موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

موسوعة عبد الله بن عبّاس8%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-501-5
الصفحات: 487

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 487 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158919 / تحميل: 6193
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٥٠١-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وفيه : يأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر. فهل يقول بذلك أبن تيمية؟ وإذا قال
بذلك فليعطف عليه كلّ من أبى خلافة أبي بكر من سائر الصحابة. ثمّ بعد ذلك
ليبحث ابن تيمية وأضرابه عن حجة لإثبات عدالة جميع الصحابة خصوصاً من
أبى خلافة أبي بكر ولم يبايعه حتى مات مثل الزهراء وسعد بن عبادة ، أو تخلّف
عن البيعة إلى ستة أشهر كعليّ وجميع بني هاشم وآخرين من شيعتة من الصحابة
كما ستأتي أسماؤهم ، أو يتخلّوا عن مقولة الصحابة كلّهم عدول.

خامساً : زعمه أنّ من توهم أنّ هذا الكتاب كان بخلافة عليّ فهو ضال
باتفاق عامة الناس الخ. إذا كان هذا حكم ابن تيمية فيمن توهم ذلك ، فما هو
حكمه فيمن تيقن وقطع به؟

فهل يبقى ضالاً أم يزيد في عقوبته؟

ومهما يكن حكمه فإنا نقول له لقد حكمت على إمامك عمر بالضلالة من
دون أن تشعر. لأنّ عمر كان يقول بذلك جازماً غير شاك ولا مرتاب ، وقد
اعترف به لابن عباس كما أشرنا إلى ذلك مراراً ، وذلك من عمر أعتراف خطير
يدمغ رؤوس علماء التبرير.

سادساً : زعمه اتفاق عامة الناس ، وتلفيقه الاتفاق من أهل السنّة
الذين يقولون بتفضيل أبي بكر وهذا لا كلام لنا فيه ، ولكن هلمّ الخطب
فيما زعمه اتفاق الشيعة معهم على أنّ الكتاب لم يكن بخلافة عليّ بتقريب
أنّ الشيعة يقولون بالنصّ الجلي على عليّ قبل ذلك اليوم ، فهو لا يحتاج إلى
الكتاب يومئذ.

٣٦١

وهذا من مناوراته الخبيثة ، وكأنّ تأكيد النص كتابة بعد أن كان شفاها
ممنوع عقلاً أو شرعاً.

فليكن الشيعة وهم يذكرون النص السابق الجلي الظاهرـوهو بيعة يوم
الغديرـوما سبقها منذ بدء الدعوة وما لحق بها ، لكن لا مانع من تأكيد ذلك
بالكتاب ليكون أقوى حجة في دفع الخصوم الّذين سوّلت لهم أنفسهم فنابذوه
وأضبّوا على عداوته مع وجود النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين ظهرانيهم.

ولماذا لا يكون الكتابـلو تمّـأقوى حجة وأظهر دليلاً وهو المتكفل
بعصمة الأمة من الضلالة.

لكن عناصر الشغب الّذين أظهروا كوامن أحقادهم عرفوا أنّه لو تمّ الكتاب
فلا يبقى لهم حساب ، لذلك أصروا على التمرد والعناد ، وعدم امتثال أوامر
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت الصلعاء والشوهاء منهم تخلفهم عن جيش اُسامة والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
ينادي : (أنفذوا جيش اُسامة ، لعن الله من تخلف عن جيش اُسامة) (١) ، وما كان
ذلك منهم إلّا بعد أن تيقنوا انّ المراد بالكتاب هو خلافة عليّ ، فألقحها ابن
الخطاب فتنة عمياء حين قال كلمته الرعناء : « انّ النبيّ ليهجر » فنسف كلّ ما
أراده النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك (غمّ) أغمي عليه من شدة الصدمة ، ووقع الاختلاف
والنزاع ، فأفاق صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطردهم وقال : (قوموا عني).

ولمّا قال له بعض أهل بيته ألا نأتيك بالّذي طلبت وان رغمت معاطس؟
فقال : (أبعد الّذي قال قائلكم) هذا بعض ما في كلام ابن تيمية من شطط في
القول وخطل في الرأي.

_______________________

(١)أنظر الملل والنحل للشهرستاني ١ / ٢٣ ط الثانية سنة ١٣٩٥ ه‍.

٣٦٢

تاسعاً : الشاطبي

قال في كتاب الاعتصام : ولقد كانعليه‌السلام حريصاً على إلفتنا وهدايتنا ، حتى
ثبت من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أنّه قال : لمّا حُضر النبيّ صلّى الله عليه(وآله)
وسلّم قال وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنهم ـفقال : (هلمّ أكتب
لكم كتاباً لن تضلوا بعده) فقال عمر : انّ النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم غلبه
الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله ، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم
من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم كتاباً لن تضلوا
بعده ، ومنهم من يقول كما قال عمر ، فلمّا كثر اللغط والاختلاف عند النبيّ صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم قال : (قوموا عني) فكان ابن عباس يقول : الرزية كلّ الرزية
ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك
الكتاب من اختلافهم ولغطهم.

فكان ذلكـوالله أعلمـوحياً أوحى الله إليه أنّه إن كتب لهم ذلك
الكتاب لم يضلوا بعده البتة ، فتخرج الأمة عن مقتضى قوله : ( وَلَا يَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ
) بدخولها تحت قوله :( إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ) (١) . فأبى الله إلّا ما سبق به
علمه من أختلافهم كما أختلف غيرهم.

رضينا بقضاء الله وقدره ، ونسأله أن يثبتنا على الكتاب والسنّة ويميتنا على
ذلك بفضله (٢) .

مع الشاطبي :

لعل القارئ أدرك كيف حاول الشاطبي أستغفال القرّاء في تبريره ،
ومراوغته ، فهو حين يبدو حريصاً على إظهار نفسه بواقعية مقبولة يكسب فيها
_______________________

(١)الحديد / ٧.

(٢)الاعتصام ٣ / ١٢.

٣٦٣

قارئ كلامه ، لكنه سرعان ما تطغى عليه جبريته في سبيل تبرئة عمر ، فيلقى اللوم
على السماء ، وبتعبير أصح يلتمس العذر له من السماء. فانظر إلى قوله : « إنّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان حريصاً على إلفتنا وهدايتنا » ، وأستدل بحديث ابن عباسرضي‌الله‌عنهما
وهو حديث الرزية. وهذا صحيح في واقعه ولا غبار عليه.

وأنظر إلى قوله في تعقيبه على ذلك :

« فكان ذلكـوالله أعلمـوحياً أوحى الله إليه إنّه إن كتب لهم ذلك
الكتاب لم يضلوا بعده البتة ، فتخرج الأمة عن مقتضى قوله : ( وَلَا يَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ
) بدخولها تحت قوله :( إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ) (١) ».

وهذا أيضاً من مقبول القول وبه كسب القارئ إلى قبول ما يقوله. فسرعان
ما أستغفله بقوله : « فأبى الله إلّا ما سبق به من علمه من اختلافهم كما اختلف
غيرهم ».

فأنظر إلى هذا التبرير الفجّ!

الله سبحانه وتعالى هو الّذي أوحى إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يأمر بالكتاب الّذي لا
يضلون بعده ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدوره يأمر بذلك. وعمر يمنع من ذلك ، ويُحدث الفرقة
في الحاضرين ، ثمّ يقع الخصام وينتهي بطرد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمنازعين. ومع ذلك كلّه
يقول : « فأبى الله إلاّ ما سبق في علمه من اختلافهم ».

ومن الغريب العجيب ينأى عن إدانة السبب في المنع ، ويحمّل السماء تلك
الإدانة ، وإنّ الله أبى إلّا ما سبق في علمه؟

وهل هذا إلّا إستغفال للقراء واستخفاف بالعقول!! وليس لنا إلّا أن نقول
كما قال : رضينا بقضاء الله وقدره.

_______________________

(١)الحديد / ٧.

٣٦٤

عاشراً : ابن حجر العسقلاني

قال في فتح الباري كلاماً كثيراً نثره وكرّر أكثره في أجزاء كتابه ، تبعاً
لصحيح البخاري لورود الحديث في مختلف أبوابه ، لكنه أطال الكلام في
موضعين : في كتاب العلم باب كتابة العلم (١) ، وفي كتاب المغازي باب مرض
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، ولم يأتنا بشيء جديد ، ولم نتجن عليه في ذلك فقد اعترف بذلك
في الموضع الثاني فقال : وقد تكلم عياض وغيره على هذا الموضع فأطالوا ،
ولخصه القرطبي تلخيصاً حسناً ثمّ لخصته من كلامه وحاصله : فذكر ما لخصه ،
ولما كنا نحن قد ذكرنا كلام عياض بطوله ، وناقشناه فيه ، لذلك أعرضنا عن ذكر
كلام القرطبي إلّا عرضاً ، وكذلك نعرض عن ابن حجر إلّا ما جاء به من عند
نفسه. فقد قال وهو ينقل الأحتمالات الّتي ذكرها القرطبي في تعريف قائل
الكلمة : ويظهر منه ترجيح ثالث الإحتمالات الّتي ذكرها القرطبي ويكون قائل
ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام ، وكان يعهد أنّ من أشتد عليه الوجع قد
يشتغل به عن تحرير ما يريد أن يقوله لجواز وقوع ذلك. ولهذا وقع في الرواية
الثانية فقال بعضهم : أنّه قد غلبه الوجع. ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمّد
ابن خلاد عن سفيان في هذا الحديث فقالوا : ما شأنه يهجر؟! أستفهموه ، وعن ابن
سعد من طريق أخرى عن سعيد بن جبير : إنّ نبيّ الله ليهجر ، ويؤيده أنّه بعد أن
قال ذلك استفهموه بصيغة الأمر بالاستفهام ، أي اختبروا أمره بأن يستفهموه عن
هذا الّذي أراده وابحثوا معه في كونه الأولى ، أوّلاً.

