومه؟ قالوا: الدهر. قال: فجعل يقرع راسه بقناة معه ويقول: كل يا دهر، كل يا دهر(3) .

أقول:

أوّلا: قد رووا أنّه قيل لعائشة: تصومين الدهر وقد نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صيام الدهر؟ قالت: (نعم، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن صيام الدهر، ولكن من افطر يوم الفطر ويوم النحر فلم يصم الدهر)(4) . ورووا أيضا عن عامر بن جشيب أنّه سمع زرعة بن ثوب يقول: سألت عبد الله بن عمر عن صيام الدّهر فقال: كنّا نعدّ أولئك فينا من السّابقين(5) . وقال النووي في شرحه على مسلم: (واختلف العلماء فيه؛ فذهب أهل

____________________

(1) فضائل الصحابة، النسائي، ص 553.

(2) مصنف عبد الرزاق، ج 3 ص 557.

(3) مصنف عبد الرزاق، ج 4 ص 298.

(4) تهذيب الآثار للطبري، ج 1 ص 491 رقم 802، والمجموع، ج 3 ص 388.

(5) السنن الكبرى للبيهقي، ج 4 ص 301. وصحيح ابن خزيمة، ج 8 ص 49 رقم 1977. والمجموع ج 6 ص 390.

٤٤١

الظّاهر إلى منع صيام الدّهر نظرا لظواهر هذه الأحاديث، قال القاضي وغيره: وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيّام المنهيّ عنها وهي العيدان والتّشريق، ومذهب الشّافعيّ وأصحابه: أنّ سرد الصّيام إذا أفطر العيدين والتّشريق لا كراهة فيه، بل هو مستحبّ بشرط ألاّ يلحقه به ضرر، ولا يفوّت حقّا، فإن تضرّر أو فوّت حقّا فمكروه، واستدلّوا بحديث حمزة بن عمرو، وقد رواه البخاريّ ومسلم أنّه قال: يا رسول الله: إنّي أسرد الصّوم أفأصوم في السّفر؟ فقال: إن شئت فصم. ولفظ رواية مسلم: فأقرّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سرد الصّيام، ولو كان مكروها لم يقرّه، لا سيّما في السّفر، وقد ثبت عن ابن عمر بن الخطّاب أنّه كان يسرد الصّيام، وكذلك أبو طلحة وعائشة وخلائق من السّلف، قد ذكرت منهم جماعة في شرح المهذّب في باب صوم التّطوّع، وأجابوا عن حديث لا صام من صام الأبد بأجوبة أحدها: أنّه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتّشريق، وبهذا أجاب عائشةرضي‌الله‌عنه (1) . هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإنّه ليس من حق أيّ أحد أن يرغم غيره على الإفطار في الصوم المباح، عمر بن الخطّاب أو غيره. بل إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قصّة كراع الغميم عزم على الصّحابة أن يفطروا وبقي قوم على صيامهم فلم يجبرهم على الإفطار ولا عاقبهم، وإنّما اكتفى بقوله (أولئك العصاة)، هذا مع أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وليس عمر بن الخطّاب كذلك، وإنّما هو أحدهم لا أكثر؛ لكنّه كان مولعا بهتك حرمة الصّحابة إذ يضربهم أمام النّاس بدرّته أو قناة تكون معه، ومعلوم أنّ الرجل لا يتحمّل أن يضرب أمام النّاس حتى لو كان الضارب أباه. وقد كان عمر بن الخطّاب يرى أنّ ضرب الناس مقام يستوجب حمد الله تعالى. فعن عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال كنت مع عمر بن الخطّاب بضجنان فقال كنت ارعى للخطّاب بهذا المكان فكان فظا غليظا فكنت أرعى أحيانا وأحتطب أحيانا فأصبحت أضرب النّاس ليس فوقي أحد إلا

____________________

(1) شرح النووي على مسلم، ج 4 ص 168.

٤٤٢

الله رب العالمين(1) .

وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطّاب خرجت امرأة على عهده متطيبة فوجد ريحها فعلاها بالدرّة ثمّ قال: تخرجن متطيّبات فيجد الرّجال ريحكنّ وإنّما قلوب الرّجال عند أنوفهم! أخرجن تفلات(2) .

وعن إبراهيم قال: طاف عمر بن الخطّاب في صفوف النساء فوجد ريحا طيّبة من رأس امرأة فقال لو أعلم أيّتكن هي لفعلت ولفعلت. لتطّيب إحداكن لزوجها، فإذا خرجت لبست أطمار وليدتها. قال: فبلغني أن المرأة التي كانت تطيبت بالت في ثيابها من الفرق(3) .

أقول:

لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطوف في صفوف النساء؛ ويا ليت عمر بن الخطّاب كان يصنع في ساحات الحرب ما صنعه هنا في صفوف النساء حتى بالت المرأة في ثيابها! يا ليته كان يبوّل الرجال في ساحات القتال بدل أن يبوّل النّساء في المسجد!

وروى عبد الرزاق عن معمر عن ليث أنّ امرأة خرجت متزيّنة أذن لها زوجها فأخبر بها عمر بن الخطّاب فطلبها فلم يقدر عليها، فقام خطيبا فقال: هذه الخارجة وهذا المرسلها لو قدرت عليهما لشترت بهما؛ ثمّ قال تخرج المرأة إلى أبيها يكيد بنفسه وغلى أخيها يكيد بنفسه فإذا خرجت فلتلبس معاوزها فإذا رجعت فلتأخذ زينتها في بيتها ولتتزيّن لزوجها. قال عبد الرزاق يعني شترت سمّعت بهما والمعاوز خلق الثياب(4) .

