ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة0%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف: حسينة حسن الدريب
تصنيف:

الصفحات: 383
المشاهدات: 68393
تحميل: 4620

توضيحات:

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68393 / تحميل: 4620
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

يمنعك أنّ تسبّ أبا تراب؟ ـ يعني علياًعليه‌السلام ـ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله فلن أسبّه لأن يكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له وخلّفه في بعض مغازيه : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : سأعطي الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ولما نزلت :( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ، دعا رسول الله علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي )(1) .

7 ـ إنّ المسلمين مجمعون على أنّ ترتيب القرآن الكريم ليس كما نزل ، ولا يعني هذا تحريف القرآن بزيادة أو نقصان ، وإنّما هو أنّ ترتيب السور لم يكن على حسب نزولها ، كما أنّنا نعلم أنّ سورة القلم والنصر من أوائل السور في النزول وهي الآن مرتبة في أواخرها ، وأمثلة ذلك كثير ، فمن أراد الاطّلاع فليراجع كتب علوم القرآن ، وما ينص عليه علماء علوم القرآن في كتبهم كجلال الدين السيوطي في كتابه الإتقان ، حيث يذكر أسامي السور بحسب نزولها فهذا يؤكّد قولنا : إنّ الآية ليست في سياق آيات زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

8 ـ عائشة من آل أبي بكر ، وليست من آل النبي ، عن زيد بن أرقم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ( ألا وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله عزّ وجلّ هو حبل الله من اتّبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على ضلالة ، ثمّ قال : وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم

__________________

1 ـ خصائص أمير المؤمنين للنسائي : 48

٢٦١

الله في أهل بيتي ، فقلنا : من أهل بيته نساؤه؟ قال : لا وأيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده )(1) .

9 ـ قال الفخر الرازي في تفسيره : ( وأنا أقول : آل محمّد صلّى الله عليه وآله هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، وجب أنّ يكونوا هم الآل )(2) .

10 ـ ما ثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنّه كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول : ( الصلاة يا أهل البيت ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً )(3) .

أمّا دليلنا على أنّ آية التطهير تصدّق على أهل البيتعليهم‌السلام جميعهم ، أي : المعصومين غير أهل الكساء هو : أنّ من يصدق عليهم لفظ أهل البيتعليهم‌السلام فإنّ الآية تشمله ، كما في الخطاب القرآني للمؤمنين( يا أيّها الذين آمنوا ) ، في حال نزوله يخاطب المؤمنين المعاصرين للنزول ، ولكن الحكم يعمّ كلّ المؤمنين إلى يوم القيامة إلّا ما نسخ منه ، فكذلك آية التطهير نزلت في الخمسةعليهم‌السلام ، ولكن كلّ من صدق عليه أهل البيت الذين هم الأمان من الضلال ، وسفينة النجاة ، وقرناء

__________________

1 ـ صحيح مسلم : 7 / 123 الناشر دار الفكر بيروت.

2 ـ التفسير الكبير ، الرازي 27 : 166.

3 ـ مسند أحمد 3 : 259 ، 285.

٢٦٢

القرآن و ، فهو من مصاديق الآية الكريمة.

وحول أهل البيت المعصومين غير أهل الكساء راجع كتابي ( وعرفت من هم أهل البيت ) ، فقد خصّصته للأئمة الاثني عشر جميعاً ؛ لأنّه خطاب للزيدية التي تقول بالإمامة ووجوب اتّباع أهل البيت إلّا أنّهم يتخبّطون في ذلك ، فكان كتابي هو في إثبات الروايات القائلة باتّباع أهل البيت الاثني عشر وليس كما تعتقد الزيدية.

وأمّا هذا الكتاب فهو يتحدّث عن الخمسه أهل الكساء ؛ لأنّه خطاب لمن ينكر ولاية الإمام عليعليه‌السلام ، ويثبت خلافة الخلفاء الأربعة.

وسنثبت في هذا البحث إن شاء الله تعالى أنّ أهل البيتعليهم‌السلام باقون ما بقي الدهر ، وأنّ وجودهم أمان لأهل الأرض ، ولا تخلو الأرض منهم ، وأنّهم أحد الثقلين ، وسفينة النجاة ، وقرناء القرآن ، ولولاهم لساخت الأرض بأهلها و ، فتابع معنا.

