الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)0%

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 254

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف: محمّد علي المعلّم
تصنيف:

الصفحات: 254
المشاهدات: 35690
تحميل: 5047

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 254 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35690 / تحميل: 5047
الحجم الحجم الحجم
الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف:
العربية

ومن هنا ندرك مدى اهتمام أهل البيتعليهم‌السلام بهذا الأمر، ومدى ارتباطه الوثيق بالجانبين الفردي والاجتماعي وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم.

كما ندرك أنهمعليهم‌السلام كانوا يتخيرون لأولادهم أسماء حسنة مراعاة لهذه الجوانب، وهي تحمل دلالات مهمة، ومعان سامية، وقد روي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال: - في حديث - إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم(1) .

وقد ذكرت الروايات الترغيب في أسماء معينة كمحمد وعلي، وحسن، وحسين، وجعفر، وطالب، وعبد الله، وحمزة، وغيرها من الأسماء كأسماء الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام ، بل ورد استحباب تسمية الأولاد قبل أن يولدوا، بل وإن كانوا أسقاطا فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سمى محسنا قبل أن يولد(2) .

وأما أسماؤهمعليهم‌السلام فقد اختارها الله تعالى لهم وجاء في الزيارة الجامعة: (فما أحلى أسماءكم) وقد دلت عدة روايات على ذلك.

ولما كانت السيدة المعصومة ربيبة الإمامة فقد حظيت بأحسن الأسماء، وأجمل الألقاب، وإن لأسمائها وألقابها من الدلالات والمعاني ما يشير إلى عظمتها، ذلك لأن الاسم أو اللقب لم يطلق عليها جزافا، وإنما صدر عن المعصوم الذي يضع الأشياء في مواضعها، الأمر الذي يدل على جلالة هذه الشخصية وعظمتها في كل شأن من

____________________

(1) وسائل الشيعة ج 15 باب 27 من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة ج 15 باب 23 وباب 24 من أبواب أحكام الأولاد.

٦١

شؤونها.

وأما أسماؤها وألقابها فهي:

1 - فاطمة:

وكم لهذا الاسم من شأن وخصوصية عند الأئمةعليهم‌السلام وشيعتهم، وكم كان الأئمةعليهم‌السلام يولون هذا الاسم أهمية فائقة، لا نجدها في سائر الأسماء عندهم.

روى الكليني بسنده عن السكوني، قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام وأنا مغموم مكروب، فقال لي: يا سكوني ما غمك؟ فقلت:

ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك، فسرى والله عني، فقال: ما سميتها؟ قلت: فاطمة، قال: آه، آه، آه، ثم وضع يده على جبهته،.... - ثم قال -: أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولا تلعنها، ولا تضربها(1) .

إن لهذا الاسم قدسية في نفوس أهل البيتعليهم‌السلام ، ولذا ذكر بعض الباحثين أن جميع الأئمةعليهم‌السلام كانت لهم بنات بهذا الاسم، حتى أن أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي كان اسم أمه فاطمة واسم زوجته فاطمة، كان له بنت اسمها فاطمة، وأن الإمام الكاظمعليه‌السلام كانت له أربع بنات بهذا الاسم، الأمر الذي يؤكد على أن هذا الاسم ليس أمرا عاديا، فيا ترى ما هو الوجه في ذلك؟

____________________

(1) الفروع من الكافي ج 6 - كتاب العقيقة - باب حق الأولاد الحديث 6 ص 48.

٦٢

إن شيعة أهل البيتعليهم‌السلام يدركون تماما خصوصية هذا الاهتمام وأبعاده ومغزاه، فإن المتسميات بفاطمة من النساء كثير، إلا أنه ما إن يطلق هذا الاسم ويتناهى إلى الأسماع حتى تتبادر الأذهان إلى فاطمة بضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي كانت واسطة العقد وملتقى النورين ومنشأ السلالة النبوية الشريفة والذرية الطاهرة.

