موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

موسوعة عبد الله بن عبّاس12%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-501-5
الصفحات: 487

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 487 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158858 / تحميل: 6183
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٥٠١-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

٦٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن غالب عن عثمان بن محمد عن عمران قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله جل ثناء:( وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ) قال: خضراوتان في الدنيا يأكل المؤمنون منها حتى تفرغ من الحساب.

٦٥ ـ في مجمع البيان( وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ) روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: جنتان من فضة أبنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب أبنيتهما وما فيهما.

٦٦ ـ وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لا تقولن: الجنة واحدة، إنّ الله يقول:( وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ) ولا تقولنّ درجة واحدة إنّ الله يقول: «درجات بعضها فوق بعضا» انما تفاضل القوم بالأعمال.

٦٧ ـ وعن العلا بن سيابة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قلت له: إنّ الناس يتعجبون منا إذا قلنا: يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة فيقولون لنا: فيكونون مع أولياء الله في الجنة؟ فقال: يا عليُّ إنّ الله يقول:( وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ) ما يكونون مع أولياء الله.

٦٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم باسناده إلى يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله:( مُدْهامَّتانِ ) قال: يتصل ما بين مكة والمدينة نخلا، وقوله:( فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ ) قال: تفوران.

قال مؤلف هذا الكتاب: قد سبق فيما نقلنا عن كتاب سعد السعود بيان لقولهعزوجل : «نضاختان».

قال عز من قائل:( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ) .

٦٩ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن أحمد ابن سليمان عن أحمد بن يحيى الطحان عمن حدثه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خمس من فواكه الجنة في الدنيا: الرمان الأمليسي والتفاح الشيسقان والسفرجل والعنب الرازقي والرطب المشان.(١)

__________________

(١) رمان أمليس وأمليسي: حلو طيب لا عجم له كأنه منسوب إليه وفي امالي الشيخ (ره) التفاح الشعشعاني يعنى الشامي، والمشان: نوع من الرطب إلى السواد دقيق وهو أعجمى.

٢٠١

٧٠ ـ وباسناده إلى أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: اربعة نزلت من الجنة: العنب الرازقي والرطب المشان والرمان الامليسى والتفاح الشيسقان.

٧١ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الفاكهة مأة وعشرون لونا سيدها الرمان.

٧٢ ـ وباسناده إلى عمر بن أبان الكلبي قال: سمعت أبا جعفر وأبا عبد اللهعليهما‌السلام يقولان: ما على وجه الأرض ثمرة كانت أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الرمان، وكان والله إذا أكله لا يشركه فيها أحد.

٧٣ ـ وباسناده إلى حماد بن عثمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما من شيء أشارك فيه أبغض إليّ من الرمان، وما من رمانة إلّا وفيها حبة من الجنة، فاذا أكلها الكافر بعث اللهعزوجل إليه ملكا فانتزعها منه.

٧٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ ) قال: جوار نابتات على شط الكوثر، كلّما أخذت منها نبتت مكانها اخرى.

٧٥ ـ في مجمع البيان:( خَيْراتٌ حِسانٌ ) أي نساء خيرات الأخلاق حسان الوجوه، رواته أم سلمة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

٧٦ ـ في من لا يحضره الفقيه وقال الصادقعليه‌السلام : الخيرات الحسان من نساء أهل الدنيا، وهن أجمل من الحور العين.

٧٧ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن أبي أيوب عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ ) قال: هن صوالح المؤمنات العارفات.

٧٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن بريد النوفلي عن الحسين بن أعين أخو مالك بن أعين قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الرجل للرجل: جزاك الله خيرا ما يعنى به؟ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ خيرا نهر في الجنة مخرجه من الكوثر، والكوثر مخرجه من ساق العرش، عليه منازل الأوصياء وشيعتهم، على حافتي ذلك النهر جواري نابتات، كلمات قلعت واحدة نبتت اخرى، سمى

٢٠٢

بذلك النهر وذلك قوله:( فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ ) فاذا قال الرجل لصاحبه: جزاك الله خيرا، فانما يعنى بذلك تلك المنازل التي أعد اللهعزوجل لصفوته وخيرته من خلقه أقول: ويتصل بآخر ما نقلنا من الحديث الاول من الروضة أعنى قوله: العارفات قال: قلت:( حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ) قال: الحور هي البيض المضمومات(١) المخدرات في خيام الدر والياقوت والمرجان، لكل خيمة أربعة أبواب، على كل باب سبعون(٢) كاعبا حجابا لهن ويأتيهن في كل يوم كرامة من الله عز ذكره ؛ يبشر اللهعزوجل بهن المؤمنين.

٧٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ) يقصر الطرف عنها.

٨٠ ـ في مجمع البيان وعن أنس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مررت ليلة أسرى بى بنهر حافتاه قباب المرجان فنوديت عنه: السلام عليك يا رسول الله فقلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء جوار من الحور العين استأذن ربهنّ أنْ يسلّمن عليك فأذن لهنّ فقلن: نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نيأس أزواج رجال الكرام، ثمّ قرءصلى‌الله‌عليه‌وآله ( حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ) .

٨١ ـ وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: الخيمة درة واحدة طولها في السماء ستون ميلا.

٨٢ ـ في جوامع الجامع وفي حديث الخيمة درة واحدة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراه الآخرون.

٨٣ ـ وقرئ في الشواذ: «رفارف خضر وعباقرى» كمدائني. وروى ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وان شذ في القياس ترك صرف عباقرى فلا يستنكر مع استمراره في الاستعمال.

٨٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد

__________________

(١) قال المجلسي (ره): المضمومات أي اللاتي ضمن إلى خدورهن لا يفارقنه

(٢) الكاعب: الجارية حين تبدو ثديها للنبور أي الارتفاع عن الصدر.

٢٠٣

الله عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن هشام بن سالم عن سعد بن طريف عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى:( تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) فقال: نحن جلال الله وكرامته التي أكرم الله تبارك وتعالى العباد بطاعتنا ومحبتنا.

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرء في كل ليلة جمعة «الواقعة» أحبه الله وحببه إلى الناس أجمعين ؛ ولم ير في الدنيا بؤسا أبدا ولا فقرا ولا فاقة ولا آفة من آفات الدنيا وكان من رفقاء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهذه السورة لأمير المؤمنين خاصة لم يشركه فيها أحد.

٢ ـ وباسناده عن الصادقعليه‌السلام قال: من اشتاق إلى الجنة والى صفتها فليقرأ الواقعة ومن أحب أنْ ينظر إلى صفة النار فليقرأ سجدة لقمان.

٣ ـ وباسناده عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: من قرء الواقعة كل ليلة قبل أنْ ينام لقى اللهعزوجل ووجهه كالقمر ليلة البدر.

٤ ـ في مجمع البيان: أبيّ بن كعب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قرأ سورة الواقعة كتب ليس من الغافلين.

٥ ـ وفيه عن عبد الله بن مسعود قال: إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: من قرء سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا.

٦ ـ في كتاب الخصال عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: يا رسول الله أسرع إليك الشيب؟ قال: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون.

٧ ـ في أصول الكافي محمد بن أحمد عن عمه عبد الله بن الصلت عن الحسن بن علي بن بنت الياس عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سمعته يقول: إنّ عليّ بن الحسينعليهما‌السلام لـمّا حضرته الوفاة أغمى عليه، ثم فتح عينيه وقرأ :

٢٠٤

( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) «و( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) وقال:( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ، وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) ، ثم قبض من ساعته ولم يقل شيئا.

٨ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الأخبار المجموعة باسناده إلى علي بن النعمان عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك إنّ بى ثآليل كثيرة(١) وقد اغتممت بأمرها، فأسألك أنْ تعلمني شيئا أنتفع به، قال: خذ لكل ثالول سبع شعيرات، واقرأ على كل شعيرة سبع مرات( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) إلى قوله:( فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا ) وقوله اللهعزوجل :( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً ) ثمّ تأخذ الشعير شعيرة شعيرة، فامسح بها على كل ثالول، ثمّ صيرها في خرقة جديدة واربط على الخرقة حجرا وألقها في كنيف قال: ففعلت فنظرت إليها يوم السابع فاذا هي مثل راحتي، وينبغي أنْ يفعل ذلك في محاق الشهر.

٩ ـ في مصباح الكفعمي عن عليٍّعليه‌السلام يقرأ من به الثالول فليقرأ عليها هذه الآيات سبعا في نقصان الشهر( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ * وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا ) .

١٠ ـ في كتاب الخصال عن الزهري قال: سمعت عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، والله ما الدنيا والاخرة إلّا ككفتي ميزان فأيّهما رجّح ذهب الاخر، ثمّ تلا قولهعزوجل :( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) يعنى القيامة( لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ ) خفضت والله بأعداء الله في النار رافعة رفعت والله أولياء الله إلى الجنة.

١١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ) قال: القيامة هي حق، وقوله: «خافضة» قال: بأعداء الله «رافعة» لأولياء الله

__________________

(١) ثآليل جمع الثؤلول: خراج يكون بجسد الإنسان ناتئ صلب مستدير.

٢٠٥

( إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ) قال: يدق بعضها على بعض( ، وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا ) قال: قلعت الجبال قلعا( فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا ) قال: الهباء الذي يدخل في الكوة من شعاع الشمس.

