• البداية
  • السابق
  • 119 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12206 / تحميل: 4650
الحجم الحجم الحجم
السقيفة ام الفتن

السقيفة ام الفتن

مؤلف:
العربية

١
٢

٣
٤

نبذة عن المؤلفرحمه‌الله

هو : الدكتور جواد جعفر الخليلي حفيد آية الله الحاج ميرزا حسين الخليلي أحد مراج العصرقدس‌سره .

ولادته : ولد في النجف الأشرف 24 / 1914.

أسرته : اسرة عريقة في النجف الأشرف مشهورة بالفقه والاصول والطب ولها آثار بقاية منها مدرسة الخليلي العلمية في النجف الأشرف.

نشأته : نشأ في مدينة النجف الأشرف ـ العراق.

دراسته : دراسة علمية وأدبية في الطب والحقوق وعلم النفس.

مسكنه وأقامته : في السابق كان في العراق ثم انتقل إلى إيران واقام بها سنين عديدة ومنها هاجر إلى كندا مع أهله وأولاده.

أعماله الإدارية : في الشئون الطبية ، والقانون إثنى عشر سنة قضاها في مناصب طبية. وثلاثة وعشرون سنة في منصب القضاء في طهران وبعدها مارس المحاماة.

٥

هوايته : الشعر والمطالعة ، والكتابة. له ديوان شعر في مجلدين باللغة العربية ، وله دائرة معارف الام والطفل (في التربية والطب خمسة أجزاء).

كتب : في علم النفس والتنويم المغناطيسي وتحضير الأرواح وله : الحكومة العالمية المثلى في 3 أجزاء طبعت في بيروت وله : موسوعة المحاكمات في عشرة أجزاء. جزآن في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجزآن في حياة الامام أمير المؤمنين علي وصدر الجزء الأول منه قبل أعوام نشرته مكتبة چهل ستون في طهران. والجزء الخامس والسادس والسابع عن أبي بكر وعمر وعثمان والجزء الثامن من الموسوعة يحتوي على ذكر الناكثين ، والمارقين ، والقاسطين والجزء التاسع والعاشر من الموسوعة حوار فيما طرأ بسبب ما تقدم ونتج في الوضع الإسلامي من العلل والأسباب ومحاكمة المسببين ، وأنقسام الأمة الإسلامية وتدهورها.

أولاده : الدكتور باسم طبيب وجراح ، الدكترو عاصم استاذ جامعة في الهندسة الكهربائية ، سالم ، مهندس في الهندسة المعمارية ، حسين مهندس كمپيوتر ، علي طبيب ، حسن ، بكالوريوس في الادارة ، والحسابات وله ثلاث بنات حاملات شهادات عالية ومتزوجات.

زوجته : علوية هاشمية حسينية من خيرة السلالات ولها اليد الطولى في تربية أولادها وبناتها.

وفاته ومدفنه

انتقل الفقيد الراحل إلي جواره ربّه في مدينة (اُوتاوا) ـ بكندا وذلك في يوم الخميس 17 محرم الحرام عام 1419 ه ـ الموافق 14/5/1998 م ونقل جثمانه إلي مدينة مونتريال ودفن فيها تغمده الله برحمته الواسعة وحشره مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦

٧
٨

كلمة المعلّق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وعترته المظلومين ، ولعنة الله على ظالميهم أجمعين الى قيام يوم الدين.

وبعد فهذه كلمة كتبناها عن كتاب : (السقيفة أم الفتن) للدكتور جواد جعفر الخليلي رحمه الله تعالى وحشره مع أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وبعد تعليقي على الكتاب أضفت إلى اسمه كلمة «منها خرجت الفتنة وإليها تعود».

ذكر الأستاذ الخليليرحمه‌الله في كتابه هذا حقائق ناصعة استخرجها من كتب الحديث : الصحاح ، والمسانيد ، وغيرها من الكتب المعتبرة عند السنة.

وأورد فيه مظلومية أهل البيت ، وذكر ما جرى عليهم من عدوان ومصائب عظام ، واضطهاد وويلات من أمراء عصورهم بعد رحيل الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهمعليهم‌السلام .

