موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

موسوعة عبد الله بن عبّاس8%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-501-5
الصفحات: 487

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 487 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159003 / تحميل: 6197
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٥٠١-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

مع الخطابي :

من المؤسف حقاً تضييع الوقت في رد مزاعمه في الدفاع عن عمه. وما
ذكره من الاحتمالات الواهية فهي على عروشها خاوية. فما ذكره أولا من أن لو
نص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يزيل الخلاف يبطل فضيلة العلماء ويعدم الاجتهاد ، فليته
أوضح مراده من فائدة بقاء الخلاف؟ وما قيمة فضيلة العلماء إذا هي لم ترفع
الخلاف من بين الأمة؟

وليته استدل لنا على ترجيح الاجتهاد على النص النبوي؟

ما باله يعتذر برمّه وطمّه ، ويجعل من منعه فضيلة تفوق أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ
الّذي لا ينطق عن الهوىـوالّذي يضمن لأمته عدم الضلالة أبداً. فهل بعد هذا
أعظم فائدة وعائدة؟

ما أدري بماذا يجيب الخطابي وأنصاره عن المسائل الآتية :

١ـأليس كتاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يزيل الخلاف أولى بالأعتبار من عدمه وبقاء
الخلاف بين الأمة يخوضون في الجهالة وحيرة الضلالة؟

ماذا يبتغي الخطابي وابن الخطاب من بقاء فضيلة العلماء؟ أليس فضيلتهم
لهداية الأمة؟ فإذا كان كذلك فكتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغني وهو أولى بالأتباع فلماذا منع
منه عمر؟

ثمّ هل كان الخطابي يرى في عمه أنّه أعلم من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يصلح الأمة؟
ولا أظن مسلماً يقول بذلك ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أمر بالكتاب هل كان يعلم بذهاب
فضيلة العلماء أوّلاً؟ والثاني باطل ومستلزم للكفر ، وعلى الأوّل فلابدّ من علمه

٣٢١

برجحان مصلحة الكتابة على فضيلة العلماء دون العكس ، لأنّه يستلزم أمر
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمرجوح وترك الراجح ، وهذا ممنوع من النبيّ لعصمته وتسديده
بالوحي وطلبه الأصلح للأمة.

ثمّ هل كان أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند نفسه أو من عند ربّه ، والأوّل مدفوع
بقوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ) (١) ، والثاني مسموع لقوله تعالى :( إِنْ هُوَ إِلَّا
وَحْيٌ يُوحَىٰ
) (٢) ، و( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ ) (٣) ، و( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا
يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي
) (٤) .

وبعد هذا كلّه لو سلّمنا جدلاً أنّ الخطابي علم بمراد عمه عمر من منعه
كتاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه يلغي فضيلة العلماء ويعدم الاجتهاد ، فمن أين له أنّ
كتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوف يشمل جميع الحوادث والأحكام. لأنّ نص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على
شيء أو أشياء مخصوصة لا يبطل فضيلة العلماء ولا يعدم الاجتهاد ، لأنّ
الحوادث لا يمكن حصرها ، فليعدم الاجتهاد فيما نص عليه خاصة ، ويبقى
لأجتهادهم سائر المجالات الأخرى. وبهذا كان تعقّب ابن الجوزي
للخطابي فيما حكاه عنه ابن حجر حيث قال : وتعقبه ابن الجوزي : بأنّه لو
نص على شيء وأشياء لم يبطل الإجتهاد ، لأنّ الحوادث لا يمكن حصرها.

هذا كلّه فيما ذكره أوّلاً.

وأمّا ما ذكره ثانياً :

_______________________

(١)النجم / ٣.

(٢)النجم / ٤.

(٣)الكهف / ١١٠ ، فصلت / ٤١.

(٤)الأعراف / ٢٠٣.

٣٢٢

١ـلماذا لا يجوز أن يحمل قول عمر على أنّه توهم الغلط الخ.؟ وقوله
هَجَر أهجر ، يهجر إلى غير ذلك من ألفاظ الهجر الّتي فاه بها عمر ، كلّها أو بعضها
تدل على أنّ مراده ذلك.

٢ـوما المراد من قوله : « لمّا رأى ما غلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »؟ فهل مراده أنّ
الوجع غلب عليه حتى سلبه اختيارهـوالعياذ باللهـفان كان ذلك فهذا ما فرّ منه
واعتذر عنه لكنه وقع فيه. وإن أراد غلبته على جسمه كاصفراره ونحو ذلك ممّا
يورثه المرض في بدن صاحبه ، فليس في ذلك شيء يخشى منه ممّا خاف منه
الخطابي وعمّه. وليس ذلك بمانع من إجراء أيّ حكم من الاحكام ، والّذي يبدو
لي أنّ مراد الخطابي هو الأوّل وشاهد ذلك قوله : « خاف أن يكون ذلك القول
ممّا يقوله المريض ممّا لا عزيمة له فيه » وهل معنى (ما لا عزيمة له فيه) سوى
الهجر والهذيان ويعني صدور ما لم يرد فعله ويعزم عليه. هذا هو المعنى الحرفي
والعرفي للعزيمة ، وهو نفس المعنى اللغوي الّذي يعني لم تكن له الإرادة
المؤكدة المتقدمة لتوطين النفس على ما يرى فعله أو الجد في الأمر. وهذا
الوجه يدفعه ظاهر الأمر في الإلزام ، وما أمره باحضار الدواة والكتف إلّا كسائر
أوامره الوجوبية ، خصوصاً بعد بيان النفع المترتب عليه ، وهو عصمة الأمة من
الضلالة إلى الأبد.

٣ـما معنى قوله : « فيجد المنافقون بذلك سبيلاً الخ » إذ ليس الموجب
لكلام المنافقين هو قرب الوفاة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا ما أعتراه من الكرب كما يقول
الخطابي ، بل إن حال المنافقين كانت معلومة لديه أيام حياته ، ومعرفته بالكثير
منهم وقد نزل القرآن في التحذير منهم. وقد آذوه يوم رجع من غزاة تبوك

٣٢٣

فآذوه في نفسه وآذوه في أهله ، وتقاعدوا عنه ، وتقاعسوا متخاذلين ومخذلين
كلما أراد الغزو. فهل كان يومئذ قرب وفاة؟ وهل كان مرض؟ أو هل كان
اعتراه كرب؟

٤ـولو سلمنا أنّ المنافقين كانوا يجدون سبيلاً ، فمن أين للخطابي وأضرابه
إثبات علم عمر بذلك ، وإذا قالوا أدركه بفطنته ففي بقية الصحابة الحاضرين
يومئذ من فاقه فطنة وعلماً وحكماً وفهماً ، لماذا يدرك أولئك ما أدركه عمر؟ فإن
هم سكتوا لعلمهم أنّه ليس لهم حقّ الاعتراض فكان على عمر مثل ذلك.

٥ـثمّ يا ترى ما هو موقف الخطابي من اعتراف عمر بمراده ، وهو يدفع ما
قاله هو وغيره من علماء التبرير فانتظر ، وسنوافيك به ، حينئذٍ ستجده يعترف بأنّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما أراد عليّاً للأمر فمنعه هو من ذلك.

ثانياً : ابن حزم الظاهري

ذكر ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام في جملة كلامه في
إبطال القياس في احكام الدين قارب في بعضه وسدّد ، وشذّ في بعضه وأبعد ،
ومهما يكن فقد ذكر حديث الرزية وعقبه بقوله : « هذه زلة العالم الّتي حذّر منها
الناس قديماً ، وقد كان في سابق علم الله تعالى أن يكون بيننا الاختلاف ، وتضل
طائفة وتهتدي بهدى الله أخرى ، فلذلك نطق عمر ومن وافقه بما نطقوا به ، ممّا
كان سبباً إلى حرمان الخير بالكتاب الّذي لو كتبه لم يُضل بعده. ولم يزل أمر
هذا الحديث مهماً لنا ، وشجىً في نفوسنا ، وغصة نتألم لها وكنا على يقين من أنّ
الله تعالى لا يدع الكتاب الّذي أراد نبيه صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أن يكتبه فلن

٣٢٤

يضل من بعده دون بيان ، فيحياـكذاـمن حي عن بيّنة ، إلى أن منّ الله تعالى
بأن أوجدناه فأنجلت الكربة ، والله المحمود.

وهو ما حدّثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن
عيسى ثنا أحمد بن محمّد ثنا أحمد بن عليّ ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد الله بن
سعيد ثنا يزيد بن هرون ثنا إبراهيم بن سعد ثنا صالح بن كيسان عن الزهري عن
عروة عن عائشة قالت : « قال لي رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم في مرضه :
ادعي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتاباً ، فإني أخاف أنّ يتمنى متمنٍ ويقول قائل :
أنا أولى ، ويأبى الله والنبيّون إلّا أبا بكر ».

قال أبو محمّدـهو ابن حزمـهكذا في كتابي عن عبد الله بن يوسف ،
وفي أم أخرى (ويأبى الله والمؤمنون).

وهكذا حدّثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمّد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا
عبد الرحمن بن محمّد بن سلام الطرطوسي ثنا يزيد بن هارونـإلى آخر السند
المتقدمـبمثله وفيه : « إنّ ذلك كان في اليوم الّذي بدئ فيه عليه‌السلام بوجعه الّذي
مات فيه » بأبي هو وأمي.