وإلى ما جرى على فاطمةعليها‌السلام - من الخطوب والمآسي، وما نالته فاطمة من إجماع أصحاب أبيها على هضمها، والتنكر لمقامها، وحرمانها من حقها - يعود كل ما تمخض من أحداث مؤلمة وفجائع أصابت أبناءها وشيعتها عبر التاريخ.

وإن في تأوه الإمام الصادقعليه‌السلام ثلاث مرات ووصيته للسكوني أن لا يسب ابنته ولا يلعنها ولا يضربها حيث سماها فاطمة دلالات تقصر عنها العبارات وتتعثر الأفكار.

إن الأمة قد انحرفت عن طريق الهداية والرشاد منذ اللحظة التي عزم فيها القوم على هضم فاطمة وظلمها وهتك حرمتها حيث داسوا على وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأقدامهم وتجاسروا على بيت النبي في هجوم شرس زعزع القواعد التي أرساها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لضمان سلامة الأمة من الضيعة والضلال.

ولو أن الأمة أنصفت وأعطت فاطمة حقها لكانت قيادة الأمة بيد أمير المؤمنينعليه‌السلام ولا بيض وجه التاريخ.

٦٣

ولسنا في مقام الحديث عن تاريخ حياة فاطمةعليها‌السلام ، وإنما أردنا الإشارة إلى أن تسمية إحدى بناتها باسمها يحمل من الدلالات ما هو أكبر من مجرد إطلاق اسم على مسمى، فإن في التسمية بهذا الاسم تذكيرا وإيحاء بما جرى في تلك الأيام التي أعقبت وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن هنا ندرك اهتمام الأئمةعليهم‌السلام وشيعتهم بهذا الاسم العظيم.

وقد ذكرت الروايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام عدة تفاسير لمعنى فاطمة وكلها تدل على عظمة الصديقة الزهراءعليها‌السلام ومقامها(1) .

2 - المعصومة:

ويقترن هذا الاسم باسم فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفرعليهم‌السلام ، فيقال في الأعم الأغلب: فاطمة المعصومة، كما يقال عند ذكر أمها الكبرى: فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الرضاعليه‌السلام حيث قال: من زار المعصومة بقم كمن زراني(2) .

ولهذه التسمية من الدلالة ما لا يخفى، فإنها تدل على أن السيدة فاطمةعليها‌السلام قد بلغت من الكمال والنزاهة والفضل مرتبة شامخة حيث سماها الإمامعليه‌السلام بالمعصومة، والعصمة تعني الحفظ والوقاية،

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43 ص 10 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 18 - 65.

(2) رياحين الشريعة ج 5 ص 35.

٦٤

والمعصوم هو الممتنع عن جميع محارم الله تعالى، وهي لا تنافي الاختيار، فتكون مرتبة من الكمال لا تهم النفس معها بارتكاب المعصية فضلا عن الإتيان بها مع القدرة عليها عمدا أو سهوا أو نسيانا، ولا يكون معها إخلال بواجب من الواجبات، بل ولا مخالفة الأولى كما في بعض المعصومينعليهم‌السلام ، وليست هي أمرا ظاهرا وإنما هي حالة خفية من حالات النفس، ويستدل عليها بالنص أو القرائن القطعية الدالة على ثبوتها، كما أنها أمر مشكك، أي ذات مراتب تتفاوت فيها القابليات والاستعدادات من شخص إلى آخر.

وقد اتفقت كلمة الشيعة الإمامية على عصمة الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام والملائكة وبعض الأولياء، وإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الاثني عشر والصديقة الزهراءعليها‌السلام في أرقى درجات العصمة، فإنهم بلغوا من العصمة مقاما لا تصدر منهم معصية، ولا يتركون واجبا، ولا يبدر منهم ما كان على خلاف الأولى، وبذلك نطقت الأدلة وقامت البراهين العقلية والنقلية كما هي مبثوثة في كتب الشيعة الإمامية الكلامية(1) .

ويتلوهم الأمثل فالأمثل بمقتضى تفاوت المراتب والمقامات.

وعلى هذا فلا يبعد القول بأن السيدة فاطمة هي إحدى المعصومات وإن لم تبلغ درجة الصديقة الزهراءعليها‌السلام ، أو أحد الأئمةعليهم‌السلام .

