موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٢

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-502-3
الصفحات: 357

موسوعة عبد الله بن عبّاس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: ISBN: 964-319-502-3
الصفحات: 357
المشاهدات: 61153
تحميل: 4136


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61153 / تحميل: 4136
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 964-319-502-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفي حديث له عن الزهري قال : « لمّا أستخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار فقال أشيروا عليّ في قتل هذا الّذي فتق في الدين ما فتق؟ فأجمع رأي المهاجرين والأنصار على كلمة واحدة يشجّعون عثمان على قتله »(1) .

وروى عبد الرزاق في المصنف في حديث له : « قال الزهري وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر قال : يرحم الله حفصة إن كانت لممن شجّع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة »(2) .

وأخرج البيهقي في سننه حديثاً عن عبيد الله بن عبيد بن عمير جاء فيه : « فقيل لعمر إنّ عبيد الله قتل الهرمزان قال : ولم قتله؟ قال انّه قتل أبي قال عمر ما أدري ما هذا؟ انظروا إذا أنا متّ فأسألوا عبيد الله البينة على الهرمزان هو قتلني؟ فإن أقام البيّنة فدمه بدمي ، وإن لم يقم البيّنة فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان. فلمّا ولي عثمان قيل له : ألا تمضي وصية عمر في عبيد الله؟ »(3) .

وذكر اليعقوبي : انّه أكثر الناس في دم الهرمزان وإمساك عثمان عبيد الله بن عمر ، فصعد المنبر فخطب الناس ثمّ قال : ألا إنّي ولي دم الهرمزان وقد وهبته لله ولعمر وتركته لدم عمر.

فقام المقداد بن عمرو فقال : إن الهرمزان مولى لله ولرسوله ، وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله قال : فننظر وتنظرون. ثمّ أخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة وأنزله داراً فنسب الموضع إليه (كويفة بن عمر) وروى غير واحد أبيات زياد بن لبيد البياضي وهو من الأنصار :

__________________

(1) نفس المصدر.

(2) المصنف لعبد الرزاق 5 / 480.

(3) السنن الكبرى 8 / 61.

١٦١

أبا عمروٍ عبيد الله رهـن

فلا تـشكك بقتل الهرمزان

فإنّك إن غفرت الجرم عنه

وأسباب الخطا فرسا رهان

أتعفو إذ عفوتَ بغير حقّ

فما لك بالذي تحكي يدان(1)

إلى آخر ما هنالك من ملابسات القضية ، وكلّ ما حيك لها من أعذار بعد ذلك لم ترفع عن عثمان إصر إهدار الدم كما لم تمحُ إصرار المسلمين على أخذ القصاص من عبيد الله نحو ما روى البلاذري في الأنساب : « عن المدائني عن غياث بن إبراهيم أن عثمان صعد المنبر فقال : أيها الناس إنا لم نكن خطباء وان نعش تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله ، وقد كان من قضاء الله أن عبيد الله ابن عمر أصاب الهرمزان ، وكان الهرمزان من المسلمين ولا وارث له إلاّ المسلمون عامة ، وأنا أمامكم وقد عفوتُ أفتعفون؟ قالوا : نعم فقال عليّ : أقد الفاسق فإنه أتى عظيماً ، قتل مسلماً بلا ذنب. وقال لعبيد الله يا فاسق لئن ظفرت بك يوماً لأقتلنك بالهرمزان »(2) .

2 ـ مخالفة عثمان للحكم الشرعي في تعطيله الحد على الوليد :

وأعطف على موقف عثمان في تعطيله الحد على عبيد الله بن عمر تعطيله الحد على أخيه الوليد بن عتبة عامله على الكوفة لما شرب الخمر بالكوفة وقاءها في المحراب ، فخرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر : أبو زينب وجندب بن زهير وأبو حبيبة الغفاري والصعب بن جثامة. فأخبروه خبره. فقال عبد الرحمن بن عوف : ما له أجُنّ؟ قالوا : لا ولكنه سكر. فأوعدهم عثمان وتهددهم وقال

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 141.

(2) أنساب الأشراف 1ق4 / 510 تح ـ احسان عباس.

١٦٢

لجندب : أنت رأيت أخي يشرب الخمر؟ قال : معاذ الله ، ولكني أشهد أنّي رأيته سكران يقلسها من جوفه ، وأني أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل.

قال أبو إسحاق الهمداني : فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان ، وأنّ عثمان زبَرهم فنادت عائشة : إن عثمان أبطل الحدود وتوعّد الشهود(1) ، ويقال : أن عائشة أغلظت لعثمان وأغلظ لها وقال : وما أنتِ وهذا ، إنما أمرتِ أن تقرّي في بيتك ، فقال قوم مثل قوله ، وقال آخرون : ومن أولى بذلك منها ، فاضطربوا بالنعال ، وكان ذلك أوّل قتال بين المسلمين بعد النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم(2) ، وأستنكر المسلمون ذلك على عثمان. فقد أتاه عليّ بعد ما أتاه الشهود وشكوا إليه ضرب عثمان لبعضهم. فقال له : عطلت الحدود وضربت قوماً شهدوا على أخيك فقلبت الحكم ، وقد قال عمر : لا تحمل بني أمية وآل أبي معيط خاصة على رقاب الناس. قال : فما ترى؟ قال : أرى أن تعزله ولا توليه شيئاً من أمور المسلمين وأن تسأل عن الشهود ، فإن لم يكونوا أهل ظنّة ولا عداوة أقمت على صاحبك الحدّ(3) إلى أخر ما هنالك.

