موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

موسوعة عبد الله بن عبّاس8%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-501-5
الصفحات: 487

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 487 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158841 / تحميل: 6182
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٥٠١-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

لكن الباحث الواعي لا يعدم الرواية الصحيحة بينها ، وانّها هي الثالثة الّتي
ورد فيها : « انّ النبيّ يَهجَر » وما تحريكه لها بفتحتين إلّا نحو من التعتيم المتعمد ،
لأن الصحيح « يَهجُر » فانها من باب (نصر ينصر) وتحريكها بفتحتين يخرجها
عن المعنى الأصلي للكلمة ، وانحراف بمسارها الصحيح ، وذلك انّ القراءة
بفتحتين تكون بمعنى هجرك الشيء ، أي تركه كما نصت على ذلك بعض
قواميس اللغة. ولكن ذلك لم يعجب الملا علي القاري شارح كتاب القاضي
المذكور فقال في المقام : « يَهجِر » بكسر الجيم مع فتح أوّله بتقدير استفهام
انكار(؟).

وهذا من غرائب الأغراب في مسائل الإعراب ، وإنّما حدث بعد زمان
الحديث والحدث ، تبريراً لمواقف المعارضة عند الحساب.

أمّا الّذي قلناه أنّه الصحيح وهي الرواية الثالثة فقد ذكرها القاري وقال
هو الموجود في مستخرج الإسماعيلي من طريق ابن خلاد عن سفيان. كما
ذكرها غيره (١) وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في محله إن شاء الله.

ثانياً : استعرض ما قاله أئمّته في الحديث. ولا يعنينا معرفة أئمّته
بأعيانهم سواء كانوا هم المالكية ، أو الأشعرية ، أو أهل السنّة والجماعة كما
ذكرهم شارح كتابه الملا عليّ القارئ الحنفي.

والّذي يعنينا أن نعرف ماذا قالوا؟ لم يأتوا بشيء جديد ، ولم يخرجوا
عن أطار التبرير وإن باؤا بإثم التزوير. فكلّ ما مخض سقاؤهم أنّ الروايات
المختلفة الآنفة الذكر يجب تخريجها على نحو الإستفهام الإنكاري ، ولم
_______________________

(١)جاء في سر العالمين للغزالي / ٩ ط بومبي الهند عليّ الحجر سنة ١٣١٤ : « إن الرجل
ليهجر ».

٣٤١

يخرج عن تلك الروايات ، إلّا الرواية الثالثة الّتي لم يذكر لهم فيها رأياً ولم
يعلّق عليها هو بشيء ، لكنّ شارح كتابه لم تفته المشاركة في الحلبة ،
فحشرها مع سابقها ولاحقها فعلّق عليها بقوله : بتقدير إستفهام انكار ..

ثالثاً : ذكر اختلاف العلماء في معنى الحديث ، فذكر أربعة آراء كلّها تدور
في فلك التبرير :

أوّلها : إنّ الأوامر إذا اقترنت بقرينة تخرجها من الوجوب إلى الندب
والإباحة ، فلعلّه ظهر من قرائن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعضهم ما فهموا منه أنّه لم يكن عزمة ،
وبعضهم لم يفهم ذلك فقال : استفهموه ، فلمّا أختلفوا كفّ عنه إذ لم يكن عزمة ،
ولما رأوه من صواب رأي عمر.

وهؤلاء قالوا عن امتناع عمر إمّا اشفاقاً عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإمّا خشي أن يكتب
أموراً يعجزون عنها فيحسون بالحرج في المخالفة ، فرأى الأرفق بالأمة سعة
الاجتهاد الخ.

ثانيها : أنّ عمر خشي تطرق المنافقين إلى أن يقولوا فيما كتب في ذلك
الكتاب في الخلوة(؟)وأن يتقولوا الأقاويل كادعاء الرافضة الوصية وغير ذلك.

ثالثها : انّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما قال لهم ذلك عن طريق المشورة والإختبار ليراهم
هل يتفقون أم يختلفون ، فلمّا أختلفوا تركه.

رابعها : انّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مجيباً لما طُلب منه ولم يكن ذلك منه ابتداء ،
فأجاب رغبة الطالب ، وكره غيره ذلك للعلل الّتي ذكرها في الرأيين الأوّل
والثاني.

وفي كلّ هذه الآراء مواقع للنظر نذكر بعضها :

٣٤٢

أمّا الأوّل وهو احتمال وجود قرينة في المقام عرفها بعضهم ولم يعرفها
آخرون ، فهو من واهي الأحتمالات وقد مرّ مثله والجواب عنه فراجع ما مرّ عن
المازري وقبل ذلك ما قلناه مع الخطابي.

وأمّا الثاني وهو إمّا إحتمالاً أن يكون عمر أشفق على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمنع من
أمتثال أمرِهِ ، فهذا من قبيل المثل (اكوس عريض اللحية) فكيف يكون مشفقاً
عليه وهو يعلن ردّ أمره ويشغب عليه؟ وأين منه الشفقة وقد سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
مكلّبا. كما في حديث ابن عمر الّذي أخرجه الدارقطني في سننه قال : « خرج
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمرّوا على رجل جالس عند مقراة له(١)
فقال عمر : يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك؟ فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
(يا صاحب المقراة لا تخبره هذا مكلِب ، لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي
شراب وطهور) ا ه‍ » (٢) .

أقول : والمكلِبـبكسر اللامـمعلم الكلاب للصيد ، وبفتحها المقيّد ولما
كان معروفاً بالغلظة والشدة ، وإذا لاحاه بعض أهله أصطلم أذنه شبّهه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
بالمكلّب معلّم الكلاب ، إذ لا يكون معلّمها إلّا من هو أكلب منها لتخافه ، فمن
كان كذلك أين منه الشفقة المزعومة؟

وأمّا أحتمال خشية تطرق المنافقين فيجدوا سبيلاً إلى الطعن فيما لو
كتب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا مرّ عن الخطابي ومرّ الجواب عنه. وأمّا تمثيله لتطرق المنافقين
بادعاء الرافضة الوصية ، فليس ادّعاؤهم من دون دعوى البكرية أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن
يكتب لأبي بكر بالخلافة ، بل أدعاؤهم كان هو الحقّ الّذي لا مرية فيه ، لأنّه قد
_______________________

(١)المقراة : كل ما أجتمع الماء فيه ـ القاموس.

(٢)سنن الدارقطني ١ / ٢٦.

٣٤٣

اعترف بصحة دعواهم عمر بن الخطاب حين قال لابن عباس أراده رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأمر فمنعته من ذلك.

وأمّا الثالث وهو الجديدـفيما أعلمـإذ لم يأت في زبر الأولين ،
وهو انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهم على طريق المشورة والاختبار ، هل يتفقون فيكتب
لهم ، أو يختلفون فيتركه ، فلمّا أختلفوا تركه.

وصاحب هذا الرأي الفطير من الغباء بمكان ، إذ تخيل أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في
أخريات أيامه بعد لم يعرف أصحابه معرفة تامة ، وهو الّذي عايشهم طيلة ثلاثاً
وعشرين سنة فلم يعرفهم وما كان عليه بعضهم من المخالفة له ، وكأن تلك
التجارب الّتي مرّت عليه في اختلافهم عند المشورة لم تترك في نفسه أثراً يذكر
حتى احتاج إلى إختبارهم مرة أخرى؟

ألم يستشرهم في حرب بدر فكان منهم السامع المجيب ، ومنهم المخذّل
المريب الّذي يقول له : انها قريش ما ذلّت منذ عزّت.

ألم يستشرهم في أسارى بدر؟ فكان منهم من يرى قتل الأسارى ،
ومنهم من يرى أخذ الفداء حتى نزلت الآية فحسمت الموقف المترجرج
وذلك في قوله تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمَّا فِدَاءً
) (١) .

ألم يختلفوا عليه في وقعة أحد؟!

ألم يختلفوا عليه في وقعة الأحزاب؟!

ألم يختلفوا عليه في قضية بني النضير؟!

ألم يختلفوا عليه في صلح الحديبية؟!

_______________________

(١)محمّد / ٤.

٣٤٤

ألم وألم؟ وكلّ ألمٍ فيها ألم!!

وأمّا الرأي الرابعـوهو كشف جديد كسابقهـما أنزل الله به من سلطان ،
إذ يقول صاحبه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن مبتدءاً بأمره ، بل قال إئتوني أكتب لكم
كتاباً لمن طلب منه ذلك ، وأستدل على ذلك بقول العباس لعليّ : أنطلق بنا إلى
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن كان الأمر فينا علمناه ، وكراهة عليّ هذا وقوله : لا أفعل
الحديث.

وهذا من الغرابة بمكان فإن قول العباس لعليّـلو صحـإنّما كان صبح
يوم الوفاة كان بعد حديث الرزية يوم الخميس بأربعة أيام ، فكيف يكون هو
السبب لتقديم الطلب ويكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجيباً لا مبتدءاً ، كما في تاريخ ابن الأثير
وغيره فراجع.

سادساً : ابن الأثير الجزري

قال في كتابه النهاية : (هجر) ومنه حديث مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قالوا ما شأنه
أهجر ، أي أختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الإستفهام ، أي هل تغيير
كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ، وهذا أحسن ما يقال فيه ، ولا يجعل
اخباراً فيكون إمّا من الفحش أو الهذيان ، والقائل كان عمر ولا يظن به ذلك (١) .

التبرير الفطير عند ابن الأثير :

ليس من القسوة عليه ما وصفناه به ، فهو إذ لم يأتنا بجديد من عنده ، وكلّ
ما بذله من جهده ، أنّه أجترّ أقوال السابقين من علماء التبرير ، واستحسن ذلك ،
_______________________

(١)النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ / ٢٥٥ ط الاُولى مطبعة الخيرية بمصر سنة ١٣٢٢ ه‍
(مادة هجر).

