الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب0%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبدالباقي قرنة الجزائري
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: الصفحات: 564
المشاهدات: 83395
تحميل: 6165

توضيحات:

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83395 / تحميل: 6165
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وتغيظ من علي بن أبي طالب... ولم يتجرأ أن يضربه!

وعنه الزهري ذكره ابن حبان في الثقات روى الزهري عن رجل عنه. قلت في روايته في المسند من طريق معمر عن الزهري عنه أن علياً صلى بعد العصر فتغيظ عليه عمر الحديث(1) .

(مسند عمررضي‌الله‌عنه عن ربيعة بن دراج أن علياً صلى بعد العصر ركعتين فتغيظ عليه عمر وقال: أما علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنهما)(2) .

____________________

(1) تعجيل المنفعة: 127.

(2) كنز العمال: ج 8 ص 46 رقم 21797.

٥٢١

٥٢٢

الفصل العاشر

وفاة عمر بن الخطّاب

٥٢٣

٥٢٤

وفاة عمر

لا خلاف بين المسلمين أنّ عمر بن الخطاب قتل في المدينة على يد رجل كنيته أبو لؤلؤة، وإنّما الاختلاف في قاتله: هل هو مسلم قتل مسلما؟ أم هو غير مسلم قتل مسلما؟ وأقول بعد الفحص والتّحقيق في المسألة، وتتّبع الرّوايات والأقوال: إنّ هناك جناية كبيرة على تابعيّ اسمه فيروز وكنيته أبو لؤلؤة؛ كلّ ما في المسألة أنّه قتل رجلا يدّعون أنّه أهل للنّبوة، وأنّه لو لم يبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعث هو! ولو أنّ أبا لؤلؤة كان مكان عبد الرحمن بن ملجم وقتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام لكان مجتهدا مأجورا ترجى له النّجاة، وتقبل روايته! ولو أنّه قتل الحسين بن علي عليه السلام سيّد شباب أهل الجنّة وأحبّ النّاس إلى قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكان صدوقا مقبول الرّواية حسن الخاتمة. إنّما قتل رجلا حمل قريشا على أعناق بني هاشم، وهو وإن كان قد هجم على بيت فاطمة عليها السلام وآذاها حتى ماتت ساخطة عليه، فإنّه يبقى أفضل هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجل من قريش، ولا يهمّ أن تسخط عليه فاطمة ما دامت قريش معه، ولا يضرّه أن يسخط الله عليه ما دامت قريش راضية عنه، وقد حقّق آمالها وهمّش بني هاشم وأقصاهم وقرّب وقدّم أعداءهم.

إذا كان أبو لؤلؤة مجوسيّا كما ادّعى المؤرّخون، فماذا كان يفعل في الصّف الأوّل بعد تكبيرة الإحرام؟ وقد رووا أنّهم لم يكونوا يسمحون لغير المسلم بدخول المسجد، وقصّة كاتب أبي موسى الأشعري أكبر دليل على ذلك؛ كما رووا أنّ عمر بن الخطّاب لم يكن يدخل في الصّلاة إلاّ بعد أن يسوّي الصّفوف بنفسه. فعن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر بن الخطّاب غداة طعن، فكنت في الصّفّ الثّاني، وما يمنعني أن أكون في الصّفّ الأوّل إلاّ هيبته! كان يستقبل الصّفّ إذا أقيمت الصّلاة فإذا رأى إنسانا متقدّما أو متأخّرا أصابه بالدّرّة، فذلك الذي منعني أن أكون في الصّفّ الأوّل(1) .

____________________

(1) مسند الحارث، زوائد الهيثمي، ج 2 ص 622 تحت رقم 594.

٥٢٥

وقد ذكروا أنّ أبا لؤلؤة وعمر تناجيا طويلا في المسجد، لا خارج المسجد، فبأيّ لغة تكلّما وعمر لا يعرف الفارسية، بل ينهى عن تعلّمها ويزعم أنّها تورث النّفاق؟ إن قلنا إنّهما تناجيا باللّغة العربية فهذا يعني أنّ أبا لؤلؤة يعرف العربيّة، وليست العربيّة باللّغة التي يسهل تعلّمها في أسابيع أو شهور!

قال ابن الأثير بخصوص أبي لؤلؤة: كان من نهاوند فأسرته الرّوم أيّام فارس وأسره المسلمون من الرّوم(1) .

متى أسره المسلمون من الرّوم؟

وقال ابن كثير: (قلت: المشهور أن فتح نهاوند إنّما وقع في سنة إحدى وعشرين كما سيأتي فيها بيان ذلك وهي وقعة عظيمة وفتح كبير)(2) .