3 ـ ومن أسباب السخط على عثمان في مخالفته فيما يتعلق بأمور الشريعة أيضاً إتمامه الصلاة بمنى :

قال الطبري في تاريخه آخر حوادث سنة 29 : وحج بالناس في هذه السنة عثمان ، فضرب بمنى فسطاطاً ، فكان أوّل فسطاط ضربه عثمان بمنى ، وأتم الصلاة بها وبعرفة.

__________________

(1) نفس المصدر 1ق4 / 521.

(2) أنساب الأشراف 1ق4 / 522 ، وقارن بالأغاني 5 / 119.

(3) أنساب الأشراف 1ق4 / 522.

١٦٣

فذكر الواقدي عن عمر بن صالح بن نافع عن صالح مولى التوءمة قال سمعت ابن عباس يقول : إن أوّل ما تكلم الناس في عثمان ظاهراً أنّه صلّى بالناس بمنى في ولايته ركعتين ، حتى إذا كانت السنة السادسة أتمها ، فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، وتكلّم في ذلك من يريد أن يكثـّر عليه ، حتى جاءه عليّ فيمن جاءه ، فقال : والله ما حدث أمر ولا قدَم عهد ، ولقد عهدتَ نبيّك صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يصلي ركعتين ، ثمّ أبا بكر ثمّ عمر ، وأنت صدراً من ولايتك ، فما أدري ما ترجع إليه؟ فقال : رأيٌ رأيته.

قال الواقدي : وحدثني داود بن خالد عن عبد الملك بن عمرو بن أبي سفيان الثقفي عن عمه قال : صلّى عثمان بالناس بمنى أربعاً. فأتى آتِ عبد الرحمن بن عوف فقال : هل لك في أخيك؟ قد صلّى بالناس أربعاً ، فصلّى عبد الرحمن بأصحابه ركعتين ، ثمّ خرج حتى دخل على عثمان فقال له : ألم تصلّ في هذا المكان مع رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ركعتين؟ قال : بلى. قال : أفلم تصل مع أبي بكر ركعتين؟ قال : بلى ، قال : أفلم تصل مع عمر ركعتين؟ قال : بلى قال : ألم تصل صدراً من خلافتك ركعتين؟ قال : بلى ، قال فاسمع مني أبا محمّد إنّي أخبرت أن بعض من حج من أهل اليمن وجفاة الناس. قد قالوا في عامنا الماضي : ان الصلاة للمقيم ركعتان ، هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين ، وقد أتخذت بمكة أهلاً ، فرأيت أن أصلي أربعاً لخوف ما أخاف على الناس ، وأخرى قد أتخذت بها زوجة ، ولي بالطائف مال. فربّما أطلعته فأقمت فيه بعد الصَدرَ.

فقال عبد الرحمن بن عوف : ما من هذا شيء لك فيه عُذر. أمّا قولك : أتخذتَ أهلاً ، فزوجتك بالمدينة تخرج بها إذا شئت وتقدم بها إذا شئت ، إنّما تسكن بسكناك.

١٦٤

وأمّا قولك : ولي مال بالطائف ، فإن بينك وبين الطائف مسيرة ثلاث ليال ، وأنت لست من أهل الطائف. وأمّا قولك رجع من حج من أهل اليمن وغيرهم فيقولون : هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين وهو مقيم ، فقد كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ينزل عليه الوحي والناس يومئذ الإسلام فيهم قليل ، ثمّ أبو بكر مثل ذلك ثمّ عمر ، فضرب الإسلام بجرانه فصلّى بهم عمر حتى مات ركعتين ، فقال عثمان : هذا رأي رأيته. قال : فخرج عبد الرحمن فلقي ابن مسعود فقال : أبا محمّد غيّر ما يُعلم قال : لا ، قال : فما أصنع؟ قال : إعمل أنت بما تعمل فقال ابن مسعود : الخلاف شرّ ، قد بلغني أنّه صلّى أربعاً فصليت بأصحابي أربعاً.

فقال عبد الرحمن بن عوف : قد بلغني أنّه صلّى أربعاً ، فصليت بأصحابي ركعتين ، وأمّا الآن فسوف يكون الّذي تقول. يعني نصلي معه أربعاً(1) .

ذكر البلاذري في حديث له عن ابن عمر قال : « صليت مع رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم بمنى ركعتين ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان صدراً من خلافته ، ثمّ أتمها أربعاً فتكلّم الناس في ذلك فأكثروا ، وسئل أن يرجع عن ذلك فلم يرجع »(2) .

وأخيراً سأل حميد الضمري ابن عباس فقال : إنّي أسافر فأقصّر الصلاة في السفر أم أتمها؟ فقال ابن عباس : لست تقصرها ولكن تتمها وسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمناً لا يخاف إلاّ

__________________

(1) قارن تواريخ ابن الأثير 3 / 42 ط بولاق ، وابن كثير 7 / 154 ط السعادة ، وابن خلدون 2 / 386 ط مصر الأولى.

