ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة0%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف: حسينة حسن الدريب
تصنيف:

الصفحات: 383
المشاهدات: 68488
تحميل: 4630

توضيحات:

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68488 / تحميل: 4630
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

المنصف مجالاً لفكره وعقله ابتغاء الرؤية المنصفة لرؤية الحق ، والعزم على اتّباعه مهما كلّف ذلك من ثمن.

ملاحظات هامة :

1 ـ عبارة ابن كثير : ( أخى وكذا وكذا ) تدلّ على أنّ هناك كلاماً قد حذف ، فلا يمكن أنّ يقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( كذا وكذا ) وهو في حال تبليغ رسالته السماوية ، ثمّ إنّه قد وردت نصوص ذكرناها تبيّن ماهي العبارة التي قال عنها : ( كذا وكذا ).

2 ـ عبارة مسند أحمد هي : ( ويكون خليفتي ) ، وهذا لفظ صريح في الخلافة.

3 ـ عبارة تاريخ الطبري وكنز العمال صرّحت بالخلافة والوصيّة. فلم يعد هناك أيّ غموض إلّا لمن تعامى عن ضوء الشمس فلم يراها رغم شدّة شعاعها ، فليفتح عينيه كلّ من هو منصف حقّاً وليس متعصباً ؛ لأنّه إن تعصّب فهو على الله ورسوله ، وحسابه سيكون عسيراً فليتق الله ، ولا يزكّي إلّا من زكاه الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

4 ـ العبارة : ( بم ورثت ابن عمّك دون عمّك ) ، إنّ ابن العم لا يرث مع وجود العم.

5 ـ نص ما جاء في نظم درر السمطين : ( أنّ يكون أخي وصاحبي ووليي ) لفظ وليي هنا يفسّره حديث الغدير وغيره مما سيأتي إن شاء الله تعالى.

6 ـ الأمر الصريح بالطاعة المطلقة : ( إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ).

7 ـ استدلال الأميرعليه‌السلام بهذا الحديث.

٤١

لا أدري هل لم يفهموا لفظ ( خليفتي فيكم فاسمعو له وأطيعوا )؟! فمن لم يفهم فليقرأ اللغة العربية علّه لا يعرف العربيه أو يغسل لبّه أربعين يوماً بالذكر والاستغفار والدعاء عندها ستنكشف الغشاوة عن بصيرته فيبصر مالم يبصره من قبل.

ولا أدري عندما يقول الراوي : ( فلان ) وهو يعرف من هو ألا يخاف أنّ يكون كاتماً للحق ومائلاً للهوى؟‍! ثمّ ألا يدري أنّه سيذكره غيره؟!

كذلك عبارة ( كذا وكذا ) هل الراوي يعرف النصّ ويكتمه؟ ألا يعرف جريمة كاتم الحق؟! بل وصل الحد بهم إلى أنّ البعض ذكره في أحد كتبه ، ثمّ كتمه في آخر ، وذكره آخر في طبعة وحذف من أخرى!! كالطبري الذي يروي هذا الحديث في تاريخه وفيه عبارة : ( الوصي والخليفة ) لكنّه حذفها في تفسيره وأبدلها بعبارة : ( يكون أخي وكذا وكذا )(1) ، وربما كان هذا من النسّاخ للتفسير أو كان من الطبّاعين ، والله العالم.

المهم أنّ هذا الأسلوب لا يصح شرعاً.

وفي كتاب حياة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمحمّد حسنين هيكل ، أورد قصّة الإنذار بالتفصيل ، وقال : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم : ( ...فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر ، وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي )(2) ، ولكنّه حذفها في الطبعة الثانية(3) .

__________________

1 ـ تفسير الطبري : ج 19 ، ص 149.

2 ـ حياة محمّد ، الجزء الخامس ، ص 104 ، الطبعة الأولى.

3 ـ حياة محمّد ، الطبعة الثانية والثالثة.

٤٢

وهذا أيضاً يعدّ تصرفاً شنيعاً في النص ، فقد حذف من الحديث جملة : ( ويكون أخي ووصيي وخليفتي ) فكلّ زيادة أو نقصان في النص يعدّ تصرفاً ، فليحكم القارئ العزيز بعقله وضميره وتفكيره بما شاء ، والله من وراءذلك كلّه.

