ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة0%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف: حسينة حسن الدريب
تصنيف:

الصفحات: 383
المشاهدات: 68363
تحميل: 4620

توضيحات:

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68363 / تحميل: 4620
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

وقال القعنبي : ( دخلت على مالك في مرضه الذي مات فيه ، فسلّمت عليه ، فرأيته يبكي ، فقلت : يا أبا عبد الله ما الذي يبكيك؟ فقال لي : يا ابن قعنب ومالي لا أبكي! ومن أحقّ بالبكاء منّي! لوددت أنّي ضربت سوطاً وقد كانت لي السعة فيما سبقت إليه ، وليتني لم أفت بالرأي ). يقول ابن حزم : ( فهذا رجوع منه عن كلّ ما أفتى منه برأي ، وهذا ثبت عنه ).

وروي أنّ مالكاً أفتى في طلاق البتة ـ أي : الطلاق الذي لا رجعة فيه ـ أنّها ثلاث ، فنظر إلى أشهب قد كتبها ، فقال : امحها ، أنا كلما قلت قولاً جعلتموه قرآناً! أما يدريك! لعلّي سأرجع عنها غداً فأقول : هي واحدة )(1) .

3 ـ الإمام الشافعي :

قال حرملة بن يحيى : قال الشافعي : ( ما قلت وكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قد قال بخلاف قولي ، فما صحّ من حديث النبي أولى ولا تقلّدوني ).

وقال : ( كلّ مسألة صحّ فيها الخبر عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي ).

قال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي يقول : ( إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فقولوا بها ودعوا ما قلت )(2) .

__________________

الإمام المطلبي : 127 ، جامع بيان العلم وفضله : 2 / 33. إعلام الموقعين : 1 / 78 ، الإيقاظ : ص 18.

1 ـ إعلام الموقعين ج 2 / 199.

2 ـ الحاوي : ص 18 ، آداب الشافعي ومناقبه ، ابن أبي حاتم الرازي : ص 93 ، سير أعلام النبلاء ، 10 / 33 ، القول المفيد : ص 62 ، إعلام الموقعين 2 / 285 ، مختصر المؤمل ، أبي شامة : ص 58 ، إرشاد النقاد : ص 142 ، الإيقاظ : ص 50وص 100 ، تحفة الأنام : ص 34 ، تاريخ دمشق لابن عساكر : 51 / 389 ، أبو نعيم 9 / 107 ، المجموع ،

١٨١

4 ـ أحمد بن حنبل :

( لا تقلّدني!! ولا تقلّد مالكاً!! ولا الشافعي!! ولا الأوزاعي! ولا الثوري! وخذ من حيث أخذوا ).

وقال : ( رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي سفيان كلّه رأي ، وهو عندي سواء ، وإنّما الحجّة في الآثار ).

وقال : ( اُنظروا في أمر دينكم فإنّ التقليد لغير المعصوم مذموم ، وفيه عمى للبصيرة )(1) .

وقفة ضمير :

بعد كلّ هذه الأخبار عن سلفكم وأئمتكم وعلمائكم ، هل يصح الإعراض عن أهل البيتعليهم‌السلام القائلين : نحن حجج الله عليكم ، نحن قرناء القرآن؟!

وبعد شهادة سلفكم ( الصحابة ) وأئمتكم ( الأئمة الأربعة ) في حقّ أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين الميامينعليهم‌السلام هل يبقى شك في وجوب اتّباع سفينة النجاة؟! سؤال موجّه إلى كلّ ذي ضمير حي لا يقلّد في دينه أحد فإنّ كان شكّه في الدليل فها هو ، وان كان شكّه في المصدر فليبحث بنفسه ، ويتأكّد من صدق

__________________

الهروي 1 / 47 ، مختصر المؤمل : ص 57 ، مقدمة الحاوي ، الماوردي الشافعي : ص 18 ، صفوة الصفوة 2 / 257.