وعن عطاء قال بينما عمر بن الخطّاب يطوف بالكعبة إذ سمع رجلين خلفه يرطنان فالتفت إليهما فقال لهما: ابتغيا إلى العربية سبيلا(5) .

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق ج 44 ص 315.

(2) مصنف عبد الرزاق ج 4 ص 370 تحت رقم 8103.

(3) مصنف عبد الرزاق، ج 4 ص 373 تحت رقم 8117.

(4) مصنف عبد الرزاق، ج 4 ص 371 تحت رقم 8111.

(5) مصنف عبد الرزاق ج 5 ص 496 رقم 9793.

٤٤٣

ورووا أن امرأة جاءت تسأله عن أمر ن وكانت حاملاً، ولشدة خوفها منه أجهضت حملها.

وقصّته مع جبلة الغسّاني تدلّ على مدى صرامته وشدّته، فقد أسلم جبلة وأسلم من كان معه، وفرح المسلمون بذلك، وحضر جبلة الموسم، وبينما يطوف حول البيت إذ وطأ إزاره رجل من فزارة فحلّه فأنف جبلة وسارع إلى الفزاري فلطمه، فبلغ ذلك عمر فاستدعى الفزاري وأمر جبلة أن يقيده من نفسه أو يرضيه، وضيّق عليه في ذلك غاية التّضييق، فارتدّ جبلة وخرج عن الإسلام وولّى إلى هرقل فاحتفى به وأضفى عليه النعم، إلا أن جبلة كان يبكي أمر البكاء على ما فاته من شرف الإسلام وقد أعرب عن حزنه وأساه بقوله:

تنصرت الأشراف من أجل لطمة وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكنّفني منها لجاج ونخوة وبعت لها العين الصحيحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتني رجعت إلى القول الذي قال لي عمر ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة وكنت أسيراً في ربيعة أو مضر

أقول:

قد أراد عمر أن يذلّه حتى لا يكون هناك ملكان في موسم، وإلا فإنّه كان هناك حلول كثيرة للقضيّة، لكن عمر لجأ إلى الحل الصعب من البداية! ولا يستبعد أن يكون الرّجل المضروب أراد أن يسقط الثّوب نهائيّا فيبقى جبلة عاريا عند الكعبة وتحدّث العرب بذلك، وهو أمر عظيم في حقّ ملك توارث آباؤه الملك أيّام كان الخطّاب يحمل الحطب على عاتقه في جبّة لا تتجاوز مأبض ركبتيه!

عن إبراهيم النخعي قال: كان يقول بالكوفة رجل يطلب كتب دانيال وذاك الضرب فجاء فيه كتاب من عمر بن الخطّاب أن يرفع إليه فقال الرّجل ما أدري فيما رفعت؟ فلما قدم على عمر علاه بالدّرة ثم جعل يقرأ عليه( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ. . )

٤٤٤

حتى بلغ الغافلين. قال: فعرفت ما يريد فقلت: يا أمير المؤمنين دعني، فو الله ما أدع عندي شيئا من تلك الكتب إلا حرّقته. قال: ثم تركه(1) .

أقول:

لكن عمر حين جاء بشيء من التّوراة لم يضربه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يقرأ عليه( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ) مع أنّها عليه أنزلت.

وعن أبي موسى قال: دخلت أسماء بنت عميس على حفصة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه البحرية؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكم! فغضبت وقالت كلا والله، كنتم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنّا في دار أو في أرض العدى البغضاء في الحبشة، وذلك في كتاب الله وفي رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف فسأذكر ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله لا أكذب ولا أزيد على ذلك فلما جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت: يا نبي الله إنّ عمر قال كذا وكذا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما قلت؟ قالت: قلت كذا وكذا. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس بأحقّ بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أهل السفينة هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسىرضي‌الله‌عنه وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا يسألون عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال أبو بردة: قالت أسماء فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد مني هذا الحديث(2) .

أقول:

ومع أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالها فإنّ أبا موسى لن يجرؤ أن يقولها لعمر، وإنّما يستطيع أن

____________________

(1) مصنف عبد الرزاق ج 6 ص 114، تحت رقم 10166.

(2) سنن النسائي الكبرى ج 5 ص 103 تحت رقم 8389.

٤٤٥

يستعيد الحديث من أسماء بنت عميس. ثم إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لأسماء: ليس عمر بأحقّ بي منكم، وهذا كلام جدير بالتّدبّر، فإنّه صادر ممن لا ينطق عن الهوى.

وروى أبو حفص العكبري عن جعدة بن هبيرة قال: رأى عمر بن الخطّاب رجلا يصلي وقد أقتعط بعمامته فقال: ما هذه العمامة الفاسقية؟ ثمّ دنا منه فحلّ لوثا من عمامته فحنكة بها ومضى(1) .

قال ابن كثير: كان عمر بن الخطّاب لا يلقى أسامة إلا قال له (السّلام عليك أيها الأمير)(2) .

أقول:

وتوفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسامة أمير على عمر، لم يغيّر رسول الله من ذلك شيئا؛ فكيف أصبح عمر أميرا على أسامة؟

قالوا: كان عثمان قد سمح لكثير من كبار الصّحابة في المسير حيث شاءوا من البلاد، وكان عمر يحجر عليهم في ذلك حتى ولا في الغزو، ويقول: إني أخاف أن تروا الدنيا وأن يراكم أبناؤها(3) .

