موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

موسوعة عبد الله بن عبّاس8%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-501-5
الصفحات: 487

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 487 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159002 / تحميل: 6197
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٥٠١-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

٢٧ـهشام بن سعد يقال له يتيم زيد بن أسلم صحبه وأكثر عنه توفي
سنة ١٦٠ أو قبلها ، روى الحديث عن زيد بن أسلم ، وعنه الواقدي كما في
(الصورة ٣).

٢٨ـشيبان بن عبد الرحمن النحوي المؤدب توفي سنة ١٦٤ ه‍ روى
الحديث عن الليث ، وعنه الحسن بن موسى كما في (الصورة ١٤).

٢٩ـإبراهيم بن اسماعيل بن أبي حبيبة توفي سنة ١٦٥ ه‍ روى الحديث
عن داود بن الحصين ، وعنه الواقدي كما في (الصورة ١٧).

٣٠ـجرير بن حازم بن زيد الأزدي توفي سنة ١٧٠ ه‍ ، أو قبل سنة ١٧٥ ه‍
روى الحديث عن يونس بن يزيد ، وعنه ابنه وهب كما في (الصورة ١٢).

٣١ـابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة الفقيه توفي سنة ٣ـ١٧٤ ه‍ روى
الحديث عن أبي الزبير ، وعنه موسى بن داود كما في (الصورة ٥).

٣٢ـالوضاح بن عبد الله اليشكري الحافظ أبو عوانة توفي سنة ١٧٦ ه‍ روى
الحديث عن الأعمش ، وعنه ختنه يحيى بن حماد الفراء كما في (الصورة ١١).

٣٣ـزيد بن أبي الزرقاء يزيد الثعلبي الموصلي توفي سنة ١٩٤ ه‍ روى
الحديث عن شبل بن عباد ، وعنه ابنه هارون كما في (الصورة ٩).

٣٤ـهشام بن يوسف الصنعاني المتوفى سنة ١٩٧ ه‍ ، روى الحديث عن
معمر ، وعنه إبراهيم بن موسى كما في (الصورة ١٢).

٣٥ـوكيع بن الجراح الرواسي توفي سنة ١٩٢ ه‍ أو سنة ١٩٧ ه‍ روى
الحديث عن مالك بن مغول ، وعنه إسحاق بن إبراهيم أبو كريب ، وصالح بن
سمال ، وأحمد بن حنبل كما في (الصورة ١٠).

٣٠١

٣٦ـعبد الله بن وهب المتوفى سنة ١٩٧ ه‍ روى الحديث عن يونس بن
شهاب ، وعنه يحيى بن سليمان كما في (الصورة ١٢).

٣٧ـسفيان بن عيينة توفي سنة ١٩٨ ه‍ روى الحديث عن سليمان الأحول ،
وعنه ثلاثة عشر راوياً مرّ ذكرهم كما في (الصورة ٩).

٣٨ـعمرو بن الفضل العبدي السلمي من صغار التابعين روى الحديث عن
نعيم بن يزيد ، وعنه حفص بن عمر الحوضي كما في (الصورة ١).

٣٩ـمحمّد بن عبد الله الأنصاري قال ابن حجر من الطبقة الثامنةـأي مات
بعد المائةـجاوز سنه المائة روى الحديث عن قرة بن خالد ، وعنه ابن سعد كما
في (الصورة ٥).

٤٠ـثابت بن هرمزـأبو المقدامـمن صغار التابعين روى الحديث عن
سعيد بن جبير ، وعنه أبنه عمرو بن ثابت كما في (الصورة ٧).

٤١ـعمرو بن ثابت المتوفى سنة ١٧٢ ه‍ روى الحديث عن أبيه ، وعنه عبد
الرحمن بن أبي هاشم كما في (الصورة ٧).

٤٢ـعبد الله بن عبد الله الهاشمي الرازي قاضي الري قال ابن حجر في
التقريب من الرابعة ، روى الحديث عن سعيد بن جبير ، وعنه الأعمش كما
في (الصورة ١١).

٤٣ـأبو إسحاق بن يزيد روى الحديث عن الفضيل بن يسار المتوفى قبل
سنة ١٤٨ وعنه محمّد بن عليّ كما في (الصورة ٢٠).

٤٤ـقيس بن الربيع المتوفى سنة بضع وستين ومائة روى الحديث عن
الأعمش ، وعنه عاصم بن عليّ كما في (الصورة ٨).

إلى غير هؤلاء.

٣٠٢

القرن الثالث :

١ـيحيى بن آدم القرشي توفي سنة ٢٠٣ ه‍ روى الحديث عن ابن عيينة ،
وعنه أبو كريب كما في (الصورة ٩).

٢ـبكر بن عيسى الراسبي المتوفى سنة ٢٠٤ ه‍ روى الحديث عن عمر بن
الفضل ، وعنه أحمد في مسنده كما في (الصورة ١).

٣ـوهب بن جرير توفي سنة ٢٠٦ ه‍ روى الحديث عن أبيه عن جرير بن
حازم ، وعنه أحمد بن حنبل كما في (الصورة ١٢).

٤ـيحيى بن حماد الفراء المتوفى سنة ٢٠٧ ه‍ روى الحديث عن أبي عوانة
وهو ختنه ، وعنه ابن سعد كما في (الصورة ٨ و ١١).

٥ـمحمّد بن عمرو الواقدي المتوفى سنة ٢٠٧ ه‍ روى الحديث عن أسامة
ابن زيد ، وإبراهيم بن يزيد ، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، ومعمر بن
راشد ، وهشام بن سعد ، وعنه روى ذلك كاتبه محمّد بن سعد في الطبقات الكبير
كما مرّ في (الصور ٣ و ٥ و ١٢ و ١٧).

وممّا ينبغي التنبيه عليه في المقام ، أنّ كتاب المغازيـالمطبوع في أوربا
طبع جامعة أكسفورد ، وكذلك طبعة مصر سنة ١٣٦٧ ه‍ ـخلو من هذا الحديث
مع ذكره بعث أسامة ومرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!؟.

٦ـعثمان بن عمر المتوفى سنة ٢٠٩ ه‍ روى الحديث عن قرة بن خالد ،
وعنه عبد بن حميد كما في (الصورة ٥).

٧ـعبد الرزاق بن همّام الصنعاني المتوفى سنة ٢١١ ه‍ روى الحديث عن
معمر ، وعنه الحسن بن الربيع كما في (الصورة ٦) وعن سفيان بن عيينة وأخرجه

٣٠٣

في مصنفه كما في (الصورة ٩) وروى الحديث أيضاً عن معمر ، وعنه عبد الله بن
محمّد وعليّ بن عبد الله كما في (الصورة ١٢).

٨ـعليّ بن الحسن بن شقيق العبدي المتوفى سنة ٢١٥ ه‍ روى الحديث
عن أبي حمزة السكري ، وعنه محمّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة كما في
(الصورة ١٥).

٩ـقبيصة بن عقبة السوائي توفي سنة ٢١٥ ه‍ روى الحديث عن ابن عيينة ،
وعنه البخاري في الصحيح كما في (الصورة ٩).

١٠ـيحيى بن حماد الشيباني المتوفى سنة ٢١٥ ه‍ روى الحديث عن أبي
عوانة ، وعنه ابن سعد كما في (الصورة ١١).

١١ـالحجاج بن نصير توفي سنة ٢١٤ ه‍ روى الحديث عن مالك بن مغول ،
وعنه ابن سعد في الطبقات كما في (الصورة ١٠).

١٢ـموسى بن داود الضبي المتوفى ١٤ـ٢١٧ ه‍ روى الحديث عن ابن
لهيعة ، وعنه أحمد في مسنده كما في (الصورة ٥).

١٣ـأبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي المتوفى سنة ٢١٩ ه‍ روى الحديث
عن ابن عيينة ، وأخرج الحديث في مسنده كما في (الصورة ٩).

١٤ـالحسن بن بشر البجلي توفي سنة ٢٢١ ه‍ روى الحديث عن ابن عيينة ،
وعنه أبو إسحاق وإبراهيم بن يزيد كما في (الصورة ٩).

١٥ـالحسن بن الربيع البوراني مولى خالد القسري المتوفى سنة ٢٢١ ه‍
روى الحديث عن الحافظ عبد الرزاق ، وعنه الجوهري في السقيفة كما في
(الصورة ٦).

٣٠٤

١٦ـعاصم بن عليّ الواسطي المتوفى سنة ٢٢١ ه‍ روى الحديث عن قيس
ابن الربيع ، وعنه عمر بن حفص السدوسي كما في (الصورة ٨).

١٧ـمحمّد بن سلام المتوفى سنة ٢٢٥ ه‍ من شيوخ البخاري روى الحديث
عن ابن عيينة ، وعنه البخاري في صحيحه كما في (الصورة ٩).

١٨ـحفص بن عمر الحوضي المتوفى سنة ٢٢٥ ه‍ روى الحديث عن
عمرو بن الفضل وعنه ابن سعد في طبقاته كما في (الصورة ١).

١٩ـسعيد بن منصور صاحب السنن المتوفى سنة ٢٢٧ ه‍ روى الحديث
عن ابن عيينة ، وعنه مسلم في صحيحه كما في (الصورة ٩).

٢٠ـعبد الله بن محمّد الجحفي المتوفى سنة ٢٢٩ ه‍ روى الحديث عن
عبد الرزاق ، وعنه البخاري في صحيحه كما في (الصورة ١٢).

٢١ـمحمّد بن سعد كاتب الواقدي المتوفى سنة ٢٣٠ ه‍ روى الحديث عن
ابن عيينة والواقدي ويحيى بن حماد ومحمّد بن عبد الله الأنصاري وحجاج بن
نصير وحفص بن عمر الحوضي وأخرج أحاديثهم في طبقاته كما في (الصور١
و ٣ و ٥ و ٨ و ٩ و ١٠ و ١١).