وعليك أيّها الباحث المنصف بقية النقد والتعليق ؛ لأنّي أرى أنّه لا غموض ، وكلّ عاقل يصل بنفسه للنتيجة ، ولا أنسى أنّ أُضيف لك أنّ هناك روايات كثيرة تكررت فيها الوصيّة ، وليس فقط حديث الدار ، وهذا يوصل للنتيجة بشكل أسرع وأنصع ، ومن تلك الروايات :

1 ـ خطبة أبي ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) :

قال : ( أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، أنا جندب بن جنادة الربذي ،( إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم ) (1) محمّد الصفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمّد ، إنّه أشرف شريفهم ، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة وكالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجرة الزيتونية أضاء زيتها ، وبورك زبدها ، ومحمّد وارث علم آدم وما فضلت به النبيّون ، وعلي بن أبي طالب وصي محمّد ووارث علمه أيّتها الأمّة المتحيّرة بعد نبيّها أما لو قدّمتم من قدّم الله ، وأخّرتم من أخّر الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من

__________________

1 ـ آل عمران : 33 ـ 34.

٤٣

فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ، ولا طاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلّا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنّة نبيّه ، فأمّا إذ فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم ( وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون )(1) .

2 ـ رواية سلمان ( رضي الله عنه ) :

أخرج الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن أبي سعيد الخدري عن سلمان قال : ( قلت : يا رسول الله لكلّ نبي وصي ، فمن وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني فقال : يا سلمان ، فأسرعت إليه قلت : لبيك ، قال : تعلم من وصي موسى قلت : نعم ، يوشع بن نون قال : لم؟ قلت : لأنّه كان أعلمهم قال : فإنّ وصيي ، وموضع سري ، وخير من أترك بعدي ، وينجز عدتي ، ويقضي ديني علي بن أبي طالب )(2) .

3 ـ رواية أنس :

وفي المناقب للخوارزمي ، عن أنس قال : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( يا أنس ، أوّل من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين ، وسيّد المسلمين ، ويعسوب الدين ، وخاتم الوصيين ، وقائد الغر المحجّلين. قال أنس : فجاء علي ، فقام إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، مستبشراً فاعتنقه ، وقال له : أنت تؤدّي عنّي ، وتسمعهم صوتي ، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي )(3) .

__________________

1 ـ تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 171 ، مطبعة دار صادر بيروت.

2 ـ المعجم الكبير للطبراني : ج 6 ، ص 221 ، وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت للحسكاني : ج 1 ، ص 98.

3 ـ المناقب للخوارزمي ص 85.

٤٤

4 ـ رواية أبي أيوب الأنصاري :

أخرج الطبراني في المعجم الكبير بالإسناد إلى أبي أيوب الأنصاري ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( يا فاطمة ، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ اطلّع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبياً ، ثمّ اطلّع الثانية فاختار بعلك ، فأوحى إليّ ، فأنكحته واتّخذته وصيّاً )(1) .

وقفة تأمّل مع ماجاء في النصوص السابقة :

أ ـ( إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) (2) محمّد الصفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمّد.

ب ـ وعلي بن أبي طالب وصي محمّد ووارث علمه أيّتها الأمّة المتحيرة أما لو قدّمتم من قدّم الله ، وأخّرتم من أخّر الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم ، وغيرها من العبارات.

هنا نقف ويقف كلّ عاقل متدبّر نتأمّل في العبارات المشتملة على ألفاظ الوصاية والاصطفاء والوراثة والتقدّم من قبل الله بالولاية والوراثة ، ولفظ بعدي بلا فصل ( وخير من أترك بعدي ) وليس الرابع ، ولفظ ( واتخذته وصيّا ).

وهناك ملاحظات كثيرة ، وأخبار أخرى لم نحصها مراعاةً للاختصار ، أتركها على من أراد التأمّل والانصاف.

__________________

1 ـ المعجم الكبير للطبراني : ج 4 ، ص 171 ، كنز العمال : ج 11 ، ص 605.

2 ـ آل عمران : 33 ـ 34.

٤٥

دور من دوره التكذيب :

نعم ، إنّ هذا الرجل المسمى بابن تيميّة ، اذا لم يقدر أنّ يأوّل الرواية بما يتناسب مع هواه ، يكذبها مهما بلغت صحّتها ، فهو يكذّب حديث الدار ، إذ يقول : إن من له أدنى معرفة بالحديث يعلم أنّ هذا كذب.