٢٦٣

شبهتان وحل

الشبه الأوّلى :

أ ـ قد يقال : إنّ القرآن الكريم ذكر الزوجة من أهل الرجل كقوله تعالى :

خطابه تعالى لزوجة النبي إبراهيمعليه‌السلام :( رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ) (1) .

ب ـ وقوله تعالى على لسان موسىعليه‌السلام :( فقال لأهله امكثوا ) (2) .

ج ـ كذلك قد يحتجّ بكلام العرب وأنّها تطلق الأهل على الزوجة.

الجواب :

1 ـ قال الزبيدي : إنّ كلمة أهل البيت في الأصل أو كلمة أهل ، تطلق على أقرباء الرجل ، العصبة ، فإذا أطلقت على المرأة فتحتاج إلى قرينة(3) .

2 ـ إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأذن لزوجته أم سلمة ( رضي الله عنها ) بالدخول تحت الكساء.

3 ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حصر دائرة أهل البيت في كثير من المواقف ، ومنها : إدخالهم تحت الكساء ، والدعاء بالتطهير.

4 ـ لو كانت عائشة ممن عنتهم آية التطهير لتفاخرت بها ، فهي تتفاخر حتّى

__________________

1 ـ هود : 73.

2 ـ طه : 10.

3 ـ تاج العروس 7 : 217.

٢٦٤

بأدنى شيء ، بل بما لا يصح ذكره ، فهل كانت تسكت عن هذه الفضيلة وهو التطهير بشهادة القرآن الكريم؟! بل هي من الراويات للآية في الخمسة فقط ، ولم تدّع أنّها منهم.

5 ـ يقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أوّل من يلحقني من أهلي أنت يا فاطمة ، وأوّل من يلحقني من أزواجي زينب )(1) ، هنا فصل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بين الأهل والأزوج.

الشبهة الثانية :

لفظ التطهير جاء ليعم كلّ المؤمنين في قوله تعالى :( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم وليتم نعمته ) (2) . فهل كلّ المؤمنين طاهرين ، أي : معصومين.

الجواب :

أوّلاً : أنّ عصمة كلّ المؤمنين لا يقول به أحد وعصمة أهل البيت أجمع عليه الشيعة مع أدلة من كتب أهل السنّة.

ثانياً : أن معنى الآية هو أنّ الدين ليس أن يكلّف الإنسان بمالا يطيق ، فهو مجرد تطهير للإنسان من الكفر والشرك ، فمن لا يقدر أن يتوضأ فلا يحرج نفسه فليتيمم وهكذا في كلّ الأحكام ، فلا حرج في دين الله تعالى.

ثالثا : لا تستفاد العصمة فقط من لفظ التطهّير ، بل من ليذهب عنكم الرجس.

__________________

1 ـ الجامع الصغير ، السيوطي 1 : 434 ، حديث 2832.

2 ـ المائدة : 6.

٢٦٥

الدليل الرابع عشر : أجر الرسالة مودّة القربى

قال الله تعالى :( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (1) .

إنّ نزول هذه الآية في آل محمّد عليهم السلام وإيجاب مودتهم بها أجمع عليه المسلمون إلّا شرذمة من حملة الروح الأموية نظير ابن تيمية وابن كثير ، ونحيلهم إلى أعلامهم وأئمتهم وصحاحهم ، كالبخاري والطبري وأحمد وغيرهم.

صحيح البخاري :

( ...عن شعبة ، حدثني عبد الملك ، عن طاووس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : إلّا المودّة في القربى قال : فقال سعيد بن جبير : قربى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم )

حدّثنا محمّد بن بشار ، حدّثنا محمّد بن جعفر ، حدّثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاووساً عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّه سئل عن قوله : إلّا المودّة في القربى فقال سعيد بن جبير : ( قربى آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم )(2) .

جامع البيان لابن جرير الطبري :

( محمّد بن عمارة ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا الصباح بن يحيى

__________________

1 ـ الشورى : 23.

2 ـ صحيح البخارى : ج 4 ، ص 154 و ج 6 ، ص 37 ، وبهذا اللفظ في مسند أحمد ج 1 ، ص 229.

٢٦٦

المري ، عن السدي ، عن أبي الديلم قال : لما جئ بعلي بن الحسين رضي الله عنهما أسيراً ، فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، وقطع قربى الفتنة ، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه : أقرأت القرآن؟ قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ، قال : ما قرأت قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى؟ قال : وإنّكم لأنتم هم؟ قال : نعم )(1)

معاني القرآن للنحاس :

( وروى قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال لما نزلت( قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين نودّهم؟ قال : علي وفاطمة وولدها )(2) .