____________________

(1) أوائل المقالات ص 35 وتلخيص الشافي ج 1 ص 183 - 196 وكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 274 وص 286 - 287.

٦٥

وقد ذكر بعض الباحثين(1) عدة قرائن تدل على ذلك ومنها:

أولاً: ما ورد في الرواية عن الإمام الرضاعليه‌السلام من أنه قال: من زار المعصومة بقم كمن زارني.

ومن المعلوم أن الإمامعليه‌السلام لا يلقي الكلام جزافا، ولا يمكن أن تصدر منه مبالغة في القول في حق شخص من الأشخاص على خلاف الحق.

ولم يكن اسم المعصومة يطلق على السيدة فاطمة في حياتها ليكون التعبير بالمعصومة عنوانا مشيرا، بل إن هذا التعبير منهعليه‌السلام صدر عنه بعد وفاتهاعليها‌السلام وهو يدل على إثبات العصمة لهذه السيدة الجليلة لأنه بناء على أساس القاعدة المعروفة من أن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية، يصبح معنى الحديث هكذا: من زار المعصومة بقم كمن زارني لأنها معصومة.

فإذا ثبت أن هذا الحديث صادر عنهعليه‌السلام فلا إشكال في دلالته على عصمتهاعليها‌السلام .

وثانياً: بما ورد من الأحاديث الصحيحة المستفيضة الواردة في وجوب الجنة لمن زار قبر هذه السيدة الجليلة.

وإن كان لا ملازمة بين العصمة ووجوب الجنة، ولكن لم يعهد في شأن غير المعصوم ذلك، حتى أن ثلاثة من الأئمة المعصومينعليهم‌السلام يؤكدون على زيارتها - وسيأتي الحديث عن ذلك -.

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 36 - 42.

٦٦

وثالثاً: بشفاعتها الشاملة لجميع شيعة أهل البيتعليهم‌السلام .

نعم ذكرت الشفاعة في شأن العالم والشهيد ونحوهما، ولكن لم يرد شمول الشفاعة وسعتها بحيث تشمل الجميع إلا في حقها وحق آبائها المعصومين، يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم.

رابعاً: الروايات المتواترة الواردة في فضل قم وقداسة أرضها ببركة قدوم هذه السيدة الجليلة، ولم يرد في شأن مدينة أخرى كما ورد في شأن مدينة قم، ومن الطبيعي أن قداسة هذه المدينة إنما هي من أجل هذه السيدة الجليلة.

خامساً: التعبير عن قم بأنها حرم أهل البيت، وعش آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وغيرها من التعابير العالية التي لم يرد لها مثيل إلا في مواطن ومشاهد الأئمةعليهم‌السلام .

سادساً: الكرامات الباهرة لهذه السيدة الجليلة التي كانت ترى على مر القرون والأزمان، ولم يكن لأحد من أولاد الأئمة ذلك، إلا ما كان من أبي الفضل العباسعليه‌السلام الذي يقال بعصمته أيضا.

سابعاً: التعبيرات العالية الواردة في زيارتها مثل: « فإن لك عند الله شأنا من الشأن » وحيث أن هذه الزيارة مروية عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، فإن هذه التعبيرات العالية الشأن لا تتناسب مع غير المعصوم.

ثامناً: إخبار الإمام الصادقعليه‌السلام عن تشرف هذه البقعة - مدينة قم -

٦٧

ببضعة من ولده موسىعليه‌السلام ، وكان إخباره بذلك قبل ولادة موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وهو يدل على مقامها العظيم، ومع هذا يؤكدعليه‌السلام على أن جميع الشيعة يدخلون الجنة بشفاعتها، وذلك علامة على جلالة قدرها، الأمر الذي لم نقف عليه في شأن غير المعصوم.

وعاشراً: مجئ الإمامين الرضا والجوادعليهما‌السلام لتجهيز ودفن هذه السيدة الجليلة دليل واضح على عصمتها، وذلك لأن من معتقدات الشيعة أن جنازة المعصوم لا يتولى دفنها إلا المعصوم، فإن أمير المؤمنينعليه‌السلام هو الذي تولى تجهيز فاطمةعليها‌السلام مع حضور أسماء، حتى أن الإمام الصادقعليه‌السلام رأى أن ذلك ثقل على المفضل - الذي كان يحدثه - فقال لهعليه‌السلام : لا تضيقن فإنها صديقة، ولم يكن يغسلها إلا صديق، أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى(1) .

