ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة0%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف: حسينة حسن الدريب
تصنيف:

الصفحات: 383
المشاهدات: 68378
تحميل: 4620

توضيحات:

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68378 / تحميل: 4620
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

( رضي الله عنه ) فقال : ( رحمة الله على أبي الحسن ، كان ـ والله ـ علم الهدى ، وكهف التقى ، وطود النهى ، ومحل الحجى ، وغيث الندى ، ومنتهى العلم للورى ، ونوراً أسفر في الدجى ، وداعياً إلى المحجّة العظمى ، مستمسكاً بالعروة الوثقى ، أتقى من تقمّص وارتدى ، وأكرم من شهد النجوى بعد محمّد المصطفى ، وصاحب القبلتين ، وأبو السبطين ، وزوجته خير النساء ، فما يفوقه أحد ، ولم تر عيناي مثله ، ولم أسمع بمثله )(1) .

5 ـ محمّد بن أبي بكر ، ( كتب إلى معاوية فيما كتب : يا لك الويل ، تعدل نفسك بعلي؟! وهو وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه )(2) .

6 ـ ابن مسعود ، قال : ( قسّمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي علي تسعة أجزاء ، والناس جزءً واحداً ، وهو أعلم بالعشر الباقي )(3) .

وقال : ( أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب )(4) .

وقال : ( كنا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة علي )(5) .

وقال : ( أفرض أهل المدينة وأقضاها علي )(6) .

وقال : ( إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلّا وله ظهر

__________________

1 ـ روى مثله في أرجح المطالب : 47 ط. لاهور.

2 ـ وقعة صفين لنصر بن مزاحم 133 ، فضائل الخمسة 1 / 280.

3 ـ ينابيع المودّة 1 : 215.

4 ـ الاستيعاب 3 : 41.

5 ـ مستدرك الحاكم 3 : 135.

6 ـ تاريخ مدينة دمشق 42 : 405.

١٦١

وبطن ، وإنّ علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن )(1) .

وروى القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ) عن ( مودّة القربى ) للشافعي ، عن ابن مسعود أنّه قال : ( قرأت سبعين سورة من في رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقرأت البقية على أعلم هذه الأمّة بعد نبيّها صلّى الله عليه وآله علي بن أبي طالب )(2) .

وروى نحوه الخوارزمي الحنفي(3) .

وروى القندوزي أيضاً في ينابيعه ، عن ( فرائد السمطين ) للحمويني بسنده ، عن ابن مسعود أنّه قال : ( نزل القرآن على سبعة أحرف ، وله ظهر وبطن ، وإنّ عند علي علم القرآن ظاهره وباطنه )(4) .

7 ـ عدي بن حاتم ، قال في خطبة له : ( والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنة إنّه ـ يعني علياً ـ لأعلم الناس بهما ، ولئن كان إلى الإسلام إنّه لأخو نبي الله ، والرأس في الإسلام ، ولئن كان إلى الزهد والعبادة ، إنّه لأظهر الناس زهداً ، وأنهكهم عبادة ، ولئن كان إلى العقول والنحائز ، إنّه لأشد الناس عقلاً ، وأكرمهم نحيزة )(5) .

8 ـ عائشة ، قالت في علي عليه السلام : ( هو أعلم الناس بالسنّة )(6) .

__________________

1 ـ ينابيع المودّة 1 : 223.

2 ـ ينابيع المودّة 2 : 276.

3 ـ المناقب : 93.

4 ـ ينابيع المودّة 1 : 215.

5 ـ الإمامة والسياسة : 106.

6 ـ المناقب 91.

١٦٢

وفي رواية قالت في علي : ( ذلك خير البشر لا يشك إلّا كافر )(1) .

9 ـ عمر بن الخطاب ، قال : ( والله لولا سيفه ـ يعني علياً ـ لما قام عمود الإسلام ، وهو بعد أقضى الأمّة ، وذو سابقتها وذو شرفها )(2) .

وقال : ( لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاثاً لأن تكون لي واحدة أحبّ إليّ من حمر النعم : زوجته فاطمة بنت رسول الله ، وسكناه المسجد ، يحلّ له ما يحلّ لرسول الله ، والراية يوم خيبر )(3) . وقال : ( أقضانا علي بن أبي طالب )(4) .

10 ـ معاوية ، أنّه قال : ( إن علياً كان رسول الله يغرّه العلم غرّاً وكان عمر إذا أشكل عليه أمر شيء يأخذ منه ).

وروايات أخذ عمر والصحابة العلم منهعليه‌السلام مستفيضة(5) .

وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج ، عن محفن ابن أبي محفن الضبي ، لما قال لمعاوية : ( جئتك من أبخل الناس ـ يعني علياً ـ!! فقال معاوية : ويحك! كيف تقول إنّه أبخل الناس؟! وهو الذي لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لأنفق بيت

__________________

1 ـ ينابيع المودّة 2 : 273.