٢٢ـعمرو بن محمّد الناقد المتوفى سنة ٢٣٢ ه‍ روى الحديث عن ابن
عيينة ، وعنه مسلم في صحيحه كما في (الصورة ٩).

٢٣ـعليّ بن عبد الله المديني المتوفى سنة ٢٣٤ ه‍ روى الحديث عن عبد
الرزاق ، وعنه البخاري في صحيحه كما في (الصورة ١٢).

٢٤ـأبو بكر بن أبي شيبة المتوفى سنة ٢٣٥ ه‍ روى الحديث عن ابن عيينة
وأخرجه في مصنفه ، ورواه عنه مسلم في صحيحه كما في (الصورة ٩).

٣٠٥

٢٥ـيحيى بن سليمان الجعفي المتوفى سنة ٢٣٧ ه‍ روى الحديث عن ابن
وهب ، وعنه البخاري كما في (الصورة ١٢).

٢٦ـإسحاق بن إبراهيم ابن راهويه المتوفى سنة ٢٣٨ ه‍ من شيوخ البخاري
ومسلم ، روى الحديث عن ابن عيينة ، وعنه مسلم في صحيحه كما في
(الصورة ١٠).

٢٧ـعثمان بن أبي شيبة المتوفى سنة ٢٣٩ ه‍ روى الحديث عن يحيى بن
زكريا النخعي ، وعنه الحسين بن اسحاق التستري كما في (الصورة ١٦).

٢٨ـقتيبة بن سعيد توفي سنة ٢٤٠ ه‍ من شيوخ البخاري ومسلم ، روى
الحديث عن ابن عيينة ، وعنه البخاري ومسلم في صحيحيهما كما في (الصورة
٩).

٢٩ـأحمد بن حنبل توفي سنة ٢٤١ ه‍ روى الحديث عن وهب والحسن
وبكر بن عيسى الراسبي وعبد الرزاق ووكيع وابن عيينة ، وعنه ابنه عبد الله
وأخرج أحاديثهم في مسنده كما في (الصور ١ و ٩ و ١٠ و ١٢ و ١٤).

٣٠ـقتيبة بن سعيد توفي سنة ٢٤٠ ه‍ من شيوخ البخاري ومسلم ، روى
الحديث عن ابن عيينة ، وعنه البخاري ومسلم في صحيحهما كما في
(الصورة٩).

٣١ـمحمّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة المتوفى سنة ٢٤١ ه‍ روى الحديث
عن عليّ بن الحسن بن شقيق ، وعنه محمّد بن يحيى بن مالك الضبي الاصبهاني
كما في (الصورة ١٥).

٣٢ـمحمّد بن رافع توفي سنة ٢٤٥ ه‍ روى الحديث عن عبد الرزاق ، وعنه
مسلم في صحيحه كما في (الصورة ١٢).

٣٠٦

٣٣ـمحمّد بن العلاء أبو كريب الهمداني توفي سنة ٢٤٨ ه‍ روى الحديث
عن وكيع ويحيى بن آدم ، وعنه الطبري في تاريخه وغيره كما في (الصورة ٩
و ١٠).

٣٤ـعبد بن حميد توفي سنة ٢٤٩ ه‍ روى الحديث عن عبد الرزاق
وعثمان بن عمر ، وعنه مسلم في صحيحه وإبراهيم بن خزيم كما في (الصورتين
٥ و ١٢).

٣٥ـمحمّد بن منصور توفي سنة ٤ـ٢٥٦ ه‍ روى الحديث عن سفيان
الثوري ، وعنه النسائي كما في (الصورة ٢٤).

٣٦ـمحمّد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح توفي سنة ٢٥٦ ه‍ روى
الحديث عن عبد الله بن محمّد وعليّ بن عبد الله ويحيى بن سليمان وقتيبة
وإبراهيم بن موسى وقبيصة ومحمّد بن سلام ، وأخرج أحاديثهم في سبعة مواضع
من صحيحه كما في (الصور ٩ و ١٢).

٣٧ـالحسن بن محمّد بن الصباح الزعفراني المتوفى سنة ٢٥٩ ه‍ أو سنة
٢٦٠ ه‍ أخرج حديثه البيهقي في سننه عن أحمد بن محمّد بن زياد البصري كما
في (الصورة ٩).

٣٨ـهارون بن زيد بن أبي الزرقاء المتوفى بعد سنة ٢٥٠ ه‍ روى الحديث
عن أبيه ، وعنه عبدان كما في (الصورة ٩).

٣٩ـمسلم بن الحجاج صاحب الصحيح توفي سنة ٢٦١ ه‍ روى الحديث
عن عبد بن حميد ومحمّد بن رافع وقتيبة وعمرو الناقد وسعيد بن منصور ،
وأخرج أحاديثهم في صحيحه كما في (الصور ٩ و ١٢).

٣٠٧

٤٠ـأحمد بن حماد الدولابي توفي سنة ٢٦٩ ه‍ روى الحديث عن ابن
عيينة ، وعنه الطبري في تاريخه كما في (الصورة ٩).

٤١ـأبو داود سليمان بن الأشعث صاحب السنن توفي سنة ٢٧٥ ه‍ ـ روى
الحديث عن سعيد بن منصور كما في (الصورة ٩).

٤٢ـحمّاد بن شاكر النسوي المتوفى حدود سنة ٢٩٠ ه‍ من رواة صحيح
البخاري (١) .

٤٣ـإبراهيم بن معقل النسفي المتوفى سنة ٢٩٤ ه‍ من رواة صحيح
البخاري فاته من الجامع أوراق رواها بالإجازة عن البخاري (٢) .

٤٤ـعبدان بن محمّد المروزي سمع منه الطبراني بمكة سنة ٢٨٧ ه‍(٣)
روى الحديث عن هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، وعنه الطبراني في معجمه
الكبير كما في (الصورة ٩).

إلى غير هؤلاء ، وكان حسبنا أن نكتفي بذكر البخاري الّذي أخرج الحديث
في صحيحه في سبعة مواضع وقد سمعه منه تسعون ألفاً ، فيما ذكره الفربري وأنّه لم
يبق من يرويه غيره (٤) غير أنا ذكرنا غيره ممّن روى ذلك سواء من شرّاح صحيحه
ومن غيرهم لنخرج الحديث من حيّز الآحاد إلى حظيرة التواتر. وسأقتصر في رواة
القرون التالية بما يغني ويقني ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

_______________________

(١)أنظر فتح الباري ١ / ٥.

(٢)نفس المصدر.

(٣)المعجم الصغير للطبراني ١ / ٢٣٤.

(٤)لقد ناقش ابن حجر العسقلاني في ذلك فقال : وأطلق ذلك بناء على ما في علمه ، وقد
تأخر بعده بتسع سنين أبو طلحة منصور بن محمّد بن عليّ بن قريبة البزدوي ، وكانت
وفاته سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، ذكر ذلك من كونه روى الجامع الصحيح عن البخاري
أبو نصر بن ماكولا وغيره.

٣٠٨

القرن الرابع :

١ـأحمد بن شعيب الحافظ النسائي المتوفى سنة ٣٠٣ ه‍ روى الحديث عن
محمّد بن منصور ، وعنه محمّد بن معاوية كما في (الصورة ٢٤).

٢ـمحمّد بن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ ه‍ روى الحديث عن صالح
ابن سمال وأبي كريب وأحمد بن حمّاد الدولابي ، وأخرج أحاديثهم في تاريخه
كما في (الصورة ٩ و ١٠).

٣ـأحمد بن محمّد بن هارون بن يزيد أبو بكر الخلال المتوفى سنة ٣١١ ه‍
في كتاب السنّة (١) ولفظه كما في (الصورة ١٠).

٤ـمحمّد بن يوسف الفربري المتوفى سنة ٣٢٠ ه‍ من رواة صحيح
البخاري ، وتفضل روايته على غيره بالضبط لسماعه الصحيح من مؤلّفه مرتين ،
مرة بفربر سنة ٢٤٨ ه‍ ، ومرة ببخارى سنة ٢٥٢ ه‍. وسيأتي ما يشير إلى ذلك.

٥ـأبو طلحة منصور بن محمّد بن عليّ بن قرينة البزدوي المتوفى سنة ٣٢٩ ه‍
وهو آخر من حدّث عن البخاري بصحيحه كما جزم به ابن ماكولا وغيره (٢) .

٦ـأبو سعيد أحمد بن محمّد بن زياد البصري شيخ الحرم المعروف بابن
الأعرابي المتوفى سنة ٣٤٠ ه‍ روى الحديث عن الحسن بن محمّد الزعفراني ،
وعنه عبد الله بن يوسف الاصبهاني (٣) .

٧ـسليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة ٣٦٠ ه‍ أخرج الحديث بأسانيده
في معجمه الأوسط كما في كنز العمال (٤) ومرت بعض الصور عنه وما فيها من
تلاعب وسيأتي مزيد في ذلك.

_______________________

(١)كتاب السنّة ١ / ٢٧١ طبع أخيراً طبعته دار الراية الرياض سنة ١٤١٠ ه‍.

(٢)فتح الباري ١ / ٥.

(٣)سنن البيهقي ٩ / ٢٠٧.

(٤)كنز العمال ٣ / ١٣٨ ، والمعجم الكبير ١١ / ٣٠ و ٣٥٢ و ١٢ / ٥٦.

٣٠٩

٨ـعبد بن أحمد بن حمويه السرخسي المتوفى سنة ٣٨١ ه‍ راوي
صحيح البخاري ، وكان مسند خراسان.