فقد ورد في أحكام غسل الميت أن الزوج أحق بتغسيل زوجته، وإن وجد المماثل، وأما الولد فلا يمكنه أن يغسل أمه في حال الاختيار مع وجود المماثل، ولكن لما كانت مريمعليها‌السلام معصومة فلم يكن مناص إلا أن يتولى ولدها عيسىعليه‌السلام تغسيلها.

ومن قولهعليه‌السلام : « صديقة » يستفاد عصمة مريمعليها‌السلام ، وقد ورد في القرآن الكريم التعبير عنها بذلك، وهكذا تولى الإمام الرضاعليه‌السلام تغسيل أبيه، كما أن الإمام الجوادعليه‌السلام جاء من المدينة إلى خراسان، والإمام

____________________

(1) الأصول من الكافي ج 1 - كتاب الحجة - باب مولد الزهراء فاطمةعليها‌السلام الحديث 4 ص 459.

٦٨

الهادي جاء من المدينة إلى بغداد، ومن قبلهما جاء الإمام زين العابدينعليه‌السلام من السجن لتجهيز والده في كربلاء.

والملفت للنظر أن الإمام زين العابدينعليه‌السلام لما أراد أن يدفن أباه الحسينعليه‌السلام ، وعلي الأكبرعليه‌السلام ، وأبا الفضل العباسعليه‌السلام ، لم يطلب العون من بني أسد، بل قام بذلك بنفسه، ولكن لما أراد أن يدفن الشهداء طلب منهم أن يحفروا حفرتين وأمرهم بدفن شهداء بني هاشم في واحدة، ودفن سائر الشهداء في الأخرى.

وهذا بنفسه علامة على عصمة علي الأكبر. وأبي الفضل العباسعليهما‌السلام .

وهكذا في تجهيز السيدة فاطمة، فإن حضور الإمامين الرضا والجوادعليهما‌السلام له معنى كبير، وهو شاهد حي على عصمة هذه السيدة الجليلة.

فمع الالتفات إلى هذه الأمور فإذا ادعى شخص أن السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام نالت مرتبة من العصمة فليس فيه انحراف في القول أو مجازفة في المقال، نعم هذه المرتبة من العصمة دون مرتبة المعصومين الأربعة عشرعليهم‌السلام ، فإن أولي العزم من الأنبياء لم يبلغوا تلك المرتبة.

وهناك تفاوت آخر، وهو أن العصمة في الأنبياء والأئمة أمر لازم

٦٩

لا بد منه، وأما العصمة في هذه الشخصيات العالية فليست بلازمة(1) .

ولئن لم تكن معصومة بالمعنى الخاص للعصمة الخاصة بالأئمةعليهم‌السلام والصديقة الزهراءعليها‌السلام إلا أن في التعبير عنها بالمعصومة إشعارا ببلوغها مرتبة عالية من الطهارة والعفة والنزاهة والقداسة، ولا غرو فإنها تنحدر من بيت العصمة وتربت على يد المعصوم، وكانت ابنة معصوم وأخت معصوم وعمة معصوم.

3 - كريمة أهل البيت:

وهو من ألقاب هذه السيدة الجليلة، وعرفت به من دون سائر نساء أهل البيت.

وقد اشتهر الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام بهذا اللقب من دون سائر الرجال، فكان يقال له كريم أهل البيت.

وقد أطلقه عليها الإمام المعصومعليه‌السلام في قصة وقعت لأحد السادة الأجلاء وقال له: «عليك بكريمة أهل البيت » مشيرا إلى هذه السيدة الجليلة، وسنذكر تفاصيلها في موضع آخر.