1 ـ حجّة الله البالغة : 1 / 157 ، الإنصاف : ص 105 ، والمدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ، أحمد الشافعي : ص 105 ، إسلامنا : ص 62 ، مختصر المؤمل ، أبي شامة الشافعي : ص 60. 5 ، مجموع فتاوى ابن تيمية : 20 / 211 ـ 212 ، إعلام الموقعين : 2 / 201 ، الإيقاظ : ص 113 ، مجموعة الرسائل المنيرية : 1 / 27 ، الجامع : 2 / 1082 ، أضواء على السنة المحمّدية ، محمود أبو رية : ص 384 نقلا عن الإسلام الصحيح : ص 297.

١٨٢

أدلّتنا بانصاف وأمانه وتعقّل ، وليس كغيره ممن يفضّلون الخلفاء الثلاثة على الإمامعليه‌السلام بلا دليل وبرهان.

ولكن هذا من هوان الدنيا على الله أن يصبر على كثير من الناس وهو يراهم يعرضون عن أوليائه ، وقد بيّن لهم السبيل ، وهداهم لأوليائه.

نعم ، قد يقال : إنّ اسم أهل البيتعليهم‌السلام لم يصرح به في القرآن الكريم ، وهذا السؤال كثيراً ما سمعته أجيب من واجهني بالسؤال أو تسائل عبر الفضائيات أو عبر أيّ وسيلة أو حتّى مع نفسه بما يلي :

إنّ القرآن الكريم قال : أقيموا الصلاة ، ولم يبيّن أنّ عدد ركعات الظهر كذا والعصر كذا.

وكذلك قال : آتوا الزكاة ، ولم يبيّن مقدارها.

وقال : جاهدوا في سبيل الله ، لكنه ترك تعيين وقت الجهاد على ولي الأمر في كلّ عصر ، فكذلك الإمامة قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (1) ، فقد قرن الله تعالى طاعته بطاعة رسوله وأولي الأمر من بعده ، إذن كلّ مسلم لابدّ أن يعرف من هم أولي الأمر الذين قرن الله سبحانه طاعتهم بطاعته بدون استثناء ، هنا ترك الجواب للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ترك تبيين عدد الركعات وتفصيل الصلاة التي هي عمود الدين إليه.

وفي هذا الكتاب بحثنا هذه الآية بحثا وافياً ، وعرفنا من هم أولي الأمر الذين تجب طاعتهم على كلّ مكلّف ، فتابع.

__________________

1 ـ النساء : 59.

١٨٣

الدليل التاسع : حديث المنزلة

سوف نبيّن فيما يأتي مامعنى المنزلة وأهميتها ، ولكن نبدأ بمصادرها من الكتب المعتبرة عند أهل السنة ، وأهمّها صحيح البخاري ، فقد جاء فيه ما يلي :

حدّثنا محمّد بن بشار ، حدّثنا غندر ، حدّثنا شعبة ، عن سعد قال : سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه [ أي سعد بن أبي وقاص ] قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : ( أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى )(1) .

قال : وحدّثنا مسدد ، حدّثنا يحيى ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب ـ مصعب بن سعد بن أبي وقاص ـ عن أبيه : ( إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى تبوك فاستخلّف علياً فقال : أتكلّفني بالصبيان والنساء؟ قال : ألا ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه ليس بعدي نبي )(2) .

صحيح مسلم :

حدّثنا محمّد بن المنكدر ، عن سعيد بن المسيب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : ( انت منّى بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعداً فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثنى عامر ، فقال : أنا سمعته ، فقلت : أنت

__________________

1 ـ صحيح البخاري 4 : 208.

2 ـ صحيح البخاري 5 : 129.

١٨٤

سمعته؟ فوضع إصبعيه على أذنيه فقال : نعم ، وإلاّ فاستكّتا.

وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا غندر ، عن شعبة ح ، وحدّثنا محمّد بن المثنى وابن بشار قالا : حدّثنا محمّد بن جعفر حدّثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن سعد بن أبي وقاص قال : ( خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي ).

حدّثنا عبيد الله بن معاذ ، حدّثنا أبي حدّثنا شعبة في هذا الإسناد.

