موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

موسوعة عبد الله بن عبّاس12%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-501-5
الصفحات: 487

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 487 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158929 / تحميل: 6193
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٥٠١-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الله ناجاه؟ فقال: نعم يا أبا رافع، ان الله ناجاه يوم الطائف ويوم عقبة تبوك ويوم خيبر.

٩٥ ـ وعنه بهذا الاسناد عن منيع عن يونس عن علي بن أعين قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل الطائف: لأبعثن إليكم رجلا كنفسي يفتح الله به الخيبر، سوطه سيفه، فتشرف الناس لها، فلما أصبح دعا عليّا فقال: اذهب إلى الطائف ثم أمر الله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يدخل إليها بعد أن دخله على، فلما صار إليها كان على رأس الجبل فقال له رسول الله: اثبت فثبت، فسمعنا مثل صرير الرحا فقيل: ما هذا يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال ان الله يناجي عليّاعليه‌السلام . قال عز من قائل:( وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا )

٩٦ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحق رضى الله عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمد الهمداني قال: حدّثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن هشام بن سالم قال: قلت للصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام : الحسن أفضل أم الحسينعليه‌السلام ؟ فقال: الحسن أفضل من الحسين. قلت: فكيف صارت الامامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى لم يرد بذلك إلّا أن يجعل سنة موسى وهارون جارية في الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ألآ ترى انهما كانا شريكين في النبوة كما كان الحسن والحسين شريكين في الامامة، وان اللهعزوجل جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى وان كان موسى أفضل من هارونعليهما‌السلام .

٩٧ ـ وباسناده إلى محمد بن جعفر عن أبيه عن جده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عاش موسىعليه‌السلام مأة وستة وعشرين سنة، وعاش هارونعليه‌السلام مأة وثلاثة وثلثين سنة

٩٨ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث من كن فيه كان منافقا وان صام وصلى وزعم انه مسلم: من إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، ان اللهعزوجل يقول في كتابه:( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ ) وقال :

٣٤١

( أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) وفي قوله تعالى:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) .

٩٩ ـ ابن أبي عمير عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّما سمى إسمعيل صادق الوعد لأنه وعد رجلا في مكان فانتظره سنة، فسماه اللهعزوجل صادق الوعد، ثمّ إنَّ الرجل أتاه بعد ذلك فقال له اسمعيل: ما زلت منتظرا لك.

١٠٠ ـ في عيون الاخبار باسناده إلى سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: أتدري لم سمى إسمعيل صادق الوعد؟ قال: قلت: لا أدرى، قال: وعد رجلا فجلس له حولا ينتظره.

١٠١ ـ في كتاب علل الشرائع في باب العلة التي من أجلها سمى إسمعيل بن حزقيل صادق الوعد، حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير ومحمد ابن سنان عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ إسمعيل الذي قال اللهعزوجل في كتابه:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) لم يكن إسمعيل بن إبراهيم، بل كان نبيا من الأنبياء بعثه اللهعزوجل إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه(١) ووجهه، فأتاه ملك فقال: إنّ الله جل جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالأنبياءعليهم‌السلام .

١٠٢ ـ وباسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ان إسمعيل كان رسولا نبيا سلط عليه قومه فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه، فأتاه رسول من رب العالمين فقال له: ربك يقرئك السلام ويقول قد رأيت ما صنع بك وقد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت فقال: يكون لي بالحسين بن عليّعليهما‌السلام أسوة.

١٠٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ ) قال: وعد وعدا فانتظر صاحبه سنة، وهو إسمعيل بن حزقيلعليه‌السلام .

__________________

(١) الفروة: جلدة الرأس بشعرها.

٣٤٢

١٠٤ ـ في مجمع البيان ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ ) الذي هو القرآن «اسمعيل» بن إبراهيم( إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ ) وكان إذا وعد بشيء وفي ولم يخلف «وكان» مع ذلك( رَسُولاً نَبِيًّا ) إلى جرهم وقد مضى معناه، قال ابن عباس انه واعد رجلا أن ينتظره في مكان ونسي الرجل، فانتظره سنة حتّى أتاه الرجل، وروى ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

١٠٥ ـ وقيل: إنّ إسمعيل بن إبراهيم مات قبل أبيه، وان هذا هو إسمعيل بن حزقيل بعثه الله إلى قوله، ورواه أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام . وذكر نحوه ما ذكرنا عن كتاب علل الشرائع.

١٠٦ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عاش إسمعيل بن إبراهيمعليه‌السلام مأة وعشرين سنة.

١٠٧ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن عليّ الباقرعليهم‌السلام قال: كان بدو نبوة إدريسعليه‌السلام انه كان في زمانه ملك جبار، وانه ركب ذات يوم في بعض نزهه فمر بأرض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة(١) فأعجبته فسأل وزرائه لمن هذه الأرض؟ قالوا: لعبد مؤمن من عبيد الملك فلان الرافضي، فدعا به فقال له: أمتعني بأرضك هذه، فقال له: عيالي أحوج إليها منك، قال: فسمني بها اثمن لك(٢) قال: لا أمتعك بها ولا أسومك دع عنك ذكرها فغضب الملك عند ذلك وأسف وانصرف إلى أهله وهو مغموم متفكر في أمره، وكانت له امرأة من الازارقة(٣) وكان بها معجبا يشاورها في الأمر إذا نزل به، فلما استقر في

__________________

(١) قال المسعودي في إثبات الوصية (ص: ١٢ ط طهران): وكان من يتبعه على كفره ويرفضه يسمى رافضيا «انتهى» وقال بعض: انهعليه‌السلام عبر بذلك لئلا يتهم أصحابه مما ينابزهم العامة بهذا اللقب، ويعلموا ان ذلك كان ديدن أهل الدنيا سلفا وخلفا وعادتهم.

(٢) أي بعنى أعطيك الثمن.

(٣) الازارقة من الخوارج أصحاب نافع بن الأزرق كفروا عليّاعليه‌السلام وأصحابه وجوزوا

٣٤٣

مجلسه بعث إليها يشاورها في أمر صاحب الأرض، فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب فقالت: أيها الملك ما الذي دهاك(١) حتّى بدا الغضب في وجهك قبل فعلك؟ فأخبرها بخبر الأرض وما كان من قوله لصاحبها ومن قول صاحبها له، فقالت: أيها الملك إنّما يغتم ويهتم ويأسف من لا يقدر على التغيير والانتقام، فان كنت تكره ان تقتله بغير حجة فانا أكفيك امره وأصير أرضه إليك بحجة، لك فيها العذر عند أهل مملكتك، قال: وما هي؟ قالت: أبعث إليه أقواما من أصحابى أزارقة حتّى يأتوك به، فيشهدون عليه عندك انه قد برأ من دينك، فيجوز لك قتله وأخذ أرضه. قال: فافعلي.

قال: وكان لها أصحاب من الازارقة على دينها يرون قتل الرافضة من المؤمنين، فبعثت إلى قوم من الازارقة فأتوها فأمرتهم أن يشهدوا على فلان الرافضي عند الملك انه قد برأ من دين الملك فشهدوا عليه انه قد برىء من دين الملك فقتله واستخلص أرضه، فغضب الله تعالى للمؤمن عند ذلك، فأوحى إلى إدريس: أنْ ائت عبدي هذا الجبار فقل له: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتّى استخلصت أرضه خالصة لك، فاحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتي لأنتقمنَّ له منك في الآجل، ولأسلبنَّك ملكك في العاجل، ولأخربن مدينتك ولأذلن عزك، ولأطعمن الكلاب لحم امرأتك، فقد غرك يا مبتلى حلمي عنك؟ فأتاه إدريسعليه‌السلام برسالة ربه وهو في مجلسه وحوله أصحابه، فقال: أيها الجبار انّي رسول الله إليك وهو يقول لك: أما رضيت ان قتلت عبدي المؤمن حتّى استخلصت أرضه خالصة لك، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتي لأنتقمن له منك في الآجل، ولأسلبنك ملكك في العاجل ولأخربن مدينتك ولأذلن عزك ولأطعمن الكلاب لحم امرأتك، فقال الجبار: اخرج

__________________

قتل مخالفيهم وسبى نسائهم فقيل: إنّ المراد في الحديث ان المرأة كانت بصفة الازارقة فكما ان الازارقة يرون غير أهل نحلتهم مشركا ويستحلون دمه وأمواله فكذلك هذه المرأة.

(١) دهى فلانا: أصابه بداهية والداهية: الأمر العظيم.

٣٤٤

ـ عنى يا إدريس فلن تسبقني بنفسك(١) ثم أرسل إلى امرأته فأخبرها بما جاء به إدريس فقالت: لا يهولنك رسالة اله إدريس انا أكفيك أمر إدريس، انا أرسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه وكلما جاء به، قال: فافعلي قال: وكان لإدريس أصحاب من الروافض مؤمنون يجتمعون إليه في مجلس له فيأنسون به ويأنس بهم، فأخبرهم إدريس بما كان من وحي اللهعزوجل إليه ورسالته إلى الجبار وما كان من تبليغه رسالة اللهعزوجل إلى الجبار، فأشفقوا على إدريس وأصحابه وخافوا عليه القتل وبعثت امرأة الجبار إليه أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوه. فأتوه في مجلسه الذي كان يجتمع إليه فيه أصحابه فلم يجدوه، فانصرفوا وقد رآهم أصحاب إدريس فحسبوا أنهم أتوا إدريس ليقتلوه فتفرقوا في طلبه فلقوه فقالوا له: خذ حذرك يا إدريس فان الجبار قاتلك، قد بعث اليوم أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوك فاخرج من هذه القرية.

فتنحى إدريس عن القرية من يومه ذلك، ومعه نفر من أصحابه، فلما كان في السحر ناجى إدريس ربه فقال: يا رب بعثتني إلى جبار فبلغت رسالتك وقد توعدني هذا الجبار بالقتل بل هو قاتلي ان ظفر بى؟ فأوحى اللهعزوجل اليه: أنْ تنح عنه واخرج من قريته، وخلنى وإياه فو عزتي لأنفذن فيه أمرى، ولأصدقن قولك فيه، وما أرسلتك به اليه، فقال إدريس: يا رب ان لي حاجة، قال اللهعزوجل : سل تعطها.

قال: اسألك ان لا تمطر السماء على هذه القرية وما حولها وما حوت عليه حتّى اسألك ذلك، قال اللهعزوجل : يا إدريس إذاً تخرب القرية ويشتد جهد أهلها ويجوعون! قال إدريس: وان خربت وجهدوا وجاعوا؟ قال اللهعزوجل : قد أعطيتك ما سألت ولن أمطر السماء عليهم حتّى تسألنى ذلك، وأنا أحق من وفى بوعده.

فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عنهم وبما أوحى الله إليه ووعده

__________________

(١) قال المجلسي (ره): فلن تسبقني بنفسك هو تهديد بالقتل، أي لا يمكنك الفرار بنفسك والتقدم بحيث لا يمكنني اللحوق بك لاهلاكها، أو لا تغلبني في أمر نفسك بأن تتخلصها منى ويحتمل أن يكون المراد: لا تغلبني متفردا بنفسك من غير معاون فلم تتعرض لي.

٣٤٥

أن لا يمطر السماء على قريتهم حتّى يسأله ذلك فاخرجوا أيها المؤمنون من هذه القرية إلى غيرها من القرى، فخرجوا منها وعدّتهم يومئذ عشرون رجلا، فتفرقوا في القرى وشاع خبر إدريس في القرى بما سأل ربه، وتنحى إدريس إلى كهف من الجبل شاهق(١) فلجأ إليه ووكل اللهعزوجل به ملكا يأتيه بطعامه عند كل مساء وكان يصوم النهار فيأتيه الملك بطعامه عند كل مساء، وسلب اللهعزوجل عند ذلك ملك الجبار وقتله وأخرب مدينته وأطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن، فظهر في المدينة جبار آخر عاص، فمكثوا بذلك بعد خروج إدريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة من مائها فجهد القوم واشتدت حالهم وصاروا يمتارون الاطعمة(٢) من القرى من بعد، فلما جهدوا مشى بعضهم إلى بعض، فقالوا: إنّ الذي نزل بنا مما ترون لسؤال إدريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتّى يسأله هو، وقد تنحى إدريس عنا ولا علم لنا بموضعه والله أرحم بنا منه، فأجمع أمرهم على ان يتوبوا إلى الله ويدعوه ويفزعوا إليه ويسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلى ما حوت قريتهم، فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح وحثوا على رؤسهم التراب(٣) وعجوا إلى الله بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع اليه.

فأوحى اللهعزوجل إلى إدريس: يا إدريس ان أهل قريتك قد عجوا إليَّ بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع، وانا الله الرحمن الرحيم اقبل التوبة وأعفو عن السيئة وقد رحمتهم ولم يمنعني من اجابتهم إلى ما سألونى من المطر إلّا مناظرتك فيما سألتنى أن لا أمطر السماء عليهم حتّى تسألنى، فاسألنى يا إدريس حتّى أغيثهم وأمطر السماء عليهم. قال إدريس: أللهمّ انّي لا أسئلك ذلك. قال اللهعزوجل : ألم تسألنى يا إدريس

__________________

(١) الشاهق: المرتفع من الجبال.

(٢) أي يجمعونها.

(٣) المسوح جمع المسح: الكساء من شعر كثوب الرهبان، ومنه يقال من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد مسح. وحثا التراب: صبه.

٣٤٦

فأجبتك إلى ما سألت، وأنا اسألك ان تسألنى فلم لا يجيب مسألتى؟ قال إدريس: أللهمّ لا اسألك، قال: فأوحى اللهعزوجل إلى الملك الذي أمره أن يأتى إدريس بطعامه كل مساء أن احبس عن إدريس طعامه ولا تأته به، فلما أمسى إدريس في ليلة يومه ذلك فلم يؤت بطعامه حزن وجاع، فصبر فلما كان في ليلة اليوم الثاني فلم يؤت بطعامه اشتد حزنه وجوعه، فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه وقل صبره، فنادى ربه: يا رب حبست عنى رزقي من قبل أن تقبض روحي؟ فأوحى اللهعزوجل اليه: يا إدريس جزعت ان حبست عنك طعامك ثلثة أيام ولياليها، ولم تجزع وتذكر جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة، ثم سألتك عند جهدهم ورحمتي إياهم ان تسألنى فأمطر السماء عليهم فلم تسألنى وبخلت عليهم بمسألتك إياي! فأدبتك بالجوع، فقل عند ذلك صبرك وظهر جزعك فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى جبلتك.

فهبط إدريسعليه‌السلام من موضعه إلى قرية يطلب أكله من جوع، فلما دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه، فهجم على عجوز كبيرة وهي ترفق قرصتين لها على مقلاة(١) فقال لها: أيتها المرأة أطعمينى فانى مجهود من الجوع، فقالت له: يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلا نطعمه أحدا ـ وحلفت انها ما تملك غيره شيئا ـ فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، فقال لها: أطعميني ما أمسك به روحي وتحملني به رجلي إلى أن أطلب، قالت: انهما قرصتان واحدة لي والاخرى لابني فان أطعمتك قوتي مت، وان أطعمتك قوت إبني مات، وما هاهنا فضل أطعمك، فقال لها: إنّ ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيا به، ويجزيني النصف الاخر فأحيى به وفي ذلك بلغة لي وله، فأكلت المرئة قرصتها وكسرت الاخرى بين إدريس وبين ابنها، فلما راى ابنها إدريس يأكل من قرصته اضطرب حتّى مات، قالت امه: يا عبد الله قتلت على إبني جزعا على قوته، فقال لها إدريس: فأنا أحييه

__________________

(١) المقلاة: وعاء يقلى فيه الطعام.

٣٤٧

بإذن الله فلا تجزعي، ثم أخذ إدريس بعضدي الصبى ثم قال: أيتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام بأمر الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله وأنا إدريس النبي، فرجعت روح الغلام إليه بإذن الله، فلما سمعت امه كلام إدريس وقوله: أنا إدريس، ونظرت إلى ابنها قد عاش بعد الموت، قالت: اشهد انك إدريس النبي وخرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية: أبشروا بالفرج قد دخل إدريس في قريتكم، ومضى إدريس حتّى جلس على موضع مدينة الجبار الاول فوجدها وهي تل، فاجتمع إليه أناس من أهل قريته فقالوا له: يا إدريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التي جهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فيها؟ فادع الله ان يمطر السماء علينا. قال: لا، حتّى يأتيني جباركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك، فبلغ الجبار قوله، فبعث إليه أربعين رجلا يأتوه بإدريس فأتوه فقالوا له: إنّ الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه فدعا عليهم فماتوا، فبلغ ذلك الجبار فبعث إليه خمسمائة رجل ليأتوه به فأتوه فقالوا له: يا إدريس ان الجبار بعثنا إليك لنذهب بك اليه، فقال لهم إدريس: انظروا إلى مصارع أصحابكم فقالوا له: يا إدريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو علينا بالموت؟ أما لك رحمة؟ فقال: ما أنا بذاهب إليه وما انا بسائل الله أن يمطر السماء عليكم حتّى يأتيني جباركم ماشيا حافيا وأهل قريتكم، فانطلقوا إلى الجبار فأخبروه بقول إدريس وسألوه أن يمضى معهم وجميع أهل قريتهم إلى إدريس مشاة حفاة، فأتوه حتّى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه أن يسأل اللهعزوجل أن يمطر السماء عليهم، فقال لهم إدريس: اما الآن فنعم فسأل اللهعزوجل إدريس عند ذلك ان يمطر السماء عليهم وعلى قريتهم ونواحيها، فأظلتهم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم من ساعتهم(١) حتّى ظنوا انه الغرق، فما رجعوا إلى منازلهم حتّى أهمتهم أنفسهم من الماء(٢)

__________________

(١) هطل المطر: نزل متتابعا متفرقا عظيم القطر.

(٢) قال في البحار: أي خوف أنفسهم أوقعهم في الهموم، أو لم يهتمهم الأهم أنفسهم وطلب خلاصها. ثم اعلم ان الظاهر ان أمره تعالى إدريسعليه‌السلام بالدعاء لهم لم يكن على سبيل الحتم

٣٤٨

١٠٨ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام انه قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سأله عن الأيام: فالخميس؟ قال: هو يوم خامس من الدنيا وهو يوم أنيس لعن فيه إبليس ورفع فيه إدريس، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠٩ ـ في الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن مفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرنى جبرئيل ان ملكا من الملائكة كانت له عند الله منزلة عظيمة فتعتب عليه فأهبطه من السماء إلى الأرض، فأتى إدريسعليه‌السلام فقال له: إنّ لك من الله منزلة فاشفع لي عند ربك، فصلى ثلاث ليال لا يفتر وصام(١) أيامها لا يفطر، ثم طلب إلى اللهعزوجل في السحر في الملك، فقال الملك: انك قد أعطيت سؤلك وقد أطلق الله لي جناحي وانا أحب ان أكافيك فاطلب إلى حاجة، فقال تريني ملك الموت لعلّي آنس به فانه ليس يهنينى مع ذكره شيء. فبسط جناحه ثم قال: اركب، فصعد به يطلب ملك الموت في السماء الدنيا، فقيل له: اصعد فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة، فقال الملك: يا ملك الموت ما لي أراك قاطبا؟(٢) قال: العجب أنّي تحت ظل العرش حيث أمرت ان أقبض روح آدمي بين السماء الرابعة والخامسة؟ فسمع إدريسعليه‌السلام فامتعض(٣) فخر من جناح الملك فقبض روحه مكانه وقال اللهعزوجل :( وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا ) .

١١٠ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن أحمد بن أبي داود عن عبد الله بن أبان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في حديث طويل يذكر فيه مسجد السهلة: أما علمت انه

__________________

والوجوب بل على الندب والاستحباب، وكان غرضهعليه‌السلام في الأخير وفي طلب القوم أن يأتوا، متذللين تنبيههم وزجرهم عن الطغيان والفساد لئلا يخالفوا ربهم بعدد هو له بينهم، وان أولياء الله يغضبون لربهم أكثر من سخطه تعالى لنفسه لسعة رحمته وعظم حلمه تعالى شأنه.

(١) فتر فلان عن عمله قصر فيه.

(٢) قطب: زوي ما بين عينيه وكلح.

(٣) امتعض منه: غضب وشق عليه.

٣٤٩

موضع بيت إدريس النبيعليه‌السلام الذي كان يخيط فيه؟

١١١ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم حدّثني أبي عن محمد بن أبي عمير عمن حدثه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه وألقاه في جزيرة من جزائر البحر، فبقي ما شاء اللهعزوجل في ذلك البحر، فلما بعث اللهعزوجل إدريسعليه‌السلام جاء ذلك الملك إليه فقال: يا نبي الله ادع الله أن يرضى عنى ويرد جناحي، قال: نعم فدعا إدريس فرد اللهعزوجل عليه جناحه ورضى عنه، قال الملك لإدريس: ألك حاجة؟ قال: نعم أحب ان ترفعني إلى السماء حتّى انظر إلى ملك الموت فانه لا عيش لي مع ذكره، فأخذه الملك على جناحه حتّى انتهى به إلى السماء الرابعة فاذا ملك الموت يحرك رأسه تعجبا، فسلم إدريسعليه‌السلام على ملك الموت، فقال له: مالك تحرك رأسك؟

قال: إنّ رب العزة أمرنى ان أقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة، فقلت: يا رب وكيف يكون هذا وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام، ومن السماء الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام، وكل سمائين وما بينهما كذلك فكيف يكون هذا؟ ثم قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة، وهو قولهعزوجل :( وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا ) وسمى إدريس لكثرة دراسته الكتب.