(2) أنساب الأشراف 1ق4 / 527 تح ـ إحسان عباس.

١٦٥

الله فصلّى اثنتين حتى رجع. ثمّ خرج أبو بكر لا يخاف إلاّ الله فصلّى ركعتين حتى رجع ، ثمّ خرج عمر آمناً لا يخاف إلاّ الله فصلّى اثنتين حتى رجع ، ثمّ فعل ذلك عثمان ثلثي إمارته أو شطرها ثمّ صلاها أربعاً ، ثمّ أخذ بها بنو أمية(1) .

وقول ابن عباس : « لست تقصرها ولكن تتمها » استفسار منه لتسمية السائل الصلاة في السفر بالقصر ، بينما التمام الآن الفريضة في السفر أن يصلي ركعتين ركعتين فهي التمام.

4 ـ ومن مخالفته للشريعة استحداثه الأذان الثالث بعد الأذان والإقامة :

أخرج البخاري في صحيحه باب الأذان في يوم الجمعة عن السائب بن يزيد أنّ الّذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان وأيضاً في باب التأذين عند الخطبة بسنده عن السائب بن يزيد قال : « أنّ الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم وأبي بكر وعمررضي‌الله‌عنهما فلمّا كان في خلافة عثمانرضي‌الله‌عنه وكثروا ، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث ، فأذن به على الزوراء ، فثبت الأمر على ذلك »(2) ، وهذا أخرجه أصحاب السنن الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم.

5 ـ ومن مخالفته للشريعة أخذ الزكاة من الخيل ولم يوجبها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا من بعده لكن عثمان أوجبها على الناس فنقموا ذلك عليه :

روى البلاذري بسنده عن الزهري ان عثمان كان يأخذ من الخيل الزكاة ، فأنكر ذلك من فعله الصحابة ومنهم ابن عباس فقد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق وليس فيما دون المائتين زكاة »(3) .

__________________

(1) كنز العمال 4 / 240 ط الأولى و 8 / 154 ط الثانية بحيدر آباد.

(2) صحيح البخاري 2 / 8 و 9 ط بولاق كتاب الجمعة.

(3) أنساب الأشراف 1ق4 / 513 تح ـ إحسان عباس ، ومجمع الزوائد 3 / 69 نقلا عن الطبراني في الصغير والأوسط.

١٦٦

6 ـ ومن مخالفته للشريعة في مسائل الصلاة تقديمه الخطبة على الصلاة في العيدين :

وهو أوّل من فعل ذلك وقد عدّه السيوطي والسكتواري من أولياته في كتابيهما في الأوائل. وجاء في نيل الأوطار للشوكاني عن أبي غسان قال : « أوّل من خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان ، ويبدو ممّا ذكره ابن حجر في فتح الباري انّه كان أولاً يصلي ثمّ يخطب ، ثمّ غيّر ذلك بعد فعيب عليه »(1) .

قال ابن حجر في فتح الباري : « روى ابن المنذر عن عثمان بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال : أوّل من خطب قبل الصلاة عثمان صلّى بالناس ثمّ خطبهم ، فرأى أناساً لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك ، أي صار يخطب قبل الناس وهذه العلة غير الّتي أعتل بها مروان ، لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة ، وأمّا مروان فراعى مصلحتهم في اسماعهم الخطبة ، لكن قيل : إنّهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سبّ ما لا يستحق السبّ ، والافراط في مدح بعض الناس. فعلى هذا إنّما راعى مصلحة نفسه ، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحياناً بخلاف مروان فواظب عليه اهـ »(2) .

ولا يخفى تصوير التعذير من علماء التبرير ، وحسبنا في إنكار ذلك بقول ابن عباس : وقد أخرجه البخاري باب الخطبة بعد العيد عن ابن عباس قال : « شهدت العيد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر وعثمانرضي‌الله‌عنهم فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة »(3) .

__________________

(1) نيل الأوطار 3 / 376.

(2) فتح الباري 2 / 361.

(3) صحيح البخاري 2 / 18.

١٦٧

وفي كتاب الزكاة باب العرض في الزكاة عن ابن عباس قال : « أشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي قبل الخطبة »(1) .

7 ـ ومن مخالفته للشريعة في مسائل الحج نهيه عن متعة الحج :

أخرج أحمد في مسنده بإسناده عن عبد الله بن الزبير قال : « والله إنا لمع عثمان بن عفان بالجحفة ، ومعه رهط من أهل الشام فيهم حبيب بن سلمة الفهري إذ قال عثمان وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج ، إنّ أتمّ للحج والعمرة أن لا يكونا في أشهر الحج ، فلو أخّرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل فإنّ الله تعالى قد وسّع في الخير. وعليّ بن أبي طالب في بطن الوادي يعلف بعيراً له ، قال : فبلغه الّذي قال عثمان ، فأقبل حتى وقف على عثمان فقال : أعمدت إلى سنّة سنّها رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، ورخصة رخّص الله تعالى بها للعباد وفي كتابه تضيّق عليهم فيها وتنهى عنها. وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار؟ ثمّ أهّل بحجة وعمرة معاً »(2) .