واجتماع بعض الصحابة في السقيفة لأجل تحقيق غايتهم المشؤومة التي تواطؤوا عليها في حياة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحققوها من بعد وفاته في السقيفة ، والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد لم يدفن ومسجى على فراشه ، وبذلك حرفوا الإسلام عن مسيره

٩

الصحيح ، والمسلمين عن الصراط المستقيم ، والنهج النبوي القويم ، فزاغوا عن أهل البيتعليهم‌السلام ، ووقعوا في الضلال إلى الأبد ، على الرغم من كثرة الأحاديث التي وردت عنه (صلوات الله عليه وآله) من الوصاية بحقهم ، والأمر بمودتهم ، ورعايتهم واتباعهم ، فمما قال فيهمعليهم‌السلام : ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

وقرنهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وقال : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي» ، وحيث إن التمسك بالكتاب وحده لا يفي بالمقصود ، ضم الرسول (صلوات الله عليه) أهل بيته ، وأهل البيت أدرى بما في البيت من الأجانب والأغيار.

وسيقف القارئ لهذا الكتاب على ما جرى على أهل البيتعليهم‌السلام من بعد رسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله من ظلم ، وجفاء ، وعدوان ، وتعد ، واضطهاد ، بعد تلك الوصاة ، حتى قالت بضعته الزهراء سلام الله عليها :

صبت علي مصائب لو أنها

صبت على الأيام صرن لياليا

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والعاقبة للمتقين.

كتبه :

السيد مرتضى الرضوي

طهران

١٠

كلمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد ثلاثة وعشرين عاما ، من ذلك الجهاد المرير ، الذي قام به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخليفته وربيبه علي بن أبي طالبعليه‌السلام منذ العهد الجاهلي المغمور في الظلمات ، ظلمات الجهل والفقر والفاقة والانحطاط الاجتماعي والخلقي والصحي.

بعد ذلك العهد الذي كانت فيه الجزيرة العربية طعمة مبتذلة لجيرانها من الفرس والرومان وحتى الأحباش ، واقلها في الحجاز وأخص منها مكة ، البلاد التي حرمت حتى من الماء والهواء العذب ، لدرجة لا يطمع فيها غاز أو فاتح بثراء ولا بجمال ، وإذا بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذلك الذي قضى دور الطفولة والشباب وهو يتدبر القيام بمهمة تليق بموهبته الروحية والفكرية التي لم يسبق لها مثيل في عالم البشرية قد شاء الله عز وجل له أن يظهر ليكون ظهوره معجزة المثال البشرى على وجه هذه البسيطة ، بما أوتي من عقل وتدبير وحكمة وكفاح وجهاد ، وتصدي لأ شد الصدمات والأهوال من أفراد وجماعات تفانت في العصبية الجاهلية ، والذب عن الشرك والعادت والأخلاق المستهترة ، سارحة في بحبوحة من التعاسة والنعرات القومية يستحل فيها القوي الضعيف لأقصى ما يتصوره الفكر ، وينزل فيها الفرد لأدنى درجات الخسة ، أمام الشهوات والغرائز الجنسية. تتحكم فيهم العادات والطبائع التي نأت عن الصفات الإنسانية ، وابتعدت عن المنطق السليم. يعبدون أحجارا نحتوها بأيديهم ، ويعتقدون بسخافات وأوهام يأباها من له ذرة من العقل السليم ،

١١

ويستحلون لفقرهم وفاقتهم وجهلهم وقساوتهم وأد بناتهم ، ولا يمنعهم عن الرذيلة مهما بلغت إباء أو شمم ، غير طمع أو فزع.

فكأن العصور المتمادية والأصقاع القريبة والنائية ، بعد طول العسر وشدة القسر ، قد جمعت ما فيها من فضيلة وحسن ، وكمال وجمال في هذه الموهبة العظمى ، التي شاء الله سبحانه عزوجل لها أن تبزغ على العالم أجمع من هذه الديار ، فتتلبس في عالم جسماني يودع في عبد المطلب لينشطر الى قسمين يعودان بعد بضع سنوات لاتحادهما الروحي ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليعليه‌السلام جسمين في روح واحد يشد أحدهما أزر الآخر مادة ومعنى ، شدا لا ينفصم ، فيكون الأول نبيا والثاني وصيا ووزيرا ، وعلى اكتافهما تقام أرقى حضارة عرفها البشر ، وأجل دين وعقيدة كان لها أن تبعث بالبشرية لأقصى ما ترجوه من السعادة. قائمة على المنطق السليم والنهج القويم ، تلك التي كان يحلم بها ويتمناها أعظم فلاسفة العالم وحاروا في الوصول إليها ، كسقراط وافلاطون وأرسطو ومن سبقهم وتلاهم ،

فصدعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من الله سبحانه ليؤسس من أمة مستضعفة إمبراطورية قوامها الإيمان بالله ، مستندة إلى العقل والمنطق السليم ، تؤيدها الإرادة والاخلاص ، وضع هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناهجها وأسسها ، وأكملها وأتمها الله بعترته أهل بيتهعليهم‌السلام ، وفي طليعتهم ابن عمه على بن أبي طالبعليه‌السلام خليفته من بعده ، شقيق نفسه وباب علمه وحكمته وتدبيره ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد دعا إلى الله : «إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي» وأوضح لهم السبيل ، وأقام لهم الدليل ، وبين لهم النهج ، فكان عليعليه‌السلام وصيه وأخاه ووزيره وخليفته ، وباب علمه وسفينة نجاة أمته ، والميزان الفارق بين المؤمن والمنافق ، يعسوب الدين وإمام الغر المحجلين ، قدوة المتقين وحبيبه وحبيب إله العالمين ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

١٢

فبعد ثلاثة وعشرين عاما دعاهم في غدير خم ، وأخذ البيعة لهعليه‌السلام ممن حضر هناك ، فهنأه الرجال ، والنساء آنذاك ، وخصوصا ، أبا بكر وعمر بن الخطاب ، وأخذ جبرئيل العهد على عمر كي لا ينقضه.(1) وحين قربت وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل المهاجرين والأنصار مع أسامة وتحت إمارته ، ولعن من تخلف ، وقد تخلفوا ، ثم دعا بمحضرهم بداوة وقرطاس ليضع العهد كتابة(2) ، فحدثت بمخالفة عمر أول فتنة في الإسلام ، حتى إذا قرب الأجل ورحلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الرفيق الأعلى وبدأ عليعليه‌السلام باجراء تنفيذ وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغسله وتكفينه ودفنه ، اغتنم عمر الفرصة فأتى إلى دار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيها بنو هاشم وجل الصحابة ليستدعي أبا بكر وحده من بينهم ، وكان قبلها قد خلف وراءه هو وأبو بكر جيش أسامة خارج المدينة مخالفا بذلك أوامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغير مكترث باللعن الذى لعن به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتخلفين عن ذلك الجيش وفي الجيش أجلة المهاجرين والأنصار ، وبادر الى السقيفة أبو عبيدة الجراح فوجدوا قلة من الأوس والخزرج اجتمعوا لانتخاب أمير من بينهم ، وكانوا قبلها بليلة قد ألقوا الفتنة والتفرقة بين الأنصار من الأوس والخزرج ، فقدم أبو بكر ليبايع أبو عبيدة الجراح أو عمر ، فقال له عمر أنت أحق بهذا الأمر ، وبايعه هو وأبو عبيدة والتحق بهما نفر من الأوس دون علم من جيش أسامه وهو على أبواب المدينة ، وبدون علم من بني هاشم أهل بيت الرسالة وأقرباء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القريبين والصحابة المشتركين في غسل وتدفين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودون علم الباقين الذين هم خارج السقيفة وفي المدينة نفسها ، ودون علم من في جمع الأقطار والمدن والقرى المحيطة بالمدينة أو أطرافها ، أو مكة وحواليها أو اليمن وما فيه أو الجزيرة بما فيها من مسلمين

__________________

(1) راجع الغدير واسناده في الجزء الأول والثاني من موسوعتنا هذه.

(2) في سر العالمين للحجة الغزالي ، وخواص الائمة للسبط ابن الجوزي.

١٣

هكذا كانت بيعة أبي بكر فلتة كما صرح بها عمر بعد ذلك

وقد سبق الدخول إلى السقيفة تهديد عمر لكل من يقول إن رسول الله قد مات(1) ، لأن با بكر كان غائبا حتى إذا حضر السقيفة وبويع انتهت مشكلته

وبعد ذلك خروجهم من السقيفة والتهريج ببيعة أبي بكر وسحب كل من في الطريق لوضع يده في يد أبي بكر وأخذ البيعة منه اختيارا أو كرها.

هذه صورة مختصرة عن الجهود التي بذلها محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى كون تلك الإمبراطورية ، وبعدها الدسيسة والفتنة الكبرى للانتفاضة ونقض أبي بكر وعمر عهدهم للخلافة الاسلامية ، والتي زعموا أن الأمة أجمعت على انتخاب الخليفة ، ونحن وإن تعرضنا مختصرا للواقعة ، سنعود لتفصيلها مع التوثيق باحثين :

اولا ـ عن أنواع الانتخابات التي جرت وتجري في العالم قديما وحديثا.