حدّثنا قتيبة بن سعيد ومحمّد بن عباد ( وتقاربا في اللفظ ) قالا : حدّثنا حاتم ( وهو ابن إسماعيل ) عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهن احبّ إلى من حمر النعم ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول له خلفه في بعض مغازيه فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما ترضى ان تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله. قال : فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي علياً ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. ولمّا نزلت هذه الآية( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي ).

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدّثنا غندر ، عن شعبة ح ، وحدّثنا محمّد بن

١٨٥

المثنى وابن بشار قالا : حدّثنا محمّد بن جعفر ، حدّثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم سمعت إبراهيم بن سعد ، عن سعد ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال لعلي : ( أما ترضى ان تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ).

حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا يعقوب ( يعني : ابن عبد الرحمن القاري ) عن سهيل ، عن أبيه عن أبي هريرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم خيبر : ( لأعطين هذه الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله على يديه. قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الإمارة إلّا يومئذٍ ، قال : فتساورت لها رجاء أن أدعى لها ، قال : فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على بن أبي طالب فاعطاه إياها ، وقال : امش ولا تلتفت حتّى يفتح الله عليك ، قال : فسار علي شيئاً ، ثمّ وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال : قاتلهم حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله ).

حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا عبد العزيز ( يعني : ابن أبي حازم ) عن أبي حازم عن سهل ح ، وحدّثنا قتيبة بن سعيد ( واللفظ هذا ) حدّثنا يعقوب ( يعني : ابن عبد الرحمن ) عن أبي حازم ، أخبرني سهل بن سعد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم خيبر : ( لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، قال : فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّهم يرجون أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا : هو يارسول الله يشتكي عينيه ، قال : فارسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في عينيه ، ودعا له فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع ، فاعطاه الراية ، فقال علي : يارسول الله أقاتلهم

١٨٦

حتّى يكونوا مثلنا ، فقال : انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم ).

حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا حاتم ( يعني : ابن إسماعيل ) عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع قال : ( كان علي قد تخلّف عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في خيبر ، وكان رمداً ، فقال : أنا أتخلّف عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟! فخرج علي فلحق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلمّا كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : لأعطين الراية أو ليأخذن بالراية غداً رجل يحبّه الله ورسوله ، أو قال : يحبّ الله ورسوله يفتح الله عليه. فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية ، ففتح الله عليه )(1) .

سنن الترمذي :

حدّثنا قتيبة ، ( أخبرنا ) حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : ( أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أنّ تسب أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ; ثلاثاً قالهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لعلي : وخلفه في بعض مغازيه؟ فقال له : يارسول الله تخلّفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدى.

__________________

1 ـ صحيح مسلم : ج 7 ، ص 120 ـ 122.

١٨٧

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي علياً ، قال : فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينه ، فدفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، وأنزلت هذه الآية :( ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي )

حدّثنا علي بن المنذر ، ( أخبرنا ) ابن فضيل ، عن سالم ابن أبي حفصة ، عن عطية عن أبي سعيد قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : ( يا علي لا يحلّ لأحد أنّ يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال علي بن المنذر : قلت لضرار بن صرد : ما معنى هذا الحديث؟ قال : لا يحلّ لأحد يستطرقه جنباً غيري وغيرك به ).

حدّثنا القاسم بن دينار الكوفي ، ( أخبرنا ) أبو نعيم ، عن عبد السلام بن حرب ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ).

هذا حديث حسن صحيح.

حدّثنا محمود بن غيلان ، ( أخبرنا ) أبو أحمد الزبيري ، عن شريك ، عن عبد الله بن محمّد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي )(1) .

فضائل الصحابة :

أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار ، قال : أنا أبو نعيم ، قال ثنا عبد السلام ،

__________________

1 ـ سنن الترمذي ج 5 : ص 301 ـ 304.

١٨٨

عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : ( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ).