_______________________

(١)فتح الباري ١ / ٢١٩.

(٢)نفس المصدر ٩ / ١٩٧.

٣٦٥

مع ابن حجر العسقلاني :

من الغريب أمر هذا الرجل فهو يختار مرجحاً انّ القائل لكلمة الهجر سواء
كانت إخباراً أو إنشاءاً هو من بعض قرب دخوله في الإسلام؟ مع أنّه سبق منه في
تفسير معنى الهجر والهذيان فقال : « والمراد بهـيعني الهجرـفي الرواية ما يقع
من كلام المريض الّذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته. ووقوع ذلك من النبيّ
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم مستحيل ، لأنّه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى :
( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ) (١) ، ولقوله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم : (إنّي لا أقول في
الغضب والرضا إلّا حقاً) ، وإذا عرف ذلك ، فإنّما قاله من قاله منكر على من
توقف في أمتثال أمره باحضار الكتف والدواة.

فكأنّه قال كيف تتوقف؟ أتظن أنّه كغيره يقول الهذيان في مرضه
وأحضره ما طلب فإنّه لا يقول إلّا الحقّ ا ه‍ ».

أقول : فأين صار ترجيحه بأنّ القائل هو من قرب دخوله في الإسلام وكان
يعهد أنّ من اشتد عليه الوجع الخ؟ ثمّ ما باله يشرّق تارة ويغرّب أخرى بين
الرأيين ، بينما يعترف هو بنفسه تبعاً لما ورد في صحيح البخاري في الموارد
الآتية بأنّ القائل هو عمر. فأي أقواله هو الصحيح؟ ليس ذلك منه إلّا استماتة في
الستر على مقولة عمر. وهل هذا منه إلّا كذباً من القول وتمويهاً على القارئ وتشويهاً
للحقيقة.

وما أدري كيف استساغ أن يقول ذلك ، وفي صحيح البخاري الّذي هو يشرحه
قد ورد التصريح بأنّ القائل هو عمر ، ورد ذلك في ثلاثة مواضع ، وهي كما يلي :

_______________________

(١)النجم / ٣.

٣٦٦

١ـفي كتاب العلم باب كتابة العلم : قال عمر : « انّ النبيّ صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا » (١) .

٢ـفي كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني : فقال عمر : « انّ النبيّ
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب
الله فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبيّ صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر » (٢) .

٣ـفي كتاب الاعتصام باب كراهية الاختلاف قال عمر : « انّ النبيّ صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله واختلف
أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر » (٣) .

هذه هي الموارد الّتي صرّح فيها بأسم عمر ، وقد شرحها ابن حجر في
كتابه وصرّح بها بذكر عمر تبعاً للبخاري ، أمّا الموارد الأربعة الأخرى الّتي غمغم
فيها البخاري أو الرواة قبله فلم يذكروا اسم عمر. نجد ابن حجر في شرحه لها
يورد اسم عمر مدافعاً عنه.

ثمّ إذا كان في نظره أنّ القائل (هو بعض من قرب دخوله في الإسلام) ،
فهل يعني بذلك أنّ عمر كان كذلك؟ وهذا ما لا يكاد تصديقه ولا يمكن أن
يكون مراده ، لأنّ عمر أسلم قبل ذلك اليوم بأكثر من خمس عشرة سنة ، وليس
هو بقريب عهد بالإسلام وإذا لم يكن يعني عمر فمن هو ذلك الرجل المزعوم
_______________________

(١)صحيح البخاري ١ / ٣٠.

(٢)نفس المصدر ٧ / ١٢٠.

(٣)نفس المصدر ٩ / ١١١.

٣٦٧

الذي قرب دخوله في الإسلام؟ وما اعتذاره إلّا استخفاف بعقول الناس
واستجهال لهم على غير أستحياء ، فهو إذ لم يصب الهدف المنشود يكشف عن
بلادته أيضاً حين جانب الدقة في كلامه ، فتخيل بهذه الفهفهة الفجّة يغطي ما لا
يضمّه ستر ، وأنى له ذلك ، فهو مهما أوتي من براعة التزييف وامعان في المغالاة
لا يستطيع التستر على اسم القائل ، ولا الإعتذار عنه ، ولكن ما الحيلة معه ومع
أمثاله ، وهذا شأن من يقول ما يشاء من دون تورّع ، ولا يبالي بما يقال فيه ، وهذه
سجية علماء التبرير إذ يسوقهم خطأ التقدير ، إلى مهاوي التحوير والتزوير.

الحادي عشر : القسطلاني

وهذا الرجل لدة قومه يدلي بدلوهم ويمتح من غربهم ، ولا يجاوز طريقتهم
في تضارب الأقوال ، فهو وبعبارة أوضح يجترّ أقوال السابقين ، من دون التفات لما
فيها من هنات وهنات. لذلك كثر عنده التناقض ، وأظن أنّ القارئ يكتفي ببعض
الشواهد على ذلك :

١ـفمثلاً قال في كتابه إرشاد الساري في شرح (أكتب لكم كتاباً) : « فيه
النص على الأئمّة بعدي أو أبين فيه مهمات الأحكام » (١) .

ولكنه جاء بجديده فيما يحسب في شرح (ولا ينبغي عند نبيّ تنازع) فقال :
« والظاهر إنّ هذا الكتاب الّذي أراده إنّما هو في النص على خلافة أبي
بكر » (٢) ، وأبطل قول من قال أنّه بزيادة أحكام ، لكنه عاد في شرح (لكم
كتاباً) فقال : « فيه استخلاف أبي بكر بعدي أو فيه مهمات الأحكام » (٣) .

_______________________

(١)إرشاد الساري ١ / ٢٠٧.

(٢)نفس المصدر ٥ / ١٦٩.

(٣)نفس المصدر ٨ / ٣٥٥.

٣٦٨

فأنظر إلى أقواله هذه : فهو أوّلاً جعل المراد كتابته النص على الأئمّة أو بيان
مهمات الأحكام ، ثمّ أستظهر أنّ الكتاب إنّما هو في النص على خلافة أبي بكر
قال ذلك بضرس قاطع وقد جاء بأداة الحصر (إنّما) وأبطل زعم أنّ فيه زيادة
أحكام ، ثمّ عاد ثالثاً فجعل المراد مردداً بين استخلاف أبي بكر أو مهمّات
الأحكام.

٢ ـ وشاهداً آخر على تناقضه قال : (فاختلفوا) أي الصحابة عند ذلك(١) .

وقال : (فاختلف أهل البيت) الّذين كانوا فيه من الصحابة لا أهل بيته صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم (٢) .

لكنه قال مرة أخرى : (فاختلف أهل البيت) النبوي؟(٣)

فأنظر إلى تناقضه!!

فهو أوّلاً قال : « هم الصحابة » ، وأكد ذلك ثانياً ونفى أن يكون أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
من أولئك الّذين جاؤا بالإختلاف ، ولكنه فجأة وبجرة من القلم بوعي أو غير
وعي قال : « فاختلف أهل البيت » النبوي!!

ولا نطيل المقام عنده فمن شاء أن يستزيد من عجائب تناقضاته فليرجع
إلى كتابه (٤) ليرى كيف حب الشيء يعمي ويصمّ. ولا عجب من علماء التبرير
خصوصاً شرّاح الصحيحين فكم لهم من تأويلات وتمحلات لو أتينا على جميع
ما قالوه لاحتجنا إلى تأليف مخصوص في ذلك ، والآن ولا نبخل على القارئ
ببعض الأسماء منهم وشيء ممّا عندهم ، فعسى أن يقيض الله لنصرة دينه من
_______________________

(١)نفس المصدر ١ / ٢٠٧.

(٢)نفس المصدر ٦ / ٤٦٣.

(٣)نفس المصدر ٨ / ٣٥٥.

(٤)نفس المصدر ٦ / ٤٦٢ ـ ٤٦٣.

٣٦٩

يجمع جميع ما قالوه ويفنّد ما زعمه أولئك الخصوم نصرة للحق المهضوم
والولي المظلوم.

الثاني عشر : الوشتاني الآبي المالكي

ومن علماء التبرير أيضاً أبو عبد الله محمّد بن خلفة الوشتاني الآبي المالكي
المتوفى سنة ٨٢٨ ه‍ قال في كتابه إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم في
شرح قوله : « قال ابن عباس رضي‌الله‌عنه يوم الخميس وما يوم الخميس » قلت هوـ
والقائل هوـاستعظام وتفجع باعتبار ما أتفق فيه من موته صلّى الله عليه(وآله)
وسلّم وانقطاع الوحي وخبر السماء ...؟ (١)

مع الوشتاني وفتحه الجديد :

أنظر بربّك إلى قوله مفسراً سرّ بكاء ابن عباس هو لموت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف
يزعم ذلك وهو يقول : « يوم الخميس » وهذا اليوم قبل يوم موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأربعة أيام ،
إذ أنّ وفاته كانت يوم الاثنين راجع كتب السيرة والتاريخ؟ أليس هذا تهرباً من
كشف الحقيقة؟

ثمّ اقرأ واضحكـوشرّ البلية ما يضحكـقال : « قوله : بكى حتى بلّ دمعه
الحصى ، قلتـوالقائل هو أيضاًـ: يحتمل بكاؤه لموته صلّى الله عليه(وآله)
وسلّم ، أو لما ذكر من شدة وجعه وهو يدل على أنّ شدة المقاساة والنزع عند
الإحتضار لا تدل على المرجوحية كما يعتقد بعض العوام » (٢) .

والآن إن شئت أيها القارئ أن تبك فأبك على إبل حداها غير حاديها ،
فهذا الرجل جاء بما يضحك الثكلى ، لكنه يبكي من له قلب أو ألقى السمع وهو
_______________________

(١)إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم ٤ / ٣٥٢.

