ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة0%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف: حسينة حسن الدريب
تصنيف:

الصفحات: 383
المشاهدات: 68501
تحميل: 4630

توضيحات:

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68501 / تحميل: 4630
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

جميع القبائل ، ولا يمكن لبني هاشم الأخذ بثأره من جميع أولئك.

فإنّ قريشاً لم تزل تخيل الآراء ، وتعمل الحيل في قتل النبي صلّى الله عليه وآله ، حتّى كان آخر ما اجتمعت في ذلك ، يوم الدار ـ دار الندوة ـ وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف.

وأحدقوا بأجمعهم به وعليهم السلاح يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ، فلمّا أصبح القوم وأرادوا الفتك به ثار إليهم ، فتفرّقوا عنه حين عرفوه وانصرفوا ، وقد بطلت حيلتهم وانتقض ما بنوه من التدبير.

ثمّ إنّهم سألوه عن النبي : أين هو؟ قال : في حفظ الله. وفي رواية قال : لا أدري ، أو رقيب كنت عليه؟! أمرتموه بالخروج فخرج.

ثمّ أقام ثلاثة أيام بمكة يجهّز عيال رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ويرد ودائعه ، ويسدّ مسدّه ، وكان رسول الله عليه السلام قد استخلفه لردّ الودائع ، فلمّا أدّاها أقام على الكعبة ثلاثة أيام ونادى بصوت رفيع : يا أيها الناس ، هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وديعة؟ هل من صاحب عدّة قبل رسول الله؟ وأقام بمكّة وحده مراغماً لأهلها حتّى أدّى إلى كلّ ذي حقّ حقّه ، وجهّز عيال رسول الله صلّى الله عليه وآله ، مع عظيم فعله مع المشركين ، وأنّه فوّتهم غرضهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعلوم أنّ من فوّت أحداً غرضه ازداد عليه حنقاً وبغضاً ، لا سيما قد فوّتهم شيئاً عظيماً ، وهو مع ذلك ظاهر بينهم ثابت الجنان قوي القلب واللسان ، مع خذلان البشر له وقلّة الأعوان ، وثبوته في ذلك الوقت الهائل والزلزال الذاهل اشبه ما يكون باستسلام إسماعيل لذبح إبراهيم عليهما السلام ، وإقدامه على المبيت أعظم من المبارزة في الجهاد ، وبين الحالين فرق ؛ لأنّ المحارب يجوز النجاة والعطب لنفسه ، فحاله مترددة بين الحالتين والأمرين ،

٢٨١

وحالة مبيته ليست مترددة بين الحالتين ، وإنّما صبر نفسه للقتل والأسر حتّى استحق أن يباهي به الله ملائكته المكرّمين.

نصّ ما جاء في مناقب الخوارزمي :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( نزل عليّ جبرئيل صبيحة يوم فرحاً مستبشراً ، فقلت : حبيبي مالي أراك فرحاً مستبشراً؟ فقال : يا محمّد وكيف لا أكون كذلك وقد قرت عيني بما أكرم الله به أخاك ووصيك وإمام أمتك علي بن أبي طالب ، فقلت : وبم أكرم الله أخي وإمام أمتي؟ قال : باهى بعبادته البارحة ملائكته وحملة عرشه وقال : ملائكتي انظروا إلى حجّتي في أرضي بعد نبيّي ، فقد عفّر خدّه في التراب تواضعاً لعظمتي ، أشهدكم أنّه إمام خلقي ومولى بريّتي )(1) .

وجاء في تفسير الثعلبي :

( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بمكّة ، لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده ، فامره ليلة الخروج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أنّ ينام على فراشهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا علي اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ، ثمّ نم على فراشي ، فإنّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله ، ففعل ذلك علي فأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرائيل وميكائيل إنّي قد آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمّد فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدّوه ، فنزلا فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل

__________________

1 ـ المناقب للخوارزمي : 319 ، حديث 322.