أخبرنا علي بن مسلم ، قال : ثنا يوسف بن يعقوب الماجشون أبو سلمة ، قال : أخبرني محمّد بن المنكدر ، عن سعيد بن المسيب قال : ( سألت سعد بن أبي وقاص فهل سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس معي أو بعدي نبي؟ قال : نعم سمعته. قلت : أنت سمعته؟ فأدخل إصبعيه في أذنيه قال : نعم وإلا فاستكتا ).

أخبرنا محمّد بن المثنى ومحمّد بن بشار قالا : أنا محمّد ، قال : أنا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد قال : خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال : ( أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي ).

أخبرنا محمّد بن بشار ، قال : أنا محمّد ، قال أنا : شعبة ، عن سعد بن إبراهيم قال : سمعت إبراهيم بن سعد يحدّث عن أبيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال لعلي : ( أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ).

أخبرنا عمرو بن علي ، قال : أنا يحيى بن سعيد ، قال : أنا موسى الجهني قال : دخلت على فاطمة بنت علي فقال لها رفيقي : عندك شيء عن والدك مثبت قالت : حدّثتني أسماء بنت عميس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : ( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي )(1) .

__________________

1 ـ فضائل الصحابة ، للنسائي : 13 ـ 14.

١٨٩

مسند أحمد :

( فقال له علي : أخرج معك؟ قال : فقال له نبي الله : لا ، فبكى علي ، فقال له : أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّك لست بنبي ، إنّه لا ينبغي أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي. قال : وقال له رسول الله : أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي. وقال : سدّوا أبواب المسجد غير باب علي فقال : فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره قال : وقال : من كنت مولاه فإنّ مولاه علي )(1) .

المستدرك للحاكم النيسابوري :

الحسن بن محمّد بن إسحاق الأسفراييني ، ثنا عمير بن مرداس ، ثنا عبد الله ابن بكير الغنوي ، ثنا حكيم بن جبير ، عن الحسن بن سعد مولى على عن علي رضي الله عنه : ( أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أراد أن يغزو غزاة له قال : فدعا جعفراً فأمره أن يتخلّف على المدينة ، فقال : لا أتخلّف بعدك يا رسول الله أبداً ، قال : فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله فعزم على لما تخلّفت قبل أن أتكّلم ، قال : فبكيت فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما يبكيك يا علي؟ قلت : يا رسول الله يبكيني خصال غير واحدة ، تقول قريش غداً : ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه وخذله ، ويبكيني خصلة أخرى كنت أريد أن أتعرّض للجهاد في سبيل الله ؛ لأنّ الله يقول :( ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً ) إلى آخر الآية ، فكنت أريد أن أتعرّض لفضل الله ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أمّا قولك تقول قريش ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه وخذله ، فإنّ لك بى

__________________

1 ـ مسند أحمد بن حنبل ج 1 ، ص 331.

١٩٠

أسوة قد قالوا : ساحر وكاهن وكذّاب أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لانبي بعدي؟ وما قولك أتعرّض لفضل الله فهذه أبهار من فلفل جاءنا من اليمن فبعه واستمتع به أنت وفاطمة حتّى يأتيكم الله من فضله ، فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك ).

هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه(1) .

طبقات ابن سعد :

عن البراء بن عازب وعن زيد بن أرقم قالا : ( لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) لعلي بن أبي طالب : إنّه لابدّ أنّ أقيم أو تقيم فخلّفه. فلمّا فصل رسول الله غازياً قال ناس ما خلّف علياً رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) إلّا لشيء كرهه منه ، فبلغ ذلك علياً ، فأتبع رسول الله حتّى انتهى إليه ، فقال له : ما جاء بك يا علي؟ قال : لا يا رسول الله ، إلّا أنيّ سمعت ناساً يزعمون أنّك إنّما خلّفتني لشيء كرهته منّي ، فتضاحك رسول الله وقال : يا علي أما ترضى أنّ تكون منّي كهارون من موسى إلّا أنّك لست بنبي؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : فإنّه كذلك )(2) .

الشاهد في هذه النصوص :

1 ـ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى.

2 ـ رجلاً يحبّ الله ورسوله.

3 ـ يفتح الله على يديه.

__________________

1 ـ المستدرك للحاكم النيسابوري ج 2 ص 337.