٣٤٥

وحيث مرّت بنا نماذج من أقوالهم وردّها ، فلا نطيل الوقوف ثانياً عندها. إلّا أنّ
من حقنا أن نسأله لما ذكر الحديث أوّلاً مبهِماً أسماء القائلين وهم جماعة. ثمّ
صرّح أخيراً باسم عمر وهو مفرد؟ فهل كان عمر هو الجماعة؟ (كلّ عضوٍ في
الروع منه جموع)؟

ولماذا قال أخيراً ولا يظن به ذلك؟ أليس ذلك من ابن الأثير هو التبرير
الفطير ، فلماذا لا يظن بعمر ذلك وهو رأس الحربة الّتي طعنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في
فؤاده ، إذ عارضه فلم يمكّنه من بلوغ مراده.

فهل أنّ مقامه فوق مقام الرسول الكريم ، فيجب أن يحترم ولو على حساب
كرامة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهم إن هذا الرد بهتان عظيم.

سابعاً : النووي

قال : في شرحه صحيح مسلم : بعد مقدمة في عصمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ممّا يخل
بالتبليغ : وليس معصوماً من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها ، ممّا لا
نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته ، وقد سحر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى صار يخيّل
إليه أنّه فعل الشيء ولم يكن فعله ، ولم يصدر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي هذا الحال كلام في
الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام الّتي قرّرها.

ثمّ قال : فإذا علمت ما ذكرناه فقد أختلف العلماء في الكتاب الّذي همّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به.

فقيل : أراد أن ينص على الخلافة في انسان معين لئلا يقع نزاع وفتن.

وقيل : أراد كتاباً يبيّن فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها ،
ويحصل الإتفاق على المنصوص عليه وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم همّ بالكتاب حين ظهر له

٣٤٦

أنّه مصلحة أو أوحي إليه بذلك ، ثمّ ظهر أنّ المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ،
ونسخ ذلك الأمر الأوّل.

وأمّا كلام عمررضي‌الله‌عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنّه
من دلائل فقه عمر وفضائله ، ودقيق نظره ، لأنّه خشي أن يكتب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أموراً ربّما
عجزوا عنها وأستحقوا العقوبة عليها لأنّها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها ، فقال
عمر : حسبنا كتاب الله لقوله تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (١) وقوله :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٢) ، فعلم أنّ الله تعالى أكمل دينه فأمن من الضلال
على الأمة ، وأراد الترفيه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان عمر أفقه من ابن عباس(٣) .

مع النووي :

لابدّ لنا من وقفة مع النووي!

أوّلاً : في المقدمة الّتي ذكرها في عصمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التبليغ وعدمها من
الأمراض والأسقام العارضة للأجسام فقال في ذلك : وقد سحر صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم حتى صار يخيّل إليه أنّه فعل الشيء ولم يكن فعله ، وقد أعتبر ذلك
غير مضرّ برسالته.

فنقول له : إن ما ورد من أخبار القصّاص الجهال بأنه سحر حتى صار كيت
وكيت لا يمكن التصديق بها ، وإن رواها البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة
وغيرها ، فهي أشبه بحديث خرافة ، ويكفي في ردّها جملةً وتفصيلاً قول الله
_______________________

(١)الأنعام / ٣٨.

(٢)المائدة / ٣.

(٣)شرح صحيح مسلم للنووي ١١ / ٩٠ ط مصر.

٣٤٧

تعالى حيث أنكر على الكفّار الظالمين قولهم :( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا
رَجُلًا مَّسْحُورًا
) (١) والمسحور هو الّذي خبل عقله ، فأنكر الله تعالى ذلك. وذلك
لا يمنع من جواز أن يكون بعض اليهود قد اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه ،
فأطلع الله نبيّه على ما فعله ، حتى استخرج ما فعلوه من التمويه ، فكان ذلك دلالة
على صدقه ومعجزة له.

قال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد وقد ذكر الحديث عن عائشة فقال :
« وقد اعتاص على كثير من أهل الكلام وغيرهم وأنكروه أشد الأنكار ، وقابلوه
بالتكذيب ، وصنف بعضهم فيه مصنفاً مفرداً حمل فيه على هشام وكان غاية ما
أحسن القول فيه ان قال غلط وأشتبه عليه الأمر ولم يكن من هذا شيء ، قال : لأن
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز أن يسحر فإنّه يكون تصديقاً لقول الكفّار :( إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا
رَجُلًا مَّسْحُورًا
) (٢) ، قالوا : وهذا كما قال فرعون لموسى :( إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ
مَسْحُورًا
) (٣) ، وقال قوم صالح له :( إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ) (٤) ، وقال قوم
شعيب له : ( إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ) ، قالوا : فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا ،
فإنّ ذلك ينافي حماية الله لهم وعصمتهم من الشياطين » (٥) .

ثانياً : ما ذكره من اختلاف العلماء فذكر قولين :

أولهما : وهو الحقّ الّذي أباه عمر لأنّه أعترف بعد ذلك أمام ابن عباس بأن
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد عليّاً للأمر فمنعته من ذلك فتبيّن المراد عندما تبين العناد.

_______________________

(١)الإسراء / ٤٧.

(٢)الإسراء / ١٠١.

(٣)الشعراء / ١٥٣.

(٤)الشعراء / ١٨٥.

(٥)بدائع الفوائد ٢ / ٢٢٣.

٣٤٨

وأمّا ثانيهما : فهو من نسج الخيال ولا نطيل فيه المقال لكننا نسأل النووي
عن مزاعمه التالية :

١ـقوله اتفق العلماء؟ فأين وقع؟ ومتى وقع؟ ثمّ كيف يزعم ذلك وهو
الّذي سبق منه أن قال : « اختلف العلماء » في المراد من الكتاب ، فهم حين
اختلفوا في المراد كيف اتفقوا على أنّ الحديث من دلائل فقه عمر وفضائله
ودقيق نظره لأنّه خشي أن يكتب أموراً الخ وفهم عمر على زعمه لا يتفق مع
أصحاب القول الأوّل ولم يرده عمر. وإنّما يتفق مع أصحاب القول الثاني فقط.
فكيف يكون اتفاق مع هذا الاختلاف؟

٢ـقوله : « إنّه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره ». فكيف يزعم له
ذلك ولازمه أن يكون عمر أبصر بمصلحة الأمة من نبيها؟ ولعل النووي يرى
ذلك! ولكن لم يجرأ على البوح به فقال الّذي قال ، ومهما كان عمر فليس
يُصدّق زعم من يرى فيه أنّه خشي أن يكتب أموراً ربّما عجزوا عنها ، لأنّ مبنى
عذر النووي هو الخشية والاحتمال لا التحقق ، ومع ذلك ربّما تكون النتيجة
العجز ولربما لا تكون ، ولو سلمنا جدلاً أنهم عجزوا عنها فهم معذورون
و ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) (١) .

ثمّ إنّ عمر لم يكن مسدّداً بالوحي ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينزل عليه
الوحي ، فهلا احتمل بدقيق نظره؟ـكما يحلو للنووي وصفه بذلكـأنّ ما أمر
به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من أمر الوحي فهو مأمور بالتبليغ عند الإطاعة ، فإذا
هم عصوا تركهم وتركاضهم في الضلال فلماذا منع عمر من امتثال أمر رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

_______________________

(١)البقرة / ٢٨٦.

٣٤٩

٣ـكيف يكون عمر أفقه من ابن عباس لأنّه قال : « حسبنا كتاب الله ». ومن
المعلوم يقيناً أنّ الكتاب المجيد لم يتكفل ببيان جميع أحكام الشريعة بتفاصيلها ،
فخذ مثلاً حكم فريضة الصلاة الّتي هي عمود الدين فلم يرد في الكتاب المجيد
ما يبين جميع فروضها وأركانها وسائر أحكامها وسيأتي مزيد بيان حول عدم
الإستغناء في الأحكام بالكتاب وحده ، ولابدّ من أخذ السنّة معه.

ولنعد إلى تفضيل النووي لعمر على ابن عباس في فقاهته. ولنسأله أين
كانت فقاهة عمر غائبة عنه يوم يقول لابن عباس : « قد طرأت علينا عُضَل أقضية
أنت لها ولأمثالها » (١) .

وأين كانت فقاهته حين يقول له : « غص غواص »(٢) .

فكيف يكون عمر أفقه من ابن عباس؟ وعمر هو القائل : « من كان سائلاً
عن شيء من القرآن فليسأل عبد الله بن عباس » (٣) ، وأين غابت عنه فقاهته يوم
سئل عن مسألة فقال فيها ، فقام إليه ابن عباس فساره فقال : يا أميرالمؤمنين ليس
الأمر هكذا ، فأقبل عمر على العباسـوكان عندهـفقال له : يا أبا الفضل بارك
الله لك في عبد الله إنّي قد أمّرته على نفسي فإذا أخطأت فليأخذ عليَّ (٤) إلى
غير ذلك ممّا قاله عمر وغير عمر في علم ابن عباس وسيأتي بعض تلك الأقوال
في تاريخه العلمي.

_______________________

(١)روى ابن سعد قول عمر عن سعد بن أبي وقاص بلفظ آخر : ولقد رأيت عمر بن الخطاب
يدعوه للمعضلات ثمّ يقول عندك قد جاءتك معضلة ثمّ لا يجاوز قوله وان حوله لأهل
بدر من المهاجرين والأنصار (طبقات ابن سعد ٢ ق٢ / ١٢٢) ، وراجع فضائل الصحابة
لأحمد بن حنبل برقم ١٩١٣.

(٢)طبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة) ١ / ١٤١ تح‍ السُلمي ، وسير أعلام النبلاء ٣ / ٢٤٦ ط
مؤسسة الرسالة ، وفضائل الصحابة ٢ / ٦٨١ ط مؤسسة الرسالة.

(٣)فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل برقم ١٨٩٣ ط مؤسسة الرسالة بيروت سنة ١٤٠٣.