وقوله:( وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً ) قال: يوم القيامة( فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ) [وهم المؤمنون من أصحاب التبعات يوقفون للحساب](١) ( وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) الذين سبقوا إلى الجنة بلا حساب

١٢ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن جابر الجعفي قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا جابر إنّ الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف، وهو قولهعزوجل :( وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) فالسابقون هم رسل اللهعليه‌السلام ، وخاصة الله من خلقه، جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الأشياء، وأيدهم بروح الايمان فبه خافوا اللهعزوجل ، وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله، وأيدهم بروح الشهوة فيه اشتهوا طاعة اللهعزوجل وكرهوا معصيته، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون، وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الايمان فبه خافوا الله وجعل فيهم روح القوة فبه قدروا(٢) على طاعة الله، وجعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون.

١٣ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه رفعه عن محمد بن داود الغنوي عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين أنّ ناسا زعموا أنّ العبد لا يزني وهو مؤمن، ولا يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن، ولا يأكل الربا وهو مؤمن، ولا يسفك الدم الحرام و

__________________

(١) بين العلامتين غير موجود في المصدر.

(٢) وفي نسخة «قووا» مكان «قدروا».

٢٠٦

هو مؤمن، فقد ثقل عليَّ هذا وحرج منه صدري حين أزعم، أنّ هذا العبد يصلّي صلاتي ويدعو دعائي ويناكحني وأناكحه ويوارثني وأوارثه، وقد خرج من الايمان من أجل ذنب يسير أصابه؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : صدقت، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: والدليل عليه كتاب الله: خلق اللهعزوجل الناس على ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاث منازل، فذلك قول اللهعزوجل في الكتاب ؛( فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) فامّا ما ذكر من أمر السابقين فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين، جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس وروح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين، وبها علموا الأشياء وبروح الايمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معاشهم، وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلال من شباب النساء، وبروح البدن دبوا ودرجوا(١) فهؤلاء مغفور لهم، مصفوح عن ذنوبهم، ثم قال: قال اللهعزوجل :( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) ثم قال في جماعتهم: «وأيدناه بروح منه» يقول: أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم، جعل الله فيهم اربعة أرواح روح الايمان وروح القوة، وروح الشهوة وروح البدن، فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الاربعة حتى يأتى عليه حالات فقال الرجل: يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات؟ فقال: أما أولهن فهو كما قال اللهعزوجل :( وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) فهذا ينتقض منه جميع الأرواح، وليس بالذي يخرج من دين الله لان الفاعل به رده إلى أرذل عمره، فهو لا يعرف للصلوة وقتا، ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار، ولا القيام في الصف مع الناس، فهذا نقصان روح الايمان وليس يضره شيئا، وفيهم من ينتقض منه روح القوة، فلا يستطيع جهاد عدوه، ولا يستطيع طلب المعيشة، ومنهم من ينتقض منه روح الشهوة، فلو مرت به أصبح

__________________

(١) دب: مشى مشيا صعيفا ويقال للصبي إذا دب وأخذ في الحركة: درج.

٢٠٧

بنات آدم لم يحن إليها(١) ولم يقم، وتبقى روح البدن فبه يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت، فهذا بحال خير، لان اللهعزوجل هو الفاعل به، وقد تأتى عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فيشجعه روح القوة وتزين له روح الشهوة، ويقوده روح البدن، حتى يوقعه في الخطيئة، فاذا لا مسها نقص من الايمان، وتفصى منه. فليس يعود فيه حتى يتوب ؛ فاذا تاب تاب الله عليه ؛ وان عاد ادخله الله نار جهنم، فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى، يقول اللهعزوجل :( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) يعرفون محمدا والولاية في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) انك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين، فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم الله بذلك فسلبهم روح الايمان، واسكن أبدانهم ثلاثة أرواح: روح القوة، وروح الشهوة ؛ وروح البدن، ثم أضافهم إلى الانعام، فقال:( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ ) لان الدابة انما تحمل بروح القوة: وتعتلف بروح الشهوة، وتسير بروح البدن، فقال السائل: أحييت قلبي بإذن الله يا أمير المؤمنين.

١٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا الحسن بن علي عن أبيه عن الحسن بن سعيد عن الحسين بن علوان الكلبي عن علي بن الحسين العبدي عن أبي هارون العبدي عن ربيعة السعدي عن حذيفة بن اليمان أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسل إلى بلال فأمره أنْ ينادى بالصلوة قبل وقت كل يوم في شهر رجب لثلاثة عشر خلت منه، قال: فلما نادى بلال بالصلوة فزع الناس من ذلك فزعا شديدا وذعروا(٢) وقالوا: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أظهرنا لم يغب عنا ولم يمت فاجتمعوا وحشدوا(٣) فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشى حتى انتهى إلى باب من أبواب المسجد فأخذ بعضادته

__________________

(١) حن اليه: اشتاق.

(٢) ذعر: خاف.

(٣) حشد القوم: دعوا فأجابوا مسرعين.

٢٠٨

وفي المسجد مكان يسمى السدة، فسلم ثم قال: هل تسمعون يا أهل السدة؟ فقالوا: سمعنا وأطعنا فقال: هل تبلغون؟ قالوا: ضمنا ذلك لك يا رسول الله، فقال: رسول الله يخبركم أنّ الله خلق الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما وذلك قوله: «أصحاب اليمين وأصحاب الشمال» فأنا من أصحاب اليمين، وأنا خير [من] أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني من خيرهما أثلاثا، وذلك قوله:( فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) فأنا من السابقين وانا خير السابقين، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٥ ـ في أصول الكافي علي بن محمد عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران عن الحسن القمّي عن إدريس بن عبد الله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن تفسير هذه الاية:( ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) قال: عنى بها لم نك من اتباع الائمة الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) أما ترى الناس يسمون الذي يلي السابق في الحلبة مصلى(١) فذلك الذي عنى حديث قال:( لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) لم نك من اتباع السابقين.

١٦ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: إنّ الايمان درجات ومنازل يتفاضل المؤمنون فيها عند الله؟ قال: نعم قلت: صفه لي رحمك الله حتى أفهمه، قال: إنّ الله سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان ثم فضلهم على درجات في السبق اليه، فجعل كل امرء منهم على درجة سبقه لا ينقصه فيها من حقه، ولا يتقدم مسبوق سابقا ومفضول فاضلا، تفاضل بذلك أوائل هذه الامة وأواخرها، ولو لم يكن للسابق إلى الايمان فضل على المسبوق إذا للحق آخر هذه الامة أولها، نعم ولتقدموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الايمان الفضل على من أبطأ عنه ؛ ولكن بدرجات الايمان قدم الله السابقين، وبالإبطاء عن الايمان أخر الله المقصرين، لأنا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملا من الأولين وأكثرهم صلوة وصوما

__________________

(١) الحلبة: الخيل تجمع للسباق.

٢٠٩

وحجا وزكوة وجهادا وإنفاقا، ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضا عند الله لكان الآخرون بكثرة العمل مقدمين على الأولين، ولكن أبى اللهعزوجل أنْ يدرك آخر درجات الايمان أولها، ويقدم فيها من أخر الله أو يؤخر فيها من قدم الله، قلت: أخبرني عما ندب اللهعزوجل المؤمنين إليه من الاستباق إلى الايمان، فقال: قول اللهعزوجل :( سابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ) وقال:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٧ ـ في مجمع البيان( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) وقد قيل في السابقين إلى قوله: وقيل: الصلوات الخمس عن عليٍّعليه‌السلام .

١٨ ـ وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: السابقون اربعة: ابن آدم المقتول، وسابق امة موسى وهو مؤمن آل فرعون، وسابق امة عيسى وهو حبيب، والسابق في امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام .

١٩ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن عمرو بن أبي المقدام قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: قال أبي لأناس من الشيعة: أنتم شيعة الله وأنتم أنصار الله وأنتم السابقون الأولون والسابقون الآخرون، والسابقون في الدنيا والسابقون في الاخرة إلى الجنة، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٠ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى ابن عباس قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قول اللهعزوجل :( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) فقال: قال لي جبرئيلعليه‌السلام : ذلك عليٌّ وشيعته هم السابقون إلى الجنة، المقربون من الله بكرامته لهم.

٢١ ـ في روضة الواعظين للمفيدرحمه‌الله قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : زرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم وبريد من الذين قال الله:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) وقالعليه‌السلام : ما أحد أحيى ذكرنا وأحاديث أبيعليه‌السلام إلّا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي، لولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط

٢١٠

هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الاخرة، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : قال أبي لا ناس من الشيعة: أنتم شيعة الله وأنتم أنصار الله، وأنتم السابقون الآخرون إلينا ؛ السابقون في الدنيا إلى ولايتنا، والسابقون في الاخرة إلى الجنة، قد ضمنا لكم الجنة بضمان الله وبضمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٢ ـ قال أبو الحسن موسىعليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد: اين حواري محمد بن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر ثم ينادى: أين حواري عليّ بن أبي طالب وصيّ محمّد بن عبد الله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بنى أسد، وأويس القرني قال: ثم ينادى المنادي: أين حواري الحسن بن علي بن فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فيقوم سفيان بن ليلى الهمداني وحذيفة بن أسد الغفاري(١) قال: ثم ينادى أين حواري الحسين بن على؟ فيقوم من استشهد معه ولم يتخلف عليه قال: ثم ينادى أين حواري علي بن الحسين؟ فيقوم جبير بن مطعم ويحيى بن أم الطويل وأبو خالد الكابلي وسعيد بن المسيب، ثم ينادى: اين حواري محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد؟ فيقوم عبد الله بن شريك العامري وزرارة بن أعين وبريد بن معاوية العجلي ومحمد بن مسلم وأبو بصير ليث بن البختري المرادي، وعبد الله بن أبي يعفور، وعامر بن عبد الله بن جذاعة، وحجر بن زائدة، وحمران بن أعين، ثم ينادى ساير الشيعة مع ساير الائمةعليهم‌السلام يوم القيامة فهؤلاء أول السابقين وأول المقربين وأول المتحورين من التابعين.