ولهذا اللقب دلالة بعيدة الغور على شأن فاطمة بنت الإمام موسى ابن جعفرعليهم‌السلام ، فإن أهل البيتعليهم‌السلام قد جمعوا غر الفضائل والمناقب وجميل الصفات، ومن أبرز تلك الخصال الكرم، وقد عرفوه بأنه إيثار الغير بالخير ولا تستعمله العرب إلا في المحاسن الكثيرة، ولا يقال

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 36 - 42.

٧٠

كريم حتى يظهر منه ذلك(1) ، والكريم هو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.

ومن ذلك يعلم أن للكرم معنى واسعا لا ينحصر في بذل المال أو إقراء الضيف أو حسن الضيافة، فإنها من مصاديق الكرم لإتمام معناه.

وعلى ضوء هذا المعنى الشامل للكرم يتجلى لنا المراد من وصف أهل البيتعليهم‌السلام بأنهم أكرم الناس على الإطلاق لما اشتملوا عليه من أنواع الخير والشرف والفضائل، وقد حفظ لنا التاريخ شيئا من ذلك وحدث به الرواة.

كما يتجلى لنا أيضا اتصاف هذه السيدة الجليلة بأنها كريمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وإن من أبرز مظاهر كرمها أن مثواها المقدس كان ولا يزال منبعا للفيض، وملاذا للناس، ومأمنا للعباد، ومستجارا للخلق، وبابا من أبواب الرحمة الإلهية للقاصدين، وأن مدينة قم حيث تضم مرقدها الطاهر كانت ولا تزال حاضرة العلم، وحرم الأئمة وعش آل محمدعليهم‌السلام ومنفرا لأهل العلم من شتى بقاع الأرض، يتلقون علوم أهل البيتعليهم‌السلام محتضنة كوكبة من العلماء والطلاب، ولا زالت هي والنجف الأشرف فرسي رهان تتسابقان في تخريج حملة العلوم على شتى مراتبهم، وسيوافيك عن ذلك حديث.

ففي وصف هذه السيدة الجليلة بأنها كريمة أهل البيت دلالة على

____________________

(1) مجمع البحرين ج 6 ص 152.

٧١

أنها ذات خير وبركة على الخلق، ولا سيما شيعة آل محمد وأختص أهل قم منذ اللحظة التي تشرفت أرضهم بها أنهم لا يزالون ينعمون ببركاتها وخيراتها آناء الليل وأطراف النهار، ويعيشون في حماها ويتفيأون ظلالها في امتياز خاص بهم من دون أهل سائر المناطق الأخرى.

أسماء وألقاب أخرى:

ذكر العلامة المتتبع الشيخ علي أكبر مهدي پور في كتابه القيم (كريمة أهل البيتعليهم‌السلام )(1) أن لفاطمة المعصومة عدة أسماء وألقاب غير ما ذكرنا، وردت في عدة من المصادر، وهي:

1 - الطاهرة 2 - الحميدة 3 - البرة 4 - الرشيدة 5 - التقية 6 - النقية 7 - الرضية 8 - المرضية 9 - السيدة 10 - أخت الرضا 11 - الصديقة 12 - سيدة نساء العالمين.

وسواء ثبتت هذه الألقاب والأسماء أو لم تثبت إلا أن من الواضح انطباق ما تضمنته من معان ودلالات على هذه السيدة الجليلة.

وقد أطلق أكثر هذه الأوصاف على أمها فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ولا سيما الأخير منها، فإن فاطمة الزهراءعليها‌السلام هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، كما أطلق على السيدة مريم بنت عمرانعليها‌السلام ،

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 47 - 48.

٧٢

وقيد - كما في الروايات - بأن سيادتها على نساء العالمين إنما هو خاص بنساء زمانها، ولذا ينبغي التخصيص في إطلاقه على فاطمة المعصومةعليها‌السلام أو يقال بالتخصص إذ من المعلوم أن مقام فاطمة الزهراءعليها‌السلام لا يرقى إليه أحد من النساء، فإنها بضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروحه التي بين جنبيه.

وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر الألقاب الأخرى.