وهذا يعقّد الأمور أكثر، لأنّ قتل عمر كان سنة ثلاث وعشرين، يعني بعد عامين فقط. وقد كان لأبي لؤلؤة بنت صغيرة (جارية) قالوا عنها (تدّعي الإسلام)، فهل هي جارية جاءت مع السّبي أم أنّ لؤلؤة تزوّج في المدينة وولدت له لؤلؤة؟ أم أنه كان متزوجا وسبي يوم سبي مع أهله؟ ثم ههنا إشكال كبير، فإنّه لا يقال عن طفلة عمرها سنتان (تدّعي الإسلام)! كما أنّ في عبارة (تدّعي الإسلام) سوء أدب مع الله تعالى، لأنّ الإنسان إمّا أن يكون مسلما وإمّا ألاّ يكون. لكن بما أنّ لؤلؤة بنت قاتل عمر، فقد حاولوا حرمانها من وصف لم يحرم منه عبد الله بن أبيّ بن السّلول وأتباعه. وقد فاتهم أنّ الأرض لا تخلو من آذان واعية، وصدور نقيّة تستنكر الباطل أيّا كان مصدره. واستنكر المسلمون قتل لؤلؤة بنت فيروز ورأوا فيه القصاص الذي لا يقبل الجدل؛ وقد كان موقف علي بن أبي طالب عليه السلام من هذه الواقعة واضحا صريحا، فقد أخبر أنّه إن آل الأمر إليه يوما من الأيّام فإنّه لن يتخلّى عن الاقتصاص من عبيد الله بن عمر بن الخطاب

____________________

(1) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 2 ص 419.

(2) البداية والنهاية، ابن كثير، ج 7 ص 89.

٥٢٦

للؤلؤة المقتولة ظلما وعدوانا. وهذا الموقف من علي عليه السلام ذكره المؤرخون وكتّاب السير والتّراجم ولكنهم لم يؤيدوه، ولا يلامون في ذلك لأنها ليست أول مرة يخذلون فيها عليا عليه السلام وذرّيته، وستبقى هذه الواقعة عارا على جبين قريش لا يرحضه شيء، لأنّ قتل الصّغار عمل دنيء لا يقدم عليه إلا التّافه الذي لا همّة له، كما تبقى عارا على المؤرّخين والمحدّثين الذين وقفوا مع الظّالم لأنّه ابن الخليفة! وليس في ما بين أيدينا من التّراث كلمة قدح في أبي لؤلؤة من طرف علي بن أبي طالب عليه السلام أو أحد من ولده، وهم الذين أمرنا الله تعالى بالتمسّك بهم على حدّ التمسّك بكتاب الله تعالى. وهذه روايات في وفاة عمر وسنّه يوم قبر.

قال [عمر]: فمن قتلني؟ قال: أبو لؤلؤة المجوسي، عبد المغيرة بن شعبة. قال: فرأينا البشر في وجهه وقال: الحمد لله الذي لم يقتلني رجل يحاجني بلا إله إلا الله يوم القيامة(1) .

أقول:

هذا التّكفير بهذه البساطة ليس مسلّما، ومن غير دليل لا يكون إلاّ من جهة المتعصّبين، لأنّ من المعلوم أنّ المسلمين لم يكونوا يسمحون لغير المسلم أن يدخل إلى المسجد ويقف في الصّفّ الأوّل! والدّليل على ذلك ما قاله أبو موسى لعمر في حوار جرى بينهما بخصوص كاتب نصرانيّ كان يكتب لأبي موسى طلب منه عمر أن يقرأ كتابه على النّاس، فقال أبو موسى (إنّه لا يدخل المسجد) فانتهره عمره وقال: (لا تأتمنوهم وقد خوّتهم الله تعالى، ولا تقرّبوهم وقد أبعدهم الله تعالى، ولا تعزّوهم وقد أذلّهم الله تعالى). قال ابن قدامة المقدسي بخصوص هذه الواقعة: (وفيه دليل على شهرة ذلك بينهم وتقرّره عندهم، ولأنّ حدث الجنابة والحيض والنّفاس يمنع المقام في

____________________

(1) الآحاد والمثاني، ج 1 ص 108.

٥٢٧

المسجد، فحدث الشّرك أولى)(1) .

أقول:

وقد كان أبو لؤلؤة في المسجد بعد تكبيرة الإحرام، وقد ذكروا أيضا أنّه وعمر تناجيا طويلا في المسجد، وقد ذكروا أيضا أنّ بنت أبي لؤلؤة كانت مسلمة؛ وبعضهم قال: (تدّعي الإسلام)، ولو لا أنّها كانت مسلمة لما قال علي بن أبي طالب عليه السلام في عبيد الله بن عمر ما قال. فدعوى أنّ أبا لؤلؤة لم يكن مسلما تحتاج إلى مجهود كبير وإلاّ بقيت دعوى بلا بيّنة، وويل لأوّل من قالها. ومن عجيب ما في تراثنا أنّ قاتل عمر مجوسيّ، وقاتل عثمان لاحظّ له في الإسلام، وأمّا قاتل علي بن أبي طالب عليه السلام فمجتهد مأجور! وقاتل الحسين بن علي عليه السلام صدوق مقبول الرواية، لا يضرّه قتل الحسين شيئا! وقد رأينا في أياّمنا كتبا تصف أتباع أهل البيت عليهم السلام بـ المجوس، وتربطهم بالصّهيونية تارة وبالماسونيّة أخرى! كما أنّ هناك مواقع إلكترونية كثيرة وفضائيات وإذاعات ومجلات تجتهد ليل نهار لإطفاء نور الله، فتتّهم الموالين لأهل البيت عليهم السلام بمختلف التّهم، وتقول عنهم بكل وقاحة وصلافة أعداء الإسلام لا لشيء إلا لأنهم يرفضون مفاوضات أوسلو و كامب دافيد والتطبيع مع إسرائيل، بل ويعتبرون الأخيرة غدّة سرطانيّة لابد من استئصالها! كما أنّهم يعتبرون الجلوس إلى طاولة واحدة مع الإسرائيليين خيانة في حق الشعب الفلسطيني المظلوم. فإذا كانت هذه هي الحال، وأتباع أهل البيت عليهم السّلام يصلّون ويصومون ويحجّون بمئات الآلاف، ويحاربون إسرائيل وأذناب إسرائيل، ومع ذلك لا يشفع لهم شيء، بل يعنون كتاب يفتري عليهم بعنوان وجاء دور المجوس وتطبع منه الألوف المؤلفة ببركة أموال النفط المتدفّق، فكيف تكون حال فارسي غريب يعيش في المدينة، على بعد آلاف الأميال من موطنه