٩ـعبيد الله بن محمّد بن محمّد بن حمدان بن بطة العكبري الحنبلي
المتوفى سنة ٣٨٧ ه‍ ، أخرج الحديث عنه ابن شهر اشوب في المناقب.

١٠ـمحمّد بن مكي بن ذراع الكشميهني المروزي أبو الهيثم المتوفى سنة
٣٨٩ ه‍ يوم عرفة راوية الصحيح عن البخاري.

١١ـأبو حاتم محمّد بن حِبّان بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة
٣٥٤ ه‍ روى الحديث في كتاب الثقات (١) .

إلى غير هؤلاء.

القرن الخامس :

١ـأبو محمّد عبد الله بن يوسف الأصبهاني الصوفي مسند خراسان مات
سنة ٤٠٩ ه‍ روى الحديث عن أحمد بن محمّد بن زياد البصري بمكة ، وعنه
البيهقي في السنن الكبرى.

٢ـالحافظ أبو نعيم الأصبهاني المتوفى سنة ٤٣٠ ه‍ أخرج الحديث في
كتاب الحلية عن شيخه الطبراني بسنده عن طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الّذي توفي فيه : (أيتوني بكتف
ودواة لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدا) ثمّ قال صحيح ثابت من حديث
سعيد عن ابن عباس ، غريب من حديث طلحة رواه ادريس الأودي عن طلحة
نحوه » (٢) .

_______________________

(١)كتاب الثقات ٤ / ٢١٢ ط دار الكتب العلمية بيروت.

(٢)حلية الأولياء ٥ / ٢٥.

٣١٠

٣ـأبو ذر الهروي المتوفى سنة ٤٣٤ ه‍ روى الحديث عن محمّد بن
حمويه السرخسي ، وعنه أبو الوليد الباجي (١) .

٤ـأبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي الشافعي المتوفى سنة ٤٥٨ ه‍
أخرج الحديث في كتابه السنن (٢) وقد مرّ ذكره في الصورة التاسعة.

٥ ـ أبو حفص الاشبيلي الهوزني ٤٦٠ ه‍ روى الحديث في شرحه.

٦ـأبو الوليد الباجي سليمان بن خلف المتوفى سنة ٤٧٤ ه‍ روى الحديث
عن أبي ذر الهروي وعنه أبو عليّ بن سكرة كما في الشفاء للقاضي عياض (٣)
وهو صاحب التجريح لرجال الصحيح.

٧ـأبو الاصبع الكواكبي المتوفى سنة ٤٨٦ ه‍ روى الحديث في شرحه
على الصحيح.

إلى غير هؤلاء.

القرن السادس :

١ـأبو عليّ بن سكرة الصدفي الأندلسي المتوفى سنة ٥١٤ ه‍ روى
الحديث عن أبي الوليد الباجي وعنه القاضي عَياض كما في الشفاء.

٢ـالقاضي عَياض المالكي المتوفى سنة ٥٤٤ ه‍ أخرج الحديث في كتابه
الشفاء (٤) بروايته عن أبي عليّ بن سكرة.

_______________________

(١)شرح الشفاء (نسيم الرياض) ٤ / ٢٧٦.

(٢)السنن الكبرى ٩ / ٢٠٧.

(٣)الشفاء ٢ / ١٨٥ ط اسلامبول سنة ١٣٠٤ ه‍.

(٤)نفس المصدر ٢ / ١٨٥ ـ ١٨٦.

٣١١

٣ـأبو عبد الله محمّد بن حسين بن أحمد بن محمّد الأنصاري المرّيـ
نسبة إلى المرّيةـالمتوفى سنة ٥٨٢ ه‍ أخرجه في كتابه (الجمع بين الصحيحين).

٤ـأبو محمّد عبد الحقّ الاشبيلي المتوفى سنة ٥٨٢ ه‍ صاحب كتاب
(الأحكام الشرعية الكبرى) أخرجه في كتابه (الجمع بين الصحيحين).

إلى غير هؤلاء

القرن السابع :

١ـالحافظ أبو العباس الاشبيلي المعروف بابن الرومية المتوفى سنة ٦٣٧ ه‍
روى الحديث في كتابه المعلم بما رواه البخاري على شرط مسلم.

٢ـابن أبي حجة الأندلسي المالكي سنة ٦٤٢ ه‍ روى الحديث في كتابه
الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم.

٣ـالحافظ شرف الدين أبو الحسن عليّ بن تقي الدين اليونيني الحنبلي
المتوفى سنة ٦٥٨ ه‍ فقد روى الحديث ضمن روايته لصحيح البخاري الّتي
ضبطها وقابل أصله على أصل مسموع على أبي ذر الهروي وعلى الاصيلي وابن
عساكر وأبي الوقت وتعدّ نسخته من أضبط النسخ (١) .

٤ـالقاضي ناصر الدين أحمد بن محمّد المالكي المعروف بابن المنير
الاسكندراني المتوفى سنة ٦٨٣ ه‍ روى الحديث في كتابه مناسبات تراجم
البخاري.

إلى غير هؤلاء

_______________________

(١)اُنظر نيل الأماني في توضيح مقدمة القسطلاني للأبياري / ٢٠٧ ط دار الكتب العلمية.

٣١٢

القرن الثامن :

١ـابن تيمية الحراني المتوفى سنة ٧٢٨ ه‍ ذكر الحديث في منهاج السنّة(١) ،
وسيأتي كلامه في ذلك مع علماء التبرير.

٢ـشهاب الدين النويري المتوفى سنة ٧٣٣ ه‍ ذكر الحديث في نهاية
الارب كما في الصورة الخامسة.

٣ـجمال الدين عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي المتوفى سنة
٧٦٢ ه‍ أخرج الحديث في كتابه وقال : أخرجه البخاري في الجزية ، ومسلم
في آخر الوصايا كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : « لمّا اشتد
برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه ، قال : (إئتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي
فتنازعوا) وقالوا : ما شأنه أهجر؟ استفهموه ، فقال : دعوني أوصيكم بثلاث :
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ،
قال : وسكت عن الثالثة » (٢) ، أنتهى.

٤ـالقريمي المعروف بقاضي قرم المتوفى سنة ٧٨٣ ه‍ في شرحه
لصحيح البخاري.

٥ـمحمّد بن يوسف بن عليّ الكرماني المتوفى سنة ٧٨٦ ه‍ له الكواكب
الدراري في شرح صحيح البخاري وهو مطبوع.

٦ـإبراهيم بن موسى بن محمّد اللخمي الشاطبي الغرناطي المالكي
المتوفى سنة ٧٩٠ ه‍ أخرج الحديث في كتابه (٣) .

_______________________

(١)منهاج السنّة ٦ / ٣١٥ ـ ٣١٦ تح‍ محمّد رشاد سالم ط مؤسية قرطبة سنة ١٤٠٦.

(٢)نصب الراية لأحاديث الهداية ٣ / ٤٥٥ ط المجلس العلمي سنة ١٣٥٧.

(٣)الاعتصام ٣ / ١٢.

٣١٣

٧ـالحافظ علاء الدين مغلطاي الحنفي المتوفى سنة ٧٩٢ ه‍ في شرحه
التلويح.

إلى غير هؤلاء.

القرن التاسع :

١ـسراج الدين عمر بن عليّ المعروف بابن الملقـّن الشافعي المتوفى سنة
٨٠٤ ه‍ في شرحه لصحيح البخاري.

٢ـالمجد الفيروز أبادي المتوفى سنة ٨١٧ ه‍ صاحب القاموس في اللغة وله
كتاب سفر السعادة وهو كتاب قيّم في خاتمته وله مصنفات عديدة منها (فتح
الباري في شرح صحيح البخاري) كما في التاج المكلل لصدّيق حسن خان (١) .

٣ـشمس الدين البرماوي الشافعي المتوفى سنة ٨٣١ ه‍ في شرحه اللامع
الصبيح.

٤ـمحمود بن أحمد الحنفي العيني المتوفى سنة ٨٥٥ ه‍ له عمدة القارئ
في شرح صحيح البخاري وهو كتاب مطبوع متداول.

٥ـشهاب الدين أبو الفضل أحمد ابن حجر الشافعي العسقلاني في فتح
الباري المتوفى سنة ٨٥٢ ه‍ وهو من خيرة شروح صحيح البخاري في نظري.

٦ـشهاب الدين أحمد بن أحمد الشرجي اليمني الحنفي سنة ٨٩٣ ه‍ في
كتابه التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح البخاري.

إلى غير هؤلاء.

_______________________

(١)التاج المكلل / ٤٦٧.

٣١٤

القرن العاشر :

١ـجلال الدين السيوطي المتوفى سنة ٩١١ ه‍ في الديباج على صحيح
مسلم بن الحجاج (١) .

٢ـشهاب الدين أحمد بن محمّد القسطلاني المتوفى سنة ٩٢٣ ه‍ في ارشاد
الساري في شرح صحيح البخاري (٢) .

إلى غير هؤلاء.

لماذا الإطالة مع الإسناد؟

لم تكن إطالة البحث عن الإسناد مجرّد صيغة أدبية ، وترف ولهو يرتاح
إليها الباحث في ثبوت الحدَث ، بل هي كصمّام أمان يقي الباحث من إصر
المسؤولية عن الأمانة الّتي يحملها ، فهو حين يذكر الإسناد برواته ومصادره يلقي
ـمعذوراًـبثقل المسؤولية على الرواة. وهو بقدر ما يبذله من تحقيق في التماس
حقيقة الواقع يدفع عنه ذلك الإصر.