قال أبو محمّدـهو ابن حزمـفعلمنا انّ الكتاب المراد يوم الخميس قبل
موته صلّى الله عليه(وآله)وسلّم بأربعة أيامـكما روينا عن ابن عباس يوم قال
عمر ما ذكرناـإنّما كان في معنى الكتاب الّذي أراد عليه‌السلام أن يكتبه في أوّل
مرضه قبل يوم الخميس المذكور بسبع ليال ، لأنّه عليه‌السلام ابتدأه وجعه يوم
الخميس في بيت ميمونة أم المؤمنين ، وأراد الكتاب الّذي قال فيه عمر ما قال
يوم الخميس بعد أن أشتد به المرض ، ومات عليه‌السلام يوم الاثنين ، وكانت مدّة

٣٢٥

علته صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أثنى عشر يوماً ، فصح أنّ ذلك الكتاب كان في
استخلاف أبي بكر لئلا يقع ضلال في الأمة بعده عليه‌السلام .

فإنّ ذكر ذاكر معنى ما روي عن عائشة إذ سئلت من كان رسول الله
مستخلفاً لو أستخلف؟ فإنّما معناه : لو كتب الكتاب في ذلك » (١) .

أقول : إلى هنا انتهت الحاجة من نقل كلامه الطويل العريض الّذي نفى
فيه تقديم أبي بكر للخلافة قياساً على تقديمه للصلاةـكما يروي القياسيونـ
وقالوا به. حتى قال : فيأبى الله ذلك ، وما قاله أحد قط يومئذ ، وانما تشبث بهذا
القول الساقط المتأخرون من أصحاب القياس ، الّذين لا يبالون بما نصروا به
أقوالهم ، مع أنّه أيضاً في القياس فاسدـلو كان القياس حقاًـلما بينا قبل ،
ولأن الخلافة ليست علتها علة الصلاة ، لأن الصلاة جائز أن يليها العربي
والمولى والعبد والّذي لا يحسن سياسة الجيوش والأموال والأحكام والسير
الفاصلة.

وأمّا الخلافة فلا يجوز أن يتولاها إلّا قرشي صليبة عالم بالسياسة
ووجوهها ، وإن لم يكن محكماً للقراءة(؟)وإنّما الصلاة تبع للإمامة ، وليست
الإمامة تبعاً للصلاة فكيف يجوز عند أحد من أصحاب القياس أن تقاس
الإمامة الّتي هي أصل على الصلاة الّتي هي فرع من فروع الإمامة؟ هذا ما لا
يجوز عند أحد من القائلين بالقياس.

وسيأتي عن ابن حزم أيضاً مثل ما تقدم من الكلام ، وهناك يحاول اثباته
بالقسم والأيمان وهذا من الطرافة بمكان.

_______________________

(١)الإحكام في اُصول الأحكام ٧ / ١٢٢ ط السعادة بمصر.

٣٢٦

وقفة مع ابن حزم :

من المضحكـوشر البلية ما يضحكـأن يكون مثل ابن حزم المتحرر
من كثير الرواسب المقيتة عند قومه ، وهو ينعى عليهم التقليد ، ويعترف صريحاً
بما هو الصحيح في أنّ قول عمر إنّما هو زلة العالم الّتي حُذّر الناس منها قديماً ،
ثمّ هو يكبو كبوة يقع فيها لوجهه حين يحسب أنّه زالت عنه دياجي الظلماء أن
كشف له الغطاء بوجدانه حديث عائشة المزعوم ، ولقد أغرب كثيراً حين زعم
أنّ ذلك نص على خلافة أبي بكر ، فقد قال في كتابه الفِصَل : « فهذا نص جليّ
على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده » (١) . وكأنّه نسي
أو تناسى بأنّ أبا بكر وقومه ، ومن أتى بعده كلّهم لم يقولوا بالنص في أمر
الخلافة ، وإنّما قالوا بالاختيار ، وما دعاهم إلى ذلك إلّا الإضطرار ، حيث لا نص
ثابت عندهم.

وربما يفاجأ القارئ إذا وجد ابن حزم في كتابه جوامع السيرة يدين عملية
المنع من إحضار الدواة والكتف فيقول : « فلمّا كان يوم الخميسـقبل موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
بأربع ليالِـاجتمع عنده جمع من الصحابة فقال عليه‌السلام : (أئتوني بكتف ودواة
أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي) ، فقال عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه كلمة أراد بها
الخير ، فكانت سبباً لإمتناعه من ذلك الكتاب فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غلب
عليه الوجع ، وعندنا كتاب الله ، وحسبنا كتاب الله. وساعده قوم حتى قالوا : أهجر
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال آخرون : أجيبوا بالكتف والدواة يكتب لكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
كتاباً لا تضلون بعده ، فساء ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمرهم بالخروج من عنده؟
فالرزية كلّ الرزية ما حال بينه وبين ذلك الكتاب ، إلّا أنّه لا شك لو كان من
_______________________

(١)الفِصَل ٤ / ١٠٨.

٣٢٧

واجبات الدين ولوازم الشريعة لم يثنه عنه كلام عمر ولا غيره ا ه‍ ». هذا ما
ذكره ابن حزم في جوامع السيرة (١) ، ومرّ عنه ما ذكره في كتابيه الأحكام والفصل
فبأيّهما يأخذ القارئ؟ وأيهما هو الصحيح؟ وهل ذلك منه إلّا استغفال لعقول
الناس!؟ فالحديث الّذي زعم أنّه وجده فانجلت به الكربة فكأنّه عمي أو تعامى
أنّ الحديث صورة ممسوخة لحديث الرزية ، وليته كان كحديث الرزية في
تظافر نقله لتتكافأ الكفتان ، وينظر عند التعارض لأيهما الرجحان ، وليختر هو
معنى ذلك المزعوم ، ثمّ كيف يخفى هذا على مَن سبقه ممّن خرّج الحديثين مثل
مسلم وغيره؟ وسيأتي الكلام في ذلك مفصّلاً عند حديثنا عن عملية التزوير
والمسخ ، وسيقف القارئ على قول ابن أبي الحديد المعتزلي وضعوهـالبكريةـ
في مقابلة الحديث المروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه : (إئتوني بدواة وبياض أكتب لكم
ما لا تضلون بعده أبداً) ، فاختلفوا عنده وقال قوم منهم : لقد غلبه الوجع حسبنا
كتاب الله ، وسيعود ابن حزم مرة أخرى إلى الحديث المزعوم يحاول اثباته
بالأيمان؟

ويكفي في تزييفه أنّه لم يظهر يوم السقيفة حين كان أبو بكر أحوج إليه
من كلّ ما احتج به ، فأين كانت عائشة عن رواية ذلك؟ ولماذا لم تناصر أباها به
في أحرج وقت كان محتاجاً لنصرتها بمثله؟

مضافاً إلى ما سيأتي من كشف حال رجاله فانتظر.

ثالثاً : البيهقي

في أواخر كتابه دلائل النبوة بعد ذكره لحديث الرزية بأسانيده إلى عليّ
ابن المديني والحسن بن محمّد الزعفراني عن سفيان بن عيينة عن سليمان عن
_______________________

(١)جوامع السيرة / ٢٦٣.

٣٢٨

سعيد بن جبير قال قال ابن عباس : « يوم الخميس وذكر الحديث إلى قوله
وسكت عن الثالثة أو قالها فنسيتها » ثمّ قال البيهقي : هذا لفظ حديث عليّ بن
المديني وهو أتم ، زاد عليّ قال سفيان : إنّما زعموا أراد أن يكتب فيها استخلاف
أبي بكر. ثمّ قال البيهقي رواه البخاري ومسلم في الصحيح (١) ثمّ ذكر الحديث
بسند آخر وصورة ثانية وفيه قالـابن عباسـ: « لمّا حُضر رسول الله صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
(هلموا أكتب لكم لن تضلوا بعده أبداً) فقال عمر : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غلب
عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا
فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله ومنهم يقول ما قال عمر فلمّا أكثروا
اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قوموا).

قال عبد الله فكان ابن عباس يقول : انّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم ». ثمّ
ذكر رواية البخاري له في الصحيح عن عليّ بن المديني وغيره. ورواية
مسلم عن محمّد بن رافع وغيره عن عبد الرزاق. ثمّ قال : وإنّما قصد عمر بن
الخطاب بما قال التخفيف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رآه قد غلب عليه الوجع ،
ولو كان ما يريد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب لهم شيئاً مفروضاً لا يستغنون عنه لم
يتركهم لاختلافهم ولغطهم لقوله تعالى : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) (٢) كما لم
يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه ، وإنّما أراد ما حكى
سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أن يكتب استخلاف أبي بكر ثمّ ترك
_______________________

(١)دلائل النبوة ٧ / ١٨١ ـ ١٨٢ ط بيروت بتحقيق د عبد المعطي قلعجي.

(٢)المائدة / ٦٧.

٣٢٩

كتبته أعتماداً على ما علم من تقدير الله تعالى ذلك ، كما همّ به في ابتداء
مرضه حين قال : وارأساه ، ثمّ بدا له أن لا يكتب وقال : يأبى الله والمؤمنون
إلّا أبا بكر ، ثمّ نبّه أمته على خلافته باستخلافه اياه في الصلاة حين عجز عن
حضورها إلى آخر ما قال (١) ، وكله من الدفع بالصدر.

وقد روى نفسه في سننه الكبرى في كتابة العلم في الصحف ، حديث
جابر : « انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا بصحيفة في مرضه ليكتب فيها كتاباً لأمته لا يَضلون
بعده ولا يُضِلون ، وكان في البيت لغط وتكلم عمر فتركه » (٢) . وهذا الّذي رواه
بتر من آخره ما يدين عمر ، ثمّ ذكر بعده في كتابة العلم في الألواح والأكتاف
بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : « يوم الخميس وما يوم الخميس
قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إئتوني باللوح والدواة والكتف والدواة لأكتب لكم كتاباً لا
تضلوا بعده أبداً) قالوا : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهجر »(٣) .

