موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

موسوعة عبد الله بن عبّاس12%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-501-5
الصفحات: 487

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 487 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158920 / تحميل: 6193
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٥٠١-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240




ثالثاً : حديث الرزية

حديث وأي حديث؟! حديث ترك الأمة تخبط في عشواء إلى يوم القيامة.

حديث وأي حديث؟! حديثٌ فتح باب الفرقة والاختلاف بين الأمة
والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدُ بين ظهرانيهم ، يدعوهم لما يحييهم فلم يستجيبوا له ، بل كايدوه
وعاندوه حتى أغمي عليه.

حديث وأيّ حديث بعده يؤمنون؟! حديث ما ذكره حبر الأمة عبد الله بن
عباس رضي‌الله‌عنه إلّا وبكى ، بكاءٌ وأيّ بكاء؟! بكاءٌ يبلّ دمعه الحصى ، بكاءٌ كأنّ دموعه
حين تسيل نظام اللؤلؤ.

هكذا يصفه الرواة فلنقرأ ولنبك مع حبر الأمة ، ولنندب حظ الأمة العاثر
حيث أضاعت تلك الفرصة الثمينة ، فرفضت ذلك العرض السخيّ المؤمِّن من
الضلالة أبداً.

فلنقرأ ما يرويه ابن عباسرضي‌الله‌عنه :

قال : « يوم الخميس وما يوم الخميس؟! يوم أشتد برسول الله وجعه فقال :
(إيتوني بدواة وبياض اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً). فتنازعواـولا
ينبغي عند نبيّ تنازعـفقال عمر : إنّ النبيّ يهجرـوفي حديث آخر : « إنّه
ليهجر » ، وفي ثالث : « إنّه هجر »ـثمّ قال : عندنا القرآن ، حسبنا كتاب الله ،
فاختلف مَن في البيت ، وأختصموا فمن قائل يقول : القول ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

٢٤١

ومن قائل يقول : القول ما قال عمر. فلمّا أكثروا اللغط واللغو ، وتمادى القوم في
نزاعهم ، غضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (قوموا عني ، لا ينبغي عند نبيّ تنازع) ، فقاموا.

قال ابن عباس : فجئناه بعد ذلك بصحيفة ودواة ، فأبى أن يكتبه لنا ، ثمّ
سمعناه يقول : (بعد ما قال قائلكم : عدى العَدَوي وسينكث البكري) ، ثمّ قال :
(ما أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه) ، ثمّ أوصى بثلاث فقال : أحفظوني في أهل
بيتي ، وأخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت
أجيزهم به (١) ) ».

فكان ابن عباسرضي‌الله‌عنه بعد ذلك يقول : « الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ، لولا مقالتهـيعني مقالة عمرـلكتب
لنا كتاباً لم تختلف أمته بعده ولم تفترق ».

هذه إحدى صور الحديث الآتية ، وأعتقد أنّ القارئ يستفزه مثل هذا
الحديث ويتسرّع إلى الحكم بوضعه ، لشدة صدمته ، وقد تذهب به المذاهب في
الحكم على أولئك الصحابة الّذين شاقّوا الله ورسوله ، فنسبوا الهجر إلى نبيّ
أصطفاه الله لأداء رسالته إلى الناس كافة ، فكان سفيره في خلقه ، وأمينه على
وحيه ، ورسوله المسدّد ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (٢) .

لكني أعتقد أيضاً أنّ القارئ سيظهر له من متابعة صور الحديث الآتية ، وما
يتبعها من أقوال العلماء في توجيهه ، اعتذاراً عن المعارضة ، أنّ الحديث صحيح
وأنهُ حديث رزيّة وأيّ رزيّة ، ولم يكن ابن عباس رضي‌الله‌عنه مبالغاً حين قال ذلك فيه ،
_______________________

(١)نلفت نظر القارئ إلى أن في الفقرات الثلاث اختلاف في النقل ، كما سيجده واضحاً
فيما يأتي من ذكر صور الحديث فليلاحظ.

(٢)النجم / ٣ ـ ٤.

٢٤٢

لأنّ فيه الردّ على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عين الرد على اللهتعالى ، أوليس الردّ على الله
وعلى الرسول من موجبات الكفر فالله سبحانه يقول : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا
) (١) .

والمعارضة تردّ على الرسول ما طلب ، وتصرّ على الامتناع من تلبية طلبه.

والله سبحانه يقول :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (٢) .

والمعارضة تقول : إنّه يهجر.

والله سبحانه يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ
لِمَا يُحْيِيكُمْ
) (٣) .

والمعارضة : تأبى ذلك وترد عليه بعنف وقسوة.

والله سبحانه يقول :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
) (٤) .

والمعارضة تأبى ذلك.

والله سبحانه يقول لنبيّه :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) (٥) .

والمعارضة تشاكسه في التبليغ ، وتردّ عليه بعنف وسوء أدب ، وكأنّهم لم يسمعوا
جميع تلكم الآيات الكريمة ولم يسمعوا الله سبحانه يقول في كتابه : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ
شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
) (٦) .

أليس هذا هو الضلال البعيد؟ أليس هذا هو الخسران المبين؟

_______________________

(١)الحشر / ٧.

(٢)النجم / ٣ ـ ٤.

(٣)الأنفال / ٢٤.

(٤)الأحزاب / ٣٦.

(٥)المائدة / ٦٧.

(٦)الأنفال / ١٣.

٢٤٣

أليس هذا هو الظلم والجفاء؟ أليس هذا هو الغباء والشقاء؟

أيّ غباء فوق هذا يتركون طريق التأمين على السلامة إلى الأبد ، ويرتطمون
أوحال الجهالة!؟

يا لله لقد سبق أن آذوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه وآله ، حتى وبّخهم القرآن
الكريم في آية ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ) (١) ، وآذوه الآن في قدسه
وعصمته ، منتهكين بذلك حرمته في أداء رسالته.

وهل يعني ذلك غير ردّهم : إنّه يهجر؟.

هذه نبذة عن حديث الرزية ، بل نفثة حرّى جاش بها الصدر فباحا ، وما
قدّمتها إلّا لتنبيه القارئ على استعداده لقراءة ما سيقرأه من حديث الرزية
وملابساته ، وما تبعه من أعذار واهية ، لا تزيد علماً ولا تغني عملاً ، سوى كشف
صفحاتـلولا حديث الرزيةـلسنا بصددها والكشف عنها ، ولكنها جناية
السلف ، وخيانة الخلف ، أودت باُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حافة الهاوية والتلف. ولئلا
يصدمه عنف الردّ كما صدم الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أغمي عليه ، فليستعد
ويتدرع بالصبر من الآن.

لنقرأ (أوّلاً) صور الحديث في الصحاح والسنن والمسانيد وكتب التاريخ
واللغة والأدب ، من ثمّ نتابع معه قراءتنا (ثانياً) في مصادر الحديث ، و (ثالثاً) مع
العلماء في آرائهم حول الحديث.


_______________________

(١)الأحزاب / ٥٣.

٢٤٤

وليقرأ القارئ كلّ ذلك بروحٍ موضوعية مع التجرد عن العاطفة والأبتعاد
عن التعصب ، ونترك له الحكم في تلك القضية وبالأصح الرزية ، فعلى مَن تقع
المسؤولية؟

ولا نريد أن نستبق الحكم في ذلك بل له ما سيؤديه نظره إليه من رأي
حول رموز المعارضة أياً كانوا ومهما كانوا ، فهم أولاً وأخيراً إنّما نكنّ لهم
الإحترام ، ما داموا في طاعة النبيّ وخدمة الإسلام. أما وقد نبذوا أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
ولم يكتفوا بذلك حتى نسبوا إليه الهجر ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن
يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا
) (١) ، فنحن في حلٍّ من حسابهم ، وهم كسائر الناس في خطأهم
وصوابهم. فهم غير معصومين ، ولا نحن في حسابهم بملومين.