(٤)فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ / ٩٨٢ برقم ١٩٤٢ ط مؤسسة الرسالة.

٣٥٠

ولا يفوتني تنبيه القارئ إلى أنّ النووي لم يكن بدعاً في قومه فله أمثال ابن
بطال والقسطلاني من شرّاح البخاري الّذين يذهبون مذهبه فقد قالوا : وعمر أفقه
من ابن عباس حيث أكتفى بالقرآن ولم يكتف ابن عباس به! ولا حاجة بنا إلى
إبطال أقوال ابن بطال وغيره فهم في التزوير أبطال ، ولكن لابدّ من وقفة قصيرة
للموازنة بين فقه عمر وبين فقه ابن عباس ، بعد معرفة معنى الفقه.

فأقول : لقد جاء في (المفردات في غريب القرآن الكريم) للراغب
الأصبهاني ، مادة : فقه : (الفقه) : هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد ، فهو أخص
من العلم ويعني بذلك أنّ فقه الشيء يحتاج إلى جهد ذهني من الإنسان ليصل
إلى فهم أمره ، إمّا باستنباط من أمر ، أو ظاهر نص يجده.

أمّا العلم فهو قد يحصل دون جهد وتفكير ، وقد يحصل ببذل جهد أيضاً ،
فالفقه أخص من العلم ، فكم من عالم ليس بفقيه ، ولذلك قال علماء اللغة : الفقه
هو الفهم ، أي فهم حقيقة الشيء وإدراك معناه ، ولهذا نفى الله تعالى الفقه عن
الكفّار فقال : ( لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا ) (١) . وإذا عرفنا معنى الفقه وأنّه الفهم
لحقيقة الأمر ، فلنرجع إلى مقالة ابن بطال والنووي لنرى مَن هو الأفقه من
الرجلين ابن عباس أو عمر؟

أيهما أفقه عمر أم ابن عباس؟

لا أريد أستباق الشواهد الدالة على أفقهية ابن عباس وللحديث عنها مجال
آخر. ولكن لابدّ لي من ذكر شاهد واحد يصلح للموازنة بين الرجلين وذلك ما
أخرجه جملة من أئمّة الحديث ممّن لا يتهمون في نقله كابن الجوزي والحاكم
والبيهقي وابن كثير وابن حجر والسيوطي وغيرهم.

_______________________

(١)الأعراف / ١٧٩.

٣٥١

عن عكرمة قال : قال ابن عباس : « دعا عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه أصحاب
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألهم عن ليلة القدر؟ فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر. فقلت
لعمر : إنّي لأعلم وإنّي لأظن أيّ ليلة هي ، قال : وأيّ ليلة هي؟ قلت سابعة تمضي
أو سابعة تبقى من العشر الأواخر.

قال : ومن أين تعلم؟

قال قلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضين ، وسبعة أيام وإنّ الدهر
يدور في سبع ، وخلق الإنسان فيأكل(؟)ويسجد على سبعة أعضاء ، والطواف
سبع ، والجبال سبع.

فقال عمررضي‌الله‌عنه لقد فطنت لأمر ما فطنّا له.

وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال : كنت عند عمر وعنده أصحابه
فسألهم فقال : أرأيتم قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلة القدر التمسوها في العشر الأواخر
وترا أي ليلة ترونها؟ فقال بعضهم : ليلة أحدى وقال بعضهم : ليلة ثلاث ، وقال
بعضهم : ليلة خمس ، وقال بعضهم : ليلة سبع ، وأنا ساكت فقال : مالك لا تتكلم؟
قلت : إنك أمرتني أن لا أتكلم حتى يتكلموا. فقال : ما أرسلت إليك إلّا لتتكلم
فقلت : إني سمعت الله يذكر السبع ، فذكر سبع سموات ومن الأرض مثلهن ،
وخلق الأنسان من سبع ، ونبت الأرض سبع.

فقال عمررضي‌الله‌عنه : هذا أخبرتني ما أعلم ، أرأيت ما لم أعلم قولك : (نبت
الأرض سبع) قال : قال الله عزوجل :( ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا *
وَعِنَبًا وَقَضْبًا
* وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) (١) .

_______________________

(١)عبس / ٢٦ ـ ٣١.

٣٥٢

قال : فالأبّ ما أنبتت الأرض ممّا تأكله الدواب والأنعام ولا يأكله الناس.

قال فقال عمررضي‌الله‌عنه لأصحابه : أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الّذي لم
تجتمع شئون رأسه ، والله إنّي لأرى القول كما قلت » (١) .

هذا شاهد واحد ممّا يرويه أصحاب الحديث ممّن لا يتهمون على عمر.
ثمّ دع عنك ابن عباس فإنّه حبر الأمة وترجمان القرآن ، وهلم إلى سائر الناس
الّذين كانوا أعلم وأفقه من عمر باعترافه ، وإليك جملة من اعترافاته :

١ ـ قال : « كلّ الناس أفقه منك يا عمر »(٢) .

٢ ـ قال : « كلّ الناس أفقه من عمر » قالها في واقعتين(٣) .

٣ ـ قال : « كلّ أحد أفقه مني قالها ثلاثاً »(٤) .

٤ ـ قال : « كلّ واحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر »(٥) .

٥ ـ قال : « كلّ واحد أفقه منك يا عمر »(٦) .

٦ ـ قال : « كلّ الناس أعلم منك يا عمر »(٧) .

٧ ـ قال : « كلّ الناس أعلم من عمر »(٨) .

إلى غير ذلك من أقواله.

_______________________

(١)أنظر مسند عمر / ٨٧ ، مستدرك الحاكم ١ / ٤٣٨ وصححه ، سنن البيهقي ٤ / ٣١٣ ، تفسير
ابن كثير ٤ / ٥٣٣ ، تفسير السيوطي ٦ / ٣٧٤ ، فتح الباري ٤ / ٢١١.

(٢)العقد الفريد ٣ / ٤١٦.

(٣)أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٦١ ، ونور الأبصار للشبلنجي / ٧٩.

(٤)الرياض النضرة ٢ / ١٩٦.

(٥)نور الأبصار / ٦٥.

(٦)الرياض النضرة ٢ / ٥٧.

(٧)الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٤ / ٢٧٧.

(٨)تفسير الكشاف ٢ / ٤٤٥.

٣٥٣

فكيف يمكن تصديق الزعم بأنّه في تصرفه الشاذ يوم الخميس وكلمته
النابية في حقّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخيراً قوله حسبنا كتاب الله يكون أفقه من أبن
عباس؟!

ولست في مقام المفاضلة ولكن أود تنبيه القارئ إلى أنّ ابن عباس كان قد
حفظ المحكم على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وعمر لم يحفظ سورة البقرة إلّا في أثنتي
عشرة سنة (١) .

ثمّ أليس عمر هو الجاهل والسائل من أبي واقد الليثي : « بأي شيء كان
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ في مثل هذا اليوم »(٢) ـ وكان ذلك يوم العيدـ.

فمن كان يجهل ما كان يقرأه النبيّ في صلاة العيد كيف يمكن أن يُزعم
له بأنّه أفقه من ابن عباس؟

اللّهم إنّ ذلك من أكبر الشطط والغلط.

وأخيراً لا آخراً فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان ، والضياء المقدسي
في المائة المختارة والخوارزمي في الجامع عن إبراهيم التيمي قال : « خلا عمر
ذات يوم فأرسل إلى ابن عباس فقال له : كيف تختلف هذه الأمة وكتابها واحد
ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟

_______________________

(١)في شرح الموطأ للزرقاني ٢ / ١٩٤ ما لفظه : وأخرج الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر
قال : تعلم عمر في أثنتي عشرة سنة فلمّا ختمها نحر جزوراً.

جاء في ربيع الأبرار ٢ / ٧٧ ط الأوقاف ببغداد : حفظ عمر سورة البقرة فنحر وأطعم.

(٢)هذا ما أخرجه عنه أصحاب الصحاح والسنن كمسلم في صحيحه ١ / ٢٤٢ ، وأبي داود في
سننه ٢ / ٢٨٠ ، ومالك في الموطأ ١ / ١٤٧ ، وابن ماجة في سننه ١ / ١٨٨ ، والترمذي في
صحيحه ١ / ١٠٦ ، والنسائي في سننه ٣ / ١٨٤ ، والبيهقي في سننه ٣ / ٢٩٤.

٣٥٤

قال ابن عباس : إنّا اُنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيم نزل ، وأنّه يكون
بعدنا أقوام يقرأون القرآن لا يعرفون فيم نزل ، فيكون لكلّ قوم فيه رأي ،
وإذا كان كذلك اختلفوا » (١) .

وأخرج أحمد في مسنده(٢) ، والبيهقي في السنن الكبرى(٣) بعدة طرق : عن
كريب عن ابن عباس أنّه قال له عمر : « يا غلام هل سمعت من رسول الله صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم أو من أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته
ماذا يصنع؟

قال : فبينما هو كذلك إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف قال فيم أنتما؟

فقال عمر : سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم أو أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ فقال
عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم يقول : (إذا شك
أحدكم ...) الحديث ».

فعمر الخليفة وهو لا يعرف حكم الشك في الصلاةـوهي فريضة يأتي بها
المسلم كلّ يوم خمس مراتـحتى يسأل عن حكم الشك فيها من ابن عباس
وهو بعد غلام. ولم يكن عند ابن عباس في ذلك سماع في الحكم. كيف يكون
هو أفقه؟

_______________________

(١)كنز العمال ٢ / ٢١٥ ط حيدر آباد (ثمانية) ، ومفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنّة للسيوطي
١ / ٤٦ ط الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ط الثالثة ، والجامع لأخلاق الراوي وآداب
السامع للخطيب البغدادي ٢ / ١٩٤ ط مكتبة المعارف بالرياض.

(٢)مسند أحمد ١ / ١٩٠ و ١٩٥.

(٣)السنن الكبرى ٢ / ٣٣٢.