٢٣ ـ في عيون الأخبار في باب آخر فيما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الأخبار المجموعة وباسناده عن عليٍّعليه‌السلام قال:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) في نزلت.

٢٤ ـ في كتاب الخصال عن رجل من همدان عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : السباق خمسة، فانا سابق العرب، وسلمان سابق الفرس، وصهيب سابق

__________________

(١) وفي بعض النسخ «أسيد» بدل «أسد».

٢١١

الروم، وبلال سابق الحبش، وخباب سابق النبط.

٢٥ ـ في كتاب إكمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى خيثمة الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : ونحن السابقون السابقون ونحن الآخرون.

٢٦ ـ وباسناده إلى سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيام خلافة عثمان: فأنشدكم بالله أتعلمون حيث نزلت:( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) و( السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) سئل عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أنزلها الله تعالى في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله، وعلي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء؟ قالوا: أللّهم نعم.

٢٧ ـ في روضة الواعظين للمفيدرحمه‌الله قال الصادقعليه‌السلام : ثلة من الأولين: ابن آدم المقتول ومؤمن آل فرعون وصاحب ياسين وقليل من الآخرين علي بن أبي طالب.

٢٨ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن علي بن عيسى رفعه قال: إنّ موسىعليه‌السلام ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته: أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم صاحب الأتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب(١) ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر اسمه أحمد محمد الأمين من الباقين من ثلة الأولين والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٩ ـ في مجمع: البيان( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ) اختلف في هذه الولدان فقيل: انهم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا

__________________

(١) الأتان: الحمارة. والبرنس: قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر الإسلام. قال المجلسي (ره): والمراد بالزيتون والزيت: التمرة المعروفة ودهنها لأنه (عليه السلام)كان يأكلها، أو نزلتا له في المائدة من السماء، أو المراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام كما ذكره الفيروزآبادي، أي أعطاه الله بلاد الشام. وبالزيت الدهن الذي روى انه كان في بني إسرائيل وكان غليانها من علامات النبوة، والمحراب لزومه كثرة العبادة فيه.

٢١٢

عليها، فأنزلوا هذه المنزلة عن عليٍّعليه‌السلام .

وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه سئل عن أطفال المشركين؟ فقال: هم خدم أهل الجنة.

٣٠ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الوشاء عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن سيد الإدام في الدنيا والاخرة، فقال: اللحم أما سمعت قول اللهعزوجل :( وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ) .

٣١ ـ علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن أبي عبد الله عن محمد بن علي عن عيسى بن عبد الله العلوي عن أبيه عن جده عن عليٍّ صلوات الله عليه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللحم سيد الطعام في الدنيا والاخرة.

٣٢ ـ وعنه عن علي بن الريان رفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيد ادام الجنة اللحم.

٣٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً ) قال: الفحش والكذب والغناء، وقوله:( وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ ) قال: عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وأصحابه شيعته.

٣٤ ـ في أصول الكافي أبو علي الأشعري ومحمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لو علم الناس كيف ابتداء الخلق ما اختلف اثنان، إنّ اللهعزوجل قبل أنْ يخلق الخلق قال: كن ماءا عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي، وكن ملحا أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي، ثمّ أمرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر، والكافر المؤمن، ثمّ أخذنا طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا(١) فاذا هم كالذر يدبون فقال لأصحاب اليمين: إلى الجنة بسلام، وقال لأصحاب النار: إلى النار ولا أبالي، ثم أمر نارا فأسعرت فقال لأصحاب الشمال: ادخلوها فهابوها(٢)

__________________

(١) أديم الأرض: ظاهرة وكذا أديم السماء. والعرك: الدلك.

(٢) هابه: خانه.

٢١٣

وقال لأصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها فقال:( كُونِي بَرْداً وَسَلاماً ) فكانت بردا وسلاما فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا، فقال: قد أقلتكم فادخلوها فذهبوا فهابوها فثم ثبتت الطاعة والمعصية فلا يستطيع هؤلاء أنْ يكونوا من هؤلاء ولا هؤلاء من هؤلاء(١) .

٣٥ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة أنّ رجلا سأل أبا جعفرعليه‌السلام عن قولهعزوجل :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) الآية فقال وأبوه يسمععليهما‌السلام حدّثني أبي أنّ اللهعزوجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدمعليه‌السلام ، فصب عليها العذب الفرات ثم تركها أربعين صباحا، ثم صب عليها الماء المالح الأجاج(٢) فتركها أربعين صباحا فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا، فخرجوا كالذر من يمينه وشماله، وأمرهم جميعا أنْ يقعوا في النار، فدخل أصحاب اليمين فصارت عليهم بردا وسلاما وأبى أصحاب الشمال أنْ يدخلوها.

٣٦ ـ علي بن محمد عن ابن أبي حمّاد عن الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن إبراهيم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ اللهعزوجل لـمّا أراد أنْ يخلق آدمعليه‌السلام بعث جبرئيل في أوّل ساعة من يوم الجمعة، فقبض بيمينه قبضة بلغت قبضته من السماء السابعة إلى سماء الدنيا، وأخذ من كل سماء تربة وقبض قبضة اخرى من الأرض السابعة العليا إلى الأرض السابعة القصوى فأمر جل وعز كلمته فأمسك القبضة الاولى بيمينه والقبضة الاخرى بشماله ففلق الطين فلقتين فذرا من الأرض ذروا(٣) ومن السماء ذروا. فقال للذي بيمينه: منك الرسل و

__________________

(١) وللمحدث المولى محمد باقر المجلسي (قده) في كتابه مرآة العقول بيان لهذا الحديث ونقل في ذيل أصول الكافي ج ٢ صفحة ٧ فراجع ان شئت.

(٢) أي المالح المر.

(٣) الفلق: التفريق. والذرو: الاذهاب والتفرق.

٢١٤

الأنبياء والأوصياء والصديقون والمؤمنون والسعداء ومن أريد كرامتهم، فوجب لهم ما قال كما قال، وقال للذي بشماله: منك الجبارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته، فوجب لهم ما قال كما قال، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٧ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن سيف عن أبيه عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس ثم رفع يده اليمنى قابضا على كفّه ثمّ قال: أتدرون أيها الناس ما في كفّي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: فيها أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة، ثم رفع يده الشمال فقال: ايها الناس أتدرون ما في كفّي؟ قالوا: الله ورسوله اعلم، فقال: أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة ؛ ثمّ قال: حكم الله وعدل، حكم الله وعدل،( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) .

٣٨ ـ في تفسير العياشي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل وفيه أنّ أصحاب اليمين هم الذين قبضهم الله من كتف آدم الأيمن، وذرأهم من صلبه، وأصحاب الشمال هم الذين قبضهم الله من كتف آدم الأيسر وذرأهم في صلبه، وقد ذكرناه في سورة آل عمران عند قولهعزوجل :( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ ) الاية.(١)

٣٩ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى ابن أذينة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كنّا عنده فذكرنا رجلا من أصحابنا فقلنا فيه حدّة فقال: من علامة المؤمن أنْ يكون فيه حدّة، قال: فقلنا إنّ عامة أصحابنا فيهم حدّة فقال: إنّ الله تبارك وتعالى في وقت ما ذرأهم أمر أصحاب اليمين وأنتم هم أنْ يدخلوا النار فدخلوها فأصابهم وهج(٢) فالحدّة من ذلك الوهج، وأمر أصحاب الشمال ـ وهم مخالفوهم ـ أنْ يدخلوا النار فلم يفعلوا، فمن ثمّ لهم سمت(٣) ولهم وقار.

٤٠ ـ وباسناده إلى عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال في حديث طويل:

__________________

(١) راجع المجلد الاول صفحة ٣٠٠.

(٢) الوهج: حر النار.

(٣) السمت تستعمل لهيئة أهل الخير.

٢١٥

مهما رأيت من نزق أصحابك وخرقهم(١) فهو مما أصابهم من لطخ أصحاب الشمال(٢) وما رأيت من حسن شيم من خالفهم ووقار فيهم فهو من لطخ أصحاب اليمين.

٤١ ـ وباسناده إلى أبي إسحق الليثي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حديث طويل يذكر فيه من خلق الله طينة الشيعة وطينة الناصب وان الله مزج بينهما إلى قوله: فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط أو ترك صلوة أو صيام أو حج أو جهاد أو خيانة أو كبيرة من هذه الكبائر فهو من طينة الناصب وعنصره الذي قد مزج فيه لان من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر، وما رأيت من الناصب ومواظبته على الصلوة والصيام والزكاة والحج والجهاد وأبواب البر فهو من طينة المؤمن وسنخه الذي قد مزج فيه لان من سنخ المؤمن وعنصره وطينته، اكتساب الحسنات واستعمال الخير واجتناب المآثم.