وأخرج أحمد أيضاً الحديث بأخصر ممّا مرّ عن مروان بن الحكم وفيه : « كنّا نسير مع عثمان فإذا رجل يلبّي بهما جميعاً فقال عثمان من هذا؟ فقالوا عليّ. فقال : ألم تعلم أنّي قد نهيت عن هذا؟ قال : بلى ، ولكن لم أكن لأدع قول رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم لقولك »(3) .

وفي حديث ثالث لأحمد عن عبد الله بن شقيق : « كان عثمان ينهي عن المتعة وعليّ يأمر بها فقال عثمان لعليّ : أنّك كذا وكذا (؟) »(4) .

__________________

(1) نفس المصدر 2 / 116.

(2) مسند أحمد 2 / 90 ح 707 تح ـ أحمد محمّد شاكر.

(3) نفس المصدر 2 / 102 ح 733.

(4) نفس المصدر 2 / 102 ح 756.

١٦٨

وفي حديث لأحمد عن سعيد بن المسيب قال : « اجتمع عليّ وعثمان بعُسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال عليّ : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم تنهى عنها فقال عثمان دعنا منك »(1) .

8 ـ ومن مخالفته للشريعة في مسائل الحج أيضاً :

أخرج أحمد في مسنده : « انّ عثمان نزل قُديداً فأتي بالحَجَل في الجفان شائلة بأرجلها ، فأرسل إلى عليّ وهو يضفز(2) بعيراً له فجاء والخبط يتحاتّ من يديه ، فأمسك عليّ وأمسك الناس فقال عليّ : من هنا من أشجع؟ هل تعلمون أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاءه أعرابي ببيضات نعام وتتمير(3) وحش فقال : أطعمهن أهلك فإنا حُرَم؟ فقالوا بلى فتورّك عثمان عن سريره فقال : خبثت علينا »(4) .

وفي حديث ذكره ابن حزم في المحلى عن سعيد بن منصور : « انّ عثمان ابن عفان كان يصاد له الوحش على المنازل ثمّ يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته ، ثمّ أن الزبير كلّمه فقال : ما أدري ما هذا يُصاد لنا ومن أجلنا »(5) .

وأخرج عبد الرزاق في المصنف بسنده عن معمر وابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد قال : « سمعت عبد الله بن الحارث بن نوفل يقول : كنت مع عثمان بين مكة والمدينة ونحن محرمون ، فأصطيدت له ، فأمر أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل

__________________

(1) نفس المصدر 2 / 266 ح 1146.

(2) أي يعلفه الضفائز وهي اللقم الكبار ومن الضفيز وهو الشعير المجروش تعلفه الأبل (راجع النهاية ضفز) ، ووقع مصحفاً في مجمع الزوائد (يصفن) ، وفي تفسير الطبري (يضفر) والصواب ما قدمناه.

(3) التتمير : اللحم المقطّع صغاراً وتتمير اللحم تقطيعه وتجفيفه.

(4) مسند أحمد 2 / 139ح 814 ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 3 / 229 وقال : رواه أحمد وفيه عليّ بن زيد وفيه كلام وقد وثـّق وبقية رجاله رجال الصحيح.

(5) المحلى 7 / 254 محقق.

١٦٩

هو قال : أصطيدت أو أميتت بأسمي ، قال فقام عليّ فقيل لعثمان أنّه كره أكلها فأرسل إليه فقال عليّ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ) (1) فقال له عمرو في فيك التراب فقال له عليّ بل في فيك التراب »(2) .

أقول : هكذا روى عبد الرزاق ، وأحسب أنّ كلمة (ولم يأكل هو) إقحام لحفظ ماء الوجه ، كما أن كلمة عمرو أحسبها كذلك والصواب : عثمان ، فهو صاحب الأمر منه بدء المشادّة حين أرسل إلى عليّ ومرّ في حديث ابن حزم أنّه أكل من الصيد وهو محرم إلى غير ذلك من مخالفات الأحكام.

ومن مفارقات عثمان العجيبة الغريبة انّه سُمع وهو يخطب الناس فيقول : « أجتنبوا الخمر فإنّها أم الخبائث ـ ثمّ ضرب لهم مثلاً برجل عابد عشقته إمرأة فاحتالت عليه حتى أحضرته في بيتها ودعته إلى نفسها أو يشرب الخمر أو يقتل غلاماً كان عندها وإلاّ فضحته فشرب الخمر فقتل الغلام ووقع على المرأة ـ ثمّ قال : فاجتنبوا الخمر ، فوالله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في قلب رجل إلاّ أوشك أن يخرج صاحبه الّذي كان يشرب الخمر ».

فهو مع هذا التحذير الشديد للناس ، لم يردع تحذيره ابنه الوليد بن عثمان فكان ينادم الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو الّذي جاء إليه بابن سيحان حليف بني صرب فشربوا حتى أصاب الوليد بن عتبة خمار فقال لابن سيحان أشرب فأتي بأداوة فيها فضلة شراب فشربها ثمّ أنشده شعراً(3) .