صور الحديث

لقد ورد الحديث بصور متعددة تبلغ الثلاثين أو تزيد ، وهذا رقم قد يبعث
على الدهشة! حديث واحد عن واقعة واحدة ، يرويها أربعة من شهودها وهم :

١ ـ الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

٢ ـ الخليفة عمر بن الخطاب بطل المعارضة.

٣ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.

٤ ـ عبد الله بن عباس.

كيف يبلغ اختلاف الصور في رواياتهم إلى ذلك العدد!!

ولو كان العدد يتساوى فيه الشهود لهان الأمر ولا غرابة ، ولكن الغرابة أنّا
سنقرأ الحديث عن كلّ من الإمام عليّ عليه‌السلام وعن الخليفة عمر ورد بصورتين ،
وعن جابر بصورتين.

_______________________

(١)الكهف / ٥.

٢٤٥

وباقي الصور كلّها تروى عن ابن عباس لماذا ذلك؟

سؤال يفرض نفسه ، ولابدّ من تلمّس الجواب عليه ، وهذا ما سنجده عند
الوقوف على قائمة الرواة عنه ، ثمّ في باقي الطبقات من رجال الأسانيد بعدهم ،
حتى نصل إلى مدوّنيه من أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن والتاريخ
وغيرهم.

وهؤلاء بذلوا جهداً كبيراً في التعتيم على رموز المعارضة ، فأحاطوه بهالة
من التضبيب الكثيف ، تكاد أن تخفي معالمه ، حفاظاً على حق الصحبة ، وإن تم
ذلك على حساب قدس صاحب الرسالة ، فانظرـأيها القارئـتلكم الصور كما
وردت في مصادرها الموثوقة عن أعيان شهودها.

ولنبدأ بما روي عن الإمام عليّعليه‌السلام ، ثمّ بما روي عن الخليفة عمر ، ثمّ بما
روي عن جابر ، وأخيراً بما روي عن ابن عباس. وهو المعني به في هذا التحقيق
وهو صاحب الكتاب :

٢٤٦

الصورة الأولى :

ما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام :

أخرج ابن سعد في طبقاته قال : « أخبرنا حفص بن عمر الحوضي عن عمر
بن الفضل العبدي عن نعيم بن يزيد عن عليّ بن أبي طالب انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا
ثقل قال : (يا عليّ إئتني بطبق أكتب فيه ما لا تضل أمتي بعدي) ، قال : فخشيت أن
تسبقني نفسه ، فقلت : إنّي أحفظ ذراعاً من الصحيفة.

قال : فكان رأسه بين ذراعي وعضدي ، فجعل يوصي بالصلاة والزكاة وما
ملكت أيمانكم.

قال : كذلك حتى فاضت نفسه ، وأمر بشهادة أن لا اله إلّا الله وأنّ محمّداً
عبده ورسوله حتى فاضت نفسه ، من شهد بهما حُرّم على النار » (١) .

أقول : أخرج هذه الصورة أحمد في مسنده : « عن بكر بن عيسى الراسبي
عن عمر بن الفضل وإلى قوله : وما ملكت أيمانكم » (٢) . ورواها البخاري في
الأدب المفرد (٣) . وهذه الصورة كما تراها مهلهلة الجوانب ، تخفق فيها رياح
الأهواء ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر عليّاً باحضار طبق ليكتب فيه ما لا تضل أمته بعده ،
وعليّ عليه‌السلام لا يمتثل خشية أن تسبقه نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
يوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ، حتى فاضت نفسه؟!

_______________________

(١)طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٣٦.

(٢)مسند أحمد ١ / ٩٠.

(٣)الأدب المفرد / ٩.

٢٤٧

وأمر بشهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله حتى فاضت
نفسه؟ (١)

أيّ نفس هذه بعد أن سبق وأن فاضت نفسه أوّل مرّةـكما مرّـفهل
عادت إليه ثانياً فجعل يأمر بالشهادتين حتى فاضت نفسه ثانياً؟!

الجواب عن ذلك عند الرواة. غير إني أنبّه القارئ إلى أنّ مارواه الإمامعليه‌السلام
ليس هذا ، بل هو عين ما رواه عبد الله بن عباس كما صرّح بذلك الحسن البصري
وهو من سادة التابعين فأقرأ ما يأتي :

الصورة الثانية :

أخرج أبو محمّد عبد السلام بن محمّد الخوارزمي في كتابه سير
الصحابة والزهّاد والعلماء العبّاد فقال : « حدّثني محمّد بن عليّ قال سمعت
أبا أسحاق يزيد الفراء عن الصّباح المزني عن أبان بن أبي عياش قال
سمعت الحسن بن أبي الحسن قال : سمعت عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ـثمّ
سمعته بعينه من عبد الله بن عباس بالبصرة وهو عامل عليها ، فكأنّما ينطقان
بفم واحد ، وكأنّما يقرآنه من نسخة واحدة ، والّذي عقلته قول ابن عباس ،
والمعنى واحد غير أنّ حديث ابن عباس أحفظهـقال : سمعته يقول : إنّ
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في مرضه الّذي قبض فيه : (إيتوني بكتف أكتب لكم
كتاباً لا تضلون بعدي أبداً) ، فقام بعضهم ليأتي به ، فمنعه رجل من قريش(؟)
وقال : إنّ رسول الله يهجر.

_______________________

(١)أخرجه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ٣ / ١١٤.

٢٤٨

فسمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فغضب وقال : (إنّكم تختلفون وأنا حيّ! قد
أعلمت أهل بيتي بما أخبرني به جبرئيل عن ربّ العالمين ، إنّكم ستعملون بهم
من بعدي ، وأوصيتهم كما أوصاني ربّي ، فأصبرُ صبراً جميلاً) ».

فبكى ابن عباس حتى بلّ لحيته. ثمّ قال : « لولا مقالته لكتب لنا كتاباً لم
تختلف أمته بعده ولم تفترق اه‍ » (١) .

الصورة الثالثة :

ما روي عن عمر بن الخطاب :

أخرج ابن سعد في طبقاته قال : « أخبرنا محمّد بن عمر حدّثني هشام بن
سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : كنا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبيننا
وبين النساء حجاب ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أغسلوني بسبع قِرب ، وائتوني بصحيفة
ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً).

فقال النسوة : إئتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحاجته. قال عمر : فقلت : اسكتنّ فإنكنّ
صواحبه ، إذا مرض عصرتنّ أعينكم ، وإذا صحّ أخذتنّ بعنقه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
(هنّ خير منكم) » (٢) .

وأخرجه عنه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند
أحمد عن ابن أبي شيبة بتفاوت يسير (٣) .

_______________________

(١)قال كاتب جلبي في كشف الظنون ٢ / ١٠١٣ ط المعارف التركية سير الصحابة والزهاد
والعلماء العبّاد ، لأبي محمّد عبد السلام بن محمّد الخوارزمي الأندرسقاني المتوفى
سنة أخذه من مائة مجلد ، ووردت ترجمته في هدية العارفين ١ / ٥٦٩. (أقول) وطريقنا
إليه (غاية المرام في حجة الخصام عن طريق الخاص والعام) للسيد هاشم البحراني
طبعة حجرية سنة ١٢٧٢ ه‍ والحديث المشار إليه أعلاه في ص ٥٩٨.

(٢)طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٣٧.

(٣)كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد ٢ / ١٧٣ ، و ٣ / ١١٤.