ويقول : بأنّ رجال قريش في ذلك العهد لم يكونوا يبلغون الأربعين.

وأيضاً : إنّه يُشكل على هذا الخبر بأنّ العرب لم يكونوا أكّالين بهذا المقدار ، بحيث إنّ هؤلاء أكلوا وشبعوا والطعام كفاهم كلّهم ، فهذا دليل على كذب هذا الخبر(1) .

والجواب :

1 ـ ان الغرض والهدف هو إظهار معجزة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ فخذ شاة ، وعس من لبن كفاهم كما في الروايات ، فالغرض إظهار المعجزة التي يجب على كلّ مسلم أنّ يعتقد بها ، وله معجزات كثيرة ذكرها العام والخاص ، مثل : إنّ الماء ينبع من يديه ، ويتوضّأ كلّ من معه ، وانشقاق القمر ، وغير ذلك مما ورد من معجزات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهل ابن تيميّه يستبعد المعجزة للنبي كما هي عادته القول بمثل ذلك.

إنّه يكذّب كلّ من أورد الخبر من علماء ومفسري أهل السنّة وليس الشيعة فقط ، كأحمد بن حنبل ، ومحمّد بن جرير الطبري ، وغيرهم من كبار علمائهم وأعلام محدّثيهم الذين يروون ذلك ، فهل ليس لديهم أدنى شيء من المعرفة في نظره؟! فأسلوب ابن تيميّة ليس علمياً وإنّما هو تكذيب مالا يحبّ ولو أجمع عليه

__________________

1 ـ منهاج السنّة 7 : 302.

٤٦

كلّ المسلمين ، وهذا أسلوب إنسا ن متعصّب لا يريد الحق ، ولن يضرّ إلّا نفسه يوم يكون الخصيم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نضيف لدليل النقل دليلاً عقلياً يقبله كلّ ذي لبّ ، وهو على صيغة سؤال : هل يصح أن نصدّق أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ترك أُمّته سدى ، وفي فوضوية لاحدّ لها يختلفون ويتقاتلون ، وتراق آلاف الدماء المسلمة ، فلو صدّقنا ذلك لكذّبنا عقولنا وتفكيرنا ، فإنّ الإسلام جاء رحمة لينقذ العالم من الهمجية والجاهلية الأولى ، فإنّ من كان كذلك لابدّ أنّ يكون أعظم سياسي في العالم كلّه ، فلا يخفى عليه مثل هذا الأمر العظيم لصلاح العالم بأسره مدى الدهر ، أو يعلم به ولا يضع له حدّاً فاصلاً؟!

وهل يرضى لنفسه عاقل يتولّى شؤون بلده فضلاً عن أُمّتة ، أنّ يتركها تحت رحمة الأهواء واختلاف الآراء ولو لأمد محدود ، وهو قادر على إصلاحها ، حاشا نبيّنا الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله من جاء رحمة للعالمين ، ومتمماً لمكارم الأخلاق ، وخاتماً للنبيين ، وقد قال الله تعالى على لسانه بعد حجّة الوداع :( اليوم أكملت لكم دينكم ) (1) ، وهو من ثيت عنه أنّه لا يترك المدينة المنوّرة إذا خرج لحرب أو غزاة ، من غير أمير يخلفه عليها ، فكيف نصدّق عنه أنّه أهمل أمر هذه الأمة بعده إلى آخر الدهر ، من دون تعيين خلف بعده يرجعون اليه عند اشتباه الأمور؟! حاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ يترك أمّته كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ليس لها من يرعاها حقّ رعايتها ، فالعقل لا يصغي إلى إنكار الوصيّة مهما بلغ الإنكار ، وأيّاً كان منكره.

__________________

1 ـ المائدة : 3.

٤٧

الدليل الثاني : آية الولاية

قال الله تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ والذينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) .