لذلك كلّما قرب العهد بالحَدَث كان العناء أقل ، وكانت التبعة أخفّ لقصر
الإسناد أوّلاً ، وعدم أو قلة تدخّل الشيَع والأهواء في رجاله ثانياً. وتعدد الإسناد
كما يكون مدعاة لقوّة الإعتماد حيناً ما. كذلك يكون أيضاً مدعاة لزيادة العناء
أحياناً كثيرة. لكنه يبقى تعدد الإسناد في الروايات ، وتنوع مصادرها مادة غنيّة
للباحث يستجلي من خلاله واقع الحَدَث باطمئنان ، بشرط أن يكون موضوعياً
ودقيقاً في الملاحظة ، خصوصاً في مذاهب الرواة وميولهم ، ليميز الغثّ من
_______________________

(١)طبع أخيراً في دار ابن عفان ، الخُبَر ، السعودية سنة ١٤١٦ ه‍.

(٢)وهو كتاب مطبوع متداول.

٣١٥

السمين ، والتافه من الثمين ، وإن استوجب ذلك منه الأناة ، بل البطء في المسيرة.
حتى يتوصل إلى النتائج المرجوّة القريبة من تصوير واقع الحَدَث إن لم تكن
هي الواقع بعينه ، وعلى ضوء تلك النتائج سيعلم فلسفة كثير من الأحداث
التاريخية الّتي توالت بعد ذلك الحَدَث.

والآن هلمّ بنا لننظر إلى حديث الرزية كلّ الرزية ، هل يستحق منا أن نقف
عنده هكذا طويلاً ، ونقرأه ملياً ، ونستجلي فيه ما تضمّه الكلمات ، دون أسراف في
التفسير ، أو تحميل اللفظ ما لا يعنيه في التعبير؟ أو نمرّ عليه كحَدَث عابر ، حدث
في الغابر ، ورواه لنا الرواة ، وفيه أسراف وفيه مغالاة؟

لا أظن إنساناً واعياً لديه مسكة من دين ، وأثارة من علم يرضى بأن تمرّ
روايات هذا الحديث كما تمر روايات العابثين ، في أقاصيص الأغاني وحكايات
ألف ليلة وليلة ، وحتى تلكم فقد أوليت من العناية قدر ما تستحق.

وقفة عند الحديث :

لابدّ لنا من وقفة عند ذلك الحَدَث والحديث ، لأنّه كان بداية تحوّل في
تاريخ المسلمين ، أسهم صنّاعه في زرع الفتنة والشقاق ، فكان بمثابة رأس الحربة
في إعلان تمرّد من بعض المسلمين على الإسلام ونبيّه. ولا زالت الأمة تعاني من
آثار ذلك التمرد ، وتكتوي بناره ، وحتى في تمحيص أخباره.

فبدلاً من أن تكون سيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي المثلى يهتدي بها المسلمون ،
ولهم في سنّته قولاً وعملاً وتقريراً خير معين لكن بعضهم وللأسف تغلّبت
عليهم رواسب جُبلوا عليها ، ولم يقووا على التخلي عنها ، حتى كانوا يقولون

٣١٦

للرسول بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، كما جاء التنزيل مندّداً بهم ، ثمّ طغت تلك
الرواسب فصاروا يفصحون عنها حين يلقون إليه بقوارص الكلم.

فبدلاً من( أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) . فإذا هم
يردّون عليه بوقاحة ( وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا
لَّهُمْ
) (٢) .

والآن وقد سبق السيفُ العذَل ، فما هو حقيقة موقف أولئك السادة القادة ،
هل كان ما صدر منهم عفوياً؟ أم عن سابق عنادٍ وتدبير؟ أم كان حدثاً عابراً
فتزيّد فيه الرواة؟ أم كان عظيماً فلفّه الضَباب فلم يستبن منه إلّا وجهه الباهت؟
وذلك ما أجرى دموع ابن عباس حتى بلّ الحصباء.

ولكي نتلمس الإجابة الصحيحة على تلك التساؤلات (بنعم ، أو لا) لابدّ من
عرض شامل لمواقف فقهاء الحديث عن حَديث الرزية ، خاصة منهم علماء
التبرير ، بدقة في الأستقراء ، وأناة في الرويّة للمدارسة ، وبمنتهى التجرّد
والموضوعية ، وبالتالي نعرف الجواب (بنعم ، أو لا) فإنّ تلك اللفظتين
المختصرتين تقتضيان كثيراً من البحث والتفكير قبل الإجابة لتلمس الحقيقة
الثابتة الّتي لا لبس عليها ولا غبار ، وعلى ضوئها توزن القيم والأقدار.

فلنقرأ ما قاله العلماء في ذلك الحديث :


_______________________

(١)النور / ٥١.

(٢)النساء / ٤٦.

٣١٧

مع علماء التبرير وقراءة بين السطور :

أقض حديث الرزية مضاجع العلماء بدءاً منذ عهد الرواة ، وانتهاءاً
بأصحاب الصحاح والسنن وسائر المصنفات ، وإذا كان ابن عباس قال عنه الرزية
كلّ الرزية ، فإنّ كلمته تركت العلماء يخوضون كلّ مخاضة في سبيل تبرير ما
صدر من بعض الصحابة ، الّذين جعلوا لهم من الحصانة ما يرفعهم عن الإدانة ،
فنسج كلٌ على نوله بقوله : وأتى بما عنده مكابرةً بحَوله وطَوله.

ولابدّ لنا من وقفة مع أولئك الّذين أشتدوا مكابرة ومصادرة ليعرف القارئ
مبلغ جهاد ابن عباس ، وهو أشدّ الرواة أمراً ، وأكثرهم ذكراً لحديث الرزية ، نصرة
لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ينبغي به أن يعرف مَن هم أولئك النمط الّذين جاهدوه في
الطريق المعاكس ، فناصروا من عارض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو على حسابه برد أمره في
كتابه.

من هم علماء التبرير؟

أنّهم كثيرون جداً ، ولا يسع المقام استيفاء جميع ما قالوه ، لكنا سنختار
الواحد والاثنين نماذج من كلّ قرن ، بدءاً من القرن الرابع ثمّ القرون الّتي بعده
حتى القرن العاشر. ونترك الباقين وتركاضهم فهم من عاقلتهم ، وعلى شاكلتهم ،
وفي سابلتهم.

فمن القرن الرابع : أبو سليمان حمد بن محمّد بن إبراهيم الخطابي البستي
المتوفى سنة ٣٨٨ ه‍ وهو من ذرية زيد بن الخطابـفيما يزعمونـوزيد هذا
أخ لعمر بن الخطاب رجل المعارضة ولا تخفى حمية النسب في أقواله ، له

٣١٨

تصانيف منها اعلام السنن في شرح صحيح البخاري ، ومعالم السنن في شرح
سنن أبي داود وكتب أخرى.

ومن القرن الخامس : أبو محمّد عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري
الأندلسي المتوفى سنة ٤٥٦ ه‍ صاحب التصانيف الكثيرة كالمحلى والإحكام
والفصل في الملل والنحل ، ولسانه الجارح على حدّ سيف الحجاج كما وصفوه :
يقال أنّ جده يزيد كان من موالي يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي
وأيضاً : أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي الشافعي المتوفى سنة ٤٥٨ ه‍
صاحب السنن الثلاث ودلائل النبوة وغير ذلك.

ومن القرن السادس : محمّد بن عليّ بن عمر المالكي المازري المتوفى سنة
٥٣٦ ه‍ له عدة كتب منها المعلم بفوائد كتاب مسلم.

وأيضاً : القاضي عياض المالكي المتوفى سنة ٥٤٤ ه‍ مؤلف كتاب الشفاء
وغيره.

ومن القرن السابع : ابن الأثير الجزري المتوفى سنة ٦٠٦ ه‍ صاحب كتاب
النهاية في غريب الحديث وغيره.

وأيضاً : محي الدين النووي الشافعي المتوفى سنة ٦٧٧ ه‍ صاحب المنهاج
بشرح صحيح مسلم بن الحجاج وكتاب الأذكار والأربعين حديثاً وغيرها.

ومن القرن الثامن : ابن تيمية الحراني المتوفى سنة ٧٢٨ ه‍ محبوساً بقلعة
دمشق بأمر من علماء وحكام الوقت.

وأيضاً : إبراهيم بن موسى بن محمّد الغرناطي الشاطبي المتوفى سنة ٧٩٠ ه‍
له كتاب الإحكام والموافقات والإعتصام.

٣١٩

ومن القرن التاسع : شهاب الدين ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ ه‍ له
فتح الباري في شرح صحيح البخاري وغيره.

ومن القرن العاشر : شهاب الدين أحمد بن محمّد القسطلاني المتوفى
سنة ٩٢٣ ه‍ له إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري وغيره. وأخيراً من
القرون المتأخرة نذكر ما قاله الدهلوي واللاهوري ومن المعاصرين العقاد
والريّس.

ماذا قال علماء التبرير؟

أوّلاً : الخطابي

قال : إنّما ذهب عمر إلى أنّه لو نصّ بما يزيل الخلاف لبطلت فضيلة العلماء
وعدم الإجتهاد ، حكاه عنه ابن حجر في فتح الباري (١) .

وقال أيضاً : ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنّه توهم الغلط على رسول
الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أو ظن له غير ذلك ممّا لا يليق به بحال. لكنه لمّا
رأى ما غلب على رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم من الوجع وقرب الوفاة
مع ما أعتراه من الكرب ، خاف أن يكون ذلك القول ممّا يقوله المريض ممّا لا
عزيمة له فيه ، فتجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين.

كذا حكاه النووي عنه في شرح صحيح مسلم(٢) ، وحكاه بلفظ آخر
وتفاوت يسير في فتح الباري (٣) ، فراجع.

_______________________

(١)فتح الباري ١ / ٢١٩ ط مصطفى البابي الحلبي سنة ١٣٧٨ ه‍.