(٢)نفس المصدر ٤ / ٣٥٣.

٣٧٠

شهيد فأقرأ ما يقوله أيضاً : « قوله : (لا تضلوا بعدي) ، قلتـوهو القائلـ: لا
يعني بالضلال الضلال بعد الهدى ، لأنّه تقدم في تأويل ما أراد أن يكتب أنّه ما
يرفع الخلاف بين الفقهاء في المسائل ، أو ما يرفع ذلك الإختلاف في الخلافة ،
والخلاف الواقع في كلّ منهما إنّما هو عن اجتهاد ، والخطأ في الاجتهاد ليس
بضلال ا ه‍ » (١) .

أقول : وهذا هو بيت القصيد كما يقولون. فكل ما حدث من خلاف في
الخلافة وأريقت بسببه دماء المسلمين ، ليس فيه مؤاخذة ، فجميع أهل الجمل
وصفين والنهروان وما بعدها من حروب طاحنة ، كلّهم معذورون فالقاتل
والمقتول في الجنة ، يا سلام؟!

وعلى هذا الوتر كان ضرب الباقين من علماء التبرير ، فلا عجب إذا ما تبعه
السنوسي الحسيني المتوفى سنة ٨٩٥ ه‍ في كتابه مكمل إكمال الإكمال قال :
« (لن تضلوا بعدي) قيل : أراد أن ينص على خلافة إنسان معين حتى لا يقع فيها
نزاع ولا فتن.

وقيل : أراد كتاباً يبين فيه مهمات الأحكام ملخصة ، ليرتفع نزاع العلماء فيها
بعد ، فالضلال إذن على الوجهين ليس ضلالاً عن هدى ، إذ المخطيء في الاجتهاد
على القول بالخطأ ليس بضال » (٢) .

أقولـومن دون تعليقـ:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٣)
فهل تجدون للضلال معنى غير الضلال عن الهدى. فدونكم كتب اللغة والتفسير
ستجدون الضلال ضدّ الرشاد وهو بمعنى الباطل والهلاك.

_______________________

(١)نفس المصدر ٤ / ٣٥٧ في أدنى الصفحات.

(٢)مكمل إكمال الإكمال ٤ / ٣٥٣.

(٣)النحل / ٤٣.

٣٧١

الثالث عشر : البدر العيني

وهذا من شراح صحيح البخاري ومعاصر لابن حجر ، وقيل في كتابه
(عمدة القاري) سطو على فتح الباري ، ولا يعنينا هذا بقدر ما يعنينا ما جاء فيه من
قوله : « قوله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم : (لا ينبغي عندي التنازع) ، فيه إشعار بأن
الأولى كان المبادرة إلى أمتثال الأمر وإن كان ما أختاره عمر صواباً » (١) ؟

أقول : أتريد تهالكاً في التبرير أكثر من هذا ، الأولى المبادرة إلى امتثال
أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن كان ما اختاره عمر صواباً؟ لماذا؟ فإن كان مراده لفظ (لا ينبغي)
إنّما يدل على الكراهة ، كما أنّ لفظ ينبغي يدل على الاستحباب ، فمن أجل ذلك
يكون فيه اشعار بأولوية المبادرة ، فيكون ما اختاره عمر صواباً وان كان خلافاً لما
هو أولى ، فهذا إنّما يتم له لو كان خالياً عن القرينة ، فكيف والقرينة حالية
ومقالية. فالحالية زمان ومكان الصدور والمقالية :

أوّلاً : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إئتوني) هو أمر والأمر ظاهر في الوجوب إلّا أن تكون
قرينة صارفة وليست في المقام.

ثانياً : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لن تضلوا بعده أبداً) وهذا نص في أنّ الحقّ هو إمتثال أمره
وعند عدمه لابدّ أن يبقوا عرضة للضلال ، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال. وهل ترك
المندوب يوجب الضلال؟

ثالثاً : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قوموا عني) فلو لم يكن أمره للوجوب لما كان لتنازعهم
معنى ، كما لا موجب لطردهم من بيته.

رابعاً : بكاء ابن عباسرضي‌الله‌عنه حتى يبلّ دمعه الحصى. فهل كان لفوات إمتثالهم
أمراً ندبياً؟ أم أنّ بكاءه يدل على تفويتهم أمراً وجوبياً يعصمهم وجميع الأمة من
_______________________

(١)عمدة القاري ٢ / ١٧٢.

٣٧٢

كلّ ضلالة؟ ...إلى غير ذلك ، ولكن علماء التبرير لا تقنعهم القرائن ولو كانت
ألف قرينة.

وقال أيضاً في عمدة القاري : « واختلف العلماء في الكتاب الّذي همّ صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم بكتابته ، قال الخطّابي يحتمل وجهين :

أحدهما : أنّه أراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة
كحرب الجمل وصفين. وقيل أراد أن يبيّن كتاباً فيه مهمات الأحكام ليحصل
الاتفاق على المنصوص عليه ، ثمّ ظهر للنبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أنّ
المصلحة تركه ، أو اُوحي إليه به. وقال سفيان بن عيينة أراد أن ينص على أسامي
الخلفاء بعده حتى لا يقع منهم الاختلاف ، ويؤيده أنّه عليه الصلاة والسلام قال
في أوائل مرضه وهو عند عائشة رضي‌الله‌عنها : (ادعو لي أباك وأخاك حتى
أكتب كتاباً فإنّي أخاف أن يتمنّى متمّنٍ ويقول قائل ، ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبا
بكر). أخرجه مسلم ، وللبخاري معناه ، ومع ذلك فلم يكتب.

قوله : قال عمررضي‌الله‌عنه : إنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام غلبه الوجع وعندنا
كتاب الله حسبنا ، قال النووي : كلام عمر رضي‌الله‌عنه هذا مع علمه وفضله لأنّه خشي أن
يكتب اُموراً فيعجزوا عنها فيستحقوا العقوبة عليها ، لأنّها منصوصة لا مجال
للاجتهاد فيها ، وقال البيهقي : قصد عمر رضي‌الله‌عنه التخفيف عن النبيّ عليه الصلاة
والسلام حين غلبه الوجع ولو كان مراده عليه الصلاة والسلام أن يكتب ما لا
يستغنون عنه لم يتركهم لاختلافهم..

وقال البيهقي : وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قيل إن النبيّ عليه
الصلاة والسلام أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر رضي‌الله‌عنه ثمّ ترك ذلك اعتماداً على

٣٧٣

ما علمه من تقدير الله تعالى ، وذلك كما همّ في أوّل مرضه حيث قال : وارأساه ثمّ
ترك الكتاب وقال : يأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر ، ثمّ قدّمه في الصلاة ، وقد كان
سبق منه قوله عليه‌السلام : إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله
أجره ، وفي تركه صلّى الله عليه(وآله)وسلّم الإنكار على عمر رضي‌الله‌عنه دليل على
استصوابه.

فإن قيل كيف جاز لعمررضي‌الله‌عنه أن يعترض على ما أمر به النبيّ عليه الصلاة
والسلام.

قيل له : قال الخطابي : لا يجوز أن يحمل قوله إنّه توهم الغلط عليه أو ظن
به غير ذلك ممّا لا يليق به بحاله ، لكنه لما رأى ما غلب عليه من الوجع وقرب
الوفاة خاف أن يكون ذلك القول ممّا يقوله المريض ممّا لا عزيمة له فيه فيجد
المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين ، وقد كانت الصحابة رضياللهعنهم
يراجعون النبيّ عليه الصلاة والسلام في بعض الاُمور قبل أن يجزم فيها كما
راجعوه يوم الحديبية ، وفي الخلاف وفي الصلح بينه وبين قريش ، فإذا أمرنا
بالشيء أمر عزيمة فلا يرجعه أحد. قال : وأكثر العلماء على أنّه يجوز عليه
الخطأ فيما لم ينزل عليه فيه الوحي ، وأجمعوا كلّهم على أنّه لا يقرّا عليه.

قال : ومعلوم أنّه صلّى الله عليه(وآله)وسلّم وإن كان قد رفع درجته
فوق الخلق كلّهم فلم يتنزه من العوارض البشرية ، فقد سها في الصلاة فلا
ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الاُمور في مرضه فيتوقف في مثل هذه
الحال حتى يتبين حقيقته ، فلهذه المعاني وشبهها توقف عمر رضي‌الله‌عنه وأجاب
المازري ». ثمّ ذكر ما تقدم من أقوال المازري.

٣٧٤

وختم الكلام فقال : « بيان استنباط الأحكام :

الأوّل : فيه بطلان ما يدعيه الشيعة من وصاية رسول الله عليه الصلاة والسلام
بالإمامة. لأنّه لو كان عند عليّ رضي‌الله‌عنه عهد من رسول الله عليه الصلاة والسلام لأحال
عليها (كذا).

الثاني : فيه ما يدل على فضيلة عمررضي‌الله‌عنه وفقهه.

الثالث : في قوله : (إئتوني بكتاب أكتب لكم) دلالة على أنّ للإمام أن
يوصي عند موته بما يراه نظراً للاُمة.

الرابع : في ترك الكتابة إباحة الاجتهاد لأنّه وكلّهم إلى أنفسهم وإجتهادهم.

الخامس : فيه جواز الكتابة والباب معقود عليه »(١) .

أقول : هذا بعض ما جادت به قريحته من تعقيب وتصويب ، مضغ طعام
الأولين فلم يحسن مضغه ، وقد سبق منا ذكر ما قاله الخطابي والبيهقي والمازري ،
وبيّنا ما في أقوالهم من ملاحظات ، فلا حاجة بنا فعلاً إلى إعادة ما قد سبق.