٢٨٢

عند رجله ، فقال جبرائيل : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب ، يباهي الله بك الملائكة ، فأنزل الله تعالى على رسوله ـ وهو متوجّه إلى المدينة ـ في شأن علي بن أبي طالب( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) )(1) .

جاء في مسند أحمد :

عن ابن عباس ويقول : أف وتف وقعوا في رجل له عشر

قال : وشرى علي نفسه لبس ثوب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ نام مكانه ، قال : وكان المشركون يرمون رسول الله صلّى الله عليه )(2) .

وجاء في المستدرك للحاكم النيسابوري :

( قال ابن عباس : وشرى علي نفسه فلبس ثوب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ نام مكانه ، قال ابن عباس : وكان المشركون يرمون رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فجاء أبو بكر رضي الله عنه وعلي نائم قال : وأبو بكر يحسب أنّه رسول الله صلّى الله عليه وآله قال فقال : يا نبي الله ، فقال له علي : إنّ نبي الله صلّى الله عليه وآله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه ، قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار ، قال : وجعل علي رضي الله عنه يرمى بالحجارة كما كان يرمى

__________________

1 ـ تفسير الثعلبي بعدّة ألفاظ وبعدّة طرق 2 : 125 ، مناقب آل أبي طالب : 1 / 339 ، تفسير القرطبي 3 : 21 ، إحياء العلوم ، الغزالي : ج 3 ص 238 ، كفاية الطالب ، الكنجي ص 114 ، تاريخ الطبري : ج 2 ص 99 ـ 101 ، طبقات ابن سعد : ج 1 ، ص 212 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 529 ، أسد الغابة ج 4 ص 25 ، وشواهد التنزيل ج 1 ص 97 ، الفصول المهمة لابن الصباغ ص 31 ، السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 159 ، وفرائد السمطين ج 1 ص 335 ، وترجمة الإمام علي عليه السلام ، من تاريخ دمشق ، تحقيق : المحمودي : ج 1 ، ص 137 و138.

2 ـ مسند أحمد ج 1 ص 331.

٢٨٣

نبي الله صلّى الله عليه وآله وهو يتضوّر ، وقد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتّى أصبح ، ثمّ كشف عن رأسه )(1) .

وقال الإمام عليعليه‌السلام عند مبيته على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شعرا :

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به

فنجاه ذو الطول الإله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا

موقى وفي حفظ الإله وفي ستر

وبت أراعيهم وما يثبتونني

وقد وطنّت نفسي على القتل والأسر(2)

ظلم وافتراء :

1 ـ إنّ من الظلم والافتراء ما ذكره فضل بن روزبهان من أنّ أكثر المفسّرين يقولون : إنّ الآية قد نزلت في الزبير والمقداد ، حيث أرسلهما النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إلى مكّة لينزلا خبيب بن عدي عن الخشبة التي صلب عليها ، وكان حول خشبته أربعون من المشركين ، فخاطرا بأنفسهما حتّى أنزلاه ، فأنزل الله الآية.

نعم ، إنّه ظلم لمن فداه بنفسه ، وتغطى ببرد الموت منتظره ، وافتراء على الله أن يحرّفا كلام الله عن موضعه وأهله وعلى كلّ حال هناك كثير من السنة ممن ذكرناهم ، ومنهم : أحمد بن حنبل أوردوها في الإمامعليه‌السلام ، ويذكر العلاّمة المظفر أنّ المفسّرين لم يذكروا ذلك ، حتّى السيوطي ، والرازي ، والكشاف مع أنّ الرازي

__________________

1 ـ المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 133.

2 ـ المستدرك 3 : 4 ، شواهد التنزيل 1 : 131 ، المناقب 127.

٢٨٤

قد جمع في تفسيره كلّ أقوالهم ، والسيوطي جمع عامّة روايتهم.