بعد أنّنا قرأنا حديث الدار وفيه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ علياًعليه‌السلام وزيره ووصيّه ووليّه ، فلنقرأ معاً تفسير وسبب نزول هذه الآية الشريفة ، ونضمّ ما قرأناه إلى ما سنقرؤه حول الولاية ، وسنخرج بنتيجة مقنعة بوجوب ولاية أمير المؤمنين وسيّد الوصيينعليه‌السلام ، فلنقرأ بتأمّل وإنصاف فإنّ هدفنا الأوّل والأخير هو مرضاة الله تعالى بولاية من افترض علينا ولايته ، وأوجب علينا طاعته.

ونبدأ بنقل قصّة التصدّق حال الركوع عن الدرّ المنثورلجلال الدين السيوطي ، وهذا نصّه : ( وأخرج الخطيب في المتّفق عن ابن عباس قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم للسائل : من أعطاك هذا الخاتم؟ قال : ذاك الراكع ، فأنزل الله :( إنّما وليّـكم الله ورسوله ) .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :( إنّما وليّـكم الله ورسوله ) الآية. قال : نزلت في علي بن أبي طالب.

وأخرج الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه عن عمّار بن ياسر قال : وقف

__________________

1 ـ سورة المائدة (5) : 55.

٤٨

بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية :( إنّما وليّـكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) ، فقرأها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أصحابه ، ثمّ قال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ).

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته :( إنّما وليّـكم الله ورسوله والذين آمنوا ) إلى آخر الآية. فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فدخل المسجد ـ وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم ـ يصلّي فإذا سائل فقال : يا سائل ، هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال : لا إلّا ذاك الراكع ـ لعلي بن أبي طالب ـ أعطاني خاتمه.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت :( إنّما وليّـكم الله ) الآية.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :( إنّما وليّـكم الله ورسوله ) الآية نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع.

وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله )(1) .

وفي مناقب الخوارزمي :

( عن علي بن أبي طالب قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله :( إنّما وليّـكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون

__________________

1 ـ الدرّ المنثور : ج 2 ، ص 293.

٤٩

الزكاة وهم راكعون ) فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله ودخل المسجد ، والناس يصلّون ما بين راكع وقائم ، وإذا سائل ، قال له : يا سائل أعطاك أحدٌ شيئاً؟ قال : لا ، إلّا هذا الراكع ـ لعلي ـ أعطاني خاتماً )(1) .

وفي تفسير الثعالبي :

( ولكن اتّفق مع ذلك أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى خاتمه وهو راكع )(2) .

وفي مجمع الزوائد :

عن عمّار بن ياسر قال : وقف على علي بن أبي طالب رضي الله عنه سائل وهو راكع في تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعلمه بذلك ، فنزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) ، فقرأها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ قال : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )(3) .

وفي جامع البيان لابن جرير الطبري :

( حدّثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله :( إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) يعني : أنّه من أسلم تولّى الله ورسوله.

__________________

1 ـ المناقب : ص 265 ـ 266.

2 ـ تفسير الثعالبي المسمّى بجواهر الحسان في تفسير القرآن : ج 2 ، ص 396.

3 ـ مجمع الزوائد : ج 7 ، ص 17.

٥٠

وأمّا قوله :( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) فإنّ أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به ، فقال بعضهم : عُني به علي بن أبي طالب. وقال بعضهم : عّني به جميع المؤمنين. ذكر من قال ذلك : حدّثنا محمّد ابن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ثمّ أخبرهم بمن يتولّاهم ، فقال :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) هؤلاء جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي طالب مرّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتمه.

حدّثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا عبدة ، عن عبد الملك ، عن أبي جعفر ، قال : سألته عن هذه الآية :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) قلنا : من الذين آمنوا؟ قال : الذين آمنوا! قلنا : بلغنا أنّها نزلت في علي بن أبي طالب ، قال : علي من الذين آمنوا.

حدّثنا ابن وكيع ، قال : ثنا المحاربي ، عن عبد الملك ، قال : سألت أبا جعفر ، عن قول الله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) ، وذكر نحو حديث هناد عن عبدة.

حدّثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي ، قال : ثنا أيوب بن سويد ، قال : ثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) قال : علي بن أبي طالب.

حدّثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا غالب بن عبيد الله ، قال : سمعت مجاهداً يقول في قوله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) الآية ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع )(1) .

__________________

1 ـ جامع البيان : ج 6 ، ص 389.