مع البيهقي في دعاواه :

وتتلخص دعاواه في الأمور التالية :

١ـزعمه أنّ حديث عليّ بن المديني أتم لأنّه زاد قول سفيان إنّما زعموا
أراد أن يكتب فيها استخلاف أبي بكر.

٢ ـ زعمه أنّ قصد عمر هو التخفيف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال الّذي قال.

٣ ـ زعمه أّنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب لهم ما هم مستغنون عنه.

_______________________

(١)دلائل النبوة ٧ / ١٨٣.

(٢)السنن الكبرى ٣ / ٤٣٥ ط بيروت سنة ١٤١١ ه‍.

(٣)نفس المصدر.

٣٣٠

٤ ـ زعمه بل كذبه على سفيان في حكايته قوله.

٥ـزعمه تنبيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمته على خلافة أبي بكر استخلافه إياه في
الصلاة.

أمّا زعمه الأوّل أنّ حديث عليّ بن المديني أتم وقال : زاد عليّ قال سفيان :
إنّما زعموا الخ فهذا كذب وهراء ومحض أفتراء ، فحديث سفيان لقد رواه عنه
خمسة عشر إنساناً كما مرّ في الصورة التاسعة ، وكلهم من الحفاظ وأئمة
الحديث ، وكان عليّ بن المديني واحداً منهم. وحديثه لم يقتصر على رواية
البيهقي بأسانيده فقط ، بل رواه عنه البخاري أيضاً وليس فيه هذه الزيادة (١) ،
كما لم ترد في أحاديث الرواة الآخرين عن سفيان فمن أين ألصق البيهقي
بابن المديني هذه الزيادة؟

وأمّا زعمه الثاني أنّ عمر قصد التخفيف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فينفيه ما
سيأتي عن عمر نفسه من بيان قصده في منعه ، ولو سلمنا جدلاً ، فهل أنّ عمر
كان أبصر بنفس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه بنفسه؟

وأمّا زعمه الثالث أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب لأمته ما هم مستغنون ،
مدفوع للحكمة الّتي بيّنها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتابة ذلك الكتاب وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
(لن تضلوا بعده أبداً) فإنّ ذلك يدل على أحتياجهم إلى عاصم يعصمهم من
الضلالة إلى الأبد ، وليس من تأمين على السلامة والصيانة لهم غير كتابة
ذلك.

ولو سلّمنا جدلاًـولا نسلّمـصواب قول البيهقي أراد أن يكتب لهم
ما هم مستغنون عنه ، فيلزم منه أن ينسب القائل بذلك إلى مقام الرسالة ما لا
_______________________

(١)أنظر صحيح البخاري / ٦ و ٩.

٣٣١

يليق بها من العبث ، حيث أنّ ذلك الكتاب لا يزيدهم فائدة ولا يعود عليهم
بعائدة ، وهو منافٍ للعصمة عند من يقول بها ، ومناف للحكمة عند من لا
يقول بها.

وأمّا ما استدل به على مقالته فهو مردود بعد أن انتفت الفائدة المتوخاة
والّتي كان يعلمها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث فتح عمر باباً واسعاً للطعن فيما يكتبه ، ويدل
على ذلك ما جاء في بعض صور الحديث ممّا رواه ابن سعد وغيره وفيه :
فقال بعض من كان عنده انّ نبيّ الله ليهجر قال فقيل له ألا نأتيك بما طلبت؟ قال : أو
بعد ماذا؟ قال : فلم يدع به (١) .

وأمّا زعمه الرابع أنّ سفيان حكى عن أهل العلم قبله. فهذا كذب على سفيان ،
وما روي عن سفيان على اختلاف صور نسخه الخمس عشرة حسب عدد الرواة عنه
فلم يأت في واحدة منها انّ سفيان حكى ذلك عن أهل العلم قبله. وإنّما الوحيد الّذي
روى ذلك عنه فيما أعلمـهو البيهقيـومهما يكن فان الّذي حاول اثباته من الكتابة
باستخلاف أبي بكر فقد مرّ الجواب عنه في رد ابن حزم فراجع.

وأمّا زعمه الخامس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبّه أمته على خلافة أبي بكر باستخلافه إياه في
الصلاة فيكفي في دحض ما زعمه ما قاله ابن حزم في كتابه الإحكام آنفاًـوقد مرّ
نقل ذلك عنه قبل هذا فراجعـمضافاً إلى قوله : واحتجوا باجماع الأمة على تقديم أبي
بكر إلى الخلافة ، وان ذلك قياس على تقديم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له إلى الصلاة وهذا من
الباطل الّذي لا يحل ، ولو لم يكن في تقديم أبي بكر حجة إلّا انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدّمه
إلى الصلاة لما كان أبو بكر أولى بالخلافة من عليّ. لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استخلف
_______________________

(١)أنظر الصورة الحادية عشرة من صور الحديث.

٣٣٢

عليّاً على المدينة في غزوة تبوك وهي آخر غزواتهعليه‌السلام فقياس الاستخلاف على
الاستخلاف اللذين يدخل فيهما الصلاة والأحكام أولى من قياس الأستخلاف على
الصلاة وحدها إلى آخر ماذكره من مناقشة (١) .

رابعاً : المازري

قال : إنّما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم
بذلك ، لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب ، فكأنه ظهرت منه قرينة دلت
على أنّ الأمر ليس على التحتم بل على الإختيار ، فاختلف اجتهادهم ، وصمم
عمر على الإمتناع لمّا قام عنده من القرائن بأنه صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
قال ذلك عن غير قصد جازم ، فظهر ذلك لعمر دون غيره.

هكذا حكاه النووي في شرح صحيح مسلم ، وابن حجر في فتح الباري ،
والقسطلاني في المواهب اللدنية ، والبدر العيني في عمدة القارئ (٢) ، وغيرهم.

مع المازري :

يتلخص إعتذار المازري في النقاط التالية :

١ـاختلاف الصحابة في امتثال أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما كان لأنّ الأمر ليس على
التحتم بل على الإختيار.

٢ـتصميم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك عن
غير قصد جازم.

_______________________

(١)أُنظر كتابه الإحكام ٧ / ١١٩ ـ ١٢٠.

(٢)شرح صحيح مسلم ١١ / ٩١ ، فتح الباري ٩ / ١٩٨ ، المواهب اللدنية ٢ / ٣٦٧ ، عمدة القارئ
٢ / ١٧١.

٣٣٣

٣ ـ ظهور ذلك لعمر دون غيره؟

وبين النقطة الأولى والنقطة الثالثة نحو تضاد ، إذ أنّ عمر هو الّذي ظهر له
أنّ الأمر عن غير قصد جازم ، وهذا مختص به دون غيره كما يزعم المازري ،
ويعني ذلك أنّه خفي على الآخرين ، وإذا كانوا كذلك فما بالهم يختلفون في
امتثال الأمر ما دام لم يظهر لهم ما ظهر لعمر دون غيره ، ثمّ إنّ قول المازري :
« عن غير قصد جازم » يعني ترك الباب مفتوحاً أمام الصحابة فمن شاء أن يمتثل
امتثل ومن شاء تخلف ، لأنّ الأمر ليس على التحتم بل على الاختيار وهذا ما
أكده بقوله : « عن غير قصد جازم » والآن لنا أن نسائله.

١ـما معنى بيانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمصلحة الحكم الشرعي من أمره بقوله : (لا تضلون
بعدي أبداً). فلو كان على سبيل الإختيار فمن شاء فعل ومن شاء ترك ، لما ترتب
أمر العصمة من الضلالة لهم جميعاً ، بل كان يختص ذلك بمن امتثل ويحرم منه
من خالف ، ولما كان الخطاب للجميع فلابدّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توخى هداية الجميع وبذلك
تتم فائدة العصمة من الضلالة وإلّا فلا.

٢ـما معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر الحديث : (قوموا عني) ، وذلك يعني طردهم
عنه ولو كان أمره الأوّل عن غير قصد جازم وليس على التحتم ، بل على الإختيار
لما كان لطردهم عنه معنى ، وان تنطّع متنطع فقال : « انّ طردهم عنه إنّما كان بعد
تنازعهم ولغطهم فتأذى بذلك فقال : (قوموا عني) ». وهذا لا يدل على الوجوب
في الامتثال. هنا نقول له انّ ذلك النزاع هو وحده كاف في الدلالة على لزوم
الأمر ، وإلّا لو كان الأمر اختيارياً لما حدث النزاع ولما أستلزم الطرد.

٣٣٤

٣ـما معنى قول عمر : « حسبنا كتاب الله »؟ أليس يدل على فهمه أمر
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان للوجوب فأراد دفع من يقوم بالامتثال عنه ، وإسقاط حجة قول
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكلية. ولو لم يكن فهم لزوم الأمتثال لما أحتاج إلى قوله : « حسبنا
كتاب الله ».

٤ـما معنى بكاء حبر الأمة عبد الله بن عباسرضي‌الله‌عنه وقوله : « الرزية كلّ الرزية
ما حال بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين كتابة الكتاب »؟ أليس يدل ذلك على فوات أمر
عظيم وخطير ، وله أثر كبير في حياة الأمة فاستدعى فواته ذلك البكاء حتى يبلّ
دمعه الحصى. ولو كان الفائت أمراً أختيارياً لما لزم ذلك البكاء؟ ولما لزم
التعبير عنه ب‍ (الرزية كلّ الرزية) ولعيب عليه ذلك التوجع والتفجع ، فكم
هناك من أمور مندوبة وأحكام مستحبة تركها الناس في أيامه ، بل وحتى
تغيير بعض الفرائض فلم ينعها ولم يذكر عنه أنّه بكى لها ، ولم ينقل التاريخ
عنه أنّه عبّر عن فوت واجب آخر بأنه رزية فضلاً عن المندوب.