2 ـ ابن تيمية الذي من عادته إنكار فضائل أمير المؤمنين عليعليه‌السلام قال : كذب باتّفاق أهل العلم بالحديث والسيرة وقال : لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ، فلم يكن فيه فداء بالنفس ، ولا إيثار بالحياة. والآية المذكورة في سورة البقرة ، وهي مدنية باتّفاق. وقد قيل : إنّها نزلت في صهيب ( رضي الله عنه ) لما هاجر.

الجواب :

1 ـ إنّنا لم نجد أحداً صرّح بكذب هذه الرواية سوي ابن تيمية ، بل جاء بها إمام الحنابلة في مسنده أو ليس بثقة عنده؟!

2 ـ قد صحح الحاكم والذهبي نزولها في عليعليه‌السلام .

3 ـ ذكرنا طائفة من الذين رووه من كبار العلماء والحفاظ ، من دون غمز فيه أو لمز.

4 ـ إن كانت الآية مدنية بالنسبة إلى عليعليه‌السلام ، فهي أيضاً مدنية بالنسبة إلى صهيب ، فما يقال هناك يقال هنا.

5 ـ إنّ نزول الآية لو سلّم أنّه كان في نفس ليلة المبيت ، فمن الواضح أنّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) كان حينئذٍ في الغار ولم يكن ثمة مجال للإعلان بنزول الآية إلّا بعد وصوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إلى المدينة ، ولا مانع أنّ تعدّ بهذا الاعتبار مدنية ، وتجعل في سورة البقرة التي كان نزولها في مطلع الهجرة كما هو معلوم.

هذا بالإضافة إلى أنّ وجود آية مكّية في سورة مدنية ليس بعزيز.

6 ـ قوله : لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ، فلم يكن فيه فداء بالنفس ،

٢٨٥

ولا إيثار بالحياة ، أجاب عنه الإسكافي المعتزلي على دعوى الجاحظ ، فقال : هذا هو الكذب الصراح ، الإدخال في الرواية ما ليس منها.

هذا ، وإنّما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : إنّه لا يصل إليه شيء يكرهه بعد مبيته على الفراش ، وذلك حينما التقى معه في الغار ، وأمره بردّ ودائعه ، وأن ينادي في مكّة بذلك ، وطمأنه أنّ نداءه هذا لن يتسبب له بمتاعب وليس المقصود : أنّه لن يناله مكروه من أيّ مشرك من جميع الأحوال والأزمان.

ويدلّ على أنّه كان موطناً نفسه على القتل قولهعليه‌السلام في شعره المتقدّم :

وبت أراعيهم متى يثبتونني

وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

٢٨٦
٢٨٧

الدليل السادس عشر : سورة الدهر

بسم الله الرحمن الرحيم

( هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * ...يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ) إلى آخر سورة الدهر.

إنّ هذه الآيات من سورة الدهر قد أجمع أصحاب التفسير على نزولها في الإمام علي وفاطمةعليهما‌السلام عندما أطعما المسكين واليتيم والأسير ، ولم ينكر ذلك إلّا من في قلبه مرض ، وخالف الإجماع ، وشذّ برأيه كابن تيمية.

نصّ ما جاء في الكشاف وغيره :

( عن ابن عباس أنّ الحسن والحسين مرضا ، فعادهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة ، وفضّة جارية لهما ان برآ مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا وما معهم شيء ، فاستقرض علي من شمعون اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً ، واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد ، مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء ، وأصبحوا صياماً ، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم ، وقف

٢٨٨

عليهم يتيم فآثروه ، ثمّ وقف عليهم أسير في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك ، فلمّا أصبحوا أخذ علي رضي الله عنه الحسن والحسين ، وأقبلوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، قال : ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم ، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ، وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل الله جبريل وقال : يا محمّد ، هنّأك الله في أهل بيتك ، فأقرأه السورة ).