ولكن الّذي ينبغي التنبيه عليه في كلام العيني من تفاوت في نقله عن
سفيان بن عيينة ، حيث حكي عن الخطابي أوّلاً انّه قال سفيان بن عيينة : أراد أن
ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع منهم الاختلاف. ثمّ حكى عن
البيهقي قوله : وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم ، قيل انّ النبيّ عليه الصلاة
والسلام أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر... ومن البيّن الواضح الفاضح ما بين
القولين من تفاوت! ففي الأوّل النص على أسماء الخلفاء بعده. وفي الثاني أراد
أن يكتب استخلاف أبي بكر... فأي القولين هو الصحيح ، أو لا صحيح في
المقام ، وإنّما ذلك من أضغاث الأحلام؟!

_______________________

(١)عمدة القاري ٢ / ١٧١ دار إحياء التراث بيروت.

٣٧٥

وبعد أن شرق وغرب ، وفي جميع ذلك أغرب ، ختم كلامه ببيان
استنباط الأحكام ، ومنه يعرف القاري مدى تضلّعه والأصح ضلوعه مع فقهاء
الحكم ، فقال : الأوّل : فيه بطلان ما يدعيه الشيعة من وصاية رسول الله عليه
الصلاة والسلام بالإمامة ، لأنّه لو كان عند عليّ رضي‌الله‌عنه عهد من رسول الله عليه
الصلاة والسلام لأحال عليها (كذا).

ولا نرد عليه إلّا بما قاله عمر ولا نزيد عليه وحسبنا به شاهداً عليه وحاكماً :
قال : « ولقد أراد رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم في أن يصرح باسمهـ
يعني عليّاً ـ فمنعت من ذلك اشفاقاً وحيطة على الإسلام » (١) .

وستأتي أقوال لعمر في هذا الشأن نذكرها إن شاء الله فيما يأتي.

الرابع عشر : الدهلوي

وهو الشاه ولي الله الدهلوي من علماء المسلمين في الهند في القرن الثاني
عشر الهجري وله مؤلفات عديدة أشهرها كتابه حجة الله البالغة ومن مؤلفاته
شرح تراجم أبواب صحيح البخاري وهو مطبوع مكرراً ، وما ننقله عنه هنا فمن
طبعة حيدر آباد الدكن الطبعة الثانية.

قال : « إعلم إنّ هذا المقام ، من مزالق الأقدام ، كم زلّت فيه الأعلام ،
وصغت فيه الأفهام ، وإنّي قد تحققت بعد تتبع طُرُق هذا الحديثـيعني أمره
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم بالكتاب أنّ قول ابن عباس : الرزية كلّ الرزية ، إنّما
كان بطريق الشبهة مثل سائر شبهاته ، لأنّه ثبت في الروايات الصحيحة أنّ كبار
الصحابة مثل أبي بكر وعليّ وغيرهما كانوا حاضرين ، ففهموا من أمره صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم أنّ مقصوده بالكتابة ليس إلّا ما جاء في القرآن والتوثيق به ،
_______________________

(١)شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ / ٩٧ ط الاُولى بمصر.

٣٧٦

ولو كان شيئاً آخر لأمرهم به ثانياً وثالثاً. لأنّه عاش صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
مفيقاً بعد ذلك أياماً ، ومع ذلك روي أنّه صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أمر عليّاً
باحضار القرطاس والدواة ، فخاف عليّ فوته بعد أن يذهب ، فقال يا رسول الله :
أسمع وأعي ، فبيّن له رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم من أحكام الصدقات ،
واخراج الكفّار من جزيرة العرب ، وإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم ،
والإستيصاء بالأنصار خيراً ، وغير ما بيّن أكثره قبل ذلك أيضاً.

فبعد ذلك لم يبق مجال في أن يتمسك بشبهة ابن عباسرضي‌الله‌عنه ، ويقال ما يقال
في خيار الصحابة ، لأنّه كان حديث السن مناهز البلوغ ، والاعتبار بما فهمه كبّار
الصحابة (١) . إلى هنا انتهى ما قاله الدهلوي.

مع الدهلوي :

هذا قول الدهلوي ، وهو محق في أوّله ومبطل في آخره!

وبيان ذلك : انّ المقام من مزالق الأقدام ويكفي ما قدّمناه من نماذج لعلماء
التبرير أمثال الخطابي وابن حزم والبيهقي والمازري وعياض وابن الأثير والنووي
وابن تيمية وابن حجر والقسطلاني والوشتابي والعيني وغيرهم ممّن ورد ذكرهم
تبعاً كابن بطال والنويري والقرطبي والطهطاوي وأضرابهم. فجميع هؤلاء الأعلام
ممّن زلّت قدمه في سبيل تبرير عمر من سوء كلمته. ولم يكن الدهلوي آخرهم ،
بل هو أسوأ فهماً منهم ، فقد خبط خبط عشواء ، وأستدل مكابراً بالهباء ، وذلك منه
منتهى الغباء ، ولو لم يكن غبيّاً لما قال : إنّ الاعتبار بما فهمه كبار الصحابة
وضرب مثلاً بعليّ وأبي بكر. وهم فهموا مراده بالكتابة ليس إلّا تأكيد ما جاء في
_______________________

(١)شرح تراجم أبواب صحيح البخاري للدهلوي / ١٤ ، ط حيدر اباد.

٣٧٧

القرآن والتوثيق به. ونحن نقول له ما دام كبار الصحابة فهموا ذلك فلماذا إذن
أختلفوا وتنازعوا؟ وما ضرّهم لو أنهم أمتثلوا أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكتب لهم ذلك التأكيد؟
وما داموا هم ملتزمين بالقرآن ، فالقرآن يأمر بإطاعة أمره إذ فيه : ( أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
) (١) ، وفيه :( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ
) (٢) فلماذا لم يستجيبوا ولم يطيعوا؟

ومن الغريب والغباء أن يستدل على مرامه بقوله : « ولو كان شيئاً آخر
لأمرهم به ثانياً وثالثا؟! ». إنّما لم يأمرهم به ثانياً وثالثاً لعدم الجدوى في ذلك
حتى ولو كرر ذلك مائة مرة ومرة ، فقد سبق السيف العَذَلـكما يقول المثلـ
فعمر حين قال إنّه يهجر أصاب مرماه وضيّع الهدف المنشود للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو
أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرّر ذلك ، لصدّقت مقولة عمر زمرة المنافقين وكان مجالاً للطعن في
شخصه الكريم. لذلك طردهم وقال : (قوموا عني).

وإنّ ما ذكره من وصاياه الّتي خص بها الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي
طالب عليه‌السلام ، تثبت أنّ عليّاً وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يزعم قومه عن عائشة بأنّ
النبيّ مات ولم يوص ، ثمّ هي القائلة : « متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى
صدري » (٣) . والآن فقد أستبان أنّ عليّاً أوصى إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!.

وبعد هذا أوليس ابن عباس كان على حق في قوله : « الرزية كلّ الرزية ما
حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده » ؛ أفهل كان على
شبهة أم كان على يقين؟

_______________________

(١)النساء / ٥٩.

(٢)الأنفال / ٢٤.

(٣)أنظر صحيح البخاري (كتاب الوصايا باب الوصايا) ٤ / ٣.

٣٧٨

الخامس عشر : اللاهوري

هذا هو الملا يعقوب اللاهوري أحد شراح صحيح البخاري وأسم كتابه
(الخير الجاري في شرح صحيح البخاري) ، فقد قال فيه في كتاب العلم باب
كتابة العلم : لا شك في أنّ رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم رأى المصلحة
في كتابة الكتاب ، بدليل قوله عليه‌السلام : (لن تضلوا بعدي).

ولا شك أيضاً : أنّ عمر نهى الأصحاب عن إحضار الدواة والكتف.

ولا شك أيضاً : أنّ أهل البيت ألحّوا على إحضارها ، وطال النزاع بين
الفريقين حتى أخرجهم النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم جميعاً.

وهذا القدر ممّا يتبادر إلى الذهن من نص الحديث ، ولا يرتاب فيه أحد(١) .

مع اللاهوري :

وليس من تعليق على ما لا شك فيه ، غير أنا نقف عند قوله : « أخرجهم
جميعاً » كيف يصح ذلك ، وكتب الحديث والتاريخ والسيرة تقول : انّ الّذين
طردهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الّذين تخلّفوا عن امتثال أمره وتنازعوا مع أهل البيت
في ذلك ، أمّا أهل البيت فلم يخرج منهم أحد ، وبقوا عنده ، ومنهم الّذي قال له
بعد خروج أولئك الّذين لم يستجيبوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألا نأتيك بما طلبت؟ »
فقال : (لا ، أو بَعدَ الّذي قال قائلهم)؟!

وفي بعض المصادر أنّ القائل كان هو عمه العباس : « ألا نأتيك بالذي
طلبت وإن رغمت فيه معاطس ».

وإلى هنا نطوي كشحاً عن استعراض ما قاله علماء التبرير فهم

_______________________

(١)نقلا عن تشييد المطاعن / ٤١١ ط الهند.

٣٧٩

عمريون أكثر من عمر :

لقد أوردنا نماذج من أقوال علماء التبرير ، فوجدناهم في أندفاعهم يركبون
الصعب والذلول ، ويقولون المقبول وغير المقبول ، بل وحتى غير المعقول ، في
سبيل تبرئة عمر من معرّة كلمته الجافية النابية ، والّتي لم يتبرأ هو منها ، ولكن
القوم على مقولة : « ملكيون أكثر من الملك ».

فعمر قال كلمته دون استعمال تورية أو كناية. بملء فيه ، متحدياً شعور
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومشاعر الشرعية النبوية الّتي تؤيدها رسالة السماء.

ولنقرأ ثانيةً بعض ما قاله في روايته لحديث الرزية ، وقد مرّ في الصورة
الرابعة : قال : « لمّا مرض النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم قال : (إئتوني بصحيفة
ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي) ، فكرهنا ذلك أشد الكراهية ».