تفسير القرطبي :

( عن ابن عباس أنّه سئل عن قوله تعالى :( إلا المودة في القربى ) فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمّد ، فقال ابن عباس : عجلت ، إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن بطن من قريش إلّا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلّا أن تصلوا ما بينكم من القرابة فهذا قول.

وقيل : القربى قرابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي : لا أسألكم أجراً إلّا أنّ تودّوا قرابتي وأهل بيتي ، كما أمر بإعظامهم ذوي القربى. وهذا قول علي بن

__________________

1 ـ جامع البيان لابن جرير الطبري ج 25 ، ص 33.

2 ـ معاني القرآن ، النحاس ج 6 ، ص 309 ، وبهذا اللفظ في المعجم الكبير للطبراني ج 3 ، ص 47 ، وج 11 ، ص 351.

٢٦٧

حسين وعمرو بن شعيب والسدي.

وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس ، لما أنزل الله عزّ وجلّ :( قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين نودّهم؟ قال : علي وفاطمة وأبناؤهما.

ويدل عليه أيضاً ما روي عن علي رضي الله عنه قال : شكوت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حسد الناس لي. فقال : أما ترضى أنّ تكون رابع أربعة أوّل من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرّيتنا خلف أزواجنا.

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وآذاني في عترتي ، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة ).

قوله تعالى :( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) قال ابن عباس : ( لما نزل قوله تعالى :( قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودة في القربى ) قال قوم في نفوسهم : ما يريد إلّا أنّ يحثّنا على أقاربه من بعده ، فأخبر جبريل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنّهم قد اتّهموه فأنزل :( أم يقولون افترى على الله كذباً ) )(1) .

مجمع الزوائد للهيثمي :

( ثمّ قال من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ تلا هذه الآية قول يوسف :( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب ) . ثمّ أخذ في كتاب الله ، ثمّ قال : أنا ابن البشير ، أنا ابن

__________________

1 ـ تفسير القرطبي : ج 6 ، ص 21 ـ 26.

٢٦٨

النذير ، وأنا ابن النبي ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عزّ وجلّ مودّتهم وولايتهم فقال فيما أنزل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) )(1) .

تفسيرالنيسابوري :

عندتفسير قوله تعالى :( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) قال : ( كفى شرفاً لآل رسول الله صلّى الله عليه وآله وفخراً ختم التشهّد بذكرهم ، والصلاة عليهم في كلّ صلاة ).

الصواعق المحرقة :

( وروي عن علي عليه السلام قال : ( فينا آل حم آية ، لا يحفظ مودّتنا إلّا كلّ مؤمن ، ثمّ قرأ :( قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) )(2) .

وفيها أيضاً : أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( وقفوهم إنّهم مسؤولون عن ولاية علي ). وكأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله : روي في قوله تعالى :( وقفوهم إنّهم مسؤولون ) أي : عن ولاية علي وأهل البيت ، لأنّ الله أمر نبيه صلّى الله عليه وآله أنّ يعرف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلّا المودّة في القربى ، والمعنى أنّهم يسألون :

__________________

1 ـ مجمع الزوائد للهيثمي : ج 9 ، ص 146 ، وبهذا اللفظ في المعجم الأوسط للطبراني : ج 2 ، ص 336.

2 ـ الصواعق 2 : 487.

٢٦٩

هل والوهم حقٌ المولاة ، كما أوصاهم النبي صلّى الله عليه وآله أم أضاعوها وأهملوها؟! فتكون عليهم المطالبة والتبعة )(1) .

تفسير الثعلبي :

وعن ابن عباس في قوله تعالى :( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ) ، قال : المودّة لآل محمّد )(2) .

تاريخ مدينة دمشق :

عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إنّ الله خلق الأنبياء من أشجار شتّى ، وخلقني من شجرة واحدة ، فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمرها وأشياعها أوراقها ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى ، ولو أنّ عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ، ثمّ ألف عام ، ثمّ ألف عام ، ثمّ لم يدرك محبّتنا ، أكبّه الله على منخريه في النار ، ثمّ تلا :( قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) )(3) .