وفي رواية : ( أنّ عبد الله بن العباس قال في قول الله تعالى :( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً ) مرض الحسن والحسين رضي الله عنهما ، وهما صبيان ، فعادهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك نذراً ، فقال علي : إن برآ مما بهما صمت لله عزّ وجلّ ثلاثة أيام شكراً ، قالت فاطمة : وأنا أيضاً أصوم ثلاثة شكراً ، وقال الصبيان : ونحن نصوم ثلاثة أيام ، وقالت جاريتهما فضّة : وأنا أصوم ثلاثة أيام شكراً ، فألبسهما الله العافية ، فأصبحوا صياماً ، وليس عندهم طعاماً فانطلق علي إلى جار له من اليهود ـ يقال له شمعون ـ يعالج الصوف ، وقال له : هل لك أنّ تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك بنت محمّد بثلاثة آصع من شعير؟ فأعطاه ، فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمة فقبلت وأطاعت ، ثمّ غزلت ثلث الصوف ، وأخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزته خمسة أقراص لكلّ واحد قرص ، وصلّى علي المغرب مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ أتى منزله فوضع الخوان فجلسوا ، فأوّل لقمة كسرها علي رضي الله عنه ، إذا مسكين واقف على الباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمّد ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني مما تأكلون ، أطعمكم الله من موائد الجنة ، فوضع علي رضي

٢٨٩

الله عنه ، اللقمة من يده ، ثمّ قال :

فاطمة ذات المجد واليقين

يا بنت خير الناس أجمعين

أما تري ذا البائس المسكين

جاء إلى الباب له حنين

فلمّا رآها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ضمها إليه ، وقال : واغوثاه ، فهبط جبريل عليه السلام ، وقال : يا محمّد ، خذ ضيافة أهل بيتك ، قال : وما آخذ يا جبريل ، قال :( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) إلى قوله تعالى :( وكان سعيكم مشكوراً ) (1) .

موقف الذين في قلوبهم مرض :

إنّ موقف الذين في قلوبهم مرض هو اتّباع ما تشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، ومن هؤلاء :

1 ـ ابن تيمية الذي موقفه دائماً هو مخالفة إجماع المسلمين ، والتكذيب بكلّ ما ورد بحقّ أهل البيتعليهم‌السلام في القرآن الكريم ، كآيات سورة الدهر التي أجمع

__________________

1 ـ تفسير الكشاف 2 / 511 ، ونحوه في الرياض النضرة 2 / 302 ـ 303 ، أسباب النزول ص 296 ، أسد الغابة 7 / 231 ـ 237 ، تفسير الخازن ج 7 / 159 ، معالم التنزيل للبغوي الشافعي بهامش تفسير الخازن ج 7 / 159 ، وذخائر العقبى ص 102 الإصابة لابن حجر ج 4 / 387 ط السعادة ، و ج 4 / 376 ط مصطفى محمّد بمصر ، تفسير البيضاوي ج 5 / 165 ط بيروت ، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ص 93 ، و 212 ط اسلامبول ، وص 107 ـ 108 و 251 ط الحيدرية ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 21 و ج 13 / 276 ط مصر بتحقيق : محمّد أبو الفضل ، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري الشافعي ج 2 / 274 و 302 ط 2 ، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 1 / 254 ، فرائد السمطين ج 1 / 53 ـ 56 ح383 ، نور الأبصار وغيرها مما يطول ذكره تركناه للاختصار.

٢٩٠

أصحاب التفسير على أنّها نزلت فيهم عليهم السلام ، قال ابن تيمية : ( إنّ هذا الحديث من الكذب الموضوع باتّفاق أهل المعرفة بالحديث ، الذين هم أئمّة هذا الشأن وحكّامه ، وقول هؤلاء هو المعوّل في هذا الباب ، ولهذا لم يرو هذا الحديث في شيء من الكتب التي يرجع إليها في النقل ، لا في الصحاح ، ولا في المسانيد ، ولا في الجوامع ، ولا السنن ، ولا رواه المصنّفون في الفضائل ، وإن كانوا قد يتسامحون في رواية أحاديث ضعيفة. وإن الدلائل على كذب هذا كثيرة ، منها : أنّ علياً إنّما تزوج فاطمة بالمدينة ، وسورة هل أتى مكّية باتّفاق أهل التفسير والنقل ، لم يقل أحد منهم أنّها مدنية )(1) .