٥ـوأخيراً من أين للمازري اثبات فهم عمر دون غيره بأن أمر
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عن غير قصد جازم ، وهذا لا يعلم إلّا من قبل عمر نفسه ، ولم
يرد عنه في ذلك شيء.

ثمّ إنّ ما ذهب إليه المازري لم يتابعه عليه أحد يعتد بهـفيما أعلمـ
إلّا رجل واحد من المتأخرين هو السيد عبد الرحيم الطهطاوي (١) .

أمّا باقي أعلام قومه كالقاضي عياض والقرطبي وابن حجر وغيرهم
فقد ذهبوا إلى عكس ما قاله المازري وقالوا بان عمر فهم الوجوب ، وإنّما
_______________________

(١)اُنظر كتابه هداية الباري ١ / ٨.

٣٣٥

قال الّذي قاله إنكاراً على من تخلف عن الإمتثال ، وستأتي مقالاتهم التافهة
وما أسسوه من مقدمات لنتائجهم المردودة وقياساتهم الباطلة ..

خامساً : القاضي عياض

قال : في كتاب الشفاء : فصل : فإن قلت قد تقررت عصمته صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم في أقواله في جميع أحواله وأنّه لا يصح منه فيها خُلفٌ ولا
اضطراب في عمد ولا سهو ولا صحة ولا مرض ولا جدّ ولا مزح ولا رضىً ولا
غضب ، ولكن ما معنى الحديث في وصيته صلّى الله عليه(وآله)وسلّم ...

ثمّ ذكر حديث الكتف والدواة بسنده إلى قوله : فقال بعضهم : انّ رسول الله
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم قد غلبه الوجع الحديث.

ثمّ قال : وفي رواية : (إئتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً) فتنازعوا
فقالوا : ماله أهجر استفهموه فقال : (دعوني فإنّ الّذي أنا فيه خير).

وفي بعض طرقه : إنّ النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم : يَهجَر.

وفي رواية هجر ، ويُروى : أهُجراً. وفيه فقال عمر : إنّ النبيّ صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم قد اشتد به الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا ، وكثر اللغط فقال :
(قوموا عني).

وفي رواية : واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب
لكم رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم كتاباً ، ومنهم من يقول ما قال عمر.

قال أئمّتنا : في هذا الحديث النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم غير معصوم
من الأمراض وما يكون من عوارضها من شدة الوجع وغشي ونحوه ممّا يطرأ

٣٣٦

على جسمه ، معصوم أن يكون منه من القول أثناء ذلك ما يطعن في معجزته ،
ويؤدي إلى فساد في شريعته من هذيان واختلال كلام.

وعلى هذا لا يصح ظاهر رواية من روى في الحديث هَجَرَ إذ معناه هذي
يقال هَجَرَ هجراً إذا هذى وأهجر هجراً إذا أفحش وأهجر تعدية هَجَرَ ، وانما
الأصح والأولى أهَجَرَ على طريق الأنكار على من قال لا يكتب ، وهكذا روايتنا
فيه في صحيح البخاري من رواية جميع الرّوات في حديث الزهري المتقدم ،
وفي حديث محمّد بن سلام عن ابن عيينة ، وكذا ضبطه الأصيلي بخطه في كتابه
وغيره من هذا الطريق ، وكذا روينا عن مسلم في حديث سفيان وعن غيره ، وقد
تحمل عليه رواية من رواه هَجَرَ على حذف ألف الأستفهام ، والتقدير أهجر ، أو
أن يحمل قول القائل هجراً أو أهَجَرَ دهشةً من قائل ذلك وحيرة لعظيم ما شاهدا
من حال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشدة وجعه وهو المقام الّذي أختلف فيه عليه ، والأمر الّذي
همّ بالكتاب فيه حتى لم يضبط هذا القائل لفظه وأجرى الهُجر مجرى شدة
الوجع ، لا أنّه أعتقد أنّه يجوز عليه الهجر ، كما حملهم الاشفاق على حراسته والله
يقول : ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) ونحو هذا ، وأمّا على رواية أهجُراً وهي
رواية أبي إسحاق المستملي في الصحيح في حديث ابن جبير عن ابن عباس من
رواية قتيبة فقد يكون هذا راجعاً إلى المختلفين عنده صلّى الله عليه(وآله)
وسلّم ومخاطبةً لهم من بعضهم أي جئتم باختلافكم على رسول الله صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم وبين يديه هجراً ومنكراً من القول ، والهُجر بضم الهاء الفَحش
في المنطق.

_______________________

(١)المائدة / ٦٧.

٣٣٧

وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث وكيف أختلفوا بعد أمره لهم
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أن يأتوه بالكتاب فقال بعضهم : أوامر النبيّ صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم يفهم أيجابها من ندبها من اباحتها بقرائن فلعل قد ظهر من
قرائن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعضهم ما فهموا أنّه لم تكن منه عزمة ، بل أمر ردّه إلى اختيارهم ،
وبعضهم لم يفهم ذلك فقال : أستفهموه ، فلمّا أختلفوا كفّ عنه إذ لم يكن عزمة
ولمّا رأوه من صواب رأي عمر.

ثمّ هؤلاء قالوا ويكون أمتناع عمر إمّا أشفاقاً على النبيّ صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم من تكليفه في تلك الحال إملاء الكتاب وأن تدخل عليه مشقة من
ذلك كما قال إنّ النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أشتد به الوجع.

وقيل : خشي عمر أن يكتب أموراً يعجزون عنها فيحصلون في الحرج
بالمخالفة ورأى أنّ الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد وحكم النظر
وطلب الصواب ، فيكون المصيب والمخطيء مأجوراً.

وقد علم عمر تقرّر الشرع وتأسيس الملة وان الله تعالى قال :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ
) (١) وقوله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم : (أوصيكم بكتاب الله
وعترتي). وقول عمر : حسبنا كتاب الله ، ردٌ على من نازعه لا على أمر النبيّ صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم.

وقد قيل : إنّ عمر خشي تطرّق المنافقين ومَن في قلبه مرض ما كتب في
ذلك الكتاب في الخلوة وأن يتقولوا في ذلك الأقاويل ، كادعاء الرافضة الوصية
وغير ذلك.

_______________________

(١)المائدة / ٣.

٣٣٨

وقيل : إنّه كان من النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم لهم على طريق
المشورة والإختبار هل يتفقون على ذلك أم يختلفون فلمّا أختلفوا تركه.

وقالت طائفة أخرى : إن معنى الحديث انّ النبيّ صلّى الله عليه(وآله)
وسلّم كان مجيباً في هذا الكتاب لما طُلب منه ، لا أنّه ابتداء بالأمر ، بل اقتضاه منه
بعض أصحابه فأجاب رغبتهم وكره ذلك غيرهم للعلل الّتي ذكرناها.

واستدل في هذه القصة بقول العباس لعليّ : انطلق بنا إلى رسول الله
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم فإن كان الأمر فينا علمناه ، وكراهة عليّ هذا ،
وقوله : والله لا أفعل... الحديث.

واستدل بقوله : (دعوني فإنّ الّذي أنا فيه). أي الّذي أنا فيه خير من
ارسال الأمر وترككم وكتاب الله وأن تدعوني ممّا طلبتم ، وذكر أنّ الّذي
طلب كتابة أمر الخلافة بعده وتعيين ذلك (١) .

أقول : هذا كلّ ما ذكره في هذا الفصل من كتابه الشفاء وليس فيه من
النافع إلّا شفىـالقليلـإذ هو إمّا تكرار للسابقين أو تلفيق المتخرصين.
ولابدّ لنا من محاسبته على بعض ما ذكره ممّا لم يُسبق إليه من وجوه
الأحتمالات والتمحلات وإنّما نقلناه بطوله لأن جماعة ممّن على شاكلته
تبعه على رأيه فإنهم بين من نقل جميع كلامه كما صنع النويري في نهاية
الإرب (٢) ، ومنهم من لخصه كالقرطبي ولخص من تلخيصه ابن حجر في فتح
الباري (٣) كما سيأتي تلخيصه.

_______________________

(١)أنظر الشفاء ٢ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ط اسلامبول سنة ١٣٠٤ ه‍.

(٢)نهاية الإرب ١٨ / ٣٧٣ ـ ٣٧٨.

(٣)أنظر فتح الباري الجزء التاسع.

٣٣٩

مع القاضي عياض :

لقد كانت غاية محاولة القاضي هي تبرير ما صدر من عمر بن الخطاب في
ذلك اليوم التعيس ، يوم الخميس ، ولكنها محاولة بائسة ويائسة. فهو استعرض :

أوّلاً : تحقيق الصيغة اللفظية الّتي كانت سبب الإختلاف ، ثمّ التشكيك في
تعيين قائلها وذلك من خلال ما ذكره من سياق الروايات المختلفة. حتى أنهاها
إلى ثماني روايات كما يلي :

١ ـ فقال بعضهم : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غلبه الوجع.

٢ ـ وفي رواية : فتنازعوا فقالوا ما له أهجر أستفهموه.

٣ـوفي بعض طرقه : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يَهجَرُـ(بفتحتين هكذا في النسخة
المُعربة المطبوعة باسلامبول سنة ١٣٠٤ ه‍) ـ.

٤ ـ وفي رواية : هَجَر.

٥ ـ ويروى : أهَجرٌ.

٦ ـ ويروى : أهُجراً.

٧ـوفيه فقال عمر : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أشتد به الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا
وكثر اللغط.

٨ـوفي رواية : واختلف أهل البيت وأختصموا فمنهم من يقول قرّبوا
يكتب لكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاباً ، ومنهم من يقول ما قال عمر.

أقول : وهذه الروايات الّتي أشار إليها تترك القارئ في حيرة من أمر
القاضي ، وكأنه يحاول التعتيم على الحقيقة ، فيعرض لها دون بيان الصحيح منها ،
فهو يترك القارئ في دروب من المتاهات.