المستدرك على الصحيحين :

( وإنّا من أهل البيت الذي كان جبرئيل عليه السلام ينزل ألينا ويصعد من عندنا ، وإنّا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى مودّتهم على كلّ مسلم فقال تبارك وتعالى لنبيه صلّى الله عليه وآله :( قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل

__________________

1 ـ الصواعق 2 : 437.

2 ـ تفسير الثعلبي 8 : 314.

3 ـ تاريخ مدينة دمشق 41 : 335.

٢٧٠

البيت )(1) .

نعم ، إنّ الإعلام كان بيد أعداء الدين ، ولم يكن آنذاك فضائيات وإنترنيت وغيرهما كي يسمع ويرى الناس الحقيقة ؛ لهذا جهل ذلك الرجل وأمثاله إمام عصرهم والحجّة على العالمين الإمام السجادعليه‌السلام فسيق أسيراً مع نسائه ، وأنّه من هوان الدنيا أن يأخذ ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإمام الأمّة أسيراً إلى يزيد الطليق ابن الطليق ، وأمّا الآن فلا عذر لأحد أنّ يجهل حجج الله وبيّناته ، إذ وسائل البحث مهيّأة لكلّ باحث عن الحق.

تكذيب كذّاب :

لقد كذّب ابن كثيروابن تيمية كعادتهما آية المودّة في أنّها تعني أهل البيتعليهم‌السلام بدليل اختلقاه وهو : ان هذه الآية في سورة الشورى وهي مكّية بلا ريب ، نزلت قبل أنّ يتزوّج علي بفاطمة ، وقبل أنّ يولد له الحسن والحسين إلى أن قال : ( وقد ذكر طائفة من المصنّفين من أهل السنة والجماعة والشيعة ، من أصحاب أحمد وغيرهم حديثاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنّ هذه الآية لما نزلت قالوا : يا رسول الله؟ من هؤلاء؟ قال : علي وفاطمة وابناهما. وهذا كذب باتّفاق أهل المعرفة بالحديث ، ومما يبيّن ذلك أنّ هذه الآية نزلت بمكة باتّفاق أهل العلم ، فإنّ سورة الشورى جميعها مكّية ، بل جميع آل حميم كلّهن مكيات )(2) .

الجواب :

__________________

1 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 172.

2 ـ منهاج السنة ج 4.

٢٧١

أنّه من عادتهما التكذيب لكلّ ما أورده أهل الحديث حتّى من أسلافهما ، فلا أدري من أيّ فرقة هما؟! وهذا افتراء منهما ، اذ لم يصرّح أحد بأنّ الآية مكّية ، ودعوى كون جميع سورة الشورى مكّية تكذّبها نصوص القرطبي في تفسيره ، والنيسابوري في تفسيره ، والخازن في تفسيره ، والشوكاني في ( فتح القدير ) وغيرهم عن ابن عباس وقتادة ، على أنّها مكّية إلّا أربع آيات أوّلها :( قل لا أسألكم عليه أجراً ) (1) .

إذن بعد قراءة الأدلة وإرجاع بعضها إلى بعض من آية الإنذار إلى التطهير إلى القربى والى ما سيأتي يثبت إن شاء الله تعالى من هم أهل البيتعليهم‌السلام ، وما هو تكليف كلّ مكلّف نحوهم ، وكنت قد بحثت بحثاً خاصّاً بعنوان ( وعرفت من هم أهل البيت ) وبيّنت فيه كيف عرفت من هم أهل البيت المطهّرين المعصومين ، وبحثته من كتب الزيدية والسنة ، والكتاب مطبوع بحمد الله ، وليكن الكتابان كتكملة لبعضهما ، إلّا أنّي هنا أبحث بشكل أعم وأوسع كما مرّ ، وأضيف فاقول :

أهل البيت لهم معنى عام أو معنى لغوي أو معنى عرفي : وهو : كلّ من حرّمت عليهم الزكاة ، وهم آل عقيل وآل عباس وآل علي ، وهؤلاء لا يمكن أن نطبّق ماجاء في أهل البيت ـ من أنّهم سفينة النجاة والثقل الثاني كما في حديث الثقلين ، ومن رزقوا علم وفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أمر كلّ مسلم بالأخذ عنهم وإطاعتهم كما في آية أولي الأمر ، وغير ذلك من الأدلّة التي هي محور هذا

__________________

1 ـ تفسير القرطبي : 16 ص 1 ، وتفسيرالنيسابوري ، وتفسيرالخازن ص 49 ، والشوكاني في فتح القديرج 4 ص 51.