وعلى أي حال فإن في تسميتها بفاطمة ووصفها بالمعصومة وكريمة أهل البيتعليهم‌السلام وأنها صادرة من المعصومين دلالة على المقام الرفيع الذي بلغته سيدة عش آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

في رحاب العلم والمعرفة:

عاشت السيدة فاطمة المعصومة مع أخيها الإمام الرضاعليه‌السلام أكثر من عشرين عاما على أقل التقادير، إذا ما استبعدنا أن تكون ولادتها في سنة 183 هـ، لأنها السنة التي استشهد فيها أبوها الإمام الكاظمعليه‌السلام في قول أكثر المؤرخين، وإلا فتكون المدة التي عاشتها السيدة فاطمة مع أخيها سبعة عشر عاما، وذلك لأن انتقال الإمام الرضاعليه‌السلام من المدينة إلى مرو في خراسان كان سنة 200 هـ وكانت ولادتهعليه‌السلام سنة 148 هـ كما هو المشهور، وقيل في سنة 153 هـ(1) . فعلى القول بأن ولادتهاعليها‌السلام

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 403.

٧٣

كانت سنة 179 هـ يكون عمرها الشريف يوم رحلة أخيها من المدينة واحدا وعشرين عاما، وعلى القول بأن ولادتها كانت سنة 173 هـ كما رجحه بعضهم يكون عمرها آنذاك سبعة وعشرين عاما.

وعلى أي تقدير فقد عاشت السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام في كنف أخيها الرضاعليه‌السلام ورعايته مدة من الزمن تمكنها من تلقي التربية والتعليم اللائقين بمقامها على يد أخ شقيق لم يكن في علمه ومقامه كسائر الناس، فهو الإمام المعصوم وهو المربي والمعلم والكفيل.

وهذه المدة وإن لم تخل من مضايقات عانى منها الإمام الرضاعليه‌السلام الشدائد والمحن بعضها كان محصورا في نطاق أسرته وأهل بيته، وهو ما لاقاه الإمامعليه‌السلام من بعض أخوته وعمومته حيث اعترض بعضهم على تفضيله وتمييزه عليهم، ولا نريد الولوج في تفاصيل هذا الموضوع الخاص خشية التعثر في طريقه، على أنه لا أثر يترتب على الخوض في الحديث عنه.

وبعضها كان من بعض من كانوا في عداد شيعة أبيه حيث نجم قرن فتنة الواقفية الذين حليت الدنيا في أعينهم، فحاولوا قطع الطريق على الإمام الرضاعليه‌السلام وابتدعوا القول بأن الإمام الكاظمعليه‌السلام لم يمت، وأنه غاب وسيعود، وفي طليعة هؤلاء علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان الرواسي(1) وأضرابهم من الذين أحدثوا

____________________

(1) معجم رجال الحديث ج 12 ص 235 - 236.

٧٤

هذه الفتنة وكانوا سببا مباشرا وغير مباشر في تألم الإمامعليه‌السلام وإيذائه.

وبعضها كان من السلطة الحاكمة حيث كانت تتحرش - بين حين وآخر - بالإمام وتوعز إلى جلاديها بالهجوم على بيت الإمام كما سيأتي تفصيله.

أقول: إن هذه الفترة وإن لم تصف للإمامعليه‌السلام ولم تخل من المضايقات إلا أن من اليقين أن الإمام قام بدوره مربيا ومعلما وراعيا وكفيلا، وفي طليعة من رباهم الإمامعليه‌السلام وعلمهم شقيقته السيدة فاطمة المعصومة، فأخذت عنه العلم والمعرفة والفضائل والمناقب، حتى غدت ذات شأن عند الله تعالى كما جاء في زيارتهاعليها‌السلام ، وأن شفاعتها كفيلة بإدخال الشيعة بأجمعهم إلى الجنة، كما تحدث بذلك جدها الإمام الصادقعليه‌السلام .

والمصادر وإن لم تسعفنا بذكر شئ مما تلقته الأخت من أخيها، وبماذا حدثها، وكيفية حديثه إليها، إلا أن لدينا ما يكفي للكشف عن بلوغها مرتبة عالية من العلم والمعرفة والمقام، ومنه قول معلمها ومربيها الإمام الرضاعليه‌السلام إذ روي عنه أنه قال: من زار المعصومة بقم كمن زارني(1) .