(٢)شرح صحيح مسلم للنووي ١١ / ٩١ ط مصطفى الحلبي.

(٣)فتح الباري ٩ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

٣٢٠

مع الخطابي :

من المؤسف حقاً تضييع الوقت في رد مزاعمه في الدفاع عن عمه. وما
ذكره من الاحتمالات الواهية فهي على عروشها خاوية. فما ذكره أولا من أن لو
نص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يزيل الخلاف يبطل فضيلة العلماء ويعدم الاجتهاد ، فليته
أوضح مراده من فائدة بقاء الخلاف؟ وما قيمة فضيلة العلماء إذا هي لم ترفع
الخلاف من بين الأمة؟

وليته استدل لنا على ترجيح الاجتهاد على النص النبوي؟

ما باله يعتذر برمّه وطمّه ، ويجعل من منعه فضيلة تفوق أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ
الّذي لا ينطق عن الهوىـوالّذي يضمن لأمته عدم الضلالة أبداً. فهل بعد هذا
أعظم فائدة وعائدة؟

ما أدري بماذا يجيب الخطابي وأنصاره عن المسائل الآتية :

1ـأليس كتاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يزيل الخلاف أولى بالأعتبار من عدمه وبقاء
الخلاف بين الأمة يخوضون في الجهالة وحيرة الضلالة؟

ماذا يبتغي الخطابي وابن الخطاب من بقاء فضيلة العلماء؟ أليس فضيلتهم
لهداية الأمة؟ فإذا كان كذلك فكتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغني وهو أولى بالأتباع فلماذا منع
منه عمر؟

ثمّ هل كان الخطابي يرى في عمه أنّه أعلم من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يصلح الأمة؟
ولا أظن مسلماً يقول بذلك ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أمر بالكتاب هل كان يعلم بذهاب
فضيلة العلماء أوّلاً؟ والثاني باطل ومستلزم للكفر ، وعلى الأوّل فلابدّ من علمه

٣٢١

برجحان مصلحة الكتابة على فضيلة العلماء دون العكس ، لأنّه يستلزم أمر
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمرجوح وترك الراجح ، وهذا ممنوع من النبيّ لعصمته وتسديده
بالوحي وطلبه الأصلح للأمة.

ثمّ هل كان أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند نفسه أو من عند ربّه ، والأوّل مدفوع
بقوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ) (1) ، والثاني مسموع لقوله تعالى :( إِنْ هُوَ إِلَّا
وَحْيٌ يُوحَىٰ
) (2) ، و( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ ) (3) ، و( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا
يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي
) (4) .

وبعد هذا كلّه لو سلّمنا جدلاً أنّ الخطابي علم بمراد عمه عمر من منعه
كتاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه يلغي فضيلة العلماء ويعدم الاجتهاد ، فمن أين له أنّ
كتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوف يشمل جميع الحوادث والأحكام. لأنّ نص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على
شيء أو أشياء مخصوصة لا يبطل فضيلة العلماء ولا يعدم الاجتهاد ، لأنّ
الحوادث لا يمكن حصرها ، فليعدم الاجتهاد فيما نص عليه خاصة ، ويبقى
لأجتهادهم سائر المجالات الأخرى. وبهذا كان تعقّب ابن الجوزي
للخطابي فيما حكاه عنه ابن حجر حيث قال : وتعقبه ابن الجوزي : بأنّه لو
نص على شيء وأشياء لم يبطل الإجتهاد ، لأنّ الحوادث لا يمكن حصرها.

هذا كلّه فيما ذكره أوّلاً.

وأمّا ما ذكره ثانياً :

_______________________

(1)النجم / 3.

(2)النجم / 4.

(3)الكهف / 110 ، فصلت / 41.

(4)الأعراف / 203.

٣٢٢

1ـلماذا لا يجوز أن يحمل قول عمر على أنّه توهم الغلط الخ.؟ وقوله
هَجَر أهجر ، يهجر إلى غير ذلك من ألفاظ الهجر الّتي فاه بها عمر ، كلّها أو بعضها
تدل على أنّ مراده ذلك.

2ـوما المراد من قوله : « لمّا رأى ما غلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »؟ فهل مراده أنّ
الوجع غلب عليه حتى سلبه اختيارهـوالعياذ باللهـفان كان ذلك فهذا ما فرّ منه
واعتذر عنه لكنه وقع فيه. وإن أراد غلبته على جسمه كاصفراره ونحو ذلك ممّا
يورثه المرض في بدن صاحبه ، فليس في ذلك شيء يخشى منه ممّا خاف منه
الخطابي وعمّه. وليس ذلك بمانع من إجراء أيّ حكم من الاحكام ، والّذي يبدو
لي أنّ مراد الخطابي هو الأوّل وشاهد ذلك قوله : « خاف أن يكون ذلك القول
ممّا يقوله المريض ممّا لا عزيمة له فيه » وهل معنى (ما لا عزيمة له فيه) سوى
الهجر والهذيان ويعني صدور ما لم يرد فعله ويعزم عليه. هذا هو المعنى الحرفي
والعرفي للعزيمة ، وهو نفس المعنى اللغوي الّذي يعني لم تكن له الإرادة
المؤكدة المتقدمة لتوطين النفس على ما يرى فعله أو الجد في الأمر. وهذا
الوجه يدفعه ظاهر الأمر في الإلزام ، وما أمره باحضار الدواة والكتف إلّا كسائر
أوامره الوجوبية ، خصوصاً بعد بيان النفع المترتب عليه ، وهو عصمة الأمة من
الضلالة إلى الأبد.

3ـما معنى قوله : « فيجد المنافقون بذلك سبيلاً الخ » إذ ليس الموجب
لكلام المنافقين هو قرب الوفاة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا ما أعتراه من الكرب كما يقول
الخطابي ، بل إن حال المنافقين كانت معلومة لديه أيام حياته ، ومعرفته بالكثير
منهم وقد نزل القرآن في التحذير منهم. وقد آذوه يوم رجع من غزاة تبوك

٣٢٣

فآذوه في نفسه وآذوه في أهله ، وتقاعدوا عنه ، وتقاعسوا متخاذلين ومخذلين
كلما أراد الغزو. فهل كان يومئذ قرب وفاة؟ وهل كان مرض؟ أو هل كان
اعتراه كرب؟

4ـولو سلمنا أنّ المنافقين كانوا يجدون سبيلاً ، فمن أين للخطابي وأضرابه
إثبات علم عمر بذلك ، وإذا قالوا أدركه بفطنته ففي بقية الصحابة الحاضرين
يومئذ من فاقه فطنة وعلماً وحكماً وفهماً ، لماذا يدرك أولئك ما أدركه عمر؟ فإن
هم سكتوا لعلمهم أنّه ليس لهم حقّ الاعتراض فكان على عمر مثل ذلك.

5ـثمّ يا ترى ما هو موقف الخطابي من اعتراف عمر بمراده ، وهو يدفع ما
قاله هو وغيره من علماء التبرير فانتظر ، وسنوافيك به ، حينئذٍ ستجده يعترف بأنّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما أراد عليّاً للأمر فمنعه هو من ذلك.

ثانياً : ابن حزم الظاهري

ذكر ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام في جملة كلامه في
إبطال القياس في احكام الدين قارب في بعضه وسدّد ، وشذّ في بعضه وأبعد ،
ومهما يكن فقد ذكر حديث الرزية وعقبه بقوله : « هذه زلة العالم الّتي حذّر منها
الناس قديماً ، وقد كان في سابق علم الله تعالى أن يكون بيننا الاختلاف ، وتضل
طائفة وتهتدي بهدى الله أخرى ، فلذلك نطق عمر ومن وافقه بما نطقوا به ، ممّا
كان سبباً إلى حرمان الخير بالكتاب الّذي لو كتبه لم يُضل بعده. ولم يزل أمر
هذا الحديث مهماً لنا ، وشجىً في نفوسنا ، وغصة نتألم لها وكنا على يقين من أنّ
الله تعالى لا يدع الكتاب الّذي أراد نبيه صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أن يكتبه فلن

٣٢٤

يضل من بعده دون بيان ، فيحياـكذاـمن حي عن بيّنة ، إلى أن منّ الله تعالى
بأن أوجدناه فأنجلت الكربة ، والله المحمود.

وهو ما حدّثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن
عيسى ثنا أحمد بن محمّد ثنا أحمد بن عليّ ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد الله بن
سعيد ثنا يزيد بن هرون ثنا إبراهيم بن سعد ثنا صالح بن كيسان عن الزهري عن
عروة عن عائشة قالت : « قال لي رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم في مرضه :
ادعي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتاباً ، فإني أخاف أنّ يتمنى متمنٍ ويقول قائل :
أنا أولى ، ويأبى الله والنبيّون إلّا أبا بكر ».

قال أبو محمّدـهو ابن حزمـهكذا في كتابي عن عبد الله بن يوسف ،
وفي أم أخرى (ويأبى الله والمؤمنون).

وهكذا حدّثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمّد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا
عبد الرحمن بن محمّد بن سلام الطرطوسي ثنا يزيد بن هارونـإلى آخر السند
المتقدمـبمثله وفيه : « إنّ ذلك كان في اليوم الّذي بدئ فيه عليه‌السلام بوجعه الّذي
مات فيه » بأبي هو وأمي.