لماذا يا أبا حفص كرهتم ذلك أشد الكراهية؟! ولا عليك من الإجابة ، فان
علماء التبرير مستعدون للدفاع عنك ، ولو كان ذلك على حساب قدسية الرسالة ،
وقد مرّت بنا نماذج من أقوالهم فليرجع القارئ إليها.

وعمر يقول لابن عباس بعد لأيٍ من الزمن : « ولقد أرادَ رسول الله صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم في أن يصرّح بأسمهـيعني عليّاًـفمنعت من ذلك إشفاقاً
وحيطة على الإسلام » (١) .

وعلماء التبرير يقولون في تبريرهم : ربّما أراد أن يكتب شيئاً من الأحكام ، أو أن
يكتب خلافة أبي بكر من بعده لا كما يقول الرافضة؟ فليرجع القارئ ثانية إلى
أقوالهم.

_______________________

(١)أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد ٣ / ٩٧ ط الأولى.

٣٨٠

وعمر يقول أيضاً لابن عباس في كلام بينهما في شأن عليّ : « إن رسول الله
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أراد ذلك وأراد الله غيره ، فنفذ مراد الله ولم ينفذ مراد
رسوله؟! أو كلّ ما أراد رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم كان » (1) .

وعلماء التبرير يقولون : ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنّه توهم الغلط على
رسول الله كما قال ذلك الخطابي وأضرابه.

وعمر يقول ثالثة لابن عباس : « لقد كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذرواً من قول ، لا
يثبت حجة ولا يقطع عذراً » (2) .

وعلماء التبرير يقولون : كان ذلك من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره ، كما
مرّ عن النووي.

ورابعة عمر يقول لابن عباس في كلام في شأن عليّ أيضاً : « أما والله يا بني عبد
المطلب لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر » (3) .

وعلماء التبرير يقولون : ومهما كانت كلمته فلا يظن به ذلك. كما مرّ عن
ابن الأثير.

وعمر يقول خامسة لابن عباس في كلام في شأن عليّ أيضاً : « أوّل من
راثكم عن هذا الأمر أبو بكر ، إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة
والنبوة » (4) .

وعلماء التبرير يقولون : فإن عمر أشتبه عليه هل كان قول النبيّ صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم من شدة المرض فشك في ذلك فقال : (ما له أهجر؟) ، كما مرّ
عن ابن تيمية.

_______________________

(1)نفس المصدر 3 / 114 ط الأولى.

(2)نفس المصدر 3 / 97 ط الأولى.

(3)أنظر محاضرات الراغب 2 / 213 ط مصر الأولى.

(4)أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 497.

٣٨١

وبالتالي يقولون : وإنمّا قصده التخفيف عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . كما مرّ عن البيهقي.

ويقولون : كان ما أختاره عمر صواباً ، كما مرّ عن العيني.

وهكذا ظهرت كوامن نفوسهم على ألسنتهم فخطوها بأقلامهم ، وبانت
عمريّتهم أكثر من عمر. إنّ ذلك لعجيب. وأعجب من ذلك كلّه ما سال به قلم
العقاد في عبقرياته من مكابراته ولابدّ من المرور به ولنقرأ ما يقول ، فإنّه جاوز
القوم في عمريته وأتى بالعجاب في عبقريته.

مع العقّاد ونظراته

قال في عبقرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يكفي أن نستحضر اليوم ما قيل عن الخلافة بعد النبيّعليه‌السلام ، لنعلم مبلغ
ذلك الذكاء العجيب في مقتبل الشباب ، ونُكبر ذلك النظر الثاقب إلى أبعد
العواقب ، ونلتمس لها العذر الّذي يجمل بامرأة أحبّها محمّد ذلك الحب وأعزها
ذلك الإعزاز.

فقد قيل في الخلافة بعد النبيّ كثير : قيل : فيها ما يخطر على بال الأكثرين ،
وما يخطر على بال الأقلين ، وما ليس يخطر على بال أحد إلّا أن يجمَحَ به التعنّت
والاعتساف أغرب جماح. قيل : أنّ وصول الخلافة إلى أبي بكر إنّما كان مؤامرة
بين عائشة وأبيها؟

وقيل : انّه كان مؤامرة بين رجال ثلاثة أعانتهم عائشة على ما تآمروا فيه ، بما
كان لهما من الحظوة عند رسول الله ، وكان هؤلاء الرجال على زعم أولئك
القائلين : أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ، وهم الّذين أسرعواـمن

٣٨٢

المهاجرينـإلى سقيفة بني ساعدة ليدركوا الأنصار قبل أن يتفقوا على اختيار
أمير أو خليفة لرسول الله.

وقيل : انّ هؤلاء الرجال الثلاثة اتفقوا على تعاقب الحكم واحداً بعد واحد :
أبو بكر فعمر فأبو عبيدة. ولهذا قال عمر حين حضرته الوفاة : لو كان أبو عبيدة
حياً لعهدت إليه لأنّه أمين هذه الأمة. كما قال فيه رسول الله؟ وهذا زعم روّجه
بعض المستشرقين ولقي بين القراء الأوربيين كثيراً من القبول ، لأنّه شبيه بما
عهدوه في أمثال هذه المواقف من أحاديث التدبير والتمهيد وروايات التواطؤ
والإئتمار » (1) .

وقال في عبقرية عمر :

« ونفس عمر بن الخطاب هي تلك النفس الّتي تدعم علم الأخلاق من
الأساس ، وهي ذلك الصرح الشامخ الّذي ننظر إلى أساسه فكأننا تسلقنا النظر إلى
ذروته العليا ، لأنّه قرّب بين الآمال والقواعد أوجز تقريب ، إذ هو التقريب
الملموس » (2) .

وقال بعد ذكره ما صدر من عمر في صلح الحديبية : « هذه المراجعة كانت
من خلائق عمر الّتي لا يحيد عنها ولا يأباها النبيّ عليه‌السلام (؟)وكثيراً ما جاراه
وأستحب ما أشار به وعارض فيه(؟).

فلا جرم يراجع النبيّ في كلّ عمل أو رأي لم يفهم مأتاه ومرماه ما أمكنته
المراجعة وما قلقت خواطره حتى تثوب إلى قرار. اللّهم إلّا أن تستعصي
المراجعة ويعظم الخطر ، فهناك تأتي الخليقة العمرية بآية الآيات من الاستقلال
_______________________

(1)موسوعة عباس محمود العقاد الإسلامية (العبقريات الإسلامية) / 180.

(2)نفس المصدر / 438.

٣٨٣

والحب والحزم الّذي يضطلع بجلائل المهمات. فلمّا دخل النبيّعليه‌السلام في غمرة
الموت ودعا بطرس يملي على المسلمين كتاباً يسترشدون به بعده ، أشفق عمر
من مراجعته فيما سيكتب وهو جد خطير(؟)وقال : انّ النبيّ غلبه الوجع وعندنا
كتاب الله حسبنا ، ومال النبيّ إلى رأيه(؟)فلم يَعد إلى طلب الطرس وإملاء
الكتاب ، ولو قد علم النبيّ أنّ الكتاب ضرورة لا محيص عنها لكان عمر يومئذٍ
أوّل المجيبين » (1) .

وقال في عبقرية الإمام عليّعليه‌السلام :

« وربما كانت أصح العلاقات المعقولة لأنها وحدها العلاقة الممكنة
المأمونة ، وكلّ ما عداها فهو بعيد من الأمكان بُعده من الأمان.

فهو يحبّه ويمهّد له وينظر إلى غده ، ويسرّه أن يحبّه الناس كما أحبّه ، وأن
يحين الحين الّذي يكلون فيه أمورهم إليه ..

وكلّ ما عدا ذلك ، فليس بالممكن وليس بالمعقول

ليس بالممكن أن يكره له التقديم والكرامة.

وليس بالممكن أن يحبهما له ، وينسى في سبيل هذا الحب حكمته
الصالحة للدين والخلافة ..

وإذا كان قد رأى الحكمة في استخلافه ، فليس بالممكن أن يرى ذلك ثمّ
لا يجهر به في مرض الوفاة أو بعد حجة الوداع.

وإذا كان قد جهر به ، فليس بالممكن أن يتألب أصحابه على كتمان وصيته
وعصيان أمره إنّهم لا يريدون ذلك مخلصين ، وإنّهم إن أرادوه لا يستطيعونه بين
جماعة المسلمين ، وإنّهم إن استطاعوه لا يخفى شأنه ببرهان مبين ، ولو بعد حين..
_______________________

(1)نفس المصدر / 444.

٣٨٤

فكلّ أولئك ليس بالممكن وليس بالمعقول

وإنّما الممكن والمعقول هو الّذي كان ، وهو الحب والإيثار ، والتمهيد
لأوانه ، حتى يقبله المسلمون ويتهيأ له الزمان » (1) .

هذا ما تفتقت عنه عبقرية العقاد ، ولا نطيل عند أقواله. ولكن لنا أن نسأل
منه. ونحن أيضاً نكبر فيه ذلك النظر الثاقب إلى أبعد العواقب. حين حاول جاهداً
دفع معرّة النشاط المحموم الّذي كان من عائشة في تهيئة الأجواء لأبيها
وصاحبيه ، فدفع ذلك بالصدر دون حجة ، بينما هي الّتي تقول كما رواه مسلم في
الصحيح واحتج به ابن تيميةـكما مرّـوقد سئلت عمن كان يستخلف
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو استخلف فسمت أباها ثمّ عمر ثمّ أبا عبيدة بن الجراح ثمّ انتهت إلى
هذا. فلماذا جعل هذا زعماً روّجه بعض المستشرقين؟

وأين هم من عائشة ومعنى ما رواه مسلم عنها ، ومن أين لها علم ذلك إن
لم يكن ثمة تدبير وتمهيد ، وتواطؤ وائتمار :

ثمّ الّذي قاله في عبقرية عمر من أنّ نفس عمر هي تلك النفس الّتي تدعم
الأخلاق من الأساس وهي ذلك الصرح الشامخ كيف يتم له صدق ذلك وهو
الّذي يقول بعد هذاـفي مراجعة عمر للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلح الحديبيةـ: « انّها
كانت من خلائق عمر الّتي لا محيد عنها ولا يأباها النبيّ؟ وكثيراً ما جاراه
واستحب ما أشار به وعارض فيه(؟) ».