ولا يغيب عن بالنا أن القائل معصوم لا ينطق عن الهوى، وإن وراء هذه الجملة على قصرها ما يدل على المقام الرفيع في العلم وغيره،

____________________

(1) رياحين الشريعة ج 5 ص 35.

٧٥

ولولا أن السيدة فاطمة المعصومة بلغت من المنزلة مكانة عظيمة لما كان الإمامعليه‌السلام يقول ذلك.

على أنه هل من المعقول أن يقال في حقها بأنها معصومة ولا تكون قد بلغت من العلم مكانة يكشف لها الواقع على ما هو عليه، أليست العصمة تستلزم العلم والمعرفة؟!.

ومما يؤيد ذلك ما نقله العلامة الشيخ علي أكبر مهدي پور حكاية عن أحد الفضلاء عن المرحوم السيد أحمد المستنبط عن كتاب كشف اللئالي لابن العرندس الحلي، وحاصلها: أن جمعا من الشيعة قصدوا بيت الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام للتشرف بلقائه والسلام عليه، فأخبروا أن الإمامعليه‌السلام خرج في سفر وكانت لديهم عدة مسائل فكتبوها، وأعطوها للسيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ثم انصرفوا.

وفي اليوم التالي - وكانوا قد عزموا على الرحيل إلى وطنهم - مروا ببيت الإمامعليه‌السلام ، ورأوا أن الإمامعليه‌السلام لم يعد من سفره بعد، ونظرا إلى أنه لا بد لهم أن يسافروا طلبوا مسائلهم على أن يقدموها للإمامعليه‌السلام في سفر آخر لهم للمدينة، فسلمت السيدة فاطمةعليها‌السلام المسائل إليهم بعد أن كتبت أجوبتها، ولما رأوا ذلك فرحوا وخرجوا من المدينة قاصدين ديارهم.

وفي أثناء الطريق التقوا بالإمام الكاظمعليه‌السلام وهو في طريقه إلى المدينة، فحكوا له ما جرى لهم فطلب إليهم أن يروه تلك المسائل،

٧٦

فلما نظر في المسائل وأجوبتها، قال ثلاثا: فداها أبوها.

فإن صحت هذه الحكاية فهي تدل - أولا: - على أن السيدة فاطمة المعصومة عاصرت أباها مدة طويلة من الزمن فيكون القول بأن ولادتها سنة 183 هـ أو 179 هـ غير صحيح قطعا.

وثانيا: تدل على المقام العلمي الرفيع الذي بلغته السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، بل كما قال الشيخ مهدي پور إنه دليل على أنها عالمة غير معلمة، هذا مع التوجه إلى أنها كانت صغيرة السن آنذاك(1) .

ولئن لم يحفظ لنا التاريخ خصوصيات ما تلقته من العلم على أيدي أبيها وأخيها إلا أنه أبقى بين طياته نزرا من الروايات التي حدثت بها هذه السيدة الجليلة.

ومما لا شك فيه أن علم الحديث من أجل العلوم وأشرفها، فهو العلم الجامع للتفسير والفقه والأخلاق والكلام وغيرها من سائر المعارف الدينية.

ويعود انتشار معارف الدين وبقائها إلى هذا العلم الجليل، وقد قام علماء الشيعة بمساندة أئمتهمعليهم‌السلام بتعاهد هذا العلم حفظا وتنقية وتبويبا حتى وضعوا الموسوعات الروائية، واشتهرت بينهم جملة من الكتب أصبحت فيما بعد مرجعا للشيعة يستقون منها معارفهم الدينية المختلفة، وعليها تدور رحى مباحثهم العلمية، كالكتب الأربعة

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 62 - 64.

٧٧

وغيرها من الكتب الكثيرة.