١١٢ ـ وفيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل ذكرناه أول الإسراء وفيه: ثم صعدنا إلى السماء الرابعة وإذا فيها رجل فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ فقال: هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا، فسلمت عليه وسلم على واستغفرت له واستغفر لي.

١١٣ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه‌الله روى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام قال: إنّ يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لعليٍّعليه‌السلام في كلام طويل: هذا إدريسعليه‌السلام أعطاه اللهعزوجل «مكانا عليا» قال له عليعليه‌السلام : لقد كان كذلك ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله اعطى ما هو أفضل من هذا. ان الله جل ثناؤه قال فيه:( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) فكفى بهذا من الله رفعة.

٣٥٠

١١٤ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب في مناقب زين العابدينعليه‌السلام قالعليه‌السلام في قوله تعالى:( وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا ) : نحن عنينا بها.

١١٥ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن داود بن فرقد قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام قوله تعالى:( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) قال: كتابا ثابتا، وليس ان عجلت قليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الاضاعة. فان اللهعزوجل يقول لقوم:( أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) .

١١٦ ـ في مجمع البيان وقيل: أضاعوها بتأخيرها عن مواقيتها من غير أن تركوها أصلا. وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

١١٧ ـ في جوامع الجامع ( وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ ) رووا عن عليّعليه‌السلام : من بنى الشديد وركب المنظور ولبس المشهور.

١١٨ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سلم من أمتي من أربع خصال فله الجنة: من الدخول في الدنيا، واتباع الهوى، وشهوة البطن، وشهوة الفرج.

١١٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله:( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً ) يعنى في الجنة( إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال: ذلك في جنات الدنيا قبل القيمة، والدليل على ذلك قوله تعالى:( بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) فالبكرة والعشى لا يكون في الآخرة في جنات الخلد وانما يكون الغدو والعشى في جنات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين وتطلع فيها الشمس والقمر.

١٢٠ ـ في محاسن البرقي عنه عن النضر بن سويد عن علي بن صامت عن ابن أخى شهاب بن عبد ربه قال: شكوت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ما ألقى من الأوجاع والتخم، فقال: تغد وتعش ولا تأكل بينهما شيئا فان فيه فساد البدن، أما سمعت قول اللهعزوجل يقول:( لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) .

٣٥١

١٢١ ـ في كتاب طب الائمةعليهم‌السلام محمد بن عبد الله العسقلاني قال: حدّثنا النضر بن سويد عن علي بن أبي الصلت عن أخى شهاب بن عبد ربه قال: كأنى شكوت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ما القى من الأوجاع والتخم وذكر إلى آخر ما في كتاب المحاسن. قال عز من قائل:( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا )

١٢٢ ـ في تهذيب الأحكام في ادعية نوافل شهر رمضان: سبحان من خلق الجنة لمحمد وآل محمد، سبحان من يورثها محمدا وآل محمد وشيعتهم.

١٢٣ ـ في مجمع البيان وقال ابن عباس: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لجبرئيل: ما منعك ان تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزل( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) الآية.

١٢٤ ـ في عيون الاخبار عن الرضاعليه‌السلام حديث وفيه يقولعليه‌السلام : إنّ الله تعالى لا يسهو ولا ينسى وانما ينسى ويسهو المخلوق والمحدث، ألآ تسمعهعزوجل يقول:( وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) .

١٢٥ ـ في كتاب التوحيد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه لرجل سأله عما اشتبه عليه من آيات الكتاب: واما قوله:( وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) فان ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى، ولا يغفل بل هو الحفيظ العليم.

ويقول فيهعليه‌السلام للسائل أيضا: واما قوله:( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) فان تأويله: هل يعلم أحد اسمه الله غير الله تبارك وتعالى، فإياك ان تفسر القرآن برأيك حتّى تفقه عن العلماء، فانه رب تنزيل يشبه بكلام البشر وهو كلام الله وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئا من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه بكلام البشر، فكلام الله تبارك وتعالى صفته، وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل.

١٢٦ ـ في أصول الكافي أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن علي بن أسباط عن خلف بن حماد عن ابن مسكان عن مالك الجهني قال: سألت(١)

__________________

(١) أي انها يأتى لتهيئة منزل الموت ولاعلام الناس بنزوله، لان الرائد من هو يأتى قبل المسافر في طلب الكلاء.

٣٥٢

أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل : أو لم ير( الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ) قال: فقال: لا مقدرا ولا مكونا.

١٢٧ ـ في محاسن البرقي عنه عن أبيه عن إسمعيل بن إبراهيم ومحمد بن أبي عمير عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن حمران قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله:( أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ) قال: لم يكن شيئا في كتاب ولا علم.

١٢٨ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ( أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ) أي لم يكن ذكره، ثم أقسمعزوجل بنفسه فقال: «فو ربك يا محمّد( لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) قال: على ركبهم وقولهعزوجل :

( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا ) يعنى في البحار إذا تحولت نيرانا يوم القيمة.

١٢٩ ـ وفي حديث آخر: هي منسوخة بقولهعزوجل :( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) .

١٣٠ ـ أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قولهعزوجل :( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ) قال: أما تسمع الرجل يقول: وردنا بنى فلان فهو الورود ولم يدخله.

١٣١ ـ في مجمع البيان قال السدي: سألت مرة الهمداني عن هذه الآية فحدثني ان عبد الله بن مسعود حدثهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يرد الناس النار ثم يصدرون بأعمالهم، فأولهم كلمع البرق، ثم كمر الريح ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب ثم كشد الرجل، ثم كمشيه.

١٣٢ ـ وروى أبو صالح غالب بن سليمان عن كثير بن زياد عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود، فقال قوم: لا يدخلها مؤمن، وقال آخرون: يدخلونها جميعا ثم ينجى الله الذين اتقوا، فلقيت جابر بن عبد الله فسألته فأومى بإصبعيه إلى أذنيه وقال: صمتا ان لم أكن سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: الورود الدخول، لا يبقى بر ولا

٣٥٣

فاجر إلّا يدخلها، فيكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتّى ان للنار ـ أو قال لجهنم: ـ ضجيجا من بردها، ثم ينجى الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا.

١٣٣ ـ وروى مرفوعا عن يعلى بن منبه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جزيا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى.

١٣٤ ـ وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه سئل عن المعنى فقال: إنّ الله تعالى يجعل النار كالسمن الجامد، ويجمع عليها الخلق ثم ينادى المنادي: أنْ خذي أصحابك وذرى أصحابي فو الذي نفسي بيده لهي أعرف بأصحابها من الوالدة بولدها.

١٣٥ ـ في اعتقادات الامامية للصدوقرحمه‌الله وروى انه لا يصيب أحدا من أهل التوحيد الم في النار إذا دخلوها، وانما يصيبهم الألم عند الخروج منها، فتكون تلك الآلام جزاء بما كسبت أيديهم وما الله بظلام للعبيد.

١٣٦ ـ في مجمع البيان متصل بقوله: من الوالدة بولدها وقيل: إنّ الفائدة في ذلك ما روى في بعض الاخبار ان الله تعالى لا يدخل أحدا الجنة حتّى يطلعه على النار وما فيها من العذاب، ليعلم تمام فضل الله عليه وكمال لطفه وإحسانه اليه، فيزداد لذلك فرحا وسرورا بالجنة ونعيمها، ولا يدخل أحدا النار حتّى يطلعه على الجنة وما فيها من أنواع النعيم والثواب ليكون ذلك زيادة عقوبة له وحسرة على ما فاته من الجنة ونعيمها، وقد ورد في الخبر أن الحمى من قيح جهنم.

١٣٧ ـ وروى ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عاد مريضا فقال: أبشر ان اللهعزوجل يقول: الحمى هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار.

١٣٨ ـ في الكافي محمد عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسمعيل عن سعدان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: الحمى رائد الموت(١)

__________________

(١) أي انها يأتى لتهيئة منزل الموت ولاعلام الناس بنزوله، لان الرائد من هو يأتى قبل المسافر في طلب الكلاء.

٣٥٤

وهي سجن المؤمن في الأرض، وهي حظ المؤمن من النار.

١٣٩ ـ محمد بن يحيى عن موسى بن الحسن عن الهيثم بن أبي مسروق عن شيخ من أصحابنا يكنى بابى عبد الله عن رجل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمى رائد الموت، وسجن الله تعالى في أرضه، وفورها من جهنم، وهي حظ كل مؤمن من النار.

١٤٠ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن الحسن ابن عبد الرحمن عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا قريشا إلى ولايتنا فتنفروا وأنكروا «فقال الذين كفروا» من قريش «للذين آمنوا» الذين أقروا لأمير المؤمنين ولنا أهل البيت:( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) تعييرا منهم، فقال الله ردا عليهم:( وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ) من الأمم السابقة( هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً ) .

١٤١ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقال عليّ بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً ) قال: عنى به الثياب والاكل والشراب وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: الأثاث المتاع، واما رئيا فالجمال والمنظر الحسن.

١٤٢ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن الحسن بن عبد الرحمن عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قلت: قوله( مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ) قال: كلهم كانوا في ضلالة لا يؤمنون بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام ولا بولايتنا، فكانوا ضالين مضلين فليمد لهم في ضلالتهم وطغيانهم حتّى يموتوا. فيصيرهم الله شرا مكانا وأضعف جندا، قلت: قوله:( حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً ) قال: اما قوله:( حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ ) فهو خروج القائم وهو الساعة، فسيعلمون

٣٥٥

ذلك اليوم وما نزل بهم من الله على يدي قائمه. فذلك قوله:( مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً ) يعنى عند القائمعليه‌السلام ( وَأَضْعَفُ جُنْداً ) قلت: قوله:( وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ) قال: يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى باتباعهم القائمعليه‌السلام ، حيث لا يجحدونه ولا ينكرونه.

١٤٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقوله:( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا ) قال: الباقيات هو قول المؤمن: سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر.