٢٧٢

الكتاب ـ عليهم.

إذن لابدّ أن نبحث عن من يمكن عقلاً ونقلاً أن يكون مصداقاً للآيات والروايات التي توجب معرفة أهل البيتعليهم‌السلام ، فآل عباس وآل عقيل وآل علي لا يمكن أن يكونوا كلّهم أهل البيت بالمعنى الشرعي والمقصود النبوي ؛ لأنّه حصل بينهم الحروب والاختلافات ، ولا زالت بين ذريّاتهم حتّى بين ذرّية الحسنينعليهما‌السلام ، فمنهم وهابي وزيدي وجعفري ، بل وكافر وفاسق و

إذن علينا أن نبحث بأمانة علمية في التاريخ ، ونحقق بكلّ إنصاف لنعرف من هم أهل البيت المطهّرين وقرناء القرآن ، وسفينة النجاة ، وأولي الأمر

ولهم معنى خاص وشرعي وهو : من خصّهم المشرع الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدخول تحت الكساء ، ومن وصفهم بأنّهم رزقوا علمه وفهمه ، والذين أجر الرسالة هي مودّتهم ، والذين هم سفينة النجاة ، وأُمناء أهل الأرض ، والثقل الثاني و(1) .

قال الفخر الرازي في تفسيره : وأنا أقول : آل محمّد صلّى الله عليه وآله هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكلّ من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أنّ يكونوا هم الآل(2) .

__________________

1 ـ راجع كتابي « وعرفت من هم أهل البيت » ففيه الكثير من الروايات في الأئمة الاثنى عشرعليهم‌السلام .

2 ـ تفسير الفخر الرازي 27 : 166.

٢٧٣

وهم من وجبت عليهم الصلاة كلّما صلى المسلم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال ابن حجر : وصحّ عن كعب بن عجرة قال : لما نزلت هذه الآية ، قلنا : يا رسول الله ، قد علمنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلي عليك ، فقال : ( قولوا : اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد )(1) .

وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي أمير المؤمنين عليه السلام : كلّ دعاء محجوب حتّى يصلّى على محمّد وآل محمّد. وقال الحافظ الهيثمي : رجاله ثقات(2) .

وأخرج القاضي عياض عن عمر أنّه قال : ( الدعاء والصلاة معلّق بين السماء والأرض لا يصعد إلى الله منه شيء حتّى يصلّى عليه صلّى الله عليه وآله وعلى آل محمّد )(3) .

وروى الطبري عن جابر كان يقول : ( لو صلّيت صلاة لم أصلّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنّها تقبل )(4) .

وأخرج القاضي عياض في الشفا عن ابن مسعود : ( من صلّى صلاة لم يصلّ عليّ فيها وعلى أهل بيتي لم تقبل منه )(5) .

ونختم المطاف بهذه الأبيات :

قال ابن عربي :

رأيت ولائي آل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربا

__________________

1 ـ الصواعق المحرقة 2 : 429.

2 ـ مجمع الزوائد 10 : 160

3 ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 : 65.

4 ـ ذخائر العقبى : 19.

5 ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 : 64.

٢٧٤

فما طلب المبعوث أجرا على الهدى

بتبليغه إلّا المودّة في القربى(1)

وذكر ابن الصباغ المالكي في الفصول لقائل :

هم العروة الوثقى لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحي وإنزال

مناقب في شورى وسورة هل أتى

وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

وهم آل بيت المصطفى فودادهم

على الناس مفروض بحكم وإسجال

وذكر لآخر :

هم القوم من أصفاهم الود مخلصا

تمسك في أخراه بالسبب الأقوى

هم القوم فاقوا العالمين مناقبا

محاسنهم تجلى وآثارهم تروى(2)

وروي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال مخاطباً المهاجرين الذين احتجّوا على الأنصار بأنّهم أولى بالخلافة منهم :

فإنّ كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب(3)

وقال الكميت :

فإنّ هي لم تصلح لخلق سواهم

فإنّ ذوي القربى أحقّ وأوجب(4)

وقال العجلوني :

__________________

1 ـ الصواعق 2 : 488.

2 ـ الفصول المهمة 1 : 161.