2 ـ طبقات ابن سعد 3 / 24.

١٩١

4 ـ قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الإمارة إلّا يومئذٍ قال : فتساورت لها رجاء أن أُدعى لها. قال : فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب فاعطاه اياها.

5 ـ لا ينبغي أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي.

6 ـ قال له رسول الله أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي.

7 ـ وقال : سدّوا أبواب المسجد غير باب علي ، فقال : فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.

8 ـ قال ناس ما خلّف علياً ما خلفه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) إلّا لشيء كرهه منه.

9 ـ فإنّ لك بي أسوة قد قالوا : ساحر وكاهن وكذّاب.

10 ـ إنّه لابدّ أنّ أقيم أو تقيم.

11 ـ تمنّي سعد خصلة من خصال علي.

12 ـ معاوية يأمر الصحابة بسبّ علي.

عندما يمتنع الصحابة عن سبّ علي ،عليه‌السلام ويستدلون بحديث المنزلة على فضله ، بل ويتمنّون ذلك فيهم ، فهذا دليل على أهمية هذه المنزلة فلو كانت أمراً عادياً كما يزعم البعض ـ أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خلّف الإمامعليه‌السلام في تلك الفترة ، وليس هو خليفة بعده لما تمنّاها سعد ، وامتنع عن سبّ الإمامعليه‌السلام لسبب سماعها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ عليعليه‌السلام .

بل يعترف بهذه المنزلة ويتمنّاها حتّى أعدائه ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، كما في تاريخ دمشق والصواعق المحرقة وغيرهما : ( أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال : سل عنها علياً فهو أعلم ، قال الرجل : جوابك فيها أحبّ إليّ من

١٩٢

جواب علي ، قال معاوية : بئس ما قلت ، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) يغرّه بالعلم غرّا ، ولقد قال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه )(1) .

وفي الرواية مقاطع تدلّ على أهميتها ، منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّه لابدّ أنّ أقيم ). وبقوله : ( لا ينبغى أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي ). وهذا يدلّ على أنّه لو لم يبق عليعليه‌السلام لبقي هو ، وأنّه يرى علياً كنفسه ، فلا يبقى مجال لمن ادّعى أنّ الخلافة فقط في تلك الفترة كما كان هارون خليفة موسى عندما ذهب لمناجاة ربّه.

ويبيّن ذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لله أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي ، يعني بعد موتي ويبيّن ذلك منازل هارونعليه‌السلام من موسىعليه‌السلام وهي : الوزارة والخلافة.

ويؤيدّ ذلك أنّ حديث المنزلة تكرر في أكثر من مرّة ، وليس في استخلافهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهعليه‌السلام في غزوة تبوك.

وكذلك أخبار كثيرة كحديث الغدير الذي فيه : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ). وغيره من الأحاديث والأيات التي أوردت لفظ ( خليفة ) أو ( ولي ) بعد الرسول ، كما سنفصّل فيما بعد ان شاء الله تعالى.

ثمّ إنّ منازل هارون من موسى ليست منحصرة في الخلافة عندما ذهب موسى يناجي ربّه ، بل هي أكثر من ذلك كما بيّن لنا القرآن الكريم ، ومنها :

1 ـ الأخوّة : قال تعالى :( وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ) (2) .

__________________

1 ـ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق 1 / 396 رقم 410 ، الرياض النضرة 3 / 162 ، مناقب الإمام علي للمغازلي : 34 رقم 52.

2 ـ مريم : 53.

١٩٣

2 ـ الخلافة :( وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين ) (1) .

3 ـ شدّ الأزر :( واجعل لي وزيراّ من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) (2) .

4 ـ الوزارة :( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً ) (3) .

فالإمام عليه السلام ليس خليفة النبي عندما ذهب للغزو فقط ؛ لأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بيّن أنّه لا نبي بعده ، ولهعليه‌السلام جميع المنازل التي كانت لهارون إلّا النبوّة ، ومن ألمنازل التي كانت لهارون الخلافة ، فيكون هذا الحديث نصّاً في الخلافة والإمامة والولاية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتترتب على ذلك : وجوب الطاعة والانقياد المطلق.