قال عمر [فيما ذكر ابن أبي الحديد] لأصحاب الشّورى بعد أن شهد لهم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات وهو راض عنهم: (أفلا أخبركم عن أنفسكم! قال: قل، فإنّا لو استعفيناك لم تعفنا. فقال: أمّا أنت يا زبير [وشرع يعدد أخطاءهم ونقائصهم على حد زعمه]. قال ابن أبي الحديد: ذكر هذا الخبر كله شيخنا أبو عثمان في كتاب السفيانية وذكره جماعة غيره في باب فراسة عمر، وذكر أبو عثمان في هذا الكتاب عقيب رواية هذا الخبر قال: وروى معمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن سعيد بن المسيّب عن ابن عباس، قال: سمعت عمر ابن الخطاب يقول لأهل الشورى: إنّكم إن تعاونتم وتوازرتم

____________________

(1) شرح العمدة، ج 1 ص 268. واقتعط العمامة إذا لم يجعلها تحت حنكه (أساس البلاغة، ج 1 ص 386).

(2) البداية والنهاية، ج 5 ص 312.

(3) البداية والنهاية، ابن كثير، ج 7 ص 219.

٤٤٦

وتناصحتم أكلتموها وأولادكم، وإن تحاسدتم وتقاعدتم وتدابرتم وتباغضتم، غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان، وكان معاوية حينئذ أمير الشام(1) .

أقول:

هذا رأي عمر في المبشّرين بالجنّة، وما يحيّر اللبيب هو قوله لعثمان فإذا كان ذلك فاذكر قولي، فإنّه كائن، وهذا يعني أنّه كان يعلم ما تؤول إليه الأمور إذا وليها عثمان، ومع ذلك رشّحه، وترشيحه يضمن وصوله للخلافة، لأنّ عبد الرحمن بن عوف تزوّج أربع أمويّات، إحداهنّ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أخت الوليد بن عقبة، وأمّ سعد بن أبي وقّاص أخت أبي سفيان صخر بن حرب، وطلحة يريد الخلافة لنفسه...

قال الشعبي: كان جرير هو وجماعة مع عمر في بيت فاشتمّ عمر من بعضهم ريحا فقال: عزمت على صاحب هذه الرّيح لما قام فتوضأ. فقال جرير: أو نقوم كلنا فنتوضّأ يا أمير المؤمنين. فقال عمر: نعم السيّد كنت في الجاهليّة، ونعم السيّد أنت في الإسلام(2) .

عن هشام بن محمد عن أبى عبد الرحمن المدني قال: كان عمر بن الخطّاب إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب. وهكذا حكى المدائني عن عمر أنّه قال ذلك. وقال عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جدّه قال: دخل معاوية على عمر وعليه حلّة خضراء فنظر إليها الصّحابة، فلمّا رأى ذلك عمر وثب إليه بالدرّة فجعل يضربه بها وجعل معاوية يقول: يا أمير المؤمنين الله الله فيّ! فرجع عمر إلى مجلسه فقال له القوم: لم ضربته يا أمير المؤمنين وما في قومك مثله؟ فقال: والله ما رأيت إلاّ خيرا وما بلغني إلاّ خير، ولو بلغني غير ذلك لكان منى إليه غير ما رأيتم ولكن رأيته وأشار بيده فأحببت أن أضع منه ما شمخ(3) .

____________________

(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 185 - 187.

(2) البداية والنهاية ج 8 ص 56.

(3) البداية والنهاية ج 8 ص 125.

٤٤٧

مع أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

رووا أنّ عمر بن الخطّاب (بعث إلى أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمال فقالت عائشةرضي‌الله‌عنه : أإلى كلّ أزواج رسول الله بعث عمر مثل هذا؟ قالوا: لا، بعث إلى القرشيّات بمثل هذا، وإلى غيرهنّ بغيره. فقالت: ارفع رأسك فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه. فرجع الرّسول فأخبره فأتمّ لهنّ جميعا(1) .

واستعمل عمر على الحج بالنّاس أوّل سنة استخلف وهي سنة ثلاث عشرة عبد الرحمن بن عوف فحجّ بالنّاس تلك السنة ثم لم يزل عمر بن الخطّاب يحج بالناس في كل سنة خلافته كلها، فحجّ بهم عشر سنين ولاء، وحجّ بأزواج النبي عليه السلام في آخر حجّة حجّها بالنّاس سنة ثلاث وعشرين واعتمر عمر في خلافته ثلاث مرات عمرة في رجب سنة سبع عشرة وعمرة في رجب سنة إحدى وعشرين(2) .

وعن محمد بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: كان بين عثمان وطلحة تلاح في مسجد رسول الله فبلغ عمررضي‌الله‌عنه فأتاهم وقد ذهب عثمان وبقي طلحة فقال: أفي مسجد رسول الله تقولان الهجر وما لا يصلح من القول؟ ما أنت مني بناج فقال: الله الله يا أمير المؤمنين! فو الله إني لأنا المظلوم المشتوم. فقالت أم سلمة من حجرتها: والله إن طلحة لهو المظلوم المشتوم. قال فكفّ عمررضي‌الله‌عنه ثمّ أقبل إلى أمّ سلمةرضي‌الله‌عنه فقال: ما تقولين يا هنتاه! إن ابن الخطّاب لحديث العهد ولو سبّ طلحة لسبّه طلحة، ولو ضرب طلحة لضربه طلحة، ولكن الله جعل لعمر درّة يضرب بها الناس عن عرض(3) .