٣٥٥

ثامناً : ابن تيمية

قال في كتابه منهاج السنّة بعد حكايته قول العلّامة ابن المطهر الحلي في
حديث الكتف والدواة فقال رداً عليه : والجواب أن يقال : أمّا عمر فقد ثبت من
علمه وفضله ما لم يثبت لأحد غير أبي بكر ، ففي صحيح مسلم عن عائشة عن
النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أنّه كان يقول : قد كان في الأمم قبلكم
محدّثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر(!؟).

قال ابن وهب : تفسير : (محدّثون ملهمون)... إلى آخر ما ذكره من سياق
وشواهد على إلهام عمر بما لا ينفعه بل عليه أضرّ.

ثمّ قال : وأمّا قصة الكتاب الّذي كان رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
يريد أن يكتبه فقد جاء مبيناً في الصحيحين عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت قال رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى
متمن ويقول قائل أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر.

ثمّ ساق حديثاً آخر عن البخاري نحو ما سبق ، وأتبعه بثالث عن مسلم عن
عائشة وسئلت من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستخلفاً لو استخلف؟ قالت : أبو بكر. فقيل
لها ثمّ مَن بعد أبي بكر؟ قالت : عمر. قيل لها ثمّ مَن بعد عمر قالت : أبو عبيدة
عامر بن الجرآح ثمّ انتهت إلى هذا. ثمّ قال : وأمّا عمر فأشتبه عليه هل كان قول
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شدة المرض أو كان من أقواله المعروفة ، والمرض جائز على
الأنبياء ولهذا قال : ما له أهجر ، فشك في ذلك ولم يجزم بأنّه هجر ، والشك جائز
على عمر ، فإنه لا معصوم إلّا النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم ، لاسيما وقد شك
بشبهة ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مريضاً فلم يدر أكلامه كان من وهج المرض كما
يعرض للمريض ، أو كان من كلامه المعروف الّذي يجب قبوله.

٣٥٦

ولذلك ظن أنّه لم يمت حتى تبين أنّه قد مات ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عزم على أن
يكتب الكتاب الّذي ذكره لعائشة ، فلمّا رأى أنّ الشك قد وقع ، علم أنّ الكتاب لا
يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة.

وعلم أنّ الله يجمعهم على ما عزم عليه ، كما قال : (ويأبى الله والمؤمنون إلّا
أبا بكر).

وقول ابن عباس : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم وبين أن يكتب الكتاب ، يقتضي أنّ هذا الحائل كان رزية ، وهو
رزية في حق من شك في خلافة الصديق أو أشتبه عليه الأمر ، فإنه لو كان هناك
كتاب لزال هذا الشك.

فأمّا من علم أنّ خلافته حقّ فلا رزية في حقه ولله الحمد.

ومن توهم أنّ هذا الكتاب كان بخلافة عليّ فهو ضال باتفاق عامة الناس
من علماء السنّة والشيعة(؟). أمّا أهل السنّة فمتفقون على تفضيل أبي بكر
وتقديمه.

وأمّا الشيعة القائلون بأنّ عليّاً كان هو المستحق للإمامة فيقولون إنّه قد
نُص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفاً ، وحينئذ فلم يكن يحتاج
إلى كتاب.

وإن قيل : إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور فلأن تكتم كتاباً حضره
طائفة قليلة أولى وأحرى.

وأيضاً فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته ، ولا يجوز له
ترك الكتاب لشك من شك ، فلو كان ما يكتبه في الكتاب ممّا يجب بيانه وكتابته

٣٥٧

لكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبيّنه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنّه أطوع الخلق له ، فعلم
أنّه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجباً ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته
حينئذٍ ، إذ لو وجب لفعله.

ولو أنّ عمر اشتبه عليه أمر ثمّ تبين له أو شك في بعض الأمور فليس
هو أعظم ممّن يفتي ويقضي بأمور ، ويكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حكم بخلافها
مجتهداً في ذلك ، ولا يكون قد علم حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ الشك في الحقّ
أخف من الجزم بنقيضه ، وكلّ هذا باجتهاد سائغ كان غايته أن يكون من
الخطأ الّذي رفع المؤاخذة به (١) إلى آخر ما ذكره من تهويش وتشويش
لا يسمن ولا يغني.

مع ابن تيمية :

وفي كلامه مواقع كثيرة للنظر نشير إلى بعضها :

أوّلاً : زعمه فضل عمر على الأمة بعد أبي بكر وانه كان محدّثاً ملهما؟ وهذا
منطق علماء التبرير في كلّ زمان ، ولكن لنا أن نسأل أين يغيب عنه ذلك الفضل
والإلهام حين تعتاص عليه الأمور ، فلا يجد مخرجاً إلّا عند الآخرين ، فيلجأ إلى
الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وما أكثر المواطن الّتي قال فيها : « لولا عليّ لهلك
عمر » ، و « لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن »؟

وأين يكون ذلك الفضل المزعوم والإلهام الموهوم حين تطرأ عليه العضل
وهو لا يعرف لها مخرجاً ، فيدعو ابن عباس فيقول له : « قد طرأت علينا عضل
أقصية أنت لها ولأمثالها »؟

_______________________

(١)منهاج السنّة ٣ / ١٣٤ ـ ١٣٥ ط أفست بولاق سنة ١٣٢٢ ه‍.

٣٥٨

وخلّ عنك عليّاً وابن عباس فالأوّل باب مدينة علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والثاني حبر
الأمة ، ولا غضاضة عليه لو رجع إليهما. ولكن كيف يفضل على جميع الأمة عدا
أبي بكر ، وهو دون مستوى الكثير الكثير من الصحابة وقد مرّت بنا أقواله الّتي
قالها : « كلّ الناس أفقه منك يا عمر » (١) . وقوله الآخر : « كلّ أحد أفقه من
عمر » (٢) . لكن علماء التبرير يأبون ذلك لا عن حجة ولكن دفعاً بالصدر.

ثانياً : زعمه أنّ الّذي أراد أن يكتبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو خلافة أبي بكر ، وهذا قد
مرّ مثله عند ابن حزم وغيره ، فلا حاجة إلى الوقفة عنده طويلاً سوى إنّا نود أن
نسأل ابن تيمية الّذي استدل بثلاثة أحاديث كلّها عن عائشة فالأوّل عن
الصحيحين ثمّ الثاني عن البخاري وحده وهذا ما استدل به غيره أيضاً ومرّ ما
عندنا فيهما ، ولكن ما رأي علماء التبرير وابن تيمية منهم في الحديث الثالث
الّذي رواه عن مسلم. وفيه ترشيح أبي عبيدة للخلافة من بعد عمر؟ فأين كان
الرواة عنه يوم السقيفة لحسم النزاع بين المهاجرين والأنصار وأحسبه لم يختلق
بعد ، بل أحسبه من الموضوعات أيام النفرة بينها وبين عثمان حين كانت تقول :
« اقتلوا نعثلاً فقد كفر » (٣) ، ولو كان له أدنى نصيب من الصحة لذكر فيه عثمان
بعد عمر لأنّه الّذي تولى الخلافة ، وعلماء السلطان يروون في ترتيبهم ما ينسبونه
إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مثل ذلك.

ثالثاً : زعمه أنّ عمر أشتبه عليه الأمر ، لماذا ذلك وهو صاحب الإلهام
المزعوم وأنّه لو كان من المحدّثين أحد في هذه الأمة لكان هو؟

_______________________

(١)كشف الخفاء للعجلوني ١ / ٤٦٦ و ٢ / ١٥٣ و ١٥٥ ط مؤسسة الرسالة بيروت.

(٢)سنن سعيد بن منصور ١ / ١٩٥ ط دار العصيمي بالرياض ، وكتاب الزهد لابن أبي عاصم
١ / ١١٤ ط دار الريان للتراث بالقاهرة.

(٣)شرح النهج لابن أبي الحديد ٣ / ٩٧ و ١١٤ ط الأولى بمصر.

٣٥٩

ثمّ كيف يشتبه عليه قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل كان من شدة المرض أو كان من
أقواله المعروفة؟ فهل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال مبهِماً ومتمتِماً؟ أو لم يقلها كلمة
صريحة فصيحة (إئتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً )؟
أين الكلام الّذي يوجب الاشتباه؟

ثمّ لماذا لم يشتبه ذلك على غير عمر ممّن حضر عنده؟ ولماذا أحصر
عمر عندما اشتبه عليه الحال إلّا أن يقول : « إنّ النبيّ ليهجر »؟

نعم كلّ ما يهدف إليه ابن تيمية هو تبرئة عمر من وزر الكلمة وإن تم
ذلك على حساب قدسية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكرامته. ولكن الإعتذار باشتباه عمر لا يرفع
عنه الوزر ما دام هو يقرّ لابن عباس بأنه عرف مراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب
وأنّه أراد أن يكتب لابن عمه فمنع منه وفيما تقدم في الصورتين الثالثة والرابعة
من صور الحديث ما يؤكد منعه عن معرفة بالمراد ، وكان المنع منه عن سبق
إصرار وعناد فراجع.

رابعاً : زعمه أنّ قول ابن عباس : « الرزية كلّ الرزية » إنّما هو في حقّ من
شك في خلافة أبي بكر أو أشتبه عليه الأمر ، فأمّا من علم أنّ خلافته حقّ فلا
رزية في حقّه؟

ولنا أن نسأل ابن تيمية عن ابن عباس صاحب الكلمة هل كان شاكاً أو
مشتبهاً عليه الأمر؟ أو كان عالماً بحقيقة خلافة أبي بكر؟ والثاني منفي لأنّه هو
صاحب الكلمة وهو يتحدث عن نفسه ويعبر عن شعوره ، إذن هو من الشاكين
أو المشتبه عليهم الأمر في تحديد ابن تيمية. وإذا كان كذلك ، فابن عباس غير
مؤمن بحكم ما يرويه البخاري عن عائشة من حديث ارادة أستخلاف أبي بكر

٣٦٠

وفيه : يأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر. فهل يقول بذلك أبن تيمية؟ وإذا قال
بذلك فليعطف عليه كلّ من أبى خلافة أبي بكر من سائر الصحابة. ثمّ بعد ذلك
ليبحث ابن تيمية وأضرابه عن حجة لإثبات عدالة جميع الصحابة خصوصاً من
أبى خلافة أبي بكر ولم يبايعه حتى مات مثل الزهراء وسعد بن عبادة ، أو تخلّف
عن البيعة إلى ستة أشهر كعليّ وجميع بني هاشم وآخرين من شيعتة من الصحابة
كما ستأتي أسماؤهم ، أو يتخلّوا عن مقولة الصحابة كلّهم عدول.