قال أبو محمّدـهو ابن حزمـفعلمنا انّ الكتاب المراد يوم الخميس قبل
موته صلّى الله عليه(وآله)وسلّم بأربعة أيامـكما روينا عن ابن عباس يوم قال
عمر ما ذكرناـإنّما كان في معنى الكتاب الّذي أراد عليه‌السلام أن يكتبه في أوّل
مرضه قبل يوم الخميس المذكور بسبع ليال ، لأنّه عليه‌السلام ابتدأه وجعه يوم
الخميس في بيت ميمونة أم المؤمنين ، وأراد الكتاب الّذي قال فيه عمر ما قال
يوم الخميس بعد أن أشتد به المرض ، ومات عليه‌السلام يوم الاثنين ، وكانت مدّة

٣٢٥

علته صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أثنى عشر يوماً ، فصح أنّ ذلك الكتاب كان في
استخلاف أبي بكر لئلا يقع ضلال في الأمة بعده عليه‌السلام .

فإنّ ذكر ذاكر معنى ما روي عن عائشة إذ سئلت من كان رسول الله
مستخلفاً لو أستخلف؟ فإنّما معناه : لو كتب الكتاب في ذلك » (1) .

أقول : إلى هنا انتهت الحاجة من نقل كلامه الطويل العريض الّذي نفى
فيه تقديم أبي بكر للخلافة قياساً على تقديمه للصلاةـكما يروي القياسيونـ
وقالوا به. حتى قال : فيأبى الله ذلك ، وما قاله أحد قط يومئذ ، وانما تشبث بهذا
القول الساقط المتأخرون من أصحاب القياس ، الّذين لا يبالون بما نصروا به
أقوالهم ، مع أنّه أيضاً في القياس فاسدـلو كان القياس حقاًـلما بينا قبل ،
ولأن الخلافة ليست علتها علة الصلاة ، لأن الصلاة جائز أن يليها العربي
والمولى والعبد والّذي لا يحسن سياسة الجيوش والأموال والأحكام والسير
الفاصلة.

وأمّا الخلافة فلا يجوز أن يتولاها إلّا قرشي صليبة عالم بالسياسة
ووجوهها ، وإن لم يكن محكماً للقراءة(؟)وإنّما الصلاة تبع للإمامة ، وليست
الإمامة تبعاً للصلاة فكيف يجوز عند أحد من أصحاب القياس أن تقاس
الإمامة الّتي هي أصل على الصلاة الّتي هي فرع من فروع الإمامة؟ هذا ما لا
يجوز عند أحد من القائلين بالقياس.

وسيأتي عن ابن حزم أيضاً مثل ما تقدم من الكلام ، وهناك يحاول اثباته
بالقسم والأيمان وهذا من الطرافة بمكان.

_______________________

(1)الإحكام في اُصول الأحكام 7 / 122 ط السعادة بمصر.

٣٢٦

وقفة مع ابن حزم :

من المضحكـوشر البلية ما يضحكـأن يكون مثل ابن حزم المتحرر
من كثير الرواسب المقيتة عند قومه ، وهو ينعى عليهم التقليد ، ويعترف صريحاً
بما هو الصحيح في أنّ قول عمر إنّما هو زلة العالم الّتي حُذّر الناس منها قديماً ،
ثمّ هو يكبو كبوة يقع فيها لوجهه حين يحسب أنّه زالت عنه دياجي الظلماء أن
كشف له الغطاء بوجدانه حديث عائشة المزعوم ، ولقد أغرب كثيراً حين زعم
أنّ ذلك نص على خلافة أبي بكر ، فقد قال في كتابه الفِصَل : « فهذا نص جليّ
على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده » (1) . وكأنّه نسي
أو تناسى بأنّ أبا بكر وقومه ، ومن أتى بعده كلّهم لم يقولوا بالنص في أمر
الخلافة ، وإنّما قالوا بالاختيار ، وما دعاهم إلى ذلك إلّا الإضطرار ، حيث لا نص
ثابت عندهم.

وربما يفاجأ القارئ إذا وجد ابن حزم في كتابه جوامع السيرة يدين عملية
المنع من إحضار الدواة والكتف فيقول : « فلمّا كان يوم الخميسـقبل موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
بأربع ليالِـاجتمع عنده جمع من الصحابة فقال عليه‌السلام : (أئتوني بكتف ودواة
أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي) ، فقال عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه كلمة أراد بها
الخير ، فكانت سبباً لإمتناعه من ذلك الكتاب فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غلب
عليه الوجع ، وعندنا كتاب الله ، وحسبنا كتاب الله. وساعده قوم حتى قالوا : أهجر
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال آخرون : أجيبوا بالكتف والدواة يكتب لكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
كتاباً لا تضلون بعده ، فساء ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمرهم بالخروج من عنده؟
فالرزية كلّ الرزية ما حال بينه وبين ذلك الكتاب ، إلّا أنّه لا شك لو كان من
_______________________

(1)الفِصَل 4 / 108.

٣٢٧

واجبات الدين ولوازم الشريعة لم يثنه عنه كلام عمر ولا غيره ا ه‍ ». هذا ما
ذكره ابن حزم في جوامع السيرة (1) ، ومرّ عنه ما ذكره في كتابيه الأحكام والفصل
فبأيّهما يأخذ القارئ؟ وأيهما هو الصحيح؟ وهل ذلك منه إلّا استغفال لعقول
الناس!؟ فالحديث الّذي زعم أنّه وجده فانجلت به الكربة فكأنّه عمي أو تعامى
أنّ الحديث صورة ممسوخة لحديث الرزية ، وليته كان كحديث الرزية في
تظافر نقله لتتكافأ الكفتان ، وينظر عند التعارض لأيهما الرجحان ، وليختر هو
معنى ذلك المزعوم ، ثمّ كيف يخفى هذا على مَن سبقه ممّن خرّج الحديثين مثل
مسلم وغيره؟ وسيأتي الكلام في ذلك مفصّلاً عند حديثنا عن عملية التزوير
والمسخ ، وسيقف القارئ على قول ابن أبي الحديد المعتزلي وضعوهـالبكريةـ
في مقابلة الحديث المروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه : (إئتوني بدواة وبياض أكتب لكم
ما لا تضلون بعده أبداً) ، فاختلفوا عنده وقال قوم منهم : لقد غلبه الوجع حسبنا
كتاب الله ، وسيعود ابن حزم مرة أخرى إلى الحديث المزعوم يحاول اثباته
بالأيمان؟

ويكفي في تزييفه أنّه لم يظهر يوم السقيفة حين كان أبو بكر أحوج إليه
من كلّ ما احتج به ، فأين كانت عائشة عن رواية ذلك؟ ولماذا لم تناصر أباها به
في أحرج وقت كان محتاجاً لنصرتها بمثله؟

مضافاً إلى ما سيأتي من كشف حال رجاله فانتظر.

ثالثاً : البيهقي

في أواخر كتابه دلائل النبوة بعد ذكره لحديث الرزية بأسانيده إلى عليّ
ابن المديني والحسن بن محمّد الزعفراني عن سفيان بن عيينة عن سليمان عن
_______________________

(1)جوامع السيرة / 263.

٣٢٨

سعيد بن جبير قال قال ابن عباس : « يوم الخميس وذكر الحديث إلى قوله
وسكت عن الثالثة أو قالها فنسيتها » ثمّ قال البيهقي : هذا لفظ حديث عليّ بن
المديني وهو أتم ، زاد عليّ قال سفيان : إنّما زعموا أراد أن يكتب فيها استخلاف
أبي بكر. ثمّ قال البيهقي رواه البخاري ومسلم في الصحيح (1) ثمّ ذكر الحديث
بسند آخر وصورة ثانية وفيه قالـابن عباسـ: « لمّا حُضر رسول الله صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
(هلموا أكتب لكم لن تضلوا بعده أبداً) فقال عمر : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غلب
عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا
فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله ومنهم يقول ما قال عمر فلمّا أكثروا
اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قوموا).

قال عبد الله فكان ابن عباس يقول : انّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم ». ثمّ
ذكر رواية البخاري له في الصحيح عن عليّ بن المديني وغيره. ورواية
مسلم عن محمّد بن رافع وغيره عن عبد الرزاق. ثمّ قال : وإنّما قصد عمر بن
الخطاب بما قال التخفيف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رآه قد غلب عليه الوجع ،
ولو كان ما يريد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب لهم شيئاً مفروضاً لا يستغنون عنه لم
يتركهم لاختلافهم ولغطهم لقوله تعالى : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) (2) كما لم
يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه ، وإنّما أراد ما حكى
سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أن يكتب استخلاف أبي بكر ثمّ ترك
_______________________

(1)دلائل النبوة 7 / 181 ـ 182 ط بيروت بتحقيق د عبد المعطي قلعجي.

(2)المائدة / 67.

٣٢٩

كتبته أعتماداً على ما علم من تقدير الله تعالى ذلك ، كما همّ به في ابتداء
مرضه حين قال : وارأساه ، ثمّ بدا له أن لا يكتب وقال : يأبى الله والمؤمنون
إلّا أبا بكر ، ثمّ نبّه أمته على خلافته باستخلافه اياه في الصلاة حين عجز عن
حضورها إلى آخر ما قال (1) ، وكله من الدفع بالصدر.

وقد روى نفسه في سننه الكبرى في كتابة العلم في الصحف ، حديث
جابر : « انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا بصحيفة في مرضه ليكتب فيها كتاباً لأمته لا يَضلون
بعده ولا يُضِلون ، وكان في البيت لغط وتكلم عمر فتركه » (2) . وهذا الّذي رواه
بتر من آخره ما يدين عمر ، ثمّ ذكر بعده في كتابة العلم في الألواح والأكتاف
بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : « يوم الخميس وما يوم الخميس
قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إئتوني باللوح والدواة والكتف والدواة لأكتب لكم كتاباً لا
تضلوا بعده أبداً) قالوا : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهجر »(3) .