أقول:

هذا هو الأدب مع أمّهات المؤمنين؛ يكلّم إحدى أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي هي بمنزلة أمه بمقتضى قوله تعالى( النّبِيّ أَوْلَى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُمْ .. )

____________________

(1) الكشاف، الزمخشري، ج 1 ص 287.

(2) الطبقات الكبرى، تبن سعد، ج 3 ص 283.

(3) أخبار المدينة، ابن شبة النميري، ج 1 ص 26.

٤٤٨

فيقول لها: (يا هنتاه..) وهي عبارة قبيحة جدّا في لغة العرب. قال النووي: (الهن والهنة بتخفيف نونهما هو كناية عن كل شيء وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر)(1) . ففي سلوكه هذا إهانة لإحدى أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم هو يقول: (ولكن الله جعل لعمر درّة يضرب بها الناس عن عرض)، وهذا غير صحيح، لأنّه لو كان الله تعالى هو الذي شرع الدرّة لكان شرعها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يحدث شيء من ذاك، فهذه الدرّة درّة السّقيفة ولا علاقة لها بالإسلام، وفي نسبتها إلى الله تعالى ما لا يخفى على أولي الألباب.

قال [عمر]: يا عبد الله، اذهب إلى عائشة أم المؤمنين فقل لها يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل اميرالمؤمنين، فإني لست لهم اليوم بأمير، يقول تأذنين له أن يدفن مع صاحبيه، فأتاها بن عمر فوجدها قاعدة تبكي فسلم عليها ثم قال: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه(2) ..

أقول:

إذا كان الأمر كما يقول عمر، وأنه لم يعد أمير المؤمنين، فبأيّ حقّ تصرّف في الخلافة بتلك الطريقة وحدّد العدد، وحدّد مكان الاجتماع، وحدّد صاحب القول الفصل إذا اختلفوا، وحدّد مدة التّشاور ثلاثة أيّام؟! فبأي عنوان تصرّف وهو لم يعد اميرالمؤمنين؟! ثمّ هو يستأذن من عائشة وليس بيت النبي ملكا لها، وقد زعموا أنّ النبي لا يورث!

عن نافع أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى أزواجه من خيبر كل امرأة منهن ثمانين وسقا من

____________________

(1) شرح النووي على صحيح مسلم، ج 16 ص 29. وقال الأصبهاني في (دلائل النبوة ج 1 ص 149) الهن: كناية عن الفرج. وفي خزانة الأدب ج 4 ص 443 والهن كناية عن كلّ ما يقبح ذكره وأراد به هنا الفرج. وأيضا في خزانة الأدب ج 7 ص 246) وقال الشنواتي في حاشية الأوضح: الهن يطلق ويراد به الحقير. وفي (المعجم الوسيط ج 2 ص 998) الهن: الشيء وكناية عن الشيء يستقبح ذكره وكناية عن الرجل يقال يا هن أقبل لا يستعمل إلا في النداء. وفي (تاج العروس ج 40 ص 316) وظاهر المصنّف أنّ الهن إنّما يطلق على فرج المرأة فقط والصّحيح الإطلاق ومنه الحديث أعوذ بك من شرّ هني يعني الفرج.

(2) الطبقات الكبرى ج 3 ص 338.

٤٤٩

تمر وعشرين وسقا من شعير، فلمّا كان عمر بن الخطّاب خيرهن أن يضمن لهنّ ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاهنّ فاختارت عائشة وحفصة أن يقطع لهما من الأرض والماء فصار ميراثا لمن ورثهن(1) .

قالوا: ولم يعلم عمر بأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى في دية الجنين بغرّة عبد أو وليدة حتى أخبره المذكوران قبل، ولم يعلم عمر بأنّ المرأة ترث من دية زوجها حتّى أخبره الضّحّاك بن سفيان أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضّبابيّ من دية زوجها، ولم يعلم عثمان بوجوب السكنى للمتوفّى عنها حتّى أخبرته قريعة بنت مالك أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألزمها بالسّكنى في المحلّ الذي مات عنها زوجها فيه حتى تنقضي عدّتها، وأمثال هذا أكثر من أن تحصر(2) .

أقول:

تلك مسائل غابت عن عمر وفي قول الشنقيطي وأمثال هذا أكثر من أن تحصر اعتراف بكثرة أخطاء عمر.

وروى الأثرم بإسناده عن ظبيان بن عمارة قال: شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة نفر أنّه زان فبلغ ذلك عمر فكبّر عليه وقال شاط ثلاثة أرباع المغيرة بن شعبة؛ وجاء زياد فقال: ما عندك؟ فلم يثبت، فأمر بجلدهم فجلدوا وقال: شهود زور. فقال أبو بكرة: أليس ترضى إن أتاك رجل عندك يشهد رجمه؟ قال: نعم،والذي نفسي بيده؛ فقال أبو بكرة: وأنا أشهد أنه زان، فأراد أن يعيد عليه الحدّ فقال عليّ يا أمير المؤمنين إنك إن أعدت عليه الحدّ أوجبت عليه الرجم. وفي حديث آخر فلا يعاد فيه فرية جلد مرتين. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله قول عليّ إن جلدته فارجم صاحبك؟ قال: كأنه جعل

____________________

(1) كنز العمال ج 4 ص 248 تحت رقم 11708.

(2) أضواء البيان، الشنقيطي، ج 7 ص 343.

٤٥٠

شهادته شهادة رجلين. قال أبو عبد الله: وكنت أنا أفسّره على هذا حتى رأيته في هذا الحديث فأعجبني. ثم قال: يقول إذا جلدته ثانية فكأنك جعلته شاهدا آخر(1) ..