____________________

(1) المغني، ابن قدامة المقدسي، ج 9 ص 287.

٥٢٨

الأصليّ؛ ليس له قبيلة تمنعه، ولا قانون يحميه، سوى قانون قريش الذي كتم قائمة أسماء الذين حاولوا اغتيال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة إلى يومنا هذا؟!

إنّني أسلخ هذه الكلمات من صدري سلخا، وأتجرّع معها ما لا يمكن أن يصفه شاعر أو خطيب، لأنّه يفترض فينا أن نكون أحرارا بالإسلام نقول الحق ولا نخشى في الله لومة لائم؛ غير أنّ الواقع خلاف ذلك، وكثير من أبناء أمّتنا الإسلاميّة يعبدون شيوخا انحنوا أمام اللاّت والعزّى ومناة الثالثة الأخرى، لأنّ الأسلاف عبدوهم على طريقتهم، ولم يكتفوا بذلك ولم يقرّ لهم قرار حتى أدخلوا الله تعالى في لعبتهم، وجعلوه هو أيضا في هوى قريش، فما يخطر ببال أولئك المشايخ شيء إلاّ وينزل قرآن موافق له، وهكذا كان! بدل أن يوافق العباد خالقهم، أوجب دين قريش أن يتّبع الخالق عباده، مع أنّه هو الذي قال بكل وضوح وبلغة يفهمها الصغير والكبير:( وَلَوِ اتّبَعَ الْحَقّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السّماوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عن ذِكْرِهِم مُعْرِضُونَ ) (1) .

عن ابن عمر في حديث طويل عن مقتل عمر قال: قال [عمر]: أما إنّي كنت قد نهيتكم أن تجلبوا إلينا من العلوج(2) أحدا فعصيتموني! ثمّ قال: ادعوا لي إخواني. قالوا: ومن؟ قال: عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. فأرسل إليهم ثمّ وضع رأسه في حجري فلما جاؤوا قلت: هؤلاء قد حضروا فقال: نعم، نظرت في أمر المسلمين فوجدتكم أيّها السّتة رؤوس النّاس وقادتهم، ولا يكون هذا الأمر إلاّ فيكم(3) ما استقمتم يستقيم أمر النّاس وإن يكن اختلاف يكن فيكم فلما سمعت ذكر الاختلاف والشّقاق ظننت أنّه كائن لأنّه قلّ ما قال شيئا إلاّ رأيته، ثمّ نزف

____________________

(1) المؤمنون: 71.

(2) جمع علج، وهم الرّجل من كفّار العجم والقويّ الضّخم منهم. [تاج العروس ج 6 ص 108].

(3) هذا كلام يردّه قول علي عليه السلام: (حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنى أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر) شرح النهج، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 184.

٥٢٩

الدّم فهمسوا بينهم حتّى خشيت أن يبايعوا رجلا منهم فقلت: إنّ أمير المؤمنين حيّ بعد ولا يكون خليفتان ينظر أحدهما إلى الأخر، فقال: احملوني؛ فحملناه فقال: تشاوروا ثلاثا ويصلّي بالنّاس صهيب، قال من نشاور يا أمير المؤمنين؟ فقال: شاوروا المهاجرين والأنصار وسراة من هنا من الأجناد. ثمّ دعا بشربة من لبن فشرب فخرج بياض اللّبن من الجرحين فعرف أنّه الموت فقال: (الآن لو أنّ لي الدّنيا كلّها لافتديت بها من هول المطّلع)(1) ، وما ذاك والحمد لله إن أكون رأيت إلاّ خيرا؛ فقال ابن عباس: وإن قلت ذلك فجزاك الله خيرا. أليس قد دعا رسول الله أن يعزّ الله بك الدّين والمسلمين إذ يخافون بمكّة، فلمّا أسلمت كان إسلامك عزّا، وظهر بك الإسلام ورسول الله وأصحابه، وهاجرت إلى المدينة فكانت هجرتك فتحا! ثمّ لم تغب عن مشهد شهده رسول الله من قتال المشركين من يوم كذا ويوم كذا(2) .