٣٤٠

لكن الباحث الواعي لا يعدم الرواية الصحيحة بينها ، وانّها هي الثالثة الّتي
ورد فيها : « انّ النبيّ يَهجَر » وما تحريكه لها بفتحتين إلّا نحو من التعتيم المتعمد ،
لأن الصحيح « يَهجُر » فانها من باب (نصر ينصر) وتحريكها بفتحتين يخرجها
عن المعنى الأصلي للكلمة ، وانحراف بمسارها الصحيح ، وذلك انّ القراءة
بفتحتين تكون بمعنى هجرك الشيء ، أي تركه كما نصت على ذلك بعض
قواميس اللغة. ولكن ذلك لم يعجب الملا علي القاري شارح كتاب القاضي
المذكور فقال في المقام : « يَهجِر » بكسر الجيم مع فتح أوّله بتقدير استفهام
انكار(؟).

وهذا من غرائب الأغراب في مسائل الإعراب ، وإنّما حدث بعد زمان
الحديث والحدث ، تبريراً لمواقف المعارضة عند الحساب.

أمّا الّذي قلناه أنّه الصحيح وهي الرواية الثالثة فقد ذكرها القاري وقال
هو الموجود في مستخرج الإسماعيلي من طريق ابن خلاد عن سفيان. كما
ذكرها غيره (1) وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في محله إن شاء الله.

ثانياً : استعرض ما قاله أئمّته في الحديث. ولا يعنينا معرفة أئمّته
بأعيانهم سواء كانوا هم المالكية ، أو الأشعرية ، أو أهل السنّة والجماعة كما
ذكرهم شارح كتابه الملا عليّ القارئ الحنفي.

والّذي يعنينا أن نعرف ماذا قالوا؟ لم يأتوا بشيء جديد ، ولم يخرجوا
عن أطار التبرير وإن باؤا بإثم التزوير. فكلّ ما مخض سقاؤهم أنّ الروايات
المختلفة الآنفة الذكر يجب تخريجها على نحو الإستفهام الإنكاري ، ولم
_______________________

(1)جاء في سر العالمين للغزالي / 9 ط بومبي الهند عليّ الحجر سنة 1314 : « إن الرجل
ليهجر ».

٣٤١

يخرج عن تلك الروايات ، إلّا الرواية الثالثة الّتي لم يذكر لهم فيها رأياً ولم
يعلّق عليها هو بشيء ، لكنّ شارح كتابه لم تفته المشاركة في الحلبة ،
فحشرها مع سابقها ولاحقها فعلّق عليها بقوله : بتقدير إستفهام انكار ..

ثالثاً : ذكر اختلاف العلماء في معنى الحديث ، فذكر أربعة آراء كلّها تدور
في فلك التبرير :

أوّلها : إنّ الأوامر إذا اقترنت بقرينة تخرجها من الوجوب إلى الندب
والإباحة ، فلعلّه ظهر من قرائن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعضهم ما فهموا منه أنّه لم يكن عزمة ،
وبعضهم لم يفهم ذلك فقال : استفهموه ، فلمّا أختلفوا كفّ عنه إذ لم يكن عزمة ،
ولما رأوه من صواب رأي عمر.

وهؤلاء قالوا عن امتناع عمر إمّا اشفاقاً عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإمّا خشي أن يكتب
أموراً يعجزون عنها فيحسون بالحرج في المخالفة ، فرأى الأرفق بالأمة سعة
الاجتهاد الخ.

ثانيها : أنّ عمر خشي تطرق المنافقين إلى أن يقولوا فيما كتب في ذلك
الكتاب في الخلوة(؟)وأن يتقولوا الأقاويل كادعاء الرافضة الوصية وغير ذلك.

ثالثها : انّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما قال لهم ذلك عن طريق المشورة والإختبار ليراهم
هل يتفقون أم يختلفون ، فلمّا أختلفوا تركه.

رابعها : انّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مجيباً لما طُلب منه ولم يكن ذلك منه ابتداء ،
فأجاب رغبة الطالب ، وكره غيره ذلك للعلل الّتي ذكرها في الرأيين الأوّل
والثاني.

وفي كلّ هذه الآراء مواقع للنظر نذكر بعضها :

٣٤٢

أمّا الأوّل وهو احتمال وجود قرينة في المقام عرفها بعضهم ولم يعرفها
آخرون ، فهو من واهي الأحتمالات وقد مرّ مثله والجواب عنه فراجع ما مرّ عن
المازري وقبل ذلك ما قلناه مع الخطابي.

وأمّا الثاني وهو إمّا إحتمالاً أن يكون عمر أشفق على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمنع من
أمتثال أمرِهِ ، فهذا من قبيل المثل (اكوس عريض اللحية) فكيف يكون مشفقاً
عليه وهو يعلن ردّ أمره ويشغب عليه؟ وأين منه الشفقة وقد سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
مكلّبا. كما في حديث ابن عمر الّذي أخرجه الدارقطني في سننه قال : « خرج
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمرّوا على رجل جالس عند مقراة له(1)
فقال عمر : يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك؟ فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
(يا صاحب المقراة لا تخبره هذا مكلِب ، لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي
شراب وطهور) ا ه‍ » (2) .

أقول : والمكلِبـبكسر اللامـمعلم الكلاب للصيد ، وبفتحها المقيّد ولما
كان معروفاً بالغلظة والشدة ، وإذا لاحاه بعض أهله أصطلم أذنه شبّهه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
بالمكلّب معلّم الكلاب ، إذ لا يكون معلّمها إلّا من هو أكلب منها لتخافه ، فمن
كان كذلك أين منه الشفقة المزعومة؟

وأمّا أحتمال خشية تطرق المنافقين فيجدوا سبيلاً إلى الطعن فيما لو
كتب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا مرّ عن الخطابي ومرّ الجواب عنه. وأمّا تمثيله لتطرق المنافقين
بادعاء الرافضة الوصية ، فليس ادّعاؤهم من دون دعوى البكرية أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن
يكتب لأبي بكر بالخلافة ، بل أدعاؤهم كان هو الحقّ الّذي لا مرية فيه ، لأنّه قد
_______________________

(1)المقراة : كل ما أجتمع الماء فيه ـ القاموس.

(2)سنن الدارقطني 1 / 26.

٣٤٣

اعترف بصحة دعواهم عمر بن الخطاب حين قال لابن عباس أراده رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأمر فمنعته من ذلك.

وأمّا الثالث وهو الجديدـفيما أعلمـإذ لم يأت في زبر الأولين ،
وهو انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهم على طريق المشورة والاختبار ، هل يتفقون فيكتب
لهم ، أو يختلفون فيتركه ، فلمّا أختلفوا تركه.

وصاحب هذا الرأي الفطير من الغباء بمكان ، إذ تخيل أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في
أخريات أيامه بعد لم يعرف أصحابه معرفة تامة ، وهو الّذي عايشهم طيلة ثلاثاً
وعشرين سنة فلم يعرفهم وما كان عليه بعضهم من المخالفة له ، وكأن تلك
التجارب الّتي مرّت عليه في اختلافهم عند المشورة لم تترك في نفسه أثراً يذكر
حتى احتاج إلى إختبارهم مرة أخرى؟

ألم يستشرهم في حرب بدر فكان منهم السامع المجيب ، ومنهم المخذّل
المريب الّذي يقول له : انها قريش ما ذلّت منذ عزّت.

ألم يستشرهم في أسارى بدر؟ فكان منهم من يرى قتل الأسارى ،
ومنهم من يرى أخذ الفداء حتى نزلت الآية فحسمت الموقف المترجرج
وذلك في قوله تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمَّا فِدَاءً
) (1) .

ألم يختلفوا عليه في وقعة أحد؟!

ألم يختلفوا عليه في وقعة الأحزاب؟!

ألم يختلفوا عليه في قضية بني النضير؟!

ألم يختلفوا عليه في صلح الحديبية؟!

_______________________

(1)محمّد / 4.

٣٤٤

ألم وألم؟ وكلّ ألمٍ فيها ألم!!

وأمّا الرأي الرابعـوهو كشف جديد كسابقهـما أنزل الله به من سلطان ،
إذ يقول صاحبه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن مبتدءاً بأمره ، بل قال إئتوني أكتب لكم
كتاباً لمن طلب منه ذلك ، وأستدل على ذلك بقول العباس لعليّ : أنطلق بنا إلى
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن كان الأمر فينا علمناه ، وكراهة عليّ هذا وقوله : لا أفعل
الحديث.

وهذا من الغرابة بمكان فإن قول العباس لعليّـلو صحـإنّما كان صبح
يوم الوفاة كان بعد حديث الرزية يوم الخميس بأربعة أيام ، فكيف يكون هو
السبب لتقديم الطلب ويكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجيباً لا مبتدءاً ، كما في تاريخ ابن الأثير
وغيره فراجع.

سادساً : ابن الأثير الجزري

قال في كتابه النهاية : (هجر) ومنه حديث مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قالوا ما شأنه
أهجر ، أي أختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الإستفهام ، أي هل تغيير
كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ، وهذا أحسن ما يقال فيه ، ولا يجعل
اخباراً فيكون إمّا من الفحش أو الهذيان ، والقائل كان عمر ولا يظن به ذلك (1) .

التبرير الفطير عند ابن الأثير :

ليس من القسوة عليه ما وصفناه به ، فهو إذ لم يأتنا بجديد من عنده ، وكلّ
ما بذله من جهده ، أنّه أجترّ أقوال السابقين من علماء التبرير ، واستحسن ذلك ،
_______________________

(1)النهاية في غريب الحديث والأثر 4 / 255 ط الاُولى مطبعة الخيرية بمصر سنة 1322 ه‍
(مادة هجر).