وعن أبي العباس ثعلب قال: لما أن قال أبو بكرة: أشهد أنّه لزان! قال عمر: اجلده! فقال له عليّ: إذاً فارجم صاحبك، لأنّك قد اعتددت بشهادته فصارت شهادتين وإنّما هي شهادة واحد أعادها(2) .

أقول:

لقد كان عمر بن الخطّاب حريصا على تأديب الصحابي أبي بكرة الذي سولت له نفسه الشهادة على أحد رجال الدولة الذين هجموا على بيت فاطمة عليها السلام في نفس الأسبوع الذي توفي فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد كان عمر يعلم أنّ المغيرة فعلها، وأنّ أبا بكرة لم يرمه بباطل بدليل قوله له كما في مصنّف ابن أبي شيبة: (ويحك يا مغيرة والله ما رأيتك قط إلا خشيت أن أرمى بحجارة من السماء)(3) .

مع بني أمية

قال العباس بن عبد المطلب [بخصوص فتح مكة]: فكنت إذا مررت بنار المسلمين قالوا من هذا؟ فإذا نظروا قالوا: عمّ رسول الله، حتّى مررت بنار عمر بن الخطّاب فقال: من هذا؟وقام إليّ ورآه في عجز البغلة فقال: أبو سفيان عدو الله؟ قد أمكن الله منك! ومرّ يشتدّ إلى رسول الله فركضت البغلة فسبقت كما تسبق الدّابّة الرجل البطيء، ثمّ اقتحمت فدخلت على رسول الله ثمّ جاء عمر فدخل فقال: يا رسول الله - صلى الله عليك - هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عهد ولا ميثاق فدعني أضرب عنقه. فقلت: يا رسول الله إنّي قد أمّنته. قال أبو جعفر: فهذا عمر بن الخطّاب أراد قتل أبي سفيان وهو

____________________

(1) أضواء البيان، ج 5 ص 444.

(2) تاريخ دمشق ج 60 ص 33.

(3) حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا شيبان عن الأعمش عن أبي الضحى قال حدثني من سمع عمر يقول إذا رأى المغيرة بن شعبة ويحك يا مغيرة والله ما رأيتك قط إلا خشيت أن أرمى بحجارة من السماء. (مصنف ابن أبي شيبة، ج 6 ص 201 رقم 30666.

٤٥١

أسير فلم يقل له رسول الله لا يجوز قتل الأسير، ولا أنكر عليه ما قاله من همّه بقتله ففي هذا بيان أن الآية محكمة(1) .

أقول:

كلام أبي جعفر هذا في غير محلّه، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أهدر دم أبي سفيان، ولم يتراجع عن ذلك. وأما عبارة دعني أضرب عنقه فهي عبارة اعتاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سماعها من عمر، ولذلك لا يرتّب عليها أثرا. وإذا كان عمر صادقا في ما يقول بخصوص أبي سفيان فما باله يتعامل معه بكلّ خشية حين رجوعه بأموال الصدقة بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول لأبي بكر: إنّ هذا فاعل شرّا فدع له ما بيده، وترك بيده أموال الصدقة التي هي أموال المسلمين، ونزع من فاطمة فدكا بزعمه أنّها من أموال المسلمين؟! - فالقضية إذا ليست قضية أموال المسلمين، وإنّما هي قضيّة عشائر يخافها عمر، وعشائر يستضعفها لقلّة عددها! وقد وصف أبو سفيان يومها قبيلة عمر بأنّها أذلّ حي في قريش، فما باله أعطى الدّنيّة في دينه ورضي أن يقال عنه أذل حي في قريش؟

وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيد بن حنين عن حسين بن علي قال صعدت إلى عمر بن الخطّاب فقلت له: انزل عن منبر أبي واصعد منبر أبيك. قال فقال: إنّ أبي لم يكن له منبر. قال: فأقعدني معه فلما نزل ذهب بي إلى منزله فقال: أي بني من علّمك هذا؟ قال: قلت: ما علمنيه أحد. قال: أي بنيّ لو جعلت تأتينا وتغشانا. قال فجئت يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب ولم يؤذن له فرجعت فلقيني بعد فقال لي: يا بني لم أرك تأتينا؟ فقال: قد جئت وأنت خال بمعاوية ورأيت ابن عمر رجع فرجعت؛ فقال: أنت أحقّ بالإذن من عبد الله بن عمر، إنّما أنبت في رؤوسنا ما ترى الله ثمّ أنتم. قال ووضع يده على رأسه(2) .

أقول: ما الذي كان يجري في الخلوات بين عمر بن الخطّاب ومعاوية بن أبي

____________________

(1) الناسخ والمنسوخ، للنحاس ج 1 ص 495.

(2) تاريخ دمشق ج 14 ص 175.

٤٥٢

سفيان؟! ومعاوية آخر قرشي دخل الإسلام، وعمر بن الخطاب يقول: لا أجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه، فقد جعل من قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل ممن قاتل معه، وطاه الشام. ولعلّ في صفّين وثمانين سنة من حكم الأمويين ما يشير إلى تلك الخلوات من طرف خفي.

وعن يونس عن ابن شهاب قال لما توفّي يزيد بن أبي سفيان أمّر عمر مكانه معاوية ثمّ نعاه عمر لأبي سفيان فقال: يا أبا سفيان احتسب يزيد!. فقال: من أمّرت مكانه؟ قال: معاوية. قال: وصلتك رحم(1) .