١٤٤ ـ وحدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لـمّـا أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعانا يققا(١) ورأيت فيها ملئكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وربما أمسكوا، فقلت لهم: ما لكم ربما بنيتم وربما أمسكتم؟ فقالوا: حتّى تجيئنا النفقة، فقلت لهم: وما نفقتكم؟ قالوا: قول المؤمن في الدنيا: سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر. فاذا قال بنينا وإذا أمسك أمسكنا.

قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه: وفي بعض النسخ دخلت الجنة فرأيت فيها ملئكة يبنون إلخ وقد نقلنا في تفسير «الباقيات الصالحات» في سورة الكهف جملة شافية من الاخبار فراجع.

١٤٥ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً ) ان العاص بن وائل بن هشام القرشي ثم السهمي وهو أحد المستهزئين وكان لخباب بن الأرت على العاص بن وائل حق، فأتاه يتقاضاه، فقال له العاص: ألستم تزعمون ان في الجنة الذهب والفضة والحرير؟ قال: بلى، قال: فموعد ما بيني وبينك الجنة فو الله لأوتين فيها خيرا مما أوتيت في الدنيا، يقول اللهعزوجل :

__________________

(١) القيعان جمع القاع: الأرض السهلة المطمئنة قد انفرجت عنها الآكام والجبال. ويقق: شديد البياض.

٣٥٦

( أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) والضد القرين الذي يقرن به.

١٤٦ ـ حدّثنا جعفر بن أحمد قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى قال: حدّثنا الحسين ابن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) يوم القيامة أي يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضدا يوم القيمة ويتبرءون منهم ومن عبادتهم إلى يوم القيمة، ثم قال: ليس العبادة هي السجود ولا الركوع وانما هي طاعة الرجال، من أطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد عبده، وقولهعزوجل :( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) قال: لما طغوا فيها وفي فتنتها وفي طاعتهم ومد لهم في طغيانهم وضلالتهم أرسل عليهم شياطين الانس والجن( تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) أي تنخسهم نخسا، وتحضهم على طاعتهم وعبادتهم، فقال اللهعزوجل :( فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إنّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ) أي في طغيانهم وفتنتهم وكفرهم.

١٤٧ ـ وفي تفسيره متصل بقوله «وإذا أمسك أمسكنا» عند قوله: «والباقيات الصالحات» وقوله:( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) قال: نزلت في مانعي الزكاة والمعروف، يبعث الله عليهم سلطانا أو شيطانا فينفق ما يجب عليه من الزكاة في غير طاعة الله ويعذبه على ذلك، وقوله تبارك وتعالى:( فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إنّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ) فقال لي: ما هو عندك؟ قلت: عندي عدد الأيام، قال: لا، ان الاباء والأمهات ليحصون ذلك ولكن عدد الأنفاس.

١٤٨ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن الحسين بن إسحق عن علي بن مهزيار عن علي بن إسمعيل الميثمي عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : قول اللهعزوجل :( إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ) قال: ما هو عندك؟ قلت: عدد الأيام، قال: إنّ الاباء والأمهات يحصون ذلك ولكنه عدد الأنفاس.

٣٥٧

١٤٩ ـ في نهج البلاغة من كلامهعليه‌السلام : نفس المرء خطاه إلى أجله.

١٥٠ ـ وقالعليه‌السلام : كل معدود متنقص وكل متوقع آت.

١٥١ ـ في عيون الاخبار حدّثنا أبو على محمد بن أحمد بن يحيى المعاذي قال: حدّثنا أبو عمر محمد بن عبد الله الحكمي الحاكم بنوقان، قال: خرج علينا رجلان من الري برسالة بعض السلاطين بها إلى الأمر نصر بن أحمد ببخارا وكان أحدهما من أهل الري والاخر من أهل قم، وكان القمى على المذهب الذي كان قديما بقم في النصب وكان الرازي متشيعا، فلما بلغا نيسابور قال الرازي للقمي: ألآ نبدأ بزيارة الرضاعليه‌السلام ثم نتوجه إلى بخارا؟ فقال القمى: قد بعثنا سلطاننا برسالة إلى الحضرة ببخارا فلا يجوز لنا أن نشتغل بغيرها حتّى نفرغ منها، فقصدا بخارا وأديا ورجعا حتّى حاذيا طوى، فقال الرازي للقمي: ألآ نزور الرضاعليه‌السلام ؟ فقال: خرجت من قم مرجئا ولا أرجع إليها رافضيا، قال: فسلم الرازي أمتعته ودوابه إليه وركب حمارا وقصد مشهد الرضاعليه‌السلام وقال لخدام المشهد: خلوا إلى المشهد هذه الليلة، وادفعوا إلى مفتاحه ففعلوا ذلك، قال: فدخلت المشهد وغلقت الباب وزرت الرضاعليه‌السلام ثم قمت عند رأسه وصليت ما شاء الله تعالى، وابتدأت في قراءة القرآن من أوله قال: فكنت أسمع صوتا بالقرآن كما أقرأ، فقطعت صلوتى ودرت المشهد كله وطلبت نواحيه فلم أر أحدا، فعدت إلى مكاني وأخذت في القرائة من أول القرآن فكنت أسمع مثل ما اقرأ حتّى بلغت آخر مريم فقرأت:( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلى الرَّحْمنِ وَفْداً ) فسمعت الصوت من القبر: «يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا ويساق المجرمون إلى جهنم وردا» حتّى ختمت القرآن وختم، فلما أصبحت رجعت إلى نوقان فسألت من بها من المقرئين عن هذه القرائة، فقالوا هذا في اللفظ والمعنى مستقيم لكنا لا نعرف في قراءة أحد قال فرجعت إلى نيسابور فسئلت من المقرئين عن هذه القرائة فلم يعرفها أحد منهم حتّى رجعت إلى الري فسئلت بعض المقرئين عن هذه القرائة فقلت: من قرء «يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا ويساق المجرمون إلى جهنم وردا»؟ فقالوا لي: اين جئت بهذا؟ فقلت: وقع لي احتياج إلى معرفتها في أمر

٣٥٨

حدث، فقال: هذه قراءة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من رواية أهل البيتعليهم‌السلام ثم استحكاني السبب الذي من أجله سألت عن هذه القرائة فقصيت عليه القصة وصحت لي القرائة.

١٥٢ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد ابن سنان عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمتي ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وأهل بيتي؟.

١٥٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن شريك العامري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سأل على صلوات الله عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفسير قولهعزوجل :( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلى الرَّحْمنِ وَفْداً ) قال: يا عليُّ الوفد لا يكون إلّا ركبانا، أولئك رجال اتقوا اللهعزوجل فأحبهم، واختصهم ورضى أعمالهم، فسماهم الله متقين، ثم قال: يا عليُّ أما والذي فلق الحبة وبرىء النسمة انهم ليخرجون من قبورهم وبياض وجوههم كبياض الثلج، عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن، عليهم نعال الذهب شراكها من لؤلؤ يتلالأ.

١٥٤ ـ وفي حديث آخر قال: إنّ الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنة، عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت، وجلالها(١) الإستبرق والسندس وخطامها جذل الأرجوان(٢) وأزمتهم من زبرجد، فتطير بهم إلى المحشر، مع كل رجل منهم ألف ملك من قدامه وعن يمينه وعن شماله، يزفونهم(٣) حتّى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم، وعلى باب الجنة شجرة، الورقة منها يستظل تحتها مأة ألف

__________________

(١) جلال ـ ككتاب ـ جمع الجل وهو للدابة كالثوب للإنسان تصان به.

(٢) الجذل: أصل الشجر الخشبي والأرجوان: شجرة صغيرة الحجم من فصيلة القرنيات زهرها وردي يظهر في مطلع الربيع قبل الأوراق.

(٣) زف العروس إلى زوجها: أهداها، قال المجلسي (ره) في مرآة العقول أي يذهبون بهم على غاية الكرامة كما يزف العروس إلى زوجها.

٣٥٩

من الناس، وعن يمين الشجرة عين مطهرة مكوكبة(١) قال: فيسقون منها شربة فيطهر اللهعزوجل قلوبهم من الحسد ويسقط عن أبشارهم الشعر. وذلك قولهعزوجل :( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ) من تلك العين المطهرة، ثم يرجعون إلى عين اخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون منها، وهي عين الحيوة، فلا يموتون أبدا.

ثم قال: يوقف بهم قدام العرش وقد سلموا من الآفات والأسقام والحر والبرد، قال فيقول الجبار جل ذكره للملائكة الذين معهم: احشروا أوليائى إلى الجنة ولا تقفوهم مع الخلائق، قد سبق رضائى عنهم ووجبت لهم رحمتي، فكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات، فتسوقهم الملائكة إلى الجنة، فاذا انتهوا إلى باب الجنة الأعظم ضربوا الملائكة الحلقة ضربة فتصر صريرا(٢) فيبلغ صوت صريرها كل حوراء خلقها اللهعزوجل وأعدها لأوليائه، فيتباشروا إذ سمعوا صوت صرير الحلقة ويقول بعضهم لبعض: قد جاءنا أولياء الله فيفتح لهم الباب، فيدخلون الجنة ويشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين، فيقلن: مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا إليكم، ويقول لهم أولياء الله مثل ذلك، فقال على صلوات الله عليه: من هؤلاء يا رسول الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليُّ هؤلاء شيعتك المخلصون في ولايتك، وأنت امامهم وهو قول اللهعزوجل :( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلى الرَّحْمنِ وَفْداً ) على الرحائل،( وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْداً ) .

في روضة الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن محمد بن إسحق المدني عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن قول اللهعزوجل :( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلى الرَّحْمنِ وَفْداً ) فقال: يا عليُّ ان الوفد لا يكونون إلّا ركبانا، وذكر نحو ما في تفسير عليّ بن إبراهيم إلى قوله: ويقول لهن أولياء الله مثل ذلك.

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المصدر وكتاب الروضة والمنقول عنهما في البحار «مزكية» وهو الظاهر.

(٢) صر صريرا: صوت وصاح شديدا.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

ثمّ ما رأي السيوطي في قول عمر في خطبته : « لا يبقين أحد عنده كتاباً إلّا
أتاني به فأرى فيه رأيي » ، فظنوا أنّه يريد النظر فيها ليقوّمها على أمر لا يكون فيه
اختلاف ، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار (١) . كما بعث إلى الامصار يأمرهم : من كان
عنده شيء فليمحه؟ (٢) .