وليس هذا هو الحديث الوحيد الذي بيّن فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ علياً خليفته ووصيّه ، بلّ إنّ هناك أحاديث كثيرة سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

جريمة لا تغفر :

إنّه يوجد من يجهل ما جاء في وجوب اتّباع أهل البيتعليهم‌السلام ، ويوجد من هو يعرف لكنه لايفهم معنى الولاية والبراءة ، ويفكّر أنّ الحبّ في القلب ممكن لهم ولعدوهم في نفس الوقت ومع ذلك قد تناله شفاعة ، وقد يغفر ويكّفر ذنبه

__________________

1 ـ الأعراف : 142.

2 ـ طه : 29.

3 ـ الفرقان : 35.

١٩٤

حسب مابذل من جهد للمعرفة ، وقد وقد

ولكن الجريمة التي لا تغفر هي جريمة من يتعمد التحريف والتزييف والتضعيف ونصب العداء لاهل بيت النبوّةعليهم‌السلام بطمس فضائلهم ، بل قد وصل الأمر إلى أنّ البعض من النواصب بعد أنّ عرفوا أنّ لا جدوى في المكابرة في أسانيد الحديث حرّفوه لفظيا!! ولكن ما أشنعها وأقبحها من صنيعه ، كما في ترجمة حريز بن عثمان من تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، وأيضاً في كتاب تهذيب التهذيب لابن حجرالعسقلاني ، يروون عن حريز قوله : ( هذا الذي يرويه الناس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، هذا حقّ ، ولكن أخطأ السامع. يقول الراوي : قلت : ما هو؟ قال : إنّما هو : أنت منّي بمنزلة قارون من موسى ، قلت : عمن ترويه؟ قال : سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر )(1) .

و حريز هذا من رجال الصحاح سوى مسلم ، وكلّهم يعتمدون عليه وينقلون عنه ويصححون خبره!! فكيف تكون صحاح وهي تنقل عمن يقول ذلك في حقّ علي بن أبي طالب الصحابي الجليل والخليفة الشرعي والرابع في نظرهم ، وهم يكّفرون من سبّ معاوية الطليق ، ويعتبرون رواياته غير مقبولة؟!

وعن أحمد بن حنبل أنّه عندما سئل عن هذا الرجل قال : ثقة ثقة ثقة. وفي ترجمة هذا الرجل : أنّه كان يشتم علياً ، ويتحامل عليه بشدّة ، ونصّوا على أنّه كان ناصبياً ، وأنّه كان يقول : لا أحبّ علياً قتل آبائي ، وكان يقول : لنا إمامنا ـ يعني : معاوية ـ ولكم إمامكم ـ يعني : علياً ـ وكان يلعن علياً بالغداة سبعين مرّة ،

__________________

1 ـ تاريخ بغداد 8 / 268 رقم 4365 ، تهذيب التهذيب 2 / 209.

١٩٥

وبالعشي سبعين مرّة ، ومع ذلك يصححون خبره ، ويروون عنه ويوثّقوه!!

ومن هنا يمكن للباحث الحر أنّ يعرف موازين هؤلاء ومعاييرهم في تصحيح الحديث وتوثيق الراوي وحتّى لا تكن من هؤلاء أيّها القارئ المنصف عليك أن تحكّم عقلك ، ولا تكن ممن يبرر لنفسه حبّهم أو التكتّم عليهم بحجّة من الحجج ، كمن قال عن قتلة أهل البيتعليهم‌السلام إنّه ليس منافقاً ، وإنّما اجتهد فأخطأ ، كما برروا لقادة الجمل وصفين وكربلاء!!

ولكننا نلفت أذهان القرّاء الكرام أن يستخدموا مشاعرهم وعقولهم في أنّه هل هذا عذر مقبول أم لا؟ فهذا نتركه على عاتق الباحث المنصف ليصل هو للجواب السليم.