٢٤٩

الصورة الرابعة :

ما روي عن عمر بن الخطاب ،وهي تقرب من الثالثة إلّا أنّهاأتم ولفظها
كما يلي :

أخرج النسائي في السنن الكبرى والهيثمي في مجمع الزوائد قال : « وعن
عمر بن الخطاب قال : لمّا مرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (ادعوا ليـائتونيـبصحيفة
ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي) ، فكرهنا ذلك أشد الكراهية ثمّ قال :
(ادعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً) ، فقال النسوة من وراء
الستر : ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : إنّكنّ صواحبات(صواحب)
يوسف إذا مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عصرتنّ أعينكنّ ، وإذا صحّ ركبتنّ عنقه ، فقال
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (دعوهنّ فإنّهنّ خير منكم) »(١) .

قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمّد بن جعفر بن إبراهيم
الجعفري ، قال العقيلي : في حديثه نظر ، وبقية رجاله وثقوا وفي بعضهم
خلاف...أه‍.

أقول : لا يهمني قول العقيلي في محمّد بن جعفر بن إبراهيم الجعفريـ
وهذا منتظر منه في الرجل وأمثالهـما دام الحديث رواه أصحاب الصحاح
ومنهم البخاري ، ولا كلام للعقيلي في رجاله.

لكن الّذي يهمّني تنبيه القارئ على ما مرّ في الصورة الثالثة من حذف قول
عمر : « فكرهنا ذلك أشدّ الكراهية » لماذا كرهوا ذلك أشدّ الكراهية؟

_______________________

(١)السنن الكبرى ٣ / ٤٣٣ ط العلمية ، ومجمع الزوائد ٩ / ٣٤.

٢٥٠

والجواب : سيأتيك بالأخبار من لم تزوّد. فانتظر ما سوف يأتي من تعقيب
على الصور والأسانيد من أقوال علماء التبرير ، فستجد هناك من التحوير
والتزوير ، وعجائب بل وغرائب من التفكير والتصوير.

ثمّ إنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أدعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده
أبداً). فقال النسوة قد حذف وهذا يكشف عن التواطؤ العملي بين الرواة على
تعمية الصورة ، بكلّ ما أمكنهم من حول وطول.

فقد حذفوا دعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثانياً بإحضار الصحيفة ، ممّا يدل على تصميم
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تنفيذ أمره ، كما يدل على إصرار المعارضة على رفضه. وسيأتي
في حديث جابر ما يدل عليه.

وقد شوّشوا على تدخل العنصر النسوي في تلك المعركة الكلامية الحادّة بعد
دعوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثانية لهم باحضار الكتاب. ممّا يدل على مدى الصخب والجدال
حتى كانت المرأة كالرجل في ذلك اليوم. وسيأتي مزيد إيضاح عن ذلك في
حديث طاووس عن ابن عباس (الصورة ١٤ ، ١٥) وحديث عكرمة عن ابن عباس
(الصورة ١٧).

الصورة الخامسة :

ما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري :

أخرج ابن سعد في الطبقات بسنده عن محمّد بن عبد الأنصاري عن قرّة
بن خالد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : « لمّا كان في مرض
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي توفي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لأمته كتاباً لا يَضِلّون

٢٥١

ولا يُضِلّون ، قال : فكان في البيت لغط وكلام وتكلم عمر بن الخطاب. قال :
فرفضه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

وبهذا النص ورد في نهاية الإرب للنويري(٢) ، ورواه البيهقي في سننه باب
كتابة العلم في الصحف وبتره عند قوله : وتكلم عمر فتركه (٣) .

وأخرج ابن سعد أيضاً بسنده عن محمّد بن عمر عن إبراهيم بن يزيد عن
أبي الزبير عن جابر قال : « دعا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لأمته
لا يَضِلوا ولا يُضلّوا فلغطوا عنده حتى رفضها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٤) .

أقول : وأخرج هاتين الروايتين الهيثمي في مجمع الزوائد إلّا أنّه قال في
آخر الأولى : « فرفضها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقال : رواه أبو يعلى. وعنده في رواية :
يكتب فيها كتاباً لأمته قال : لا يَظلمون ولا يُظلمون. ثمّ قال : ورجال الجميع رجال
الصحيح » (٥) ، ثمّ أخرجها ثانياً وقال : « رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وفيه خلاف »(٦) .

أقول : وسند أحمدكما في مسنده عن موسى بن داود عن ابن لهيعة عن
أبي الزبير عن جابر (٧) ، ونحن لا يهمنا الخلاف في ابن لهيعة بعد ما مرّ عن ابن
سعد بإسنادين ليس فيهما ابن لهيعة ويأتي عن ابن حبّان كذلك ، لكن الّذي
يهمّنا هو التحريف عنده في آخر الرواية الأولى!

_______________________

(١)طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٣٦.

(٢)نهاية الإرب ١٨ / ٣٧٥.

(٣)سنن البيهقي ٣ / ٤٣٥ ط بيروت سنة ١٤١١.

(٤)طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٣٧.

(٥)مجمع الزوائد ٤ / ٢١٤.

(٦)نفس المصدر ٩ / ٣٣.

(٧)مسند أحمد ١ / ٣٢٤.

٢٥٢

فعن ابن سعد والنويري : « وتكلم عمر بن الخطاب فرفضه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ،
بينما في روايته الثانية : « فتكلم عمر بن الخطاب ، فرفضها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، وفي
تغيير الضمير في الرفض ما يستحق التأمل فيه.

أمّا عن ابن لهيعة فليس يهمنا فعلاً الدفاع عنه بعد ما روي الحديث بأسانيد
ليس فيها ابن لهيعة كما مرّ عن ابن سعد ، ورواه أيضاً ابن حبّان في كتابه الثقات
بسند ليس فيه ابن لهيعة ، فقد روى عن إبراهيم بن خريم عن عبد بن حميد عن
عثمان بن عمر عن قرة بن خالد السدوسي عن أبي الزبير عن جابر : « انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
دعا بصحيفة عند موته فكتب لهم فيها شيئاً لا يَضلّون ولا يُضلون ، وكان في
البيت لغط ، وتكلم عمر فرفضها ا ه‍ » (١) .

وبالمقارنة بين رواية ابن حبّان وما سبقها ، يدرك القارئ مدى التحريف
المتعمد كما هو عند الهيثمي ، إلّا أنّ الجديد في رواية ابن حبّان هي قوله :
(فكتب لهم فيها شيئاً ...) ، فما هو الشيء الّذي كتب لهم؟ ثمّ لماذا كان
اللغط؟ وممّن كان؟ وأخيراً لماذا تكلم عمر؟ ثمّ من ذا رفضها؟ أهو عمر؟
أم النبيّ؟

كلّ هذا يجد القارئ الإجابة عليه في قول عمر لابن عباس : « أرادهـيعني
عليّاًـللأمر فمنعت من ذلك » ، وقوله الآخر وقد مرّ : « فكرهنا ذلك أشد
كراهية » (راجع الصورة ٤).

ولم يكن ما تقدم من اختلاف في صورة حديث جابر مقتصراً على ما مرّ ،
بل له صورة أخرى أخرجها البلاذري في جمل أنساب الأشراف من حديث
_______________________

(١)الثقات ٤ / ٢١٢ ط دار الكتب العلمية.

٢٥٣

جابر ، فقال : « حدّثني روح ثنا الحجاج بن نصير عن قرة بن خالد عن أبي الزبير
عن جابر أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا بصحيفة أراد أن يكتب فيها كتاباً لأمته فكان في البيت
لغط فرفضها » (١) .

والآن وقد انتهينا من عرض خمس صور للحديث بروايتها عن الإمام أمير
المؤمنين وعن الخليفة عمر وعن جابر بن عبد الله ، فلنعد نقرأ باقي الصور بكلّ
أشكالها واختلاف رجالها برواياتهم عن ابن عباس.

















_______________________

(١)أنساب الأشراف ٢ / ٢٣٦.