٤٢ ـ وباسناده إلى محمد بن أبي عمير قال: قلت لأبي الحسن موسىعليه‌السلام : أخبرني عن تختم أمير المؤمنينعليه‌السلام بيمينه لأي شيء كان؟ فقال: انما كان يتختم بيمينه لأنه امام أصحاب اليمين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد مدح اللهعزوجل أصحاب اليمين وذم أصحاب الشمال، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٤٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: شجر لا يكون له ورق ولا شوك فيه، وقرأ أبو عبد اللهعليه‌السلام : وطلع منضود قال: بعضه إلى بعض.

٤٤ ـ في مجمع البيان وروت العامة عن عليٍّعليه‌السلام انه قرأ رجل عنده( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) فقال: ما شأن الطلح؟ انما هو وطلح كقوله:( وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ ) فقيل له: ألآ تغيره؟ فقال: إنّ القرآن لا يهاج اليوم ولا يحرك. رواه عنه ابنه الحسنعليهما‌السلام وقيس بن سعد.

٤٥ ـ ورواه أصحابنا عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) قال: لا.

__________________

(١) النزق: العجلة في جهل، والخرق: الحمق.

(٢) اللطخ: القطعة القليلة من كل شيء.

٢١٦

٤٦ ـ وورد في الخبر: أنّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مأة سنة لا يقطعها، إقْرَؤا إنْ شئتم وظل ممدود. وروى أيضا أنّ أوقات الجنة كغدوات الصيف لا يكون فيها حر ولا برد.

٤٧ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن ابن محبوب عن محمد بن إسحق المدني عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونقل حديثا طويلا يقول فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله حاكيا حال أهل الجنة: ويزور بعضهم بعضا. ويتنعمون في جناتهم في ظل ممدود، في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وأطيب من ذلك.

٤٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن بعض أصحابه رفعه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لـمّا دخلت الجنة رأيت في الجنة شجرة طوبى أصلها في دار عليٍّ وما في الجنة قصر ولا منزل إلّا ومنها فتر فيها(١) أعلاها أسفاط حلل من سندس وإستبرق، يكون للعبد المؤمن ألف ألف سفط، في كل سفط مأة حلة، ما فيها حلة تشبه الاخرى على ألوان مختلفة، وهو ثياب أهل الجنة ؛ ووسطها ظل ممدود ؛ عرض الجنة( كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ) ، يسير الراكب في ذلك الظل مسيرة مأتى عام فلا يقطعه، وذلك قوله:( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) وأسفلها ثمار أهل الجنة وطعامهم متذلل في بيوتهم، يكون في القضيب منها مأة لون من الفاكهة مما رأيتم في دار الدنيا ومما لم تروه، وما سمعتم به وما لم تسمعوا مثلها وكلما يجتنى منها شيء نبتت مكانها اخرى، لا مقطوعة ولا ممنوعة والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٤٩ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن محمد بن إسحاق المدني عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سئل: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر حديثا طويلا يقول فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاكيا حال أهل الجنة: والثمار دانية منهم وهو قولهعزوجل :( وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً ) من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه، وهو متكئ وان الأنواع من الفاكهة ليقلن لوليّ الله: يا ولي الله كلني قبل أنْ تأكل هذا قبلي.

__________________

(١) مر الحديث بمعناه في ج ٢ صفحة ٥٠٢ فراجع.

٢١٧

٥٠ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال السائل: فمن أين قالوا: إنّ أهل الجنة يأتى الرجل منهم إلى ثمرة يتناولها فاذا أكلها عادت كهيئتها؟ قال: نعم ذلك على قياس السراج يأتى القابس فيقتبس منه فلا ينقص من ضوئه شيئا وقد امتلئت منه الدنيا سراجا.

٥١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قوله:( لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ ) الآية فانه حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سأل عليٌّعليه‌السلام رسول الله عن تفسيره هذه الآية فقال: لماذا بنيت هذه الغرف يا رسول الله؟ فقال: يا عليُّ تلك الغرف بنى الله لأوليائه بالدر والياقوت والزبرجد سقوفها الذهب محكوكة بالفضة(١) لكل غرفة منها ألف باب من ذهب على كل باب منها ملك موكل به، وفيها فرش مرفوعة، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. وفي روضة الكافي مثله سواء.

٥٢ ـ في مجمع البيان: وفرش مرفوعة أي بسط عالية إلى قوله: وقيل: معناه نساء مرتفعات القدر في عقولهن وحسنهن وكمالهن عن الجبائي قال: ولذلك عقبه بقوله: انا انشأناهن انشاء ويقال لامرأة الرجل: هي فراشه ومنه قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر.

٥٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً ) قال: الحور العين في الجنة( فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً ) قال: لا يتكلمون إلّا بالعربية وقوله: اترابا يعنى مستويات الأسنان لأصحاب اليمين أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك يا ابن رسول الله شوقني فقال: يا أبا محمّد إنّ في الجنة نهرا في حافتيه جوار نابتات إذا أمر المؤمن بجارية أعجبته قلعها وأنبت الله مكانها أخرى. قلت: جعلت فداك زدني قال: المؤمن يزوج ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف ثيب وزوجتين من الحور العين، قلت: جعلت فداك ثمانمأة عذراء؟ قال: نعم ما يفترش منهن

__________________

(١) أي منقوشة بها.

٢١٨

شيئا إلّا وجدها كذلك، قلت: جعلت فداك من أي شيء خلقن الحور العين؟ قال: من تربة الجنة النورانية ويرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة كبدها مرآته وكبده مرآتها، قلت: جعلت فداك لهنّ كلام يتكلمنّ به أهل الجنة؟ قال: نعم كلام يتكلمنّ به لم يسمع الخلايق أعذب منه، قلت: ما هو؟ قال: يقلن بأصوات رحيمة: نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبؤس ونحن المقيمات فلا نظعن، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن خلق لنا، وطوبى لمن خلقنا له، ونحن اللواتي لو أنْ قرن(١) إحدانا علّق في جو السماء لا غشي نوره الأبصار ؛ والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٥٤ ـ في مجمع البيان عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل يذكر فيه فضل الغزاة وفيه: ويجعل الله روحه في حواصل طير(٢) خضر تسرح في الجنة حيث تشاء تأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش، ويعطى الرجل منهم سبعين غرفة من غرف الفردوس، سلوك كل غرفة ما بين صنعاء والشام يملأ نورها ما بين الخافقين، في كل غرفة سبعون بابا على كل باب سبعون مصراعا من ذهب، على كل باب سبعون نبلة(٣) في كل غرفة سبعون خيمة في كل خيمة سبعون سريرا من ذهب، قوائمها الدر والزبرجد ؛ موصولة بقضبان الزمرد على كل سرير أربعون فراشا، غلظ كل فراش أربعون ذراعا، على كل فراش زوجة من الحور العين عربا أترابا، فقال: أخبرنى يا أمير المؤمنين عن عروبة، قال: هي الغنجة الرضية الشهية لها سبعون ألف وصيف وسبعون الف وصيفة، ضعف الحلي(٤) بيض الوجوه، عليهن تيجان اللؤلؤ، على رقابهن المناديل بأيديهم

__________________

(١) القرن: الخصلة من الشعر.

(٢) حواصل جمع الحوصلة وهو من الطائر بمنزلة المعدة للإنسان.

(٣) كذا في النسخ ولا تخلوا عن التصحيف والتحريف ولم اظفر على الحديث في مظانه في كتاب مجمع البيان ولا الموسوعات الكبيرة الناقلة كالبحار والوسائل.

(٤) كذا.

٢١٩

الاكوبة والأباريق.

٥٥ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال السائل: فكيف تكون الحوراء في كل ما أتاها زوجها عذراء؟ قال: خلقت من الطيب، لا تعتريها عاهة، ولا يخالط جسمها آفة، ولا يجرى في ثقبها شيء ولا يدنسها حيض، فالرحم ملتزقة إذ ليس فيه لسوى الاحليل مجرى.

٥٦ ـ في جوامع الجامع( إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً ) وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لام سلمة: هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطاء رمصاء(١) جعلهن الله بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد في الاستواء، كلّما أتاهن أزواجهن وجدوهنّ أبكارا، فلمّا سمعت عائشة بذلك قالت: وأوجعاه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس هناك وجع.

٥٧ ـ وفي الحديث يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحلين أبناء ثلث وثلاثين.

٥٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن علي بن أسباط عن سالم بياع الزطي قال: سمعت أبا سعيد المداينى يسأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ) قال: ثلة من الأولين خربيل مؤمن آل فرعون و( ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ) عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

٥٩ ـ وفيه وقوله:( ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ) قال: من الطبقة التي كانت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ) قال: بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه الامة.

٦٠ ـ في كتاب الخصال عن سليمان بن يزيد عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أهل الجنة مأة وعشرون صفا، هذه الامة منها ثمانون صفا.

__________________

(١) الشمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده، والرمص ـ بالتحريك ـ وسخ ابيض يجتمع في مجرى الدمع من العينين.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وعمر يقول أيضاً لابن عباس في كلام بينهما في شأن عليّ : « إن رسول الله
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أراد ذلك وأراد الله غيره ، فنفذ مراد الله ولم ينفذ مراد
رسوله؟! أو كلّ ما أراد رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم كان » (١) .

وعلماء التبرير يقولون : ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنّه توهم الغلط على
رسول الله كما قال ذلك الخطابي وأضرابه.

وعمر يقول ثالثة لابن عباس : « لقد كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذرواً من قول ، لا
يثبت حجة ولا يقطع عذراً » (٢) .

وعلماء التبرير يقولون : كان ذلك من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره ، كما
مرّ عن النووي.