وعلى ذكر كلمة طليق أنقل كلام سمعته لأحد قابلته القناة التلفزيونية الفضائية المسمّاة بـ ( المستقلة ) في أوائل عام 2007 م قال : إنّه لا يوجد في كلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لآل أبي سفيان : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ). حتّى يدلّ على أنّهم لم يكونوا مسلمين قبل عام الفتح ، بل هم أسلموا وحسن إسلامهم وأبلوا في سبيل الله تعالى بلاءً حسناً قبل عام الفتح!!

ونحن نترك جوابه على الذهبي في تعريفه للطلقاء بقوله : ( الطلقاء هم كّفار قريش الذين جمعهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فتح مكّة ، وقال لهم : ما تظنون أنّي فاعل بكم؟ فقالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء )(1) .

وقال ابن قتيبة في تعريف الطلقاء أيضاً : ( طليق ، يعني : من الطلقاء الذين

__________________

1 ـ سير أعلام النبلاء للذهبي ج 4 ص 495.

١٩٦

قال لهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكّة اذهبوا فأنتم الطلقاء )(1)

وذكر الطبري : ( ثمّ تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) (2) الآية ، يا معشر قريش ، ويا أهل مكّة ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ كريم ، ثمّ قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، فأعتقهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة ، وكانوا له فيأً ، فبذلك يسمّى أهل مكّة الطلقاء ، ثمّ اجتمع الناس بمكّة لبيعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على الإسلام )(3) .

وفي تاريخ ابن خلدون : ( ثم تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ( يأيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى ) إلى خبير ، يا معشر قريش ، ويا أهل مكّة ما ترون أنّي فاعل فيكم؟ قالوا : خيراً أخ كريم ، ثمّ قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، وأعتقهم على الإسلام ، وجلس لهم فيما قيل على الصفا فبايعوه على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا )(4) .

وفي تاريخ ابن خلدون أيضاً : ( واستغلظت رياسة بني أمية في قريش ، ثمّ استحكمتها مشيخة قريش من سائر البطون في بدر ، وهلك فيها عظماء بنى عبد شمس عتبة وربيعة والوليد وعقبة بن أبي معيط وغيرهم ، فاستقل أبو سفيان

__________________

1 ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني ج 1 ص 89.

2 ـ الحجرات (49) : 13.

3 ـ تاريخ لطبري ج 2 ، ص 337 ، والبداية والنهاية لابن كثير ج 4 ص 344.

4 ـ تاريخ ابن خلدون ج 2 ، ص 45.

١٩٧

بشرف بني أمية والتقدّم في قريش ، وكان رئيسهم في أحد ، وقائدهم في الأحزاب وما بعدها ، ولمّا كان الفتح قال العباس للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما أسلم أبو سفيان ليلتئذ كما هو معروف ، وكان صديقاً له ـ : يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر فاجعل له ذكراً فقال : من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ثمّ منّ على قريش بعد أنّ ملكهم يومئذٍ وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء وأسلموا )(1) .

نكات مهمّة وردت في هذه النصوص يجب الالتفات إليها :

1 ـ الطلقاء هم كّفار قريش.

2 ـ اذهبوا فأنتم الطلقاء.

3 ـ وأعتقهم على الإسلام.

4 ـ لمّا أسلم أبو سفيان.

وليت كلّ منصف يسمع كلام هذا الرجل الذي يدافع عن أبي سفيان ، ويفكر في معركة بدر وأُحد ، ثمّ الجمل وصفين ، ثمّ وكربلا كم جرت فيها من دماء بسبب من يصفهم أنّهم أبلوا في سبيل الله.

نعم ، إنّهم عندما يحسّوا بقوّة الدليل يقولون : لا يجوز ذكر مساوئهم ، بل لهم ما كسبوا ولنا ما كسبنا ، ويستدلون بقوله تعالى :( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (2) . على أنّه لا يجوز ذكر الماضين بسوء ، ويقرءون ( تسألون ) بفتح التاء ، أي : لا تسألوا أنتم عن عملهم ، والآية واضحة أنّها بضم التاء ، أي : أنّ الله لا يسألكم عن عملهم ،

__________________

1 ـ تاريخ ابن خلدون ج 3 ، ص 3.