مع البيهقي في دعاواه :

وتتلخص دعاواه في الأمور التالية :

1ـزعمه أنّ حديث عليّ بن المديني أتم لأنّه زاد قول سفيان إنّما زعموا
أراد أن يكتب فيها استخلاف أبي بكر.

2 ـ زعمه أنّ قصد عمر هو التخفيف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال الّذي قال.

3 ـ زعمه أّنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب لهم ما هم مستغنون عنه.

_______________________

(1)دلائل النبوة 7 / 183.

(2)السنن الكبرى 3 / 435 ط بيروت سنة 1411 ه‍.

(3)نفس المصدر.

٣٣٠

4 ـ زعمه بل كذبه على سفيان في حكايته قوله.

5ـزعمه تنبيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمته على خلافة أبي بكر استخلافه إياه في
الصلاة.

أمّا زعمه الأوّل أنّ حديث عليّ بن المديني أتم وقال : زاد عليّ قال سفيان :
إنّما زعموا الخ فهذا كذب وهراء ومحض أفتراء ، فحديث سفيان لقد رواه عنه
خمسة عشر إنساناً كما مرّ في الصورة التاسعة ، وكلهم من الحفاظ وأئمة
الحديث ، وكان عليّ بن المديني واحداً منهم. وحديثه لم يقتصر على رواية
البيهقي بأسانيده فقط ، بل رواه عنه البخاري أيضاً وليس فيه هذه الزيادة (1) ،
كما لم ترد في أحاديث الرواة الآخرين عن سفيان فمن أين ألصق البيهقي
بابن المديني هذه الزيادة؟

وأمّا زعمه الثاني أنّ عمر قصد التخفيف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فينفيه ما
سيأتي عن عمر نفسه من بيان قصده في منعه ، ولو سلمنا جدلاً ، فهل أنّ عمر
كان أبصر بنفس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه بنفسه؟

وأمّا زعمه الثالث أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب لأمته ما هم مستغنون ،
مدفوع للحكمة الّتي بيّنها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتابة ذلك الكتاب وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
(لن تضلوا بعده أبداً) فإنّ ذلك يدل على أحتياجهم إلى عاصم يعصمهم من
الضلالة إلى الأبد ، وليس من تأمين على السلامة والصيانة لهم غير كتابة
ذلك.

ولو سلّمنا جدلاًـولا نسلّمـصواب قول البيهقي أراد أن يكتب لهم
ما هم مستغنون عنه ، فيلزم منه أن ينسب القائل بذلك إلى مقام الرسالة ما لا
_______________________

(1)أنظر صحيح البخاري / 6 و 9.

٣٣١

يليق بها من العبث ، حيث أنّ ذلك الكتاب لا يزيدهم فائدة ولا يعود عليهم
بعائدة ، وهو منافٍ للعصمة عند من يقول بها ، ومناف للحكمة عند من لا
يقول بها.

وأمّا ما استدل به على مقالته فهو مردود بعد أن انتفت الفائدة المتوخاة
والّتي كان يعلمها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث فتح عمر باباً واسعاً للطعن فيما يكتبه ، ويدل
على ذلك ما جاء في بعض صور الحديث ممّا رواه ابن سعد وغيره وفيه :
فقال بعض من كان عنده انّ نبيّ الله ليهجر قال فقيل له ألا نأتيك بما طلبت؟ قال : أو
بعد ماذا؟ قال : فلم يدع به (1) .

وأمّا زعمه الرابع أنّ سفيان حكى عن أهل العلم قبله. فهذا كذب على سفيان ،
وما روي عن سفيان على اختلاف صور نسخه الخمس عشرة حسب عدد الرواة عنه
فلم يأت في واحدة منها انّ سفيان حكى ذلك عن أهل العلم قبله. وإنّما الوحيد الّذي
روى ذلك عنه فيما أعلمـهو البيهقيـومهما يكن فان الّذي حاول اثباته من الكتابة
باستخلاف أبي بكر فقد مرّ الجواب عنه في رد ابن حزم فراجع.

وأمّا زعمه الخامس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبّه أمته على خلافة أبي بكر باستخلافه إياه في
الصلاة فيكفي في دحض ما زعمه ما قاله ابن حزم في كتابه الإحكام آنفاًـوقد مرّ
نقل ذلك عنه قبل هذا فراجعـمضافاً إلى قوله : واحتجوا باجماع الأمة على تقديم أبي
بكر إلى الخلافة ، وان ذلك قياس على تقديم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له إلى الصلاة وهذا من
الباطل الّذي لا يحل ، ولو لم يكن في تقديم أبي بكر حجة إلّا انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدّمه
إلى الصلاة لما كان أبو بكر أولى بالخلافة من عليّ. لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استخلف
_______________________

(1)أنظر الصورة الحادية عشرة من صور الحديث.

٣٣٢

عليّاً على المدينة في غزوة تبوك وهي آخر غزواتهعليه‌السلام فقياس الاستخلاف على
الاستخلاف اللذين يدخل فيهما الصلاة والأحكام أولى من قياس الأستخلاف على
الصلاة وحدها إلى آخر ماذكره من مناقشة (1) .

رابعاً : المازري

قال : إنّما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم
بذلك ، لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب ، فكأنه ظهرت منه قرينة دلت
على أنّ الأمر ليس على التحتم بل على الإختيار ، فاختلف اجتهادهم ، وصمم
عمر على الإمتناع لمّا قام عنده من القرائن بأنه صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
قال ذلك عن غير قصد جازم ، فظهر ذلك لعمر دون غيره.

هكذا حكاه النووي في شرح صحيح مسلم ، وابن حجر في فتح الباري ،
والقسطلاني في المواهب اللدنية ، والبدر العيني في عمدة القارئ (2) ، وغيرهم.

مع المازري :

يتلخص إعتذار المازري في النقاط التالية :

1ـاختلاف الصحابة في امتثال أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما كان لأنّ الأمر ليس على
التحتم بل على الإختيار.

2ـتصميم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك عن
غير قصد جازم.

_______________________

(1)أُنظر كتابه الإحكام 7 / 119 ـ 120.

(2)شرح صحيح مسلم 11 / 91 ، فتح الباري 9 / 198 ، المواهب اللدنية 2 / 367 ، عمدة القارئ
2 / 171.

٣٣٣

3 ـ ظهور ذلك لعمر دون غيره؟

وبين النقطة الأولى والنقطة الثالثة نحو تضاد ، إذ أنّ عمر هو الّذي ظهر له
أنّ الأمر عن غير قصد جازم ، وهذا مختص به دون غيره كما يزعم المازري ،
ويعني ذلك أنّه خفي على الآخرين ، وإذا كانوا كذلك فما بالهم يختلفون في
امتثال الأمر ما دام لم يظهر لهم ما ظهر لعمر دون غيره ، ثمّ إنّ قول المازري :
« عن غير قصد جازم » يعني ترك الباب مفتوحاً أمام الصحابة فمن شاء أن يمتثل
امتثل ومن شاء تخلف ، لأنّ الأمر ليس على التحتم بل على الاختيار وهذا ما
أكده بقوله : « عن غير قصد جازم » والآن لنا أن نسائله.

1ـما معنى بيانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمصلحة الحكم الشرعي من أمره بقوله : (لا تضلون
بعدي أبداً). فلو كان على سبيل الإختيار فمن شاء فعل ومن شاء ترك ، لما ترتب
أمر العصمة من الضلالة لهم جميعاً ، بل كان يختص ذلك بمن امتثل ويحرم منه
من خالف ، ولما كان الخطاب للجميع فلابدّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توخى هداية الجميع وبذلك
تتم فائدة العصمة من الضلالة وإلّا فلا.

2ـما معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر الحديث : (قوموا عني) ، وذلك يعني طردهم
عنه ولو كان أمره الأوّل عن غير قصد جازم وليس على التحتم ، بل على الإختيار
لما كان لطردهم عنه معنى ، وان تنطّع متنطع فقال : « انّ طردهم عنه إنّما كان بعد
تنازعهم ولغطهم فتأذى بذلك فقال : (قوموا عني) ». وهذا لا يدل على الوجوب
في الامتثال. هنا نقول له انّ ذلك النزاع هو وحده كاف في الدلالة على لزوم
الأمر ، وإلّا لو كان الأمر اختيارياً لما حدث النزاع ولما أستلزم الطرد.

٣٣٤

3ـما معنى قول عمر : « حسبنا كتاب الله »؟ أليس يدل على فهمه أمر
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان للوجوب فأراد دفع من يقوم بالامتثال عنه ، وإسقاط حجة قول
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكلية. ولو لم يكن فهم لزوم الأمتثال لما أحتاج إلى قوله : « حسبنا
كتاب الله ».

4ـما معنى بكاء حبر الأمة عبد الله بن عباسرضي‌الله‌عنه وقوله : « الرزية كلّ الرزية
ما حال بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين كتابة الكتاب »؟ أليس يدل ذلك على فوات أمر
عظيم وخطير ، وله أثر كبير في حياة الأمة فاستدعى فواته ذلك البكاء حتى يبلّ
دمعه الحصى. ولو كان الفائت أمراً أختيارياً لما لزم ذلك البكاء؟ ولما لزم
التعبير عنه ب‍ (الرزية كلّ الرزية) ولعيب عليه ذلك التوجع والتفجع ، فكم
هناك من أمور مندوبة وأحكام مستحبة تركها الناس في أيامه ، بل وحتى
تغيير بعض الفرائض فلم ينعها ولم يذكر عنه أنّه بكى لها ، ولم ينقل التاريخ
عنه أنّه عبّر عن فوت واجب آخر بأنه رزية فضلاً عن المندوب.

5ـوأخيراً من أين للمازري اثبات فهم عمر دون غيره بأن أمر
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عن غير قصد جازم ، وهذا لا يعلم إلّا من قبل عمر نفسه ، ولم
يرد عنه في ذلك شيء.