3 ـ شرح نهج البلاغة 18 : 437.

4 ـ الفصول المختارة : 286.

٢٧٥

لقد حاز آل المصطفى أشرف الفخر

بنسبتهم للطاهر الطيّب الذكر

فحبّهم فرض على كلّ مؤمن

أشار إليه الله في محكم الذكر

ومن يدّعي من غيرهم نسبة له

فذلك ملعون أتى أقبح الوزر(1)

وقول الشافعي المشهور :

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفخر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له(2)

وبعد أن ثبت أنّ الآية نازلة في أهل البيتعليهم‌السلام ، وبعد أن تبيّن من هم أهل البيتعليهم‌السلام ثبت وجوب مودّتهم واتّباعهم ، ولكن لا كما يقول البعض : نحن نحبّ أهل البيت ونودّهم ولكنه لا يتبرّأ ممن ظلمهم وأخذ حقّهم!! فقد سمعت كثيراً من الأخوات تقول : ليس الواجب أن أذكر ما فعل ومن فعل سوءً بأهل البيتعليهم‌السلام

فقلت لها : إنّ المحب من أحبّك وأحبّ محبّك ، وأبغض مبغضك ، وهذا شيء بديهي من فطرة الإنسان أنّه إذا أحبّ أحداً تبعه وأحبّ حبيبه ، وأبغض مبغضه ، فالإنسان المؤمن المتدين يحبّ في الله ويبغض في الله ؛ لأنّ الأخوّة في الله من أقوى الروابط والأواصر بين المؤمنين.

فأهل البيتعليهم‌السلام ثابت أنّهم أفضل الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحبّهم واجب مفروض على كلّ مسلم ، وقد ثبت ظلم بعض الصحابة لهم ، وهناك

__________________

1 ـ كشف الخفاء 1 : 19.

2 ـ الصواعق المحرقة 2 : 435.

٢٧٦

معارك مشهورة ، وأخذ حقّهم الخاص كالإمامة ، وقتلهم ، وأخذ إرثهم وادّعى أنّه أعلم منهم بالشريعة كالخليفة أبا بكر الذي تأوّل الآية فأسقط سهم ذي القربى بعد رحلتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في الصحاح وغيرها : ( أنّ فاطمة سألت ميراثها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فأبى أبو بكر أنّ يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، وعاشت بعد النبي صلّى الله عليه وآله ستّة أشهر فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً بوصية منها ، كي لا يحضرها الشيخين ، وماتت وهي غاضبة عليهما ، هاجرة لهما )(1) .

وفي صحاحهم أنّ الله يغضب لغضب الزهراءعليها‌السلام كما أخرج البخاري : قال : حدّثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني )(2) .

وإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يغضب لغضب بضعته الزهراءعليها‌السلام ، ويتأذّى بأذاها ، فمعنى ذلك أنّها معصومة عن الخطأ وإلّا لما جاز للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ يقول

__________________

1 ـ صحيح البخاري 5 : 82 ، باب غزوة خيبر ، صحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب 16 ، ج 3 / 1380 طبعة بيروت بتحقيق محمّد فؤاد ، سنن النسائي ، كتاب الفيء ، باب 1 ، ج 7 / 120 ، صحيح الترمذي ، كتاب السير ، باب 44 ، ج 4 / 157 ، ومسند أحمد ج 1 ص 294 ، الكشاف للزمخشري ج 2 / 158 ، فتح القدير للشوكاني ج 2 / 295 ، تفسير القرطبي ج 8 / 10 ، الدر المنثور للسيوطي ج 3 / 185 ، تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري ج 10 ، أحكام القرآن للجصاص ج 3 / 60.

2 ـ صحيح البخاري 4 : 210 ، كتاب بدء الخلق.

٢٧٧

مثل هذا ؛ لأنّ الشرع الإسلامي لا يراعي قريباً ولا بعيداً ،

وإذا كان الأمر كذلك فما بال أبي بكر يؤذي الزهراءعليها‌السلام بل ويغضبها حتّى تموت وهي واجدة عليه ، بل ومهاجرته فلم تكلّمه حتّى توفيت ، وهي تدعو عليه في كلّ صلاة تصليها.