فهؤلاء ثلاثة كلّ اسمه الوليد شربوا الخمر أيام عثمان : ابنه الوليد ينادم ابن عمه الوليد بن عتبة ، أضف إليهم أخاه الوليد بن عقبة الّذي هو أخو عثمان لأمه ،

__________________

(1) المائدة / 96.

(2) المصنف لعبد الرزاق 4 / 434.

(3) أنظر أنساب الأشراف 1ق4 / 613 تح ـ إحسان عباس.

١٧٠

وواليه على الكوفة فشرب الخمر وقاءها في المحراب ، بينما هو ينهى الناس ويحذرهم من شرب الخمر( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ) (1) .

ومن المحزن أن نقرأ ما رواه مصعب الزبيري في نسب قريش(2) عن أبي الزنّاد ، والبلاذري في الأنساب بسنده عن محمّد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزنّاد عن أبيه : أنّ رجلاً كان آنس بعثمان ، وكان الرجل من ثقيف ، فحدّ في الشراب. فقال له عثمان لن تعود والله إلى مجلسي والخلوة معي (؟) ما لم يكن معنا ثالث(3) .

فشرّيبو الخمر أحبابه ومن جلاّسه فبعد أيّ موعظة منه للناس تنفعهم؟

وقد يفاجأ القارئ إذا ما قرأ عن الوليد بن عثمان : وكان صاحب شراب وفتوة. وقتل أبوه عثمان وهو مخلّق في حَجلـَته(4) .

وقال المسعودي : « وكان الوليد صاحب شراب وفتوة ومجون ، وقتل أبوه وهو مخلّق الوجه سكران عليه مصبّغات واسعة »(5) .

مخالفاته للشريعة في الأموال والمحاباة بالولايات :

أمّا مخالفته للشريعة في الأموال ومخالفته في المحاباة بالولايات فتلك هي الّتي أثارت عليه الزوابع من هنا وهناك ، فتعالى النكير وكثر النفير ، حتى انتهى به إلى سوء المصير. وكانت عمدة الحجة عليه مخالفته للشريعة في تلك الهبات

__________________

(1) البقرة / 44.

(2) نسب قريش / 102 ـ 103ط دار المعارف.

(3) أنساب الأشراف 1ق4 / 493.

(4) المعارف لابن قتيبة / 208ط دار الكتب سنة 1960.

(5) مروج الذهب 2 / 341ط الثالثة سنة 1377 هـ 1958م ط السعادة تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد.

١٧١

والمحاباة مضافاً إلى مخالفته لسيرة من كان قبله وقد أخذ عليه عبد الرحمن شرط العمل بسيرة الشيخين.

ولابدّ لنا من عرض نصوص تدل على ما قلناه :

1 ـ قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج : « لمّا بنى عثمان قصره طمار الزوراء وضع طعاماً كثيراً ودعا الناس إليه كان فيهم عبد الرحمن ، فلمّا نظر إلى البناء والطعام قال : يابن عفـّان لقد صدّقنا عليك ما كنا نكذّب فيك ، وإني أستعيذ بالله من بيعتك ، فغضب عثمان وقال : أخرجه عني يا غلام ، فأخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه فلم يكن يأتيه أحد إلاّ ابن عباس كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض(1) ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وكلـّمه فلم يكلـّمه حتى مات »(2) .

2 ـ قال ابن عبد ربه في العقد الفريد : « لمّا أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمّد قيل لعبد الرحمن هذا عملك قال : ما ظننت هذا ، ثمّ مضى ودخل عليه وعاتبه وقال إنّما قدّمتك على ان تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال : انّ عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في الله. قال عبد الرحمن : لله عليَّ أن لا أكلمك أبداً ، فلم يكلّمه حتى مات وهو مهاجر لعثمان ، ودخل عليه عثمان عائداً له في مرضه فتحوّل عنه إلى الحائط ولم يكلّمه »(3) .

__________________

(1) لقد مرّ بنا في ذكر حديث الفلتة ، ان ابن عباس كان يقريء جماعة من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف ، فراجع.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 66ط مصر الاُولى.

(3) العقد الفريد 2 / 280ط محققة لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر.

١٧٢

3 ـ روى البلاذري في أنساب الأشراف ، وقال أبو مخنف والواقدي في روايتيهما : « أنكر الناس على عثمان إعطاءه سعيد بن العاص مائة ألف درهم. وكلّمه عليّ والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف في ذلك ، فقال : إنّ له قرابة ورَحماً قالوا أما كان لأبي بكر وعمر قرابة ورحم؟ فقال : إن أبا بكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي. قالوا : فهديهما والله أحب إلينا من هديك ، فقال : لا حول ولا قوة إلّا بالله »(1) .

4 ـ روى البلاذري في كتابه أنساب الأشراف بإسناده عن محمّد بن سهل ابن سعد الساعدي قال : « تنازع عليّ وطلحة في شِرب(2) فكان عليّ يحب إقرارَه ، وكان طلحة يُحبّ إبطاله ، فاختصما إلى عثمان ، فركب معهما إلى الشِرب ، ووافاهم معاوية قادماً من الشام فأدركته المنافية فقال : إن كان هذا الشِرب مُقرّاً في خلافة عمر فمن ذا يغيّر شيئاً أقرّه عمر؟ فلقنها عثمان فقال : هذا شِرب لم يغيّره عمر ولسنا بمغيّري ما أقره عمر.