٣٤٥

وحيث مرّت بنا نماذج من أقوالهم وردّها ، فلا نطيل الوقوف ثانياً عندها. إلّا أنّ
من حقنا أن نسأله لما ذكر الحديث أوّلاً مبهِماً أسماء القائلين وهم جماعة. ثمّ
صرّح أخيراً باسم عمر وهو مفرد؟ فهل كان عمر هو الجماعة؟ (كلّ عضوٍ في
الروع منه جموع)؟

ولماذا قال أخيراً ولا يظن به ذلك؟ أليس ذلك من ابن الأثير هو التبرير
الفطير ، فلماذا لا يظن بعمر ذلك وهو رأس الحربة الّتي طعنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في
فؤاده ، إذ عارضه فلم يمكّنه من بلوغ مراده.

فهل أنّ مقامه فوق مقام الرسول الكريم ، فيجب أن يحترم ولو على حساب
كرامة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهم إن هذا الرد بهتان عظيم.

سابعاً : النووي

قال : في شرحه صحيح مسلم : بعد مقدمة في عصمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ممّا يخل
بالتبليغ : وليس معصوماً من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها ، ممّا لا
نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته ، وقد سحر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى صار يخيّل
إليه أنّه فعل الشيء ولم يكن فعله ، ولم يصدر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي هذا الحال كلام في
الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام الّتي قرّرها.

ثمّ قال : فإذا علمت ما ذكرناه فقد أختلف العلماء في الكتاب الّذي همّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به.

فقيل : أراد أن ينص على الخلافة في انسان معين لئلا يقع نزاع وفتن.

وقيل : أراد كتاباً يبيّن فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها ،
ويحصل الإتفاق على المنصوص عليه وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم همّ بالكتاب حين ظهر له

٣٤٦

أنّه مصلحة أو أوحي إليه بذلك ، ثمّ ظهر أنّ المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ،
ونسخ ذلك الأمر الأوّل.

وأمّا كلام عمررضي‌الله‌عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنّه
من دلائل فقه عمر وفضائله ، ودقيق نظره ، لأنّه خشي أن يكتب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أموراً ربّما
عجزوا عنها وأستحقوا العقوبة عليها لأنّها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها ، فقال
عمر : حسبنا كتاب الله لقوله تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (1) وقوله :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (2) ، فعلم أنّ الله تعالى أكمل دينه فأمن من الضلال
على الأمة ، وأراد الترفيه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان عمر أفقه من ابن عباس(3) .

مع النووي :

لابدّ لنا من وقفة مع النووي!

أوّلاً : في المقدمة الّتي ذكرها في عصمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التبليغ وعدمها من
الأمراض والأسقام العارضة للأجسام فقال في ذلك : وقد سحر صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم حتى صار يخيّل إليه أنّه فعل الشيء ولم يكن فعله ، وقد أعتبر ذلك
غير مضرّ برسالته.

فنقول له : إن ما ورد من أخبار القصّاص الجهال بأنه سحر حتى صار كيت
وكيت لا يمكن التصديق بها ، وإن رواها البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة
وغيرها ، فهي أشبه بحديث خرافة ، ويكفي في ردّها جملةً وتفصيلاً قول الله
_______________________

(1)الأنعام / 38.

(2)المائدة / 3.

(3)شرح صحيح مسلم للنووي 11 / 90 ط مصر.

٣٤٧

تعالى حيث أنكر على الكفّار الظالمين قولهم :( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا
رَجُلًا مَّسْحُورًا
) (1) والمسحور هو الّذي خبل عقله ، فأنكر الله تعالى ذلك. وذلك
لا يمنع من جواز أن يكون بعض اليهود قد اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه ،
فأطلع الله نبيّه على ما فعله ، حتى استخرج ما فعلوه من التمويه ، فكان ذلك دلالة
على صدقه ومعجزة له.

قال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد وقد ذكر الحديث عن عائشة فقال :
« وقد اعتاص على كثير من أهل الكلام وغيرهم وأنكروه أشد الأنكار ، وقابلوه
بالتكذيب ، وصنف بعضهم فيه مصنفاً مفرداً حمل فيه على هشام وكان غاية ما
أحسن القول فيه ان قال غلط وأشتبه عليه الأمر ولم يكن من هذا شيء ، قال : لأن
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز أن يسحر فإنّه يكون تصديقاً لقول الكفّار :( إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا
رَجُلًا مَّسْحُورًا
) (2) ، قالوا : وهذا كما قال فرعون لموسى :( إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ
مَسْحُورًا
) (3) ، وقال قوم صالح له :( إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ) (4) ، وقال قوم
شعيب له : ( إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ) ، قالوا : فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا ،
فإنّ ذلك ينافي حماية الله لهم وعصمتهم من الشياطين » (5) .

ثانياً : ما ذكره من اختلاف العلماء فذكر قولين :

أولهما : وهو الحقّ الّذي أباه عمر لأنّه أعترف بعد ذلك أمام ابن عباس بأن
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد عليّاً للأمر فمنعته من ذلك فتبيّن المراد عندما تبين العناد.

_______________________

(1)الإسراء / 47.

(2)الإسراء / 101.

(3)الشعراء / 153.

(4)الشعراء / 185.

(5)بدائع الفوائد 2 / 223.

٣٤٨

وأمّا ثانيهما : فهو من نسج الخيال ولا نطيل فيه المقال لكننا نسأل النووي
عن مزاعمه التالية :

1ـقوله اتفق العلماء؟ فأين وقع؟ ومتى وقع؟ ثمّ كيف يزعم ذلك وهو
الّذي سبق منه أن قال : « اختلف العلماء » في المراد من الكتاب ، فهم حين
اختلفوا في المراد كيف اتفقوا على أنّ الحديث من دلائل فقه عمر وفضائله
ودقيق نظره لأنّه خشي أن يكتب أموراً الخ وفهم عمر على زعمه لا يتفق مع
أصحاب القول الأوّل ولم يرده عمر. وإنّما يتفق مع أصحاب القول الثاني فقط.
فكيف يكون اتفاق مع هذا الاختلاف؟

2ـقوله : « إنّه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره ». فكيف يزعم له
ذلك ولازمه أن يكون عمر أبصر بمصلحة الأمة من نبيها؟ ولعل النووي يرى
ذلك! ولكن لم يجرأ على البوح به فقال الّذي قال ، ومهما كان عمر فليس
يُصدّق زعم من يرى فيه أنّه خشي أن يكتب أموراً ربّما عجزوا عنها ، لأنّ مبنى
عذر النووي هو الخشية والاحتمال لا التحقق ، ومع ذلك ربّما تكون النتيجة
العجز ولربما لا تكون ، ولو سلمنا جدلاً أنهم عجزوا عنها فهم معذورون
و ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) (1) .

ثمّ إنّ عمر لم يكن مسدّداً بالوحي ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينزل عليه
الوحي ، فهلا احتمل بدقيق نظره؟ـكما يحلو للنووي وصفه بذلكـأنّ ما أمر
به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من أمر الوحي فهو مأمور بالتبليغ عند الإطاعة ، فإذا
هم عصوا تركهم وتركاضهم في الضلال فلماذا منع عمر من امتثال أمر رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

_______________________

(1)البقرة / 286.

٣٤٩

3ـكيف يكون عمر أفقه من ابن عباس لأنّه قال : « حسبنا كتاب الله ». ومن
المعلوم يقيناً أنّ الكتاب المجيد لم يتكفل ببيان جميع أحكام الشريعة بتفاصيلها ،
فخذ مثلاً حكم فريضة الصلاة الّتي هي عمود الدين فلم يرد في الكتاب المجيد
ما يبين جميع فروضها وأركانها وسائر أحكامها وسيأتي مزيد بيان حول عدم
الإستغناء في الأحكام بالكتاب وحده ، ولابدّ من أخذ السنّة معه.

ولنعد إلى تفضيل النووي لعمر على ابن عباس في فقاهته. ولنسأله أين
كانت فقاهة عمر غائبة عنه يوم يقول لابن عباس : « قد طرأت علينا عُضَل أقضية
أنت لها ولأمثالها » (1) .

وأين كانت فقاهته حين يقول له : « غص غواص »(2) .

فكيف يكون عمر أفقه من ابن عباس؟ وعمر هو القائل : « من كان سائلاً
عن شيء من القرآن فليسأل عبد الله بن عباس » (3) ، وأين غابت عنه فقاهته يوم
سئل عن مسألة فقال فيها ، فقام إليه ابن عباس فساره فقال : يا أميرالمؤمنين ليس
الأمر هكذا ، فأقبل عمر على العباسـوكان عندهـفقال له : يا أبا الفضل بارك
الله لك في عبد الله إنّي قد أمّرته على نفسي فإذا أخطأت فليأخذ عليَّ (4) إلى
غير ذلك ممّا قاله عمر وغير عمر في علم ابن عباس وسيأتي بعض تلك الأقوال
في تاريخه العلمي.

_______________________

(1)روى ابن سعد قول عمر عن سعد بن أبي وقاص بلفظ آخر : ولقد رأيت عمر بن الخطاب
يدعوه للمعضلات ثمّ يقول عندك قد جاءتك معضلة ثمّ لا يجاوز قوله وان حوله لأهل
بدر من المهاجرين والأنصار (طبقات ابن سعد 2 ق2 / 122) ، وراجع فضائل الصحابة
لأحمد بن حنبل برقم 1913.

(2)طبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة) 1 / 141 تح‍ السُلمي ، وسير أعلام النبلاء 3 / 246 ط
مؤسسة الرسالة ، وفضائل الصحابة 2 / 681 ط مؤسسة الرسالة.