ورابعة عمر يقول لابن عباس في كلام في شأن عليّ أيضاً : « أما والله يا بني عبد
المطلب لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر » (٣) .

وعلماء التبرير يقولون : ومهما كانت كلمته فلا يظن به ذلك. كما مرّ عن
ابن الأثير.

وعمر يقول خامسة لابن عباس في كلام في شأن عليّ أيضاً : « أوّل من
راثكم عن هذا الأمر أبو بكر ، إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة
والنبوة » (٤) .

وعلماء التبرير يقولون : فإن عمر أشتبه عليه هل كان قول النبيّ صلّى الله
عليه(وآله)وسلّم من شدة المرض فشك في ذلك فقال : (ما له أهجر؟) ، كما مرّ
عن ابن تيمية.

_______________________

(١)نفس المصدر ٣ / ١١٤ ط الأولى.

(٢)نفس المصدر ٣ / ٩٧ ط الأولى.

(٣)أنظر محاضرات الراغب ٢ / ٢١٣ ط مصر الأولى.

(٤)أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ٤٩٧.

٣٨١

وبالتالي يقولون : وإنمّا قصده التخفيف عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . كما مرّ عن البيهقي.

ويقولون : كان ما أختاره عمر صواباً ، كما مرّ عن العيني.

وهكذا ظهرت كوامن نفوسهم على ألسنتهم فخطوها بأقلامهم ، وبانت
عمريّتهم أكثر من عمر. إنّ ذلك لعجيب. وأعجب من ذلك كلّه ما سال به قلم
العقاد في عبقرياته من مكابراته ولابدّ من المرور به ولنقرأ ما يقول ، فإنّه جاوز
القوم في عمريته وأتى بالعجاب في عبقريته.

مع العقّاد ونظراته

قال في عبقرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يكفي أن نستحضر اليوم ما قيل عن الخلافة بعد النبيّعليه‌السلام ، لنعلم مبلغ
ذلك الذكاء العجيب في مقتبل الشباب ، ونُكبر ذلك النظر الثاقب إلى أبعد
العواقب ، ونلتمس لها العذر الّذي يجمل بامرأة أحبّها محمّد ذلك الحب وأعزها
ذلك الإعزاز.

فقد قيل في الخلافة بعد النبيّ كثير : قيل : فيها ما يخطر على بال الأكثرين ،
وما يخطر على بال الأقلين ، وما ليس يخطر على بال أحد إلّا أن يجمَحَ به التعنّت
والاعتساف أغرب جماح. قيل : أنّ وصول الخلافة إلى أبي بكر إنّما كان مؤامرة
بين عائشة وأبيها؟

وقيل : انّه كان مؤامرة بين رجال ثلاثة أعانتهم عائشة على ما تآمروا فيه ، بما
كان لهما من الحظوة عند رسول الله ، وكان هؤلاء الرجال على زعم أولئك
القائلين : أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ، وهم الّذين أسرعواـمن

٣٨٢

المهاجرينـإلى سقيفة بني ساعدة ليدركوا الأنصار قبل أن يتفقوا على اختيار
أمير أو خليفة لرسول الله.

وقيل : انّ هؤلاء الرجال الثلاثة اتفقوا على تعاقب الحكم واحداً بعد واحد :
أبو بكر فعمر فأبو عبيدة. ولهذا قال عمر حين حضرته الوفاة : لو كان أبو عبيدة
حياً لعهدت إليه لأنّه أمين هذه الأمة. كما قال فيه رسول الله؟ وهذا زعم روّجه
بعض المستشرقين ولقي بين القراء الأوربيين كثيراً من القبول ، لأنّه شبيه بما
عهدوه في أمثال هذه المواقف من أحاديث التدبير والتمهيد وروايات التواطؤ
والإئتمار » (١) .

وقال في عبقرية عمر :

« ونفس عمر بن الخطاب هي تلك النفس الّتي تدعم علم الأخلاق من
الأساس ، وهي ذلك الصرح الشامخ الّذي ننظر إلى أساسه فكأننا تسلقنا النظر إلى
ذروته العليا ، لأنّه قرّب بين الآمال والقواعد أوجز تقريب ، إذ هو التقريب
الملموس » (٢) .

وقال بعد ذكره ما صدر من عمر في صلح الحديبية : « هذه المراجعة كانت
من خلائق عمر الّتي لا يحيد عنها ولا يأباها النبيّ عليه‌السلام (؟)وكثيراً ما جاراه
وأستحب ما أشار به وعارض فيه(؟).

فلا جرم يراجع النبيّ في كلّ عمل أو رأي لم يفهم مأتاه ومرماه ما أمكنته
المراجعة وما قلقت خواطره حتى تثوب إلى قرار. اللّهم إلّا أن تستعصي
المراجعة ويعظم الخطر ، فهناك تأتي الخليقة العمرية بآية الآيات من الاستقلال
_______________________

(١)موسوعة عباس محمود العقاد الإسلامية (العبقريات الإسلامية) / ١٨٠.

(٢)نفس المصدر / ٤٣٨.

٣٨٣

والحب والحزم الّذي يضطلع بجلائل المهمات. فلمّا دخل النبيّعليه‌السلام في غمرة
الموت ودعا بطرس يملي على المسلمين كتاباً يسترشدون به بعده ، أشفق عمر
من مراجعته فيما سيكتب وهو جد خطير(؟)وقال : انّ النبيّ غلبه الوجع وعندنا
كتاب الله حسبنا ، ومال النبيّ إلى رأيه(؟)فلم يَعد إلى طلب الطرس وإملاء
الكتاب ، ولو قد علم النبيّ أنّ الكتاب ضرورة لا محيص عنها لكان عمر يومئذٍ
أوّل المجيبين » (١) .

وقال في عبقرية الإمام عليّعليه‌السلام :

« وربما كانت أصح العلاقات المعقولة لأنها وحدها العلاقة الممكنة
المأمونة ، وكلّ ما عداها فهو بعيد من الأمكان بُعده من الأمان.

فهو يحبّه ويمهّد له وينظر إلى غده ، ويسرّه أن يحبّه الناس كما أحبّه ، وأن
يحين الحين الّذي يكلون فيه أمورهم إليه ..

وكلّ ما عدا ذلك ، فليس بالممكن وليس بالمعقول

ليس بالممكن أن يكره له التقديم والكرامة.

وليس بالممكن أن يحبهما له ، وينسى في سبيل هذا الحب حكمته
الصالحة للدين والخلافة ..

وإذا كان قد رأى الحكمة في استخلافه ، فليس بالممكن أن يرى ذلك ثمّ
لا يجهر به في مرض الوفاة أو بعد حجة الوداع.

وإذا كان قد جهر به ، فليس بالممكن أن يتألب أصحابه على كتمان وصيته
وعصيان أمره إنّهم لا يريدون ذلك مخلصين ، وإنّهم إن أرادوه لا يستطيعونه بين
جماعة المسلمين ، وإنّهم إن استطاعوه لا يخفى شأنه ببرهان مبين ، ولو بعد حين..
_______________________

(١)نفس المصدر / ٤٤٤.

٣٨٤

فكلّ أولئك ليس بالممكن وليس بالمعقول

وإنّما الممكن والمعقول هو الّذي كان ، وهو الحب والإيثار ، والتمهيد
لأوانه ، حتى يقبله المسلمون ويتهيأ له الزمان » (١) .

هذا ما تفتقت عنه عبقرية العقاد ، ولا نطيل عند أقواله. ولكن لنا أن نسأل
منه. ونحن أيضاً نكبر فيه ذلك النظر الثاقب إلى أبعد العواقب. حين حاول جاهداً
دفع معرّة النشاط المحموم الّذي كان من عائشة في تهيئة الأجواء لأبيها
وصاحبيه ، فدفع ذلك بالصدر دون حجة ، بينما هي الّتي تقول كما رواه مسلم في
الصحيح واحتج به ابن تيميةـكما مرّـوقد سئلت عمن كان يستخلف
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو استخلف فسمت أباها ثمّ عمر ثمّ أبا عبيدة بن الجراح ثمّ انتهت إلى
هذا. فلماذا جعل هذا زعماً روّجه بعض المستشرقين؟

وأين هم من عائشة ومعنى ما رواه مسلم عنها ، ومن أين لها علم ذلك إن
لم يكن ثمة تدبير وتمهيد ، وتواطؤ وائتمار :

ثمّ الّذي قاله في عبقرية عمر من أنّ نفس عمر هي تلك النفس الّتي تدعم
الأخلاق من الأساس وهي ذلك الصرح الشامخ كيف يتم له صدق ذلك وهو
الّذي يقول بعد هذاـفي مراجعة عمر للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلح الحديبيةـ: « انّها
كانت من خلائق عمر الّتي لا محيد عنها ولا يأباها النبيّ؟ وكثيراً ما جاراه
واستحب ما أشار به وعارض فيه(؟) ».

أليس هذا من زخرف القول؟ فهذه كتب السيرة والتاريخ تذكر انّ عمر
كان فظاً غليظاً ولا يهمنا ذلك بمقدار ما يهمنا تنبيه القارئ إلى انّ هذه نفس عمر
الّتي كانت تدعم علم الأخلاق من الأساس كما يقول العقاد.

_______________________

(١)نفس المصدر / ٧٩٥.

٣٨٥

ثمّ ليت العقاد تروّى قليلاً ولم يرسل القول على عواهنه ، وراجع الكلمة
قبل أن يكتبها.