أليس هذا من زخرف القول؟ فهذه كتب السيرة والتاريخ تذكر انّ عمر
كان فظاً غليظاً ولا يهمنا ذلك بمقدار ما يهمنا تنبيه القارئ إلى انّ هذه نفس عمر
الّتي كانت تدعم علم الأخلاق من الأساس كما يقول العقاد.

_______________________

(1)نفس المصدر / 795.

٣٨٥

ثمّ ليت العقاد تروّى قليلاً ولم يرسل القول على عواهنه ، وراجع الكلمة
قبل أن يكتبها.

فقوله : « وكثيراً ما جاراه واستحب ما أشار به وعارض فيه »؟ لماذا لم يوثق
دعواه بشاهد صدق واحد من ذلك الكثير الّذي زعمه. وأين كان ذلك المستحب
من مشورته الّذي جاراه فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وما أدري هل أنّ ما كان من إعراض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أبي بكر وعن عمر حين
شاور الناس في يوم بدر فتكلما فأعرض عنهما ، كان ذلك من شواهد الكثير
الّذي زعمه (1) ؟

وما أدري لماذا تغيّر وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قال أبو بكر وحين قال في
أناس من قريش : « إنهم جيرانك وحلفاؤك... الخ » (2) فهل هذا من شواهد ذلك
الكثير الّذي زعمه!

وما أدري لماذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الّذي مرّ : (يا معشر قريش والله ليبعثنّ
الله عليكم رجلاً منكم أمتحن الله قلبه للإيمان فيضربكم على الدين أو
يضرب بعضكم) ، فقال أبو بكر : « أنا هو يا رسول الله؟ » قال : (لا) ، قال عمر :
« أنا هو يا رسول الله؟ » قال : (لا ، ولكن ذلك الّذي يخصف النعل)ـوكان أعطى
عليّاً عليه‌السلام نعلاً يخصفها(3) . وهل هذا من شواهد ذلك الكثير الّذي زعمه ، ثمّ
إنّ قوله أشفق عمر من مراجعته فيما سيكتب وهو جد خطير وقال إنّ النبيّ غلبه
الوجع الخ.

_______________________

(1)أنظر مسند أحمد 3 / 219 و 257.

(2)نفس المصدر 1 / 155.

(3)أنظر الخصائص للنسائي / 11.

٣٨٦

كيف يكون قد أشفق من المراجعة ، وهو الّذي صدّه عن الكتابة وشاق
الكلمة وشطر الحاضرين إلى فريقين فريق معه وفريق عليه ، حتى وقع النزاع
والخصومة فطردهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : (قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع)؟ فهل هذا
كان من الإشفاق؟ أو هو من تعلان الشقاق؟

ثمّ يقول العقاد من دون استحياء : « ولو قد علم النبيّ انّ الكتاب ضرورة لا
محيص عنها لكان عمر يومئذٍ أوّل المجيبين »؟

يا لله أهكذا تقلب الحقائق ويتلاعب بالعقول؟

أمّا ما قاله في عبقرية الإمام فقد أتى فيه بالمغالطة الفاضحة حيث أنكر
النص وتنكّر لجميع ما قاله النبيّ في حقّ الإمام عليّ عليه‌السلام ، مصحراً وجهراً بالقولُ ،
بدءاً من يوم حديث الإنذار : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (1) ومروراً بيومي
المؤاخاة ويوم المناجاة بالطائف وأيام براءة وحجة الوداع والغدير كلّ ذلك لم
ير العقاد فيها نصاً بل هو إلماح وتأهيل للمستقبل وأقصى ما تدل على الحب
والإيثار والتمهيد لأوانه(!)وخل عنك كلّ ذلك ولكن هلمّ فاسأل العقاد عن
حديث الكتف والدواة فيم كان التنازع بين الصحابة فمنهم من قال القول ما قال
النبيّ ، ومنهم من قال القول ما قال عمر؟

سؤال وجواب :

ولابدّ لنا الآن من العودة إلى حديث الرزية وطرح الأسئلة التالية ، لنتعرف
من أجوبتها على مدى صدق العقاد في مقاله بأن ذلك تأهيل وتلميح وليس هو
نص صريح :

_______________________

(1)الشعراء / 214.

٣٨٧

1 ـ ماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب في ذلك الكتاب؟

2 ـ ومن أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب باسمه ذلك الكتاب؟

3 ـ ولماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب له ذلك الكتاب؟

4 ـ ولماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً دون غيره أن يكتب له ذلك الكتاب؟

أربعة أسئلة قد تبدو متشابهة ، وليست كذلك بل هي متشابكة ، يأخذ تاليها
برقبة أولها والجواب عن أولها يقضي بالجواب عن ثانيها وهكذا. للتداخل فيما
بينها ، وأخيراً سنعرف من الجواب عليها الجواب على ما قاله العقاد الّذي حاول
تعقيد الواقع الّذي حدث بإنكاره جملة وتفصيلا فجاوز بعبقريته ما قاله علماء
التبرير ، وزاد عليهم.

والآن إلى الأجوبة عن تلك الأسئلة :

أوّلاً ـ ماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب في ذلك الكتاب؟

لا يخفى على كلّ انسان يمتلك قدرة البحث والوعي ويتحلى بالنزاهة أن
يدرك قصد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمره باحضار الدواة والكتف ، فهو حين يرجع إلى جوّ
الحديثـحديث الكتف والدواةـزماناً ومكاناً وملاحظة سائر الحيثيات الّتي
أحاطت ذلك الجوّ المكفهرّ بوجوه الصحابة ، تزول عنه أغشية التضليل الّتي
نسجها علماء التبرير. ويزداد إيماناً واطمئناناً بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرد أن يكتب
للصحابة حكماً لم يبلّغه كما أحتمله أو طرحه بصورة الأحتمال بعض علماء
التبرير.

٣٨٨

لأنّ احتمال ذلك موهون ومردود بقوله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ
) (1) والآية تقطع جهيزة كلّ متنطع.

ولو تنزلنا جدلاً وقلنا بذلك ، فهو أيضاً غير مقبول ولا معقول :

أوّلاً : لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا بدواة وكتف ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده. وكتابة
الحكم الواحد أو المهم كما زعمه بعض علماء التبرير ، لا تفي بالغرض ولا تأتي
بالنتيجة المرجوة ، وكتابة جميع الأحكام تحتاج إلى عدة أكتاف إذ لا يحويها
الكتف الواحد ، ولا أقل على مثل كتاب الله تعالى في تعدد الأكتاف لأن
الأحكام وما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تساوي الكتاب ان لم تزد حجماً عليه.

ثانياً : لم يعهد منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يكتب لهم الأحكام الشرعية أو يأمر بكتبها ،
وإنّما كان يبلغهم ذلك شفاهاً ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي ، وخذوا
عني مناسككم ونحو ذلك ممّا عرّفهم من الأحكام من طرق قوله وعمله
وتقريره. ولم يعهد أن كتب لهم حكماً واحداً. نعم قد يوجد في بعض كتبه
وعهوده ومراسلاته إلى الملوك ورؤساء القبائل ممّا ينبغي التعرض له فهو حين
يدعوهم إلى الإسلام فلهم كذا وكذا ، وإن أبوا فالجزية عن يدوهم صاغرون ،
وكلّ ما كان كذلك فهو لمن بُعد عنه ، ولم يكن لمن معه في المدينة ، ولم
يذكر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب لأهل المدينة مثلاً والذين هم معه حكماً واحداً.

ثالثاً : لو تجاوزنا ما تقدم فالّذي سيكتبه من الأحكام ليس بعاصم لجميع
الأمة إنّما يعصم من ابتلي بالحكم فقط ولا يعصم غيره ما دام باب الاجتهاد
والتأويل قد فتحه علماء التبرير على مصراعيه ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد ضمان السلامة
لجميع أمته من الضلالة.

_______________________

(1)المائدة / 3.

٣٨٩

إذن فاحتمال كتابة حكم أو مهمات الأحكام مستبعد من ساحة الجدل.

ويبقى السؤال الّذي فرض نفسه ، ماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب في ذلك
الكتاب؟

ولابدّ في الجواب الصحيح هو الاحتمال الآخر وقد طرحه علماء
التبرير ، وقال غيرهم بتعيّنه وهو كتابته بتعيين ولي الأمر من بعده. ليتولى تسيير
الأمة وفق مصالحها المشروعة ، وإذا تعيّن ذلك لهم فهو الّذي يحل مشاكلها
من بعده ، وبالتالي هو الّذي يعصمها من الوقوع في هوة الضلالة.

إذن مرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كتابة اسم من يخلفه في قيادة الأمة ويكون على
رأس النظام الحاكم ، فيتولى قيادة الأمة إلى شاطيء النجاة بما يصلح أمورها
في الدين والدنيا.

قال الشيخ محمّد الغزالي في كتابه فقه السيرة : « وكان النبيّ نفسه قد همّ
بكتابة عهد يمنع شغب الطامعين في الحكم ، ثمّ بدا له فاختار أن يدع المسلمين
وشأنهم ينتخبون لقيادتهم من يحبون ا ه‍ » (1) .

ولقد كان في أوّل كلامه مصيباً ولكنه أخطأ في آخره ويعرف جوابه ممّا
سأتي.