2 ـ شرح نهج البلاغة ج 12 ص 82.

3 ـ رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 172 ، ورواه أحمد بسند صحيح في مسنده 2ج ص 26 نحوه ، والهندي في كنز العمّال ج 15 ص 101.

4 ـ ذخائر العقبى ج 2 ص 98 وطبقات ابن سعدج 2 ص 336. وسير أعلام النبلاء ج 1 ص 288.

5 ـ انظر ذخائر العقبى بتفاوت يسير ، ورواه الحمويني في فرائد السمطين ج 1 باب 68. وترجمة الإمام علي تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 339 ، وابن الأثير في المختار ص 7. نظم درر السمطين : 134 ، أرجح المطالب : 449.

١٦٣

تبره قبل تبنه ، وهو )(1) .

ولمّا قال له : ( جئتك من عند أعيا الناس!! قال له معاوية : ويحك! كيف يكون أعيا للناس؟ فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره )(2) .

وروى ابن الصباغ المالكي في ( الفصول المهمة ) ، وابن الجوزي ، وغيرهما من مؤرّخي أهل السنة والجماعة : ( أنّ ضرار بن ضمرة دخل على معاوية ، فقال له : صف لي علياً. فقال : أوتعفني؟ قال : لا أعفيك.

فقال ضرار : أما إذا كان لا بد ، فكان ـ والله ـ بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس الليل وظلمته.

كان ـ والله ـ غزير الدمعة ، كثيرة الفكرة ، يقلّب كفّه ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب.

كان ـ والله ـ كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن ـ والله ـ مع قربه منّا ودنوّه إلينا لا نكلّمه هيبة له ، ولا نبتديه لعظمته ، فإنّ تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.

يعظم أهل الدين ، ويحبّ المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه ليلة ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، وكأنّي أسمعه وهو يقول :

__________________

1 ـ شرح النهج 1 : 6 ، ط ـ مصر.

2 ـ شرح النهج 1 : 24 ، ط. قم.

١٦٤

( يا دنيا غرّي غيري ، ألي تعرّضت ، أم إليّ تشوقت؟! هيهات قد أبنتك ثلاثاً لا رجعة لي منك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطرك كبير ، آه من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق ).

قال : فذرفت دموع معاوية على لحيته ، فلم يملك ردّها ، وهو ينشفها بكمه ، وقد اختنق القوم بالبكاء.

ثمّ قال معاوية : رحم الله أبا الحسن ، فقد كان ـ والله ـ كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال : حزن من ذبح ولدها في حجرها ، فلا ترق عبرتها ، ولا يسكن حزنها )(1) .

وذكر أصحاب السير والتواريخ ، منهم : الخوارزمي الحنفي في مناقبه : ( أنّ معاوية كتب إلى عمرو بن العاص كتاباً حتّى أراد إغواءه ، والانضمام إليه لحرب الإمام عليّ عليه السلام ، فأجابه عمرو بكتاب طويل ، يذكر فيه فضائل علي ومناقبه ، ومما جاء فيه ، قال : ( فأمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي ، والتهوّر في الضلالة معك ، وإعانتي إياك على الباطل ، واختراط السيف في وجه علي ( رضي الله عنه ) وهو أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّه ووارثه ، وقاضي دينه ، ومنجز وعده.

ثمّ صار يعدد كلمات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ علي ، كأقوالهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غدير خمّ ، وحديث الطير ، وحديث الثقلين ، وغيرها.

__________________

1 ـ رواه ابن الصباغ في الفصول المهمة 1 : 598 ، وأبو نعيم في حلية الأولياء : 1 / 84 ، وابن الجوزي في صفوة الصفوة : 1 / 121 ، والشافعي في مطالب السؤول : 180 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : 18 : 225.

١٦٥

ثمّ قال لمعاوية : وكتابك يا معاوية الذي هذا جوابه ليس مما ينخدع به من له عقل أو دين )(1) .

اُنظر إلى إقرار هذا الماكر المخادع ، واعترافه بالحقّ المغتصب مع إصراره على الباطل ، وخروجه على إمام زمانه عليعليه‌السلام !! بل الأعجب من ذلك أنّه يوجد من يسمّي هذا الماكر بـ ( داهية العرب ) ، ورأيت كثيراً من المسلسلات عندنا تتكلّم عن حلم الصحابة فتظهر صورة من صور مكر معاوية فتسمّيه حلم! وخبث عمرو بن العاص فتسمّيه دهاء.

أورد القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ) عن ابن الجوزي ، عن القاضي أبي يعلى في كتابه قال ـ بعد ذكر موبقات يزيد ـ : ( إنّ معاوية بن يزيد لمّا ولي العهد صعد المنبر ، فقال : إنّ هذه الخلافة حبل الله تعالى ، وإنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله ، ومن هو أحقّ به منه ، علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ). ثمّ ذكر اغتصاب أبيه الحقّ من الحسين عليه السلام )(2) .