فقوله : « وكثيراً ما جاراه واستحب ما أشار به وعارض فيه »؟ لماذا لم يوثق
دعواه بشاهد صدق واحد من ذلك الكثير الّذي زعمه. وأين كان ذلك المستحب
من مشورته الّذي جاراه فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وما أدري هل أنّ ما كان من إعراض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أبي بكر وعن عمر حين
شاور الناس في يوم بدر فتكلما فأعرض عنهما ، كان ذلك من شواهد الكثير
الّذي زعمه (١) ؟

وما أدري لماذا تغيّر وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قال أبو بكر وحين قال في
أناس من قريش : « إنهم جيرانك وحلفاؤك... الخ » (٢) فهل هذا من شواهد ذلك
الكثير الّذي زعمه!

وما أدري لماذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الّذي مرّ : (يا معشر قريش والله ليبعثنّ
الله عليكم رجلاً منكم أمتحن الله قلبه للإيمان فيضربكم على الدين أو
يضرب بعضكم) ، فقال أبو بكر : « أنا هو يا رسول الله؟ » قال : (لا) ، قال عمر :
« أنا هو يا رسول الله؟ » قال : (لا ، ولكن ذلك الّذي يخصف النعل)ـوكان أعطى
عليّاً عليه‌السلام نعلاً يخصفها(٣) . وهل هذا من شواهد ذلك الكثير الّذي زعمه ، ثمّ
إنّ قوله أشفق عمر من مراجعته فيما سيكتب وهو جد خطير وقال إنّ النبيّ غلبه
الوجع الخ.

_______________________

(١)أنظر مسند أحمد ٣ / ٢١٩ و ٢٥٧.

(٢)نفس المصدر ١ / ١٥٥.

(٣)أنظر الخصائص للنسائي / ١١.

٣٨٦

كيف يكون قد أشفق من المراجعة ، وهو الّذي صدّه عن الكتابة وشاق
الكلمة وشطر الحاضرين إلى فريقين فريق معه وفريق عليه ، حتى وقع النزاع
والخصومة فطردهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : (قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع)؟ فهل هذا
كان من الإشفاق؟ أو هو من تعلان الشقاق؟

ثمّ يقول العقاد من دون استحياء : « ولو قد علم النبيّ انّ الكتاب ضرورة لا
محيص عنها لكان عمر يومئذٍ أوّل المجيبين »؟

يا لله أهكذا تقلب الحقائق ويتلاعب بالعقول؟

أمّا ما قاله في عبقرية الإمام فقد أتى فيه بالمغالطة الفاضحة حيث أنكر
النص وتنكّر لجميع ما قاله النبيّ في حقّ الإمام عليّ عليه‌السلام ، مصحراً وجهراً بالقولُ ،
بدءاً من يوم حديث الإنذار : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) ومروراً بيومي
المؤاخاة ويوم المناجاة بالطائف وأيام براءة وحجة الوداع والغدير كلّ ذلك لم
ير العقاد فيها نصاً بل هو إلماح وتأهيل للمستقبل وأقصى ما تدل على الحب
والإيثار والتمهيد لأوانه(!)وخل عنك كلّ ذلك ولكن هلمّ فاسأل العقاد عن
حديث الكتف والدواة فيم كان التنازع بين الصحابة فمنهم من قال القول ما قال
النبيّ ، ومنهم من قال القول ما قال عمر؟

سؤال وجواب :

ولابدّ لنا الآن من العودة إلى حديث الرزية وطرح الأسئلة التالية ، لنتعرف
من أجوبتها على مدى صدق العقاد في مقاله بأن ذلك تأهيل وتلميح وليس هو
نص صريح :

_______________________

(١)الشعراء / ٢١٤.

٣٨٧

١ ـ ماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب في ذلك الكتاب؟

٢ ـ ومن أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب باسمه ذلك الكتاب؟

٣ ـ ولماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب له ذلك الكتاب؟

٤ ـ ولماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً دون غيره أن يكتب له ذلك الكتاب؟

أربعة أسئلة قد تبدو متشابهة ، وليست كذلك بل هي متشابكة ، يأخذ تاليها
برقبة أولها والجواب عن أولها يقضي بالجواب عن ثانيها وهكذا. للتداخل فيما
بينها ، وأخيراً سنعرف من الجواب عليها الجواب على ما قاله العقاد الّذي حاول
تعقيد الواقع الّذي حدث بإنكاره جملة وتفصيلا فجاوز بعبقريته ما قاله علماء
التبرير ، وزاد عليهم.

والآن إلى الأجوبة عن تلك الأسئلة :

أوّلاً ـ ماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب في ذلك الكتاب؟

لا يخفى على كلّ انسان يمتلك قدرة البحث والوعي ويتحلى بالنزاهة أن
يدرك قصد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمره باحضار الدواة والكتف ، فهو حين يرجع إلى جوّ
الحديثـحديث الكتف والدواةـزماناً ومكاناً وملاحظة سائر الحيثيات الّتي
أحاطت ذلك الجوّ المكفهرّ بوجوه الصحابة ، تزول عنه أغشية التضليل الّتي
نسجها علماء التبرير. ويزداد إيماناً واطمئناناً بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرد أن يكتب
للصحابة حكماً لم يبلّغه كما أحتمله أو طرحه بصورة الأحتمال بعض علماء
التبرير.

٣٨٨

لأنّ احتمال ذلك موهون ومردود بقوله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ
) (١) والآية تقطع جهيزة كلّ متنطع.

ولو تنزلنا جدلاً وقلنا بذلك ، فهو أيضاً غير مقبول ولا معقول :

أوّلاً : لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا بدواة وكتف ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده. وكتابة
الحكم الواحد أو المهم كما زعمه بعض علماء التبرير ، لا تفي بالغرض ولا تأتي
بالنتيجة المرجوة ، وكتابة جميع الأحكام تحتاج إلى عدة أكتاف إذ لا يحويها
الكتف الواحد ، ولا أقل على مثل كتاب الله تعالى في تعدد الأكتاف لأن
الأحكام وما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تساوي الكتاب ان لم تزد حجماً عليه.

ثانياً : لم يعهد منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يكتب لهم الأحكام الشرعية أو يأمر بكتبها ،
وإنّما كان يبلغهم ذلك شفاهاً ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي ، وخذوا
عني مناسككم ونحو ذلك ممّا عرّفهم من الأحكام من طرق قوله وعمله
وتقريره. ولم يعهد أن كتب لهم حكماً واحداً. نعم قد يوجد في بعض كتبه
وعهوده ومراسلاته إلى الملوك ورؤساء القبائل ممّا ينبغي التعرض له فهو حين
يدعوهم إلى الإسلام فلهم كذا وكذا ، وإن أبوا فالجزية عن يدوهم صاغرون ،
وكلّ ما كان كذلك فهو لمن بُعد عنه ، ولم يكن لمن معه في المدينة ، ولم
يذكر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب لأهل المدينة مثلاً والذين هم معه حكماً واحداً.

ثالثاً : لو تجاوزنا ما تقدم فالّذي سيكتبه من الأحكام ليس بعاصم لجميع
الأمة إنّما يعصم من ابتلي بالحكم فقط ولا يعصم غيره ما دام باب الاجتهاد
والتأويل قد فتحه علماء التبرير على مصراعيه ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد ضمان السلامة
لجميع أمته من الضلالة.

_______________________

(١)المائدة / ٣.

٣٨٩

إذن فاحتمال كتابة حكم أو مهمات الأحكام مستبعد من ساحة الجدل.

ويبقى السؤال الّذي فرض نفسه ، ماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب في ذلك
الكتاب؟

ولابدّ في الجواب الصحيح هو الاحتمال الآخر وقد طرحه علماء
التبرير ، وقال غيرهم بتعيّنه وهو كتابته بتعيين ولي الأمر من بعده. ليتولى تسيير
الأمة وفق مصالحها المشروعة ، وإذا تعيّن ذلك لهم فهو الّذي يحل مشاكلها
من بعده ، وبالتالي هو الّذي يعصمها من الوقوع في هوة الضلالة.

إذن مرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كتابة اسم من يخلفه في قيادة الأمة ويكون على
رأس النظام الحاكم ، فيتولى قيادة الأمة إلى شاطيء النجاة بما يصلح أمورها
في الدين والدنيا.

قال الشيخ محمّد الغزالي في كتابه فقه السيرة : « وكان النبيّ نفسه قد همّ
بكتابة عهد يمنع شغب الطامعين في الحكم ، ثمّ بدا له فاختار أن يدع المسلمين
وشأنهم ينتخبون لقيادتهم من يحبون ا ه‍ » (١) .

ولقد كان في أوّل كلامه مصيباً ولكنه أخطأ في آخره ويعرف جوابه ممّا
سأتي.

ثانياً ـ من ذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب أسمه في ذلك الكتاب؟

والجواب على هذا يختلف عليه المسلمون. ومن الطبيعي أن يكون
كذلك ، تبعاً لأختلاف الواقع عن الشرعية ، فأهل السنّة لهم جواب لتبرير الواقع ،
والشيعة لهم جواب آخر بحسب الشرعية وإرادة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

_______________________

(١)فقه السيرة / ٣٥٣.

٣٩٠

١ـأمّا أهل السنّة فقد قالوا إلّا من شذ منهم : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب
كتاباً لأبي بكر ثمّ أعرض عنه بمحض أختياره ، وقال : يأبى الله ذلك والمؤمنون
إلّا أبا بكر ، مستندين إلى روايات تنتهي كلّها إلى عائشة ، وأخرجها البخاري
ومسلم. وقد مرّت الإشارة إليها والردّ عليها في جملة مناقشة أقوال علماء التبرير.
فلا حاجة إلى اعادتها.