فيا هل ترى من هو الّذي أنكر الاحتجاج بالسنّة؟ ذلك الرافضي المنكود
حظه؟ أم هو عمر بن الخطاب المشهود رفضه؟

ثمّ هل من حقّنا ان نسأل السيوطي عن حكمه هل هو مخصوص بذلك
الرافضي؟ أم هو عام لكل من أنكر الاحتجاج بالسنّة؟ وهل يرضى أن يحكم به
على عمر؟ وهل يرضى بذلك علماء التبرير وهو منهم؟ ثمّ ماباله وهو من أهل
السنّة ، ومادام غيوراً على السنّة ، يستنكر ما قاله الرافضي الّذي حامى عن
حريم السنّة بأن لا تشوبها شوائب الكذابين ، بل كان الأولى أن يدعو له ويستغفر
له ، فهو يريد حماية السنّة لاعدم الاحتجاج بها ونبذها كمن قال : « حسبنا كتاب
الله وعندكم القرآن » ، بالله لقد صحّ المثل السائر : (رمتني بدائها وانسلّت) ،
وما علينا الآن إلّا أن نقول للسيوطي رضينا بك حَكَماً بيننا وبينك ورضينا
بحكمك على كلّ من قال بعدم الاحتجاج بالسنّة من الأولين والآخرين من أيّ
فرق المسلمين.

ويكفينا في إدانة السيوطي كتابه : (اللاليء المصنوعة في الأحاديث
الموضوعة) لماذا كتبه؟ أليس لتخليص السنّة من الشوائب. إذن فقول الرافضي
بعرض السنّة على الكتاب خير ميزان وليس فيه عين ، وكتابه المذكور لم يخلّص
_______________________

(١)طبقات ابن سعد ٥ / ١٨٨ ، وتقييد العلم للخطيب البغدادي.

(٢)جامع بيان العلم لابن عبد البر.

٤٢١

السنّة من كلّ شين.( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن
يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
) (١) .

وأخيراً فقد تبين لنا أنّ عمر إنّما قال : « حسبنا كتاب الله ، عليكم
بالقرآن » ليستفرد بالكتاب وهو الثقل الأكبر ويستبعد الثقل الأصغر وهم
العترة ، وسيّد العترة عليّ كما هو معلوم عند المسلمين ، وكان أبو بكر يقول
ذلك أيضاً (٢) . وليس معنى ذلك الاستبعاد لأهل البيت عن ساحة الخلافة ،
يعني بالضرورة أن لانجد عمر يتحدّث بفضائلهم كما كان أبو بكر يفعل
كذلك ، حتى لقد عقد المحب الطبري في الرياض النضرة باباً في ذكر ما
رواه أبو بكر في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام وباباً (في ذكر مارواه عمر في
عليّ) ، ووردت عنهما أحاديث كثيرة في فضائل أهل البيت ، يقف عليها
الطالب في كتب المناقب للخوارزمي الحنفي وابن المغازلي المالكي
والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي سوى ما أورده الحاكم في
المستدرك وابن عساكر الشافعي في تاريخ دمشق وغيرهم وغيرهم.
فالحديث بفضائل أهل البيت ليس بضارّ لهما بل ربّما أصابا منه نفعاً من
تطييب النفوس بإظهار المودة بعد ما تمّ استبعادهم عن الخلافة ، ثمّ
تجريدهم حتى من بعض اختصاصهم.

ألم يروي الطبراني في الأوسط وعنه الهيثمي في مجمع الزوائد عن عمر
قال : « لمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جئت أنا وأبو بكر إلى عليّ فقلنا ما تقول فيما ترك
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : نحن أحقّ الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فقلت والّذي بخيبر؟
_______________________

(١)يونس / ٣٥.

(٢)كنز العمال ١٥ / ١٠ ط حيدر آباد الثانية.

٤٢٢

قال : والّذي بخيبر ، قلت : والّذي بفدك؟ قال : والّذي بفدك. فقلت أما والله حتى
تحزّوا رقابنا بالمناشير فلا » (١) .

٥ ـ ماذا قال السندي في حاشيتيه على البخاري؟

قال : إنّ الأمر الصادر يفيد أنّه أمن من الضلال ، فالكتاب الّذي يريد
الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتبه سبب للأمن من الضلال ودوام الهداية. فكيف يخطر على
بال إنسان أنّه سيترتب عليه عقوبة أو فتنة أو عجز.

أمّا قوله : « حسبنا كتاب الله » لأنّه تعالى قال :( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن
شَيْءٍ
) (٢) ، ويقول :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٣) ، فكلّ من الآيتين لا يفيد الأمن
من الضلال ودوام الهداية للناس ، ولو كان كذلك لما وقع الضلال ، ولكن
الضلال والتفريق في الأمة قد وقع بحيث لا يرجى رفعه ، كما أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم
يقل لهم أنّ مراده أن يكتب لهم الأحكام حتى يقال على ذلك : إنّه يكفي فهمها
من كتاب الله ، ولو فرض أنّ مراد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كتابة بعض الأحكام ، فلعل النص
على تلك الأحكام منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبب للأمن من الضلالة. وعلى هذا لا وجه لقولهم :
« حسبنا كتاب الله » ، بل لو لم يكن فائدة النص إلّا الأمن من الضلالة لكان
مطلوباً جداً ، ولا يصح تركه للإعتماد على أنّ الكتاب جامع لكلّ شي ، كيف
والناس محتاجون إلى السنّة أشد احتياج مع كون الكتاب جامعاً ، وذلك لأنّ
الكتاب وإن كان جامعاً إلّا أنّه لا يقدر كلّ أحد على الإستخراج منه. وما يمكن
لهم استخراجه منه لا يقدر كلّ أحد استخراجه منه على وجه الصواب.

_______________________

(١)مجمع الزوائد ٩ / ٣٩.

(٢)الأنعام / ٣٨.

(٣)المائدة / ٣.

٤٢٣

ولهذا فوّض الله لرسوله البيان مع كون الكتاب جامعاً فقال تعالى لنبيّه :
( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١) ، ولاشك أنّ إستخراجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب على
وجه الصواب يكفي ويغني في كونه نصاً مطلوباً لنا ، لاسيما إذا أمرنا به ،
ولاسيما إذا وعد على ذلك الأمن من الضلال ، فما معنى قول « حسبنا كتاب
الله » بعد ذلك (٢) ؟

٦ ـ ماذا في القراءة الخلدونية(٣) ؟

ليس من جديد عند ابن خلدون سوى التفافه على حديث الدواة والكتف ،
بقفزة غير بارعة فطواه وطمس معالم الإدانة فيه في موضع مقدمته فقال :ـوهو
يذكر أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باحضار الدواة والقرطاس ليكتب صلّى الله عليه(وآله)
الوصيةـ: « وان عمر منع من ذلك » (!). ثمّ قال : « وما تدعيه الشيعة من وصيته
لعليّ رضي‌الله‌عنه وهو أمر لم يصح ولا نقله أحد من أئمة النقل.

والّذي وقع في الصحيح من طلب الدواة والقرطاس ليكتب الوصية وان
عمر منع من ذلك ، فدليل واضح على أنّه لم يقع » (٤) .

ثمّ عاد في تاريخه فقال : « في مرضهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثمّ جمع أصحابه فرحّب بهم
وعيناه تدمعان ودعا لهم كثيرأ وقال : (أوصيكم بتقوى الله وأوصي الله بكم واستخلفه
_______________________

(١)النحل / ٤٤.

(٢)حاشية السندي على صحيح البخاري ١ / ٣٣ ، نقلاً عن معالم الفتن لسعيد أيوب / ٢٦٠.

(٣)القراءة الخلدونية اسم لكتاب كان يدرس في الصف الأوّل من المدارس الإبتدائية في
العهد الملكي في العراق نسبة لمؤلفها أبن خلدون. وهزءاً بعقلية ابن خلدون في رأيه في
المقام شبّهنا ما لديه بما في القراءة الخلدونية.

(٤)مقدّمة ابن خلدون / ٣٨٠ ط دار الكتاب اللبناني.

٤٢٤

عليكم ، وأودّعكم إليه إني لكم نذير وبشير ألّا تعلوا على الله في بلاده وعباده فإنه قال
لي ولكم : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
) (١) ، وقال :( أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ) (٢) ).

ثمّ سألوه عن مغسِّله؟ فقال : (الأدنون من أهلي).

وسألوه عن الكفن؟ فقال : (في ثيابي هذه أو بياض مصر أوحلّة يمانية).

وسألوه عن الصلاة عليه؟ فقال : (دعوني على سريري في بيتي على شفير
قبري ، ثمّ اخرجوا عني ساعة ، حتى تصلي عليّ الملائكة ، ثمّ ادخلوا فوجاً بعد
فوج فصلّوا وليبدأ رجال من أهل بيتي ثمّ نساؤهم).

وسألوه عمّن يدخله القبر؟ فقال : (أهلي).

ثمّ قال : (إئتوني بدواة وقرطاس ، اكتب لكم كتاباً لاتضلّون بعده) فتنازعوا
وقال بعضهم : إنه يهجر ، وقال بعضهم : أهجر؟ يستفهم ، ثمّ ذهبوا يعيدون عليه ، ثمّ
قال : (دعوني فما أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه). وأوصى بثلاث : أن يخرجوا
المشركين من جزيرة العرب ، وأن يجيزوا الوفد كما كان يجيزهم. وسكت عن
الثالثة أو نسيها الراوي ، وأوصى بالأنصار فقال : (إنّهم كرشي وعيلتي الّتي أويت
إليها ، فأكرموا كريمهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم ، فقد اصبحتم يامعشر المهاجرين
تزيدون والأنصار لا يزيدون). ثمّ قال : (سدّوا هذه الأبواب في المسجد إلّا باب
أبي بكر فإنّي لا أعلم أمرءاً أفضل يداً عندي في الصحبة من أبي بكر ولو كنت
متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن صحبة إخاء وإيمان حتى يجمعنا الله
عنده).

_______________________

(١)القصص / ٨٣.

(٢)العنكبوت / ٦٨.

٤٢٥

ثمّ ثقل به الوجع واغمي عليه ، فاجتمع إليه نساؤه وبنوه ، وأهل بيته والعباس
وعليّ.

ثمّ حضر وقت الصلاه فقال : (مروا أبا بكر فليصل بالناس) فقالت عائشة :
« إنّه رجل أسيف لايستطيع أن يقوم مقامك فمر عمر ». فامتنع عمر وصلّى أبو
بكر ، ووجد رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم خفّة فخرج ، فلمّا اُحس به
أبو بكر تأخر فجذبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقامه مكانه ، وقرأ من حيث انتهى أبو بكر ثمّ
كان أبو بكر يصلي بصلاته والناس بصلاة أبي بكر.

قيل صلوا كذلك سبع عشرة صلاة. وكان يدخل يده في القدح وهو في
النزع فيمسح وجهه في الماء ويقول : (اللّهم أعنّي على سكرات الموت).