٢٥٤








ولإيضاح العرض ، ووضوح المقارنة بين الصور ، نقدّم
جدولاً يتضمن أسماء الرواة عن ابن عباس ومن روى عنهم
حتى آخر المصادر الّتي ذكرت الحديث ، ليعرف القارئ
مدى التلاعب في هذا المضمار :

٢٥٥

٢٥٦

٢٥٧

٢٥٨

٢٥٩

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

ومن كان دوره التبليغ ، والتبليغ فقط لأنّ الله سبحانه يقول :( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا
بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ
* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (1) .

فليس من حقّه أن يكون له أيّ دور سوى تبليغ ما أمره الله به ، وقد مرّ
التصريح منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك حين أعترض عليه جلف جاف في أمر بيعة الغدير
لعليّ عليه‌السلام : منك أو من الله؟ فأجاب قائلاً : الله الّذي لا إله إلّا هو. من الله.

وحيث أنّ بيعة الغدير وكتابة الكتاب لو تمت ، كلتاهما كانت لبيعة
عليّ عليه‌السلام وخلافته ، وهما من واد واحد ، وفي الأولى كان عبداً مأموراً فكذلك هو
في الثانية كان عبداً مأموراً ، وأيضاً ليس من حقّ أيّ أحد أن يعترض عليه في
تنفيذ أمره.

وإذا لم نقل بهذا فما هو إلّا الإختيار ، وإنّما أراد عليّاً من نفسه لعواطف
شخصية ـ والعياذ بالله ـ فلننظر لماذا تلك العواطف؟

هل كانت نسبية ، فهو قريبه وابن عمه؟ وهذا غير مقبول ولا معقول ، لأن
للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِنَ العمومة وأبناء العمومة غير عليّ ، وفيهم من هو أكبر سناً من عليّ ،
وليس فيهم من تحقد عليه قريش كما كانت تحقد على عليّ لأنّه قتل
صناديدهم ووترهم في الله. فلماذا لم يشر إلى أيّ واحد من أولئك الأحياء
فيؤهله لأي قيادة أو إمارة أو ولاية لا تصريحاً ولا تلميحاً.

إذن ليست رابطة النسب وحدها هي المرجّح لعليّ دون غيره ، وليس
لقاعدة النسب أيّ دور في الترشيح.

ثمّ هل كانت رابطة المصاهرة لأنّه كان صهراً له على أبنته؟ وهذا أيضاً غير
مقبول ولا معقول إذ لم تكن رابطة المصاهرة تكفي للترشيح ، على أنّها ليست
أقوى من رابطة القربى.

_______________________

(1)الحاقة / 44 ـ 46.

٤٠١

وقد كان للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصهاراً غير عليّ ، وهم أقدم مصاهرة منه ، وتجمعه
وإياهم قربى نسب من بُعد ، كما في عثمان وهو من بني عبد مناف. فلماذا لم
يحض عثمان بشرف ذلك الإختيار؟

إذن ليس تعيين عليّعليه‌السلام للخلافة دون غيره على حساب القربى النسبية
وحدها ، ولا عليها وعلى رابطة المصاهرة. ولابدّ أن يكون ليس للأختيار
الشخصي من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تعيينه أيّ دور ، وإنّما هو أمر من الله تعالى ، ودوره هو
التبليغ فقط ، للمؤهلات الّتي كانت في عليّ عليه‌السلام ولم توجد في غيره.

( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا
) (1) .

النتائج :

لقد تبين بوضوح على الأسئلة المتشابكة على النحو التالي :

1ـماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب في الكتاب؟ الجواب : أراد أن يكتب كتاباً
يعيّن فيه وليّ الأمر بعده.

2ـمن أراد أن يكتب أسمه في الكتاب؟ الجواب : أراد أن يكتب اسم عليّ
في ذلك الكتاب.

3ـلماذا أراد أن يكتب له ذلك الكتاب؟ الجواب : لأنّه رأى ضغائن قوم
خشي عليه منهم.

4ـلماذا أراد عليّاًعليه‌السلام دون غيره؟ الجواب : لأن الله تعالى أمره بذلك.

_______________________

(1)الأحزاب / 36.

٤٠٢

من هم المعارضة؟

إذا رجعنا نستقريء صور الحديث نجد تعتيماً متعمداً على أسماء
المعارضة سوى اسم عمر بطلها المقدام صاحب الكلمة النافذة ، كالسهم في قلب
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى (غمّ) أغمي عليه. وباختصار نجد : في الصورتين : (1 ، 2)
المرويتين عن عليّ عليه‌السلام وابن عباس ، فقام بعضهم ليأتي به فمنعه رجل من
قريش(؟)وقال : « انّ رسول الله يهجر ».

وفي الصورتين(3 ، 4) المرويتين عن عمر : « فكرهنا ذلك أشد
الكراهية » (؟).

وفي الصورة(5)المروية عن جابر : فكان في البيت لغط وكلام وتكلم
عمر ...

وفي الصورة(6)فأختلف من في البيت وأختصموا فمن قائل يقول : القول
ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قائل يقول : القول ما قال عمر.

وفي الصورة(7)فقال بعض أصحابه : « انّه يهجر » ، قال :ـوأبى أن يسمي
الرجل ـ فجئنا بعد ذلك ، فأبى رسول الله أن يكتبه لنا.

وفي الصورة(8)فقال بعض من كان عنده : « إنّ نبيّ الله ليهجر ».

وفي الصورة(9)برواية البخاري : فتنازعوا فقالوا : « هجر رسول الله ».

وبروايته الأخرى عن سفيان فقالوا : « ما له أهجر » استفهموه.

وبرواية الطبري فقالوا : « ما شأنه أهجر » استفهموه.

وفي الصورة(10)برواية البلاذري ، فقال : « أتراه يهجر » ، وتكلموا ولغطوا.

وبرواية ابن سعد ، فقالوا : « إنّما يهجر رسول الله ».

٤٠٣

وفي الصورة (11) فقال بعض من كان عنده : « انّ نبيّ الله ليهجر ».

وفي الصورة (12) فقال عمر : « قد غلبه الوجع » فاختلف أهل البيت
فأختصموا فمنهم من يقول يكتب لكم ومنهم من يقول ما قال عمر فلمّا
كثر اللغط والاختلاف ، وغمّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (قوموا عني).

وفي الصورة (14) فأقبل القوم في لغطهم.

وفي الصورة (15) فأخذ من عنده من الناس في لغط.

وفي الصورة (17) فلغطوا فقال : قوموا.

وفي الصورة (18) فتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال رجل من القوم : انّ
الرجل ليهجر ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمر بإخراجه وإخراج صاحبه.

وفي الصورة (19) فقال المعذول : انّ النبيّ يهجر كما يهجر المريض ،
فغضب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأخرجوه فأخرجناه.

وفي الصورة (20) فمنعه رجل

وفي الصورة (21) فدعا العباس بصحيفة ودواة ، وقال بعض من حضر : « انّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهجر ».

وفي الصورة (22) فقالوا : « ما شأنه أهجر ».

وفي الصورة (24) إنّ قوما قالوا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك اليوم : « ما شأنه
هجر ». رواه ابن حزم.

وفي الصورة (25) فتنازعوا فقال بعضهم : ما له أهجر استعيدوه ، فقال عمر
قد غلبه الوجع. كما في رواية المقريزي.

٤٠٤

هذه حصيلة ما ورد في صور الحديث الّذي تكثّرت وتكسّرت ، حتى
يصعب على الرائي فيها تجميع أجزائها بصورة واحدة. وهذا ما يدل على مدى
التضبيب الّذي لفّ الهالة لتمييع الحالة ، وتضييع القالة. ولكن لم يخف وجه
الكراهية الّتي أبدتها المعارضة بشدة ، فهم الّذين نابذوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ بدء
دعوته وحتى ساعة وفاته وما بينهما من مواقف ، وما بالهم نسوا أنّ الخير كان
ويكون فيما كانوا يكرهون.