وروى الدميري في حياة الحيوان ، قال : ( إنّ معاوية بن يزيد قال على المنبر في مجتمع أهل الشام : ألا إنّ جدّي معاوية قد نازع في هذا الأمر من أولى به منه ومن غيره ، لقرابته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وعظم فضله وسابقته ، أعظم المهاجرين قدراً ، وأشجعهم قلباً ، وأكثرهم علماً ، وأوّلهم إيماناً ، وأشرفهم منزلة ، وأقدمهم صحبة ، ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وصهره وأخوه ، زوّجه ابنته فاطمة ، وجعله لها بعلاً ، باختياره لها ، وجعلها له زوجة باختيارها له ، أبو

__________________

1 ـ المناقب : 199.

2 ـ ينابيع المودّة : 3 : 36 ، باب 60.

١٦٦

سبطيه سيّدي شباب أهل الجنّة ، وأفضل هذه الأمّة ، تربية الرسول ، وابني فاطمة البتول ، من الشجرة الطيبة الطاهرة الزكية )(1) .

وروى الخوارزمي عن عمر بن عبد العزيز ، أنّه قال : ( ما علمنا أنّ أحداّ من هذه الأمّة بعد رسول الله أزهد من علي بن أبي طالب ، ما وضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة )(2) .

وروى ابن أبي الحديد المعتزلي في ( شرح النهج ) خبر المحاكمة الشهيرة التي وقعت عند عمر بن عبد العزيز في امرأة حلف زوجها عليها بالطلاق : في أنّ علياً خير هذه الأمّة ، وأفضلها بعد نبيّها صلّى الله عليه وآله ، وادعى أبوها أنّها قد طلقت منه.

فجمع عمر بن عبد العزيز الهاشميين والأمويين عنده ، وعرض عليهم الحكم ، فقام هاشمي من بني عقيل ، وقال : ( برّ قسمه ولم تطلق زوجته ، ثمّ احتجّ على ذلك بما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله من تفضيله لعلي عليه السلام على سائر الأمّة ، فقال عمر : صدقت وبررت يا عقيلي.

ثمّ قال : والله يا بني عبد مناف ما نجهل ما يعلم غيرنا ، وما بنا إلّا عمى في ديننا )(3) .

نكتفي بما مرّ من أقوال الصحابة ، ونأتي بنبذة من كلام التابعين وتابعيهم :

1 ـ خليل بن أحمد الفراهيدي اللغوي الشهير ، قال في شأن الإمامعليه‌السلام :

__________________

1 ـ حياة الحيوان : 1 / 88.

2 ـ مناقب الخوارزمي ص 117 ، وأسد الغابة لابن الأثير : 4 : 24 ، وابن كثير في البداية والنهاية : 8 : 55.

3 ـ شرح النهج : 20 : 222.

١٦٧

( احتياج الكلّ إليه واستغناؤه عن الكلّ دليل على أنّه إمام الكلّ ).

وقال في حقّهعليه‌السلام لما قيل له : لم لا تمدح علياً؟ قال : ( كيف أقدم في مدح من كتم أحباؤه فضائله خوفاً ، وأعداؤه حسداً ، وظهر بين الكتمانين ما ملأ الخافقين )(1) .

2 ـ عن سليمان بن مهران ، عن المنصور ، أنّه حدّثه بكرامات جليلة لعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام ، والحديث طويل جدّاً وفي آخره : أنّ سليمان قال للمنصور : لي الأمان؟ فقال : لك الأمان. فقال : ما تقول فيمن يقتل هؤلاء؟ قال المنصور : في النار ، لا أشك في ذلك. قال : فما تقول فيمن قتل أولادهم وأولاد أولادهم؟ قال : فنكس المنصور رأسه ، ثمّ قال : يا سليمان الملك عقيم )(2) .

3 ـ أحمد بن حنبل ، وإسماعيل القاضي ، والنسائي ، وأبو علي النيسابوري : ( لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي )(3) .

وقال الحاكم في المستدرك في ذيل حديث وراثتهعليه‌السلام للنبي دون عمه العباس ما نصّه : ( لا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العم لا يرث مع العم ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ علياً ورث العلم من النبي دونهم )(4) .

__________________

1 ـ تنقيح المقال 1 : 403 ، رقم 3769.

2 ـ مناقب للخوارزمي : ص 82.

3 ـ الصواعق المحرقة 2 : 353 ، وشواهد التنزيل : ج 1 ، ص 26 ، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر : ج 2 ، ص 430 ، وذخائر العقبى ص 89 ، ونظم درر السمطين ص 89 ، وينابيع المودّة 2 : 371 ، 385 ، وتاريخ الخلفاء ص 171 ، ومجمع الزوائد ج 9 ص 112 ، والرياض النضرة : ج 2 ، ص 274 ، والسيرة النبوية لدحلان بهامش السيرة الحلبية : ج 2 ، ص 11.