٥١

وفي أحكام القرآن للجصّاص :

( قال الله تعالى :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) روي عن مجاهد والسديّ وأبي جعفر وعتبة بن أبي حكيم : أنّها نزلت في علي بن أبي طالب حين تصدّق بخاتمه وهو راكع وقوله تعالى :( ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) يدل على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ علياً تصدّق بخاتمه تطوّعاً وهو نظير قوله تعالى :( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) (1) .

وفي أسباب النزول للنيسابوري :

( قوله تعالى :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) قال جابر بن عبد الله : جاء عبد الله بن سلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إنّ قوماً من بني قريظة والنضير قد هاجرونا وفارقونا ، وأقسموا أنّ لا يجالسونا ، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل ، وشكى ما يلقى من اليهود ، فنزلت هذه الآية ، فقرأها عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء.

ونحو هذا قال الكلبي وزاد : أنّ آخر الآية في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، لأنّه أعطى خاتمه سائلاً وهو راكع في الصلاة.

( أخبرنا ) أبو بكر التميمي قال : ( أخبرنا ) عبد الله بن محمّد بن جعفر قال : حدّثنا الحسين بن محمّد بن أبي هريرة قال : حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال : حدّثنا محمّد الأسود ، عن محمّد بن مروان ، عن محمّد السائب ، عن أبي صالح ،

__________________

1 ـ أحكام القرآن : ج 2 ، ص 557 ـ 558.

٥٢

عن ابن عباس قال : أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا ، فقالوا : يا رسول الله إنّ منازلنا بعيدة ، وليس لنا مجلس ولا متحدّث ، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنا بالله ورسوله وصدّقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أنّ لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلّمونا ، فشقّ ذلك علينا ، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) الآية ، ثمّ إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع ، فنظر سائلاً فقال : هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال : نعم ، خاتم من ذهب ، قال : من أعطاكه؟ قال : ذلك القائم ، وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال : على أيّ حال أعطاك؟ قال : أعطاني وهو راكع ، فكبرّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ قرأ :( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون ) )(1) .

وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني :

( عن ابن عباس :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) قال : نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

و ( أخبرنا ) قراءة قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن عبد الله قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق التنوخي قال : حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا علي بن أبي بكر ، قال : حدّثنا موسى مولى آل طلحة عن الحكم عن المنهال عن محمّد بن الحنفية ، قال : جاء سائل فلم يعطه أحد ، فمرّ بعلي وهو راكع في الصلاة فناوله خاتمه فأنزل الله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) الآية.

وعن عبد الله بن محمّد بن الحنفية عن أبيه قال : فلم يعطه أحد شيئاً ، فمر

__________________

1 ـ أسباب نزول الآيات : ص 133.

٥٣

بعلي وهو راكع فسأله ، فناوله يده ، فأخذ خاتمه ، ثمّ أتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فأخبره قال : أتعرف الرجل؟ قال : لا ، فأرسل معه من يتعرّفه ، فإذا هو علي [ بن أبي طالب ] ، فأنزل الله :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (1) .

وفي تفسير القرطبي :

( المسألة الثانية : وذلك أنّ سائلا سأل في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يعطه أحد شيئاً ، وكان علي في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم ، فأشار إلى السائل حتّى أخذه. قال الكيا الطبري : وهذا يدلّ على أنّ العمل القليل لا يبطل الصلاة ، فإنّ التصدّق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ، ولم تبطل به الصلاة.

وقوله :( ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ، فإنّ علياً تصدّق بخاتمه في الركوع ، وهو نظير قوله تعالى :( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) .

وقد روي أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى السائل شيئاً وهو في الصلاة ، وقد يجوز أنّ تكون هذه صلاة تطوّع ، وذلك أنّه مكروه في الفرض. ويحتمل أنّ يكون المدح متوجّهاً على اجتماع حالتين ، كأنّه وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة ، فعبرّ عن الصلاة بالركوع ، وعن الاعتقاد للوجوب بالفعل ، كما تقول : المسلمون هم المصلّون ، ولا تريد أنّهم في تلك الحال مصلّون

__________________

1 ـ شواهد التنزيل : ج 1 ، ص 209 و217 بعدّة طرق ، وكلّها تقول : أنّه تصدّق حال الركوع ، تركناها مراعاة للاختصار ، فراجع من ص 209 ـ 248.