فقال طلحة : وما الّذي أنت عليه من أمر عمر؟ اهـ »(3) .

فماذا تعني كلمة طلحة : « وما الّذي أنت عليه من أمر عمر »؟ إن هي إلاّ نقد لاذع لعثمان في وجهه بأنّه تخلّف عما اشترطه عليه عبد الرحمن بن عوف من السير بسيرة الشيخين فأنعم له فبايعه وتابعه الناس على ذلك ، ومقارنة بسيطة بين السيرتين نجد البـون شاسعاً وحسبنا عرضاً عابراً فـي موضوع الإدارة والمال فحسب.

__________________

(1) أنساب الأشراف 1ق 4 / 515 تح ـ إحسان عباس ط بيروت.

(2) الشرِب : الماء المشروب والحوض المورود.

(3) أنساب الأشراف 1ق4 / 499.

١٧٣

مخالفته للسيرة العمرية :

قال طه حسين في الفتنة الكبرى : « وأنكر المسلمون على عثمان موقفه من ناقديه ومعارضيه فهو قد انحرف عن سيرة عمر في ذلك انحرافاً عظيماً ، فعمر لم يَنهَ عمّاله عن شيء كما نهاهم عن أن يستعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، ولم يحذّرهم من شيء كما حذّرهم من العنف بالرعية ، والاعتداء على أبشارها وأشعارها ، فلم يكن عمر إذن يبيح ضرب الناس إلاّ في الحدود ، ولم يكن يعفي عمّاله من القصاص إن تعدّوا على الرعية بالضرب في غير حدّ ، او في غير حقّ من الحقوق ، فأمّا عثمان فمهما يكن اعتذار أهل السنّة والمعتزلة عنه ، فإّنه قد أسرف وترك عمّاله يسرفون في العنف بالرعية ضرباً ، ونفياً ، وحبساً ، وهو نفسه قد ضرب أو أمر بضرب رجلين من أعلام أصحاب النبيّ : ضرب عمّار بن ياسر حتى اصابه الفتق ، وأمر من أخرج عبد الله بن مسعود من مسجد النبيّ إخراجاً عنيفاً حتى كسر بعض أضلاعه »(1) .

وقال أيضاً : « فهذه السياسة العنيفة الّتي تسلّط الخليفة وعمّاله على أبشار الناس وأشعارهم وعلى أمنهم وحريتهم ، ليست من سيرة النبيّ ولا من سيرة الشيخين في شيء اهـ »(2) .

والآن إلى شيء من سيرة عمر الّتي خالفها عثمان عملاً واحتج بها قولاً كما مرّ في قوله لطلحة : « ولسنا بمغيّري ما أقره عمر » ، فقال طلحة : « وما الّذي أنت عليه من أمر عمر ». فقد كان لعمر عمالاً على البلاد جلّهم ممّن رضي المسلمون

__________________

(1) الفتنة الكبرى 1 / 198.

(2) نفس المصدر 1 / 199.

١٧٤

هديه وسمته مثل سلمان وابن مسعود وعمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص ، وغيرهم آخرون فإن هم لم يبلغوا صلاح هؤلاء ولكنهم لرقابة عمر وتطلّع أخبارهم ، كانوا أطوع له من يرفأ غلامه ، كما انّه كان يسمع من الناس شكايتهم من عماله فيحاسبهم ، وما حديث مقاسمته لعماله إلاّ نتيجة رسالة أبي المختار يزيد بن قيس بن يزيد إليه ، فقد أرسل إليه شعراً يقول فيه شاكياً عمال عمر على كور الأهواز :

أبـلـغ أمـيـر المـؤمنـين رسالة

فـأنـت أمـين فـي الـنـهي والأمر

وأنت أمـيـن الله فـيـنا ومـن يكن

أمـيـنـاً لرب العرش يسلم له صدري

فـلا تـدعـن أهل الرساتيق والقرى

يسـيـغون مال الله فـي الأدم والـوفر

فأرسل إلى الحجاج(1) فأعرف حسابه

وأرسل الى جزء(2) وأرسل الى بشر(3)

ولا تـنـسـين النـافعـين(4) كليهما

وَلا ابـن غلاب(5) من سراة بني نصر

ومـا عـاصم(6) مـنها بصفر عيابه

وذاك الّذي في السوق مولى بني بدر(7)

وأرسل إلى النعمان(8) اعرف حسابه

وصـهـر بني غزوان(9) إنّي لذو خُبر

__________________

(1) الحجاج بن عتيك وكان على الفرات.

(2) جزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرّق.

(3) بشر بن المحتفز كان على جندي سابور.

(4) هما نافع ونفيع ابني الحرث بن كلدة الثقفي.

(5) خالد بن الحرث من دهمان كان على بيت المال باصبهان.

(6) عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر.

(7) سمرة بن جندب كان على سوق الأهواز.

(8) النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة.

(9) مجاشع بن مسعود السلمي صهر بني غزوان كان على البصرة وصدقاتها.