فلمّا كان يوم الاثنين وهو يوم وفاته خرج إلى صلاة الصبح عاصباً رأسه ،
وأبو بكر يصلي فنكص عن صلاته ورده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده صلّى قاعداً على
يمينه ثمّ أقبل على الناس بعد الصلاة فوعظهم وذكرهم. ولمّا فرغ من كلامه قال
له أبو بكر : « إنّي أراك قد أصبحت بنعمة الله وفضله كما تحب » ، وخرج إلى
أهله في السنح ، ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته فاضطجع في حجرة عائشة. ودخل
عبد الرحمن بن أبي بكر عليه وفي يده سواك أخضر فنظر إليه وعرفت عائشة أنّه
يريده قالت : « فمضغته حتى لانَ واعطيته إياه فاستنّ به ثمّ وضعه » ، ثمّ ثقل في
حجري (١) فذهبت أنظر في وجهه ، فإذا بصره قد شخص وهو يقول : (الرفيق
_______________________

(١)وابن خلدون حين يروي لنا حديث عائشة عن السواك الأخضر الّذي بيد عبد الرحمن
بن أبي بكر ومضغ عائشة له وأعطته للنبيّ فاستنّ به ثمّ وضعه ثمّ ثقل في حجرها
الخ ولم يعقّب عليه بشيء ، وكأنه مصدّق به ، ومهما تباله الراوي وأستغفل القارئ فلا
يكاد يُصدّق بأن إنساناً في حالة النزع يمكنه أخذ السواك ليستنّ به. وما أدري كيف غفل
ابن خلدون أو تغافل عن ذكر تتمة معزوفة السواك الّذي مضغته السيدة عائشة حين
قالتـفجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا (سير أعلام النبلاء للذهبي

٤٢٦

الأعلى من الجنة) ، فعلمت أنّه خُيّر فأختار. وكانت تقول : قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين
سحري ونحري وذلك نصف نهار يوم الاثنين لليلتين من شهر ربيع الأوّل... » (١) .

هذا ما أردنا نقله من قراءة ابن خلدون في مقدمته وتاريخه ، لنوقف القارئ
على تخبطه في عرض ماجرى في فترة مرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحتى وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكأنّه قد جنّد نفسه لتكثيف حضور أبي بكر وآل أبي بكر. فأبو بكر فهم
نعي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه حين قال : (انّ عبداً من عباد الله خيّره الله بين الدنيا وبين
ماعنده) ، وفهمها أبو بكر فبكى فقال : « بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا » فقال : (على
رسلك يا أبا بكر)؟

وأبو بكر يحظى ببقاء بابه شارعاً إلى المسجد وتغلق سائر الأبواب غير بابه؟

وأبو بكر يؤمر بالصلاة دون غيره؟ وأخيراً أضطجع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجرة ابنة
أبي بكر ، وعبد الرحمن بن أبي بكر يدخل وفي يده سواك أخضر فينظر إليه
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعلم عائشة ابنة أبي بكر أنّه يريده فتأخذه وتمضغه حتى لان وتعطيه
فيستنّ به. وأخيراً توفي وهو في حجرها وبين سحرها ونحرها. فهذا الحضور
المكثّف لأبي بكر وآل أبي بكر يثير التساؤل عن عمل أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبقية
نسائه أين كانوا وماذا كان في حضورهم؟ في قراءة أبن خلدون؟

_______________________

١ / ٤٣١ نقلاً عن البخاري. وفي الهامش تخريجه عن مسلم في صحيحه ، والقرطبي في
تفسيره ، والبيهقي في سننه الكبرى ، والتبريزي في مشكاة المصابيح ، والزبيدي في
اتحاف السادة المتقين ، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار ، وابن حجر في فتح
الباري. فراجع موارد ذكرهم).

وفي لفظ آخر : وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت (سير أعلام النبلاء ١ / ٤٣١)
نقلاً عن البخاري ، وفي الهامش مصادر تخريجه فراجع ، ولعل الرجل كان على قدر من
الحكنة أحسّ بأن ذكر الحبكة بجميع خيوطها سيكشف للقاريء عن زيفها جملة
وتفصيلاً.

(١)تاريخ ابن خلدون ٢ / ٨٤٩ ط دار الكتاب اللبناني.

٤٢٧

ألم يقرأ ابن خلدون حديث سلمان الفارسي قال : « دخلت عليهـأي على
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـصبيحة يوم قبل اليوم الّذي مات فيه فقال لي : (ياسلمان ألا تسأل عما
كابدته الليلة من الألم والسهر أنا وعليّ) فقلت يا رسول الله : ألا أسهر الليلة
معك بدله؟ فقال : (لا هو أحق بذلك منك) » (١) .

ألم يقرأ ابن خلدون حديث حذيفة قال : « كان عليّ أسند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
إلى ظهره فقلت لعليّ هلمّ أراوحك؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (هو أحق به) »(٢) .

وإذا كان ابن خلدون لم يقرأ ذلك ، فهل هو لم يقرأ. حضور العباس
وحديث اللدود (٣) ؟ قال ابن أبي الحديد : « وقد وقع اتفاق المحدثين كلّهم
على انّ العباس كان ملازماً للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيام مرضه في بيت عائشة وهذا
لاينكره أحد » (٤) .

وهو لم يقرأ حديث مسارّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابنته فاطمة؟ مرتين بكت في الاُولى
وضحكت في الثانية وهذا ما رواه الشيخان وغيرهما ممّا جل عن البيان (٥) .

وهو لم يقرأ حديث ابن عباس : « إنه خرج في مرضه الّذي مات فيه
عاصباً رأسه بعصابة دسماء ملتحفاً بملحفة على منكبيه فجلس على المنبر
وأوصى بالأنصار فكان آخر مجلس جلسه » (٦) .

_______________________

(١)شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ / ٥٩١ ط مصر الأولى.

(٢)ذخائر العقبى / ٩٥ ط القدسي.

(٣)سيرة ابن هشام تح‍ السقا ورفاقه ٤ / ٢٢٥ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ٢٣٢ ، وتاريخ الطبري ٣ /
١٨٨ ـ ١٨٩ و ١٩٥ وغيرها.

(٤)شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٥٩١ ط الاُولى و ١٠ / ٢٦٨ ط محققة بمصر.

(٥)صحيح البخاري برقم ٦٢٨٥ و ٦٢٨٦ ، وصحيح مسلم برقم ٢٤٥٠ و ٢٤٥٠ / ٩٨ و ٢٤٥٠ / ٩٩ ،
وسنن ابن ماجه / ٢٦٢١ ، ومسند أحمد ٦ / ٢٨٢ ، وطبقات ابن سعد ٢ ق ، ومشكل الآثار
للطحاوي ١ / ٤٨ ، ومشكاة المصابيح للتبريزي / ٦١٢٩ ، وحلية أبي نعيم ٢ / ٤٠ ، وغيرها.

(٦)صحيح البخاري برقم ٣٧٩٩ و ٣٨٠١ وغيره.

٤٢٨

وهو لم يقرأ حديث الفضل بن العباس : « وقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا فضل شدّ
هذه العصابة على رأسي فشدّها... الخ » (١) .

وهو لم يقرأ حديث أم الفضل قالت : « خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عاصب
رأسه في مرضه وصلّى بنا المغرب فقرأ بالمرسلات ، فما صلّى بعدها حتى لقي
الله تعالى » (٢) .

وهو لم يقرأ حديث أم ألمؤمنين زينب : « ـ وهي تقول لأصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
الّذين لغطوا عندما أمر بأحضار الدواة وصحيفة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده
أبداًـفقال عمر بن الخطاب من لفلانة وفلانةـمدائن الرومـإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
ليس بميّت حتى نفتتحها ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى
فقالت زينب زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا تسمعون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعهد اليكم فلغطوا فقال :
(قوموا) ، فلمّا قاموا قُبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكانه »(٣) .

وهو لم يقرأ حديث أم المؤمنين أم سلمة قالت : « والّذي أحلف به إن
كان عليّ لأقرب الناس عهداً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت عدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة
بعد غداة يقول : جاء عليّـمراراًـقالت : وأظنه كان بعثه في حاجة قالت :
فجاء بعد وظننت إنّ له عليه حاجة ، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب
فكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه عليّ فجعل يسارّه ويناجيه ، ثمّ
قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يومه ذلك فكان أقرب الناس به عهداً »(٤) .

_______________________

(١)طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٤٥.

(٢)مسند أحمد ٣ / ٩١.

(٣)طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٣٨ ط ليدن.

(٤)مسند أحمد ٦ / ٣٠٠ ، والخصائص للنسائي / ٤٠ ط التقدم ، ومستدرك الحاكم ٣ / ١٣٨ـ١٣٩ ،
وغيرها.

٤٢٩

وإذا كان ابن خلدون لم يقرأ كلّ ذلك ، فهل يعقل أنّه لم يقرأ ما روته
عائشة وأخرجه البخاري عنها مكرراً وكلاهما عنده في المقام الأسمى من
خروجه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متوكئاً على العباس ورجلـهو عليّـولكن عائشة لا تطيق لها
نفس أن تذكره بخير وهي تستطيع كما قال ابن عباس فيما رواه الطبري (١) .

ألم يقرأ ابن خلدون هذا الحضور لعليّ والعباس عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد خرج
متوكئاً عليهما حين صلّى أبو بكر فنحّاه وصلّى هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس؟ أوليس هذا في
صحيح البخاري وتاريخ الطبري وطبقات ابن سعد ، وابن خلدون قد رأى تلك
الكتب جميعها وأخذ عنها خصوصاً عن كتاب الطبري الّذي قال عنهـفي ذكره
أمر الجملـاعتمدناه للوثوق به لسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن
قتيبة.

ثمّ ما بال الناس الّذين سألوه عن مغسّله وكفنه والصلاة عليه وحتى عمّن
يدخله القبر ، ما بالهم لم يسألوه عمّن يتولى أمرهم من بعده؟

ثمّ ما بالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقدم أبا بكر للصلاة عليه أولاً مادام قد أمر بتقديمه
للصلاة بالمسلمين مكانه كما يروي ابن خلدون وغيره؟ ولندع ذكر ما في قراءة
ابن خلدون من مثار التساؤل ، ونعود إلى إنكاره الوصية للإمام كما مرّ عن
مقدمته. وإلى إقراره بأن الّذي منع من كتابة ذلك هو عمر ، وما صرّح به ثانياً بأنّ
الّذي منع قال : « أنّه يهجر » فتكون النتيجة ماسبق أن ذكرناه في (ماذا قال عمر؟)
وأنّه الّذي قال : « انّ الرجل ليهجر ».