الجواب :

أوّلاً : بالنسبة لسبب النزول : فقد أوردنا مصادر كافية من أقوال المفسّرين والمحدّثين مافيه الكفاية ، بل وصف بعضهم الخبر في شأن نزولها بالشهرة.

ثانياً : وبالنسبة لمكان النزول ففي تفسير البغوي ما نصّه : ( سورة الإنسان ، مدنية ، وآياتها إحدى وثلاثون ) ، بل هو قول الجمهور كما قال الآلوسي والشوكاني.

لكن ابن تيمية كعادته يكذّب الخبر مهما كانت شهرته بدون دليل علمي ، ومهما جيء له بدليل من صحاحهم ومسانيدهم لا يلتفت لأحد ، ولا يقف عند حد!

2 ـ ابن الجوزي أدرجه في ( الموضوعات ) موهماً أن لا سند له ، وقال : وهذا الحديث لا يشك في وضعه.

الجواب :

__________________

1 ـ منهاج السنة 7 / 177 ـ 179.

٢٩١

لقد ذكرنا عدّة مصادر موثوقة من كتبهم تصرّح بنزول الآيات من سورة الدهر في فاطمة وزوجها وابنيها لإطعامهم المسكين واليتيم والأسير ، ولا يصح نقل الخبر بسند من أسانيده والطعن في أصل الخبر بسبب ذلك السند ، وسبب الطعن في السند هو أنّ في السند شيعي ، وكلّ من تكلّم فيه فلكون من في السند شيعي.

ولن يضر من حاول سلب أو تكذيب فضائل أهل البيتعليهم‌السلام إلّا نفسه ؛ لأنّه قد صرّح حتّى أحمد بن حنبل إمام ابن تيمية ـ إذا كان امامه حقّاً ـ بأنّه لم يكن لأحد من الصحابة ما للإمام عليعليه‌السلام من الفضل ، وأورد الكثير من فضائله.

٢٩٢
٢٩٣

الدليل السابع عشر : حديث الطير

إنّ في حديث الطير دلالة عظيمة جاءت على لسان أعظم خلق الله ، منها : أنّ أحبّ خلق الله من جاء وأكل معه من ذلك الطير ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء لهدف رسالي تشريعي ؛ لأنّه لا ينطق ولا يعمل إلّا لحكمة وهدف تبليغي وتعليمي وتشريعي ، فهو ليس إنساناً عادياً يمدح إنساناً اليوم ويسبّه غداً لغرض شخصي ، فهو لا يمدح مثل هذا المدح ، وخصوصاً أن يقول : فلان أحبّ الخلق إلى الله ورسوله.

هذا لفظ له وزن خاص عند من قال ومن سمع وإلاّ لما اضطر أنس أن يردّ علياً مراراً.

ونترك التحليل بعد قراءة النص ، وليحلل القاريء ما شاء ، فالنص غني عن أيّ غموض ، ويفهمه كلّ متدبّر منصف يهمّه معرفة الحق واتباعه.

سنن الترمذي :

أخبرنا عبيدالله بن موسى عن عيسى بن عمر عن السدي عن أنس بن مالك قال : كان عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم طير فقال : ( اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معى هذا الطير فجاء علي فأكل معه )(1) .

مجمع الزوائد :

عن أنس بن مالك قال : ( اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أطيار ، فقسّمها بين نسائه ، فأصاب كلّ امرأة منها ثلاثة ، فأصبح عند بعض نسائه صفية

__________________

1 ـ سنن الترمذي ج 5 : 300.