قالوا: ثمّ وقع طاعون عمواس فمات أبو عبيدة واستخلف أخاه معاذا، فمات معاذ. واستخلف يزيد بن أبي سفيان، فمات واستخلف أخاه معاوية فأقره عمر (!!). وولّى عمر عمرو بن العاص فلسطين والأردن، ومعاوية دمشق وبعلبك والبلقاء، وسعيد بن عامر بن حذيم حِمصا، ثم جمع الشّام كلها لمعاوية بن أبي سفيان(2) .

قال الشوكاني: أخرج البخاريّ في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمر بن الخطّاب في قوله( أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً ) قال: هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أميّة، فأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حين(3) .

أقول:

فلماذا كان يوليهم على الأمصار ما دام يعلم أنّهم كذلك؟

وجرى كلام بين معاوية وأبي الدرداء وكان ذلك في زمن عمر بن الخطّاب، فأخذ أبو الدرداء على نفسه أن لا يساكن معاوية في أرض هو فيها، فلما بلغ عمر ذلك لم يزد على أن أرسل إلى معاوية ينهاه عن فعل ذلك، ولكنه لم يعنفه على ما صدر منه، ولا

____________________

(1) أسد الغابة، ج 3 ص 26. وتاريخ الرسل والملوك، ج 2 ص 447 ومختصر تاريخ دمشق، ج 8 ص 236 وتاريخ المدينة، ج 3 ص 837.

(2) تاريخ خليفة بن خياط العصفريّ، ص 112.

(3) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج 3 ص 110 - 111.

٤٥٣

عاقبه، ولا عزله عن عمله. وقد كان بإمكان معاوية أن يقول لعمر: أنت أيضا لم تر بأسا بالنهي عن متعتين كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال الذّهبيّ في ترجمة يزيد بن أبي سفيان: أخو معاوية من أبيه ويقال له يزيد الخير، وأمّه هي زينب بنت نوفل الكنانيّة وهو أخو أمّ المؤمنين أمّ حبيبة. كان من العقلاء الألبّاء والشّجعان المذكورين؛ أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه وشهد حنينا فقيل إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاه من غنائم حنين مئة من الإبل وأربعين أوقية فضّة وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الرّوم، عقد له أبو بكر ومشى معه تحت ركابه يسايره ويودّعه ويوصيه وما ذاك إلاّ لشرفه وكمال دينه ولما فتحت دمشق أمّره عمر عليها(1) .

أقول:

انظر إلى الذهبي يقول عن أحد أفراد الشجرة الملعونة في القرآن وما ذاك إلاّ لشرفه وكمال دينه. وسائل نفسك كيف يجتمع اللّعن وكمال الدّين!

مع أهل الكتاب

قال السيوطي: وأخرج سفيان بن عينية عن عكرمة قال: كان عمر يأتي يهود يكلّمهم فقالوا: إنه ليس من أصحابك أحد أكثر إتيانا إلينا منك [!] فأخبرنا من صاحب صاحبك الذي يأتيه بالوحي؟ فقال: جبريل. قالوا: ذاك عدوّنا من الملائكة، ولو أنّ صاحبه صاحب صاحبنا لأتّبعناه. فقال عمر: ومن صاحب صاحبكم؟ قالوا: ميكائيل. قال: وما هما؟ قالوا: أمّا جبريل فينزل بالعذاب والنقمة وأمّا ميكائيل فينزل بالغيث والرحمة، وأحدهما عدوّ لصاحبه. فقال عمر: وما منزلتهما؟ قالوا: إنّهما من أقرب الملائكة منه، أحدهما عن يمينه وكلتا يديه يمين، والآخر على الشقّ الآخر. فقال عمر لئن كانا كما تقولون ما هما بعدوين ثم خرج من عندهم فمر بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاه فقرأ عليه( مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ ) .. الآية. فقال عمر: والذي بعثك بالحق إنه الذي

____________________

(1) سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج 1 ص 329.

٤٥٤

خاصمتهم به آنفا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب انطلق ذات يوم إلى اليهود فلما أبصروه رحبوا به فقال عمر: والله ما جئت لحبّكم ولا للرغبة فيكم ولكني جئت لأسمع منكم، وسألوه فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم جبريل قالوا: ذاك عدونا من الملائكة يطلع محمدا على سرّنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسّنة ولكن صاحبنا ميكائيل وإذا جاء جاء بالخصب والسلم فتوجه نحو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليحدّثه حديثهم فوجده قد أنزل هذه الآية( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ ) .. الآية. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: كان لعمر أرض بأعلى المدينة يأتيها، وكان ممرّه على مدارس اليهود وكان كلما مرّ دخل عليهم فسمع منهم وإنّه دخل عليهم ذات يوم فقال لهم: أنشدكم بالرّحمن الذي أنزل التّوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمّدا عندكم؟ قالوا: نعم، إنّا نجده مكتوبا عندنا ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي جبريل وجبريل عدوّنا وهو صاحب كل عذاب وقتال وخصف، ولو كان وليّه ميكائيل لآمنا به، فإن ميكائيل صاحب كلّ رحمة وكلّ غيث. قال عمر: فاين مكان جبريل من الله؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره قال: عمر فأشهدكم أن الذي عدوّ للذي عن يمينه عدوّ للذي هو عن يساره، والذي عدوّ للذي عن يساره عدوّ للذي هو عن يمينه، وأنّه من كان عدوّهما فإنّه عدوّ لله، ثمّ رجع عمر ليخبر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فدعاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرأ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ ) .. الآية فقال عمر والذي بعثك بالحقّ لقد جئت وما أريد إلا أن أخبرك(1) .