أقول:

هذا الكلام المضاف اختلق بعد قتل عمر بمائة سنة على أقل تقدير.

وعن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه قال: سمعت عمر يقول: ولدت قبل الفجار الأعظم بأربع سنين. وقال غيره: ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة(3) .

وقال ابن عبد البرّ: اختلف في سنّهرضي‌الله‌عنه يوم مات فقيل: توفّي وهو ابن ثلاث وستّين سنة كسنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسنّ أبي بكر حين توفّيا. روي ذلك من وجوه عن معاوية ومن قول الشعبي. وروي عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: توفّي عمر وهو ابن بضع وخمسين سنة. وقال أحمد بن حنبل عن هشيم عن علي بن زيد عن سالم بن

____________________

(1) أهكذا يتكلم المبشرون بالجنة حينما يوقنون بالرحيل؟! يحقّ للمرء أن يقارن ببين قول عمر: (الآن لو أنّ لي الدّنيا كلّها لافتديت بها من هول المطّلع) وقول علي بن أبي طالب عليه السلام (فزت ورب الكعبة)!

(2) المعجم الأوسط، الطبراني، ج 1 ص 182. قال في ذيله: لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن عمر إلا مبارك بن فضالة.

(3) تهذيب الكمال، ج 21 ص 322.

٥٣٠

عبد الله أنّ عمر قب وهو ابن خمس وخمسين. وقال الزّهريّ: توفي وهو ابن أربع وخمسين سنة. وقال قتادة: توفّي وهو ابن اثنين وخمسين. وقيل: مات وهو ابن ستّين. وقيل: مات وهو ابن ثلاث وستين.(1)

وعن سالم قال توفي عمررضي‌الله‌عنه وهو بن خمس وخمسين(2) .

أقول:

يمكن أن يختلفوا في أسبوع أو شهر، أمّا أن يكون الفارق بين القولين تسع سنين فهو مما لا يستقيم عند العقلاء!. والعجيب أنّهم اختلفوا في السّنة التي قتل فيها كلّ هذا الاختلاف ولم يختلفوا في اليوم والشّهر. والأمر جدير بالتّمعّن. وانظر إلى قول قائلهم (توفّي وهو ابن ثلاث وستّين سنة كسنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسنّ أبي بكر حين توفّيا) يتبيّن لك مدى حرصهم على محاولة جعل أبي بكر وعرم مشابهين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل شيء حتى في الوفاة! ولا يسمح العاقل لنفسه أن يقرّب الشّبه بين سيّد الخلق أجمعين وشيخين عبدا الأصنام عشرات السّنين، لمجرّد أنّهما حكما بفضل سقيفة.

وقالوا أيضا: توفّي عمررضي‌الله‌عنه وله خمس وخمسون سنة، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال(3) .

وعن أنسرضي‌الله‌عنه قال: قبض النّبي أي توفّي وهو ابن ثلاث وستّين أي والحال أنّه صاحب ثلاث سنين وستّين أي سنة كما في نسخة، وأبوبكر وهو ابن ثلاث وستّين أي بلا خلاف وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر وعمر وهو ابن ثلاث وستّين وقيل ابن تسع وخمسين وقيل ثمان وخمسين وقيل ستّ وخمسين وقيل إحدى وخمسين. قال المؤلف(4) : طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة بالمدينة يوم الأربعاء لأربع بقين من

____________________

(1) الاستيعاب، ابن عبد البر، ج 1 ص 357.

(2) الآحاد والمثاني ج 1 ص 113 رقم 108.

(3) مشاهير علماء الأمصار، ج 1 ص 5.

(4) هو علي بن سلطان محمد القاري.

٥٣١

ذي الحجّة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الأحد عاشر محرّم سنة أربع وعشرين، وله من العمر ثلاث وستّون، وهو أصحّ ما قيل في عمره، وكانت خلافته عشر سنين ونصفا(1) .

أقول:

قولهم (ودفن يوم الأحد عاشر محرّم سنة أربع وعشرين) بعد أن قالوا: (طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة بالمدينة يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة) يعني أنّه مكث أربعة عشر يوما بعد طعنه، وهذا مخالف لما اتّفقوا عليه من أنه بقي ثلاثا بعد طعنه. ولا يستبعد التّصحيف. وإنّما يتلاعبون بالحساب ليجعلوا دفنه في شهر محرّم، والعاشر من محرّم هو نفس يوم شهادة الإمام الحسين بن علي عليه السلام، وهو اليوم الذي تقام فيه مجالس العزاء في كل بلد يسكنه أتباع أهل البيت عليهم السلام. وهذا من أمكر المكر وأخبث الخبث. فهم بذلك يحاولون أن يغيظوا شيعة أهل البيت عليهم السلام. وفي سبل السلام: وتوفي [عمر] في غرّة المحرم سنة أربع وعشرين طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وخلافته عشر سنين ونصف(2) .