٢ـوأمّا الشيعة فقد قالوا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب الكتاب باسم عليّ بن أبي
طالب عليه‌السلام ويعطيه حجة تحريرية بخلافته من بعده ، لكنه صُدّ عن ذلك باعتراض
عمر ومن تابعه ، فترك ذلك بعد انتفاء الغرض المطلوب من الكتاب لطعن عمر
في الكاتب فضلاً عن الكتاب. ولهم حججهم على ذلك.

والباحث المتجرد عن الهوى والتعصب يدرك أنّ الحقّ معهم ، ويؤيدهم
في ذلك اعترافات خطيرة صدرت عن عمر بعد ذلك اليوم بقرابة عقدين من
الزمن.

وقد مرّ في مناقشات علماء التبرير الالماح إليها. وستأتي بأوفى من ذلك
عند البحث عن (ماذا قال عمر؟ وماذا أراد عمر؟).

والآن لنقرأ شيئاً ممّا ساقه علماء الشيعة في حجتهم على أنّ المراد للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
هو كتابة الكتاب بأسم عليّ. وهو لا يتنافى مع قولهم بالنص عليه قبل ذلك بل هو
منه. لأنهم قالوا إنّما أراد التأكيد لما رأى من بوادر الشر المحدق بالأمة ، فلنقرأ
ذلك.

٣٩١

ثالثا ًـ لماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب له الكتاب؟

قالوا : إنّ الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نزل عليه الوحي في حجة الوداع بقوله
تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
) (١) وكان قد وصل المسلمون معه إلى غدير خم بين
مكة والمدينة فأمر بحط أوزار المسير عند الغدير ، وقام في المسلمين في رمضاء
الهجر على منبر من حدوج الإبل ليستشرف الناس ، وخطب خطبة طويلة ، أبان
لهم فيها انّ الله تعالى أمره بأن ينصب عليّاً إماماً وعلماً لأمته من بعده ، ثمّ أخذ بيد
عليّ فرفعها حتى بان بياض أبطيهما وقال : (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللّهم
وال من والاه وعاد من عاداه ...) إلى آخر الخطبة ثمّ نصب لعليّ خيمة خاصة
وأمر المسلمين بالسلام على عليّ بأمرة المؤمنين ، فبايعوه.

وكان ممّن دخل عليه وبايعه الشيخان أبو بكر وعمر وقالا له : بخ بخ لك
يابن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة » (٢) .

وهذا هو النص الّذي كان بعد حجة الوداع وجهر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن
الاستاذ العقّاد يأباه ويقول : « فليس من الممكن أن يرى ذلك فلا يجهر به في
مرض الوفاة وبعد حجة الوداع ». وما أدري أيّ جهرٍ بالقول أوضح وأفصح من
ذلك؟ وما أدري لماذا لم يقرأ العقاد حديث أم سلمة قالت : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
في مرضه الّذي قبض فيهـوقد امتلأت الحجرة من أصحابهـ: (أيها الناس
_______________________

(١)المائدة / ٦٧.

(٢)راجع كتاب الغدير للمرحوم الشيخ الأميني الجزء الأوّل ستجد تفصيل ذلك موثقاً
بالمصادر المقبولة عند المسلمين من السنّة لأنها من كتبهم.

٣٩٢

يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي ، وقد قدمت اليكم القول معذرة إليكم ،
إلّا إنّي مخلف فيكم كتاب ربّي عزوجل وعترتي أهل بيتي. ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها
فقال : هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض
فأسألوهما ما خلفت فيهما) » (١) .

ولماذا لم يقرأ الأستاذ وأضرابه أسباب النزول في قوله تعالى :( الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا
) (٢) وإن
حاول هو أو بعضٌ التشكيك في زمان نزولها في ذلك ، فليقل لنا هو وغيره ما
سبب نزول قوله تعالى ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) (٣) أليس كان من أسباب نزولها
مجيء بعض الحاقدين الحاسدين لعليّ فقال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أمرتنا عن الله أن نشهد
أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والحج والصلاة والزكاة
والصوم فقبلناها منك ، ثمّ لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت : (من كنت
مولاه فهذا مولاه) ، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟

قال : (الله الّذي لا اله إلّا هو إنّ هذا من الله)؟

فولّى وهو يقول : اللّهم ان كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة
من السماء أو إئتنا بعذاب أليم ، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله فأنزل الله تعالى :
( سَأَلَ سَائِلٌ ) »(٤) .

_______________________

(١)الصواعق المحرقة / ٧٥ ط اليمنية ، وفي جمع الفوائد للروداني ٢ / ٣٣٢ عن أم سلمة
رفعته (عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض) ، وأرجح
المطالب للآمر تسري / ٣٤٠ و ٥٩٨ ط لاهور.

(٢)المائدة / ٣.

(٣)المعارج / ١.

(٤)راجع كتاب الغدير للمرحوم الشيخ الأميني الجزء الأوّل ستجد تفصيل ذلك موثقاً
بالمصادر المقبولة عند المسلمين من السنّة لأنّها من كتبهم.

٣٩٣

بعث أسامة إجراء وقائي :

ولمّا رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حالة المسلمين يومئذ وما أحدق بهم من شر مستطير ،
لابدّ له من اتخاذ تدبير وقائي لوحدة الصف ، وما ذلك إلّا إبعاد عناصر الشغب
الّذين كان يخشى منهم الجفاء والعِداء لولي الأمر من بعده ، لتخلو المدينة منهم
ويصفو الجو لخليفته الّذي أمرته السماء بنصبه يوم الغدير. وقد تبين لهـوالوحي
يخبره ويأمرهـانّ الحاقدين والموتورين ممّن وترهم عليّ في سبيل الدينـ
فقتل آباءهم وأخوانهم وعشيرتهمـقد بدت منهم كوامن الشحناء على
وجوههم ، وبدأ التآمر والكيد. كلّ ذلك أحسّ به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأى دنوّ أجله ،
فلابدّ له من اتخاذ ذلك التدبير الوقائي الّذي لو تمّ ، لتمّ الأمر لولي الأمر دون
منازع.

فأمر بتجهيز جيش أسامة إلى بلاد مؤتة ، وفي تأميره شاباً لم يتجاوز
العشرين من عمره على قيادة جيش يضم من شيوخ المهاجرين والأنصار
أشخاصاً بأعيانهم مؤكداً عليهم الخروج ، ولعن المتخلف منهم ، كلّ ذلك له دلالة
واضحة وعملية ، على أنّ الفضل للكفاءة وليس للسنّ مهما كان صاحبه وإنّ هذا
الاجراء الاحتياطي الوقائي لو تمّ لكانت الأمة في راحة من عناء الشقاء والشقاق ،
والّذي لم تزل ولا تزال تكتوي بناره ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أختار أسامة دون غيره ممّن
سبق له أن ولاهم قيادة السرايا في الغزوات ، كان يعطي أمته درساً بليغاً بأنّ
الجدارة والاستحقاق إنّما تكونان بقدر الكفاءة لا بقدر السنّ ، ولا شك أنّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرشح في توليته الرجال للمناصب إلّا مستحقي الجدارة ، فمن

٣٩٤

استحق بكفاءته موقعاً في القيادة قدّمه ، وإن كان صغيراً في سنّه ، لأن كبر السن لا
يهب الأغبياء عقلاً ، ولا صغر السن ينقص الأكفاء فضلاً.

فما الحداثة عن فضلٍ بمانعة

ولا الكفاءة في سنّ وإن هرموا

قد أرسل الله عيسى وهو ابن ساعته

فلم يحابي شيوخاً ما الّذي نقموا

وكأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هيأ المسلمين لقبول (قاعدة الكفاءة) في ولاية أمورهم ، ونبّههم
عملياً على أن ليست الشهرة أو السن أو غيرها من مقوّمات الشخصية ، كفيلة
باستحقاق الإمارة والولاية ، فلذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رداً على من نقم تأمير أسامة عليهم :
(وأيم الله إن كانـزيدـلخليقاً للإمارة ، وانّ ابنه لخليق للإمارة) ، كما سيأتي
ذلك عن صحيح البخاري وغيره.

وبهذا التدبير الحازم قطع حجة الزاعمين انّ الأمارة والولاية لمن كان في
السنّ متقدماً.

من كان تحت اُمرة أسامة :

قال الرواة : لقد عقد اللواء لأسامة بيده ، وأمّره على جيش عدته ثلاثة آلاف
فيهم من قريش سبعمائة إنسان. وقد روى الرواة أسماء بعض الشيوخ الّذين كانوا
في ذلك الجيش فكان منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والزبير وسعد بن أبي
وقاص وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم وأسيد بن حضير وبشير
بن سعد ، وهناك آخرون » (١) ولكن كلّ من سمّينا منهم ومن لم نسمّ لم يمتثلوا
أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل تخلّفوا وطعنوا في تأمير أسامة عليهم.

_______________________

(١)طبقات ابن سعد ٤ / ٤٦ و ١٣٦ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٩٣ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد
١ / ١٥٩ ط محققة ، وفتح الباري لابن حجر ٩ / ٢١٨ـ٢١٩ ، وكنز العمال ٥ / ٣١٢ ط الأولى ،

٣٩٥

قال ابن أبي الحديد المعتزلي : « فتكلم قوم وقالوا : يستعمل هذا الغلام على
جلّة المهاجرين والأنصار؟

فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سمع ذلك ، وخرج عاصباً رأسه ، فصعد المنبر
وعليه قطيفة فقال : (أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ لئن
طعنتم في تأمير أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ، وايم الله ان كان لخليقاً
بالامارة ، وابنه من بعده لخليق بها ...) » (١) .