ثانيا ـ سرد نظرية إفلاطون لأنواع الحكومات في جمهوريته ، ونظرة لأصلحها للحكم.

ثالثا ـ نظرة في علم النفس.

رابعا ـ علم الاجتماع.

خامسا ـ الوراثة والمحيط والتربية

سادسا ـ نظرة الإسلام حسب الكتاب والسنة النبوية عن ذلك.

سابعا ـ تصور لما كان سيحدث فيما لو تحقق ما أراده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثامنا ـ حكارنة الحكومات مع حياة الجسم الإنساني الطبيعي.

__________________

(1) بقوله إن رسول الله لم يمت وإنما بعث كما بعث موسى للقاء الله.

١٤

الحكومات وأنواعها في العالم وأنواع الانتخابات

١٥
١٦

كيف بدأت الحكومات؟

لا شك أن هذه الدراسة بحاجة لتأليف مفصل لشرح أنواع الحكومات منذ العصور البدائية إلى اليوم ، مستعرضين فيه ما قام منها من الشرق الى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب ، وتدرجها وتطورها منذ تشكيل العائلة ، فالقبيلة فالقصبات فالمدن فالحكومات الصغيرة فالكبيرة ، وانتشار الحضارات والثقافات وتأثيرها على الأفراد والجماعات ، ووضع النظم والقوانين ، وحدود حقوق الفرد والجماعة حتى يومنا هذا.

وبصورة مجملة ، لا شك أن المجتمعات تدرجت من صغيرة إلى كبيرة فأكبر وأكبر حتى بلغت الإمبراطوريات الواسعة ، ومن جاهلة الى أقل جهلا ، وتدرجت بالعلم والثروة الى ما هي عليه اليوم.

ولقد كان لأدمغة المفكرين والنوابغ ، واحتكاك الأفراد بعضهم من بعض ، والفقر والثراء ومتطلبات الراحة والرفاه ، وظهور الأنبياء والرسل والدعاة الى الإنسانية ، لتهذيب النفس والمجتمع ، والدعوات الإنسانية من حين لآخر بسبب ما يرتكبه الانسان من المظالم فتشقى بذلك نفسه ويشقى غيره ، وما يعكسه هذا من رد فعل الأثر الذي خلف وعيا ودعوة لإقامة أسس للحكم والعدالة الإنسانية والابتعاد عن المظالم ، ووضع قوانين مستمدة من المنطق والعدالة والعرف

١٧

والعادة في كل قبيلة ودويلة فدولة ، وتأثير الواحدة على الأخرى ، وتبادل الآراء وانتقال الحضارات والثقافات من الواحدة للأخرى.

وقد كانت في البدء العائلة أساس الجماعة ، حتى إذا توسعت وتكاثرت وضمت العائلة بعد توالدها عوائل أصبحت قبيلة ، فقبائل متجاوره انضمت إلى بعضها بناء على الغريزة الإنسانية لحب الظهور والتسلط.

ولنفس السبب ظهرت الحكومات البدائية والدويلات المتجاورة ، وبضم الكبيرة الصغيرة طبق القانون الطبيعي تشكلت الدول ثم الدول الكبرى ، من شعوب متمايزة بحضاراتها وتمدنها ، وفيها حصل تبادل الآراء في مختلف العلوم الفلسفية والاجتماعية والطبية والسياسية وغيرها.

وكانت ولا شك بحكم الغلبة والحروب أكثرها حكومات استبدادية مطلقة ، تحت نفوذ سلطة مطلقة تستمد نفوذها من رئيس الدولة وهو الملك أو قل ملك الملوك ، وإلى ذلك نرى في الشرق والغرب السلطات الثانوية المتنفذة من الناحية الروحية والنفسية من الكهنة ورجال الدين ، أولئك الذين كانوا على الأغلب بيدهم وتحت نفوذهم أهم العلوم الاجتماعية والنفسية والطبيعية وما وراء الطبيعة ، وبعض السلطات التي كان لها تأثيرها على السلطات العليا نفسيا ، كما نرى ذلك في بلاد مصر وبابل العائدة لتأثير المعابد ، وبعدها اليونان وبلاد فارس خصوصا حينما نهض فيها العلماء والمدرسون من طبيعيين وما وراء الطبيعة ، وتوسعت الأفكار ، ووضعت حدود وموازين لاستبداد الملوك ورجال الدين ، ونهض الرسل والأنبياء لاستنفار الناس والاهابة بهم ، لصد المظالم وردع المفاسد.