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (1) .

وبعد هذا هل يصح أن يقول علماء التبرير أخيرهم العقاد وليس آخرهم ،
إنّ النبيّ كان يحبّ أن يحبّ الناس عليّاً ، فهو يحبّه ويمهدّ له وينظر إلى غده
ثمّ يقول : وليس من الممكن وليس من الممكن ولابدّ لنا الآن من النظر في
حال عمر وماذا أراد بقوله؟

ماذا قال عمر؟

ليس من شك فيما قال عمر ، إذ نسب قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الهجر : إنّ النبيّ
يهجر ، إنّما يهجر رسول الله.

وليس من شك في أنّ علماء التبرير أضفوا على جفاء هذه الكلمة ، نسيجاً
أوهى من نسيج العنكبوت ، وألقوا ظلالاًـوضَلالاًـمن التشكيك في تحوير ما
قال لسماجته ، وقد مرّ في صور الحديث ما طرأ على الكلمة من تحريف شائن ،
كما مرّ في أقوال علماء التبرير مقالة متهالك مائن ، في تصريف الكلمة على
وجوهها غير الصرفية ، فقالوا يهجر إلى ليهجر ، إلى أهجر إلى هَجر هَجَر
_______________________

(1)النجم / 3 ـ 4.

٤٠٥

وأستنبطوا لكلٍ وجهاً في القراءة ، حتى جعلوها من الإنشاء إلى الاخبار ثمّ عادوا
إلى الإستفهام في مقام الإنكار وهو تشريق وتغريب ، وتصعيد بلا تصويب ، وإذ
لم يجدوا مناصاً في إنكارها ، جعلوها فضيلة لعمر بعد أن كانت وصمة عليه.
فقالوا إنّما قال ذلك إنكاراً على من تخلف عن أمتثال أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا التفسير
يأباه عليهم حتى عمر.

ومهما يكن فإنّ الصحيح عندي أنّه قال : « انّ الرجل ليهجر » كما رواها
الغزالي (1) ، وإن ورد أيضاً : « انّه يهجر » كما في الصورة الحادية عشرة من صور
الحديث ، وقد مرّت نقلاً عن ابن سعد في الطبقات (2) ، ونقلها البيهقي مسنداً(3) ،
وذكرناها عن المستخرج للإسماعيلي ، نقلاً عن الملا عليّ القارئ في شرح
الشفاء (4) ، وفي طبقات ابن سعد أيضاً ، ومسند أحمد(5) ، وكتاب السنّة للخلال
المتوفى سنة 311 (6) ، ومعجم الطبراني الكبير(7) ، وغيرها : « فقالوا : إنّما يهجر رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، وفي لفظ الطبري : « انّ رسول الله يهجر »(8) ، وفي تاريخ ابن خلدون :
« فتنازعوا وقال بعضهم : انّه يهجر ، وقال بعضهم : أهجر؟ يستفهم » (9) .

_______________________

(1)سرّ العالمين / 9 ط مصر سنة 1314 ه‍. ولا يضرنا التشكيك في نسبة الكتاب إلى
الغزالي بعد أن نسبه إليه سبط ابن الجوزي الحنبلي في تذكرة الخواص.

(2)طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 36.

(3)سنن البيهقي 3 / 435 ط بيروت سنة 1411 (باب كتابة العلم في الألواح والأكتاف).

(4)شرح الشفاء لملا علي القارئ 2 / 353 ط استنابول سنة 1316 ، ونسيم الرياض للخفاجي
4 / 279 ط أفست دار الكتاب العربي بيروت.

(5)مسند أحمد 5 / 355.

(6)كتاب السنّة 1 / 271 ط الرياض.

(7)معجم الطبراني الكبير 11 / 445 ط الموصل.

(8)تاريخ الطبري 3 / 193ط دار المعارف.

(9)تاريخ ابن خلدون 1 / 849 ط دار الكتب اللبناني.

٤٠٦

وجاء في حديث سليم بن قيس الهلالي عن ابن عباس : « فقال رجل منهم :
انّ رسول الله يهجر » (1) ، وغير هؤلاء.

ويدلنا على نسبة عمر الهجر إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تلجلج بعضهم عند ذكر كلمته
فيقول : « قال كلمة معناها إنّ الوجع غلب عليه » ، وهذا ما صنعه ابن أبي الحديد
وسائر من استهجن الكلمة من علماء التبرير لما فيها من مساس بقداسة الرسول
وقدسية رسالته. فحذفوها وأثبتوا البديل عنها : « قد غلب عليه الوجع ».

والآن ليفكر القارئ في أمر عمر أيّ شيء كان يدعوه لتلك المقالة النابية
والكلمة القارصة؟ وماذا عليه لو كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب ذلك الكتاب ليعصم عمر
وغير عمر من الأمة من الضلالة إلى الأبد؟

وهل كان عمر يحب أن يبقى الناس في طخياء الضلالة يعمهون؟ فليقل
علماء التبرير ما عندهم؟ وهل كان عمر يعتقد في نفسه « إنّ النبيّ يهجر »؟
وكذلك فليقولوا ما شاؤا في ذلك ، وقد مرّ بعض ما عندهم من تخليط.

أم كان عمر يريد أمراً آخر من وراء كلمته ، فلم يرَ لديه أبلغ ممّا قاله ليبلغ
مراده؟ وهذا ما نراه ولا نتجنّى عليه ، فقد كان هو أيضاً يراه ، وقد صرّح بذلك ، ومرّت
بعض تصريحاته في التعقيب على ما قاله علماء التبرير (عمريون أكثر من عمر) فراجع
حيث علم أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد أن يكتب الكتاب باسم عليّ فمنع من ذلك.

فمنها قوله : « ولقد أرادـرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـأن يصرّح بأسمهـيعني عليّاًـ
فمنعت من ذلك اشفاقاً وحيطة على الإسلام »؟!

ومنها قوله : « لقد كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذرواً من قول لا يثبت حجة ولا
يقطع عذراً ».

_______________________

(1)وسيأتي الحديث بتمامه.

٤٠٧

ومنها قوله : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد ذلك وأراد الله غيره ، فنفذ مراد الله ولم
ينفذ مراد رسوله ، أو كلّ ما أراد رسول الله كان »؟!

ومنها قوله : « فكرهنا ذلك أشد الكراهية » (؟)

ولماذا يا أبا حفص؟ ولا نحتاج إلى الجواب ، ما دمت أنت القائل لابن
عباس : « إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة ». ولماذا أيضاً؟
وأنت تعلم أنّ عليّاً كان أحق بها من غيره ، وأنت الّذي أعترفت بذلك وقلت لابن
عباس : « أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر مني
ومن أبي بكر ».

وهذه الأقوال جميعها قد مرّت مسندة إلى مصادر موثوقة فراجع (عمريون
أكثر من عمر).

من أين علم عمر مراد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

والآن لنبحث من أين علم عمر أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب الكتاب باسم
عليّ عليه‌السلام ، وهو لم يذكره باسمه كما في الحديث ، ولم يكتب بعد كتابه ليعلم
بذلك عمر ، فمن أين علم بذلك فقال « انّه ليهجر »؟

لقد علم ذلك من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لن تضلوا بعده ـ بعدي ـ أبداً).

وهذه الكلمة لم ترد في شيء من الأحاديث النبوية إلّا في بضعة أحاديث
كلّها توحي بفضل عليّ منفرداً أو مجتمعاً مع أهل بيته خاصة ، وهم فاطمة
والحسن والحسين الّذين هم قرناء الكتاب ، كما في حديث الثقلين والتمسك
بهما عاصم من الضلالة.