ثمّ إنّ ما ذهب إليه المازري لم يتابعه عليه أحد يعتد بهـفيما أعلمـ
إلّا رجل واحد من المتأخرين هو السيد عبد الرحيم الطهطاوي (1) .

أمّا باقي أعلام قومه كالقاضي عياض والقرطبي وابن حجر وغيرهم
فقد ذهبوا إلى عكس ما قاله المازري وقالوا بان عمر فهم الوجوب ، وإنّما
_______________________

(1)اُنظر كتابه هداية الباري 1 / 8.

٣٣٥

قال الّذي قاله إنكاراً على من تخلف عن الإمتثال ، وستأتي مقالاتهم التافهة
وما أسسوه من مقدمات لنتائجهم المردودة وقياساتهم الباطلة ..

خامساً : القاضي عياض

قال : في كتاب الشفاء : فصل : فإن قلت قد تقررت عصمته صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم في أقواله في جميع أحواله وأنّه لا يصح منه فيها خُلفٌ ولا
اضطراب في عمد ولا سهو ولا صحة ولا مرض ولا جدّ ولا مزح ولا رضىً ولا
غضب ، ولكن ما معنى الحديث في وصيته صلّى الله عليه(وآله)وسلّم ...

ثمّ ذكر حديث الكتف والدواة بسنده إلى قوله : فقال بعضهم : انّ رسول الله
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم قد غلبه الوجع الحديث.

ثمّ قال : وفي رواية : (إئتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً) فتنازعوا
فقالوا : ماله أهجر استفهموه فقال : (دعوني فإنّ الّذي أنا فيه خير).

وفي بعض طرقه : إنّ النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم : يَهجَر.

وفي رواية هجر ، ويُروى : أهُجراً. وفيه فقال عمر : إنّ النبيّ صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم قد اشتد به الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا ، وكثر اللغط فقال :
(قوموا عني).

وفي رواية : واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب
لكم رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم كتاباً ، ومنهم من يقول ما قال عمر.

قال أئمّتنا : في هذا الحديث النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم غير معصوم
من الأمراض وما يكون من عوارضها من شدة الوجع وغشي ونحوه ممّا يطرأ

٣٣٦

على جسمه ، معصوم أن يكون منه من القول أثناء ذلك ما يطعن في معجزته ،
ويؤدي إلى فساد في شريعته من هذيان واختلال كلام.

وعلى هذا لا يصح ظاهر رواية من روى في الحديث هَجَرَ إذ معناه هذي
يقال هَجَرَ هجراً إذا هذى وأهجر هجراً إذا أفحش وأهجر تعدية هَجَرَ ، وانما
الأصح والأولى أهَجَرَ على طريق الأنكار على من قال لا يكتب ، وهكذا روايتنا
فيه في صحيح البخاري من رواية جميع الرّوات في حديث الزهري المتقدم ،
وفي حديث محمّد بن سلام عن ابن عيينة ، وكذا ضبطه الأصيلي بخطه في كتابه
وغيره من هذا الطريق ، وكذا روينا عن مسلم في حديث سفيان وعن غيره ، وقد
تحمل عليه رواية من رواه هَجَرَ على حذف ألف الأستفهام ، والتقدير أهجر ، أو
أن يحمل قول القائل هجراً أو أهَجَرَ دهشةً من قائل ذلك وحيرة لعظيم ما شاهدا
من حال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشدة وجعه وهو المقام الّذي أختلف فيه عليه ، والأمر الّذي
همّ بالكتاب فيه حتى لم يضبط هذا القائل لفظه وأجرى الهُجر مجرى شدة
الوجع ، لا أنّه أعتقد أنّه يجوز عليه الهجر ، كما حملهم الاشفاق على حراسته والله
يقول : ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1) ونحو هذا ، وأمّا على رواية أهجُراً وهي
رواية أبي إسحاق المستملي في الصحيح في حديث ابن جبير عن ابن عباس من
رواية قتيبة فقد يكون هذا راجعاً إلى المختلفين عنده صلّى الله عليه(وآله)
وسلّم ومخاطبةً لهم من بعضهم أي جئتم باختلافكم على رسول الله صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم وبين يديه هجراً ومنكراً من القول ، والهُجر بضم الهاء الفَحش
في المنطق.

_______________________

(1)المائدة / 67.

٣٣٧

وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث وكيف أختلفوا بعد أمره لهم
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أن يأتوه بالكتاب فقال بعضهم : أوامر النبيّ صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم يفهم أيجابها من ندبها من اباحتها بقرائن فلعل قد ظهر من
قرائن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعضهم ما فهموا أنّه لم تكن منه عزمة ، بل أمر ردّه إلى اختيارهم ،
وبعضهم لم يفهم ذلك فقال : أستفهموه ، فلمّا أختلفوا كفّ عنه إذ لم يكن عزمة
ولمّا رأوه من صواب رأي عمر.

ثمّ هؤلاء قالوا ويكون أمتناع عمر إمّا أشفاقاً على النبيّ صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم من تكليفه في تلك الحال إملاء الكتاب وأن تدخل عليه مشقة من
ذلك كما قال إنّ النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أشتد به الوجع.

وقيل : خشي عمر أن يكتب أموراً يعجزون عنها فيحصلون في الحرج
بالمخالفة ورأى أنّ الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد وحكم النظر
وطلب الصواب ، فيكون المصيب والمخطيء مأجوراً.

وقد علم عمر تقرّر الشرع وتأسيس الملة وان الله تعالى قال :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ
) (1) وقوله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم : (أوصيكم بكتاب الله
وعترتي). وقول عمر : حسبنا كتاب الله ، ردٌ على من نازعه لا على أمر النبيّ صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم.

وقد قيل : إنّ عمر خشي تطرّق المنافقين ومَن في قلبه مرض ما كتب في
ذلك الكتاب في الخلوة وأن يتقولوا في ذلك الأقاويل ، كادعاء الرافضة الوصية
وغير ذلك.

_______________________

(1)المائدة / 3.

٣٣٨

وقيل : إنّه كان من النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم لهم على طريق
المشورة والإختبار هل يتفقون على ذلك أم يختلفون فلمّا أختلفوا تركه.

وقالت طائفة أخرى : إن معنى الحديث انّ النبيّ صلّى الله عليه(وآله)
وسلّم كان مجيباً في هذا الكتاب لما طُلب منه ، لا أنّه ابتداء بالأمر ، بل اقتضاه منه
بعض أصحابه فأجاب رغبتهم وكره ذلك غيرهم للعلل الّتي ذكرناها.

واستدل في هذه القصة بقول العباس لعليّ : انطلق بنا إلى رسول الله
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم فإن كان الأمر فينا علمناه ، وكراهة عليّ هذا ،
وقوله : والله لا أفعل... الحديث.

واستدل بقوله : (دعوني فإنّ الّذي أنا فيه). أي الّذي أنا فيه خير من
ارسال الأمر وترككم وكتاب الله وأن تدعوني ممّا طلبتم ، وذكر أنّ الّذي
طلب كتابة أمر الخلافة بعده وتعيين ذلك (1) .

أقول : هذا كلّ ما ذكره في هذا الفصل من كتابه الشفاء وليس فيه من
النافع إلّا شفىـالقليلـإذ هو إمّا تكرار للسابقين أو تلفيق المتخرصين.
ولابدّ لنا من محاسبته على بعض ما ذكره ممّا لم يُسبق إليه من وجوه
الأحتمالات والتمحلات وإنّما نقلناه بطوله لأن جماعة ممّن على شاكلته
تبعه على رأيه فإنهم بين من نقل جميع كلامه كما صنع النويري في نهاية
الإرب (2) ، ومنهم من لخصه كالقرطبي ولخص من تلخيصه ابن حجر في فتح
الباري (3) كما سيأتي تلخيصه.

_______________________

(1)أنظر الشفاء 2 / 185 ـ 186 ط اسلامبول سنة 1304 ه‍.

(2)نهاية الإرب 18 / 373 ـ 378.

(3)أنظر فتح الباري الجزء التاسع.

٣٣٩

مع القاضي عياض :

لقد كانت غاية محاولة القاضي هي تبرير ما صدر من عمر بن الخطاب في
ذلك اليوم التعيس ، يوم الخميس ، ولكنها محاولة بائسة ويائسة. فهو استعرض :

أوّلاً : تحقيق الصيغة اللفظية الّتي كانت سبب الإختلاف ، ثمّ التشكيك في
تعيين قائلها وذلك من خلال ما ذكره من سياق الروايات المختلفة. حتى أنهاها
إلى ثماني روايات كما يلي :

1 ـ فقال بعضهم : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غلبه الوجع.

2 ـ وفي رواية : فتنازعوا فقالوا ما له أهجر أستفهموه.

3ـوفي بعض طرقه : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يَهجَرُـ(بفتحتين هكذا في النسخة
المُعربة المطبوعة باسلامبول سنة 1304 ه‍) ـ.

4 ـ وفي رواية : هَجَر.

5 ـ ويروى : أهَجرٌ.

6 ـ ويروى : أهُجراً.

7ـوفيه فقال عمر : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أشتد به الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا
وكثر اللغط.

8ـوفي رواية : واختلف أهل البيت وأختصموا فمنهم من يقول قرّبوا
يكتب لكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاباً ، ومنهم من يقول ما قال عمر.

أقول : وهذه الروايات الّتي أشار إليها تترك القارئ في حيرة من أمر
القاضي ، وكأنه يحاول التعتيم على الحقيقة ، فيعرض لها دون بيان الصحيح منها ،
فهو يترك القارئ في دروب من المتاهات.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487