خامساً : زعمه أنّ من توهم أنّ هذا الكتاب كان بخلافة عليّ فهو ضال
باتفاق عامة الناس الخ. إذا كان هذا حكم ابن تيمية فيمن توهم ذلك ، فما هو
حكمه فيمن تيقن وقطع به؟

فهل يبقى ضالاً أم يزيد في عقوبته؟

ومهما يكن حكمه فإنا نقول له لقد حكمت على إمامك عمر بالضلالة من
دون أن تشعر. لأنّ عمر كان يقول بذلك جازماً غير شاك ولا مرتاب ، وقد
اعترف به لابن عباس كما أشرنا إلى ذلك مراراً ، وذلك من عمر أعتراف خطير
يدمغ رؤوس علماء التبرير.

سادساً : زعمه اتفاق عامة الناس ، وتلفيقه الاتفاق من أهل السنّة
الذين يقولون بتفضيل أبي بكر وهذا لا كلام لنا فيه ، ولكن هلمّ الخطب
فيما زعمه اتفاق الشيعة معهم على أنّ الكتاب لم يكن بخلافة عليّ بتقريب
أنّ الشيعة يقولون بالنصّ الجلي على عليّ قبل ذلك اليوم ، فهو لا يحتاج إلى
الكتاب يومئذ.

٣٦١

وهذا من مناوراته الخبيثة ، وكأنّ تأكيد النص كتابة بعد أن كان شفاها
ممنوع عقلاً أو شرعاً.

فليكن الشيعة وهم يذكرون النص السابق الجلي الظاهرـوهو بيعة يوم
الغديرـوما سبقها منذ بدء الدعوة وما لحق بها ، لكن لا مانع من تأكيد ذلك
بالكتاب ليكون أقوى حجة في دفع الخصوم الّذين سوّلت لهم أنفسهم فنابذوه
وأضبّوا على عداوته مع وجود النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين ظهرانيهم.

ولماذا لا يكون الكتابـلو تمّـأقوى حجة وأظهر دليلاً وهو المتكفل
بعصمة الأمة من الضلالة.

لكن عناصر الشغب الّذين أظهروا كوامن أحقادهم عرفوا أنّه لو تمّ الكتاب
فلا يبقى لهم حساب ، لذلك أصروا على التمرد والعناد ، وعدم امتثال أوامر
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت الصلعاء والشوهاء منهم تخلفهم عن جيش اُسامة والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
ينادي : (أنفذوا جيش اُسامة ، لعن الله من تخلف عن جيش اُسامة) (1) ، وما كان
ذلك منهم إلّا بعد أن تيقنوا انّ المراد بالكتاب هو خلافة عليّ ، فألقحها ابن
الخطاب فتنة عمياء حين قال كلمته الرعناء : « انّ النبيّ ليهجر » فنسف كلّ ما
أراده النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك (غمّ) أغمي عليه من شدة الصدمة ، ووقع الاختلاف
والنزاع ، فأفاق صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطردهم وقال : (قوموا عني).

ولمّا قال له بعض أهل بيته ألا نأتيك بالّذي طلبت وان رغمت معاطس؟
فقال : (أبعد الّذي قال قائلكم) هذا بعض ما في كلام ابن تيمية من شطط في
القول وخطل في الرأي.

_______________________

(1)أنظر الملل والنحل للشهرستاني 1 / 23 ط الثانية سنة 1395 ه‍.

٣٦٢

تاسعاً : الشاطبي

قال في كتاب الاعتصام : ولقد كانعليه‌السلام حريصاً على إلفتنا وهدايتنا ، حتى
ثبت من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أنّه قال : لمّا حُضر النبيّ صلّى الله عليه(وآله)
وسلّم قال وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنهم ـفقال : (هلمّ أكتب
لكم كتاباً لن تضلوا بعده) فقال عمر : انّ النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم غلبه
الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله ، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم
من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم كتاباً لن تضلوا
بعده ، ومنهم من يقول كما قال عمر ، فلمّا كثر اللغط والاختلاف عند النبيّ صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم قال : (قوموا عني) فكان ابن عباس يقول : الرزية كلّ الرزية
ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك
الكتاب من اختلافهم ولغطهم.

فكان ذلكـوالله أعلمـوحياً أوحى الله إليه أنّه إن كتب لهم ذلك
الكتاب لم يضلوا بعده البتة ، فتخرج الأمة عن مقتضى قوله : ( وَلَا يَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ
) بدخولها تحت قوله :( إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ) (1) . فأبى الله إلّا ما سبق به
علمه من أختلافهم كما أختلف غيرهم.

رضينا بقضاء الله وقدره ، ونسأله أن يثبتنا على الكتاب والسنّة ويميتنا على
ذلك بفضله (2) .

مع الشاطبي :

لعل القارئ أدرك كيف حاول الشاطبي أستغفال القرّاء في تبريره ،
ومراوغته ، فهو حين يبدو حريصاً على إظهار نفسه بواقعية مقبولة يكسب فيها
_______________________

(1)الحديد / 7.

(2)الاعتصام 3 / 12.

٣٦٣

قارئ كلامه ، لكنه سرعان ما تطغى عليه جبريته في سبيل تبرئة عمر ، فيلقى اللوم
على السماء ، وبتعبير أصح يلتمس العذر له من السماء. فانظر إلى قوله : « إنّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان حريصاً على إلفتنا وهدايتنا » ، وأستدل بحديث ابن عباسرضي‌الله‌عنهما
وهو حديث الرزية. وهذا صحيح في واقعه ولا غبار عليه.

وأنظر إلى قوله في تعقيبه على ذلك :

« فكان ذلكـوالله أعلمـوحياً أوحى الله إليه إنّه إن كتب لهم ذلك
الكتاب لم يضلوا بعده البتة ، فتخرج الأمة عن مقتضى قوله : ( وَلَا يَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ
) بدخولها تحت قوله :( إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ) (1) ».

وهذا أيضاً من مقبول القول وبه كسب القارئ إلى قبول ما يقوله. فسرعان
ما أستغفله بقوله : « فأبى الله إلّا ما سبق به من علمه من اختلافهم كما اختلف
غيرهم ».

فأنظر إلى هذا التبرير الفجّ!

الله سبحانه وتعالى هو الّذي أوحى إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يأمر بالكتاب الّذي لا
يضلون بعده ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدوره يأمر بذلك. وعمر يمنع من ذلك ، ويُحدث الفرقة
في الحاضرين ، ثمّ يقع الخصام وينتهي بطرد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمنازعين. ومع ذلك كلّه
يقول : « فأبى الله إلاّ ما سبق في علمه من اختلافهم ».

ومن الغريب العجيب ينأى عن إدانة السبب في المنع ، ويحمّل السماء تلك
الإدانة ، وإنّ الله أبى إلّا ما سبق في علمه؟

وهل هذا إلّا إستغفال للقراء واستخفاف بالعقول!! وليس لنا إلّا أن نقول
كما قال : رضينا بقضاء الله وقدره.

_______________________

(1)الحديد / 7.

٣٦٤

عاشراً : ابن حجر العسقلاني

قال في فتح الباري كلاماً كثيراً نثره وكرّر أكثره في أجزاء كتابه ، تبعاً
لصحيح البخاري لورود الحديث في مختلف أبوابه ، لكنه أطال الكلام في
موضعين : في كتاب العلم باب كتابة العلم (1) ، وفي كتاب المغازي باب مرض
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) ، ولم يأتنا بشيء جديد ، ولم نتجن عليه في ذلك فقد اعترف بذلك
في الموضع الثاني فقال : وقد تكلم عياض وغيره على هذا الموضع فأطالوا ،
ولخصه القرطبي تلخيصاً حسناً ثمّ لخصته من كلامه وحاصله : فذكر ما لخصه ،
ولما كنا نحن قد ذكرنا كلام عياض بطوله ، وناقشناه فيه ، لذلك أعرضنا عن ذكر
كلام القرطبي إلّا عرضاً ، وكذلك نعرض عن ابن حجر إلّا ما جاء به من عند
نفسه. فقد قال وهو ينقل الأحتمالات الّتي ذكرها القرطبي في تعريف قائل
الكلمة : ويظهر منه ترجيح ثالث الإحتمالات الّتي ذكرها القرطبي ويكون قائل
ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام ، وكان يعهد أنّ من أشتد عليه الوجع قد
يشتغل به عن تحرير ما يريد أن يقوله لجواز وقوع ذلك. ولهذا وقع في الرواية
الثانية فقال بعضهم : أنّه قد غلبه الوجع. ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمّد
ابن خلاد عن سفيان في هذا الحديث فقالوا : ما شأنه يهجر؟! أستفهموه ، وعن ابن
سعد من طريق أخرى عن سعيد بن جبير : إنّ نبيّ الله ليهجر ، ويؤيده أنّه بعد أن
قال ذلك استفهموه بصيغة الأمر بالاستفهام ، أي اختبروا أمره بأن يستفهموه عن
هذا الّذي أراده وابحثوا معه في كونه الأولى ، أوّلاً.

_______________________

(1)فتح الباري 1 / 219.

(2)نفس المصدر 9 / 197.