٤٠٨

وإلى القارئ تلكم الأحاديث الّتي وردت فيها جملة : (لن تضلوا) ، وهي
دالة على انّ التمسك بعليّ وأهل بيته أمان من الضلالة ، ولم ترد في حقّ أيّ
إنسان سواهم :

أوّلاً : حديث الثقلين وهو من الأحاديث المتواترة رواه أكثر من أربعين
صحابياً في ستة مواطن ، وأخرجت أحاديثهم المصادر الكثيرة وقد نافت على
المائة (1) . ولفظه كما في أكثر من موطن قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ذلك : (أيّها الناس
إنّي تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهماـالأكبر كتاب الله ، والأصغر
عترتي أهل بيتيـوإنّ اللطيف الخبير عهد إليَّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ
الحوض كهاتينـأشار بالسبابتينـولا أنّ أحدهما أقدم من الآخر ، فتمسكوا
بهما ، لن تضلوا ولا تقدّموا منهما ولا تخلفوا عنهما ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم
منكم).

وهذا ما قاله في حجة الوداع في يوم عرفة وفي مسجد الخيف بمنى وفي
غدير خم ، سوى ما قاله قبل ذلك في يوم فتح الطائف عام ثمان من الهجرة ،
وسوى ما قاله بعد حجة الوداع وآخر مرة في هجرته وعلى منبره يوم قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد كان أبو بكر يقول : « عليّ عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » كما أخرج ذلك عنه
السيوطي في جمع الجوامع وعنه المتقي الهندي في كنز العمال (2) .

ثانياً : ما رواه الحسن بن عليّ وعائشة وأنس وجابر مرفوعاً قال : « ادعوا إليَّ
سيّد العربـيعني عليّ بن أبي طالبـفقالت عائشة : ألستَ سيّد العرب؟ فقال :
(أنا سيّد ولد آدم وعليّ سيّد العرب) ، فلمّا جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه فقال
_______________________

(1)اُنظر كتاب عليّ إمام البررة 1 / 292 ـ 318 ط دار الهادي.

(2)كنز العمال 15 / 101 ط الثانية حيدر آباد.

٤٠٩

لهم : (يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به (لن تضلوا) بعده أبداً)؟
قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : (هذا عليّ فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي ، فان
جبرئيل أمرني بالذي قلت لكم من الله عزوجل ) »(1) .

ثالثاً : ما روته أم سلمة قالت : « خرج رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
إلى صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته فقال : (ألا لا يحلّ هذا المسجد
لجنب ولا لحائض إلّا لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، ألا قد بيّنت
لكم الأسماء أن لا تضلوا) » (2) .

رابعاً : ما رواه زيد بن أرقم قال : « كنا جلوساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (ألا
أدلكم على من لو أسترشدتموه (لن تضلوا) ولن تهلكوا)؟ قالوا : بلى يا رسول الله
قال : (هو هذا وأشار إلى عليّ بن أبي طالب) ثمّ قال : (وآخوه ووازروه وصدّقوه
وانصحوه فإنّ جبرئيل أخبرني بما قلت لكم) » (3) .

خامساً : وثمة حديثـرواه ابن حجر في الصواعق(4) ـجاء فيه التصريح
باسم عليّ عقب ذكر حديث الثقلين فاقرأ ذلك : « إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالـفي مرض موتهـ
(أيّها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي وقد قدّمت إليكم القول
_______________________

(1)أخرجه أبو نعيم في الحلية 1 / 63 وقال رواه أبو بشر عن سعيد بن جبير عن عائشة ، نحوه
في السؤدد مختصراً ، والطبراني في معجمه الكبير 3 / 88 ، والهيثمي في مجمع الزوائد
9 / 131 ، والمحب الطبراني في الرياض النضرة 2 / 177 ، وفي الذخائر / 70 ، والسيوطي في
جمع الجوامع كما في ترتيبه ، كنز العمال 2 / 216 و 5 / 126 ، وغيرهم وكلهم عن عائشة.

(2)أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7 / 65 ، والسيوطي في اللئالي المصنوعة 1 / 183 ط
مصر الاُولى نقلاً عن سنن البيهقيـوعلى القارئ المقارنة ليجد كيف تلاعبت الأهواء
بالسيوطي فحرّف وغيّر.

(3)أخرجه ابن المغازلي المالكي في المناقب / 245.

(4)الصواعق المحرقة / 75 ط الميمنية 1312.

٤١٠

معذرة إليكم ، ألا وإني مخلّف فيكم كتاب ربيعزوجل وعترتي أهل بيتي ثمّ أخذ
بيد عليّ فرفعها فقال : هذا عليّ مع القرآن ، والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتى يردا
عليَّ الحوض ، فاسألوهما ما خلّفت فيهما) ».

سادساً : ما رواه ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لن تضلوا ولن
تهلكوا وأنتم في موالاة عليّ ، وإن خالفتموه فقد ضلّت بكم الطرق والأهواء في
الغيّ فاتقوا الله ، فإنّ ذمة الله عليّ بن أبي طالب) » (1) .

وأحسب انّ هذا هو تتمة ما مرّ قبله ، ومهما يكن فهذه جملة أحاديث
وردت فيها صيغة (لن تضلوا) (أن لا تضلوا) وكلها في أهل البيت عليهم‌السلام منها
ما يخصّ عليّاً بمفرده ، ومنها ما يعمّه وبقية أهل بيته ، فهل من المعقول والمقبول
دعوى انّ عمر لم يسمعها؟ ليس من الممكن أن لا يكون عمر سمعها من
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ممّن سمعها منه كلّها أو بعضها ، وحيث لم يرد في مورد جملة
(لن تضلوا) إلّا وهي توحي بذكر عليّ وأهل بيته عليهم‌السلام ، فلذلك لمّا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
(ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا) ، أستشعر عمر من ذلك ما هو
إلّا التصريح باسم عليّ في ذلك الكتاب ، فتلك حجة مكتوبة ليس من السهل
عليه ولا على غيره إنكارها. وذلك هو ما اعترف به لابن عباس بعد ذلك ،
فلم يجد سلاحاً أقوى عنده يشهره في وجه الشرعية في ذلك الوقت غير كلمة
« انّ النبيّ ليهجر » وبذلك نسفٌ للمحاولة الفعلية ولجميع المحاولات
اللاحقة الّتي ربّما يفاجأ بها. وهذا معنى كلماته الّتي مرّت على القارئ في
تعترافاته الخطيرة ، فراجع.

_______________________

(1)أنظر ينابيع المودة للقندوزي 2 / 280.

٤١١

فنسبة الهجر إلى النبيّ المعصوم إقدامٌ جريء ، مع إساءة أدب مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
ومساس بشخصه الكريم ، وأجرأ من ذلك دعواه في كلمته الأخرى « وعندكم
القرآن حسبنا كتاب الله » ، ولنستذكر ما مرّ من أقوال علماء التبرير الّذين رأوا في
هذه الكلمة دليلاً على فقاهة عمر بل وأفقهيته على ابن عباس ، حيث اكتفى
بالقرآن ولم يكتف ابن عباس به (؟!) وهذا ما مرّ عن ابن بطال والنووي وغيرهما
فراجع. فقد بيّنا هناك من هو الأفقه منهما بحجج لا يقوى زوامل الأسفار على
حملها فضلاً عن ردّها.