4 ـ المستدرك 3 : 126.

١٦٨

ولنا سؤال نوجّهه لأحمد بن أحمد وهو : لماذا يعد الخلفاء الثلاثة أفضل من الإمام علي؟!

ويحكى عن الشافعي أنّه سُئل عن الإمام علي بن أبي طالب ، فقال : ماذا أقول في رجل أسر أولياؤه مناقبه تقية ، وكتمها أعداؤه حنقاً وعداوة ومع ذلك قد شاع منه ما ملأ الخافقين )(1) .

ولقد أنصف الشافعي في مدح أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله بقوله :

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفخر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له(2)

وقوله :

يا راكبا بالمحصب من منى

اهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضاً كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حبّ آل محمّد

فليشهد الثقلان أنّي رافضي(3)

وقوله :

إذا في مجلس ذكروا علياً

وسبطيه وفاطمة الزكية

برئت إلى المهيّمن من أناس

يرون الرفض حبّ الفاطمية

على آل الرسول صلاة ربي

ولعنته لتلك الجاهلية(4)

__________________

1 ـ الكنى والألقاب للقمي 2 : 349.

2 ـ ينابيع المودّة 3 : 103.

3 ـ الصواعق المحرقة 2 : 388.

4 ـ معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول ، للزرندي الشافعي : 45.

١٦٩

وكما شهد التاريخ لأميرالمؤمنينعليه‌السلام فإنّه يشهد لبقيّة الأئمة الطاهرين من أبنائه المعصومينعليهم‌السلام ، وينقل لنا أقوال أصحابهم وأهل زمانهم في كلّ عصر ، وإليك نبذة مما جاء فيهمعليهم‌السلام :

جاء في حلية أبي نعيم ، وتاريخ النسائي ، عن أبي حازم وسفيان بن عيينة والزهري : ( ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه ).

( ورأىعليه‌السلام الحسن البصري عند الحجر الأسود يقصّ ، فقالعليه‌السلام : يا هذا أترضى نفسك للموت؟ قال : لا ، قال : فعلمك للحساب؟ قال : لا ، قال : فثمّ دار العمل؟ قال : لا ، قال : فللّه في الأرض معاذ غير هذا البيت؟ قال : لا ، قال : فلم تشغل الناس عن الطواف؟ ثمّ مضى ، قال الحسن : ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قط أتعرفون هذا الرجل؟ قالوا : هذا زين العابدين ، فقال الحسن : ذرية بعضها من بعض ).

( وقالعليه‌السلام في قوله تعالى :( يمحو الله ما يشاء ) ( لولا هذه الآية لأخبرتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة ). وسفيان بن عيينة يقول عنه : ( ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين ، وما رأيت أحداً أفقه منه ).

وحدّث عبد الله محمّد القرشي ، قال : ( كان علي بن الحسين إذا توضّأ اصفرّ لونه ، فيقول له أهله : ما هذا الذي يغشاك؟ فيقول : أتدرون لمن أتأهّب للقيام بين يديه ).

( وقال الزهري : قدمت على عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته ، فقال لي : إنّه قد جاءني في يوم فقدوه الأعوان ، فدخل علي فقال : ما أنا وأنت؟! فقلت : أقم عندي ، فقال : لا أحبّ ثمّ خرج فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة. قال الزهري : فقلت : يا أمير المؤمنين ليس علي بن الحسين حيث

١٧٠

تظن إنّه مشغول بنفسه ، فقال : حبّذا شغل مثله فنعم ما شغل به. قال : وكان إذا ذكر علي بن الحسين يبكي ويقول : زين العابدين )(1) .

ووصفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بزين العابدين ، والحديث متّفق عليه ، ومن رواته الحافظ ابن عساكر(2) .

وقال يحيى بن سعيد : ( هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة )(3) .

وللشاعر المشهور ( الفرزدق ) قصيدة في حقّه معروفة ومشهورة ، راجعها ، فقد اشتهرت بحيث قلّ ما تجد مترنّم لا يترنّم بها ؛ لشهرتها(4) .

وكذلك الإمام الباقرعليه‌السلام : أعلم الناس وأفضلهم بعد أبيهعليه‌السلام ولذا لقّبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالباقر ؛ لأنه بقر العلم ، وكان من الآخذين عنه أبو حنيفة وابن جريح والأوزاعي والزهري وغيرهم ، وهؤلاء أئمة أهل السنة في ذلك العصر.

وقال ابن حبان : ( من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً ).

وكان جابر إذا حدّث عن الباقر يقول : ( حدّثني وصي الأوصياء )(5) .