وقال أيضاً : « وثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشتد ما يجده ، فأرسل بعض نسائه إلى
أسامة وبعض من كان معه يعلمونهم ذلك. فدخل أسامة من معسكره... فتطأطأ
أسامة عليه فقبّله ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اسكت فهو لا يتكلم ، فجعل يرفع يديه إلى
السماء ثمّ يضعهما على أسامة كالداعي له ، ثمّ أشار إليه بالرجوع إلى عسكره ،
والتوجه لما بعثه ، فرجع أسامة إلى عسكره.

ثمّ أرسل نساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرنه بالدخول وقلن : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد
أصبح بارئاً ، فدخل أسامة من معسكره يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل ،
فوجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفيقاً ، فأمره بالخروج وتعجيل النفوذ ، وقال : (أغد على بركة
الله).

_______________________

وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٢ / ٣٩١ ، ومن كتب المتأخرين حياة محمّد لمحمد حسين هيكل
/ ٤٦٧. والملاحظ في هذه المصادر المذكورة كلّها قد ورد اسم أبي بكر وأسم عمر فيمن
سمّاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرجوا تحت قيادة أسامة ، ولم تذكر أنهما سمعا وأطاعا ، بل ذكرت
أنهما كانا يخرجان ويعودان بحجة أو بغير حجة ، ويكفي وجودهما عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم
الخميس حين أمر بأحضار الدواة والكتف وهو دليل على أنهما كانا يرقبان حالة
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويترقبان موته ولديهما خطة يجب أن يقوما بتنفيذها.

(١)شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ١٥٩ ط محققة ، صحيح البخاري (كتاب المغازي باب
بعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسامة بن زيد في مرضه).

٣٩٦

وجعل يقول : (أنفذ وأبعث أسامة) ، ويكرر ذلك ، فودّع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
وخرج ومعه أبو بكر وعمر. فلمّا ركب جاءه رسول أم أيمن فقال : إنّ رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يموت.

فأقبل ومعه أبو بكر وأبو عبيدة ، فانتهوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين زالت
الشمس من هذا اليوم وهو يوم الاثنين وقد مات ، واللواء مع بريدة بن الحصيب ،
فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مغلق »(١) .

هذا ملخص حادث بعث أسامة ورزية من تخلف عنه.

( سؤال بعد سؤال فهل من جواب؟ )

أوّلاً : لقد مرّ بنا انّ أبا بكر وعمر وابن عوف وسعداً أو سعيداً والزبير وأبو
عبيدة كانوا فيمن سمّاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمرهم بالخروج فتخلفوا ، وقد لعنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من
تخلف عن جيش أسامة (٢) فهل هم ممّن شملتهم لعنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وكيف
وهؤلاء ممّن زعم الزاعمون أنهم من المبشرين بالجنة ، فهل يجوز أن يلعن
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شهد له بالجنة وبشّره بها؟

ثانياً : لقد مرّ بنا أنّ بعض نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسلت إلى أسامة وبعض من كان
معه.

فمن هي تلكم البعض من نسائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ومَن هم أولئك البعض ممّن كان مع
أسامة؟

_______________________

(١)شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ١٦٠ ط محققة.

(٢)اُنظر الملل والنحل للشهرستاني ١ / ٢٣ ط الثانية سنة ١٣٩٥ ، وشرح المواقف للجرجاني
٨ / ٤٠٨ ط دار الكتب العلمية بيروت.

٣٩٧

ولماذا لم يفصح الراوي بأسمائهم؟ فهل من المستبعد أن يكون تلكم
البعض (الأوّل) هي من نسائه اللائي سبق للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أسرّ إليهن حديثاً فلمّا
نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض كما في سورة التحريم؟

وهل من المستبعد أن يكونا هما اللتان تظاهرا عليه كما في سورة التحريم؟

ثالثاً : لقد مرّ بنا أيضاً انّ نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسلن إلى أسامة ثانياً يأمرنه
بالدخول ، فهل كنّ جميع نسائه؟ أوهنّ اللائي أرسلن إليه أوّلاً؟ ومهما يكن فهل
من حقهنّ الإرسال؟ وما هو حقهنّ في الأمر؟

رابعاً : لقد مرّ بنا أيضاً انّ أسامة وبعض من كان معه أمتثلوا أمر النساء
المرسلات ، فهل كان أمرهنّ أوجب طاعة من أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فما بالهم تخلّفوا
عن أمتثال أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يذهبوا حيث أمرهم وتباطؤا متثاقلين؟ ثمّ هم هبّوا سراعاً
لأمتثال من أمرتهم من النساء طائعين سامعين فيعودوا مسرعين؟

خامساً : لقد مرّ بنا كتمان الرواة لأسماء تلكم النسوة فهل كان كلّ الرواة
نسيّاً فنسوا أسماءهن كما نسوا الوصية الثالثة في حديث الكتف والدواة؟ أم انّ
في كتمان ذلك ستر عليهن والله يحب الساترين؟

ومهما تكن حقيقة ذلك فسيبقى التساؤل قائماًـوبدون جواب مقنعـ هل
كان ثمة تنسيق وتدبير بين بعض نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أسامة وبعض من كان معه؟

وهذا أيضاً ليس بالمستبعد من ساحة التصور ، كما أنّه أيضاً غير مستبعد
حتى في مرحلة التصديق ، لأنّ أسماء الّذين ذكرتهم الرواية أنّهم أقبلوا مع أسامة
هم الثالوثـأبو بكر وعمر وأبو عبيدةـونجد لهذا الثالوث أهلية الترشيح
للخلافة فيما ترويه عائشة وقد مرّ حديثها ، كما نجد لهذا الثالوث تنسيقاً في

٣٩٨

المواقف من بعد موت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . كلّ ذلك يصدّق ما قيل من وجود تنسيق
وتدبير بينهم وبين بعض نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوحي بأن ثمة تخطيط وتآمر ، حيث
كان تشاور وتحاور ، لاقتناص الخلافة من صاحبها بأي ثمن ، كان ولو على
حساب الشرعية والدين.

لذلك لم يكن تخلف من تخلف عن جيش أسامة عفوياً.

كما لم يكن تثاقل أسامة بالخروج عاجلاً عفوياً أيضاً.

ولم يكن تلك المراسلات بين بعض أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أسامة وبعض
من كان معه عفوياً أيضاً.

كلّ ذلك يوحي بضلوع عناصر فاعلة وخطيرة في تلك المؤامرة ، لذلك
كان النفر الّذين وردت أسماؤهم يراوحون بيت النبيّ ولا يبارحونه ، وان بارحه
الرجال فلهم من نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عون وعين.

فهذا كلّه قد أحسّ بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضافاً إلى أنّ السماء توحي إليه بأخبارهم ، ثمّ
تأمره بتنفيذ أمر الله سبحانه ، وإن كلّفه عناءً وجهداً ، ولاقى عناداً ونَصَباً ، فلذلك
أتخذ التدبير الحازم والسريع. والأكثر ضماناً للنجاحـلو تمـفأمر أن يأتوه
بالدواة والكتف ، ليكتب للأمة كتاباً لن يضلوا بعده أبداً. وتلك الوثيقة هي الحجة
الشرعية التحريرية الّتي لا يمكن أن تنكر أو تتناسى كسائر ما سبق منه شفاهاً.
وتبقى حجة يحتج بها الخليفة من بعده.

فهذا هو ما أراده النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذا هو ما أدركه عمر وبقية من حضر من طائعين وعاصين. فنبذه عمر
وتبعه قوم فشاقّوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمره ، وقبله آخرون ودعوا إليه سامعين طائعين.

وهذا هو الّذي لم يخف من بعدُ على الصحابة فرووه كما رأوه.

٣٩٩

وهذا هو الّذي لم يخف على التابعين وتابعي التابعين ، وحتى علماء
التدوين ، لذلك أجهزوا عليه فحرّفوه وزوّروا فيه ، وقد مرّت رواياتهم في صور
الحديث وستأتي شواهد أخرى.

وهذا هو الّذي تهرّب من ذكره صراحة بشكل وآخر علماء التبرير ،
فحاولوا جاهدين ليكتموا الحقّ ، فقالوا أنّه اراد أن يكتب لأبي بكر ، ولعمري لو
كان ذلك صحيحاً لكان عمر أوّل المجيبين المستحبين. ولكن ذلك شأن
الجدليين المعاندين ، أيغالاً في صرف النظر عن حق الإمام عليّ عليه‌السلام الّذي أراد
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب له ذلك الكتاب ، فأمعنوا في إخفاء الحقيقة. وهيهات أن
تخفى الشمس وإن جللها السحاب.

رابعاً ـ لماذا أراد عليّاً دون غيره؟

والجواب على هذا يستدعي مُقدمة نعرف منها دور الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك.
وتلك هي أن ننظر بتجرّد وموضوعية إلى ذلك الدور ، فهل كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه مأموراً؟
أو مختاراً؟ إذ لا يخلو من هاتين الحالتين.

فإن كان مأموراًـوهو لابدّ أن يكون كذلك كما هو شأن الرسالة( وَمَا
عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
) (١) ـوما كان شأنه في التبليغ إلّا على حد قوله
تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
) (٢) .

_______________________

(١)النور / ٥٤.

(٢)المائدة / ٦٧.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487