١٧٥

وشبل(1) فسله المال وابن محرّش(2)

فـقـد كـان في أهل الرساتيق ذا ذكر

فـقـاسمـهم أهـلي فداؤك إنّهم

سـيـرضون إن قاسمتهم منك بالشطر

ولا تـدعوني للشـهـادة إنني

أغـيـب ولكني أرى عـجـب الدهر

نؤوب إذا آبوا ونغزوا إذا غـزوا

فـأنّى لـهـم وفرٌ ولـسنا أولي وفر

إذا الـتـاجر الداريّ جـاء بفارة

من المسك راحت في مفارقهم تـجري

ولمّا وصلت إليه الرسالة ، أرسل عليهم وحاققهم محاسبة شديدة ثمّ شاطرهم حتى روى البلاذري أنّه أخذ نعلاً وترك نعلاً(3) .

وروى عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : « كان عمر بن الخطاب إذا استعمل عاملاً كتب عليه كتاباً وأشهد عليه رهطاً من الأنصار : أن لا يركب برذوناً ، ولا يأكل نقيّاً ، ولا يلبس رقيقاً ، ولا يغلق باباً دون حاجات المسلمين ، ثمّ يقول : اللّهمّ اشهد »(4) .

وكان يخطب ويقول : « أيّها الناس انّي والله ما أرسل إليكم عمّالاً ليضربوا أبشاركم ، ولا ليأخذوا أموالكم ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم ، فمن فُعِل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليّ ، فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه »(5) .

ألم يغلظ في حسابه مع عمرو بن العاص وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وخالد بن الوليد وغيرهم من عمّاله؟.

__________________

(1) شبل بن معبد البجلي ثمّ الأحمسي كان على قبض المغانم.

(2) أبو مريم ابن محرّش الحنفي كان على رامهرمز.

(3) أنظر فتوح البدان / 391 ـ 392 ط مصر سنة 1319.

(4) تاريخ عمر لابن الجوزي / 85 ، وقارن تاريخ الطبري 4 / 207.

(5) تاريخ الطبري 4 / 204.

١٧٦

ألم يعزل عامله الّذي أنفق عشرة دراهم لاتخاذ بيت لقضاء الحاجة أخذها من بيت المال وقال : « أما وجدت موضعاً تقضي فيه الحاجة حتى أخذت عشرة دراهم من بيت المال اتخذت بها خلاءً لقضاء حاجتك »(1) .

ألم يبعث محمّد بن سلمة الأنصاري من المدينة إلى الكوفة ليحرق باب قصر سعد والخص من قصب الّذي حوله(2) .

أليس هو القائل : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسّمتها على فقراء المهاجرين؟ »(3) .

ثمّ هو القائل : « لئن عشت ـ إن شاء الله ـ لأسيرنّ في الرعية حولاً ، فإنّي أعلم أنّ للناس حوائج تقطع دوني ، أمّا عمالهم فلا يرفعونها إليّ ، وأمّا هم فلا يصلون إليَّ. فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين ، ثمّ أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين ، ثمّ أسير إلى مصر فاُقيم بها شهرين ، ثمّ أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين ، ثمّ أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين ، ثمّ أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين. والله لنعم الحول هذا »(4) .

هذه نبذه مقتطفة من سيرة عمر مع عماله ومراقبتهم في الشؤون المالية والإدارية. وعلى هذه السيرة كان شرط ابن عوف على عثمان. ولمّا تخلف عن شرطه أدى ذلك إلى قتله. حكى الجاحظ في رسالته العثمانية قول القائل : « ماقتل عثمان غير عمر »(5) .

__________________

(1) الفتوحات الاسلامية زيني رحلان 2 / 301.

(2) فتوح البلدان / 286.

(3) تاريخ الطبري 4 / 226 ط دار المعارف.

(4) سيرة عمر لابن الجوزي / 90 ، وقارن تاريخ الطبري 4 / 201.

(5) الرسالة العثمانية / 184.

١٧٧

محاباة عثمانية للقرابة :

لقد كان من سوء التدبير عند عثمان تقديمه بني أمية ـ الذين لسوء حظهم ـ كانوا من أواخر المعترفين بالإسلام ، ومع ذلك شملهم بعطفه مع أنهم الأوائل الذين قاوموه وحاربوه ، والناس على ذُكر ممّا قاله نبي الإسلام فيهم حين قال لهم : (الطلقاء) ، وجعلهم من المؤلفة قلوبهم ، وحذّر منهم المسلمين ، وقال أبو برزة الأسلمي : « كان أبغض الأحياء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنو اُمية وبنو حنيفة وثقيف »(1) ، ولكن عثمان بسوء تقديره وتدبيره خضع لأسباب القرابة حتى أورثه ذلك نقمة الصحابة والمسلمين ، فأسمعوه الكلمات الجارحة في وجهه ، والنقد المرير في غيبته ، لأنهم لم يكونوا قد عرفوا مثل ذلك من قبل أيام عمر.

قال الشيباني : « أوّل من آثر القرابة والأولياء عثمان بن عفان »(2) .