ونقل القندوزي عن ( فصل الخطاب ) لمحمّد خواجة البخاري عند ذكره للإمام الصادقعليه‌السلام : فبعد الثناء العاطر عليه ، ووصفه بالعلم الغزير ، قال : إنّ المنصور قال : ( إئتني بجعفر الصادق حتّى أقتله. قال : قلت : هو رجل أعرض

__________________

1 ـ مختصر تاريخ دمشق 17 : 236 ، سير أعلام النبلاء 4 : 392 ، طبقات ابن سعد 5 : 216 ، حلية الأولياء 3 : 133 ، تهذيب الكمال 20 : 386.

2 ـ تاريخ مدينة دمشق 36 : 142.

3 ـ فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 : 415.

4 ـ ديوان الفرزدق 2 : 178 ، دار صادر ، بيروت.

5 ـ ميزان الاعتدال للذهبي 1 : 383.

١٧١

عن الدنيا ، وتوجّه لعبادة المولى فلا يضرّك. قال المنصور : إنّك تقول بإمامته ، والله إنّه إمامك وإمامي ، وإمام الخلائق أجمعين ، والملك عقيم فاتني به )(1) .

وفي ينابيع المودّة أيضاً بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قوله للإمام الباقرعليه‌السلام : ( يا مولاي إنّ جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي : إذا لقيته فأقرأه منّي السلام وقد أخبرني أنّكم الأئمّة الهداة من أهل بيته بعده ، أحكم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً ، وقال : لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم )(2) .

وعن كتاب ( مناقب آل أبي طالب ) في أحوال الإمام الصادقعليه‌السلام عن مسند أبي حنيفة ، قال : قال الحسن بن زياد : ( سمعت أبا حنيفة ، وقد سئل من أفقه من رأيت؟ قال : جعفر بن محمّد ، لما أقدمه المنصور بعث إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد ، فهيّئ له من مسائلك الشداد ، فهيّأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر وهو بالحيرة ، فأتيته فدخلت عليه ، وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلمت عليه ، فأومأ إلي ، فجلست ثمّ التفت إليه فقال : يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة. قال : نعم ، أعرفه. ثمّ التفت إلي ، فقال : يا أبا حنيفة الق على أبي عبد الله من مسائلك. فجعلت ألقي عليه ، ويجيبني فيقول : أنتم تقولون كذا ،

__________________

1 ـ ينابيع المودّة : ج 3 ، ص 165 ، باب 65. " انظر وتأمّل أيّها المنصف إلى هذا السلطان الظالم الجائر ، كيف أنطقه الله بالصواب مرغماً ، وأجرى الحقّ على لسانه كما حصل لغيره كمعاوية لأهل البيتعليهم‌السلام ، واعترفوا بإمامتهم على جميع الخليقة من قبل الله تعالى ، ثمّ يبادرون إلى قتالهم ، وأخذ حقّهم الذي منحهم الله إيّاه ويحتجّوا بأنّ الملك عقيم ".

2 ـ ينابيع المودّة : ج 3 ، ص 399.

١٧٢

وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعنا ، وربما تابعهم ، وربما خالفنا جميعاً ، حتّى أتيت على الأربعين مسألة ، فما أخل منها بشيء ثمّ قال أبو حنيفة : أليس إن أعلم الناس ، أعلمهم باختلاف الناس )(1) .

وعن كتاب ( مناقب آل أبي طالب ) في أحوال الإمام الصادق عليه السلام قال : إنّه روي عن الإمام مالك بن أنس أنّه قال : ( ما رأت عين ، ولا سمعت أذن ، ولاخطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق ، فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً )(2) .

وقد اشتهر عن أبي حنيفة قوله : ( جعفر بن محمّد أفقه من رأيته ) وأخذ العلوم عنه.

ثمّ مالك أخذ العلوم عن كتب أبي حنيفة ثمّ الشافعي أخذ عن مالك ودرس عليه.

ونقل القندوزي الحنفي في ينابيعه عن كتاب ( فصل الخطاب ) لمحمّد خواجة البخاري عند تعداد مناقب الأئمة من أهل البيت واحداّ بعد واحد ، وذكر فضائلهم الجمّة ، وعلومهم الغزيرة حتّى جاء إلى ذكر الإمام الكاظم عليه السلام ، فقال ـ بعدما ذكر علمه وحلمه وفضله وورعه وشيئاً من مناقبه وكراماته ـ : روى المأمون ، عن أبيه الرشيد أنّه قال : لبنيه في حقّ موسى الكاظم : ( هذا إمام الناس ، وحجّة الله على خلقه ، وخليفته على عباده ، أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر ، وأنّه والله لأحقّ بمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله منّي ، ومن الخلق جميعاً ، ووالله لو نازعني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناه ،

__________________

1 ـ مناقب آل أبي طالب 3 : 379.

2 ـ مناقب آل أبي طالب 3 : 372.