وأقول : لو سكتنا عمّا فعل فلن يسكت المخالف ، فهو يبثّ فضائل لا تحصى ولا تعدّ ، ويأخذ ويعطي ماشاء لمن شاء من الفضائل ، ويخبطون ويتخبّطون ، فيجب علينا أن نرد الإنسان لعقله ولتأريخه ، ونقول له : اقرأ الواقع بنفسك ، واحكم بعقلك بعد تحقيق وعلم ، واعرف الحقيقة لكي لا تسكت وأنت تسمع وترى معركة كربلاء عبر الإنترنيت والفضائيات ، فكلّ يوم كربلاء ، وكلّ يوم عاشوراء.

ولابدّ من تحديد موقفنا ، وأنّنا من أيّ الفريقين ، ومن سكت فهو كمن سكت في يوم عاشوراء وهو يرى ابن بنت رسول اللهعليه‌السلام يداس بالخيول.

وأقول أيضاً : إنّ المؤمن لو أراد أن ينصف أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا يشترك في ظلمهم فأقل شيء أن يتصوّر أبيه أو أخيه يقتل ويقطع رأسه ويداس بالخيول جسده ، وأمّه أو أخته تؤخذ أسيرة مكشوفة الرأس بين الأعداء ، كما فعل بأبناء الزهراءعليها‌السلام وبناتها ( سلام الله عليهم ) ، أو يرى وقع ذلك بجاره أو صديقه أو وقع بعالم دين معروف بالتدّين ، فماذا سيكون ردّة الفعل؟! فليكن هذا الرد على الأقل بالنسبة لأبناء وبنات الزهراء وأنصارهم كعمار ومحمّد بن أبي بكر وميثم وغيرهم ، و ، ما هو موقفك أيّها المنصف مع الوصي والبتول فيما جرى لهم؟!

وأقول أيضاً : إنّ حبّ الزهراءعليها‌السلام ومن قتلوا أبنائها وسبوا بناتها وأخذوا حقٌ زوجها لا يجتمعان في قلب واحد ، ومن أحبّ من أخذ حقّ أهل البيت أو

٢٧٨

من ظلمهم أو أساء إليهم فهو ليس محبّ لهم إذ هو لا يغضب لهم ممّن ظلمهم في حال إن لو فعل بصديقه أو أخيه ما فعل بالذريّة الطاهرة لغضب لهم!! فالمؤمن لا يؤمن حتّى يحبّ أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من أهله وأقاربه ، كما في الروايات(1) .

والمؤمن لابدّ أن يكون له موقف من أعداء أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا يضل من الرعاع أتباع كلّ ناعق ، مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، فيكون حينئذٍ عن الحوض عند الورود من المبعدين.

__________________

1 ـ قد ذكرنا هذه الروايات في محلّها من هذا الكتاب فراجع.

٢٧٩

الدليل الخامس عشر : آية الشراء

قال الله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادٍِ ) (1) .

إنّ قصّة الشراء قصّة مشهورة وهي معروفة بليلة المبيت ، وهي فداء أعظم صاحب ، وأعظم مؤامرة في التاريخ أجراها أخبث قريش وأنذلهم وأشقاهم ضدّ الرحمة للعالمين الصادق الأمين ، ففداه ابن عمّه ، وتغطّى بغطاه فداءً لأعظم خلق الله وهو الرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقصّة أترك تفصيلها على كتب أهل السنة ، فلنقرأ معاً هذه القصّة ، ولكن ليس للتسلية ، وإنّما للتدبّر والتأمّل والتعلّم.

إنّ النبي صلّى الله عليه وآله لما أمر بالهجرة عند اجتماع الملأ من قريش على قتله ، ولم يتمكّن من مظاهرتهم بالخروج عن مكّة وتعمية خبره عنهم ليتم له الخروج على السلامة منهم ، ألقى خبره إلى ابن عمّه علي عليه السلام ، واستكتمه إياه ، وكلّفه الدفاع عنه بالمبيت على فراشه من حيث لا يعلمون أنّ علياً البائت على الفراش ويظنون أنّه النبي عليه السلام.

فوهب أمير المؤمنين نفسه لله وبذلها دون نبيه وابن عمّه ، وبات علي على فراش النبي ص مستتراً بإزاره ، وجاء القوم الذين تآمروا على قتله ، وقد مكروا فيما بينهم أن يكون قتلته من كلّ قبيلة ليتفرّق دمه بين القبائل ، فيذهب دمه بين

__________________

1 ـ البقرة (2) : 207.

٢٨٠