أقول:

لم يثبت أن غير عمر كان يتردّد على اليهود ويحضر مجالسهم. وانظرإلى من رووا هذا الكلام كيف يستخفّون بجلال الله تعالى فيجعلون قرآنه الشريف تكرارا للقول المزعوم من عمر لليهود. أضف إلى ذلك ما تسرّب من العقائد اليهودية وما يشتم من التّجسيم في قولهم عن يمينه وعن يساره.

____________________

(1) الدرّ المنثور، ج 1، ص 223.

٤٥٥

وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن يسار قال: كتب عمر بن الخطّاب إلى كعب الأحبار أن اختر لي المنازل فكتب إليه يا أمير المؤمنين إنّه بلغنا أنّ الأشياء اجتمعت فقال السّخاء: أريد اليمن فقال حسن الخلق: أنا معك وقال الجفاء: أريد الحجاز فقال الفقر: أنا معك. قال البأس: أريد الشام. فقال السيف: أنا معك. وقال العلم: أريد العراق فقال العقل: أنا معك. وقال الغنى: أريد مصر. فقال الذّلّ: أنا معك، فاختر لنفسك يا أميرالمؤمنين فلما ورد الكتاب على عمر قال العراق إذن فالعراق إذن(1) .

أقول:

يكتب إلى كعب الأحبار اليهودي وعنده في المدينة باب مدينة العلم، ومن هو كعب الأحبار حتى يتعلّم منه المسلمون؟! وانظر إلى قوله وقال الغنى أريد مصر فقال الذّلّ أنا معك وما فيه من التجنّي على كرامة المصريّين.

وقد روي عن عمر بن الخطّاب أنه قال لكعب الأحبار يا كعب خوّفنا! فقال: إنّ لجهنم زفرة ما يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلاّ وقع جاثيا على ركبتيه حتى إنّ إبراهيم خليل الرحمن ليدلي بالخلّة فيقول: يا ربّ أنا خليلك إبراهيم لا أسألك إلاّ نفسي، وإن تصديق ذلك في كتاب الله يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها(2) .

أقول:

لا يزال عمر يسأل كعبا ويأخذ منه تعاليم دينه.

وعن ابن علية عن داود عن الشعبي قال: قال عمر كنت رجلا يغشى اليهود في يوم مدراسهم ثم ذكر نحو حديث ربعي(3) .

أقول:

معنى كلامه أن عمر بن الخطّاب كان يداوم على الدّرس في مدارس اليهود بدون إذن من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(1) الدر المنثور، ج 1 ص 237.

(2) زاد المسير، ج 4 ص 499.

(3) تفسير الطبري، ج 1 ص 476.

٤٥٦

قال الجصّاص: ثم قال تعالى( وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّماوَاتُ وَالْأَرْضُ ) في هذا قولان أحدهما أنّه العرض بعينه وروى طارق بن شهاب أنّ اليهود قالت لعمر بن الخطّاب: تقولون جنّة عرضها السموات والأرض فأين تكون النّار؟ فقال لهم عمر: أرأيتم إذا جاء النّهار فأين يكون الليل وإذا جاء الليل فأين يكون النّهار؟ قالوا: لقد نزعت ما في التوراة(1) .

أقول:

إن صحت القصّة فإنها لا تخلو من إشكال لأنّ اليهود سألوا عن ذاتين لا عن عرضين؛ فالليل والنّهار يتعاقبان على مكان واحد، بينما الجنّة والنّار لا تتعاقبان على مكان واحد وهما ذاتان منفصلتان موجودتان في زمان واحد في مكانين مختلفين. يقول سبحانه وتعالى:( فَاطّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ) ويقول جلّ ذكره( إِنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنّا الْحُسْنَى‏ أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا.. ) . لكن يبدو أن الذين يروون هذا النّوع من الرّوايات يريدون أن يقلّدوا عمر بن الخطّاب وسام الدّفاع عن العقيدة الإسلاميّة، وينسون أو يتناسون أنّه هو الذي فسح لأهل الكتاب المجال ليغرقوا التّراث الإسلامي بالإسرائيليّات التي أنتجت التّجسيم والجبر والإرجاء. وخير دليل على ذلك سؤالاته الكثيرة لكعب الأحبار الذي لم يشهد نزول سورة واحدة من القرآن الكريم.

ورووا أن عمر بن الخطّاب قال لكعب الأحبار ما جنات عدن قال قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون والصدّيقون والشهداء وأئمة العدل(2) .

وبفضل تقريب عمر إياه صار كعب الأحبار اليهودي مرجعا للمسلمين في العقائد والمسائل الغيبية. علما أن أباذر الغفاري رضي الله عنه شهد على كعب الأحبار أنّ اليهودية لم تخرج من قلبه. وصار كعب يروي كأنما سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة، وهو الذي لم يره. من ذلك عن عبد الله بن عياش عن يزيد بن قوذر عن كعب الأحبار

____________________

(1) معاني القرآن، ج 1 ص 476.

(2) معاني القرآن، ج 6 ص 205.

٤٥٧

قال من قرأ (قل هو الله أحد) حرم لحمه على النار(1) .

أقول: عمّن يروي كعب هذا الكلام؟ وهل هناك سورة في التّوراة اسمها (قل هو الله أحد).

وقيل إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ حامية فقال حمئة فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجده في التوراة(2) .