والآن فلنعد إلى تفسير كلمته « حسبنا كتاب الله » وما تعنيه من دلالة
ظاهرة وما تخفي من معنى أشتملت عليه ، وماذا أراد عمر بقوله : « وعندكم
القرآن حسبنا كتاب الله » :

ماذا أراد عمر بقوله : « حسبنا كتاب الله »؟

ليس في قوله : « حسبنا » أيّ غموض لغوي ، ولا أشتراك لفظي ، ومعناه كفانا ،
و (حَسبَ) اسم معنى لا اسم فعل ، بدليل زيادة الباء عليه في قولهم بحسبك درهم ،
وهكذا قول الداعي حسبي الله ، أي كفاني دون غيره ، كما يصح أن يقول (بحسبي)
أي كفاني ، هذا من ناحية المعنى في اللغة العربية. إذن ماذا أراد عمر غير ذلك؟
وهل وراء ذلك مراد لعمر؟ نعم إنّه الكناية عن الاستغناء بالقرآن دون عديله ، وما
عسى ذلك الرفض إلّا لمن عيّنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين ، وهم العترة ،
الّذين هم الثقل الأصغر ، وهو الآخر الّذي يأباه عمر فاستبعده جاهداً ، وفرض
الاستغناء بالقرآن وحده فقال : « وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ». وذلك ما دلّ
عليه معنى (حسبنا) أي كفانا ، وإن قيل ما الدليل على انّ ذلك مراد عمر؟

٤١٢

فإنّا نقول : دليلنا على ذلك اعترافاته السابقة بأنّه فهم ذلك فقال : « حسبنا...
الخ ».

ولولا أن يكون ذلك مراد عمر لما كان معنى لقوله : « حسبنا كتاب الله »
ولا معنى لقوله : « وعندكم القرآن » ، واحتمال أنّه أراد الاستغناء بالقرآن وحده
لأنّه فيه تبيان كلّ شيء ، لقوله تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (1) كما
قاله علماء التبرير فليس ذلك بصحيح ولا يمكن أن يُصحَح له ، لأن القرآن وحده
لا يغني ما لم يكن معه مَن يعلم تأويله قال تعالى : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
) (2) ، والله سبحانه يقول :( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ
) (3) ، وقد ورد عن الإمام عليّعليه‌السلام قوله في تفسير هذه الآية فقال : (نحن
أهل الذكر) ولا شك أنّ عليّاً عليه‌السلام كان منهم بل ومن أفاضلهم ، كيف لا وهو
الّذي دعا له الرسول بأن يكون الأذن الواعية ، وفيه نزل قوله تعالى : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ
وَاعِيَةٌ
) (4) ، وهذا هو الّذي أدركه عمر وفهمه ، لذلك استبعد الضميمة عن القرآن ،
فرفضها ومنع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة الكتاب الّذي لن تضل أمته من بعده ما إن
تمسكوا به.

وفي حديث الثقلين دلالة واضحة أنّ التمسك بهما معاًـالقرآن والعترةـهو
السبيل العاصم من الضلالة. وليس التمسك بأحدهما دون الآخر بعاصم وحده.

_______________________

(1)الأنعام / 38.

(2)آل عمران / 7.

(3)النحل / 43.

(4)شواهد التنزيل للحسكاني 2 / 272 ، وحلية الأولياء 1 / 67 ، وفرائد السمطين للحمويني ،
وكنز العمال 15 / 157 ط الثانية ، ومناقب ابن المغازلي الحديث / 366 ، وسمط النجوم
العوالي 2 / 504 ، وتفسير الطبري 29 / 55 ، وتفسير الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية
نقلاً عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.

٤١٣

ونحن إذا استذكرنا ما مرّ آنفاً من انّ عمر كان جاداً في دفع عليّ عما أراده
الله تعالى له على لسان نبيّه ، ولمّا كان عليّ عليه‌السلام هو واحد من العترة بل هو
سيدهم ، أدركنا المعنى الحقيقي لكلمة عمر : « حسبنا كتاب الله » وهي تعني
التفكيك بين القرآن والعترة عند التمسك بهما. والرد الحاسم على استبعاد العترة
من أهلية التمسك بها ، لذلك ارتكب ما ارتكب ممّا لا يجوز لمثله أن يفعله ، وقال
ما قال ممّا ليس من حقّه أن يقوله. ولكنه اليقظ الحذر والمتمرّس على الخلاف
على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشواهد ذلك يكفي منها يوم صلح الحديبية ، ويوم الصلاة على
ابن أبيّ. وغير ذلك.

فأي مانع له الآن أن يعلن الخلاف ، ويقول ما لا يحل له ولأي مسلم أن
يقوله فينسب الهجر إلى النبيّ المعصوم. ما دام هو بذلك يرفض قرناء الكتاب ،
وكان من الطبيعي لمثله ، وهو يريد ذلك أن يقول للحاضرين : « وعندكم
القرآن »ـيعني لا حاجة لنا بالعترة الّتي يدعونا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى التمسك
بالكتاب وبها كما في حديث الثقلين ـ.

ولندع هذا الجانب التفسيري لكلمته ، ولنعد إلى الجانب اللفظي لها.
ولنستغفل عقولنا ثانية ، وكأننا نبحث عن حاقّ المعنى لقوله. فماذا كان يعني
بكلمته : « حسبنا كتاب الله »؟ أو ليس معنى ذلك هو رفض السنّة؟ الّتي هي تلو
الكتاب؟ أفهل كان يرى حقاً عدم حجية السنّة؟

نعم كان وكان ، ولسنا نحمّله إلّا تبعة أفعاله ، لأنّه ممّن أمر في أيامه
بتحريقها ومحوها (1) . وما دام ليس من حقنا أن نحمّله خشية الإتهام بأنا لسنا معه
_______________________

(1)الجامع لأحكام القرآن 17 / 5 و 14 / 108 ، وشواهد التنزيل 1 / 334 ـ 337.

٤١٤

على رأي فلنترك الحديث لأئمّة عمريّين لا يشك في ولائهم لعمر ، مثل الإمام
الشافعي وابن حزم ، والبيهقي ، والسيوطي.

فلنقرأ ما يقول كلّ واحد في عدم الإستغناء بالكتاب وحده ولابدّ من السنّة
معه ، وهم غير متهمين فيما يقولونه في إدانة من قال بالإستغناء بالكتاب وحده
حتى ولو كان عمر :

1 ـ ماذا قال الشافعي؟

قال الإمام الشافعي في الرسالة ونقله عنه البيهقي في المدخل(1) : « قد
وضع الله رسوله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم من دينه وفرضه وكتابه الموضع
الّذي أبان جلّ ثناؤه أنّه جعله علماً لدينه بما أفترض من طاعته ، وحرّم من
معصيته وأبان من فضيلته ، بما قرن بين الإيمان به مع الإيمان به فقال تبارك
وتعالى : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) (2) وقال :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ
) (3) فجعل كمال ابتداء الإيمان الّذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ثمّ
برسوله معه.

قال الشافعي : وفرض الله على الناس إتباع وحيه وسنن رسوله فقال في
كتابه : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
) (4) .

_______________________

(1)نقل كلامه بنصه السيوطي في رسالته مفتاح الجنة في الأحتجاج بالسنّة / 3ـ4 ضمن
مجموعة الرسائل المنيرية أواخر المجلد الثاني.

(2)الأعراف / 158.

(3)النور / 62.

(4)آل عمران / 164.

٤١٥

قال الشافعي : فذكر الله الكتاب والقرآن ، وذكر الحكمة فسمعت من
أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنّة رسول الله صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم. وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
) (1) ـثمّ ساق
الكلام إلى أن قال : فأعلمهم أنّ طاعة رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
طاعته فقال : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا
يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
) (2) .

واحتج أيضاً في فرض اتباع أمره بقوله :( لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ
كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
) (3) وقوله :( وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا
) (4) وغيرها من الآيات الّتي دلت
على اتباع أمره ولزوم طاعته فلا يسع أحد رد أمره لفرض الله طاعة نبيه ».