٥٤

ولا يوجّه المدح حال الصلاة ، فإنّما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده )(1) .

وفي تفسير ابن كثير :

( وأمّا قوله :( وهم راكعون ) . فقد توهّم بعض الناس أنّ هذه الجملة في موضع الحال من قوله :( ويؤتون الزكاة ) أي : في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ؛ لأنّه ممدوح ، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى ، وحتّى أنّ بعضهم ذكر في هذا أثراً عن علي بن أبي طالب أنّ هذه الآية نزلت فيه ، وذلك أنّه مرّ به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه.

وقال ابن أبي حاتم : حدّثنا الربيع بن سليمان المرادي ، حدّثنا أيوب بن سويد عن عتبة بن أبي حكيم في قوله :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) قال : هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب.

وحدّثنا أبو سعيد الأشج ، حدّثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول ، حدّثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) .

وقال ابن جرير : حدّثني الحارث ، حدّثنا عبد العزيز ، حدّثنا غالب بن عبد الله سمعت مجاهداً يقول في قوله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) الآية ، نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع.

وقال عبد الرزاق : حدّثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في

__________________

1 ـ تفسير القرطبي المسمّى ( الجامع لأحكام القرآن ) ج 6ص 221.

٥٥

قوله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) الآية ، نزلت في علي بن أبي طالب. عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتجّ به.

ورواه ابن مردويه عن طريق سفيان الثوري عن أبي سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال : كان علي بن أبي طالب قائماً يصلّي فمرّ سائل وهو راكع ، فأعطاه خاتمه ، فنزلت :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) الآية ، الضحاك لم يلق ابن عباس.

وروى ابن مردويه أيضاً من طريق محمّد بن السائب الكلبي ـ وهو متروك ـ عن أبي صالح عن ابن عباس قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المسجد والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد وإذا مسكين يسأل فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أعطاك أحد شيئاً؟ قال : نعم ، قال : من؟ قال : ذلك الرجل القائم ، قال : على أي حال أعطاكه؟ قال : وهو راكع ، قال : وذلك علي بن أبي طالب ، قال : فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذلك وهو يقول( من يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون ) وهذا إسناد لا يقدح به.

ثمّ رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه وعمار ابن ياسر وأبي رافع ، وليس يصح شيء منها بالكليّة لضعف أسانيدها ، وجهالة رجالها.

ثمّ روى بإسناده عن ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) نزلت في المؤمنين وعلي بن أبي طالب أوّلهم.

وقال ابن جرير حدّثنا هناد ، حدّثنا عبدة عن عبد الملك عن أبي جعفر قال : سألته عن هذه الآية :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) قلنا : من الذين آمنوا؟ قال : الذين آمنوا.

٥٦

قلنا : بلغنا أنّها نزلت في علي بن أبي طالب ، قال : علي من الذين آمنوا.

وقال أسباط عن السدي : نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي طالب مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه )(1) .

وقال الآلوسي : ( غالب الأخباريين على أنّ هذه الآية نزلت في علي كرّم الله وجهه )(2) .

__________________

1 ـ تفسير ابن كثير : ج 2 ، ص 73.

2 ـ روح المعاني 6 : 168.

٥٧

الشبهات الواردة وردّها

1 ـ شبهة ابن كثير وغيره ، وهي كما في النصّ السابق : ( فقد توهم بعض الناس أنّ هذه الجملة في موضع الحال من قوله( ويؤتون الزكاة ) أي : في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره؛ لأنّه ممدوح ، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى ، وحتّى إنّ بعضهم ذكر في هذا أثراً عن علي بن أبي طالب أنّ هذه الآية نزلت فيه ، وذلك أنّه مرّ به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه ).

2 ـ وقال بعضهم : إنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت.

3 ـ هناك من أشكل في معنى الولي ، وقال : إنّ الولاية في الآية بمعنى النصرة ، كالفضل بن روز بهان.

4 ـ هناك من قال باحتمال أنّ تكون الواو في( وهم راكعون ) واو عاطفة لا واو حالية.