١٧٣

فإنّ الملك عقيم ).

وقال الرشيد للمأمون ـ كما ذكره في نفس الباب ـ : ( يا بني هذا وارث علم النبيين ، هذا موسى بن جعفر ، إن أردت العلم الصحيح تجده عند هذا )(1) .

وقال عنه الذهبي : ( موسى الكاظم الإمام القدوة ).

وقال أبو حاتم : ( ثقه صدوق إمام من أئمة المسلمين ).

وقال ابن الجوزي : ( ويدعى بالعبد الصالح لعبادته واجتهاده وقيامه بالليل ).

وقال الحافظ ابن حجرالعسقلاني : ( مناقبه كثيرة ).

وقال ابن حجر المكي الهيتمي : ( كان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم وقالوا إنّه كان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ).

وقد ذكرت له كرامات كثيرة ذكرها ابن الجوزي في صفوة الصفوة.

وقال ابن طلحة في الإمام الصادقعليه‌السلام : ( هو من عظماء أهل البيت وساداتهم ، وذو علوم جمّة ، وعبادة معروفة ، وأوراد متواصلة ، وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ، يتتبع معاني القرآن الكريم ، ويستخرج من بحره جواهره

__________________

1 ـ ينابيع المودّة ج 3 ص 165 الباب 65. والفصول المهمة : 220 ، وفي نور الأبصار : 166 ، والاتحاف بحب الأشراف : 150 ، والصواعق المحرقة : 122 ، وأئمة الهدى : 122 وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين : 333 ، وغيرهم. ( هذا التصريح والاعتراف ممن يدعي الخلافة مع اعترافه بحق الإمام ، بل لم ياخذ حقه فقط بل حبسه مراراً ودس له السم كراراً فهل يكفر ذنبه أنّه خليفة شهر سيفه وغلب بالقهر واعترف ان الملك عقيم؟؟؟ ).

١٧٤

الاقتداء بهديه يورث الجنّة ).

ونقل ابن حجر الهيتمي : ( نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر صيته في جميع البلدان )(1) .

وأمّا الإمام الرضاعليه‌السلام ذكر أنّه كان يجلس في المسجد النبوي ويفتي الناس وهو ابن اثنين وعشرين سنة.

وقال الذهبي عنه : ( كان سيّد بني هاشم في زمانه وأجلهم وأنبلهم و ).

وقال ابن حجر : ( قال الحاكم : سمعت أبا بكر بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول : خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعه من مشايخنا ، وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس ، فرأيت من تعظيمه ـ أي : تعظيم خزيمة ـ لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحيّرنا ).

وروى القندوزي الحنفي في ينابيعه ، كتاب المأمون إلى العباسيين حين حاولوا صرفه عن تولية ولاية العهد للإمام الرضا ، وهو طويل مذكور في كتب كثيرة نذكر لك نبذة منها ، قال ـ بعد ذكر فضل علي عليه السلام وجملة من مناقبه ، وأنّه أوّل من أسلم ، وأفقههم في دين الله ـ : ( وهو صاحب الولاية في حديث الغدير ، وهو نفس النبي صلّى الله عليه وآله يوم المباهلة ، والله جمع المناقب والآيات المادحة فيه ، ثمّ نحن وبنو علي عليه السلام كنّا يداً واحدة حتّى قضى الله

__________________

1 ـ راجع تذكرة الخواص : ص 357 ، وتهذيب الكمال 29 : 45 ، وتاريخ بغداد 13 : 27. (239) تهذيب التهذيب10 : 303 ، والصواعق المحرقة 2 : 586 ، 590 ، وصفوة الصفوة 2 : 185 ، ومطالب السؤول : 436 ، وتقريب التهذيب ج 1 : 163.

١٧٥

الأمر إلينا ، ضيّقنا عليهم وقتلناهم أكثر من بني أمية إياهم )(1) .

وأمّا الإمام الجوادعليه‌السلام فقال الذهبي عنه : ( من سادات أهل بيت النبوّة ).

وقال الصفدي ذلك.

وفي تاريخ الخطيب ما يفيد أنّه كان يرجع اليه في معاني الأخبار وحقائق الأحكام.

وله مناظرات معروفة مع يحيى بن أكثم وغيره.

وكما وجّهت له الكثير من الأسئلة بعد رحلة والدهعليه‌السلام فأجاب عليها إجابات حاسمة بهتت المخالف والمؤالف )(2) .