٢٩٤

أو غيرها ، فأتته بهن ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معى من هذا ، فقلت : اللهم اجعله رجلاً من الأنصار ، فجاء علي رضى الله عنه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أنس ، انظر من على الباب؟ فنظرت فإذا علي ، فقلت : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على حاجة ، ثمّ جئت فقمت بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : انظر من على الباب؟ فإذا علي حتّى فعل ذلك ثلاثاً فدخل يمشي وأنا خلفه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : من حبسك رحمك الله؟ فقال : هذا آخر ثلاث مرّات يردّني أنس ، يزعم أنّك على حاجة ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما حملك على ما صنعت؟ قلت : يا رسول الله ، سمعت دعاءك ، فأحببت أنّ يكون من قومي ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ الرجل قد يحبّ قومه ، إنّ الرجل قد يحبّ قومه ، قالها ثلاثاً )(1) .

وعن سفينة ، وكان خادماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : أهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طوائر ، فصنعت له بعضها ، فلمّا أصبح أتيته به ، فقال : من أين لك هذا؟ فقلت : من التي أتيت به أمس ، فقال : ألم أقل لك لا تدخرن لغد طعاماً ، لكل يوم رزقه ، ثم قال : اللهم أدخل عليّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فدخل علي رضي الله عنه ، فقال : اللهم وإليّ.

رواه البزار والطبراني باختصار ، ورجال الطبراني رجال الصحيح ، غير فطر ابن خليفة ، وهو ثقة.

مناقب علي لأحمد بن حنبل :

عن سفينة خادم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) الذي هو أحد رواة هذا

__________________

1 ـ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ، ص 126.

٢٩٥

الحديث يقول : ( أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله طيرين بين رغيفين ، فقدّمت إليه الطيرين ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ، ورفع صوته ، فقال رسول الله : من هذا؟ فقال : علي )(1) .

مسند أبي يعلى :

حدّثنا قطن بن نسير ، حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، حدّثنا عبد الله بن مثنى ، حدّثنا عبد الله بن أنس ، عن أنس قال : ( أهدي لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) حجل مشوي ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام ، فقالت عائشة : اللهم اجعله أبي ، وقالت حفصة : اللهم اجعله أبي ، قال أنس : فقلت أنا : اللهم اجعله سعد بن عبادة ، قال أنس : سمعت حركة الباب ، فإذا علي ، فسلّم ، فقلت : إن رسول الله على حاجة ، فانصرف ، ثمّ سمعت حركة الباب ، فسلّم علي ، فسمع رسول الله صوته ، أي : رفع علي صوته ، فسمع رسول الله صوته ، فقال : انظر من هذا؟ فخرجت ، فإذا علي ، فجئت إلى رسول الله فأخبرته ، فقال : ائذن له ، فأذنت له )(2) .

السنن الكبرى للنسائي :

( إنّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) كان عنده طائر ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء أبو بكر فردّه ، ثمّ جاء عمر فردّه ، ثمّ جاء علي فأذن له )(3) .

__________________

1 ـ فضائل الإمام علي عليه السلام لابن حنبل : 42 رقم 68 ، تحقيق : السيّد عبد العزيز الطباطبائي.

2 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير 7 : 387.

3 ـ السنن الكبرى 5 : 107.

٢٩٦
٢٩٧

محاولة فاشلة

أوّلاً الطعن في الحديث :

1 ـ قد حاول بعضهم أن يمسّ بوثاقة أحد رجال هذا السند ، وهو السدي.

والجواب :

إنّ أحمد وغيره من كبار العلماء يقولون في ترجمته : ( ثقة ). وابن عدي يقول : هو مستقيم الحديث صدوق ، بل إنّه من مشايخ شعبة ، ومن رجال مسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجة. وممن يعترف بهذا المعنى هو ابن تيمية ، وينقل السبكي كلامه في كتابه شفاء الأسقام(1) .

2 ـ ردّ الحديث بدون دليل لأنّ قلوبهم لا تقبله!!

ومن هؤلاء الذين قلوبهم لا تقبله ابن كثير حيث يذكر في تاريخه حديث الطير ، ويرويه عن الترمذي ، وعن أبي يعلى ، وعن الخطيب البغدادي ، وعن الذهبي ، وعن غيرهم ، إلى أنّ قال : وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنّفات مفردة ، منهم : أبو بكر بن مردويه ، والحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي يقول : ورأيت مجلداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر بن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ ، ثمّ وقفت على مجلد كبير في ردّه وتضعيفه سنداً ومتناً للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلّم.