كما تعاهد علماء الشيعة بالبحث والتحقيق أسناد تلك الأحاديث، ووضعوا الضوابط العلمية الرصينة والمقاييس الدقيقة لمعرفة أحوال الرواة وطبقاتهم ومدى إمكان الاعتماد على رواياتهم وعدمه وانبثق عن ذلك علم آخر اقترن بعلم الحديث وهو علم الرجال، فوضع علماء الشيعة معاجم الرجال لدراسة أحوالهم من حيث الوثاقة وعدمها، واشتهار هذا العلم باسم الرجال لا يعني اختصاصه بهم ولا نصيب فيه للنساء، وإنما كانت التسمية مراعاة للغالب على من تمرس في هذا العلم، وإلا فهناك من النساء اللائي بلغن مرتبة عالية في هذا العلم، ولم تغفل المعاجم التي تناولت أحوال الرواة عن ذكرهن والإشادة ببعضهن وبيان طبقتهن من حيث سلسلة السند، حتى أن الأجلاء من رواة الحديث قد رووا عن بعضهن، وفي طليعة أولئك النسوة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفرعليهم‌السلام .

ولكن مما يثير الغرابة أن لا نجد ترجمة لهذه السيدة الجليلة والمحدثة العظيمة في المعاجم التي عنيت بضبط أسماء الرواة، ولذا ذكرها الشيخ النمازي في مستدركاته مشيرا إلى المواضع التي ذكرت فيه من كتاب البحار(1) فقط، مع أن أصحاب هذه المعاجم قد ذكروا نساءا أقل شهرة منها، وربما أقل حديثا، ولم ندر ما هو الوجه في

____________________

(1) مستدركات علم رجال الحديث ج 8 ص 593 - 594.

٧٨

ذلك؟!!

وعلى أي حال فقد كانت هذه السيدة الجليلة من المحدثات، وورد ذكرها في أسانيد رواها العامة فضلا عن الخاصة، منها ما ورد في كتاب المسلسلات لأبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين، قال: حدثني أحمد بن زياد، قال: حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي العريضي، قال: قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن خليل، قال: أخبرني علي بن محمد بن جعفر الأهوازي، قال: حدثني بكير بن أحنف، قال: حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، قالت: حدثتني فاطمة، وزينب، وأم كلثوم بنات موسى بن جعفرعليه‌السلام ، قلن: حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمدعليه‌السلام ، قالت: حدثتني فاطمة بنت محمد بن عليعليه‌السلام ، قالت: حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسينعليه‌السلام ، قالت: حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن عليعليه‌السلام ، عن أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام ، عن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من درة بيضاء مجوفة، وعليها باب مكلل بالدر والياقوت، وعلى الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي القوم، وإذا مكتوب على الستر بخ بخ من مثل شيعة عليعليه‌السلام ، فدخلته، فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوف، وعليه باب من فضة مكلل بالزبرجد

٧٩

الأخضر، وإذا على الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب:

محمد رسول الله، علي وصي المصطفى، وإذا على الستر مكتوب: بشر شيعة علي بطيب المولد، فدخلته، فإذا أنا بقصر من زمرد أخضر مجوف لم أر أحسن منه، وعليه باب من ياقوتة حمراء مكللة باللؤلؤ، وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر: شيعة علي هم الفائزون، فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذا؟ فقال: يا محمد لابن عمك ووصيك علي بن أبي طالبعليه‌السلام يحشر الناس كلهم يوم القيامة حفاة عراة إلا شيعة عليعليه‌السلام ، ويدعى الناس بأسماء أمهاتهم إلا شيعة عليعليه‌السلام ، فإنهم يدعون بأسماء آبائهم، فقلت: حبيبي جبرئيل وكيف ذاك؟ قال: لأنهم أحبوا عليا فطاب مولدهم(1) .

ومنها: ما رواه محمد الجزري في أسنى المطالب بإسناده عن علي ابن محمد بن جعفر الأهوازي، مولى الرشيد، عن بكر بن أحمد القصري، عن الفواطم، عن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت: أنسيتم قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه؟

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسىعليهما‌السلام ؟(2) .

وقد عرف هذا النحو من الإسناد بالمسلسل، وهو فن من فنون الضبط وضرب من ضروب المحافظة، وفيه فضل للحديث من حيث

____________________

(1) كتاب المسلسلات ص 250 - 251.

(2) كتاب المسلسلات ص 272 - 273.

٨٠