2 ـ البقرة (2) : 13.

١٩٨

أي : لا يؤاخذكم بذنبهم ، فلن يأمرنا أن لا نسأل عن عمل الماضيين وهو تعالى قد حثّنا في القرآن الكريم على استطلاع أخبار الأمم السابقة لنستخلص منها العبر ، فقد حكى الله لنا عن فرعون وهامان ونمرود وقارون وعن الأنبياء السابقين وشعوبهم ، وذلك لا للتسلية ولكن ليعرفنا الحق من الباطل ، ولكي نعرف أولياء الله فنواليهم ، ونعرف أعداؤه تعالى فنعاديهم ، وهذا ما طلبه منا القرآن الكريم ، بل نحن نرى ونسمع من خطابات القوم ومواعظهم ودروسهم ذكر أعمال أصحاب موسى وعيسى ، فلم عندما يصل الدور إلى أصحاب نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هنا لا يجوز ذكر أعمالهم غير الصالحة أمّا مدحهم فهو ثواب عظيم؟! فالآية واضحة أنّها تعني أنّ الله تعالى لا يسأل قوم عن عمل آخرين ، أي : لا يؤاخذهم بذنوبهم ، وهذا مصداق لقوله تعالى :( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىُ ) (1) .

وأنقل نصّاً عن تفسير الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) : ( قوله تعالى :( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ، المعنى : قيل : في تكرار قوله( تلك أمّة قد خلت ) قولان :

أحدهما : أنّه عني بالأوّل : إبراهيم ومن ذكر معه من الأنبياء.

والثاني : عنى به أسلافهم من آبائهم الذين هم على ملّتهم.

والقول الثاني : إنّ الجواب إذا اختلفت أوقاته فكان الثاني في غير موطن الأوّل ، وكان بعد مدّة من وقوع الأوّل بحسب ما اقتضاه الحال لم يك ذلك معيباً

__________________

1 ـ فاطر : 18.

١٩٩

عند أهل اللغة ولا عند العقلاء ، والاعتراض عليهم بقوله :( تلك أمّة قد خلت ) أنّه إذا لم تشكوا أنّ يكون فرضهم غير فرض الأمّة التي قد خلت قبلكم ، ولا تحتجّوا بأنّه لا يجوز أنّ يخالفوا عليه ، ولو سلم لكم أنّهم كانوا على ما تذكرونه ما جاز لكم أنّ تتركوا ما نقل لكم الله عنه على لسان رسوله محمّد صلّى الله عليه وآله ، إذ لله تعالى أن ينسخ من الشريعة ما شاء على ما يعلم في ذلك من وجوه الحكمة ، وعموم المصلحة.

وقيل : أن ذلك ورد مورد الوعظ لهم بأنّه : إذا كان لا يؤخذ الإنسان إلّا بعمله فينبغي أن تحذروا على أنفسكم ، وتبادروا بما يلزمكم ، ولا تتكلوا على فضائل الأباء والأجداد ، فإنّ ذلك لا ينفعكم إذا خالفتم أمر الله فيما أوجب عليكم.

والمعني بقوله :( تلك أمّة قد خلت ) على قول قتادة والربيع : إبراهيم عليه السلام ومن ذكر معه.

وعلى قول الجبائي ، وغيره : من سلف من آبائهم الذين كانوا على ملّتهم اليهودية والنصرانية.

وقد بيّنا فيما مضى أنّ الأمّة : الجماعة التي تؤم جهة واحدة كأمّة محمّد صلّى الله عليه وآله التي تؤم العمل على ما دعا إليه ، وكذلك أمم سائر الأنبياء صلّى الله عليه وعليهم.

والخلاء الفراغ يقال : فرغ من عمله ، وفرغ من مكانه. وإنّما قيل لما مضى : خلا ؛ لأنّه خلا منه مكانه.

والكسب : الفعل الذي يجرّ لفاعله نفعاً أو يدفع به ضرراً. وإنّما قيل : كسب السيئة ؛ لأنّه أجلب النفع عاجلاً.

٢٠٠