5 ـ يقال : كيف الإمام عليعليه‌السلام يسمع صوت السائل ، ويلتفت إليه ، ويشير إليه ، ويومي بالتقدّم نحوه ، ثمّ يرسل يده ليخرج الخاتم من إصبعه وهذا كلّه انشغال بأمور دنيوية ، وعدول عن التكلم مع الله سبحانه وتعالى؟!

6 ـ افتراء ابن تيمية وهو أنّه : ( قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الآية نزلت في علي لما تصدّق بخاتمه في الصلاة ، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل ، وكذبه بيّن ، وأجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي

٥٨

بخصوصه ، وأنّ علياً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة ، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع ، وأنّ جمهور الأُمّة لم تسمع هذا الخبر )(1) .

7 ـ البعض أشكل بأنّ علياً مفرد ، فلماذا جاءت الألفاظ في الآية بصيغة الجمع؟

الجواب :

1 ـ نقول وبالله التوفيق : لا نصدّق ابن كثير بضعف الرواة لقوّة ما ورد من روايات في ولاية أهل البيتعليهم‌السلام وبالأخص الإمام عليعليه‌السلام ، كما سنبيّن ذلك في حديث الغدير ونحوه من الأحاديث المتواترة الدالّة على وجوب الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام ، بالإضافة إلى الأدلّة الثابتة في نزول هذه الآية في عليعليه‌السلام ، وكلّ من كذّب أو لفّق أو دسّ أو حذف أو أنكر أو تأوّل نجيبه من ألسنة قومه الذين ذكروا أنّ علياًعليه‌السلام تصدّق وهو راكع أي : حال ركوعه ، ونزلت الآية فيه ، وقد نقلنا نصوص كافية في ذلك ، بل نقل ابن كثير نفسه من عدّة طرق أنّها نزلت في علي بن أبي طالب عندما مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه.

2 ـ أمّا من قال : إنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت.

فنقول له : إنّ هذه رواية شاذّة مقابل رواية نزولها في الإمام عليعليه‌السلام التي أخرجها وصحّحها علماء الحديث والتفسير.

فليراجع كلّ باحث عن الحق هارب من أنّ يجحف بحقّ أهل بيت نبي اللهعليه‌السلام ، الكتب التي استوفت ذلك وما أكثرها ، وما لم نف به هنا فسوف نفصّل

__________________

1 ـ منهاج السنة 2 : 30.

٥٩

فيه أكثر في حديث الغدير وغيره مما يشتمل أيضاً على لفظ الولاية ، فتابع معنا.

ونختم بقول حسّان بن ثابت :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكلّ بطئ في الهدى ثابت ومسارع

أيذهب مدحيك المحبر ضائعا

وما المدح في ذات الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذا أنت راكع

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

فأثبتها في محكمات الشرائع(1)

3 ـ لفظ ( ولي ) هنا إنّما هو الأولى بالتصرّف ، كما في قولنا : فلان ولي القاصر ، وقد صرّح اللغويون بأن كلّ من ولي أمر أحد فهو وليّه ، فيكون المعنى أنّ الذي يلي أموركم يكون أولى بها منكم ، وهو الله عزّ وجلّ ورسوله وعلي ، لأنّه هو الذي اجتمعت به هذه الصفات ، الإيمان وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة في حال الركوع ، وقد أثبت الله في الآية الولاية لنفسه تعالى ولنبيّه ولوليّه على نسق واحد ، وولاية الله عزّ وجلّ عامّة مطلقة ، وكذا ولاية النبي والولي مثلها ؛ إذ لم تقيّد.

وهذا يتّضح اكثر عندما نرجع للآية الكريمة :( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (2) ، فهنا جعل الله تعالى الولاية للنبي على الناس أولى منهم لأنفسهم ثمّ النبي صلّى الله عليه وآله ، أكّد لعموم المسلمين بقوله : ( ألست أولى بكم من أنفسكم )؟ ثمّ قال صلّى الله عليه وآله : ( فمن كنت مولاه فعلي مولاه ). يعني : أنّ المقام الذي تعترفون به بالنسبة إلي فهو حق ثابت لعلي عليه السلام ، فبايعه المسلمون على ذلك منذ عيّنه الرسول صلّى الله عليه وآله ، فجعلوا يباركون لعلي

__________________

1 ـ شواهد التنزيل في الهامش : ج 1 ، ص 213.

2 ـ الأحزاب (33) : 6.

٦٠