(3)فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل برقم 1893 ط مؤسسة الرسالة بيروت سنة 1403.

(4)فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2 / 982 برقم 1942 ط مؤسسة الرسالة.

٣٥٠

ولا يفوتني تنبيه القارئ إلى أنّ النووي لم يكن بدعاً في قومه فله أمثال ابن
بطال والقسطلاني من شرّاح البخاري الّذين يذهبون مذهبه فقد قالوا : وعمر أفقه
من ابن عباس حيث أكتفى بالقرآن ولم يكتف ابن عباس به! ولا حاجة بنا إلى
إبطال أقوال ابن بطال وغيره فهم في التزوير أبطال ، ولكن لابدّ من وقفة قصيرة
للموازنة بين فقه عمر وبين فقه ابن عباس ، بعد معرفة معنى الفقه.

فأقول : لقد جاء في (المفردات في غريب القرآن الكريم) للراغب
الأصبهاني ، مادة : فقه : (الفقه) : هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد ، فهو أخص
من العلم ويعني بذلك أنّ فقه الشيء يحتاج إلى جهد ذهني من الإنسان ليصل
إلى فهم أمره ، إمّا باستنباط من أمر ، أو ظاهر نص يجده.

أمّا العلم فهو قد يحصل دون جهد وتفكير ، وقد يحصل ببذل جهد أيضاً ،
فالفقه أخص من العلم ، فكم من عالم ليس بفقيه ، ولذلك قال علماء اللغة : الفقه
هو الفهم ، أي فهم حقيقة الشيء وإدراك معناه ، ولهذا نفى الله تعالى الفقه عن
الكفّار فقال : ( لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا ) (1) . وإذا عرفنا معنى الفقه وأنّه الفهم
لحقيقة الأمر ، فلنرجع إلى مقالة ابن بطال والنووي لنرى مَن هو الأفقه من
الرجلين ابن عباس أو عمر؟

أيهما أفقه عمر أم ابن عباس؟

لا أريد أستباق الشواهد الدالة على أفقهية ابن عباس وللحديث عنها مجال
آخر. ولكن لابدّ لي من ذكر شاهد واحد يصلح للموازنة بين الرجلين وذلك ما
أخرجه جملة من أئمّة الحديث ممّن لا يتهمون في نقله كابن الجوزي والحاكم
والبيهقي وابن كثير وابن حجر والسيوطي وغيرهم.

_______________________

(1)الأعراف / 179.

٣٥١

عن عكرمة قال : قال ابن عباس : « دعا عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه أصحاب
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألهم عن ليلة القدر؟ فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر. فقلت
لعمر : إنّي لأعلم وإنّي لأظن أيّ ليلة هي ، قال : وأيّ ليلة هي؟ قلت سابعة تمضي
أو سابعة تبقى من العشر الأواخر.

قال : ومن أين تعلم؟

قال قلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضين ، وسبعة أيام وإنّ الدهر
يدور في سبع ، وخلق الإنسان فيأكل(؟)ويسجد على سبعة أعضاء ، والطواف
سبع ، والجبال سبع.

فقال عمررضي‌الله‌عنه لقد فطنت لأمر ما فطنّا له.

وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال : كنت عند عمر وعنده أصحابه
فسألهم فقال : أرأيتم قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلة القدر التمسوها في العشر الأواخر
وترا أي ليلة ترونها؟ فقال بعضهم : ليلة أحدى وقال بعضهم : ليلة ثلاث ، وقال
بعضهم : ليلة خمس ، وقال بعضهم : ليلة سبع ، وأنا ساكت فقال : مالك لا تتكلم؟
قلت : إنك أمرتني أن لا أتكلم حتى يتكلموا. فقال : ما أرسلت إليك إلّا لتتكلم
فقلت : إني سمعت الله يذكر السبع ، فذكر سبع سموات ومن الأرض مثلهن ،
وخلق الأنسان من سبع ، ونبت الأرض سبع.

فقال عمررضي‌الله‌عنه : هذا أخبرتني ما أعلم ، أرأيت ما لم أعلم قولك : (نبت
الأرض سبع) قال : قال الله عزوجل :( ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا *
وَعِنَبًا وَقَضْبًا
* وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) (1) .

_______________________

(1)عبس / 26 ـ 31.

٣٥٢

قال : فالأبّ ما أنبتت الأرض ممّا تأكله الدواب والأنعام ولا يأكله الناس.

قال فقال عمررضي‌الله‌عنه لأصحابه : أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الّذي لم
تجتمع شئون رأسه ، والله إنّي لأرى القول كما قلت » (1) .

هذا شاهد واحد ممّا يرويه أصحاب الحديث ممّن لا يتهمون على عمر.
ثمّ دع عنك ابن عباس فإنّه حبر الأمة وترجمان القرآن ، وهلم إلى سائر الناس
الّذين كانوا أعلم وأفقه من عمر باعترافه ، وإليك جملة من اعترافاته :

1 ـ قال : « كلّ الناس أفقه منك يا عمر »(2) .

2 ـ قال : « كلّ الناس أفقه من عمر » قالها في واقعتين(3) .

3 ـ قال : « كلّ أحد أفقه مني قالها ثلاثاً »(4) .

4 ـ قال : « كلّ واحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر »(5) .

5 ـ قال : « كلّ واحد أفقه منك يا عمر »(6) .

6 ـ قال : « كلّ الناس أعلم منك يا عمر »(7) .

7 ـ قال : « كلّ الناس أعلم من عمر »(8) .

إلى غير ذلك من أقواله.

_______________________

(1)أنظر مسند عمر / 87 ، مستدرك الحاكم 1 / 438 وصححه ، سنن البيهقي 4 / 313 ، تفسير
ابن كثير 4 / 533 ، تفسير السيوطي 6 / 374 ، فتح الباري 4 / 211.

(2)العقد الفريد 3 / 416.

(3)أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 61 ، ونور الأبصار للشبلنجي / 79.

(4)الرياض النضرة 2 / 196.

(5)نور الأبصار / 65.

(6)الرياض النضرة 2 / 57.

(7)الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 14 / 277.

(8)تفسير الكشاف 2 / 445.

٣٥٣

فكيف يمكن تصديق الزعم بأنّه في تصرفه الشاذ يوم الخميس وكلمته
النابية في حقّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخيراً قوله حسبنا كتاب الله يكون أفقه من أبن
عباس؟!

ولست في مقام المفاضلة ولكن أود تنبيه القارئ إلى أنّ ابن عباس كان قد
حفظ المحكم على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وعمر لم يحفظ سورة البقرة إلّا في أثنتي
عشرة سنة (1) .

ثمّ أليس عمر هو الجاهل والسائل من أبي واقد الليثي : « بأي شيء كان
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ في مثل هذا اليوم »(2) ـ وكان ذلك يوم العيدـ.

فمن كان يجهل ما كان يقرأه النبيّ في صلاة العيد كيف يمكن أن يُزعم
له بأنّه أفقه من ابن عباس؟

اللّهم إنّ ذلك من أكبر الشطط والغلط.

وأخيراً لا آخراً فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان ، والضياء المقدسي
في المائة المختارة والخوارزمي في الجامع عن إبراهيم التيمي قال : « خلا عمر
ذات يوم فأرسل إلى ابن عباس فقال له : كيف تختلف هذه الأمة وكتابها واحد
ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟

_______________________

(1)في شرح الموطأ للزرقاني 2 / 194 ما لفظه : وأخرج الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر
قال : تعلم عمر في أثنتي عشرة سنة فلمّا ختمها نحر جزوراً.

جاء في ربيع الأبرار 2 / 77 ط الأوقاف ببغداد : حفظ عمر سورة البقرة فنحر وأطعم.

(2)هذا ما أخرجه عنه أصحاب الصحاح والسنن كمسلم في صحيحه 1 / 242 ، وأبي داود في
سننه 2 / 280 ، ومالك في الموطأ 1 / 147 ، وابن ماجة في سننه 1 / 188 ، والترمذي في
صحيحه 1 / 106 ، والنسائي في سننه 3 / 184 ، والبيهقي في سننه 3 / 294.

٣٥٤

قال ابن عباس : إنّا اُنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيم نزل ، وأنّه يكون
بعدنا أقوام يقرأون القرآن لا يعرفون فيم نزل ، فيكون لكلّ قوم فيه رأي ،
وإذا كان كذلك اختلفوا » (1) .

وأخرج أحمد في مسنده(2) ، والبيهقي في السنن الكبرى(3) بعدة طرق : عن
كريب عن ابن عباس أنّه قال له عمر : « يا غلام هل سمعت من رسول الله صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم أو من أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته
ماذا يصنع؟

قال : فبينما هو كذلك إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف قال فيم أنتما؟

فقال عمر : سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم أو أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ فقال
عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم يقول : (إذا شك
أحدكم ...) الحديث ».

فعمر الخليفة وهو لا يعرف حكم الشك في الصلاةـوهي فريضة يأتي بها
المسلم كلّ يوم خمس مراتـحتى يسأل عن حكم الشك فيها من ابن عباس
وهو بعد غلام. ولم يكن عند ابن عباس في ذلك سماع في الحكم. كيف يكون
هو أفقه؟

_______________________

(1)كنز العمال 2 / 215 ط حيدر آباد (ثمانية) ، ومفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنّة للسيوطي
1 / 46 ط الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ط الثالثة ، والجامع لأخلاق الراوي وآداب
السامع للخطيب البغدادي 2 / 194 ط مكتبة المعارف بالرياض.

(2)مسند أحمد 1 / 190 و 195.

(3)السنن الكبرى 2 / 332.