وإلى القارئ أسماء بعضهم ممّن حباهم بالمال والولايات ، حتى انتكث عليه فتله :

1 ـ الحكم بن أبي العاص وهو عم عثمان ، قال الحلبي في سيرته : « كان قال له طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعينه ، وقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرده الى الطائف ومكث به مدة رسول الله ومدة أبي بكر بعد أن سأله عثمان في إدخاله المدينة فأبى فقال له عثمان : عمي. فقال : عمك إلى النار ، هيهات هيهات أن أغيّر شيئاً فعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله لا رددته أبداً. فلمّا توفي أبو بكر وولى عمر كلمه عثمان في ذلك فقال له : ويحك ياعثمان تتكلم في لعين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطريده وعدو الله وعدو رسوله؟.

__________________

(1) مستدرك الحاكم 4 / 480 وصححه مع الذهبي على شرط الشيخين.

(2) العقد الفريد 2 / 365 ط لجنة التأليف والترجمة والنشر.

١٧٨

فلمّا ولي عثمان ردّه الى المدينة فاشتد ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة ، فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه اهـ »(1) .

وروت عائشة : « إنّ قوله تعالى :( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ) (2) الآية نزلت فيه »(3) ، وقالت لمروان بن الحكم : « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لأبيك وجدك ـ أبي العاص بن أمية ـ انكم الشجرة الملعونة في القرآن »(4) ، وقالت أيضاً لمروان في كلام بينهما : « ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه ، فمروان فضض من لعنة الله »(5) .

ولمّا رد عثمان عمه الحكم بن أبي العاص طريد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطريد أبي بكر وعمر إلى المدينة تكلم الناس في ذلك فقال عثمان : « ماينقم الناس مني؟ إنّي وصلت رحماً وقرّبت قرابة »(6) ، ولقد رآه بعضهم يوم قدم المدينة عليه فزر(7) خلق وهو يسوق تيساً حتى دخل دار عثمان والناس ينظرون إلى سوء حاله وحال من معه ، ثمّ خرج وعليه جبة خزّ وطيلسان(8) ؟ ولم يكتف بارجاعه بل ولاه صدقات

__________________

(1) السيرة الحلبية 2 / 85.

(2) القلم / 10 ـ 11.

(3) تفسير الدر المنثور 6 / 41 و 251 ، وتفسير الشوكاني 5 / 263 ، وتفسير الآلوسي 29 / 28 ، والسيرة الحلبية 1 / 337 ، وسيرة زيني دحلان بهامش الحلبية 1 / 245.

(4) الدر المنثور 4 / 191 ، وتفسير الآلوسي 15 / 107 ، وتفسير الشوكاني 3 / 231 وغيرها.

(5) تفسير القرطبي 16 / 197 ، وتفسير ابن كثير 4 / 159 ، وتفسير الرازي 7 / 491 ، وتفسير الآلوسي 26 / 20 وغيرها وجاء في الفائق للزمخشري (فضض) قالت لمروان : فأنت فظاظة لعنة الله ولعنة رسوله. وقال الزمخشري : افتظظت الكرش إذا اعتصرت ماءها كأنه عصارة قذرة من اللعنة.

(6) العقد الفريد 4 / 305 ط محققة.

(7) تفزر الثوب وأنفزر أنشق وتقطّع وبلي. (قطر المحيط ـ فزر).

(8) تاريخ اليعقوبي 2 / 141.

١٧٩

قضاعة فبلغت ثلثمائة ألف درهم فوهبها له حين أتاه بها(1) . وقال عبد الرحمن بن يسار : « رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى أتاها عثمان فقال له ادفعها إلى الحكم بن أبي العاص »(2) ، ولمّا مات صلّى عليه وضرب على قبره فسطاطاً(3) .

2 ـ أبو سفيان بن حرب ، وهذا هو رأس المنافقين والقائل حين قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تلقفـّوها الآن تلقـّف الكرة فما من جنة ولا نار »(4) .

ولم يزل على تلك المقولة حتى قالها وهو أعمى البصر والبصيرة حين دخل على عثمان يوم بويع بالخلافة فقال : « تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة فو الّذي يحلف به أبو سفيان مازلت ارجوها لكم ولتصيرنّ إلى صبيانكم وراثة »(5) ، وفي لفظ الطبري : « تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار »(6) .

وروى ابن عساكر في تاريخه عن أنس أن أبا سفيان دخل على عثمان بعد ماعمي فقال : « هل هنا أحد؟ فقالوا لا : فقال : اللّهمّ اجعل الأمر أمر جاهلية ، والملك ملك غاصبية ، واجعل أوتاد الارض لبني أمية »(7) . وفي رواية ابن عبد البر عن الحسن : أنّه قال لعثمان : « صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني اُمية فإنما هو الملك؟ ولا أدري ما جنة ولا نار »(8) ، فهذا شيخ

__________________

(1) أنساب الأشراف 1ق4 / 515.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 145.

(3) أنساب الأشراف 1ق4 / 514.

(4) نفس المصدر 1ق4 / 13 تح ـ إحسان عباس بيروت.

(5) مروج الذهب 1 / 440.

(6) تاريخ الطبري 11 / 357.

(7) تهذيب تاريخ ابن عساكر لابن بدران 6 / 407.

(8) الاستيعاب 2 / 690.

١٨٠