والحقّ أنّ عمر بن الخطّاب طعن في ربيع الأوّل ومات في ربيع الأوّل، ولهذا بدت في أقوالهم ثغرات يصعب سدّها. ففي الآحاد والمثاني: عن قتادة قال قتل عمررضي‌الله‌عنه وهو بن واحد وستين سمعت أبابكر بن أبي شيبة يقول توفى عمررضي‌الله‌عنه سنة ثلاث وعشرين من مهاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت أبا بكر يقول وكانت خلافته عشر سنين ونصف قلت أنا: وكانت خلافته عشر سنين وسبعة أشهر أربع ليال(3) . فأضاف شهرا وأربعة أيام حتى لا يختل الحساب.

____________________

(1) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح علي القاري، ج 10 ص 504 تحت رقم 5840.

(2) سبل السلام، ج 1 ص 56.

(3) الآحاد والمثاني ج 1 ص 115، رقم 112.

٥٣٢

وعن جرير عن معاوية قال: مات عمر وهو ابن ثلاث وستّين. ورو أبو أحمد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر عن الشّعبيّ عن معاوية مثله(1) . ونفس الكلام في الطّبقات - وفي الإسناد حريز بن عثمان النّاصبيّ المشهور الذي كان يلعن عليّا عليه السلام قبل الخروج من المسجد سبعين مرّة ويقول لا أحبّه قتل آبائي -: عن عامر بن سعد عن حريز أنّه سمع معاوية يقول توفّي عمر وهو ابن ثلاث وستّين(2) .

ماذا يريد معاوية بروايته هذه، ولماذا كلّ هذا التّأكيد على الثّلاث وستّين؟

قالوا: فلما رأوا ذلك علموا أنّه هالك قالوا: جزاك الله خيرا، قد كنت تعمل فينا بكتاب الله، وتتّبع سنّة صاحبيك لا تعدل عنها إلى غيرها، جزاك الله أحسن الجزاء؛ قال: بالإمارة تغبطونني؟ فو الله لوددت أنّي أنجو منها كفافا لا عليّ ولا لي! قوموا فتشاوروا في أمركم، أمّروا عليكم رجلا منكم، فمن خالفه فاضربوا رأسه! قال: فقاموا وعبد الله بن عمر مسنده إلى صدره فقال عبد الله [بن عمر]: أتؤمّرون وأمير المؤمنين حيّ؟ فقال عمر: لا، وليصلّ صهيب ثلاثا، وانتظروا طلحة وتشاوروا في أمركم فأمّروا عليكم رجلا منكم فإن خالفكم فاضربوا رأسه؛ قال: اذهب إلى عائشة فاقرأ عليها منّي السّلام وقل: إنّ عمر يقول إن كان ذلك لا يضرّ بك ولا يضيّق عليك فإنّي أحبّ أن أدفن مع صاحبيّ، وإن كان يضرّ بك ويضيّق عليك فلعمري لقد دفن في هذا البقيع من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّهات المؤمنين من هو خير من عمر(3) ، فجاءها الرسول فقالت: إنّ ذلك لا يضرّ ولا يضيق عليّ. قال: فادفنوني معهما. قال عبد الله بن عمر: فجعل الموت يغشاه وأنا أمسكه إلى صدري، قال: ويحك ضع رأسي بالأرض! قال: فأخذته غشية فوجدت من ذلك فأفاق فقال: ضع رأسي بالأرض. فوضعت رأسه بالأرض فعفّره

____________________

(1) تاريخ خليفة بن خياط، ص 109.

(2) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد ج 3 ص 365.

(3) فلعمري لقد دفن في هذا البقيع من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمهات المؤمنين من هو خير من عمر! هذا رأي عمر في مسألة التفضيل.

٥٣٣

بالتّراب فقال: ويل عمر وويل أمّه إن لم يغفر الله له قال محمد بن عمرو: وأهل الشّورى علي وعثمان وطلحة والزّبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف(1) .

أقول:

في أيّامنا هذه وفي أزمنة سابقة لم يزل أقوام أشدّ عمريّة من عمر نفسه؛ فعمر يقول: (فلعمري لقد دفن في هذا البقيع من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّهات المؤمنين من هو خير من عمر) وهم يقولون: (أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر). وعمر يقول عن نفسه (ويل عمر، وويل أمّه إن لم يغفر الله له)، وأصحاب حديث العشرة المفتعل يكذّبونه ويقطعون له بالجنّة. ولا يفوتك ما كان يرمي إليه عمر من تفضيل عائشة بنت أبي بكر على جميع أزواج النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه كان استثمارا من خبير. فقد كان عمر يمهّد ليدفن في حجرة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإذن من عائشة، وهذه حجّة أخرى عليه وعلى عائشة، لأنّهم زعموا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يورث؛ فكيف غدت الحجرة ملكا لعائشة إذاً؟! إن كانت نحلة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنحلة فاطمة عليها السلام أولى؛ وإن كان بالميراث فلا كلام بعد قولهم (لا يورث).

قالوا: قال الحسن - وذكر له فعل عمر عند موته وخشيته من ربّه - فقال: هكذا المؤمن جمع إحسانا وشفقة، والمنافق جمع إساءة وغرّة. والله ما وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبدا ازداد إحسانا إلا ازداد مخافة وشفقة منه، ولا وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبدا ازداد إساءة إلا ازداد غرّة.