٣٦٥

مع ابن حجر العسقلاني :

من الغريب أمر هذا الرجل فهو يختار مرجحاً انّ القائل لكلمة الهجر سواء
كانت إخباراً أو إنشاءاً هو من بعض قرب دخوله في الإسلام؟ مع أنّه سبق منه في
تفسير معنى الهجر والهذيان فقال : « والمراد بهـيعني الهجرـفي الرواية ما يقع
من كلام المريض الّذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته. ووقوع ذلك من النبيّ
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم مستحيل ، لأنّه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى :
( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ) (1) ، ولقوله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم : (إنّي لا أقول في
الغضب والرضا إلّا حقاً) ، وإذا عرف ذلك ، فإنّما قاله من قاله منكر على من
توقف في أمتثال أمره باحضار الكتف والدواة.

فكأنّه قال كيف تتوقف؟ أتظن أنّه كغيره يقول الهذيان في مرضه
وأحضره ما طلب فإنّه لا يقول إلّا الحقّ ا ه‍ ».

أقول : فأين صار ترجيحه بأنّ القائل هو من قرب دخوله في الإسلام وكان
يعهد أنّ من اشتد عليه الوجع الخ؟ ثمّ ما باله يشرّق تارة ويغرّب أخرى بين
الرأيين ، بينما يعترف هو بنفسه تبعاً لما ورد في صحيح البخاري في الموارد
الآتية بأنّ القائل هو عمر. فأي أقواله هو الصحيح؟ ليس ذلك منه إلّا استماتة في
الستر على مقولة عمر. وهل هذا منه إلّا كذباً من القول وتمويهاً على القارئ وتشويهاً
للحقيقة.

وما أدري كيف استساغ أن يقول ذلك ، وفي صحيح البخاري الّذي هو يشرحه
قد ورد التصريح بأنّ القائل هو عمر ، ورد ذلك في ثلاثة مواضع ، وهي كما يلي :

_______________________

(1)النجم / 3.

٣٦٦

1ـفي كتاب العلم باب كتابة العلم : قال عمر : « انّ النبيّ صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا » (1) .

2ـفي كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني : فقال عمر : « انّ النبيّ
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب
الله فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبيّ صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر » (2) .

3ـفي كتاب الاعتصام باب كراهية الاختلاف قال عمر : « انّ النبيّ صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله واختلف
أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر » (3) .

هذه هي الموارد الّتي صرّح فيها بأسم عمر ، وقد شرحها ابن حجر في
كتابه وصرّح بها بذكر عمر تبعاً للبخاري ، أمّا الموارد الأربعة الأخرى الّتي غمغم
فيها البخاري أو الرواة قبله فلم يذكروا اسم عمر. نجد ابن حجر في شرحه لها
يورد اسم عمر مدافعاً عنه.

ثمّ إذا كان في نظره أنّ القائل (هو بعض من قرب دخوله في الإسلام) ،
فهل يعني بذلك أنّ عمر كان كذلك؟ وهذا ما لا يكاد تصديقه ولا يمكن أن
يكون مراده ، لأنّ عمر أسلم قبل ذلك اليوم بأكثر من خمس عشرة سنة ، وليس
هو بقريب عهد بالإسلام وإذا لم يكن يعني عمر فمن هو ذلك الرجل المزعوم
_______________________

(1)صحيح البخاري 1 / 30.

(2)نفس المصدر 7 / 120.

(3)نفس المصدر 9 / 111.

٣٦٧

الذي قرب دخوله في الإسلام؟ وما اعتذاره إلّا استخفاف بعقول الناس
واستجهال لهم على غير أستحياء ، فهو إذ لم يصب الهدف المنشود يكشف عن
بلادته أيضاً حين جانب الدقة في كلامه ، فتخيل بهذه الفهفهة الفجّة يغطي ما لا
يضمّه ستر ، وأنى له ذلك ، فهو مهما أوتي من براعة التزييف وامعان في المغالاة
لا يستطيع التستر على اسم القائل ، ولا الإعتذار عنه ، ولكن ما الحيلة معه ومع
أمثاله ، وهذا شأن من يقول ما يشاء من دون تورّع ، ولا يبالي بما يقال فيه ، وهذه
سجية علماء التبرير إذ يسوقهم خطأ التقدير ، إلى مهاوي التحوير والتزوير.

الحادي عشر : القسطلاني

وهذا الرجل لدة قومه يدلي بدلوهم ويمتح من غربهم ، ولا يجاوز طريقتهم
في تضارب الأقوال ، فهو وبعبارة أوضح يجترّ أقوال السابقين ، من دون التفات لما
فيها من هنات وهنات. لذلك كثر عنده التناقض ، وأظن أنّ القارئ يكتفي ببعض
الشواهد على ذلك :

1ـفمثلاً قال في كتابه إرشاد الساري في شرح (أكتب لكم كتاباً) : « فيه
النص على الأئمّة بعدي أو أبين فيه مهمات الأحكام » (1) .

ولكنه جاء بجديده فيما يحسب في شرح (ولا ينبغي عند نبيّ تنازع) فقال :
« والظاهر إنّ هذا الكتاب الّذي أراده إنّما هو في النص على خلافة أبي
بكر » (2) ، وأبطل قول من قال أنّه بزيادة أحكام ، لكنه عاد في شرح (لكم
كتاباً) فقال : « فيه استخلاف أبي بكر بعدي أو فيه مهمات الأحكام » (3) .

_______________________

(1)إرشاد الساري 1 / 207.

(2)نفس المصدر 5 / 169.

(3)نفس المصدر 8 / 355.

٣٦٨

فأنظر إلى أقواله هذه : فهو أوّلاً جعل المراد كتابته النص على الأئمّة أو بيان
مهمات الأحكام ، ثمّ أستظهر أنّ الكتاب إنّما هو في النص على خلافة أبي بكر
قال ذلك بضرس قاطع وقد جاء بأداة الحصر (إنّما) وأبطل زعم أنّ فيه زيادة
أحكام ، ثمّ عاد ثالثاً فجعل المراد مردداً بين استخلاف أبي بكر أو مهمّات
الأحكام.

2 ـ وشاهداً آخر على تناقضه قال : (فاختلفوا) أي الصحابة عند ذلك(1) .

وقال : (فاختلف أهل البيت) الّذين كانوا فيه من الصحابة لا أهل بيته صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم (2) .

لكنه قال مرة أخرى : (فاختلف أهل البيت) النبوي؟(3)

فأنظر إلى تناقضه!!

فهو أوّلاً قال : « هم الصحابة » ، وأكد ذلك ثانياً ونفى أن يكون أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
من أولئك الّذين جاؤا بالإختلاف ، ولكنه فجأة وبجرة من القلم بوعي أو غير
وعي قال : « فاختلف أهل البيت » النبوي!!

ولا نطيل المقام عنده فمن شاء أن يستزيد من عجائب تناقضاته فليرجع
إلى كتابه (4) ليرى كيف حب الشيء يعمي ويصمّ. ولا عجب من علماء التبرير
خصوصاً شرّاح الصحيحين فكم لهم من تأويلات وتمحلات لو أتينا على جميع
ما قالوه لاحتجنا إلى تأليف مخصوص في ذلك ، والآن ولا نبخل على القارئ
ببعض الأسماء منهم وشيء ممّا عندهم ، فعسى أن يقيض الله لنصرة دينه من
_______________________

(1)نفس المصدر 1 / 207.

(2)نفس المصدر 6 / 463.

(3)نفس المصدر 8 / 355.

(4)نفس المصدر 6 / 462 ـ 463.

٣٦٩

يجمع جميع ما قالوه ويفنّد ما زعمه أولئك الخصوم نصرة للحق المهضوم
والولي المظلوم.

الثاني عشر : الوشتاني الآبي المالكي

ومن علماء التبرير أيضاً أبو عبد الله محمّد بن خلفة الوشتاني الآبي المالكي
المتوفى سنة 828 ه‍ قال في كتابه إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم في
شرح قوله : « قال ابن عباس رضي‌الله‌عنه يوم الخميس وما يوم الخميس » قلت هوـ
والقائل هوـاستعظام وتفجع باعتبار ما أتفق فيه من موته صلّى الله عليه(وآله)
وسلّم وانقطاع الوحي وخبر السماء ...؟ (1)

مع الوشتاني وفتحه الجديد :

أنظر بربّك إلى قوله مفسراً سرّ بكاء ابن عباس هو لموت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف
يزعم ذلك وهو يقول : « يوم الخميس » وهذا اليوم قبل يوم موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأربعة أيام ،
إذ أنّ وفاته كانت يوم الاثنين راجع كتب السيرة والتاريخ؟ أليس هذا تهرباً من
كشف الحقيقة؟

ثمّ اقرأ واضحكـوشرّ البلية ما يضحكـقال : « قوله : بكى حتى بلّ دمعه
الحصى ، قلتـوالقائل هو أيضاًـ: يحتمل بكاؤه لموته صلّى الله عليه(وآله)
وسلّم ، أو لما ذكر من شدة وجعه وهو يدل على أنّ شدة المقاساة والنزع عند
الإحتضار لا تدل على المرجوحية كما يعتقد بعض العوام » (2) .

والآن إن شئت أيها القارئ أن تبك فأبك على إبل حداها غير حاديها ،
فهذا الرجل جاء بما يضحك الثكلى ، لكنه يبكي من له قلب أو ألقى السمع وهو
_______________________

(1)إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم 4 / 352.

(2)نفس المصدر 4 / 353.

٣٧٠

شهيد فأقرأ ما يقوله أيضاً : « قوله : (لا تضلوا بعدي) ، قلتـوهو القائلـ: لا
يعني بالضلال الضلال بعد الهدى ، لأنّه تقدم في تأويل ما أراد أن يكتب أنّه ما
يرفع الخلاف بين الفقهاء في المسائل ، أو ما يرفع ذلك الإختلاف في الخلافة ،
والخلاف الواقع في كلّ منهما إنّما هو عن اجتهاد ، والخطأ في الاجتهاد ليس
بضلال ا ه‍ » (1) .