_______________________

(١)تاريخ الطبري ٢ / ٤٣٣ ، صحيح البخاري ١ / ١٣٥ باب إنّما جُعل الإمام ليؤتم به... ط
بولاق.

٤٣٠

وأمّا كون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكتب الكتاب لمنع عمر ليس يعني أنّه لم يكن قد
أوصى عليّاً ، فما نعى به على الشيعة في ذلك ، وزعم أنّه أمر لم يصح ولا نقله أحد
من أئمة النقل. فنقول له إنه أمر صحيح ونقله جماعة من أئمة النقل.

ونحن لا نطيل الوقوف معه في سرد ما يستدل به الشيعة على وصاية عليّ
عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لم يكن دليلهم منحصراً بذلك الكتاب الّذي أرادصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتبه
ومنع عمر منه فلم يقع. فإن لديهم من الأدلة الأخرى والّتي رووها عن مصادرهم
ومصادر غيرهم وفي هذا القسم الثاني ما يرغم ابن خلدون على قبول أحاديثهم
ففيها من صحاح قومه وسننهم ومسانيدهم وتواريخهم ، وفيها أحاديث دلت على
أنّ عليّاً كان وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل يوم الخميس يوم حديث الرزية ، بل
كان هو وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يوم بدء الدعوة كما في حديث الإنذار. وإليك
بعض ما جاء في ذلك صريحاً بالوصية :

١ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم)(١) .

٢ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فأنت أخي ووزيري ووصي وخليفتي من بعدي ...)(٢) .

فإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله وصياً واختاره أخاً ووزيراً ووصياً ووارثاً
وخليفةً من بعده منذ بدء الدعوة وحتى سائر المشاهد بعد ذلك وفيها أكثر من
شاهد ، فما ذنب الشيعة إذا آمنوا بصحّة ما رواه أسلافهم وأخلافهم ، ووافقهم
عليه سواهم من لم يمنعهم خلافهم. وحديث الوصية شائع ذائع هتف به الصحابه
شعراً ونثراً ، ولم ينكر عليهم أحد ذلك.

_______________________

(١)أنظر تاريخ الطبري ٢ / ٢١٦ ط الحسينية ، و ٢ / ٣١٩ ط دار المعارف ، و ٣ / ١١٧٢ ط ليدن ،
وكنز العمال ٦ / ٣٩٢ـ٣٩٧ ط الاُولى حيدر آباد ، و ١٥ / ١٠٠ ط الثانية حيدر آباد ، نقلاً عن
ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي كليهما في
الدلائل.

(٢)أنظر السيرة الحلبية ١ / ٢٨٦ ط البهية : عن ابن جرير والبغوي انهما رويا ذلك.

٤٣١

قال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفيـعلى ما بباليـ: « وممّا رويته من
الشعر القول صدر الإسلام المتضمّن كونه عليه‌السلام وصيّ رسول الله قول عبد الله بن
أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب :

ومنا عليّ ذاك صاحبُ خيبرٍ

وصاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصيّ النبيّ المصطفى وابن عمّه

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

ـثمّ استطرد يذكر أشعاراً لجماعة من الصحابة في ذلك منهم : عبد
الرحمن بن جعيل ، وأبو الهيثم بن التيهانـوكان بدرياًـوعمر بن حارثة
الأنصاري ، وسعيد بن قيس الهمداني ، وزياد بن لبيد الأنصاري ، وحجر بن عدي
الكندي ، وخزيمة بن ثابت الأنصاري ذي الشهادتينـوكان بدرياًـوابن بديل
بن ورقاء الخزاعي ، وعمرو بن أحيحة ، وزحر بن قيس الجعفي ...ـوقال بعد ذكر
أشعار هؤلاء العشرةـذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف لوط بن
يحيى في كتاب وقعة الجمل ، وأبو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة
الإمامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولامعدوداً من رجالها ثمّ قال :

وممّا رويناه من أشعار صفين الّتي تتضمن من تسميتهعليه‌السلام بالوصي ماذكره
نصر بن مزاحم بن يسار المنقري في كتاب صفين وهو من رجال الحديث ، ثمّ
ذكر أشعاراً وأراجيز لكل من الإمام أمير المؤمنين نفسه ، وللأشعث بن قيس ،
وزحر بن قيس أيضاً ، وجرير بن عبد الله البجلي ، والنعمان بن عجلان الأنصاري ،
وعبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي ، والمغيرة بن الحرث بن عبد المطلب وأخيراً
قول صاحبنا عبد الله بن عباس حبر الأمة :

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه إن قيل هلمن منازل

فدونكه إن كنت تبغي مهاجرا

أشمكنصلالسيف غير حلاحل

٤٣٢

ـثمّ ختم ابن الحديد ذلك بقوله :ـوالأشعار الّتي تتضمن هذه اللفظة
كثيرة جداً ، ولكنا ذكرنا منها ههنا بعض ماقيل في هذين الحربينـيعني الجمل
وصفينـفأما ما عداهما فإنه يجلّ عن الحصر ، ويعظم عن الإحصاء والعدّ : ولولا
خوف الملالة والإضجار ، لذكرنا من ذلك مايملأ أوراقاً كثيرة اه‍ » (١) .

ولنعم ما استدل به عبد الرزاق الصنعاني صاحب المصنف فقد ذكر فيه
بسنده عن معمر عن قتادة أنّ عليّاً قضى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشياء بعد وفاته كان عامتها
عِدَة. قال : حسبت أنّه قال خمس مائة ألف.

قال عبد الرزاق : يعني دراهم.

قلنا لعبد الرزاق وكيف قضى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصى إليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك؟

قال : نعم لا أشك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى إلى عليّ ، فلولا ذلك ما تركوه أن
يقضي (٢) .

فبعد هذا كيف يستنكر ابن خلدون ما تدّعيه الشيعة من وصية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
لعليّ عليه‌السلام ومادام هو نفسه اعترف بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بإحضار دواة وقرطاس
ليكتب لأمته كتاباً لن يضلوا بعده أبداً ، واعترف أيضاً بأنّ عمر هو الّذي منع ،
واعترف بأنّ بعضهمـالمانعينـقال : (إنّه يهجر). ولم يكن ذلك إلّا عمر. فما
دام ابن خلدون اعترف بجميع ذلك عليه أن يذعن بصحة ما تدعيه الشيعة ، لأن
ذلك ورد في اعترافات عمر ، كما ذكرنا في (عمريون أكثر من عمر).

_______________________

(١)شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٤٧ ط الاُولى بمصر. وقد ترجم المرحوم السيد هاشم
البحراني في كتابه التحفة البهية طائفة من أقوال قدماء الشعراء المتضمنة انّ أمير
المؤمنين عليه‌السلام وصي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فناهزت التسعين ، وما فاته منهم ومن أشعار المحدّثين
أضعاف ذلك.

(٢)أنظر المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٢٩٤.

٤٣٣

فقد اعترف لابن عباس حبر الأمةـفي حديث بينهما حول الإمام
والخلافةـ: « ولقد أرادـرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـفي أنّ يصرّح باسمهـيعني عليّاًـ
فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام ».

وقال مرة أخرى في محاورة بينهما في الموضوع نفسه : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
أراد ذلك وأراد الله غيره فنفذ مراد الله ولم ينفذ مراد رسوله »؟!

وقال في مرة ثالثة : « لقد كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذرواً من قول لايثبت حجة
ولايقطع عذراً ».

إلى آخر ما هنالك من اعترافات خطيرة ذكرناها هناك فليرجع إليها من
شاء.

والّذي يلفت النظر في القراءة الخلدونية التصريح بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي
عيّن قبره في بيته فقال : (دعوني على سريري في بيتي على شفير قبري) ، فهو لم
يترك ذلك مجهولاً حتى يحار أهل البيت في مكان دفنه فينقذهم من الحيرة أبو
بكر بتعيين المكان كما يحلو رواية ذلك للبكريين ، كما إنّ في تصريحه ذلك أيضاً
نفي لمن زعم أنّ البيت هو لعائشة بل هو بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما لها حجرتها فيه.

ومهما قيل عن فهم ابن خلدون في الاجتماع وفلسفة التاريخ فهو غير بارع
في التحوير ، ولا أمين في العرض كما رأيناه فيما مرّ من خلط عنده وخبط ممّا
لايخفى على القارئ النبيه.

وإن لم يكن هو بدعاً في ذلك فقد رأينا قبله من وافق ابن خلدون في
هواه ، ومن بعده من شايعه على دعواه ، وذلك هو الشهاب الخفاجي الّذي
بهت الشيعة كما بهتهم ابن خلدون ، فقال : « وقد ادعى الرافضة أنّ الكتاب

٤٣٤

الّذي أراد النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم كتابته كان فيه الوصية بخلافة
عليّ ، فلذا منع منه عمر. وهو كذب منهم عليه » (١) .

وبقيت تهمته للشيعة بوضع حديث الرزية منطوقاً ومفهوماً حتى الأمس
القريب. ألم يقل محمّد عزة دروزة في كتابه (تاريخ العرب في الإسلام
تحت راية الخلفاء الراشدين) : « ونحن لا نستبعد أن تكون الرواية من
مصنوعات الشيعة المتأخرين » (٢) .

أقول : ونحن قد ذكرنا مصادر الرواية وعرضنا أسماء الرواة حسب القرون
ولم نذكر فيهم من الشيعة أحداً ، فهل كلّ أُولئك الحفاظ كانوا في غفلة عما رآه
دروزة أو أنها منه طعنة الهمزة اللمزة!

والرجل بالرغم من كثرة كتبه التأريخية لا أراه إلّا راجلاً في تميز
أحداث التاريخ ، ولست متجنياً عليه ، فهنا يقرأ له قوله بعد ذكر رواية
الطبري في إجبار أمير المؤمنين على البيعة لأبي بكر : « ونرجح أنّ هذا
الخبر مصنوع مدسوس من الشيعة » (٣) ، ولم يَزَل يرسل في غير سدد ، حتى
جعل رواية أبي بكر في مطالبة الزهراء عليها‌السلام بفدك فروى لها « إنا لا
نورّث ما تركناه صدقة » ، هي نهاية الخصام وبها انقطع الكلام ، ولعلّه يحاول
من طرف خفي إشارة إلى الوئام فقال : « ويكون ماعدا ذلك من مزيدات
الشيعة ومدسوساتهم » (٤) .

_______________________

(١)نسيم الرياض بشرح الشفاء للقاضي عياض للشهاب الخفاجي ٤ / ٢٨٤ ط أفست دار
الكتاب العربي بيروت.