عن محمد بن إسحاق حدّثني عمّي عبد الرّحمن بن يسار قال: شهدت موت عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه فانكسفت الشمس يومئذ(2) .

أقول: هذا كلام يردّه حديث (إنّ الشّمس والقمر آيتان لا تنكسفان لموت أحد).

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة، ج 7 ص 440.

(2) المعجم الكبير، الطبراني، ج 1 ص 71 رقم 79.

٥٣٤

وقد حاول كعب الأحبار أن يضفي على قتل عمر صبغة دينيّة، وطالما ضحك كعب على المسلمين. روى ابن عساكر عن عبد الله بن جبير عن شداد بن أوس عن كعب قال: كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر، وإذا ذكرنا عمر ذكرناه [!] وكان إلى جنبه نبيّ يوحى إليه، فأوحى الله إلى النبيّ أن يقول له اعهد عهدك واكتب وصيّتك، فإنّك ميت إلى ثلاثة أيّام؛ فأخبره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك، فلما كان اليوم الثّالث وقع بين الجدر وبين السّرير ثمّ جاء إلى ربّه فقال: اللّهم إن كنت تعلم أنّي كنت أعدل في الحكم وإذا اختلفت الأمور اتّبعت هواك وكنت وكنت فزدني في عمري حتّى يكبر طفلي وتربو أمتي، فأوحى الله إلى النّبيّ أنّه قد قال كذا وكذا، وقد صدق، وقد زدته في عمره خمس عشرة سنة، ففي ذلك ما يكبر طفله وتربو أمته. فلمّا طعن عمر قال كعب: (لئن سأل عمر ربّه ليبقينّه الله). فأخبر بذلك عمر فقال: (اللّهم اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم)(1) .

أقول:

هذا كلام كعب، وأما الطّبيب فقال لعمر: (ما أرى تمسي، فما كنت فاعلا فافعل). وكان عمر بن الخطّاب أعلم بكلام كعب ممّن نقلوا الكلام، وهو الذي قال له يوم بيت المقدس (خالطتك يهوديّة). وما دام كعب يقول: (كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر، وإذا ذكرنا عمر ذكرناه) [!] فماذا لم يسمّه؟

وعن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال شهدت عمر بن الخطّاب غداة طعن، فكنت في الصّفّ الثّاني، وما يمنعني أن أكون في الصّفّ الأوّل إلاّ هيبته! كان يستقبل الصّفّ إذا أقيمت الصّلاة فإذا رأى إنسانا متقدّما أو متأخّرا أصابه بالدّرّة، فذلك الذي منعني أن أكون في الصّفّ الأوّل، فكنت في الصّفّ الثّاني فجاء عمر يريد الصّلاة

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق ج 44 ص 420.

٥٣٥

فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فناجاه عمر غير بعيد ثمّ تركه، ثمّ ناجاه ثمّ تركه، ثمّ ناجاه ثم تركه(1) ثمّ طعنه. قال: فرأيت عمر قائلا بيده هكذا (دونكم الكلب قد قتلني)، وماج النّاس قال: فخرج ثلاثة عشر رجلا فمات منهم ستة أو سبعة وماج النّاس بعهم في بعض فشدّ عليه رجل من خلفه فاحتنه؛ قال قائل (الصلاة عباد الله قد طلعت الشمس)! فتدافع النّاس، فدفعوا عبد الرّحمن بن عوف فصلّى بهم بأقصر سورتين في القرآن (إذا جاء نصر الله) و (إنا أعطيناك الكوثر) واحتمل فدخل عليه النّاس قال: يا عبد الله بن عباس اخرج فناد في النّاس: أعن ملأ منكم كان هذا؟ قالوا: معاذ الله، ولا علمنا ولا اطّلعنا. فقال: ادعوا لي بالطبيب. فدعي فقال: أيّ الشّراب أحبّ إليك؟ قال: النّبيذ! فشرب نبيذا فخرج من بع طعناته، فقال النّاس: هذا صديد. فقال: اسقوه لبنا؛ فشرب لبنا فخرج من بع طعناته قال: ما أرى تمسي فما كنت فاعلا فافعل. فقال: يا عبد الله بن عمر ناولني الكتاب فلو أراد الله أن يمضي ما فيها أمضاه. قال عبد الله: أنا أكفيك محوها. فقال: لا، لا يمحوها أحد غيري. قال فمحاها عمر بيده وكان فيها فريضة الجدّ(2) [!]، فقال: ادعوا لي عليّا وعثمان وطلحة والزّبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد قال فدعوا قال فلم يكلم أحدا من القوم إلا عليّا وعثمان فقال: يا عليّ، إنّ هؤلاء القوم لعلّهم أن يعرفوا لك قرابتك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أعطاك الله من الفقه والعلم، فإن ولّوك هذا الأمر فاتّق الله فيه. ثمّ قال: يا عثمان، إنّ هؤلاء القوم لعلّهم أن يعرفوا لك صهرك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشرفك فإن ولّوك هذا الأمر فاتّق الله ولا تحملنّ بني أبي معيط على رقاب النّاس؛ يا صهيب، صلّ بالنّاس ثلاثا وأدخل هؤلاء في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فليضربوا رأسه. قال: فلما خرجوا قال: إن ولّوها الأجلح سلك بهم الطّريق. قال: فقال عبد الله بن عمر: ما منعك؟ قال: أكره أن أحملها

____________________

(1) ماذا قال عمر لأبي لؤلؤة وماذا قال أبو لؤلؤة لعمر؟

(2) يبدو أن فريضة الجدّ عند عمر بن الخطاب من أهم القضايا التي تتعلق بأمن الدولة.