نعم ، إنّ التاريخ لم يذكر كثيراً من فضائله ، ولا من بعده من الأئمةعليهم‌السلام بسبب الحصار الذي كان من قبل أعداء آل محمّدعليهم‌السلام فمثلاً : المأمون لمّا رأى من فضل الإمام الجوادعليه‌السلام على صغر سنّه حبس علومه عن الناس لكي لا يفتنوا به ، ولكن لم يستطيعوا إخماد نور الله ، فإمامتهم ثبتت رغم كلّ المحاولات ، فحديث الاثنى عشر ذاع وانتشر رغم خطورته على مناصب السلف والخلف المخالف للذريّة الطاهرة ، ويؤيّد ذلك الأخبار الواردة عند

__________________

1 ـ تهذيب التهذيب7 : 339 ، 1404. والمنتظم لابن الجوزي10 : 119 ـ120 رقم 1114 ، وسير أعلام النبلاء 9 : 388 ، وتاريخ الإسلام من ص 201 ـ220 : 270 ، ينابيع الموّدة 3 : 376 ، باب 92.

ملاحظة : الشيعة تعتقد أنّ المأمون خبيث وعدوٌ لآل محمّدعليهم‌السلام ، إنّما كان يتظاهر باحترام الإمام أمام الناس خوفاً منهم حتّى أنّه قتله وتظاهر بالحزن عليه.

2 ـ راجع تاريخ بغداد : 3 : 54 ، ودلائل الإمامة للطبري : 204 ، والإمام الجواد من المهد إلى اللحد للقزويني : ص 168 ـ 172.

١٧٦

السنة ، بل وردت أحاديث تذكرهم بصفاتهم وأسمائهم(1) .

ونحن قبل أن نناقش مسألة أنّه هل يمكن أن يأخذ الإمام منصب الإمامة في الصغر أم لا؟ لابدّ أن نثبت أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوّة ، فإذا اقتنع المخالف بذلك ، فسنقول له كذلك أوتي يحيى وعيسى الحكم والنبوّة في صغرهما كما بيّن ذلك القرآن الكريم(2) ، واذا لم يقتنع بذلك فلا داعي للمناقشة في مسألة متفرّعة على الإيمان بذلك الأصل.

وقد أثبت المحققون والمؤلّفون الشيعة بأدلّة كافية أنّ ولاية أهل البيتعليهم‌السلام منصب إلهي وأمر سماوي لاسلطة للبشر فيه ، وهم الأئمة الاثنى عشرعليهم‌السلام .

وقلنا إنّ الأئمةعليهم‌السلام حوصروا من قبل الحكّام كالإمام الهاديعليه‌السلام وشهد بذلك المؤرّخون من أبناء السنّة كالخطيب في تاريخه قال : ( أشخصه جعفر المتوكل من مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بغداد ، ثمّ إلى سرّ من رأى ، فقدمها وأقام فيها عشرين سنة وتسعة اشهر ولذا عرف بالعسكري )(3) .

ورغم كلّ ذلك فقد بزغ نور النبوّة ولو كره الكارهون ، وشهد أعلام أهل السنة بذلك ، واعترفوا بفقهه وعبادته وزهده ، قال اليافعي : ( كان الإمام علي الهادي متعبّداً فقيهاً إماماً ).

__________________

1 ـ راجع كتابي ( ( وعرفت من هم أهل البيتعليهم‌السلام ) ) فإنّي قد أوردت ما فيه الكفاية حول الأئمة الاثنى عشرعليهم‌السلام .

2 ـ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ) مريم : 12.( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ) .مريم : 29.

3 ـ تاريخ بغداد ج 12 / 56 مرآة الجنان 2119 ـ.

١٧٧

وقال ابن كثير : ( كان عابداً زاهداً )(1) .

وقد ظهرت منزلته العلمية في قضية اتّفقت للمتوكل ، عجز العلماء عن إعطاء الرأي الصحيح فيها ، فحلّها الإمامعليه‌السلام ، وقد ذكر القصّة الخطيب البغدادي في تاريخه(2) .

والإمام العسكريعليه‌السلام الذي كان أكثر عمره الشريف تحت النظر والحصار ، وممنوع من الالتقاء به ونشر علمه ، ومع ذلك فقد ظهرت منه فوائد وكرامات نقلت عنه في كتب أهل السنّة(3) .

وقد عرف الإمامان الهادي والعسكريعليهما‌السلام بالعسكريين لحصرهما في المعسكر العباسي ، ورغم ذلك فهم لم يستطيعوا أن يطفؤوا نور الله ، ولم ولن يستطيع من كان قبلهم ولا من أتى بعدهم.

ثمّ بعده الإمام الثاني عشر محمّد بن الحسن المهدي المنتظر ( عجل الله فرجه ) ، وفيه بحث خاص حول وجوده الشريف ، وغيبته ، وما يتعلّق بذلك بالأدلّة الوثيقة من كتب الزيدية والسنة ، وذلك في كتابي ( وعرفت من هم أهل البيتعليهم‌السلام ) فراجع.

وبعد أن سردنا بالدليل أقوال أئمة أهل البيتعليهم‌السلام في أنفسهم ، وأقوال من خالفهم فيهم وفي أنفسهم نسرد بالدليل أيضاً أقوال الأئمة الأربعة في أنفسهم

__________________

1 ـ البداية والنهاية 6 : 11 ـ 15.