ثانياً ـ من ذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب أسمه في ذلك الكتاب؟

والجواب على هذا يختلف عليه المسلمون. ومن الطبيعي أن يكون
كذلك ، تبعاً لأختلاف الواقع عن الشرعية ، فأهل السنّة لهم جواب لتبرير الواقع ،
والشيعة لهم جواب آخر بحسب الشرعية وإرادة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

_______________________

(1)فقه السيرة / 353.

٣٩٠

1ـأمّا أهل السنّة فقد قالوا إلّا من شذ منهم : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب
كتاباً لأبي بكر ثمّ أعرض عنه بمحض أختياره ، وقال : يأبى الله ذلك والمؤمنون
إلّا أبا بكر ، مستندين إلى روايات تنتهي كلّها إلى عائشة ، وأخرجها البخاري
ومسلم. وقد مرّت الإشارة إليها والردّ عليها في جملة مناقشة أقوال علماء التبرير.
فلا حاجة إلى اعادتها.

2ـوأمّا الشيعة فقد قالوا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب الكتاب باسم عليّ بن أبي
طالب عليه‌السلام ويعطيه حجة تحريرية بخلافته من بعده ، لكنه صُدّ عن ذلك باعتراض
عمر ومن تابعه ، فترك ذلك بعد انتفاء الغرض المطلوب من الكتاب لطعن عمر
في الكاتب فضلاً عن الكتاب. ولهم حججهم على ذلك.

والباحث المتجرد عن الهوى والتعصب يدرك أنّ الحقّ معهم ، ويؤيدهم
في ذلك اعترافات خطيرة صدرت عن عمر بعد ذلك اليوم بقرابة عقدين من
الزمن.

وقد مرّ في مناقشات علماء التبرير الالماح إليها. وستأتي بأوفى من ذلك
عند البحث عن (ماذا قال عمر؟ وماذا أراد عمر؟).

والآن لنقرأ شيئاً ممّا ساقه علماء الشيعة في حجتهم على أنّ المراد للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
هو كتابة الكتاب بأسم عليّ. وهو لا يتنافى مع قولهم بالنص عليه قبل ذلك بل هو
منه. لأنهم قالوا إنّما أراد التأكيد لما رأى من بوادر الشر المحدق بالأمة ، فلنقرأ
ذلك.

٣٩١

ثالثا ًـ لماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب له الكتاب؟

قالوا : إنّ الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نزل عليه الوحي في حجة الوداع بقوله
تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
) (1) وكان قد وصل المسلمون معه إلى غدير خم بين
مكة والمدينة فأمر بحط أوزار المسير عند الغدير ، وقام في المسلمين في رمضاء
الهجر على منبر من حدوج الإبل ليستشرف الناس ، وخطب خطبة طويلة ، أبان
لهم فيها انّ الله تعالى أمره بأن ينصب عليّاً إماماً وعلماً لأمته من بعده ، ثمّ أخذ بيد
عليّ فرفعها حتى بان بياض أبطيهما وقال : (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللّهم
وال من والاه وعاد من عاداه ...) إلى آخر الخطبة ثمّ نصب لعليّ خيمة خاصة
وأمر المسلمين بالسلام على عليّ بأمرة المؤمنين ، فبايعوه.

وكان ممّن دخل عليه وبايعه الشيخان أبو بكر وعمر وقالا له : بخ بخ لك
يابن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة » (2) .

وهذا هو النص الّذي كان بعد حجة الوداع وجهر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن
الاستاذ العقّاد يأباه ويقول : « فليس من الممكن أن يرى ذلك فلا يجهر به في
مرض الوفاة وبعد حجة الوداع ». وما أدري أيّ جهرٍ بالقول أوضح وأفصح من
ذلك؟ وما أدري لماذا لم يقرأ العقاد حديث أم سلمة قالت : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
في مرضه الّذي قبض فيهـوقد امتلأت الحجرة من أصحابهـ: (أيها الناس
_______________________

(1)المائدة / 67.

(2)راجع كتاب الغدير للمرحوم الشيخ الأميني الجزء الأوّل ستجد تفصيل ذلك موثقاً
بالمصادر المقبولة عند المسلمين من السنّة لأنها من كتبهم.

٣٩٢

يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي ، وقد قدمت اليكم القول معذرة إليكم ،
إلّا إنّي مخلف فيكم كتاب ربّي عزوجل وعترتي أهل بيتي. ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها
فقال : هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض
فأسألوهما ما خلفت فيهما) » (1) .

ولماذا لم يقرأ الأستاذ وأضرابه أسباب النزول في قوله تعالى :( الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا
) (2) وإن
حاول هو أو بعضٌ التشكيك في زمان نزولها في ذلك ، فليقل لنا هو وغيره ما
سبب نزول قوله تعالى ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) (3) أليس كان من أسباب نزولها
مجيء بعض الحاقدين الحاسدين لعليّ فقال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أمرتنا عن الله أن نشهد
أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والحج والصلاة والزكاة
والصوم فقبلناها منك ، ثمّ لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت : (من كنت
مولاه فهذا مولاه) ، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟

قال : (الله الّذي لا اله إلّا هو إنّ هذا من الله)؟

فولّى وهو يقول : اللّهم ان كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة
من السماء أو إئتنا بعذاب أليم ، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله فأنزل الله تعالى :
( سَأَلَ سَائِلٌ ) »(4) .

_______________________

(1)الصواعق المحرقة / 75 ط اليمنية ، وفي جمع الفوائد للروداني 2 / 332 عن أم سلمة
رفعته (عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض) ، وأرجح
المطالب للآمر تسري / 340 و 598 ط لاهور.

(2)المائدة / 3.

(3)المعارج / 1.

(4)راجع كتاب الغدير للمرحوم الشيخ الأميني الجزء الأوّل ستجد تفصيل ذلك موثقاً
بالمصادر المقبولة عند المسلمين من السنّة لأنّها من كتبهم.

٣٩٣

بعث أسامة إجراء وقائي :

ولمّا رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حالة المسلمين يومئذ وما أحدق بهم من شر مستطير ،
لابدّ له من اتخاذ تدبير وقائي لوحدة الصف ، وما ذلك إلّا إبعاد عناصر الشغب
الّذين كان يخشى منهم الجفاء والعِداء لولي الأمر من بعده ، لتخلو المدينة منهم
ويصفو الجو لخليفته الّذي أمرته السماء بنصبه يوم الغدير. وقد تبين لهـوالوحي
يخبره ويأمرهـانّ الحاقدين والموتورين ممّن وترهم عليّ في سبيل الدينـ
فقتل آباءهم وأخوانهم وعشيرتهمـقد بدت منهم كوامن الشحناء على
وجوههم ، وبدأ التآمر والكيد. كلّ ذلك أحسّ به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأى دنوّ أجله ،
فلابدّ له من اتخاذ ذلك التدبير الوقائي الّذي لو تمّ ، لتمّ الأمر لولي الأمر دون
منازع.

فأمر بتجهيز جيش أسامة إلى بلاد مؤتة ، وفي تأميره شاباً لم يتجاوز
العشرين من عمره على قيادة جيش يضم من شيوخ المهاجرين والأنصار
أشخاصاً بأعيانهم مؤكداً عليهم الخروج ، ولعن المتخلف منهم ، كلّ ذلك له دلالة
واضحة وعملية ، على أنّ الفضل للكفاءة وليس للسنّ مهما كان صاحبه وإنّ هذا
الاجراء الاحتياطي الوقائي لو تمّ لكانت الأمة في راحة من عناء الشقاء والشقاق ،
والّذي لم تزل ولا تزال تكتوي بناره ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أختار أسامة دون غيره ممّن
سبق له أن ولاهم قيادة السرايا في الغزوات ، كان يعطي أمته درساً بليغاً بأنّ
الجدارة والاستحقاق إنّما تكونان بقدر الكفاءة لا بقدر السنّ ، ولا شك أنّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرشح في توليته الرجال للمناصب إلّا مستحقي الجدارة ، فمن

٣٩٤

استحق بكفاءته موقعاً في القيادة قدّمه ، وإن كان صغيراً في سنّه ، لأن كبر السن لا
يهب الأغبياء عقلاً ، ولا صغر السن ينقص الأكفاء فضلاً.

فما الحداثة عن فضلٍ بمانعة

ولا الكفاءة في سنّ وإن هرموا

قد أرسل الله عيسى وهو ابن ساعته

فلم يحابي شيوخاً ما الّذي نقموا

وكأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هيأ المسلمين لقبول (قاعدة الكفاءة) في ولاية أمورهم ، ونبّههم
عملياً على أن ليست الشهرة أو السن أو غيرها من مقوّمات الشخصية ، كفيلة
باستحقاق الإمارة والولاية ، فلذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رداً على من نقم تأمير أسامة عليهم :
(وأيم الله إن كانـزيدـلخليقاً للإمارة ، وانّ ابنه لخليق للإمارة) ، كما سيأتي
ذلك عن صحيح البخاري وغيره.

وبهذا التدبير الحازم قطع حجة الزاعمين انّ الأمارة والولاية لمن كان في
السنّ متقدماً.

من كان تحت اُمرة أسامة :

قال الرواة : لقد عقد اللواء لأسامة بيده ، وأمّره على جيش عدته ثلاثة آلاف
فيهم من قريش سبعمائة إنسان. وقد روى الرواة أسماء بعض الشيوخ الّذين كانوا
في ذلك الجيش فكان منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والزبير وسعد بن أبي
وقاص وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم وأسيد بن حضير وبشير
بن سعد ، وهناك آخرون » (1) ولكن كلّ من سمّينا منهم ومن لم نسمّ لم يمتثلوا
أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل تخلّفوا وطعنوا في تأمير أسامة عليهم.