٣٥٥

ثامناً : ابن تيمية

قال في كتابه منهاج السنّة بعد حكايته قول العلّامة ابن المطهر الحلي في
حديث الكتف والدواة فقال رداً عليه : والجواب أن يقال : أمّا عمر فقد ثبت من
علمه وفضله ما لم يثبت لأحد غير أبي بكر ، ففي صحيح مسلم عن عائشة عن
النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أنّه كان يقول : قد كان في الأمم قبلكم
محدّثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر(!؟).

قال ابن وهب : تفسير : (محدّثون ملهمون)... إلى آخر ما ذكره من سياق
وشواهد على إلهام عمر بما لا ينفعه بل عليه أضرّ.

ثمّ قال : وأمّا قصة الكتاب الّذي كان رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
يريد أن يكتبه فقد جاء مبيناً في الصحيحين عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت قال رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى
متمن ويقول قائل أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر.

ثمّ ساق حديثاً آخر عن البخاري نحو ما سبق ، وأتبعه بثالث عن مسلم عن
عائشة وسئلت من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستخلفاً لو استخلف؟ قالت : أبو بكر. فقيل
لها ثمّ مَن بعد أبي بكر؟ قالت : عمر. قيل لها ثمّ مَن بعد عمر قالت : أبو عبيدة
عامر بن الجرآح ثمّ انتهت إلى هذا. ثمّ قال : وأمّا عمر فأشتبه عليه هل كان قول
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شدة المرض أو كان من أقواله المعروفة ، والمرض جائز على
الأنبياء ولهذا قال : ما له أهجر ، فشك في ذلك ولم يجزم بأنّه هجر ، والشك جائز
على عمر ، فإنه لا معصوم إلّا النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم ، لاسيما وقد شك
بشبهة ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مريضاً فلم يدر أكلامه كان من وهج المرض كما
يعرض للمريض ، أو كان من كلامه المعروف الّذي يجب قبوله.

٣٥٦

ولذلك ظن أنّه لم يمت حتى تبين أنّه قد مات ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عزم على أن
يكتب الكتاب الّذي ذكره لعائشة ، فلمّا رأى أنّ الشك قد وقع ، علم أنّ الكتاب لا
يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة.

وعلم أنّ الله يجمعهم على ما عزم عليه ، كما قال : (ويأبى الله والمؤمنون إلّا
أبا بكر).

وقول ابن عباس : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم وبين أن يكتب الكتاب ، يقتضي أنّ هذا الحائل كان رزية ، وهو
رزية في حق من شك في خلافة الصديق أو أشتبه عليه الأمر ، فإنه لو كان هناك
كتاب لزال هذا الشك.

فأمّا من علم أنّ خلافته حقّ فلا رزية في حقه ولله الحمد.

ومن توهم أنّ هذا الكتاب كان بخلافة عليّ فهو ضال باتفاق عامة الناس
من علماء السنّة والشيعة(؟). أمّا أهل السنّة فمتفقون على تفضيل أبي بكر
وتقديمه.

وأمّا الشيعة القائلون بأنّ عليّاً كان هو المستحق للإمامة فيقولون إنّه قد
نُص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفاً ، وحينئذ فلم يكن يحتاج
إلى كتاب.

وإن قيل : إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور فلأن تكتم كتاباً حضره
طائفة قليلة أولى وأحرى.

وأيضاً فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته ، ولا يجوز له
ترك الكتاب لشك من شك ، فلو كان ما يكتبه في الكتاب ممّا يجب بيانه وكتابته

٣٥٧

لكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبيّنه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنّه أطوع الخلق له ، فعلم
أنّه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجباً ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته
حينئذٍ ، إذ لو وجب لفعله.

ولو أنّ عمر اشتبه عليه أمر ثمّ تبين له أو شك في بعض الأمور فليس
هو أعظم ممّن يفتي ويقضي بأمور ، ويكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حكم بخلافها
مجتهداً في ذلك ، ولا يكون قد علم حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ الشك في الحقّ
أخف من الجزم بنقيضه ، وكلّ هذا باجتهاد سائغ كان غايته أن يكون من
الخطأ الّذي رفع المؤاخذة به (1) إلى آخر ما ذكره من تهويش وتشويش
لا يسمن ولا يغني.

مع ابن تيمية :

وفي كلامه مواقع كثيرة للنظر نشير إلى بعضها :

أوّلاً : زعمه فضل عمر على الأمة بعد أبي بكر وانه كان محدّثاً ملهما؟ وهذا
منطق علماء التبرير في كلّ زمان ، ولكن لنا أن نسأل أين يغيب عنه ذلك الفضل
والإلهام حين تعتاص عليه الأمور ، فلا يجد مخرجاً إلّا عند الآخرين ، فيلجأ إلى
الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وما أكثر المواطن الّتي قال فيها : « لولا عليّ لهلك
عمر » ، و « لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن »؟

وأين يكون ذلك الفضل المزعوم والإلهام الموهوم حين تطرأ عليه العضل
وهو لا يعرف لها مخرجاً ، فيدعو ابن عباس فيقول له : « قد طرأت علينا عضل
أقصية أنت لها ولأمثالها »؟

_______________________

(1)منهاج السنّة 3 / 134 ـ 135 ط أفست بولاق سنة 1322 ه‍.

٣٥٨

وخلّ عنك عليّاً وابن عباس فالأوّل باب مدينة علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والثاني حبر
الأمة ، ولا غضاضة عليه لو رجع إليهما. ولكن كيف يفضل على جميع الأمة عدا
أبي بكر ، وهو دون مستوى الكثير الكثير من الصحابة وقد مرّت بنا أقواله الّتي
قالها : « كلّ الناس أفقه منك يا عمر » (1) . وقوله الآخر : « كلّ أحد أفقه من
عمر » (2) . لكن علماء التبرير يأبون ذلك لا عن حجة ولكن دفعاً بالصدر.

ثانياً : زعمه أنّ الّذي أراد أن يكتبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو خلافة أبي بكر ، وهذا قد
مرّ مثله عند ابن حزم وغيره ، فلا حاجة إلى الوقفة عنده طويلاً سوى إنّا نود أن
نسأل ابن تيمية الّذي استدل بثلاثة أحاديث كلّها عن عائشة فالأوّل عن
الصحيحين ثمّ الثاني عن البخاري وحده وهذا ما استدل به غيره أيضاً ومرّ ما
عندنا فيهما ، ولكن ما رأي علماء التبرير وابن تيمية منهم في الحديث الثالث
الّذي رواه عن مسلم. وفيه ترشيح أبي عبيدة للخلافة من بعد عمر؟ فأين كان
الرواة عنه يوم السقيفة لحسم النزاع بين المهاجرين والأنصار وأحسبه لم يختلق
بعد ، بل أحسبه من الموضوعات أيام النفرة بينها وبين عثمان حين كانت تقول :
« اقتلوا نعثلاً فقد كفر » (3) ، ولو كان له أدنى نصيب من الصحة لذكر فيه عثمان
بعد عمر لأنّه الّذي تولى الخلافة ، وعلماء السلطان يروون في ترتيبهم ما ينسبونه
إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مثل ذلك.

ثالثاً : زعمه أنّ عمر أشتبه عليه الأمر ، لماذا ذلك وهو صاحب الإلهام
المزعوم وأنّه لو كان من المحدّثين أحد في هذه الأمة لكان هو؟

_______________________

(1)كشف الخفاء للعجلوني 1 / 466 و 2 / 153 و 155 ط مؤسسة الرسالة بيروت.

(2)سنن سعيد بن منصور 1 / 195 ط دار العصيمي بالرياض ، وكتاب الزهد لابن أبي عاصم
1 / 114 ط دار الريان للتراث بالقاهرة.

(3)شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 97 و 114 ط الأولى بمصر.

٣٥٩

ثمّ كيف يشتبه عليه قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل كان من شدة المرض أو كان من
أقواله المعروفة؟ فهل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال مبهِماً ومتمتِماً؟ أو لم يقلها كلمة
صريحة فصيحة (إئتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً )؟
أين الكلام الّذي يوجب الاشتباه؟

ثمّ لماذا لم يشتبه ذلك على غير عمر ممّن حضر عنده؟ ولماذا أحصر
عمر عندما اشتبه عليه الحال إلّا أن يقول : « إنّ النبيّ ليهجر »؟

نعم كلّ ما يهدف إليه ابن تيمية هو تبرئة عمر من وزر الكلمة وإن تم
ذلك على حساب قدسية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكرامته. ولكن الإعتذار باشتباه عمر لا يرفع
عنه الوزر ما دام هو يقرّ لابن عباس بأنه عرف مراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب
وأنّه أراد أن يكتب لابن عمه فمنع منه وفيما تقدم في الصورتين الثالثة والرابعة
من صور الحديث ما يؤكد منعه عن معرفة بالمراد ، وكان المنع منه عن سبق
إصرار وعناد فراجع.

رابعاً : زعمه أنّ قول ابن عباس : « الرزية كلّ الرزية » إنّما هو في حقّ من
شك في خلافة أبي بكر أو أشتبه عليه الأمر ، فأمّا من علم أنّ خلافته حقّ فلا
رزية في حقّه؟

ولنا أن نسأل ابن تيمية عن ابن عباس صاحب الكلمة هل كان شاكاً أو
مشتبهاً عليه الأمر؟ أو كان عالماً بحقيقة خلافة أبي بكر؟ والثاني منفي لأنّه هو
صاحب الكلمة وهو يتحدث عن نفسه ويعبر عن شعوره ، إذن هو من الشاكين
أو المشتبه عليهم الأمر في تحديد ابن تيمية. وإذا كان كذلك ، فابن عباس غير
مؤمن بحكم ما يرويه البخاري عن عائشة من حديث ارادة أستخلاف أبي بكر

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487