٥٣٦

حيّا وميتا! قلت: في الصحيح طرف منه(1) .

أقول:

من المستبعد أن تكون فريضة الجدّ هي التي محاها عمر من اللّوح، وغير سديد أن تكون هذه المسألة الفرعيّة أهمّ مسألة لديه وقد أيقن بالخروج من الدّنيا. وأستبعد في نفس الوقت أن يصل إلينا ما كان مكتوبا في اللّوح قبل محوه باعتبار أنّ ثقافة الكرسيّ قد احتاطت في النّقل فاستعملت أدقّ مجهر وأحدّ مقص.

قالوا: وكانرضي‌الله‌عنه يستريح إلى كلام ابن عباسرضي‌الله‌عنه ما فقال كرر فكرر عليه فقالرضي‌الله‌عنه : على ما تقول لو أن لي طلاع الأرض لافتديت به من هول المطلع. أخرجه ابن حبّان عن أبي يعلى بطوله وأصله في الصحيح بقليل من هذا السياق ومعظمه ليس فيه(2) .

أقول:

ويبقى السؤال مطروحا: كيف يقول هذا الكلام رجل مبشر بالجنة على لسان من لا ينطق عن الهوى إن صحّت بشارته بذلك؟

وعند ابن حبان: توفى عمررضي‌الله‌عنه وله خمسة وستون سنة(3) .

وزاد مبارك بن فضالة فظنّ عمر أنّ له ذنبا إلى النّاس لا يعلمه فدعا ابن عباس وكان يحبّه ويدنيه، فقال: أحبّ أن تعلم عن ملأ من النّاس كان هذا؟ فخرج لا يمر بملأ من الناس إلاّ وهم يبكون فكأنّما فقدوا أبكار أولادهم(4) ..

أقول:

يقول: (كأنما فقدوا أبكارهم)! والحال أنّ كبراءهم يشهدون عليه أنه (فظّ

____________________

(1) مسند الحارث، (زوائد الهيثمي)، ج 2 ص 622 تحت رقم 594.

(2) المطالب العالية، ابن حجر العسقلاني، ج 15 ص 783.

(3) الثقات، ابن حبان، ج 2 ص 241.

(4) فتح الباري، ابن حجر، ج 7 ص 64.

٥٣٧

غليظ)! وأنّ الشّعبيّ يقول: (ما مات عمر حتى ملّته قريش وكرهت خلافته).

وفي تاريخ الطبري: فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار فقال له: (يا أمير المؤمنين اعهد فإنّك ميت في ثلاثة أيّام [!] قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عزوجل التّوراة)(1) ! قال عمر: آلله إنّك لتجد عمر بن الخطّاب في التّوراة؟! قال: اللهمّ لا، ولكنّي أجد صفتك وحليتك، وأنّه قد فني أجلك! قال وعمر لا يحسّ وجعا ولا ألما؛ فلمّا كان من الغد جاءه كعب فقال: يا أمير المؤمنين ذهب يوم وبقي يومان! قال ثم جاءه من غد الغد فقال ذهب يومان وبقي يوم وليلة وهي تلك إلى صبحتها.

أقول:

هذا كعب الأحبار يضحك على عمر الذي لا يخدع؛ أيّة توراة هذه التي فيها صفة ابن الخطّاب وتحديد يوم قتله كما يدّعي كعب؟! نعم، هناك اسم وصفة النّبي في التّوراة، وقد بقي كعب الأحبار كافرا به إلى أن مات كما يدلّ عليه قول أبي ذررضي‌الله‌عنه له: (والله ما خرجت اليهوديّة من قلبك). وإذا كان كعب قد أسلم فلماذا يبقى متمسّكا بالتّوراة التي شهد القرآن الكريم على ثبوت التّحريف فيها. ثمّ اعجب لاطّلاعه على ما لا يطّلع عليه جبريل،( إِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (2) .

لكنّ كعب الأحبار يدري متى يموت عمر بن الخطّاب على وجه الدقّة والتّفصيل، ويعدّ له الأيّام، ويزعم مع ذلك أنّ هذا في التّوراة! ألا يكون كعب الأحبار ضالعا أو على الأقلّ مطّلعا على مؤامرة قتل عمر التي بقيت إلى اليوم لغزا تحار له عقول الألبّاء؟!

قال عمر [لعبد الله]: اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع

____________________

(1) إلى هذا المستوى بلغ استخفاف كعب الأحبار بالمسلمين، يجد في الكتاب يوم وفاة عمر! هل هو كتاب سماوي أم سجل وفيات؟ الله أعلم. وكعب أيضا يعلم.