أقول : وهذا هو بيت القصيد كما يقولون. فكل ما حدث من خلاف في
الخلافة وأريقت بسببه دماء المسلمين ، ليس فيه مؤاخذة ، فجميع أهل الجمل
وصفين والنهروان وما بعدها من حروب طاحنة ، كلّهم معذورون فالقاتل
والمقتول في الجنة ، يا سلام؟!

وعلى هذا الوتر كان ضرب الباقين من علماء التبرير ، فلا عجب إذا ما تبعه
السنوسي الحسيني المتوفى سنة 895 ه‍ في كتابه مكمل إكمال الإكمال قال :
« (لن تضلوا بعدي) قيل : أراد أن ينص على خلافة إنسان معين حتى لا يقع فيها
نزاع ولا فتن.

وقيل : أراد كتاباً يبين فيه مهمات الأحكام ملخصة ، ليرتفع نزاع العلماء فيها
بعد ، فالضلال إذن على الوجهين ليس ضلالاً عن هدى ، إذ المخطيء في الاجتهاد
على القول بالخطأ ليس بضال » (2) .

أقولـومن دون تعليقـ:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (3)
فهل تجدون للضلال معنى غير الضلال عن الهدى. فدونكم كتب اللغة والتفسير
ستجدون الضلال ضدّ الرشاد وهو بمعنى الباطل والهلاك.

_______________________

(1)نفس المصدر 4 / 357 في أدنى الصفحات.

(2)مكمل إكمال الإكمال 4 / 353.

(3)النحل / 43.

٣٧١

الثالث عشر : البدر العيني

وهذا من شراح صحيح البخاري ومعاصر لابن حجر ، وقيل في كتابه
(عمدة القاري) سطو على فتح الباري ، ولا يعنينا هذا بقدر ما يعنينا ما جاء فيه من
قوله : « قوله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم : (لا ينبغي عندي التنازع) ، فيه إشعار بأن
الأولى كان المبادرة إلى أمتثال الأمر وإن كان ما أختاره عمر صواباً » (1) ؟

أقول : أتريد تهالكاً في التبرير أكثر من هذا ، الأولى المبادرة إلى امتثال
أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن كان ما اختاره عمر صواباً؟ لماذا؟ فإن كان مراده لفظ (لا ينبغي)
إنّما يدل على الكراهة ، كما أنّ لفظ ينبغي يدل على الاستحباب ، فمن أجل ذلك
يكون فيه اشعار بأولوية المبادرة ، فيكون ما اختاره عمر صواباً وان كان خلافاً لما
هو أولى ، فهذا إنّما يتم له لو كان خالياً عن القرينة ، فكيف والقرينة حالية
ومقالية. فالحالية زمان ومكان الصدور والمقالية :

أوّلاً : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إئتوني) هو أمر والأمر ظاهر في الوجوب إلّا أن تكون
قرينة صارفة وليست في المقام.

ثانياً : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لن تضلوا بعده أبداً) وهذا نص في أنّ الحقّ هو إمتثال أمره
وعند عدمه لابدّ أن يبقوا عرضة للضلال ، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال. وهل ترك
المندوب يوجب الضلال؟

ثالثاً : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قوموا عني) فلو لم يكن أمره للوجوب لما كان لتنازعهم
معنى ، كما لا موجب لطردهم من بيته.

رابعاً : بكاء ابن عباسرضي‌الله‌عنه حتى يبلّ دمعه الحصى. فهل كان لفوات إمتثالهم
أمراً ندبياً؟ أم أنّ بكاءه يدل على تفويتهم أمراً وجوبياً يعصمهم وجميع الأمة من
_______________________

(1)عمدة القاري 2 / 172.

٣٧٢

كلّ ضلالة؟ ...إلى غير ذلك ، ولكن علماء التبرير لا تقنعهم القرائن ولو كانت
ألف قرينة.

وقال أيضاً في عمدة القاري : « واختلف العلماء في الكتاب الّذي همّ صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم بكتابته ، قال الخطّابي يحتمل وجهين :

أحدهما : أنّه أراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة
كحرب الجمل وصفين. وقيل أراد أن يبيّن كتاباً فيه مهمات الأحكام ليحصل
الاتفاق على المنصوص عليه ، ثمّ ظهر للنبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أنّ
المصلحة تركه ، أو اُوحي إليه به. وقال سفيان بن عيينة أراد أن ينص على أسامي
الخلفاء بعده حتى لا يقع منهم الاختلاف ، ويؤيده أنّه عليه الصلاة والسلام قال
في أوائل مرضه وهو عند عائشة رضي‌الله‌عنها : (ادعو لي أباك وأخاك حتى
أكتب كتاباً فإنّي أخاف أن يتمنّى متمّنٍ ويقول قائل ، ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبا
بكر). أخرجه مسلم ، وللبخاري معناه ، ومع ذلك فلم يكتب.

قوله : قال عمررضي‌الله‌عنه : إنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام غلبه الوجع وعندنا
كتاب الله حسبنا ، قال النووي : كلام عمر رضي‌الله‌عنه هذا مع علمه وفضله لأنّه خشي أن
يكتب اُموراً فيعجزوا عنها فيستحقوا العقوبة عليها ، لأنّها منصوصة لا مجال
للاجتهاد فيها ، وقال البيهقي : قصد عمر رضي‌الله‌عنه التخفيف عن النبيّ عليه الصلاة
والسلام حين غلبه الوجع ولو كان مراده عليه الصلاة والسلام أن يكتب ما لا
يستغنون عنه لم يتركهم لاختلافهم..

وقال البيهقي : وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قيل إن النبيّ عليه
الصلاة والسلام أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر رضي‌الله‌عنه ثمّ ترك ذلك اعتماداً على

٣٧٣

ما علمه من تقدير الله تعالى ، وذلك كما همّ في أوّل مرضه حيث قال : وارأساه ثمّ
ترك الكتاب وقال : يأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر ، ثمّ قدّمه في الصلاة ، وقد كان
سبق منه قوله عليه‌السلام : إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله
أجره ، وفي تركه صلّى الله عليه(وآله)وسلّم الإنكار على عمر رضي‌الله‌عنه دليل على
استصوابه.

فإن قيل كيف جاز لعمررضي‌الله‌عنه أن يعترض على ما أمر به النبيّ عليه الصلاة
والسلام.

قيل له : قال الخطابي : لا يجوز أن يحمل قوله إنّه توهم الغلط عليه أو ظن
به غير ذلك ممّا لا يليق به بحاله ، لكنه لما رأى ما غلب عليه من الوجع وقرب
الوفاة خاف أن يكون ذلك القول ممّا يقوله المريض ممّا لا عزيمة له فيه فيجد
المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين ، وقد كانت الصحابة رضياللهعنهم
يراجعون النبيّ عليه الصلاة والسلام في بعض الاُمور قبل أن يجزم فيها كما
راجعوه يوم الحديبية ، وفي الخلاف وفي الصلح بينه وبين قريش ، فإذا أمرنا
بالشيء أمر عزيمة فلا يرجعه أحد. قال : وأكثر العلماء على أنّه يجوز عليه
الخطأ فيما لم ينزل عليه فيه الوحي ، وأجمعوا كلّهم على أنّه لا يقرّا عليه.

قال : ومعلوم أنّه صلّى الله عليه(وآله)وسلّم وإن كان قد رفع درجته
فوق الخلق كلّهم فلم يتنزه من العوارض البشرية ، فقد سها في الصلاة فلا
ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الاُمور في مرضه فيتوقف في مثل هذه
الحال حتى يتبين حقيقته ، فلهذه المعاني وشبهها توقف عمر رضي‌الله‌عنه وأجاب
المازري ». ثمّ ذكر ما تقدم من أقوال المازري.

٣٧٤

وختم الكلام فقال : « بيان استنباط الأحكام :

الأوّل : فيه بطلان ما يدعيه الشيعة من وصاية رسول الله عليه الصلاة والسلام
بالإمامة. لأنّه لو كان عند عليّ رضي‌الله‌عنه عهد من رسول الله عليه الصلاة والسلام لأحال
عليها (كذا).

الثاني : فيه ما يدل على فضيلة عمررضي‌الله‌عنه وفقهه.

الثالث : في قوله : (إئتوني بكتاب أكتب لكم) دلالة على أنّ للإمام أن
يوصي عند موته بما يراه نظراً للاُمة.

الرابع : في ترك الكتابة إباحة الاجتهاد لأنّه وكلّهم إلى أنفسهم وإجتهادهم.

الخامس : فيه جواز الكتابة والباب معقود عليه »(1) .

أقول : هذا بعض ما جادت به قريحته من تعقيب وتصويب ، مضغ طعام
الأولين فلم يحسن مضغه ، وقد سبق منا ذكر ما قاله الخطابي والبيهقي والمازري ،
وبيّنا ما في أقوالهم من ملاحظات ، فلا حاجة بنا فعلاً إلى إعادة ما قد سبق.

ولكن الّذي ينبغي التنبيه عليه في كلام العيني من تفاوت في نقله عن
سفيان بن عيينة ، حيث حكي عن الخطابي أوّلاً انّه قال سفيان بن عيينة : أراد أن
ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع منهم الاختلاف. ثمّ حكى عن
البيهقي قوله : وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم ، قيل انّ النبيّ عليه الصلاة
والسلام أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر... ومن البيّن الواضح الفاضح ما بين
القولين من تفاوت! ففي الأوّل النص على أسماء الخلفاء بعده. وفي الثاني أراد
أن يكتب استخلاف أبي بكر... فأي القولين هو الصحيح ، أو لا صحيح في
المقام ، وإنّما ذلك من أضغاث الأحلام؟!

_______________________

(1)عمدة القاري 2 / 171 دار إحياء التراث بيروت.