ثمّ يذكر ابن كثير رأيه في هذا الحديث قائلاً : وبالجملة ، ففي القلب من

__________________

1 ـ شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام ص 10

٢٩٨

صحّة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه.

يعني لم يجد مناقشة علمية لردّ الحديث فرفضه قلبه ، كما أنّ قلب أبي جهل يساعد على قبول القرآن.

وكذا الذهبي الذي يقول في تلخيصه للمستدرك في ذيل إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين ، قلت : يا رسول الله ، فمحبّونا؟ قال : من ورائكم. قال : الحديث منكر من القول ، يشهد القلب بوضعه.

فلم يناقشا في سند الحديث أو شيء علمي آخر ، وإنّما شهد قلبهم بوضعه!

وعلى القارئ نقدهما وبكلّ بساطة.

ثانياً : محاولة صرفه عن موضعه :

1 ـ لقد حملوا لفظ الحديث الذي يقول : ( اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ) ، على أنّ المراد اللهم ائتني بمن هو من أحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ، فحينئذٍ لا إشكال ؛ لأن مشايخ القوم أحبّ الخلق إليه أيضاً ، فيكون علي أيضاً من أحبّ الخلق إليه(1) .

الجواب :

أنّه خلاف ظاهر اللفظ ، إذ اللفظ صفة أفعل بـ ( أحب ) وليس تبعيض بـ ( من ) ، وهذا كلام لا يقبله عاقل ، وإلاّ لتلاعب كلّ إنسان بالنصوص على هواه.

2 ـ قال صاحب التحفة الاثني عشرية : ( إنّ القضية إنّما كانت في وقت كان الشيخان في خارج المدينة المنوّرة ، فلذا لم يحضرا فحضر علي )(2) .

__________________

1 ـ المرقاة في شرح المشكاة : 212 ، وشروح مصابيح السنة.

2 ـ التحفة الاثني عشرية : 212.

٢٩٩

الجواب :

كما في حديث النسائي : ( إنّه جاء أبو بكر فردّه ، جاء عمر فردّه. وفي مسند أبي يعلي : أنّ حفصة وعائشة دعتا أن يكون أحبّ الخلق إلى الله أباهما ، فلو كانا غائبين ما دعتا.

وحتّى لو فرضنا غيابهم فالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أطلق الصفة فجعله أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويعلم أنّهما غائبان لِمَ يستثنهما أو يؤجّل الدعاء حتّى يأتيا ، وهو يعلم بأهمية كلامه ، وأنّه حجّة الله ، وأنّه يسجّل أقواله وأفعاله في التاريخ. إلى أنّ هناك روايات كثيرة تكررت فيها عبارات فيها لفظ : ( أنّ علياً أحبّ الخلق عند الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، منها :

ما رواه المسعودي في مروج الذهب عن كتاب الأخبار لأبي الحسن علي بن محمّد بن سليمان النوفلي بإسناده عن العباس بن عبد المطلب قال : ( كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ أقبل علي بن أبي طالب فلمّا رآه أسفر في وجهه فقلت : يا رسول الله ، إنّك لتسفر في وجه هذا الغلام. فقال : يا عم رسول الله ، والله لله أشدّ حبّا له منّي ، ولم يكن نبي إلّا وذريته الباقية بعده من صلبه ، وإنّ ذريتي بعدي من صلب هذا ، إنّه إذا كان يوم القيامة دعا الناس بأسمائهم وأسماء أمهاتهم إلّا هذا وشيعته فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحة ولادتهم )(1) .

ومنها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ...لأعطين الراية غدا رجلاً يحبه الله ورسوله ) وهذا الحديث وغيره سنبحثه فيما ياتي ان شاء الله تعالى.

__________________

1 ـ مروج الذهب للمسعودي 2 : 428.

٣٠٠