(2) لقمان: 34.

٥٣٨

صاحبيه، فذهب إليها فقالت: كنت أريده - تعني المكان - لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي. قال: فأتى عبد الله فقال: قد أذنت لك؛ فحمد الله(1) .

أقول:

يستأذن على عائشة في بيت لا تملكه، ويقتحم على فاطمة بيتا تملكه، ولا يشير إلى ذلك مؤرخ ولا محدّث، لأن ثقافة الكرسيّ هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة، ولأنّ الحاكم (لا يسأل عمّا يفعل)!

قالوا:... قال عمر: أما والله على ما يقولون وددت أنّي خرجت منها كفافا لا عليّ ولا لي، وإنّ صحبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سلمت لي(2) . فتكلّم عبد الله بن عباس وكان عند رأسه وكان خليطه كأنه من أهله وكان ابن عباس يقرأ القرآن فتكلم عبد الله بن عباس فقال والله لا تخرج منها كفافا لقد صحبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصحبته بخير ما صحبه خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنت تنفذ أمره وكنت له وكنت له وكنت ثم وليتها يا أميرالمؤمنين أنت فوليتها بخير ما وليها وال كنت تفعل وكنت تفعل فكان عمر يستريح إلى حديث ابن عباس فقال عمر: يا ابن عباس كرر عليّ حديثك؛ فكرّر عليه، وقال ابن المقرئ كرّ علي حديثك فكرّ عليه، فقال عمر: أما والله على ما تقولون لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به اليوم من هول المطّلع، قد جعلتها شورى في ستة وقال ابن المقرئ في ستّة عثمان وعليّ وطلحة بن عبيد الله والزّبير بن العوام وعبد الرّحمن بن

____________________

(1) صحيح البخاري، ج 1 ص 469، وج 3 ص 1355، وج 3 ص 1356، وصحيح ابن حبان، ج 15 ص 352 وج 15 ص 353 وج 15 ص 354، والجمع بين الصحيحين ج 1 ص 128 وج 1 ص 129، وسنن البيهقي الكبرى ج 4 ص 58، ومصنف ابن أبي شيبة ج 3 ص 34، وج 7 ص 435 وج 7 ص 436، وكنز العمال ج 5 ص 289، وفتح الباري ج 3 ص 258، وعمدة القاري، ج 8 ص 228 وج 16 ص 209، وتاريخ مدينة دمشق، ج 44 ص 416، والطبقات الكبرى، ج 3 ص 338، وشرح العقيدة الطحاوية، ج 1 ص 542، ومنهاج السنة النبوية، ج 6 ص 12 والانتصار في الرّد على المعتزلة القدرية الأشرار، ج 3 ص 879، والمنتظم، ج 4 ص 330، وتاريخ الإسلام ج 3 ص 279 وصفة الصفوة ج 1 ص 290 وتاريخ الخلفاء ج 1 ص 135.

(2) هذا معناه أن عمر بن الخطاب غير متيقن أن صحبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سلمت له، وهذا كلامه هو، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

٥٣٩

عوف وسعد بن أبي وقاص(1) .

أقول:

يقول عمر بن الخطاب: (قد جعلتها) وكأنّه يتكلّم عن شيء يملكه، أليس عجيبا أن يتكلّم بهذه الطريقة وقد طعن وأيقن بالموت، ويمنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة الوصيّة الأخيرة بحجّة أنّه يهجر؟ ومن الأولى بأن يهجر، من طعن وسالت الدماء من جرحه أم من هو سليم البدن؟

وعن سماك عن ابن عباس قال: دخلت على عمر حين طعن فقلت أبشر يا أمير المؤمنين والله لقد مصر الله بك الأمصار وأوسع بك الرزق وأظهر بك الحق فقال عمر قبلها أو بعدها فقلت بعدها وقبلها قال فو الله وددت أني أنجو منها كفافا لا أجر ولا وزر(2) .

وعن مسعر عن سماك قال: سمعت ابن عباس قال: دخلت على عمر حين طعن فجعلت أثني عليه فقال بأيّ شيء تثني عليّ بالإمرة أو بغيرها؟ قال قلت: بكلّ. قال: ليتني أخرج منها كفافا لا أجر ولا وزر. وعن مسعر عن سماك الحنفيّ قال: سمعت ابن عباس يقول: قلت لعمر: مصّر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح، وفعل بك وفعل! فقال: (لوددت أني أنجو منه لا أجر ولا وزر)(3) .

أقول:

أوّل ما يلاحظ على هذا الكلام أنّه أشبه بكلام مؤرّخ من الطّراز التّقليدي! وفيه أكاذيب لا تخفى على الحصيف، إذ متى أعزّ الله الإسلام بعمر؟ بفراره في أحد ينزو كالأروى؟ أم بفراره يوم خيبر يجبّنهم ويجبّنونه؟ أم بفراره في حنين؟ أم بجبنه وخوره

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 44 ص 411.

(2) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 44 ص 423.

(3) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج 3 ص 351.

٥٤٠