2 ـ تاريخ بغداد ج 12ص 56 ـ 57.

3 ـ راجع : الفصول المهمة في معرفة الأئمة ص 284 ـ 290 ـ ، وروض الرياحين لليافعي ، وعنه جواهر العقدين ق 2ج 2431 ، وجامع كرامات الأولياء للنبهاني218.

١٧٨

لنرى الفرق بين من يقول : ( اسألوني قبل أن تفقدوني ).

( ونحن حجج الله وبيّناته ). وبين من يقول : ( أقيلوني فلست بخيركم ).

( ونقول القول ونرجع عنه غداً ). و( قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه ، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منّا )

هذه الاقوال وعليكم التحليل وأخذ النتيجة.

قال الأئمة الأربعة عن أنفسهم :

1 ـ أبو حنيفة :

( لا يحلّ لأحد أنّ يأخذ بقولنا ما لم يعرف من أين أخذناه ).

وفي رواية : ( لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أنّ يفتي بكلامي ). وزاد في رواية : ( فإنّنا بشر نقول القول ونرجع عنه غداً ).

قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه ، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منّا ).

وقيل لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة هذا الذي تفتي فيه هو الحق الذي لا شك فيه؟ فقال : ( لا أدري ، لعله الباطل الذي لا شك فيه ).

وقال زفر : ( كنّا نختلف إلى أبي حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمّد بن الحسن فكنّا نكتب عنه ، فقال يوماً لأبي يوسف : ويحك يعقوب! لا تكتب كلّ ما تسمعه منّي ، فإنّي قد أرى الرأي اليوم فأتركه غداً ، وأرى الرأي غداً فأتركه بعد غد )(1) .

__________________

1 ـ الانتقاء ، ابن عبد البر : ص 145 ، إعلام الموقعين ، ابن القيم 2 / 309 ، القول المفيد ، الشوكاني : ص 49 ، مجموعة الرسائل المنيرية ، الصنعاني 1 / 28 ، حجّة الله البالغة ، الشاه دهلوي 1 / 158 ، إسلامنا ، مصطفى الرافعي : ص 62 ، ملخص إبطال القياس والرأي ، ابن حزم : ص 66 ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي 3 / 42 ، مجموعة فتاوى ابن تيمية 20 / 211 ، الميزان ، الشعراني 1 / 55 ، أدب الاختلاف في الإسلام ، طه العلواني : ص 75. أبو زهرة نقلاً عن تاريخ بغداد 3 / 42 ، وانظر الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ، حاشية ابن عابدين 1 / 63 ، رسالة رسم المفتي 1 / 4 من مجموع رسائل ابن عابدين.

١٧٩

2 ـ مالك بن أنس :

( إنّما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي فكلّ ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وكلّ ما لا يوافق الكتاب والسنة فاتركوه )(1) .

قال ابن حزم : ( فهذا مالك ينهى عن تقليده ، وكذلك أبو حنيفة ، وكذلك الشافعي ، فلاح الحق لمن لم يغش نفسه ، ولم تسبق إليه الضلالة ، نعوذ بالله منها ).

وقال الشوكاني : ( ولا يخفى عليك أنّ هذا تصريح منه بالمنع من تقليده ).

وقال مالك أيضاً : ( ليس لأحد بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إلّا ويؤخذ من قوله ويترك إلّا النبي ).

وذكر الطبري في كتاب تهذيب الآثار ، بإسناده إلى مالك ، قال : قال مالك : ( قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وقد تمّ هذا الأمر واستكمل ، فإنّما ينبغي أنّ تتبع آثار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، ولا تتبع الرأي ، فإنّه متى اتّبع الرأي جاء رجل آخر أقوى في الرأي منك فاتبعته ، فأنت كلّما جاء رجل عليك اتّبعته ، أرى هذا لا يتم )(2) .

__________________

1 ـ الجامع ، ابن عبد البر2 : 32 ، الإيقاظ : ص 72 ، الأتباع : ص 79 ، ملخص إبطال القياس : ص 66 ـ 67 ، مجموع فتاوى ابن تيمية : 20 / 211 ، مختصر المؤمل : ص 61 ، معنى قول الإمام المطلبي إذا صحّ الحديث فهو مذهبي ، تقي الدين السبكي ، تحقيق : علي نايف بقاعي ، ص 125.

2 ـ الإحكام : 6 / 294 ، القول المفيد : ص 50 ، إرشاد السالك ، ابن عبد الهادي وصححه : 1 / 227 ، حجّة الله البالغة : 2 / 150 و 157 ، مختصر المؤمل : ص 160 و 166 ، إحياء علوم الدين ، الغزالي : 1 / 78 ، الإنصاف : ص 53 و 104 ، معنى قول

١٨٠