2 ـ ماذا قال ابن حزم؟

قال ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام : « لاتعارض بين شيء من
نصوص القرآن ونصوص كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما نقل من أفعاله فقال سبحانه خبراً
عن رسوله : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (5) ، وقوله تعالى :
_______________________

(1)النساء / 59.

(2)النساء / 65.

(3)النور / 63.

(4)الحشر / 7.

(5)النجم / 3 ـ 4.

٤١٦

( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (1) ، وقوله :( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
) (2) . فأخبرعزوجل انّ كلام نبيّه وحي من عنده كالقرآن
في أنّه وحي ...اه‍ » (3) .

3 ـ ماذا قال البيهقي؟

وقال البيهقي بعد احكامه هذا الفصل : « ولولا ثبوت الحجة بالسنّة لما قال
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم في خطبته بعد تعليم من شهده أمر دينهم (ألا فليبلغ
الشاهد منكم الغائب فربّ حامل مبلّغ أوعى من سامع) ثمّ أورد حديث : (نضّر
الله امرؤاً سمع منا حديثاً فأدّاه كما سمعه ، فربّ مبلّغ أوعى من سامع) ». وهذا
الحديث متواتر كما سأبينه.

قال الشافعي : « فلمّا ندب رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم إلى استماع
مقالته وحفظها وأدائها ، دلّ على أنّه لا يأمر أن يؤدّى عنه إلّا ما تقوم به الحجة
على من أدي إليه ، لأنّه إنّما يؤديَ عنه حلال يؤتى ، وحرام يجتنب ، وحدّ يقام ،
ومال يؤخذ ويعطى ، ونصيحة في دين ودنيا ».

ثمّ أورد البيهقي من حديث أبي رافع قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا ألفين
أحدكم متكئاً على أريكته يأتي الأمر من أمري ممّا أمرتُ به أو نَهيتُ عنه
فيقول : لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) » (4) .

_______________________

(1)الأحزاب / 21.

(2)النساء / 82.

(3)الإحكام في اُصول الأحكام 1 / 174.

(4)رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، والحاكم ، والبيهقي في دلائل النبوة ، وإسناده
صحيح ، وقال الترمذي حسن صحيح ، مشكاة المصابيح 1 / 57.

٤١٧

وأخرج البيهقي بسنده عن شبيب بن أبى فضالة المكي : « انّ عمران بن
حصين رضي‌الله‌عنه ذكر الشفاعة فقال رجل من القوم : يا أبا نجيد إنكم تحدثونا بأحاديث
لم نجد لها أصلاً في القرآن؟ فغضب عمران وقال لرجل قرأت القرآن؟ قال :
نعم ، فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً ووجدت المغرب ثلاثاً ، والغداة ركعتين ،
والظهر أربعاً ، والعصر أربعاً؟ قال : لا ، قال : فعن من أخذتم ذلك؟ ألستم عنا
أخذتموه وأخذناه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أوجدتم فيه من كلّ أربعين شاة شاة ، وفى كلّ كذا بعير كذا ، وفي كلّ
كذا درهماً كذا؟ قال : لا ، قال فعن من أخذتم ذلك؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه
عن النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم.

وقال : أوجدتم في القرأن :( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (1) ، أو وجدتم فيه
فطوفوا سبعاً ، واركعوا خلف المقام؟ أو وجدتم في القرآن : لاجلب ولاجنب
ولا شغار في الإسلام؟

أما سمعتم الله يقول في كتابه :( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانتَهُوا
) (2) ؟

قال عمران : فقد أخذنا عن رسول الله صلّىاللهعليهوآلهوسلّمأشياء ليس
لكم بها علم » (3) .

وأخرج البيهقي والحاكم عن الحسن قال : « بينما عمران بن الحصين
يحدث عن سنّة رسول الله إذ قال له رجل يا أبا نجيد حدّثنا بالقرآن ، فقال له
_______________________

(1)الحج / 29.

(2)الحشر / 7.

(3)مفتاح الجنّة في الإحتجاج بالسنّّة للسيوطي / 5 ضمن مجموعة الرسائل المنيريه
المجلد الثاني.

٤١٨

عمران أنت وأصحابك تقرؤن القرأن!؟ اكنت تحدّثني عن الصلاة وما فيها
وحدودها؟

أكنت تحدّثني عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال؟ ولكن
قد شهدتُ وغبتَ أنتَ ، ثمّ قال : فرضَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الزكاة كذا وكذا ، فقال
الرجل : أحييني أحياك الله.

قال الحسن فما ماتَ ذلك الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين »(1) .

4 ـ ماذا قال السيوطي؟

قال في ديباجة كتابه : « اعلموا يرحمكم الله انّ من العلم كهيئة الدواء ، ومن
الآراء كهيئة الخلاء ، لاتذكر إلّا عند داعية الضرورة ، وان ممّا فاح ريحه في هذا
الزمان. وكان دارساً بحمد الله تعالى منذ أزمان ، وهو انّ قائلاً رافضياً(؟)زنديقاً أكثر
في كلامه : انّ السنّة النبوية والأحاديث المرويةـزادها الله علواً وشرفاًـلايحتج بها ،
وأنّ الحجة في القرآن خاصة ، وأورد على ذلك حديث : ماجاءكم عني من حديث
فاعرضوه على القرآن ، فإن وجدتم له أصلاً فخذوا به وإلّا فردّوه. هكذا سمعت هذا
الكلام بجملة منه وسمعه منه خلائق غيري فاعلموا رحمكم الله من أنكر كون
حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة ، كفر وخرج
عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة ...

وأصل هذا الرأي الفاسد أنّ الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلى
إنكار الاحتجاج بالسنّة والاقتصار على القرآن » (2) إلى آخر كلامه.

_______________________

(1)مفتاح الجنة في الإحتجاج بالسنّّة للسيوطي / 23 ضمن مجموعة الرسائل المنيريه
المجلد الثاني.

(2)نفس المصدر / 2.

٤١٩

ونحن لانريد مناقشته في حكمه الكلي على الكبرى فهو عين الصواب ،
ولكن هلّم الخطب في تطبيق الحكم على الصغرى في المقام.

ويجب أن لايُستغفَل القارئ بما قاله السيوطي الّذي شنّها حرباً شعواء على
ذلك الرافضي المجهول الهوية. كما يجب أن لانظلمه مادامت حجته صحيحة
كما حكاها عنه السيوطي نفسه.

فإنّ الّذي زعمه السيوطي في حكاية قوله : « هو إهمال السنّة بالمرة فلا
يحتج بها ». بينما الّذي حكاه من فحوى دليله هو وجوب عرض السنّة على
الكتاب ، والأخذ بها ما دامت غير مخالفة له. وأين هذا من عدم حجيتها
والاكتفاء بالقرآن؟.

وإذا صحّ ماذكره السيوطي عنه من الدليل يكون الرافضي المجهول الهوية
على حق في كلامه ، لأنّ الحديث الّذي يخالف القرآن زخرف وباطل ويضرب
به عرض الجدار. وهذا هو المنطق الصحيح والسليم الّذي يقطع جهيزة كلّ
الوضاعين والمدلّسين الّذين كذبوا في الحديث ونسبوه زوراً إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو
منه ومنهم بريء.

وأين هذا ماشهّر به السيوطي بقوله : « إنكار الاحتجاج بالسنّة والاقتصار
على القرآن »؟ وهل من الإنصاف أن يرمي بالزندقة لأنّه يقول إنّ السنّة ليست
ناسخة للقرآن ولا قاضية عليه ، ولأنّ السنّة الصحيحة هي الّتي لاتخالف القرآن!

ثمّ ما رأي السيوطي في قول عمر : « حسبنا كتاب الله وعندكم القرآن »
أليس ذلك نبذه للسنّة نبذ الحصاة وراء ظهره؟

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487