وعند تحديد السلطات العليا في بعض الدول ، تشكلت عوض السلطات المطلقة من فرد واحد سلطات تضم عدة أشخاص يقومون بإدارة دفة الحكومة كما نرى ذلك عند اليونان في تشكل القناصل ، وعند الرومان ، ونزع بعض السلطات

١٨

وإعطائها للمراكز الدينية ، وظهور الفكرة الديمقراطية البدائية والأرستقراطية الأفلاطونية التي سنورد شرحها فيما يلي ، حتى دخلت أنظمة الكنائس في أورپا وظهرت قوتان متنافستان فيها منذ اعتناق المسيحية ، وتسلط الكنائس بمعتقداتها حتى على السلطات والحكومات.

وحين ظهر حكم استبدادي جديد في الغرب وحدث انهيار اجتماعي في الشرق فوجئ العالم بالعقيدة الإسلامية الفذة ، تلك العقيدة التي بلغت بالإنسان وما يحمله من مزايا وما يجب أن يتمتع به من خصال لبلوغ سعادته حدودا من الكمال لو انصاع إلى رسولها الإنساني الكريم ونبيها الرباني الحكيم وما خطه له من الخطط العظمى لساد السلام والرحمة والسعادة بين الأفراد والجماعات ، ولأصبح أفراد النوع الإنساني بما فيهم من أسود وأحمر وأصفر وأسمر وأبيض في الشرق والغرب والشمال والجنوب على اختلاف لغاتهم وطباعهم وعناصرهم وأذواقهم متساوين في الحقوق والواجبات تجاه الآخرين ، ولسادت المحبة مكان الضغينة ، وما تجرأ أن يعتدي من زاغت نفسه أو طغى هواه على الغير ، تحت تربية عالمية متينة ذات أصل متين واحد ، وأصبحوا بحكم العدالة والبر والإحسان والتعاون والمحبة المتبادلة إخوانا صدقت نياتهم مع آمالهم يصدق عليهم قوله تعالى :( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (1) .

لكنهم ما إن أغمض هاديهم ومرشدهم ورسولهم الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه بعد أن أوضح لهم الطريق وأنار السبل وأدلى الحجج ، وأنذرهم الله وحذرهم الفرقة والمخالفة والخروج عما أوصاهم وتلا عليهم ما أنزله الله في كتابه حيث قال تعالى( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتهم على

__________________

(1) الحجرات ، 13.

١٩

أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه خلى يضر الله شيئا ) (1) ، وخط لهم الخطط ووضع لهم الأسس وأرشدهم بقوله «اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا».

وقال لعليعليه‌السلام وصيه وخليفته وهو يعلم ما يقول إنه سيلقى منهم اضطهادا ، لذا أوصاه بالصبر والتجلد ومداراتهم ، وقد رتب ما يلزم للفتح وتعميم الدين.

فما إن أغمضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه حتى نقضوا بيعتهعليه‌السلام ، واختلفوا واغتصبوا منصبه الذي نصبه الله فيه ، وغيروا وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الثقلين ، فأزاحوا عليا عن مقامه ، وأحكموا الأمر لأعدائه وخصومه مكان عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك العترة التي لا تسير دفة الأمور إلا على عواتقهم ، فهم المفسرون لمجمل كتاب الله وهم الحاملون لعلم نبيهم كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : «إنك لتقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل».

نعم ، قاتل رسول الله على تنزيل القرآن وبقي تأويل القرآن بعده لباب علمه وهادي أمته علي وعترتهعليهم‌السلام ، وهم الثقل الثاني بعد كتاب الله ، فماذا كانت النتيجة؟

نعم!(2) أجروا بعض أوامر الله ونقضوا الأخرى التي تخالف رغباتهم وتعكس أعمالهم وتفضح منكراتهم ، فسار الدولاب الذي وضعه رسول الله لأمد ثم وقف ، إذ لم يكن بيد أهله ، فصار الضعف بعد القوة ، والتفرقة بعد الاتفاق ، والخذلان بعد الثقة.

ثم لم تمض مدة حتى نرى أورپا المسيحية التي تأثرت بالحضارة الإسلامية

__________________

(1) آل عمران ، 144.

(2) راجع الكتاب الأول والثاني في موسوعتنا هذه.

٢٠