(٢)تاريخ العرب في الإسلام تحت راية الخلفاء الراشدين / ١٦ ـ١٧.

(٣)نفس المصدر / ١٦ ـ ١٧.

(٤)نفس المصدر.

٤٣٥

وكم له ولغيره من تهم بهتوا بها الشيعة ، ومرّت نحو هذه النغمة عن غيره ،
ومهما يكن فالجواب على بهتانه ، يعلم ممّا مرّ في ردّ ابن خلدون وبطلانه وممّا
مرّ فيما سبق من بيان ماذا أراد أن يكتبه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فراجع.

ثمّ إنّ من الغريب من ابن خلدون وأضرابه من الناصبة ذكرهم لقول
عائشة : « مات بين سحري ونحري » ، من دون أي تعليق عليه ، أو توجيه له ،
مع أنّها لمّا حدثت به من سألها عن مرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجاء السائل فذكر
ذلك لحبر الأمة عبد الله بن عباس فاستنكر عليه قولها وأبى تصديقها في
زعمها ، فقال له : « أتعقل والله لتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنه لمستند إلى
صدر عليّ » (١) ، وفي حديث ثانٍ رواه الطبراني عن ابن عباس قال : « جاء ملك
الموت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الّذي قبض فيه فأستأذن ورأسه في
حجر عليّ » (٢) .

وفي حديث ثالث عن ابن عباس أيضاً : « انّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثقل وعنده عائشة
وحفصة إذ دخل عليّ عليه‌السلام فلمّا رآه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع رأسه ثمّ قال أدن مني
أدن مني فأسنده إليه فلم يزل عنده حتى توفي » (٣) .

فهذا يعني أنّ قول عائشة لم يكن متفقاً على صحته بل هو مرفوض من قبل
حبر الأمة عبد الله بن عباس وهو من أهل البيت الّذين كانوا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين
الوفاة. فكان على من يقول بقول عائشة معالجة ماورد عن ابن عباس في رفضه ،
_______________________

(١)طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ط ليدن.

(٢)مجمع الزوائد ٩ / ٣٥.

(٣)نفس المصدر ٩ / ٣٦.

٤٣٦

وليعلم القارئ أنّه لم يكن ابن عباس وحده يرفض ذلك فعن أم سلمة ورد مثل
ذلك كما مرّ (١) وعن عمر مايؤيده أيضاً(٢) .

أيّهما الشفيق الرفيق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم عمر؟

لقد مرّت بنا كلمة عمرـمراراًـ« فمنعت من ذلك اشفاقاً وحيطة على
الإسلام »؟ كما مرّ في أقوال علماء التبرير انّ ذلك اشفاقاً منه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
ومرت كلمته الأخرى : « أراد أن يذكره للأمر في مرضه فصددت عنه خوفاً من
الفتنة » ، وليس فيها من الشفقة شيء ، وقد استوجب ذلك علينا أن نعمل الموازنة
في الشفقة على المسلمين والرفق بهم بين الرسول الكريم الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبين عمر.

وإنّها من سخرية القدر واحدى الكبر ، ولكن فرضها علينا أبناء عمر ورددها
الببغائيون فلا ضير ولاجير في ذلك :

فالرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي وصفه الله تعالى بقوله :( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ
عَظِيمٍ
) (٣) ، وقال فيه تعالى مخاطباً المؤمنين :( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
) (٤) ، فهل بعد هذا من
مجال للقول؟ أم هل يكون من المقبول والمعقول أن لايكون شفيقاً رفيقاً
بالمؤمنين ويكون عمر هو الشفيق الرفيق فيحتاط على الإسلام ويخاف الفتنة؟!

_______________________

(١)مسند أحمد ٦ / ٣٠٠ ط مصر الاُولى ، والخصائص للنسائي / ٤٠ ط التقدم بمصر ،
ومستدرك الحاكم ٣ / ١٣٨ـ١٣٩ ، والرياض النضرة ٢ / ١٨٠ ط الخانجي ، وذخائر العقبى
/ ٧٢ ط القدسي ، ومجمع الزوائد ٩ / ١١٢ ، وتذكرة الخواص / ٤٧ ط الغري.

(٢)طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٥١.

(٣)القلم / ٤.

(٤)التوبة / ١٢٨.

٤٣٧

سبحانك اللّهم إن هذا إلّا بهتان عظيم. وإشفاق عمر على من؟ أعلى
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد صدمه بكلمته حتى أغمي عليه! أم على المسلمين وقد أضاع
عليهم نعمة الإعتصام من الضلالة بالكتاب؟ وكيف يصدق ذلك إنسان في مثل
عمر الّذي كان في أخلاقه وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرةـكما وصفه أبن أبي
الحديدـوهو ممّن لايتهم عليه (١) فهل يُصدّق في زعمه؟ اشفاقاً وحيطةً على
الإسلام؟

وعمر هو الّذي قال فيه الصحابة لأبي بكر حين أراد استخلافه عليهم بعده :
« تستخلف علينا فظاً غليظاً ، فلو قد ولينا كان أفظ وأغلظ فما تقول لربك إذا
لقيته » (٢) .

وعمر هو الّذي خطب في الناس فقال : « بلغني انّ الناس قد هابوا شدتي ،
وخافوا غلظتي ، قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أظهرنا ، ثمّ أشتد علينا
وأبو بكر رضي‌الله‌عنه والينا دونه ، فكيف الآن وقد صارت الأمور إليه. ولعمري من قال
ذلك فقد صدق » (٣) .

وهو الّذي وصف الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبته الشقشقية أيامه
وطبيعته في الحكم فليرجع إليها.

أهكذا إنسان يمكن أن يوصف بأن ماصدر منه بتلك الغلظة والشدة ، ونبّو الكلمة
وجفوة اللهجة ، كان منه ذلك إشفاقاً وحيطةً وخوف الفتنة!! والرسول الصادق الأمين
الّذي يسدّده الوحي ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (٤) ، ويقول
_______________________

(١)شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ١٨٣ ط محققة.

(٢)كنز العمال ٣ / ١٣٦ ط الأولى.

(٣)اُنظر حياة الحيوان للدميري ١ / ٤٩.

(٤)النجم / ٣ ـ ٤.

٤٣٨

لأمته : (ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً) ليس شفيقاً
على أمته!؟ وعمر بمنعه يكون منه اشفاقاً وحيطة على الإسلام؟! ولامجال لأن
يكونا معاً شفيقين لتعارضهما في مورد الشفقة ، وهكذا تضيع المقاييس عند ضياع
العقول في متاهات الهوى ، فما ذكر من تعليل زعم الشفقة من عمر تعليل عليل ،
وليس هو بمقبول ، حتى لدى السذج وبسطاء العقول ، فضلاً عن النابهين
والباحثين من العلماء الواعين.

عملية التزوير من أنحاء التبرير :

لمّا كان حديث الكتف والدواة واضح الدلالة على أنّ المراد منه كان هو
تأكيد النص على ولاية عليّ عليه‌السلام ولذلك منع منه عمر كما أعترف هو بذلك ،
وقد مرّ ذكره والإشارة إليه مراراً. وكذلك فهمه من تابعه على منعه. ولكن
تعرض للمسخ والتشويه والتشكيك ولم يسلم من زبانية الوضاعين ، ويزيد القارئ
إيماناً بأنّهم فهموا ذلك منه ، ما تشبث به رواة السوء وسجلته الأقلام المشبوهة
تشويهاً للحقيقة ، وإمعاناً في غثيثة التزوير حيث انبرى فريق منهم إلى مسخ أصل
الحديث وتحوير نصه ، بعد ان عجزوا في تبرير ما قاله عمر وما ساقوه من أعذار
تافهة. فذكروا انّ الحديث كان لصالح أبي بكر ، فرووا في ذلك عن عائشة وعن
أخيها عبد الرحمن. فقد أخرج مسلم وأحمد والبغوي وغيرهم عن عائشة قالت :
« قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي مات فيه : (ادعي لي عبد الرحمن بن أبي
بكر أكتب لأبي بكر كتاباً لايختلف عليه أحد). ثمّ قال : (معاذ الله أن يختلف
المؤمنون في أبي بكر) » (١) .

_______________________

(١)وروى نحو هذا الحديث كثير من المؤلفين في الحديث والتاريخ. فراجع مصابيح السنّة
للبغوي ٢ / ١٩٤ ، وصواعق ابن حجر / ١٣ ، ومشكاة المصابيح ٣ / ٢٢٠ ، وشرح مشارق الأنوار

٤٣٩

وأخرج ابن عساكر كما نقله عنه المتقي في كنز العمال عن عبد الرحمن
ابن أبي بكر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : (إئتني بدواة وكتف أكتب كتاباً لاتضلوا
بعده أبداً). ثمّ قال : (يأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر) (١) .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : « وضعوه في مقابلة الحديث المروي
عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه : (إئتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لاتضلون بعده أبداً) ،
فاختلفوا عنده ، وقال قوم لقد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله » (٢) .

وفي قول هذا المعتزلي وهو غير متهم على الوضاعين البكريين وهو من
علماء التبرير أيضاً. ما يغني عن التعليق على ما في الحديثين من نظر ، وفيه
مايكفينا للتدليل على كذب الحديثين.

ففي آخر الحديث الأوّل : (معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر)
وهذا ما قد وقع في السقيفة وخارجها ، وتخلف عن بيعته أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه
بنو هاشم وتخلف عنها سعد بن عبادة ومن معه من الأنصار وتخلف عنها سلمان
وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة و و و فهل يجرأ أحد ان يقول هؤلاء جميعاً
ليسوا من المؤمنينـوالعياذ باللهـمعاذ الله أن يقول ذلك أحد ، كيف وهم من
خيرة المؤمنين وفيهم أوّل المؤمنين إيماناً وهو عليّ عليه‌السلام .

فمعاذ الله أيضاً أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كذلك.

_______________________

لابن الملك ٢ / ٢٥٨ ، وبهجة المحافل للعامري ، وشرح البهجة للأشخر اليماني ، ونور
الأبصار للشبلنجي ، وقد مرّ اعتماد ابن حزم في كتابه الأحكام ٧ / ١٢٣ على هذا الحديث
في حل ما أستشكل عليه من حديث أبن عباس في حديث الرزية. ومرّ منا التعقيب عليه
في أقوال علماء التبرير.

(١)تهذيب تاريخ ابن عساكر ٣ / ١٣٩ ، ومنهاج السنّة لابن تيمية ٣ / ١٣٥ ط الاُولى. وغير ذلك.

(٢)شرح النهج لابن أبي الحديد ٣ / ١٧ ط الاُولى.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487