_______________________

(1)طبقات ابن سعد 4 / 46 و 136 ، وتاريخ اليعقوبي 2 / 93 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد
1 / 159 ط محققة ، وفتح الباري لابن حجر 9 / 218ـ219 ، وكنز العمال 5 / 312 ط الأولى ،

٣٩٥

قال ابن أبي الحديد المعتزلي : « فتكلم قوم وقالوا : يستعمل هذا الغلام على
جلّة المهاجرين والأنصار؟

فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سمع ذلك ، وخرج عاصباً رأسه ، فصعد المنبر
وعليه قطيفة فقال : (أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ لئن
طعنتم في تأمير أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ، وايم الله ان كان لخليقاً
بالامارة ، وابنه من بعده لخليق بها ...) » (1) .

وقال أيضاً : « وثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشتد ما يجده ، فأرسل بعض نسائه إلى
أسامة وبعض من كان معه يعلمونهم ذلك. فدخل أسامة من معسكره... فتطأطأ
أسامة عليه فقبّله ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اسكت فهو لا يتكلم ، فجعل يرفع يديه إلى
السماء ثمّ يضعهما على أسامة كالداعي له ، ثمّ أشار إليه بالرجوع إلى عسكره ،
والتوجه لما بعثه ، فرجع أسامة إلى عسكره.

ثمّ أرسل نساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرنه بالدخول وقلن : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد
أصبح بارئاً ، فدخل أسامة من معسكره يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل ،
فوجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفيقاً ، فأمره بالخروج وتعجيل النفوذ ، وقال : (أغد على بركة
الله).

_______________________

وتهذيب تاريخ ابن عساكر 2 / 391 ، ومن كتب المتأخرين حياة محمّد لمحمد حسين هيكل
/ 467. والملاحظ في هذه المصادر المذكورة كلّها قد ورد اسم أبي بكر وأسم عمر فيمن
سمّاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرجوا تحت قيادة أسامة ، ولم تذكر أنهما سمعا وأطاعا ، بل ذكرت
أنهما كانا يخرجان ويعودان بحجة أو بغير حجة ، ويكفي وجودهما عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم
الخميس حين أمر بأحضار الدواة والكتف وهو دليل على أنهما كانا يرقبان حالة
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويترقبان موته ولديهما خطة يجب أن يقوما بتنفيذها.

(1)شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 159 ط محققة ، صحيح البخاري (كتاب المغازي باب
بعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسامة بن زيد في مرضه).

٣٩٦

وجعل يقول : (أنفذ وأبعث أسامة) ، ويكرر ذلك ، فودّع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
وخرج ومعه أبو بكر وعمر. فلمّا ركب جاءه رسول أم أيمن فقال : إنّ رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يموت.

فأقبل ومعه أبو بكر وأبو عبيدة ، فانتهوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين زالت
الشمس من هذا اليوم وهو يوم الاثنين وقد مات ، واللواء مع بريدة بن الحصيب ،
فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مغلق »(1) .

هذا ملخص حادث بعث أسامة ورزية من تخلف عنه.

( سؤال بعد سؤال فهل من جواب؟ )

أوّلاً : لقد مرّ بنا انّ أبا بكر وعمر وابن عوف وسعداً أو سعيداً والزبير وأبو
عبيدة كانوا فيمن سمّاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمرهم بالخروج فتخلفوا ، وقد لعنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من
تخلف عن جيش أسامة (2) فهل هم ممّن شملتهم لعنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وكيف
وهؤلاء ممّن زعم الزاعمون أنهم من المبشرين بالجنة ، فهل يجوز أن يلعن
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شهد له بالجنة وبشّره بها؟

ثانياً : لقد مرّ بنا أنّ بعض نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسلت إلى أسامة وبعض من كان
معه.

فمن هي تلكم البعض من نسائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ومَن هم أولئك البعض ممّن كان مع
أسامة؟

_______________________

(1)شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 160 ط محققة.

(2)اُنظر الملل والنحل للشهرستاني 1 / 23 ط الثانية سنة 1395 ، وشرح المواقف للجرجاني
8 / 408 ط دار الكتب العلمية بيروت.

٣٩٧

ولماذا لم يفصح الراوي بأسمائهم؟ فهل من المستبعد أن يكون تلكم
البعض (الأوّل) هي من نسائه اللائي سبق للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أسرّ إليهن حديثاً فلمّا
نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض كما في سورة التحريم؟

وهل من المستبعد أن يكونا هما اللتان تظاهرا عليه كما في سورة التحريم؟

ثالثاً : لقد مرّ بنا أيضاً انّ نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسلن إلى أسامة ثانياً يأمرنه
بالدخول ، فهل كنّ جميع نسائه؟ أوهنّ اللائي أرسلن إليه أوّلاً؟ ومهما يكن فهل
من حقهنّ الإرسال؟ وما هو حقهنّ في الأمر؟

رابعاً : لقد مرّ بنا أيضاً انّ أسامة وبعض من كان معه أمتثلوا أمر النساء
المرسلات ، فهل كان أمرهنّ أوجب طاعة من أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فما بالهم تخلّفوا
عن أمتثال أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يذهبوا حيث أمرهم وتباطؤا متثاقلين؟ ثمّ هم هبّوا سراعاً
لأمتثال من أمرتهم من النساء طائعين سامعين فيعودوا مسرعين؟

خامساً : لقد مرّ بنا كتمان الرواة لأسماء تلكم النسوة فهل كان كلّ الرواة
نسيّاً فنسوا أسماءهن كما نسوا الوصية الثالثة في حديث الكتف والدواة؟ أم انّ
في كتمان ذلك ستر عليهن والله يحب الساترين؟

ومهما تكن حقيقة ذلك فسيبقى التساؤل قائماًـوبدون جواب مقنعـ هل
كان ثمة تنسيق وتدبير بين بعض نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أسامة وبعض من كان معه؟

وهذا أيضاً ليس بالمستبعد من ساحة التصور ، كما أنّه أيضاً غير مستبعد
حتى في مرحلة التصديق ، لأنّ أسماء الّذين ذكرتهم الرواية أنّهم أقبلوا مع أسامة
هم الثالوثـأبو بكر وعمر وأبو عبيدةـونجد لهذا الثالوث أهلية الترشيح
للخلافة فيما ترويه عائشة وقد مرّ حديثها ، كما نجد لهذا الثالوث تنسيقاً في

٣٩٨

المواقف من بعد موت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . كلّ ذلك يصدّق ما قيل من وجود تنسيق
وتدبير بينهم وبين بعض نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوحي بأن ثمة تخطيط وتآمر ، حيث
كان تشاور وتحاور ، لاقتناص الخلافة من صاحبها بأي ثمن ، كان ولو على
حساب الشرعية والدين.

لذلك لم يكن تخلف من تخلف عن جيش أسامة عفوياً.

كما لم يكن تثاقل أسامة بالخروج عاجلاً عفوياً أيضاً.

ولم يكن تلك المراسلات بين بعض أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أسامة وبعض
من كان معه عفوياً أيضاً.

كلّ ذلك يوحي بضلوع عناصر فاعلة وخطيرة في تلك المؤامرة ، لذلك
كان النفر الّذين وردت أسماؤهم يراوحون بيت النبيّ ولا يبارحونه ، وان بارحه
الرجال فلهم من نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عون وعين.

فهذا كلّه قد أحسّ بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضافاً إلى أنّ السماء توحي إليه بأخبارهم ، ثمّ
تأمره بتنفيذ أمر الله سبحانه ، وإن كلّفه عناءً وجهداً ، ولاقى عناداً ونَصَباً ، فلذلك
أتخذ التدبير الحازم والسريع. والأكثر ضماناً للنجاحـلو تمـفأمر أن يأتوه
بالدواة والكتف ، ليكتب للأمة كتاباً لن يضلوا بعده أبداً. وتلك الوثيقة هي الحجة
الشرعية التحريرية الّتي لا يمكن أن تنكر أو تتناسى كسائر ما سبق منه شفاهاً.
وتبقى حجة يحتج بها الخليفة من بعده.

فهذا هو ما أراده النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذا هو ما أدركه عمر وبقية من حضر من طائعين وعاصين. فنبذه عمر
وتبعه قوم فشاقّوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمره ، وقبله آخرون ودعوا إليه سامعين طائعين.

وهذا هو الّذي لم يخف من بعدُ على الصحابة فرووه كما رأوه.

٣٩٩

وهذا هو الّذي لم يخف على التابعين وتابعي التابعين ، وحتى علماء
التدوين ، لذلك أجهزوا عليه فحرّفوه وزوّروا فيه ، وقد مرّت رواياتهم في صور
الحديث وستأتي شواهد أخرى.

وهذا هو الّذي تهرّب من ذكره صراحة بشكل وآخر علماء التبرير ،
فحاولوا جاهدين ليكتموا الحقّ ، فقالوا أنّه اراد أن يكتب لأبي بكر ، ولعمري لو
كان ذلك صحيحاً لكان عمر أوّل المجيبين المستحبين. ولكن ذلك شأن
الجدليين المعاندين ، أيغالاً في صرف النظر عن حق الإمام عليّ عليه‌السلام الّذي أراد
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب له ذلك الكتاب ، فأمعنوا في إخفاء الحقيقة. وهيهات أن
تخفى الشمس وإن جللها السحاب.

رابعاً ـ لماذا أراد عليّاً دون غيره؟

والجواب على هذا يستدعي مُقدمة نعرف منها دور الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك.
وتلك هي أن ننظر بتجرّد وموضوعية إلى ذلك الدور ، فهل كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه مأموراً؟
أو مختاراً؟ إذ لا يخلو من هاتين الحالتين.

فإن كان مأموراًـوهو لابدّ أن يكون كذلك كما هو شأن الرسالة( وَمَا
عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
) (1) ـوما كان شأنه في التبليغ إلّا على حد قوله
تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
) (2) .

_______________________

(1)النور / 54.

(2)المائدة / 67.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487