أقول:

ألم يجد كعب في التوراة( النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّورَاةِ ) ؟! فما باله تأخر إسلامه حتى توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وقد روي عن كعب الأحبار أن أول حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط دمشق وحران وفي الأخبار القديمة عن شيوخ دمشق الأوائل أن دار شداد بن عاد بدمشق في سوق التين..(3) .

وعن كعب الأحبار أنه قال لعمر: يا أمير المؤمنين اعهد بأنك ميت إلى ثلاثة أيام، فلما قضى ثلاثة أيام طعنه أبو لؤلؤة فدخل عليه النّاس ودخل كعب في جملتهم فقال: القول ما قال كعب. وروى أن عيينة بن حصن الفزاري قال لعمر: احترس أو أخرج العجم من المدينة فإني لا آمن أن يطعنك رجل منهم في هذا الموضع. ووضع يده في الموضع الذي طعنه فيه أبو لؤلؤة(4) .

وكعب الأحبار إنما أسلم على أبي بكر عهد عمر بن الخطّاب لم يدرك النبي واسمه كعب بن مانع(5) . قال أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي المصري المتوفى 1122 في شرح المواهب: قد كانت زيارته مشهورة في زمن كبار

____________________

(1) من فضائل سورة الإخلاص ج 1 ص 55 الحسن الخلال البغدادي. مصر 1412.

(2) تفسير البيضاوي، ج 3 ص 520. دار الفكر بيروت 1996.

(3) معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج 2 ص 464.

(4) الرياض النضرة، ج 2 ص 75.

(5) الجواب الصحيح، ج 3، ص 45.

٤٥٨

الصحابة معروفة بينهم، ولما صالح عمر بن الخطّاب أهل بيت المقدس جاءه كعب الأحبار فأسلم ففرح به وقال: هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتتمتع بزيارته؟ قال: نعم(1) .

أقول:

وهنا يشكل الأمر على ابن تيمية ومن يدور في فلكه، فإنّ عمر ابن الخطاب يدعو صراحة إلى زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويصرّح أنّ زيارته ممتعة.

وعن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنّه سمع معاوية يحدّث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب(2) .

وقال عثمان يوما: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك. فقال أبو ذر: يا ابن اليهوديّين، أتعلّمنا ديننا؟ فقال عثمان: ما أكثر أذاك لي وأولعك بأصحابي؟ الحق بمكتبك وكان مكتبه بالشّام(3) .

أقول:

الخلاف بين أبي ذر من جهة وبين بني أمية وكعب الأحبار من جهة معلوم مبسوط في كتب التاريخ. وإلى جنب كعب الأحبار كان تميم الداري أيضا يسرب إسرائيلياته في تراث المسلمين في غفلة منهم. ولا ينبغي للمسلمين أن يضيّعوا حرمة أبي ذرّ الذي شهد له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق منه من أجل يهودي اسمه كعب الأحبار تظاهر بالإسلام ولم يفارق اليهودية. فإن تكذيب أبي ذر بعد أن شهد له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما شهد به فيه ردّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

عن عطاء عن بن عباس قال: رأيت تميما الداري يقصّ في عهد عمر بن الخطّاب

____________________

(1) شرح المواهب، الزرقاني، ج 8 ص 299.

(2) صحيح البخاري ج 6 ص 2679 وتهذيب التهذيب ج 8 ص 393 وتهذيب الكمال ج 24 ص 193 والإصابة في تمييز الصحابة ج 5 ص 650.

(3) أنساب الأشراف، البلاذري، ج 6 ص 166.

٤٥٩

رضي‌الله‌عنه . وعن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت قال رأيت محمد بن كعب القرظي يقصّ(1) .

أقول:

القرظي نسبة إلى بني قريظة إحدى القبائل اليهودية التي نقضت عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحاربها كما هو مسطور في كتب السّيرة والتاريخ. وتميم الداري معروف، فكلا الرجلين من أهل الكتاب، وهما يقصّان أساطير بني إسرائيل التي لا تخلو من القدح في أنبياء الله تعالى عليهم السّلام، وهذا في المسجد النبوي الشريف وبكل حرّية بعد أن أذن لهم عمر بن الخطّاب الذي منع المسلمين من رواية حديث نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . هذا هو الفهم الصحيح للإسلام: سدّ باب رواية أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق الصحابة، وفتح روافد الإسرائيليات..

وعن الشعبي عن جابر أن عمر بن الخطّاب أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقال: يا رسول الله إنّي أصبت كتابا حسنا من بعض أهل الكتاب! قال: فغضب وقال: أمتهوّكون فيها يا ابن الخطّاب؟ فو الذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذّبوا به أو بباطل فتصدّقوا به والذي نفسي بيده لو كان موسى حيّا ما وسعه إلا أن يتبعني(2) .

أقول:

كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضح حينما يقول: لا تسألوهم عن شيء، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، لكن عمر بن الخطّاب قى مدّة من حكمه يسأل كعب الأحبار إن كان بالمدينة مشافهة، ويكتب إليه إن كان بعيدا عنه المدينة، وقد مرّ بك سابقا قول معاوية في حق كعب وإن كنا لنبلو عليه الكذب.

وعن أقرع مؤذن عمر بن الخطّاب قال: بعثني عمر إلى الأسقف فدعوته فقال له

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة، ج 5 ص 290 تحت رقم 26188 و 26189.

(2) مصنف ابن أبي شيبة، ج 5 ص 312 تحت رقم 26421.

٤٦٠