٣٧٥

وبعد أن شرق وغرب ، وفي جميع ذلك أغرب ، ختم كلامه ببيان
استنباط الأحكام ، ومنه يعرف القاري مدى تضلّعه والأصح ضلوعه مع فقهاء
الحكم ، فقال : الأوّل : فيه بطلان ما يدعيه الشيعة من وصاية رسول الله عليه
الصلاة والسلام بالإمامة ، لأنّه لو كان عند عليّ رضي‌الله‌عنه عهد من رسول الله عليه
الصلاة والسلام لأحال عليها (كذا).

ولا نرد عليه إلّا بما قاله عمر ولا نزيد عليه وحسبنا به شاهداً عليه وحاكماً :
قال : « ولقد أراد رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم في أن يصرح باسمهـ
يعني عليّاً ـ فمنعت من ذلك اشفاقاً وحيطة على الإسلام » (1) .

وستأتي أقوال لعمر في هذا الشأن نذكرها إن شاء الله فيما يأتي.

الرابع عشر : الدهلوي

وهو الشاه ولي الله الدهلوي من علماء المسلمين في الهند في القرن الثاني
عشر الهجري وله مؤلفات عديدة أشهرها كتابه حجة الله البالغة ومن مؤلفاته
شرح تراجم أبواب صحيح البخاري وهو مطبوع مكرراً ، وما ننقله عنه هنا فمن
طبعة حيدر آباد الدكن الطبعة الثانية.

قال : « إعلم إنّ هذا المقام ، من مزالق الأقدام ، كم زلّت فيه الأعلام ،
وصغت فيه الأفهام ، وإنّي قد تحققت بعد تتبع طُرُق هذا الحديثـيعني أمره
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم بالكتاب أنّ قول ابن عباس : الرزية كلّ الرزية ، إنّما
كان بطريق الشبهة مثل سائر شبهاته ، لأنّه ثبت في الروايات الصحيحة أنّ كبار
الصحابة مثل أبي بكر وعليّ وغيرهما كانوا حاضرين ، ففهموا من أمره صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم أنّ مقصوده بالكتابة ليس إلّا ما جاء في القرآن والتوثيق به ،
_______________________

(1)شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 97 ط الاُولى بمصر.

٣٧٦

ولو كان شيئاً آخر لأمرهم به ثانياً وثالثاً. لأنّه عاش صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
مفيقاً بعد ذلك أياماً ، ومع ذلك روي أنّه صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أمر عليّاً
باحضار القرطاس والدواة ، فخاف عليّ فوته بعد أن يذهب ، فقال يا رسول الله :
أسمع وأعي ، فبيّن له رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم من أحكام الصدقات ،
واخراج الكفّار من جزيرة العرب ، وإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم ،
والإستيصاء بالأنصار خيراً ، وغير ما بيّن أكثره قبل ذلك أيضاً.

فبعد ذلك لم يبق مجال في أن يتمسك بشبهة ابن عباسرضي‌الله‌عنه ، ويقال ما يقال
في خيار الصحابة ، لأنّه كان حديث السن مناهز البلوغ ، والاعتبار بما فهمه كبّار
الصحابة (1) . إلى هنا انتهى ما قاله الدهلوي.

مع الدهلوي :

هذا قول الدهلوي ، وهو محق في أوّله ومبطل في آخره!

وبيان ذلك : انّ المقام من مزالق الأقدام ويكفي ما قدّمناه من نماذج لعلماء
التبرير أمثال الخطابي وابن حزم والبيهقي والمازري وعياض وابن الأثير والنووي
وابن تيمية وابن حجر والقسطلاني والوشتابي والعيني وغيرهم ممّن ورد ذكرهم
تبعاً كابن بطال والنويري والقرطبي والطهطاوي وأضرابهم. فجميع هؤلاء الأعلام
ممّن زلّت قدمه في سبيل تبرير عمر من سوء كلمته. ولم يكن الدهلوي آخرهم ،
بل هو أسوأ فهماً منهم ، فقد خبط خبط عشواء ، وأستدل مكابراً بالهباء ، وذلك منه
منتهى الغباء ، ولو لم يكن غبيّاً لما قال : إنّ الاعتبار بما فهمه كبار الصحابة
وضرب مثلاً بعليّ وأبي بكر. وهم فهموا مراده بالكتابة ليس إلّا تأكيد ما جاء في
_______________________

(1)شرح تراجم أبواب صحيح البخاري للدهلوي / 14 ، ط حيدر اباد.

٣٧٧

القرآن والتوثيق به. ونحن نقول له ما دام كبار الصحابة فهموا ذلك فلماذا إذن
أختلفوا وتنازعوا؟ وما ضرّهم لو أنهم أمتثلوا أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكتب لهم ذلك التأكيد؟
وما داموا هم ملتزمين بالقرآن ، فالقرآن يأمر بإطاعة أمره إذ فيه : ( أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
) (1) ، وفيه :( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ
) (2) فلماذا لم يستجيبوا ولم يطيعوا؟

ومن الغريب والغباء أن يستدل على مرامه بقوله : « ولو كان شيئاً آخر
لأمرهم به ثانياً وثالثا؟! ». إنّما لم يأمرهم به ثانياً وثالثاً لعدم الجدوى في ذلك
حتى ولو كرر ذلك مائة مرة ومرة ، فقد سبق السيف العَذَلـكما يقول المثلـ
فعمر حين قال إنّه يهجر أصاب مرماه وضيّع الهدف المنشود للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو
أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرّر ذلك ، لصدّقت مقولة عمر زمرة المنافقين وكان مجالاً للطعن في
شخصه الكريم. لذلك طردهم وقال : (قوموا عني).

وإنّ ما ذكره من وصاياه الّتي خص بها الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي
طالب عليه‌السلام ، تثبت أنّ عليّاً وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يزعم قومه عن عائشة بأنّ
النبيّ مات ولم يوص ، ثمّ هي القائلة : « متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى
صدري » (3) . والآن فقد أستبان أنّ عليّاً أوصى إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!.

وبعد هذا أوليس ابن عباس كان على حق في قوله : « الرزية كلّ الرزية ما
حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده » ؛ أفهل كان على
شبهة أم كان على يقين؟

_______________________

(1)النساء / 59.

(2)الأنفال / 24.

(3)أنظر صحيح البخاري (كتاب الوصايا باب الوصايا) 4 / 3.

٣٧٨

الخامس عشر : اللاهوري

هذا هو الملا يعقوب اللاهوري أحد شراح صحيح البخاري وأسم كتابه
(الخير الجاري في شرح صحيح البخاري) ، فقد قال فيه في كتاب العلم باب
كتابة العلم : لا شك في أنّ رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم رأى المصلحة
في كتابة الكتاب ، بدليل قوله عليه‌السلام : (لن تضلوا بعدي).

ولا شك أيضاً : أنّ عمر نهى الأصحاب عن إحضار الدواة والكتف.

ولا شك أيضاً : أنّ أهل البيت ألحّوا على إحضارها ، وطال النزاع بين
الفريقين حتى أخرجهم النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم جميعاً.

وهذا القدر ممّا يتبادر إلى الذهن من نص الحديث ، ولا يرتاب فيه أحد(1) .

مع اللاهوري :

وليس من تعليق على ما لا شك فيه ، غير أنا نقف عند قوله : « أخرجهم
جميعاً » كيف يصح ذلك ، وكتب الحديث والتاريخ والسيرة تقول : انّ الّذين
طردهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الّذين تخلّفوا عن امتثال أمره وتنازعوا مع أهل البيت
في ذلك ، أمّا أهل البيت فلم يخرج منهم أحد ، وبقوا عنده ، ومنهم الّذي قال له
بعد خروج أولئك الّذين لم يستجيبوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألا نأتيك بما طلبت؟ »
فقال : (لا ، أو بَعدَ الّذي قال قائلهم)؟!

وفي بعض المصادر أنّ القائل كان هو عمه العباس : « ألا نأتيك بالذي
طلبت وإن رغمت فيه معاطس ».

وإلى هنا نطوي كشحاً عن استعراض ما قاله علماء التبرير فهم

_______________________

(1)نقلا عن تشييد المطاعن / 411 ط الهند.

٣٧٩

عمريون أكثر من عمر :

لقد أوردنا نماذج من أقوال علماء التبرير ، فوجدناهم في أندفاعهم يركبون
الصعب والذلول ، ويقولون المقبول وغير المقبول ، بل وحتى غير المعقول ، في
سبيل تبرئة عمر من معرّة كلمته الجافية النابية ، والّتي لم يتبرأ هو منها ، ولكن
القوم على مقولة : « ملكيون أكثر من الملك ».

فعمر قال كلمته دون استعمال تورية أو كناية. بملء فيه ، متحدياً شعور
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومشاعر الشرعية النبوية الّتي تؤيدها رسالة السماء.

ولنقرأ ثانيةً بعض ما قاله في روايته لحديث الرزية ، وقد مرّ في الصورة
الرابعة : قال : « لمّا مرض النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم قال : (إئتوني بصحيفة
ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي) ، فكرهنا ذلك أشد الكراهية ».

لماذا يا أبا حفص كرهتم ذلك أشد الكراهية؟! ولا عليك من الإجابة ، فان
علماء التبرير مستعدون للدفاع عنك ، ولو كان ذلك على حساب قدسية الرسالة ،
وقد مرّت بنا نماذج من أقوالهم فليرجع القارئ إليها.

وعمر يقول لابن عباس بعد لأيٍ من الزمن : « ولقد أرادَ رسول الله صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم في أن يصرّح بأسمهـيعني عليّاًـفمنعت من ذلك إشفاقاً
وحيطة على الإسلام » (1) .

وعلماء التبرير يقولون في تبريرهم : ربّما أراد أن يكتب شيئاً من الأحكام ، أو أن
يكتب خلافة أبي بكر من بعده لا كما يقول الرافضة؟ فليرجع القارئ ثانية إلى
أقوالهم.

_______________________

(1)أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 97 ط الأولى.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487